
أريدُ أن نَنظُر إلى إنجيل يوحنَّا والأصحاحات 13 و14 و15 و16 لأنَّني أشعُر أنَّ هذا المقطعَ هو مَقطعٌ مُهمٌّ جدًّا في الكتاب المقدَّس. وهناك مَقاطع كثيرة في الكتاب المقدَّس ثَمينة جدًّا عند المؤمن. ومِن الواضح أنَّ بعضًا منها عَزيزٌ أكثر مِن غيره. ولكن في حياتي الشخصيَّة، ومِن وجهة نظري الشخصيَّة، أعتقد أنَّ هذا المقطع هو أثمنُ مقطع في كُلِّ كلمة الله؛ أي إنجيل يوحنَّا والأصحاحات مِن 13 إلى 16. والسَّببُ في ذلك هو أنَّه يَحوي الكثير مِن التَّحَنُّن، والكثير مِن العاطفة، والكثير مِن التَّعاطُف، والكثير مِن المحبَّة. ولكن فوق هذا كُلِّه، لأنَّه ميراث يسوع المسيح إلى أولاده، أو إلى تلاميذه، أو إلى أتباعه، أو إلينا نحن الَّذينَ نَعرفُه ونُحبُّه. وكما ذَكرتُ لكم في المَرَّة السابقة، مِن المؤكَّد أنَّ وَصيَّةَ يسوعَ الأخيرة وكلماتِه الأخيرة لتلاميذه ذات أهميَّة قُصوى بالنسبة إلينا. فعندما نُدرك أنَّ يسوعَ المسيحَ [الَّذي كانَ على وَشْكِ مُغادرةِ هذا العالَم] قد تَركَ لنا إرْثًا عظيمًا، سَيُغني ذلك حياتَنا بصورة عظيمة حتَّى إنَّه سيَحْفِزُنا على فَهم وتقدير هذه الأشياء المذكورة في هذا المقطع. ويمكنكم أن تقولوا إنَّ هذه الأشياء هي أثمن مُمتلكاتٍ لدى المؤمنين.
والآن، لَعلَّكُم تَذكُرون أنَّ الأصحاحات 13 و14 و15 و16 مِن إنجيل يوحنَّا تَصِفُ واقعة واحدة حدثت في العِليَّة في اللَّيلة الَّتي سبقت القبض على يسوع وصَلبِه. فهذه هي المَرَّة الأخيرة الَّتي يَقضيها مع تلاميذه. فالأصحاحاتُ الاثنا عشر الأولى مِن إنجيل يوحنَّا تتحدَّث عن خدمة يسوع في منطقة إسرائيل بأسرِها. والأصحاحات 13-16 مِن إنجيل يوحنَّا تتحدَّث عن خدمة يسوع إلى تلاميذه. والأصحاح 17 يتحدَّث عن صلاته إلى الآب. والأصحاحات 18 وما يَليه تتحدَّث عن موته وقيامته. لذا فإنَّ جوهرَ هذه الخدمة المُحدَّدة الَّتي قَدَّمَها يسوعُ لتلاميذه يَتَكَشَّفُ بكلِّ وضوح هُنا في إنجيل يوحنَّا والأصحاحات مِن 13 إلى 16 إذ نَراهُ يَقطع وعودًا لخاصَّته؛ وهي وعود تَمتدُّ إلى ما وراء هؤلاء التَّلاميذ لتَشمل كلَّ شخصٍ يُسَمِّي اسم المسيح.
فقد أعلنَ لهم إنَّه سيموت. وكانت هذه ضربة لهم. فقد حَزنوا كثيرًا. وهو يقول في الأصحاح السَّادس عشر والعدد السَّادس: "لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ". فقد كان هؤلاء التَّلاميذ قد وضعوا كلَّ ثقتهم في المسيح. فقد اتَّكلوا تمامًا عليه. وأنا لا أتحدَّث هنا بالمعنى الرُّوحيِّ فقط، بل أتحدَّث بالمعنى الجسديِّ أيضًا، وبالمعنى العاطفيِّ، وحتَّى بالمعنى الماديِّ. فقد اتَّكلوا عليه في كلِّ شيء يَختصُّ بوجودهم. وها هو الآن يُعلن لهم أنَّه سيتركهم. ولكنَّهُ يُسارع إلى القول: "ولكن لديَّ إرْثٌ أريدُ أن أترُكَهُ لكم". وقد صار هذا الميراثُ ميراثَ كلِّ مؤمن على مَرِّ العُصور. وهذا هو الشَّيء الَّذي وَضعَهُ يسوعُ لتشجيع قلوب تلاميذه، ولتقويتهم في وقت الحُزن والتَّوتُّر الشَّديدَيْن لأنَّهم سيَرونَ أنَّه سيَتِمُّ القبضُ عليه وأنَّه سيُصلَب.
وقد ذَكرتُ في المَرَّة السابقة خمسةً مِن الأشياء العشرة الَّتي هي ميراث يسوع لأولاده. والشَّيءُ الأوَّل الَّذي تَرَكَهُ لنا هو "البُرهان على محبَّته". وهذا موجود في الأصحاح 13. فقد تَرك لنا بُرهانًا على محبَّته إذ إنَّنا نقرأ في نهاية العدد الأوَّل مِن الأصحاح الثَّالث عشر: "إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى". فقد أحبَّهُم محبَّة كاملة، وأراد مِنهم أن يَعلموا أنَّه أَحبَّهُم لأنَّهم قد يشعرون بسبب تَركه لهم أنَّه لا يُبالي إلى حَدٍّ ما بحاجتهم، أو أنَّه ابتعدَ عنهم قليلًا لأنَّه تَركهم في مِثل هذا الظَّرف القاسي مِن دون أيِّ عَوْن. لذا فقد أراد منهم أن يَعلموا أنَّ هذه ليست الحقيقة، بل إنَّهُ يُحبُّهم حقًّا؛ بل يُحبُّهم محبَّة كاملة. لِذا فإنَّنا نَراهُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 13 يَغسِلُ أَرجُلَهم علامةً على محبَّته لهم، ورمزًا لمحبَّته لهم إذ إنَّه اتَّضَعَ ليخدمهم بأحطِّ أشكال الخدمة الَّتي يمكننا أن نَتخيَّلَها. وهو يقول: "والآن، هذه هي المحبَّة. وهذه هي الطريقة الَّتي أريد منكم أن تُحِبُّوا بها بَعضُكم بعضًا مِن خلال هذا النَّوع مِن الخدمة المُتواضعة". لذا فقد أعطاهُم ذلك البُرهانَ الجميلَ على مَحبَّتِه.
ولكن في إنجيل يوحنَّا 15: 12، لَعلَّكُم تَذكرون أنَّنا درسنا الأعداد 12-14 بإيجاز، وأَشَرنا فقط إلى العدد 13: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. أَنْتُمْ أَحِبَّائِي". يُبرهنُ يسوعُ هنا أيضًا على محبَّته بالقول: "أعظمُ محبَّة يُمكن للمرء أن يُظهِرَها تُجاهَ أيِّ شخصٍ آخر هي أن يَضَعَ نَفسَهُ لأجل ذلك الشَّخص". ويسوعُ يقولُ هذا لكي يَتذكَّروا عندما يفعل ذلك أنَّه قال ذلك، ولكي يَروا حقًّا عَمَلاً يُبرهِنُ على مَحبَّته. لِذا، مِن خلال غَسْلِ أرجُل التَّلاميذ في يوحنَّا 13، ومِن خلال الجُملة الَّتي تقول: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ"، يُبَرهِنُ يسوعُ على محبَّته. فهو يُحبُّنا.
والشَّيءُ الثَّاني الَّذي تَرَكَهُ يسوعُ ميراثًا هو ليس فقط البُرهان على محبَّته، بل أيضًا "الرَّجاء في السَّماء" في الأصحاح 14. فقد قال: "سوف أمضي، ولكنِّي سأعودُ وآخُذُكم. فسوف آخُذُكم إلى المكان الَّذي أُعِدُّه لكم الآن. لذا، لا تَضطرِب قُلوبُكم. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي". وهذه كلمات تُبَيِّن مُساواتَهُ مع الله. "سوف أَمضي وأُعِدُّ لكم مكانًا في بيت الآب". لذا فقد وَعَدهم بالرَّجاء بالسَّماء.
والشَّيءُ الثَّالثُ الَّذي وَعدهم به والَّذي رأيناه في المرَّة السَّابقة هو: "ضَمان القوَّة" في إنجيل يوحنَّا 14: 11 و 12. فهو يقول: "لقد رأيتُم أعمالي، وهي تَشهدُ لي. ولكن "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ [في إنجيل يوحنَّا 14: 12]: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي". ونجد هنا الوعدَ أو الضَّمانةَ بالقوَّة. فلأنَّه سيمضي إلى الآب، نحنُ والتَّلاميذ [بصورة رئيسيَّة هنا] سنتمكَّن مِن القيام بأعمال أعظم مِن تلك الَّتي فَعَلَها هو. وقد وَضَّحنا مَعنى ذلك. فهذا لا يعني أنَّنا سنعمل أعمالاً أعظم مِن حيث القدرة لأنَه لا توجد قدرة أعظم مِن قدرة الله. فلا يمكننا أن نعمل أعمالاً أعظم مِن حيث النَّوع لأنَّنا لا نقدر أن نعمل أيَّ شيء أعظم مِن حيث النَّوع مِن إقامة المَوتى وخَلْق الأشياء. وهذا هو ما فَعَلَهُ يسوع.
ولكنَّ ما يُشير إليه هنا هو أنَّ نِطاقَ قُدرته سيكون أعظم مِن جهة الانتشار مِمَّا كان عليه في وقتِ خدمته. فمُعجزاتُ الكنيسة الأولى حَدثت على نِطاقٍ أوسَع جُغرافيًّا مِن أيِّ نِطاقٍ في حياة يسوع. ومنذُ ذلك الوقت فإنَّ قوَّة التَّغيير وعمل الخلاص يَحدثان في جميع أنحاء العالَم. وهذا هو ما قَصَدَهُ. فذهابي لن يَجعلَكُم عَديمي القوَّة، بل إنَّكم سَتتمكَّنون مِن الخروجِ مِن هنا واستخدام قوَّة الله في أماكن لم تُستخدَم فيها بتلك الطَّريقة مِن قَبل. إذًا فقد تَرك لنا البُرهانَ على محبَّته، والرَّجاءَ في السَّماء، وضَمانَ القوَّة.
أمَّا الشَّيءُ الرَّابع الَّذي رأيناهُ في المرَّة السَّابقة فهو "يَقين سَدّ الحاجات"... يَقين سَدّ الحاجات في إنجيل يوحنَّا 14: 13: "وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ". والعدد 14 يَقول الشَّيء نفسَه: "إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ". ونجد هنا أنَّ يسوع يقول: "انظروا! أنا أَعلم أنَّكم تَشعرون بالخوف لأنِّي سأمضي، ولأنَّكم ستبقونَ بلا أيِّ مَصدر، ولكن دَعوني أُسارِعُ إلى القول إنَّكم ستحصلون على كلِّ ما تُريدون إن طَلبتُموه". وقد أشرنا في المرَّة السَّابقة إلى أنَّ الصَّلاة هي الحَبلُ السِّريُّ الَّذي يَربطنا بمَصدر القوَّة، وبمَصدر الإمداد في السَّماء. وقد وَعَدَنا المسيحُ بأنَّ كلَّ الأشياء هي لنا. وقد كَرَّرَ بولسُ ذلك حين قال: "فَيَمْلأُ إِلهِي [ماذا؟] كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ... فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ". وهي آية رائعة! "بحسب غِناه"، لا مِن غِناه، بل بحسب غِناه. فهو لا يُعطينا مِن غِناه (أي جُزءًا صغيرًا مِمَّا لديه)، بل يُعطينا بحسب غِناه (أي بالقدر الَّذي يُعطيهِ لِسَدِّ حاجتَنا). لذا فإنَّ الرَّبَّ يسوعَ المسيحَ يَعِدُنا بيقين سَدِّ الحاجات؛ أي أنَّنا لن نَحتاج يومًا إلى أيِّ شيء أساسيٍّ لنا، بل إنَّهُ سَيَسُدُّ كلَّ حاجاتِنا. ونحن نَحصل على ذلك بأن نَطلُب مِن الآب مِن خلال الصَّلاة حتَّى عندما يُعطينا يَتمجَّد هو لأنَّه استجاب.
أمَّا الشَّيء الخامس الَّذي رأيناهُ في المرَّة السَّابقة، والَّذي توقَّفنا عنده، فهو أنَّ الرَّبَّ يُعطينا لا فقط البُرهانَ على المحبَّة، والرَّجاءَ في السَّماء، وضمان القوَّة، ويَقينَ سَدِّ الحاجات، بل رُبَّما كان هذا هو أعظم شيء... على الأقلِّ في هذه الأشياء الخمسة: الوعد بالرُّوح القُدُس. فهو يقول في العدد 16 مِن الأصحاح 14: "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ ["باراكليتوس" – “parakletos”] مُعَزِّيًا آخَرَ [مُعزِّيًا خارقًا للطَّبيعة] لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَد". والعدد 17 يُخبرنا مَن هو: "رُوحُ الْحَقِّ". وفي العدد 26: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي"... وها هو مَذكورٌ هنا أيضًا. وهي الفكرة نفسها الَّتي تُشير إلى مَجيء الرُّوح القُدُس ليَسكُن فينا لأسباب عديدة. وقد قلنا في المرَّة السَّابقة إنَّ الرُّوح القُدُس يأتي ويَسكن فينا لكي يَمُدَّنا بالقوَّة إذ نقرأ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 1: 8: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ".
والرُّوحُ القُدُسُ يأتي لكي يُعَزِّينا. فهو يتحدَّث عن تعزية الرُّوح القُدُس. والرُّوح القُدس يأتي لكي يَضمنَ ميراثَنا. فقد أُعطينا عَربون الرُّوح. والرُّوح القُدُس يأتي لكي يَختِمَ خَلاصَنا. فهناك أمور كثيرة يَفعلها الرُّوح. وقد أعطانا المسيحُ عَطِيَّةَ الرُّوح القُدُس لكي يُؤهِّلَنا للخدمة الَّتي يَدعونا إليها. لذا فإنَّنا، نحن المؤمنين، أغنياء. ونحن نَملِك البُرهان على محبَّته لنا، ورَجاءً في السَّماء، وضمان القوَّة، ويَقين سَدّ الحاجات، وعطيَّة الرُّوح القُدُس. والآن، أريد أن أَذكُرَ لكم الأشياء الخمسة الأخيرة؛ وهي بسيطة جدًّا جدًّا وأساسيَّة جدًّا. ويمكننا أن نتوسَّع فيها أكثر بكثير مِمَّا سأذكُره في هذا الصَّباح، ولكنِّي سأكتفي بالتحدُّث عنها بإيجازٍ شديد.
سادسًا، لقد تَرَكَ لنا رَبُّنا اقتناءَ الحَقِّ... اقتناءَ الحَقّ. فكما تَعلمون، نحن نعيش في عالَمٍ مُحبِط بالنِّسبة إلى شخصٍ يبحث عن الحقّ. وأنا أتذكَّر دائمًا رَدَّ بيلاطُس السَّاخر حين قال ليسوع: "ما هُوَ الحَقّ؟" فقد وَصَلَ إلى نُقطةٍ في حياتِه تَعِبَ فيها كثيرًا مِن البحث عن الحقِّ حتَّى إنَّه صار ساخرًا. وكأنَّه يقول: "لا يوجد حَقّ". والكتاب المقدَّس يتحدَّث عن حقيقة أنَّ النَّاس يبحثون عن الحقِّ ولا يجدونه، وعن أنَّه لا توجد نهاية لتأليف الكُتُب، ولكنَّ قليلين هُم الَّذينَ يَجدون الحقَّ، وعن أنَّ فلسفة الإنسان هي بُطلٌ فارغ. فالإنسان يَسعى جاهدًا إلى معرفة الحقيقة. وما أعنيه بذلك هو الحقيقة المُطلَقة للمَصير أو الأبديَّة أو الأصل أو الخلاص أو القصد أو مَعنى أن يكون جُزءًا مِن شيءٍ مُستمرّ إلى الأبد. فكلُّ ذلك الحقُّ هو الشَّيء الَّذي يَسعى الإنسان يائسًا إلى معرفته. فهو ذلك الفَراغ النَّهِم في قَلبِهِ والَّذي لا يُمكن أن يُشبَع إلاَّ مِن خلال معرفة سبب الوجود. وبالرَّغم مِن هذا فإنَّ يسوعَ أعطانا ذلك.
انظروا إلى إنجيل يوحنَّا 14: 17. فهو يتحدَّث عن إعطائنا الرُّوح فيقول: "رُوحُ الْحَقِّ". فالرُّوحُ القُدُس لا يَنفصل عن الحقّ. وعندما يُعطينا اللهُ الرُّوحَ... والآن لاحظوا ما سأقول... عندما يُعطينا اللهُ الرُّوحَ فإنَّه يُعطينا مُعلِّمَ الحَقِّ ليَسكُنَ فينا. فروحُ الله في حياة المؤمن هو الَّذي يُعلِنُ الحقَّ الذَّاتيَّ. والمقصودُ بالذَّاتيِّ هو أنَّ روحَ الله السَّاكن فينا يَقودُنا إلى مَعرفة الحقّ. وهذه حقيقة عظيمة جدًّا جدًّا يا أحبَّائي؛ أي أن تَعلموا أنَّ الرَّبَّ يسوعَ المسيح أعطانا مُعَلِّمَ الحَقِّ ليَسكُن فينا.
وأودُّ أن أَلفِتَ أنظاركم قليلاً إلى رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاح الثَّاني... رسالة يوحنَّا الأولى 2: 20. وهو يُقارن هُنا أضدادَ المسيحِ بالمؤمنينَ الحقيقيِّين مُبيِّنا الفَرق. ولكنَّهُ يُرَكِّزُ في العدد 20 على فَرقٍ جَوهريٍّ واحدٍ فقط. وهناك فُروق عديدة في الأعداد 18-27. وسوف نَتحدَّث عن هذا الفَرقِ فقط. فأوَّلُ فرقٍ هو أنَّ المؤمنينَ الحقيقيِّينَ... على النَّقيضِ مِن أَضدادِ المسيح... أنَّ المؤمنينَ الحقيقيِّين لَهُم "مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَيَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ". فنحنُ لنا مَسْحَة. والكلمة "مَسْحَة" في اليونانيَّة تَعني حَرفيًّا: "دُهْن". فنحنُ لدينا زَيْت، أو مَسْحَةُ زَيت، أو مَسْحَة. وهذه المَسْحَة هي مِن القُدُّوس. فهي مِن الله نفسِه... مِن المسيح. وأنتُم تَعلمونَ بسبب ذلك [ماذا؟] كُلَّ شَيء.
وهذا لا يعني كلَّ الأشياء بمعنى أنَّنا سنَعلَمُ كلَّ الأشياء الموجودة في الكون كما يَعلَمُها اللهُ. فنحن نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 13: 9: "لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ"، ولكنَّنا في يومٍ ما سَنَعرِفُ كَما عُرِفْنا. لِذا فإنَّ المَعنى المقصود هنا هو ليسَ أنَّنا سنَعلم كلَّ شيء يُمكن مَعرفتُه، بل أنَّنا سنعرف [كما قالَ بُطرس] "كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى". فنحن نَعرف كلَّ الأشياء اللازِّمة لفهم الخلاص وما يَتْبَعُهُ مِن سُلوك. فنحن نَعرف كلَّ ما ينبغي مَعرفته لأنَّ مُعَلِّمَ الحقِّ يَسكُن فينا. وَهُوَ يُبَكِّتُ ضَميرَنا بطريقة ذاتيَّة لكي يَجعل ضميرَنا مُنسجمًا مع الحقِّ الإلهيِّ.
والآن، لاحظوا العدد 21: "أنا أكتُبُ إليكم هذه الأشياء لأنَّكم تَعرفونَ الحقَّ". هل تَرون ذلك؟ فهو يقولُ في الوسط: "لا لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بَلْ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَهُ". "أنا أكتُبُ إليكم..." والآن لاحظوا هذا: "أنا أكتبُ إليكم هذه الأشياء لأنَّكم تَعرفون الحقَّ". وقد تقول: "ما المقصود بذلك؟" أي أنَّ المُعَلِّمَ الذَّاتيَّ للحقِّ يَسكُنُ فيكم. والآن لاحظوا ما يلي. والآن، سوف أُعطيكم الإعلانَ المَوضوعيَّ. وسوف يَعمل هذانِ الاثنانِ معًا على تأهيلكم. فعندما يَسكُنُ فيكم... اسمعوا: فعندما يَسكُن فيكم مُعَلِّمُ الحقِّ، ستتمكَّنون حينئذٍ فقط مِن فَهم هذا. أليس كذلك؟ ورسالة كورِنثوس الأولى تُخبرنا ذلك بوضوح شديد في الأصحاح الثَّاني: "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ". فالطَّريقة الوحيدة لفهم الأشياء المُختصَّة بالله هي أن يَسكُنَ فيك روحُ الله. ونقرأ لاحقًا (في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 12): "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُس".
لذا فإنَّ مُعَلِّمَ الحقِّ يَسكُن فينا [كما يقول يوحنَّا]. "لذا فإنَّني أكتبُ إليكم الإعلانَ المَوضوعيَّ. وسوف تَفهمونه. وسوف يَعمل هذانِ معًا لإعطائكم الحقَّ المُتكامل الَّذي يُريد اللهُ منكم أن تَفهموه". فهناكَ الحقُّ المُتَمَثِّلُ في اللاَّهوتِ المَوضوعيِّ، وهناكَ الحقُّ الَّذي يُرشِدُكم في حياتِكم بواسطة عمل الرُّوح القُدُس الَّذي يُطَبِّق الكلمة. والآن، انظروا إلى العدد 27. فهو يَستفيضُ في الحديثِ عن هذه النُّقطة إذ إنَّه يقول في العدد 27: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ [أين؟] فِيكُمْ". والآن، مَن هو الَّذي يَمسَح كما قُلنا؟ مَن هو المَسْحَة؟ ومَن هو الدُّهْن؟ أو الزَّيت؟ إنَّهُ الرُّوح القُدُس. والرُّوحُ القُدُسُ يَثْبُتُ فيكم. وهذا رائع! انظروا إلى كلِّ هذه الأشياء عن الرُّوح القُدُس. فهو يَأتي مِن المسيح. وقد حَصلتُم عليه. وَهُوَ داخليٌّ إذ إنَّه يَسكُنُ فيكم. وَهُوَ دائمٌ أو ثابتٌ [بصيغةِ المُضارع المُستمرّ]. فَهُوَ كَافٍ.
"وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ". وقد تقول: "حسنًا إذًا، اذهب إلى البيت يا جون ماك آرثر ودَعنا وشأنَنا". لا، لن أذهب إلى البيت. فهذا لا يُعفيني مِن عملي. وقد تقول: "ولكنَّ الآية تقول هنا إنَّنا لسنا في حاجة إلى مُعَلِّمٍ بَشريٍّ". هذا صحيح، ولكنِّي أريدُ أن أُفَسِّر ذلك إن أعطيتموني هذا الامتياز. وسوف أفعل ذلك بأيِّ حال. المقصود هنا هو أنَّنا لا نَتَّكِل على تعليمٍ بَشريٍّ. فنحن لسنا بحاجة إلى سماعِ تَعليمٍ بَشريٍّ. والآن، هذا لا يعني أن تقول: "يُمكنني أن أُخرجَ أبنائي مِن المدرسة. فَهُم ليسوا بحاجة إلى تَعَلُّم أيِّ شيء". كَلاَّ! إنَّ الآية لا تَعني ذلك، بل إنَّها تُشير إلى التَّعليم عن الخلاص في هذا السِّياقِ كُلِّه، والتَّعليم عن الصَّلاح، والتَّعليم عن الحقِّ الأبديِّ في العلاقة مع الله. فعندما يَختصُّ الأمر بهذا كُلِّه، يا أحبَّائي، نحن لسنا بحاجة إلى أُناسٍ يُعَلِّمونَنا، بل إنَّنا نَتعلَّم مِن خلال الرُّوح القُدُس.
والآن، أحيانًا يُعلِّمكم الرُّوح القُدُس مِن خلالي، ولكنَّه ما يزال الرُّوح القُدُس. أليس كذلك؟ فأنتم لستم بحاجة إلى دراسة المفاهيم البشريَّة المُختصَّة بالدِّين. وكما قلتُ لكم في السَّابق، فإنَّ المَرَّة الوحيدة الَّتي يكون فيها الدِّينُ البشريُّ صحيحًا هو عندما يَتقاطَع مع الكتاب المقدَّس. وعندما يَفعل ذلك، أنتم لستم بحاجة إلى الدِّين البشريِّ لأنَّه يوجد لديكم الكتاب المقدَّس. أمَّا في بقيَّة المَرَّات فإنَّه يكون على خطأ. وحينئذٍ مِن المؤكَّدِ أنَّكم لستم بحاجة إليه في تلك الحالة. لذا فإنَّ المعنى المقصود هو أنَّ كلمة الله أُعطيت لنا موضوعيًّا، وأنَّها تَتَّحِدُ مع مَسحة الله؛ أي مع الرُّوح القُدُس السَّاكن فينا بصورة دائمة لتطبيقِ الحقِّ لكي نَتعلَّمَ الحقَّ. والآن، هذا هو ميراث يَسوع لنا. فَكِّروا في ذلك وحسب يا أحبَّائي. فَكِّروا في ذلك وحسب. فعندما ترغبون في معرفة جواب شيءٍ ما، يمكنكم أن تَلتجئوا مباشرةً إلى هذا الكتاب. فالجوابُ موجودٌ هنا. فهذا هو الخَزنة الَّتي تَحفظ حياتَكُم.
والآن، ارجِعوا إلى إنجيل يوحنَّا والأصحاح 14 قليلاً، ثُمَّ إنَّنا سننظر إلى شَيئينِ آخرين، أو رُبَّما أكثر. ولكن لننظر إلى يوحنَّا 14. وأودُّ أن أُضيف 26 ... العَدد 26. فهُنا نَجِد الجزءَ الموضوعيَّ مَرَّةً أخرى: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، [الَّذي هو] الرُّوحُ الْقُدُسُ [أو "رُوْحُ الحَقِّ"]، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي..." أي المُنْسَجِم مع طبيعتي، والَّذي سيكونُ مُساويًا لي "...فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ".
والآن، يا أحبَّائي، أريد منكم أن تَعلموا قبل أيِّ شيءٍ آخر أنَّ هذه الآية لا تَسري بصورة رئيسيَّة على جميع المسيحيِّين، بل إنَّها تَسري بصورة رئيسيَّة على كُتَّاب العهد الجديد، وعلى الرُّسُل الكارِزين في الفترة المُبكرة مِن حياة الكنيسة. وهي بصورة رئيسيَّة وَعْدٌ بالوحيِ اللَّفظيِّ. لاحظوا أنَّه يقول: "سوف أمضي، ولكن عندما يأتي الرُّوح..." وهُنا تأتي النُّقطة الأولى "... "سوف يُعلِّمكم كُلَّ الأشياء الَّتي لم تَتعلَّموها حتَّى الآن، ولكن يجب أن تَعرفوها لكي تتشكَّل لديكم صورة كاملة عن الخلاص. وَهُوَ سيُذَكِّرُكُمْ أيضًا بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ".
والآن، تجدون هنا كِلا جانِبَيِّ العهد الجديد. الأوَّلُ هو أنَّه سيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قاله لَكُمْ؛ أي بما هو مَدَوَّن في الأناجيل (أي في إنجيل مَتَّى ومَرقُس ولوقا ويوحنَّا). فعندما جلسوا ليكتبوا تلك الأناجيل، كان لا بُدَّ أن يَتذكَّروا الأشياء الَّتي قالها يسوع. أليس كذلك؟ لأنَّ هذه الأناجيل الأربعة هي سِجِلٌّ بحياة المسيح. وكيف سيتمكَّنون مِن تَذَكُّرِ ذلك؟ إنَّ الجوابَ مَذكورٌ هنا: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ [بماذا؟] بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ". فعندما يُدَوِّن العهدُ الجديدُ في الأناجيل كلماتِ يسوع، هل هي صحيحة إذَن؟ يُستحسَن أن تكونَ صحيحة. فالرُّوحُ القُدُسُ هو الَّذي يَفعل ذلك. وهو لا يُخطئ البتَّة، ولا يَكذب البتَّة. فبحسب ما جاء في رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاح الثَّاني: "أَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ مِنَ الْحَقّ"، وأنَّه "رُوحُ الحَقّ" (كما جاء في العدد 17). لِذا، عندما يُذكِّرُكم روحُ الحقِّ بأمور مُعيَّنة، ستكون صحيحة. وعندما تَقرأون الأناجيل، يا أحبَّائي، وتقرأون عن حياة يسوع هنا، يمكنكم أن تَثقوا بهذا الكلام تمامًا بسبب وَعْد يسوعَ بأنَّ ما نقرأه هو في الحقيقة كلمته الصَّادقة.
أليست هذه ثقة عظيمة؟ فعندما أَفتحُ الكتاب المقدَّس، لستُ بحاجة إلى التَّكَهُّن بخصوص ما إذا كان صحيحًا أَم غير صحيح. فإن قال يسوعُ إنَّ ما هو مكتوبٌ فيه صحيح فإنِّي أَثِقُ بكلامه. أَلاَ تُوافِقونَني الرَّأي؟ لذا فإنَّه يقول: "عندما تَتذكَّرون أن تَكتبوا الأناجيل، سوف تَتذكَّرون أن تَكتبوا ما هو صَواب مِن خلال الرُّوح". ولكن هناك نُقطة أخرى: "وأيضًا، سوف أستمرُّ في تعليمكم كلَّ شيء". وهذا يَبتدئ مِن سِفْر أعمالِ الرُّسُل ويَستمرّ حتَّى نهاية سِفْر الرُّؤيا. "هناك المَزيد لأقوله لكم، وسوف أُعلِّمكم ذلك مِن خلال الرُّوح القُدُس". لِذا، هناك سِفْر أعمالِ الرُّسُل، وجميع رسائل بولس، والرَّسائل العامَّة، ثُمَّ سِفْر الرُّؤيا. وهذا وعدٌ بالوحي اللَّفظيّ. وهو وعدٌ بالدقَّة الإلهيَّة. وَهُوَ وعدٌ بأنَّني عندما أفتحُ الكتابَ المقدَّسَ، وأبتدئ بقراءته، يمكنني أن أثقَ بأنَّه صحيح لأنَّ يسوع وَعَدني بأنَّه كذلك. فقد وعدني يسوعُ بأنَّ هذه الكلمات ستُدَوَّن بوحيٍ مِن الرُّوح القُدُس الَّذي يُدعى روح ماذا؟ الحقّ. فهذا هو الحَقّ.
لذا فإنَّنا نَجِدُ أنَّ الوَعد مُزدَوِج: أنَّكم ستتذكَّرون، وأنَّكم ستتعلَّمون أمورًا جديدة. ويمكن القول إنَّ الرَّسول بولس يَشهد على ذلك في الأصحاح الثالث مِن رسالته إلى أهل أفسُس إذ يقول: "إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي لأَجْلِكُمْ". بعبارة أخرى، "إن كُنتُم قد سَمعتُم عن خدمتي، وإن كُنتُم قد سَمعتُم عَمَّا دَعاني اللهُ لأفعله، هذا هو: "أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ". والآن، انتقلوا إلى العدد 5: "الَّذِي فِي أَجْيَال أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ [لاحظوا:] بِالرُّوح". فبولس يقول: "أنا أكتُبُ كلَّ هذه الأشياء بالرُّوح. فكلُّ الأسرار الَّتي لم تُعلَن يومًا والَّتي أُعطيت لي بإعلانٍ مِن الله هي مِن الرُّوح القُدُس الَّذي يُدعى روح الحَقّ".
لِذا فإنَّ بولسَ يقول: "يُمكنكم أن تَثِقوا بكلِّ شيء أكتُبُه". ويسوع يقول: "يُمكنكم أن تَثِقوا بكلِّ شيء أُذكِّرُكم به". وعندما كَتَبَ هؤلاء الرِّجال الأوائل، وعندما وَعَظَ أولئك الرُّسُل، أَوحى اللهُ إليهم أن يقولوا الحقَّ وأن يَتذكَّروا كلمات يسوع بدقَّة مُتناهية. وعندما ابتدأوا بتعليمِ حَقٍّ جديد، أعطاهُم روحُ الله إعلانًا جديدًا كُتِبَ آنذاكَ وصار هو العهد الجديد. ويا أحبَّائي، إنَّ خُلاصَةَ هذا الكلامِ كُلِّهُ هي أنَّنا نَملِكُ الحقَّ. لا فقط الحقَّ الكِتابيَّ الموضوعيَّ، بل أيضًا مُعَلِّمَ الحقِّ الذَّاتيِّ السَّاكن فينا. وعندما يَنْضَمُّ هذان العُنصران معًا فإنَّهما يَضمنان لنا مَعرفة الحقّ. وأودُّ أن أقول، يا أحبَّائي، إنَّ أيَّ إنسانٍ (رَجُلاً كانَ أَمِ امرأةً) سيكونُ غَبيًّا إن لم يَدرس الحقَّ. أليس كذلك؟ فهو الحقُّ الَّذي يُباركنا. وعندما نُطيعُ الحقَّ فإنَّ اللهَ يَستجيبُ ويُباركنا. تَخيَّلوا كيف يمكن أن تكون الحال أحيانًا مِن دون كلمة الله!
فهذا يُشبه ما حدث في تاريخ بني إسرائيل عندما نَسَوْا كلمة الله فَسقطوا. لماذا؟ لأنَّه لم يَعُد لديهم مُرشِد. وأنا أُفكِّر في حياتي الشخصيَّة. فلا يُمكن أن يحدث شيء في حياتي دون أن أُفكِّر فيه مِن خلال عَدَسَة الكتاب المقدَّس. فعندما يَحدث أيُّ شيءٍ لي أُفكِّرُ قائلاً: "ما علاقةُ ذلك بالكتاب المقدَّس؟ ما هو النَّمَطُ الكِتابيُّ هنا؟ ما هو المِعيارُ الكِتابيُّ هنا؟ ما الَّذي يَقولُه الكتاب المقدَّس عن هذا الأمر لكي أَعرف كيف سأتصرَّف؟" نحنُ نَجتمعُ معًا بصفتنا شُيوخًا للكنيسة ونَتَّخذ قرارات كثيرة. وما يَعنينا في هذه القرارات هو أن تكونَ مُنسجمةً مع ما يقولُهُ الكتابُ المقدَّس. فما الَّذي يقولُهُ اللهُ عن هذا الأمر؟ وما الَّذي تقولُهُ كلمتُه عن ذلك الأمر؟ ومِن الرَّائع أن يكون لديك مَصدرٌ كهذا، وأن تَتمكَّن مِن القول: "هذا هو ما يُريدُهُ اللهُ. وإن أطَعنا ذلك سنَنالُ البَرَكة". فعندما تَفتحون كلمة الله فإنَّكم تَجدون ذلك الحقَّ الثَّمينَ الَّذي لا يَعرفُه العالَم.
والآن، انظروا إلى الأصحاح 16 والعدد 12. وسوف أُريكم واحدةً مِن الجُمَل القصيرة المُفضَّلة لديَّ. فَمِن بين كلِّ الجُمل الَّتي قالها يسوع، أنا أُحِبُّ هذه الجُملة كما أُحبُّ جُملاً أخرى كثيرة. إنجيل يوحنَّا 16: 12 ... وهي جُملة ما تَزالُ تَتحدَّث عن نفس الفكرة: "إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ". توقَّفوا هنا. أنا أُحبُّ هذه الجُملةَ كثيرًا. فهذا أمرٌ شخصيٌّ جدًّا. فهو لا يقول: "والآن، هناك أوامِر عُليا صَادرة عن العَرش"، بل يقول: "إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ". وهذا أمرٌ شَخصيٌّ جدًّا. أليس كذلك؟ ولا أدري كيف تَشعرون تُجاه ذلك، ولكن عندما أُمسكُ الكتابَ المقدَّس فإنَّني أَدخُلُ في حَديثٍ مع يسوع لأنَّني أُدركُ أنَّ كلَّ شيء مَذكور في العهد الجديد يأتي منه. فهو يَسْمَحُ وَحَسْب للرُّوح القُدُس بأن يكون الواسطة لتوصيل ذلك لنا. فالرُّوحُ القُدُس هو [إن جازَ التَّعبير] سَاعي البَريد الخارق للطَّبيعة. ولكنَّ يسوعَ هو الَّذي كَتَبَ الرِّسالة.
وقد تقول: "مِن أين جِئتَ بهذا الكلام يا جون؟" من العدد 13: "وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ..." مِن مَن؟ مِنِّي. "...يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ". أتَرَوْن؟ فالرُّوحُ القُدُس يأخُذ رسالة المسيح إلى خاصَّته ويُسلِّمها. وهذا العهد الجديد هو كلمة الله. فَهُوَ كلمة الابن مِن خلال الرُّوح القُدُس إلى المؤمِن. "إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. لذا، لا بُدَّ أن أنتظر قليلاً إلى أن أُرسلَ الرُّوح القُدُس ليقولها لكم لاحقًا". وأنا على يَقينٍ بأنَّ التَّلاميذ تَحمَّسوا عندما سَمِعوا ذلك.
هل لكم أن تَتخيَّلوا مقدار حَماستهم ذات يوم عندما حَلَّ روحُ الله عليهم فابتدأوا يَكتبون، أو عندما وقفوا وراحوا يَعِظون لأنَّ الله فَاضَ فيهم وحسب فراحوا يَنطقون بالكلامِ الإلهيَّ [أو بالحقِّ الإلهيِّ] نتيجة ذلك؟ إن استطعتم أن تَحفظوا هذه الجُملة القصيرة في أذهانكم فإنَّها ستُساعدكم في دراستكم للكتاب المقدَّس. يوحنَّا 16: 12: "إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ". فالصَّلاةُ، كما نقولُ دائمًا، تَعني أن نَتحدَّثَ مع الرَّبّ. وقِراءةُ الكتاب المقدَّس تَعني أنَّ الرَّبَّ يَتحدَّث إلينا. وأنا أَمضي في دراستي كلَّ يوم لدراسة كلمة الله وأُدرك دائمًا في ذهني أنَّ الله يُريد أن يُعلن نفسَه. لذا فإنَّني أُصلِّي دائمًا وأطلب مِن الله أن يساعدني في دراستي، وأن يُعينَني بطريقةٍ ما على تَخَطِّي ضَعفي والتَّشويش الَّذي قد يكون موجودًا في ذهني في أيِّ وقتٍ مِن الأوقات.
وأنا أقولُ لنفسي عندما أبتدئُ بدراسة كلمة الله: "هذه ليست مادَّة أكاديميَّة. وهي ليست شيئًا عظيمًا وكبيرًا نَزَلَ مِن السَّماء. وهي ليست شيئًا يُشبه شريعة سيناء الَّتي نُقِشَتْ بإصبعٍ نَاريَّة على حَجر ثُمَّ سُلِّمَت [كما تَعلمون] لأُناسٍ بِرَعْدٍ وبَرْق. بل إنَّ هذا يسوع، وَهُوَ يقول: "اسمع يا ماك آرثر، لديَّ بضعة أشياء أقولها لك اليوم". وطالما أنَّني أستطيع أن أستوعب تلك العلاقة الشخصيَّة الحميمة فإنَّ دراسة الكتابِ المقدَّس ستبقى في نظري شَرِكَة وليست دراسةً أكاديميَّة. فيسوعُ يَتحدَّث إليَّ، وأنا أقول لنفسي دائمًا: "يا رَبُّ، تَحدَّث إليَّ". أَلاَ تقولون ذلك؟ "تَحَدَّث إليَّ مِن خلال كلمتك". وهذهِ هي حقًّا خُلاصةُ الأمر. فالرُّوحُ القُدُسُ سَيُكلِّمنا بكلام المسيح. وهذا وعدٌ عظيمٌ جدًّا. إنَّه وعدٌ عظيمٌ وحسب.
أرجو أن تَنظروا إلى إنجيل يوحنَّا 15: 26. فهناك مُلاحظة أخرى عن ذلك: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ..." [لاحظوا ما يقول]: "...لِي". والآن، لاحظوا هذه الكلمات: "وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاء". فهو يقول لأولئك التَّلاميذ: "أنتُم هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ سيُدوِّنون هذا كُلَّه. أنتُم هُمُ المِفتاح. فسوفَ تَحصلونَ على ذلك الكلام وتُدَوِّنونَهُ". ويا أحبَّائي، إن جَمعتُم كلَّ هذه الآيات الكِتابيَّة معًا فإنَّ ما ستحصلون عليه هو الوعد بإعطاء العهد الجديد. هل تَفهمون ذلك؟
فقد تَركَ لنا يسوعُ العهدَ الجديد. فهذا هو ميراثُه. فأنتُم تَفتحونه وَهُوَ يَتكلَّم إليكم. فهو كِتابٌ حَيٌّ. والكتابُ المقدَّسُ يقولُ عن نفسه: "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ". أليس كذلك؟ عبرانيِّين 4: 12. فهي حَيَّة، وخارقة للنَّفس، ومُمَيِّزَة. وهي قادرة أن تُعطي حياةً. وهي قادرة أن تُغيِّر الحياة. وهي قادرة أن تَحفظ الحياة. فهي حَيَّة. لذا فإنَّنا نَرى كلمة الله ونُدرك أنَّها الإرْثُ الحَيُّ الَّذي تَرَكَهُ يسوعُ الَّذي لديه شيء آخر يقولُه لنا. لننتقل إلى الشَّيء السَّابع. فقد أعطانا بُرهانًا على محبَّته لنا، ورجاءً بالسَّماء، وضمانةً بالقوَّة، ويَقينًا بأنَّه سَيَسُدُّ حاجاتنا، وعَطيَّةَ الرُّوح، واقتناءَ الحقِّ الإلهيِّ.
سابعًا: مِيراث السَّلام... مِيراث السَّلام. وهذا أمرٌ يُحسِنُ النَّاسُ صُنْعًا إن عَثروا عليه. ففي العدد 27 مِن الأصحاح 14، في حَديثِهِ هُنا، يَعِدُهم أيضًا بالسَّلام: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ". وكم أُحِبُّ هذه الكلمات! سَلامُ مَن؟ "سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ". إنَّهُ إرْثُ سَلام. وما الَّذي يَتحدَّث عنه؟ حسنًا! هناك نوعان مِن السَّلام في إنجيل مَتَّى. فهناك سلام مع الله، وَهُوَ ذاك السَّلام المذكور في رسالة رومية 5: 1: "لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ". وهل تَعلمون مَعنى ذلك؟ هل تَعلمون مَعنى السَّلام مع الله؟ إنَّهُ يَعني توقُّف الحرب. فهو يُشبه المُعاهدة. ففي رسالة أفسُس، يقول بولس إنَّنا كُنَّا أعداءً "وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ"، وَهَلُمَّ جَرَّا. فقد كُنَّا في حربٍ مع الله. ثُمَّ إنَّنا قَبِلنا يسوعَ المسيح وصِرنا في سلامٍ مع الله. والحقيقة هي أنَّ بولس يُسَمِّي الإنجيلَ في رسالة أفسُس 6: 15: "إنجيل السَّلام".
وما هو إنجيل السَّلام؟ أنَّ الإنسان يَستطيع أن يُوقِفَ تَمَرُّدَه، وأن يكون في سلام مع الله، وأنَّ الله سيكون في صَفِّنا، وأنَّه سيكون معنا. والكتابُ المقدَّسُ يقول: "إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟" فهو كُليُّ القدرة. وهذا هو الوعد: أنَّه عندما نصيرُ مُؤمنين ونَثِق بالمسيح فإنَّ الله يَنْضَمُّ إلى فَريقِنا. لِذا فإنَّه يقول في رسالة أفسُس 6: 15: "عندما تُحاربون الشَّيطان، احتَذوا بهذه المعرفة". فقد كانوا يَلبسون أحذيةً ذاتِ نِعالٍ بها مَسامير كبيرة الرَّأس لكي يَقفوا بثبات على الأرض عندما يُحاربون. وهو يقول: "الطَّريقة الَّتي تُمكِّنكم مِن الوقوف بثبات هي أن تتذكَّروا أنَّكم في سلام مع الله، وأنَّه في فَريقكم". وعندما تَدخُل في معركة مع الشَّيطان، كُلُّ ما ينبغي لك أن تقولَهُ هو: "يا رَبُّ، تَصَدَّى لهم!" فاللهُ في فَريقي. وهذا رائع! وإن كان اللهُ مَعي، لِيَحذر الجميع. فأنتُم في ورطة عويصة!
والآن، هذا هو المَعنى المقصود. فالسَّلام مع الله يعني أن يكون اللهُ في صَفِّي. ويا لها مِن ثِقة! هناك كلمة يَستخدمُها هُنود الكيشوا (Quechua) في إكوادور إشارةً إلى السَّلام، وهي تَعني: "أن تكونَ مُطمئنَّ القلب". فهي تعني وحسب أن تَكونَ مُرتاحًا، وهادئًا، ومُطْمَئِنَّ القَلب". فإن دَخلتَ مَعركةً، اجلس باطمئنان ودَعْهُ يُحارب عنك. ولكنَّ هذا ليس في الحقيقة السَّلام الَّذي يَتحدَّث عنه هنا. ولكنِّي أردتُ وحسب أن أُشارككم ذلك. فهي مَعلومة جيِّدة. أليست كذلك؟ ولكن في العدد 27، هناك سلامٌ مِن نوعٍ آخر يَدورُ في ذِهنه: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ". فهذا ليس السَّلام المَوضوعيّ النَّاشئ عن العلاقة مع الله، بل هو السَّلام الذَّاتيّ النَّاشئ عن هُدوء البال؛ ولكنَّه يأتي بكلِّ تأكيد مِن النَّوع الأوَّل مِن السَّلام. لِذا فقد أعطيتُهُ لكم.
فلأنَّ اللهَ موجودٌ في صَفِّي فإنِّي في سَلام. فأنا في المقام الأوَّل في سلام مع الله. وبسبب سلامي مع الله فإنِّي في سلام مع نفسي. وعندما أجد نفسي في موقفٍ أشعُر فيه بالقلق أقول: "ما الَّذي يُقلقُني؟ فاللهُ في صَفِّي. وإن كان اللهُ في صَفِّي، ما الَّذي يَستدعي القلق؟" انظروا إلى رسالة فيلبِّي والأصحاح الرَّابع لكي نُكَوِّن فِكرةً عن هذا الأمر. فيلبِّي 4: 7: "وَسَلاَمُ اللهِ" – هل تُلاحظون الفَرق؟ فعندما تَكونون في سلام مع الله فإنَّكم تَحصلون على سلام الله. وهذه هي الطُّمأنينة الذَّاتيَّة الَّتي تَنبُع مِن الحقيقة الموضوعيَّة لهُويَّتِكُم بصفتكم جُزءًا مِن فَريق الله. ثُمَّ أنَّكُم تَحصلونَ على سَلامِ الله الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل".
وَهُوَ نَوعٌ مِن السَّلام ليس مَعقولاً. فَمِنَ العَجيب أن تَشعُر بكلِّ هذا السَّلام في موقفٍ كالَّذي أنتَ فيه. وما الَّذي يَفعلُه هذا السَّلام؟ إنَّهُ يَحفَظ. وهذه لَفظة عَسكريَّة تَعني يَقِفُ للحراسة. فهو يَقِف لحراسة قلبك وذهنك، ويَحميك مِن أن تَفقدَ أعصابَك، ومِن أن تَفقدَ هُدوءكَ، ومِن أن تَصيرَ في حالة يائسة. ما الَّذي يَحميكَ مِن ذلك؟ سلام الله الَّذي تَحصل عليه عندما تُدرك أنَّك في سلام مع الله. فعندما أُدرك أنَّ الله في صَفِّي، لا مُبَرِّرَ للقلق بخصوص أيِّ شيء. فعندما أُدرك حقًّا أنَّ الله في صَفِّي، ينبغي أن يُعطيني ذلك الإدراك سلامًا مع نفسي يَجعلني مُطمئنًّا في قلبي ومُرتاحًا. وعندما يَسوءُ كلُّ شيءٍ مِن حَولي، قد أكون الشَّخص الوحيد الَّذي يَنعُم بالسَّلام مِن دون أن يَفهمَ أحَدٌ سبب ذلك.
والشَّيء الَّذي يَجعل ذلك مُمكنًا مَذكور في العدد الخامِس مِن رسالة فيلبِّي والأصحاح الرَّابع... في نهاية العدد: "اَلرَّبُّ قَرِيبٌ". وهذه الآية لا تتحدَّث عن المجيء الثَّاني، بل تتحدَّث عن حُضور الرَّبّ. فالربُّ هُنا. أليس كذلك؟ "اَلرَّبُّ قَرِيبٌ". لِذا: "لاَ تَهْتَمُّوا [بماذا؟] بِشَيْءٍ". فما الَّذي يُقلقُك؟ فالربُّ هنا. وَهُوَ في صَفِّك. ما الَّذي يُقلقُك؟ وقد تقول: "ولكن لديَّ مشاكل كثيرة". حقًّا؟ حسنًا! افعل ما يلي: "فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ [ماذا؟] طِلْبَاتُكُمْ". قُلْ لَهُ وحسب: "يا رَبّ، لديَّ مُشكلة". دَعْهُ يَتولَّى أمرَها. فهو موجودٌ دائمًا. فالربُّ قَريب. لا تَقلق. صَلِّ لأجل مُشكلتك فتكونُ النَّتيجة كما جاء في العدد 7: "وَسَلاَمُ اللهِ... يَحْفَظُ... أَفْكَارَكُمْ".
واسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا: أنا لا أُوْمِنُ بأنَّ سلامَ الله يَحفظ حقًّا فِكرك. فيجب عليك أن تُدرك أوَّلاً أنَّك في سلام مع الله. فهو موجود دائمًا. وعوضًا عن أن تَقلق، يجب عليك أن تُصلِّي وأن تُسَلِّمَ الأمر له. وحينئذٍ يُمكنكَ أن تَحصل على سلام الله. لذا فإنَّ الوعدَ المُدهشَ الَّذي قَدَّمَهُ يسوعُ هو: "سَلامي أُعطيكُم". فالهُدوءُ الرَّصينُ الرَّائع ذاتُهُ الَّذي كانَ يَتَّصِف به يُمكن أن تَتَّصِفَ به أنتَ أيضًا. لا خوف، بل سَلام. وهل تَعلمون لماذا كان يسوعُ يَتحلَّى بهذا السَّلام؟ فَكِّروا في ذلك. فمع أنَّه كان على وَشْكِ أن يُصلَب، لم يكن مُتوتِّرًا. فَكِّروا في أنفسكم لو كُنتم مَكانَهُ. ولكنَّهُ مَضَى بهدوءٍ تامٍّ وسلامٍ تامٍّ. أَتَعلمون لماذا؟ لأنَّه كان يَعلم أنَّ الآبَ يَقِفُ معه. أليس كذلك؟ فقد كان يَعلم أنَّ الآبَ يَقِف معه. وأنتُم تَملِكون نفس الحقَّ في اجتيازِ أيِّ تجربة بسلام لأنَّكم تَعلمون أنَّ الآبَ يَقِف معكم.
حسنًا، في إنجيل يوحنَّا 16: 33، يُضيفُ يسوعُ فِكرةً أخرى إلى هذه شَبيهة بهذه الفكرة: "قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ..." – وهذا هو المكانُ الوحيدُ الَّذي يُمكن أن تَحظى فيه بالسَّلام – "لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ". ولعَلَّهُ مِن المعلوم في جميع الأوقات، ولكُلِّ العالم، ولكلِّ شخصٍ سَمِعَ ذلك يومًا، أنَّ المكان الوحيد الَّذي يمكنك فيه أن تَجِدَ السَّلام هو فيه. "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ". لا تَقلقوا بشأن العالَم. سوف يَكونُ لكم ضِيق. ولكن لا بأس. فقد غَلَبْتُ العالَم. فأنا المُهيمِن. عيشوا في سلام. وأعتقد أنَّه عندما تَتأمَّل في شَخص الله، وفي حقيقة أنَّهُ في صَفِّك، ستكونُ النَّتيجة هي سَلام.
وهناك شيءٌ ثامِن [سأذكُرُه في عُجالة] يُعطينا إيَّاه في ميراثِنا وَهُوَ الوَعْدُ بأن نكونَ مُثْمِرين... الوَعْدُ بأن نكونَ مُثْمِرين. وهذا مَذكور في إنجيل يوحنَّا 15: 5: "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ..." وأنا أُوْمِنُ بأنَّ هذه إشارة إلى المؤمن هُنا، أي إلى أيَّ مُؤمِنٍ يَثبُت في المسيح "... الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ". وهذا رائع! فكما تَعلمون، إنَّه يقول إنَّ الصِّفة المُمَيِّزة لنا هي الثَّمر. فهل تَعلمون أنَّه لا يوجد شيء اسمُهُ "مُؤمِن غير مُثمِر"؟ أجل. فلا يُمكنك أن تكونَ مُؤمِنًا غيرَ مُثمِر لأنَّ جميع المؤمنين ينبغي أن يكونوا مُثمِرين. "مِن ثِمارهم" [ماذا؟] تَعرفونَهم". فهذه هي العلامة المُمَيِّزَة.
وأنا واثقٌ مِن أنَّ هناك مُؤمِنين هُمْ ثِمار صَغيرة! لم يكن يجوزُ لي أن أقول ذلك، بل يجب أن أقول إنَّ هناك مُؤمِنين يَحملون ثَمَرًا قليلاً. فهناك مؤمنونَ يَحملون ثَمرًا، وهناك مُؤمنون يَحملون ثَمرًا أكثر؛ ولكن لا يوجد شيء اسمُهُ مُؤمِن عَديم الثَّمر. فكما تَعلمون فإنَّنا جميعًا، يا أحبَّائي، نِلْنا وعدًا مِن يسوعَ بأنَّنا سنكونُ مُثمِرين. وقد تقول: "أيُّ ثَمر؟" الأعمال الصَّالحة، وأعمال البِرّ، ورِبْحُ النَّاس للمسيح. وقد تحدَّثنا عن ذلك مِن قبل. ولكن اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم فكرةً عامَّة. فالثَّمر هو نِتاجُ حَياةٍ تَتَّسِم بالحياة المُستمرَّة. فالثَّمر هو شيء يَدوم أكثر مِنِّي، وشيء أُثمِرُهُ أنا مِن جديد. أليس مِن المُدهش أن يكون لنا دَور في دَيمومة الحياة مِن خلال إنتاج ثَمَر سيبقى بعد أن تَموت؟
انظروا إلى العدد 16 مِن إنجيل يوحنَّا والأصحاح 15. فهذا رائع: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ" – وأنا مُتيقِّنٌ مِن ذلك – "وَأَقَمْتُكُمْ..." [وهذا ليس خِيارًا، بل هو وعد] "...لِتَذْهَبُوا وَتَأتُوا بِثَمَرٍ". والآن هل تَرَوْن؟ فالمؤمنون لا بُدَّ أن يأتوا بثمر. وأنا أُحِبُّ الكلماتِ الَّتي تَلي ذلك لأنَّها مُدهشة: "وَيَدُومَ [ماذا؟] ثَمَرُكُمْ". أليست هذه حقيقة مُدهشة؟ فالمؤمنون ليسوا شُعاعًا فقط. فالمؤمنون لا يَعيشون فقط ليأكلوا، ويَتخلَّصوا مِمَّا أكلوه، ويأكلوا، ويَتخلَّصوا مِمَّا أكلوه، ويأكلوا ويموتوا في يومٍ ما ويُدفَنوا في قَبْرٍ في مَكانٍ مَا فتَنتهي حياتُهم ويَنتهي كُلُّ شيء! بل إنَّ المؤمنين جُزء مِن حياة دائمة. فَهُم جُزء مِن نِتاجٍ يَستمرُّ إلى الأبد كما هي حَالُ الأمواجِ في بُحيرة أبديَّة لا نهاية لها. وأنتُم وأنا لدينا حياة يَتردَّدُ صَداها في كلِّ أروقةِ السَّماء إلى أبد الآبدين ودهر الدُّهور. أليس هذا الوعدُ رائعًا؟
وعندما أُفكِّر في هذا الأمر فإنَّه يجعل كلَّ الحياة هنا على الأرض غير مُهمَّة. ففي مَرَّات كثيرة، نَعمل لِنَجمعَ المُمتلكات في هذا العالَم. ونحن نموت ويبقى كلُّ شيءٍ هنا. ولكنَّنا نَشكُر الله لأنَّه وَعدنا بأنَّه سيكون هناك شيء يَتردَّد صَداهُ طَوال الأبديَّة. وفي كلِّ مَرَّة أقودُ فيها شخصًا إلى يسوع المسيح، أُفكِّر في النَّتائج الأبديَّة لذلك. فأنا مُؤمنٌ اليوم لأنَّه كان يوجد شخص مؤمن في عائلتي قبل وقتٍ طويل عندما قادَ أحدُ الأشخاصِ جَدِّي إلى المسيح، وعندما قادَ شخصٌ أبي إلى المسيح، وهَلُمَّ جَرَّا، وأولادي، وهَلُمَّ جَرَّا، وعندما قادَ أحدُ المؤمنين شخصًا آخر إلى المسيح. وما أعنيه هو أنَّ جيل المؤمنين مُدهش. وأعمالي الصَّالحة في هذه الحياة، مع أنَّها قليلة، ستؤثِّر في شخصٍ آخر فتتغيَّر حياةُ شخصٍ آخر، ويَجري تَغيير في حياةِ شخصٍ آخر، ويَستمرُّ هذا الأمر إلى الأبد.
وقد تَسَلَّمتُ رسالةً في هذا الأسبوع مِن سيِّدة، وهي تقول: "أريد أن أُخبرك وحسب شيئًا واحدًا مُدهشًا جدًّا جدًّا في عائلتنا. لقد أعطيتُ إحدى عِظاتك المُسَجَّلة لأخي. وقد استمع إلى الشَّريط وحَنَى رأسَهُ بعد ذلك بمُفردة ودَعا يسوعَ المسيحَ إلى حياته، وعادَ وشَكَرني. وَهُوَ مُتحمِّسٌ جدًّا ويُريد مزيدًا مِن الأشرطة. وقد أردتُ فقط أن أقول شُكرًا". وكما تَعلمون، هذا شيءٌ يُبهِجُ قلبي. فكما تَعلمون، أنا أريدُ أن أفعل في هذا العالَم ما هو أكثر مِن أن أموت فيقولُ النَّاس: "لقد ماتَ وانتهى. مَن كان هذا الشَّخص؟" فأنا لا أريد أن أكون اسمًا على شاهِدٍ في المقبرة لأنِّي أُوْمِنُ بأنَّ الحياة تعني ما هو أكثر مِن ذلك. لذا فإنَّ يسوع يقول: "الحقَّ الحقَ أقول لكم إنَّكم ستأتون بثمر وإنَّ ثَمَرَكُم سيدوم". ويا له مِن وعدٍ رائع في أن نكون جُزءًا مِن الحياة الأبديَّة. فَمَن يَرضي بما هو أقلُّ مِن ذلك؟ فلا يُمكنني أن أتخيَّل حياةَ الأشخاص الَّذي يريدون فقط أن يَنطلقوا ويعيشوا مِثل الوُجوديِّين اليوم، وأن يُفسِدوا حياتَهُم، ويموتوا، ويُودِّعوا هذه الحياة ظنًّا منهم أنَّ هذه هي نهاية كلِّ شيء؛ في حين أنَّ معرفتك ليسوع المسيح ستجعل حياتك نابضةً بالقدرة الإلهيَّة الَّتي تُمكِّنُك مِن الإتيان بثمر يبقى إلى الأبد. فهذا هو ما يُعطي مَعنىً للحياة.
وهناك شيءٌ تاسع. وهذا هو الشَّيء الوحيد السَّلبيّ؛ ولكن لا بُدَّ أن تحصلوا عليه لأنَّه يُبقي الأمرَ واقعيًّا. وهذا الشَّيء هو: آلام الاضطهاد. فهناك شيء ينبغي لنا أن نَتوقَّعه وَهُوَ أنَّنا سنُضطهَد. فلا يمكنكم أن تكونوا أُناسًا مِن هذا النَّوع وأن تَعيشوا في عالَمٍ كهذا مِن دون أن تُضطهَدوا. فنحن نقرأ في إنجيل يوحنَّا 15: 18: "إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ". فيسوعُ يقول: "لا تُصدَموا كثيرًا! فسوف تَخرجونَ إلى هناك، وتَذهبون إلى هناك حامِلين هذه الرِّسالة، وستكونون مُتحمِّسين لمشاركتها مع الجميع، وفجأةً سوف تُدركون أنَّهم يُبغضونكم. ولكن لا تُصْدَموا كثيرًا. ففي نهاية المطاف، لقد أبغضوني أنا". وبصراحة، يا أحبَّائي، لم يكن يوجد في يسوع شيءٍ يَحِقُّ لهم أن يُبغضوه، ولكن يوجد فينا أشياء كثيرة لا تُحَبّ. "لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَم..." [في العدد 19] "... لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ".
والآن، ما يَعنيه بهذا الكلام هو أنَّ العالَمَ هو نِظامُ الشَّيطان الشرِّير. وفي الدَّقيقة الَّتي نِلتُم فيها الخلاصَ، خَرَجتُم من ذلك النِّظام. أليس كذلك؟ فقد غَلَبْنا العالَمَ [كما جاء في رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاح الخامس]. وما الَّذي يَغلِبُ العالَمَ؟ إيمانُنا. لِذا، مِن خلال الإيمان بالمسيح نَخرُج مِن العالم، ونُفرَز مِن هذا العالَم. فنحن نقف بِمَعزِلٍ عن العالم... بِمَعزِلٍ عن العالَم. فنحن لسنا مِن العالَم. لِذا فإنَّ العالمَ لا يَقبلُنا. ونقرأ في العدد 20: "اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ". فهناك أشخاصٌ سيؤمنون، ولكنَّ الأغلبيَّة ستَضطهدكم.
"لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي". فَهُم في الحقيقة لا يُلاحقونكم. وَهُم لا يَكرهونكم. ولكنَّهم يُبغضونَني أنا ويَمتعِضونَ مِنِّي أنا "لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ". فالشَّيءُ الَّذي يَرفضونَهُ [كما تَرَوْن] ... إنَّ الشَّيء الَّذي يُبغضه العالَم هو الرِّسالة الَّتي تَتحدَّث عن الخطيَّة. أليس هذا صحيحًا؟ فالسَّببُ في أنَّهم يَرفضون المسيح هو أنَّه يأتي ويَكشفَهُم على حقيقتهم فلا يَستطيعون إخفاءَ خطَّيتهم بعد ذلك. لذا فإنَّهم يُبغضونَنا ويُبغضونَهُ. ونقرأ في العدد 23: "اَلَّذِي يُبْغِضُنِي يُبْغِضُ أَبِي أَيْضًا". فَهُم يُبغِضونَ جَميعَ الأطرافِ المَعنيَّة. "لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ". أَتَرَوْن؟ فلم يكونوا سيحصلون على ذلك الإعلان العظيم عن الخطيَّة لولا أنَّهم رأوا يسوع. "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي".
وَهُوَ يقول في العدد 25: "أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَب". وَهُوَ يقول في الأصحاح 16 والعدد الأوَّل: "قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا". لا تُصْدَموا وتَعثُروا عندما يَحدث ذلك. "سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِع". وقد فَعلوا ذلك... صَدِّقوني. فقد طَردوا المسيحيِّين مِن المَجمَع. ونحن نَقرأ عن ذلك حتَّى في سِفْر أعمالِ الرُّسُل. "بَلْ تَأتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ". وهل تَعلمون عَمَّن تَتحدَّث هذه الآية؟ إنَّها نُبوءة عن شخصٍ واحد يُمكنني أن أُفَكِّرَ فيه وَهُوَ: بُولُس. وقد كان هناك أشخاص آخرون أيضًا. "وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي".
"استعدُّوا!" [كما يَقول]. "لقد وَعدتُكم بهذا أيضًا. فالأمرُ لن يكون سَهلاً. فلأنَّكم سَتقترنون بي، فإنَّ العالمَ الَّذي يُبغضُني سيُبغضكم". فلا يُمكننا وحسب أن نَسيرَ مع النَّظام. لذا فإنَّ النِّظام يَرفُضنا. وهذا لا يعني أن تذهبوا وتَختبئوا في الزَّاوية، أو أن تُحاولوا زيادة تلك الصِّفات الَّتي يُبغضوها فيكم لكي تَرفعوا مِن شأنكم. وهذا لا يعني أن تكونَ شخصًا بَغيضًا لِمُجَرَّد أن تَرفع مِن شأن نفسك في ذلك الموقف. فيجب عليك أن تكون مَحبوبًا ورقيقًا ولطيفًا، وأن تُراعي مشاعر الآخرين وتكون سَخيًّا قدر استطاعتك في وسط العالَم، تَمامًا كما كان يسوع. ويجب عليك أن تَحرص على أنَّهم إن أبغضوكَ فإنَّهم لا يُبغضوك بسبب شخصيَّتك، بل بالحَرِيِّ بسبب الحقِّ الَّذي تُنادي به. فكلُّ هذه الأشياء هي لنا ويجب علينا أن نتوقَّعها. وأنا مَسرور لأنَّه أخبرنا عن هذا الأمر. أليس كذلك؟ لأنَّنا قد نُصدَم قليلاً إن لم نكن نَتوقَّع ذلك.
وهناك شيء عاشرٌ وأخير. وسوف أَذكُرُه لكم في عُجالة. فالشَّيء الأخير الَّذي تَرَكَهُ لنا هو: "الوعدُ بالفرح" ... الوعدُ بالفَرح. ويجب عليَّ أن أُريكم هذا. فهو رائع جدًّا. إنجيل يوحنَّا 15: 11: "كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ..." – فَرَحُ مَنْ؟ "فَرَحي". "...وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ". فقد أَطلعتُكم على كلِّ هذا الميراث. بعبارة أخرى، لقد أعطيتُكم كلَّ هذه الأشياء لكي تَفرحوا. ويا أحبَّائي، أودُّ أن أقول لكم إنَّ السَّبب في أنِّي أَرجأتُ الحديثَ عن الفَرح حتَّى النِّهاية هو أنَّ الفرح يأتي نتيجة كلِّ شيءٍ قالَهُ. فعندما أُفكِّر في كلِّ شيءٍ تَرَكَهُ لي، لا يَسَعُني إلاَّ أن أفرح. فمع أنَّ هناك مشاكل في حياتي، لا يَسَعُني إلاَّ أن أَفرح لأنِّي أعلمُ أنَّه عندما تَنتهي المشكلة فإنَّ تلك الأشياء العظيمة ستكون موجودة. انظروا إلى الأصحاح 16 والعدد 20 ... يوحنَّا 16: 20. وهذه واحدة مِن جُمَل رَبِّنا المُفضَّلة لديَّ أيضًا.
فهو يقول: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ". بعبارة أخرى، قد يبدو الأمر غريبًا بالنِّسبة إليكم لأنَّ العالَم سيكون سعيدً جدًّا ويَحتفل؛ في حين أنَّكم ستكونون قابِعينَ في إحدى الزَّوايا وتَبكون! "أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ..." [وَلكِن اصبِروا] "... ولكنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَح". وأنا أُحِبُّ هذه الكلمات! "ولكنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَح". والآن، ما الَّذي يَقصده بذلك؟ إنَّ النَّاس يقولون: "هذا يعني أنَّكم ستختبرون أحوالاً مُريعةً وأحوالاً مُحزنةً، ولكن في وقتٍ لاحق، سيُعطيكم الربُّ أوقاتًا سَعيدةً. وسوف تكون أوقاتًا طَيِّبةً. ثُمَّ إنَّكم ستَختبرون المزيدَ مِن الأوقات العَصيبة، ثُمَّ أوقاتًا مُفرحةً". ولكنَّ هذا ليس المعنى المقصود. كَلاَّ. انظروا إلى العدد 21: فالمَثلُ الإيضاحيُّ يُزيلُ أيَّ غُموض: "اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ..." - أي في ساعة الولادة "...تَحْزَنُ". أجل! فهناك ألم، وهناك بُكاء، وهناك كَرْب، وهناك عَذاب، وما إلى ذلك. ولا شَكَّ في أنَّهم في ذلك الزَّمَن لم يكونوا قد اكتشفوا بعد ذلك المُخَدِّر الَّذي يُسَكِّن الألم نَوعًا ما كما يَفعلون اليوم. لذا فقد كانت المرأة تَتألَّم كثيرًا. "...وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَم". وأودُّ أن أقولَ إنَّ المُصيبةَ أَخَفُّ وَطأةً إن كان المَولودُ فتاةً! ولكنَّ المعنى المقصود مِن هذه الآية... ولكنَّ المعنى المقصود مِن هذه الآية هو أنَّ الحدث ذاتَهُ الَّذي يُؤدِّي إلى الحُزن يُؤدِّي أيضًا إلى الفرح. هل تَفهمون ذلك؟ وهذا حَقٌّ مُهمٌّ جدًّا.
فيسوعُ يقول: "عند الولادة، هناك كَرْبٌ شَديد؛ ولكن سُرعان ما يَتحوَّل ذلك إلى فَرح فَيُنْسَى الحُزن". وما يَعِدُنا به رَبُّنا هو ما يَلي: سوف تَختبرون أَحوالاً تَبعثُ على الحُزن، ولكنَّ هذه الأحوالَ ذاتَها ستتحوَّل إلى فَرَحٍ عظيم. أَتَذكرون ما تَعلَّمناه في رسالة كورِنثوس الأولى 10: 13؟ "اللهُ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا [ماذا؟] المَنْفَذ". والنُّورُ الَّذي في نِهاية النَّفق يَبْعَثُ على الفَرح. فهو لا يقول: "سوف أُعطيكم أحوالاً تَبْعَثُ على الفَرَح عوضًا عن الأحوال الَّتي تَبعَثُ على الحُزن"، بل يَقول: "في خِضَمِّ تلك الأحوال المُحزِنَة سيأتي الفَرح إن كنتم تؤمنون وتَصبِرون وحسب".
يا لهُ مِن مِيراث يا أحبَّائي! هل تَرون ذلك؟ البُرهان على محبَّته لنا، والرَّجاء في السَّماء، والقُوَّة، وسَدّ الاحتياجات، والرُّوح القُدُس، والحقّ، وسلامُه، والإثمار، والاضطهاد، والفَرح. فكلُّ هذه الأشياء هي لنا. وأودُّ أن أُلَخِّصَها كُلَّها في الفكرة التَّالية؛ وهي فكرة رائعة: هل تَعلمون السَّببَ في أنَّ كلَّ هذه الأشياء هي لنا؟ هل تَعلمون لماذا؟ اسمعوا ما سأقول: لأنَّه هو لنا. وهل تريدون أن تَسمعوا شيئًا مُدهشًا؟ عندما مَضَى فإنَّهُ لم يَمْضِ في الحقيقة. وقد تقول: "ما الَّذي تَعنيه بذلك؟" انظروا إلى إنجيل يوحنَّا 14: 20، وسوفَ نَختِم بهذه الفِكرة. يوحنَّا 14: 20. أو لننظر إلى العدد 18: "لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى". وما الَّذي يَقولُه بعد ذلك؟ "إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. بَعْدَ قَلِيل لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي". وقد تقولون: "ما الَّذي تَعنيه؟"
"فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا... [أين؟] فِيكُمْ". صحيحٌ أنَّني سأمضي في هيئتي الجسديَّة، ولكنِّي سأكون فيكم في هيئة روحيَّة. هذا هو المَعنى المَقصود. وَهُوَ يقول في العدد 23 الشَّيء نفسَه: "وَإِلَيْهِ نَأتِي [في نهاية العدد]، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً". اسمعوني أيُّها الأحبَّاء: إنَّ السَّبب في أنَّ كلَّ مِيراث المسيح هو لي هو أنَّ المسيح لي. فقد مَضَى جسديًّا، ولكنَّه لم يَذهب حقًّا، بل هو يَسكن في كلِّ مُؤمِن بحضورِه العَجيب. وهذا كُلُّه لك إن كنتَ تُؤمِن. وأرجو أن تكون كذلك. دَعونا نُصَلِّي:
نَشكُرك، يا أبانا، على وقتِنا في هذا الصَّباح. ونَشكُرك على حَقِّك، وكيف يَتكلَّم، وكيفَ يَخترق قُلوبَنا، وكيف يَستَخلِص مِنَّا العِرفان والشُّكر. وصلاتي يا رَبُّ هي أن تُعلِّمنا الأشياء العمليَّة الَّتي تُوافِق ما تَعَلَّمناه لكي نَعمل أيضًا على تسبيحِك على العطايا الَّتي تُعطيها مَجَّانًا لنا جَميعًا بالرَّغم مِن أنَّنا لم نَفعل أيَّ شيء يَستحقُّ هذه العَطايا. فهي كُلُّها بالنِّعمة. ولا توجد كلمات نُعَبِّر بها عن امتِنانِنا. وأنا أُصَلِّي لأجل جميع الأشخاص الحاضرين هنا والَّذين لم يَمُدُّوا يَدهم للحصول على ميراث يسوع بالإيمان؛ أُصلِّي أن يَعمل روحُكَ في قُلوبِهم فيَفعلوا ذلك اليوم. أُصَلِّي هذا باسم المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.