
نشكرك حَقًّا، يا أبانا، في هذا اليوم على هذا الصباح وعلى هذه الفرصة التي أعطيتنا فيها أن نستخدم هذا اليوم لتمجيدك، وأن نكون مُثمرين لِما يَؤولُ إلى تسبيحك. ونشكرك مِن أجل الأشخاص الذين جاءوا في هذا الصباح بدافع الرغبة في معرفة الحق وفَهْم الحياة المسيحيَّة فَهْمًا أفضل.
ونحن نُصَلِّي، يا أبانا، أن تُكافئَ هؤلاء مِنْ خلال إعطائهم وقتًا مُبْهِجًا، ومِنْ خلال جَعْلِهم فَرِحين ومُبارَكين لأنهم جاءوا إلى هنا لكي يذهبوا ويكونوا مُثْمِرين. ونحن نشكرك لأنك دعوتنا معًا، بصفتنا أعضاء في جسد المسيح، لكي يَخْدُمَ بعضُنا بعضًا، ولكي نَعبُدك، ولكي نَكْرِز للعالم بالخبر السَّارِّ الذي غَيَّر حياتنا جذريًّا. وليتَ دراستَنا في هذا الصباح تُساعدنا على أن نكون مؤهَّلين أكثر للقيام بذلك. نُصلي هذا باسم المسيح. آمين.
حسنًا! إنَّ موضوعنا هو: "كيف نعمل في الجسد". وهذه هي جَلْسَتُنا الثالثة. وأرجو أن تنظروا إلى الأوراق التي تَمَّ توزيعُها عليكم عن كيفيَّة العمل في جسد المسيح. وهناك آية مهمَّة جدًّا في الكتاب المقدَّس سنَبتدئ بها، وهي رسالة كورِنثوس الأولى 12: 13 إذْ نقرأ: "لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ". ففي اللحظة الَّتي قَبلتَ فيها يسوع المسيح مُخَلِّصًا، تَمَّ ضَمُّكَ إلى جسد المسيح: "يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا".
عندما صِرْتَ مسيحيًّا، تَمَّ ضَمُّكَ ... وهذا هو معنى معموديَّة الروح القدس. فقد تَمَّ تعميدك أوْ ضَمُّكَ إلى جسد المسيح. فالمعموديَّة تعني تغطيس الشخص أو غمره بالماء إذْ قد وُضِعَ في جسد المسيح. وقد صِرْتَ عضوًا في جسد المسيح. وهذا مُرادِفٌ لِمفهوم الكنيسة إذْ إنَّكَ صِرْتَ عضوًا في كنيسة المسيح. وربما لم تنضم بعد إلى كنيسة محليَّة، وربما لم تُصبح بعد عضوًا رسميًّا في كنيسة محليَّة، ولكِنْ في اللحظة التي خَلَصْتَ فيها، صِرْتَ عضوًا في الكنيسة، أيْ في جسد المسيح. وهذا واحدٌ مِن المصطلحات المستخدمة للإشارة إلى الكنيسة.
فالكتاب المقدَّس يَستخدم مُصطلحات عديدة للكنيسة. فهو يَدعونا "رعيَّة" راعيها المسيح. وهو يدعونا "أغصانًا، وهو الكَرْمَة. وهو يدعونا "رعايا الملكوت"، وهو الملك. وهو يدعونا "أولادًا" في عائلته، وهو الأب. وهناك استِعاراتٌ كثيرة للكنيسة. ولكنَّ واحدةً مِن هذه الاستعارات الفريدة هي فكرة الجسد، أي أننا أعضاء في جسد المسيح. فعندما انضممنا إلى عائلة الله، صِرنا أعضاء في ذلك الجسد. ونحن نقرأ في رسالة كورِنثوس الأولى 12: 14: "فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ". لذا فإنَّنا جميعًا جزءٌ مِن جسد المسيح.
وهذا يَحدث عندما تَخْلُص. لذلك فإنَّ النقطة الأُولى هي أن تَفهم خلاصَك. فمِنَ المهم جدًّا أن نَفهمَ ما حدث عندما خَلَصْنا. وربما كانت هناك طريقة سهلة لتوضيح ذلك، وهي أن تفتحوا على رسالة أفسُس وتنظروا معي إلى الأصحاح الثَّاني. فنحن نقرأ في الأصحاح الثاني والعدد 11: "لِذلِكَ اذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأُمَمُ قَبْلاً فِي الْجَسَدِ".
وهذا الكلام مُوَجَّهٌ تحديدًا إلى المسيحيِّين الَّذينَ جاءوا مِن خلفيَّة أُمَمِيَّة. فنحن نقرأ في العدد 12: "أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ". وهذه صورة عن الإنسان غير المُؤمن، الذي هو مِن دون المسيح، ومن دون الله، وبلا رجاء، وبلا وعد، ويعيش في الفراغ.
ولكنَّنا نقرأ في العدد 13: "وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ". فقد كنتم قبلاً بعيدين عنِ الله، أو مِن دون الله، ومِن دون المسيح، وبلا رجاء، وبلا وعد. ولكنَّكم صِرتُم في المسيح قريبين: "لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ".
فكأنه كانت هناك عداوة بينك وبين الله، ثُمَّ جاء المسيح وأمسك بيد الله، وأمسك بيدك وصالحكما معًا. وكما تعلمون، إنْ كان هناك شخصٌ محبوبٌ مِنْ شخصين مُتخاصِمَيْن، قد ينجح غالبًا في مُصالحتهما معًا. فقد يَحدُث خلاف بين الأمِّ والأبِ فينجحُ الابنُ المحبوب مِنَ الطرفين في مُصالَحَتِهِما معًا.
وهناك قصة رائعة يَرجِع زمنُها إلى وقت الحرب العالمية الثانية. فقد كانت الحرب دائرةً بين الفرنسيين والألمان. وقد احتلَّ الألمانُ منزلاً ريفيًّا، وكان الفرنسيون يحاولون احتلال ذلك المنزل الريفيّ. وكان كُلُّ جيشٍ يُطلقُ النار على الجيش الآخر عَبْر الحقل. وفجأةً، صرخَ واحدٌ مِن الجنود قائلاً: "أَوقفوا إطلاق النار" لأنه كان هناك طفلٌ صغيرٌ يزحف عَبْر الحقل. فقد خرج ذلك الطفل بطريقة ما مِن البيت الريفيَ. وقد رأى الجنود الألمانُ الطفل الصغير أيضًا وفعلوا الشيء نفسه. والشيء المُدهش في القصة هو أنَّ كُلَّ النيران توقفت. وقد كَتَبَ مُراسلٌ صِحَافِيٌّ مقالةً مُدهشةً عنْ تلك الحادثة ذَكَرَ فيها أنَّ طفلاً صغيرًا قد صنع سلامًا.
وبالمعنى الحقيقي، هذا هو ما حدث تمامًا بمجيء يسوع المسيح. فقد جاء إلى العالم لكي يصنع سلامًا بين طرفَيْن مُتخاصِمَيْن هُما: الله والإنسان. والسبب في عداوتنا مع الله هو أنه قُدُّوس وأننا خُطاه. وهذا هو سبب انفصالنا عنه. وقد جاء المسيح وأمسك بيد كُلٍّ مِنَ الطَرَفَيْنِ وصالحهما معًا. فهو سَلامُنا. والاستعارة هنا تتمثل في تحطيم الجدارِ الفاصلِ بيننا. والنَّصُّ لا يتحدث فقط عَنِ العداوة بيننا وبين الله، بل يتحدث أيضًا عنِ العداوة بينَ اليهودِ والأمم.
كذلك، نقرأ في العدد 16 أنَّ اللهَ يريدُ أنْ "يُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ". لذلك فقد تصالح اليهود والأمم معًا. وعندما انضمَّا معًا إلى الكنيسة تَصالَحا مع الله. والصليب هو الذي حَقَّقَ ذلك. فالصليب هو الشيء أو العمل الذي رَفَعَ الخطيَّة. وقد كانت الخطيَّة هي الجدار الفاصل. فقد كانت الخطيَّة هي الحاجز بيننا وبين الله. لذلك عندما تَحَقَّقَ الصليب وآمَنَّا بالمسيح، تَمَّتْ إزالة الحاجز وتصالحنا مع الله في جسد واحد.
لذا فإنَّ الكنيسة كُلَّها هي جسد واحد. فسواء كنت مَعمدانيًّا أو مَشْيَخِيًّا، أو أُسقُفيًّا، أو أيًّا كانت طائفتك، إذا كنت تُحِبُّ الربَّ يسوع المسيح ووُلدت ثانيةً، فأنت واحدٌ في جسد المسيح. ونقرأ في رسالة كورِنثوس الأولى 6: 17: "وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ". لذلك فإنَّ جميع الَّذينَ التصقوا بالمسيح هُمْ واحدٌ في المسيح.
ونقرأ في رسالة أفسس 4: 17 القليل عن حياتنا قبل أن نُؤمِنَ بالمسيح: "فَأَقُولُ هذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ: أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا". وكيف يسلك سائرُ الأمم؟ أو كيف يَتصرَّفُ الأشخاصُ غيرُ المُخَلَّصين؟ "بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ". فَهُمْ يعيشون وَفْقًا لمشاعرهم. بعبارة أخرى، فإنَّ ضمائرهم لم تعد حَيَّة. فقد وَسَموا ضمائرهم، وقد عَصَوْها كثيرًا حتَّى لم يعد لها أدنى تأثير.
إذًا، هذه هي صورة الشخص غير المُخلَّص. فهو يسلك كالوثنيين في بُطْلِ ذهنه. وهو منقادٌ وراءَ أفكاره الشخصيَّة. وفِكْرُهُ مُظلم. وهو لا يستطيع أن يعرف الحق. وهو مُنفصلٌ عن حياة الله وميتٌ روحيًّا. وهو غليظُ القلب. وهو لا يمتلك أية مشاعر تُجاه الله، وهَلُمَّ جَرَّا. وهو مُستسلمٌ للأشياء الشريرة، وحياة المُجون، والنجاسة، والجشع، وكُلِّ تلك الأمور. "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هكَذَا".
فعندما تَقبل المسيح، فإنَّ حياةً جديدةً تمامًا تبدأ. وكُلُّ تلك الأشياء تتوقف عن الوجود في جِدَّةِ الحياة في المسيح. لذلك فإنَّ تغييرًا هائلاً يَحْدُث. وهناك آية كِتابيَّة أُخرى يُمكنكم أن تنظروا إليها في أفسُس 2، وتحديدًا في الأصحاح الثاني والعدد الأول. فنحن نقرأ في رسالة أفسس 2: 1: "وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا". فقبل أن تصير مسيحيًّا كنت ميتًا. ومع أنك لم تكن ميتًا جسديًّا، فقد كنت ميتًا روحيًّا. وعندما نتحدث عن الموت الروحي فإننا نعني بذلك عدم القدرة على التجاوب مع الله.
وأنا أَذكُرُ أنَّني كنتُ جالسًا ذات يومٍ في مكتبي عندما دَخَل صَبِيٌّ صغيرٌ راكِضًا وَهُوَ يقول: "أرجوك أن تأتي معي لأنَّ أُمِّي بحاجة إلى المساعدة. فقد ماتت أختي الصغيرة". وقد حدث ذلك هنا في جَادَة "روسكو" (Roscoe Boulevard) - على بُعد بِضْعَة منازل. وقد رَكَضْتُ خارجًا وذهبتُ إلى هناك. وقد رأيتُ هناك طفلة صغيرة، طفلة صغيرة جميلة، أعتقد إنَّ عُمْرَها لم يتجاوز الأربعة أشهر. وقد كانت مُمَدَّدَة في السرير ولونُها أزرقٌ شاحِبٌ، وكانت باردةً وميتةً. وكانت الأُمُّ تبكي وتنتحبُ وتذرِفُ الدموع. ووفقًا لها، لم يكن هناك أيُّ تفسيرٍ منطقيٍّ لموت طفلتها.
وقد كانت تُقَبِّلُ الطفلة وتَحتضنُها، ولكنَّ ذلك لم يكن كافيًا لإعادة الحياة إلى تلك الطفلة لأنَّ الموت الجسدي يعني عدم القدرة على التجاوب. وأنا أستخدم ذلك كمثلٍ توضيحيٍّ لأنَّ أقوى العواطف في المعايير البشريَّة رُبَّما هي عاطفة الأُمِّ نحو طفلها. فهذه أعمق عاطفة، وأقوى رابطة إذْ إنَّ الأُمَّ ترتبط ارتباطًا شديدًا بتلك الحياة الخارجة مِن رَحِمِها. ولكنَّ كُلَّ الحُبِّ الذي تمتلكه وكُلَّ الطاقة التي كانت تُعطيها لتلك الطفلة الصغيرة لم يكونا كافِيَيْن لأنَّ الموت هو عدم القدرة على التجاوب. فأيًّا كان المُحفِّز، فإنَّ الشخصَ المَيِّتَ لا يقدر أن يتجاوب.
والموتُ الروحيُّ لا يختلف في شيء. فهو عدم القدرة على التجاوب مع الله. وهو يعني أنْ يَفعلَ اللهُ أمورًا ويتحرك دون أن تكون مُباليًا ودون أن تتجاوب مع ما يفعلُه. فهذا هو الموت الروحيّ. فهو عدم القدرة على التجاوب مع الله. وهذا هو تحديدًا ما يقوله بولس. فقبلَ أن تَهتدي إلى المسيح، كنت مَيِّتًا بالذنوب والخطايا. وقد كانت حياتُكَ جسديَّةً وقائمةً على رَغَبات الجسدِ، ورغباتِ الذِّهْنِ - كما جاء في العدد الثالث.
فقد كنتَ تسلك بحسب هذه العالم. وقد كنت تفعل كل ما يُمليه عليكَ العالم. وقد كنت تتبع رئيس سُلطان الهواء (أي: الشيطان)، وكنت منفصلاً تمامًا عن الله كما لو كنت ميتًا جسديًّا ولا تشعر بأي مُحَفِّزات جسديَّة. فلأنك مَيِّتٌ روحيًّا، لا يُمكنك أن تشعر بالمُحفِّزات الروحيَّة.
ولكنَّ ذلك كُلَّهُ قد تغير. فنحن نقرأ في رسالة أفسس 2: 4: "اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا". ولا شكَّ في أنَّ التغييرَ بمُجمله ابتدأَ بعمل الله بسبب محبَّته ورَحمته: "وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا" ماذا فَعَل؟ "أَحْيَانَا". فما الشيء الوحيد الَّذي يحتاج إليه الشخص الميِّت أكثر مِن غيره؟ الحياة. وهذا هو تمامًا ما يُعطيهِ الله.
وما المقصود بأنه أَحْيَاكَ؟ المقصود هو أنه أَعادَ إليك حَواسَكَ الروحيَّةَ فصِرْتَ مُدركًا لوجود الله. فقد صِرتَ تشعر بالله. وصرتَ تسلك الآن في حضرة الله. وقد صار الكتاب المقدَّس يعني شيئًا بالنسبة إليك، وقد صارت الصلاة تعني شيئًا بالنسبة إليك. وقد فُتِحَ أمامك بُعْدٌ جديدٌ للوجود لأنك صرت حَيًّا روحيًّا. وهذا يعني أنك صِرْتَ مُنفتحًا وتشعر بحضور الله.
إذًا فإنَّ خلاصك يعني أنك أَفَقْتَ على عالمِ حضور الله. فعندما خَلَصْتَ صِرْتَ حَيًّا. وجزءٌ مِن تلك الحياة الجديدة يتضمَّن وجودك في جسد المسيح. وهذه فكرة مهمة جدًّا. لذلك فإنَّ خلاصك هو تَغَيُّرٌ عظيم. فقد كنت تنتمي إلى العالم، ولم تكن مُرْهَف الحِسِّ تُجاهَ الله.
وفجأةً، مِن خلال التغيير الذي أَحْدَثَهُ الخلاص، صِرْتَ في جسد المسيح. فقد خَلَصت مِنَ الموت وصِرت حيًّا. فقد صار بمقدورك أن تَتلامَسَ معَ اللهِ، وأن تشعر بالله، وأن تعرف الله، وأن تسلك في الحياة الأبديَّة. والحقيقة هي أنَّ الحياة الأبديَّة لا تُقاس بالمُدَّة الزَّمنيَّة. بل إنَّ الحياة الأبديَّة تُقاس بالنوعيَّة. وهذه هي الحياة الجديدة التي في المسيح. لذلك ينبغي أنْ تَفهمَ خلاصك وأنْ تُدركَ التغيير الذي أَحْدَثَهُ.
ثانيًا، أرجو أن تنظرَ معي قليلاً وأن تفهم هذه الفكرة المختصة بمقامك. فبعد أن صِرت في جسد المسيح، أي بعد أن صرت مسيحيًّا، ما الذي يعنيه ذلك؟ أرجو أن تستمع إلي: إنَّ ما يعنيه ذلك هو أنك في المسيح بكُلِّ معنى الكلمة. فإذا ابتدأنا بمقامك، فإنك [أوَّلاً]: في المسيح. وهذا صحيحٌ بالمعنى الحقيقيّ. فعندما ينظر اللهُ إليكَ ويَراكَ، فإنه يراك في المسيح. فأنتَ تُشْبِهُ جَنينا ما زال في طَوْرِ التَّشَكُّلِ في الرَّحِم؛ أيْ أنك مثلُ طفلٍ لم يُولد بعد.
إنَّ كل شيء يختص بك هو في المسيح. لذلك فإنَّ الله يستطيع أن يَحْسَبَكَ بارًّا لأنه يراك في المسيح. ولذلك فإنَّ الله يستطيع أن يغفر لك خطاياك لأنه يراك في المسيح. لذا فإننا نقرأ في رسالة رومية 8 أنك وارِثٌ مع المسيح لأنَّ كل ما هوَ للمسيح قد صارَ لك لأنك في المسيح. لذلك عندما صِرت مسيحيًّا، صِرت مرتبطًا ارتباطًا فريدًا بشخص يسوع المسيح. وهذه فكرةٌ رائعة.
ونحن نقرأ في رسالة تيموثاوس الثانية 1: 9: "الَّذِي خَلَّصَنَا [أيْ: اللهُ الَّذي خَلَّصَنا] وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". فقد كانَ اللهُ يَراك في المسيح حَتَّى قبل ابتداءِ العالم. فقد كان يراك بتلك الطريقة منذ ذلك الوقت. وقد صار ذلك ظاهرًا منذ أن جاء المسيح.
ونقرأ في رسالة أفسُس والأصحاح الأول (رُبَّما في العدد السَّادِس)، أنَّ اللهَ: "سَبَقَ فَعَيَّنَنَا" [بَلْ في العدد الخامِس] "لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ"، ثُمَّ اسمعوا: "الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا" كيف؟ أيْ: كيف أَنْعَمَ بها علينا؟ "فِي الْمَحْبُوبِ". فالطريقة الوحيدة التي يَقْبَلُك الله فيها هي في المسيح. وعندما تهتدي للمسيح وتقبل المسيح فإنك تَصيرُ حرفيًّا في المسيح. فأنت تَصيرُ فيه حرفيًّا وبالمعنى الحقيقيّ. ولأنَّ شَخْصَهُ يُغَلِّفُك تمامًا فإنَّ اللهَ يَراكَ في المسيح.
والآية أفسس 1: 17 هي، في الحقيقة، صلاة لأجلكم لكي تفهموا هذه الحقيقة؟ فهو يقول: "كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ، وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ".
وَما يَعنيه هو الآتي: "صَلاتي هي أن تفهموا معنى أن تكونوا في المسيح". فهذا يعني أن تَرِثوا كُلَّ ما يَمْتَلِك مِنْ غِنى ومجد. وهو يعني أن تَرِثوا كُلَّ ما له [كما جاء في العدد 19]: "حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ ... إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَات". فكلُّ ما يمتلكه المسيح، وكلُّ قُدرةٍ يمتلكهُا المسيحُ تَصيرُ لنا لأننا في المسيح. وهذه فكرة رائعة. وهذا، مِنْ دون شَكٍّ، واحدٌ مِن الأسباب التي تجعلُنا نقول إنَّ المُؤمن لا يُمكن أن يفقد خلاصة - لأنَّ هذا يعني أن يفقد المسيح خلاصهُ. ولكنهُ الله. وأنت في المسيح. وهناك ضمانٌ لك. أَتَرَوْن؟ فَهُوِيَّتُك هي فيه.
وفي سِفر الجامعة، نجد آيةً مُدهشةً. وهناك العديد مِن الآيات المُدهِشة، ولكن إليكم هذه الآية الَّتي وَرَدَت في سِفر الجامعة 3: 14. وأنا أُشير إلى هذه الآية لأني أُريد مُنكم أن تفهموا أنكم كامِلون في المسيح: "قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ اللهُ أَنَّهُ يَكُونُ إِلَى الأَبَدِ". وهذا مبدأٌ رائعٌ. فإنْ عَمِلَ اللهُ عَمَلاً، فإنه يكونُ إلى الأبد. "لاَ شَيْءَ يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ يُنْقَصُ مِنْهُ، وَأَنَّ اللهَ عَمِلَهُ حَتَّى يَخَافُوا أَمَامَهُ".
فعندما يفعل الله شيئًا ما، لا يعود هناك شيء يُزاد عليه، ولا شيء يُنْقَصُ منه. وهذا يَصِحُّ على كُلِّ شيء. وهو يَصِحُّ أيضًا على خلاصِك. فإنْ كان الله قد خَلَّصَك فإنَّ هذا يَحْسِمُ الأمر. فهو خلاصٌ كاملٌ، وخلاصٌ تامٌّ. فأنت لَسْتَ نِصْفَ مُخَلَّص، ولا ثَلاثَةَ أرباع مُخَلَّص، ولا مُخَلَّص جُزئيًّا، ولا تحتاج إلى إضافة بعض الأشياء الأُخرى إلى ذلك الخلاص. فإذا كنت مُخلَّصًا فإنَّ الله هو الذي خلَّصَك ولا يُمكنك أن تُضِيف أي شيء إلى هذا الخلاص. ولا يُمكنك أن تُنْقِص منه أي شيء. فقد صِرْتَ مسيحيًّا كاملاً في اللحظة التي آمنتَ فيها.
فعندما يُولَدُ طفلٌ في العالم فإنَّهُ لا يكونُ شبيهًا بالشُّرْغوف (أو أبي ذُنَيْبَة). فهو لا يأتي في هيئةٍ مُفَلْطَحَةٍ ثُمَّ بعد ثلاثة أشهر تَظْهَرُ ذِراعُهُ اليُمنى فجأةً، ثُمَّ بعد ستَّة أشهر تَظهر ساقُهُ فجأةً، ثُمَّ يَصيرُ ضُفْدَعًا صغيرًا. لا! فالأطفال يأتون إلى العالمِ كامِلين. ومنذ اللحظة التي يُولدون فيها فإنهم يمتلكون كُلَّ الأجزاء. أليس كذلك؟ فهم يمتلكون كُلَّ الأجزاء. وكُلُّ ما في الأمر هو أنَّ تلك الأجزاء تَزداد حجمًا. فهذا هو كُلُّ ما في الأمر.
وعندما تصير مسيحيَّا فإنك لست ضُفدعًا روحيَّا في طَوْرِ التَّشَكُّل، ولا تَمْلِكُ سِوى ذنبًا صغيرًا؛ ثُمَّ إنك تحصل على بقيَّة الأجزاء عندما تنضج. بل أنتَ مسيحيٌّ كاملٌ. والسؤالُ الوحيدُ يختص بعمليَّة النمو. هل تفهمون قَصْدي؟ إنَّ ما يحدث فقط هو عمليةُ نُمُوٍّ لشيءٍ تَمْلِكُهُ أصلاً لأنك كاملٌ في المسيح. فنحن نقرأ في رسالة كولوسي 2: 10: "وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ". ونقرأ في رسالة بُطرس الثانية 1: 3: "كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى". فأنت لا يَنقصك شَيءٌ البتَّة. فلا توجد مُكَوِّنات لا تمْلِكُها. ولا يوجد شيءٌ مفقود. فأنت تُولدُ طفلاً كاملاً في المسيح.
ولكِنْ ينبغي لتلك الأجزاء أنْ تنمو وتَنْضُج لكي تَصير أجزاءً مُكتملةَ النُّمُوِّ وقادرة على العمل بأقصى طاقتها. ولكن لا توجد أجزاء ناقصة. فأنت كاملٌ تمامًا. وهذه فكرة مهمة جدًّا جدًّا. ولأننا في المسيح فإنَّ اللهَ يَرى أنَّنا نَستوفي جميعَ شُروطِهِ. فقد جاء المسيحُ وأَكْمَلَ الناموس كُلَّهُ. وحيثُ إنك في المسيح، فأنتَ في عينيِ الله قد أَكْمَلْتَ الناموسَ كُلَّهُ.
ولكي أُعطيكم فكرةً عن كيفيَّة عمل ذلك، هناك ورقة بيضاء تَسَلَّمْتُموها، وهي بعُنوان: "كيفَ تُمارِس مَقامَك". وأُريد أنْ أُرِيَكُم شيئًا مُهمًّا جدًّا بخصوص هذه الورقة، ثُمَّ يُمكنكم أن تأخذوها معكم وأنْ تَدرسوها. وهذ الورقة موجودة أيضًا في كتاب: "الكنيسة: جسد المسيح" (The Church, the Body of Christ). لذلك، إذا كنتَ تَملِكُ هذا الكتاب، ستجد هذه الورقة هناك أيضًا. وسوف تلاحظون في الجانب الأيسر، أو في العَمود الأيسر، كُلَّ الأشياء التي تمتلكها في المسيح. فهي موجودة هناك كُلُّها.
فأنتم أحياء روحيًّا لله. فقد كُنتُم أمواتا بالخطايا، ولكنَّهُ غَفَرَ خطاياكم. وكم مقدار الغفران الذي حَصَلْتُم عليه؟ لقد غَفَرَ اللهُ كُلَّ آثامِكُم. وأنتم أبرارٌ، وأنتم أولادُ اللهِ، وأنتم رَعِيَّةُ اللهِ، ووَرَثَةُ اللهِ، وقد بارَكَكُمُ اللهُ بكُلِّ بَرَكَة روحيَّة في السماويات، وأنتم مواطنونَ سَماويُّون. وأنتم خُدَّامُ الله.
وأنتم تمتلكون حياةً جديدةً، وأنتم قد أُعْـتِقْتُمْ مِنْ ناموس الخطيَّة والموت، وقد صُلِبْتُم للعالم، وأنتم نورُ العالم، وأنتم الذين غَلَبْتُمُ الشيطان. وأنتم مُطَهَّرون. وأنتم قِدِّيسون وبلا لَوْم قُدَّامَهُ. وأنتم أَحرار، وأنتم في المسيح، وأنتم مَضمونون في المسيح، وأنتم أبناءُ سَلام، وأنتم واحد، وأنتم في النعمة، وأنتم في الشركة، وأنتم فَرِحون، وأنتمُ الذينَ يَسْكُنُ الرُّوحُ فيكُم وتَنْقادونَ بالرُّوح.
وأنتم تمتلكونَ المواهبَ الروحيَّة، وأنتم مُؤهَّلون للخدمة، وأنتم مُمتلئون مَحَبَّةً. وهذا مُدهشٌ جدًّا. أليس كذلك؟ فهذا هو مَقامُكم. ففي عينيِ الله، هذا هو مَقَامُكم. أمَّا العَمودُ الثاني فيُخبركم كيف ينبغي أنْ تَحْيَوْا وَفْقًا لِمَقامِكم. فهذه هي الممارسات التي ينبغي أن تُمارِسوها. فحيث إنكم أحياءُ روحيًّا لله، ينبغي أن تسلكوا هكذا في هذه الحياة. وحيث أنكم أمواتٌ عن الخطيَّة، لا تُعطوا الخطيَّة مكانًا. وكما تَرَوْن، ربما كان مَقامُكُم قُدَّامَ الله، أو ربما كانتِ الطريقةُ الَّتي يَنْظُرُ اللهُ مِنْ خلالها إليكم مُختلفة عن سلوكِكُم.
وما زِلْتُ أَذْكُرُ أَنَّني عندما كنتُ صَبِيًّا صغيرًا، كان هناك صبيٌّ في الحَيِّ قد تَرَكَ فِيَّ تأثيرًا سَيِّئًا. فقد جَعَلَني أعتقد أنه مِنَ الرائع أنْ أُدَخِّنَ سيجارًا. لذلك فقد دَخَّنْتُ سيجارًا وقلتُ في نفسي: "هذه هي الحياةُ الحقيقيَّة". وقد ظَنَنْتُ أنَّ التَّدخينَ رائعٌ. ثُمَّ قَرَّرَ ذلك الصَّبِيُّ أنْ يُعَلِّمَني كيفيَّة سرقة الأشياء مِنَ المتاجِر. لقد كنت صَبِيًّا رائعًا حَقًّا، ولكنِّي وَقَعْتُ ضَحِيَّةَ رِفاق السَّوْء. وهذا أَمْرٌ مؤكَّد. أليس كذلك؟ وعلى أيِّ حال، فقد سَرَقنا في النِّهاية بعض الأشياء مِنْ مَتْجَر "سِيْرز" (Sears).
وأثناءَ مُغادرةِ المَتْجَر، قَبَضَ علينا مسؤولُ الأمْنِ في المتجر. وقد ذهبنا إلى السِّجْن، إلى سِجْن المدينة. وقد استدعَتِ الشُّرطةُ والِدي الذي كان يَلعبُ "الغولف" مع بعض الشَّمامِسَة. ولم يَكُنْ أبي المِسكينُ يَدري ما جَرى. وعلى أيَّةِ حال فقد جاءَ إلى السِّجْن وهو مُتأكِّدٌ أنَّ هُناكَ خَطَأً ما. وقد أَحْضَرَ الشمامسة برفقته. فقد جَاءُوا لمُساندته. وكانَ يقول: "لا يُعْقَلُ أنْ يَفعلَ ابني ذلك". وعلى أيَّةِ حال، فقد جاءَ أبي وكنُت أنا جالسًا في الزِّنْزانَة. إذًا، فقد جاءَ أبي ودَفَعَ كفالتي وأَخرجني مِنْ هناك.
وما زلتُ أَذكر أني ذهبت إلى الكنيسة. وقد كان أبي واعظًا. لذلك، كان الجميعُ يَعرفون مَنْ أكون. وكان الخبرُ قد انتشر بأنَّني كنت مسجونًا. ولكنَّ ذلك لم يُؤثِّر كثيرًا في سُمعة عائلتي. وبالرَّغم مِن ذلك، كانَ الناسُ يقولونَ لي: "كيف تَجَرَّأتَ على القيام بذلك؟ ألا تَعلم مَنْ يكونُ والدك؟" وكانت أُمِّي تقول: "ألا تُدرِك ... ألا تُدرِك أنَّكَ لَطَّخْتَ سُمعةَ عائلتِنا؟ "كيف يُعْقَلُ أنْ يَقومَ ابْنُ راعي كنيسة بأمرٍ كهذا؟ هذا هو ما سيقوله الناس".
وكما تَرَوْن، فإنَّ النقطة الرئيسيَّة هي أنني لم أكن أعيش وَفْقًا لِمقامي. أتفهمون قَصدي؟ فبسبب هُوِيَّتي، كان هناك مستوى معيَّن مَطلوبٌ مِنِّي، وأنا لم أكن أعيش وَفْقًا لهذا المستوى. وهذا يَصِحُّ بالمفهومِ الرُّوحِيّ. فإذا نظرتم إلى العَمود الأيسر، ستقرأون مَنْ أنتم. فهل تعيشون وَفْقًا لذلك؟ فهذا هو ما يَنبغي أن تفعلوه. والكتابُ المقدَّس يُطلعنا على كِلا الجانبين. فهناك آيات كتابيَّة كثيرة عن مقامِنا. وهناك آيات كِتابيَّة كثيرة عن حياتِنا أو سلوكنا. ويجب علينا أن نُطَبِّقَ كِلا الجانِبَيْن. وينبغي أن يكون هناك انسجامٌ في حياتك.
هناك صديق لي انْضَمَّ إلى فريق "واشنطن ريدسكينز" (Washington Redskins). وكانَ قبل ذلك يلعب كرة القدم مع فريق "مِيامي دولفينز" (Miami Dolphins). واسمه هو "مارفِن فليمنغ" (Marvin Fleming). وقد كان رياضيًّا في المدرسة الثانويَّة العُليا هنا في لوس أنجلوس في مدرسة "سينتينيال" (Centennial) الثانويَّة. وقد لَعِب نحو خمس أو ست سنوات تحت قيادة ""فينس لومباردي" (Vince Lombardi) في فريق "غرين بيه باكرز" (Green Bay Packers). وقد كان يقول أمورًا رائعةً عن السنوات التي كان فيها "لومباردي" يُدرِّب الفريق؛ وهي السنوات التي فازوا فيها بجميع البطولات، وهي السنوات التي لعب فيها الفريق فوق قُدرته الطبيعيَّة.
وقد كان هناك شيءٌ مُمَيَّزٌ في ارتداء الملابس الرياضيَّة التي تحمل اسم فريق "باكرز" (Packers) إذْ إنَّ ذلك كان كَفيلاً بتحسين أدائِك أكثر مِن أي وقت مضى. فقد كان هناك شيءٌ عظيمٌ في أن تكون لاعبًا في فريق "غرين بيه باكرز" إذْ إنه يَجعلك تلعب مِن أجل ذلك الاسم، ومن أجل الحفاظ على سُمعة الفريق. وفي السنوات العظيمة لفريق "نيويورك يانكيز" (New York Yankees)، كانت هناك نفس المشاعر إذْ كان اللاعبون يقولون إنَّ مُجَرَّدَ ارتداء الملابس التي تحمل اسم الفريق يجعلك لاعبًا مُختلفًا. وبصورة مِنَ الصور، أعتقد إنَّ هذه هي الفكرة في أن تكون مسيحيَّا. فهناك مَقامٌ مُعَيَّنٌ لنا بوصفنا مسيحيين ينبغي لنا أن نعيش وَفْقًا له. والشيء المُحزِن الذي يحدث في حياة المُؤمن المسيحيّ هو أنَّ ممارساتك لا تُوافِق مَقامَك.
ولكنَّ الروح القدس يقول لك: "ما الذي تفعله بتصرُّفِك بهذه الطريقة؟ ألا تَعلم مَنْ أنت؟ ألا تَعلم مَن هو أبوك؟" لذلك، يجب أن تكون أفعالك مُطابقة لِمقامِك. فمقامُكَ كاملٌ. فأنت في المسيح، ومقامُكَ يَضْمَنُكَ إلى الأبد. وقد أَنْهَيْتُ للتوّ مُسَوَّدة كتاب "أُسُس النُّمُوّ الروحيّ" (The Keys to Spiritual Growth). وقد أَوْضَحْنا في الجزء الأول كاملاً أنَّ النضج الروحيّ ليس مرتبطًا بِمقامك. فمقامُكَ كاملٌ أصلاً. أمَّا النموُّ الروحيُّ فيحدث في نِطاق الممارسة لكي تكون أعمالك مُوافقة لِمقامِك. لذا فإنّ هذه نقطة مهمة جدًّا.
حسنًا إذًا، يجب عليك أن تفهم مقامك. فأولاً، إنَّ مقامك هو في المسيح. ثانيًا، حيث أنك في المسيح، فإنك أيضًا في جسد المسيح، أي الكنيسة. وأنت تمتلك مقامًا مهمًّا جدًّا ... مهمًّا جدًّا. وأُوَدُّ أن أعطيكم فكرةً صغيرةً جدًّا عن ذلك باستخدام المُخَطَّط التالي. فلا شَك في أنَّ مِحور الكنيسة هو المسيح، أو روح المسيح. والمسيح يَعمل في الكنيسة مِن خلال المُبَشِّرين والرُّعاة المُعَلِّمين.
ويُمكنكم أن تَرَوْا هنا تنظيم الكنيسة في شكلٍ دائريّ. فروح المسيح يَعمل مِن خلال المُبَشِّرين والرُّعاة المُعَلِّمين إذْ إنَّ خِدمتهم هي أنْ يُؤهِّلوا القديسين. ثُمَّ إنَّ القديسين يتأهَّلون للخدمة بواسطة قادة الكنيسة. وعندما يَخدم القديسون، فإنَّ جسد المسيح يُبْنى. والنتيجة هي أنَّ المُختارين يَنضمُّون إلى الكنيسة والناسَ يَخلُصون.
وهذه مجرد نظرة خاطفة إلى تنظيم الكنيسة. فقلب (أو رأس) الكنيسة هو المسيح، أو روح المسيح. ومِن خلال المُبشرين والرعاة المُعلمين (أيْ قادة الكنيسة) فإنَّ القديسين يتأهلون. وحالما يَتِمُّ تأهيل القديسين فإنهم يبتدئون الخدمة. وحالما يبتدئون في خدمة الجسد، فإنَّ الجسد يُبْنَى. وعندما يُبْنى الجسد فإنَّ المُختارين ينضمون والناس يخلُصون. فهذا هو تنظيم الكنيسة.
وفي هذه المرحلة (بِصِفتك مُؤمنًا مسيحيَّا جديدًا) فإنَّ مكانك هو هنا. فأنت قِدِّيسٌ. ومهمتك هي أنْ يَتِمَّ إعدادُك، وأن تخضع للتعليم (كما ذكرنا يوم أمس)، ولِكلمة الله، ولِدراسة الكتاب المقدَّس. فينبغي أنْ يتم تأهيلك لكي تتمكن مِن الخدمة. وعندما تخدم فإنَّ الجسد يُبْنَى ويَخلُص أُناس آخرون. وهذه نظرة مُبسَّطة إلى تنظيم الكنيسة. إذًا، دَوْرُنا هو أن نخضع للتعليم والقيادة.
والآن، اسمحوا لي أن أَخْطو خُطوةً أخرى وأن أُريكم كيف يعمل جسد المسيح مِن خلال هذا الشكل التوضيحيّ المعروض هنا. فهذا الشكل التوضيحيّ يُمثِّل جسد المسيح. ولا شَكَّ في أنَّ لكُلِّ شخص في جسد المسيح مكان. وهؤلاء جميعًا يُمَثِّلون الأجزاء المختلفة مِن جسد المسيح، وهم أفراد مُختلفون. وهذا هو ما يُسمى بالوَحْدانِيَّة. فنحن كُلنا واحدٌ في المسيح. فكلُ شخص موجود في جسد المسيح. ونحن جميعًا جزءٌ من جسده.
ولكن في إطار ذلك الجسد، نأتي إلى فكرةٍ أَوَدُّ أن نتأمَّلَ فيها بدقَّة. وأعتقد أنَّ هذه النقطة مذكورة في اللائحة التي بين أيديكم. ونحن قد وَصَلْنا هنا إلى فكرة المواهب. فمع أننا جميعًا واحد، هناك تنوُّعٌ في المواهب في الجسد. ويُمكنكم أن تَرَوْا ذلك مِن خلال المُخَطَّط الصغير إذْ تَرَوْنَ أنَّ كُلَّ واحدٍ منا له مكان معين في جسد المسيح وفي الخدمة. وهل ترون الأسهم الصغيرة الممتدة في هذا الاتجاه وذلك الاتجاه؟ فنحن جميعًا قادرون على الخدمة في هذا الاتجاه وذاك الاتجاه مِن خلال المواهب الروحيَّة المتعددة التي نمتلكها.
والآن، عندما لا يفعل البعض مِنَّا ذلك، أيْ عندما لا ندرِس كلمة الله ولا نُدرك واجبنا تُجاهَ المُؤمنين الآخرين في الجسد، فإننا نتوقف عن الخدمة. وعندما نتوقف عن الخدمة فإنَّ جسد المسيح يُصاب بالشَّلَل؟ ثُمَّ إنَّ شهادة المسيح في العالم تُعاق لأنَّ العالم لا يَرى الصورة الصحيحة. لذلك حيث توجد وَحدة في جسد المسيح، هناك أيضًا تَنَوُّعٌ لأنَّ هناك مواهب روحيَّة مختلفة. وهناك [ثالثًا] مُشاركة متبادلة لهذه المواهب المختلفة. وهذا يُعطيكم فكرة مُبَسَّطة عن كيفيَّة عمل جسد المسيح.
واسمحوا لي أن أتحدث عن هذه النقطة قليلاً. فنحن جميعًا نمتلك مواهب روحيَّة. فعندما نِلتَ الخلاصَ، أودعَ روح الله فيك قُدرات معينة. وسوف تلاحظون في الأوراق التي بين أيديكم أنَّ هناك ورقة كبيرة صفراء تُطلعكم على مبادئ عمل المواهب الروحيَّة. وهناكَ أيضًا ورقة بيضاء صغيرة تُحَدِّد تلك المواهب لكُم. لذلك يُمكنكم أن تُركِّزوا على هذه المواهب لأننا نُريد منكم أن تعرفوا كيفيَّة عمل المواهب الروحيَّة، وماهيَّة المواهب الروحيَّة لكي تتمكنوا مِن تحديد مواهبكم.
فلا يَجوزُ لأيِّ شخصٍ في الكنيسة أن يجلس وأن يكون مُتَلَقِّيًّا فقط. فنحن موجودون جميعًا هنا لكي ننضج، ولكي يتمكَّن القديسون مِن الخدمة. فهل تذكرون ذلك الجزء الصغير مِن المُخَطَّط التوضيحيّ؟ فالهدفُ هو أن نتمكن مِنْ أنْ يَخدِمَ بعضُنا بعضًا. والكلمة "يَخدِم" تعني تقديم الخِدمة للآخرين. فنحن نخدم بعضُنا بعضًا مِنْ خلال مواهبنا. وهناك الكثير مِن المواهب المذكورة في اللائحة التي بين أيديكم.
فهناك موهبة النُّبوَّة، والتعليم، والإيمان، وكلام الحكمة، وكلام العِلم، وتمييز الأرواح، والرحمة، والوعظ، والعطاء، والتدبير، والخدمة، وعمل القوَّات، والشفاء، والتكلم بألسنة، وترجمة الألسنة. والمواهب الأربعة الأخيرة كانت مواهب مؤقتة. ولكنْ هذه هي المواهب التي مُنِحَت للكنيسة الباكرة. أمَّا بقية المواهب فمُستمرة حتى يومنا هذا. وقد أُعطيت للقديسينَ لكي يَخدِم بعضُهم بعضًا. ومن المهم جدًّا أن نقبل الخدمة التي أعطاها الله لنا.
ونحن نُؤمن أنَّ لكل مُؤمن مواهب معينة. ونجد في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 12 وَصْفًا لهذه الفكرة بمُجْملها إذْ نقرأ: "فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ".
والمقصود هو أنَّ هناك مواهب مختلفة. وهذه هي الخطوة الأولى. فقد تكون لديَّ موهبة التعليم أو موهبة الوعظ. وقد تكون لديك موهبة العطاء، أو قد تكون لديك موهبة الإيمان، أو قد تكون لديك موهبة إظْهار الرَّحمة، وقد تكون لديك موهبة تقديم المساعدة للآخرين. وقد تكون لديك أيضًا موهبة التعليم. لذلك فإنَّ هناك مواهب متعددة. ولا شَكَّ في أنَّ هذه المواهب موجودة بيننا.
والآن، أرجو أن تسمعوني: إنَّ الموهبة هي قناة أَوجدها الله لكي يخدم الروح القدس مِن خلالها. فهي ليست قدرة بشريَّة. فلا يمكنك أن تقول: "موهبتي هي العزف على البيانو". فهذه ليست موهبة روحيَّة، بل هي مقدرة. ولا يمُكنك أن تقول "موهبتي هي الكتابة إذْ أستطيع أن أكتب". لا! فهذه ليست موهبتك، بل إنَّها قدرة تمتلكُها. وهي ليست قناة روحيَّة يَخدِمُ الروحُ القدسُ مِن خلالها.
ولكِنْ يُمكنك أن تستخدم الكتابة للتعبير عن موهبتك. فربما كانت لديك موهبة إظْهار الرَّحمة وتستطيع أن تكتب رسائل رائعة ولطيفة تُساعد الآخرين في أوقات الضيق. وربما كانت موهبتك هي الوعظ ويُمكنك أن تكتب رسائل مُشَجِّعة. أو ربما كانت لديك موهبة التعليم ويمكنك أن تكتب كُتُبًا تعليميَّة. ولكن لا تخلط بين القدرات الجسديَّة أو القدرات العقليَّة والمواهب. فهذه أمور مختلفة. هل هذا واضح؟ فإن لم يكن ما قُلتُهُ واضحًا تمامًا، يُمكنكم أن تطرحوا الأسئلة بعد قليل.
ولكنَّكم تمتلكون مواهب روحيَّة. ويجب أنْ تعلموا أنَّ الأمر لا يتوقف على أنها مواهب مختلفة، بل إنَّ لِكُلِّ مُؤمنٍ مواهب - بحسب ما جاء في العدد 11 إذْ نقرأ: "وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ". فالروح القدس هو الذي يَختار المواهب المُعطاة لكل شخص. فلا يُمكنك أن تسعى للحصول عليها، ولا يُمكنك أن تكسبها بجدارتك، ولا يُمكنك أن تتمنى الحصول عليها وأن تحصل عليها؛ بل إنَّ الله هو الذي يُعطيك الموهبة إن كانت هذه هي خُطته. وهو يَجمع المواهبَ معًا بالطريقة التي يُريد أن يَبني بها كنيسَتَه. ولكنها ليست مواهب مختلفة فحسب. فنحن نقرأ في العدد الخامس عن وجود مَيادين مختلفة للخدمة. فهناك طُرُق مُختلفة تُمارَسُ فيها هذه المواهب.
ففي كنيستنا مثلاً، هناك العديد مِن الأشخاص الذين يملكون موهبة التعليم. فهناك العديد منهم. ولكنهم لا يقفون جميعًا هنا ويُعَلِّمون لأنَّ هناك طُرقًا مختلفةً تُمارَسُ فيها الموهبة نفسُها. وسوف أستخدم "براد" (Brad) لتوضيح الفكرة. فَمِنَ الواضح أنَّ "براد" يمتلك موهبة التعليم. وأعتقد أنه يشعر أنه يملك تلك الموهبة، وأعتقد أننا نشعر بالشيء نفسه. ولكنَّ الطريقة التي يَستخدم فيها تلك الموهبة هي في صَفٍّ يَحوي عددًا قليلاً مِن الأشخاص. وأنا لديَّ موهبة التعليم. ولكنَّ الطريقة التي اختار الروح أن يستخدم فيها تلك الموهبة هي أمام مجموعة كبيرة مِن الأشخاص. لذلك فإنَّنا نمتلك نفس الموهبة، ولكنْ هناك طُرُقًا مُختلفةً لاستخدامها.
لذلك إذا كنت تمتلك موهبةً يمتلكها شخصٌ آخر، لا حاجة إلى أن تشعر بضرورة القيام بما يفعله الآخرون. لا! فطُرُق استخدام المواهب مُتَعَدِّدة بتعدُّد المواهب، بل ربما أكثر. فهناك أساليب عديدة لاستخدام المواهب. ولكنَّ كل شخص في جسد المسيح يمتلك موهبةً. وأنا مُقتنعٌ تمامًا، مِن خلال دراستي للكتاب المقدَّس، أنَّ كل شخص في جسد المسيح يمتلك على الأغلب أكثر مِن موهبة واحدة، ولكنِّي لا أستطيع أن أَجزم بذلك. فربما كان هناك شخصٌ ما في مكانٍ ما يمتلك موهبة واحدة فقط.
ولكن يبدو أنَّ تعدُّد المواهب هو الأمر الشائع أكثر مِن وجود موهبة واحدة فقط. والموهبة المستخدمة في أيِّ وقتٍ مِن الأوقات، والمستخدمة أكثر مِن غيرها، قد تكون هي الموهبة التي تدعو الحاجة إليها أكثر مِن غيرها في موقفٍ معين. ولكننا جميعًا نمتلك مواهب روحيَّة. وهذه المواهب هي قُدرات يستطيع مِن خلالها الروح القدس أن يعمل في جسده. فموهبتي هي ليست مِن أجلي، بل هي مِن أجلكُم. فموهبتي في التعليم لا تنفعني في شيء، ولكنها تنفعَكُم أنتم. ومواهبُكُم تَنفعُني أنا. وكما تَرَوْن، فإنَّ الأمر مُتبادل. لذلك فإنَّها مهمة جدًّا.
وعَدا عنِ المواهب الروحيَّة وإدراك جسد المسيح لضرورة خدمتك في ذلك المجال (أي ضرورة أن تعرف موهبتك الروحيَّة، وضرورة أن تستخدم موهبتك)، هناك أيضًا مجال الشركة. فمِنَ المهم جدًّا أن نَفهم ضرورة شركتنا معًا. وعندما نتحدث عن الشركة، قد لا يُفكِّر الجميع في الشيء نفسه. لذلك، اسمحوا لي أن أُعَّرِف مَعنى الشركة. فنحن مُطالبونَ ليسَ فقط بأنْ يَخدم بعضُنا بعضًا مِن خلال المواهب الروحيَّة. ونحن مُطالبونَ ليسَ فقط بمشاركة تلك المواهب؛ بل إنَّ الشركة تعني أن نتبادل الاهتمامَ بعضُنا ببعض، وأن يعتني بَضْعُنا ببعض.
فعلى سبيل المثال، فإنَّ العهد الجديد يقول: "اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ". ويمكنكم أن تبحثوا في العهد الجديد عن جميع العبارات الَّتي تتضمَّن فكرة العطاء المُتبادَل، مِثل: "ابْنُوا بعضُكم بعضًا" أو "وَبِّخوا الأخَ الَّذي يُخطئ"، أو "عِظُوا بعضُكم بعضًا" أو "رُدُّوا بعضُكم بعضًا" أو "أحِبُّوا بعضُكم بعضًا" أو "صَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ" أو "ابنُوا بعضُكم بعضًا". فجميع هذه الآيات الَّتي تتضمَّن العبارة "بعضُكم بعضًا" هي مسؤوليَّة المؤمن المسيحيّ تُجاهَ الإخوة المؤمنين والأخوات المؤمنات. لذلك فإننا لسنا مُطالبين فقط باستخدام مواهبنا، بل نحن مُطالبون أيضًا بالتعبير عن تلك الشركة المتبادلة من خلال الأخذ والعطاء بعضُنا تُجاهَ بعضٍ لأنَّ هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا.
لذلك، عندما تصير مسيحيَّا فإنك تنضم إلى جسد المسيح. وحيث إنك في المسيح مِن حيث المَقام، فإنَّ كل شيء مضمون. وأنت كاملٌ مِن حيث المقام، ولكنَّ حياتَك ينبغي أن تكون مُنسجمة مع ذلك. فعندما صِرت مسيحيَّا فإنك صِرْتَ لا في المسيح فقط، بل صِرت أيضًا في جسد المسيح. وبصفتك عُضْوًا في الجسد، ينبغي أن تعمل في نِطاق الجسد. فالجسد الذي لا يعمل أعضاءه معًا هو جسد يُعاني تَفَسُّخًا وهَوانًا. فنحن ننظر إليه ونشعر بالشَّفَقَة عليه.
إنَّ الجسد المُتعاون هو شيء رائع. فنحن ننظر إلى الرياضيِّ الَّذي يَتميَّز بتناسُق الحركات والمهارة ونقول: "أليس من الرائع أن نرى هذا التقدُّم؟" فنحن نُدْهَش عندما نَرى شخصًا يمتلك هذا التناسق. وهذا يَصِحُّ على النطاق الروحيّ أيضًا. فشهادتنا في العالم تتوقف على نوعيَّة الشهادة التي نُقدمها عن جسد المسيح للعالم.
فالجسدُ الَّذي يَعملُ حسنًا هو الجسدُ الذي تتناسق فيه القدمُ واليَدُ إذْ يقومُ فيه كُلُّ عضوٍ بعمله دون أن يقول: "كنتُ أتمنى أن أكون أَنْفًا"، وهَلُمَّ جَرَّا، وهلمَّ جَرَّا. فهذه هي المشكلة المذكورة في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 12. وحيث يوجد تعاون، توجد شهادة وخدمة فعَّالة.
وعدا عنِ المواهب المُتبادلة التي نستخدمها في الجسد، فإننا مسؤولون بَعْضُنا عن بعض في التَّحَقُّقِ مِنْ أننا نحيا الحياة التي ينبغي أن نحياها. فنحن نُريد أن يَبْني أَحَدُنا الآخر، وأن يُصلي أحدنا لأجل الآخر، وأن يَنصح أحدنا الآخر، وأن يُوَبِّخ أحدُنا الآخر عند الضرورة، وأن نعترف بالزَّلَّاتِ بَعْضُنا لبعض، وهَلُمَّ جَرَّا، وهلمَّ جَرَّا، وهلمَّ جَرَّا. فهذه هي مسؤوليات المُؤمن في الجسد.
والآن إليكُم المِفتاح. وهي النقطة الصغيرة الأخيرة في الأوراق التي بين أيديكم. فالِمفتاح لكل شيءٍ، في اعتقادي، هو: المحبَّة. فعندما توجد المحبة في جسد المسيح، فإنَّ جميع هذه الخدمات ستعمل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المحبة توجد حيث يوجد التواضع. فالمحبة لا توجد إلَّا عندما يوجد تواضعٌ حقيقيّ. ونحن في حاجة حقًّا إلى أن نكون متواضعين. وهذا لا يأتي باعتقادي إلَّا مِن خلال معرفة الله ومعرفة المسيح. فعندما نَرى عظمة الله وعظمة المسيح، سنَفهم مستوانا الحقيقيّ وتكون هذه هي بداية التواضع الحقيقيّ. وعندما نتواضَع، سنتمكن مِن خدمة الآخرين.
وأنا أعلم أننا حاولنا أن نُغطِّي جميع جوانب هذا الموضوع الشاسع جدًّا مِن خلال الحديث عن كيفية العمل في الجسد، معَ أنه مِن الصعب جدًّا أن نُغطِّي جميع جوانب الموضوع. ولكني آمُلُ أنَّ يكون بعضُ ما ذَكَرْناهُ مُفيدًا. واسمحوا لي أن أَخْطو خُطوةً أخرى وأن أَعرِض هذه الفكرة: ففي حياة الكنيسة، مِن المهم أن تكون لدينا جميعًا خِدمة، وأن نَستخدم مواهبنا، وأن نَستخدم مسؤوليَّات الشركة. وأحيانًا، قد تكون تلك الخدمة في نِطاق الكنيسة أو خارِجَها.
بعبارة أخرى، قد يُعَلِّم البعضُ منكم درسًا للكتاب المقدس خارِجَ الكنيسة. فقد تجتمعون معًا ذات مساء في منزلكم وتدرسون الكتاب المقدَّس معًا. وقد يُعَلِّم البعض منكم صَفًّا هنا في الكنيسة. وفي كِلتا الحالتين، يجب عليكَ أن تخدم إنْ كانت هذه هي موهبتك. وقد يُساعد البعض منكم في بعض الخدمات الرسميَّة في الكنيسة كالعمل مع اليتامى والأرامل والمساعدة في خدمة الافتقاد. أو ربما تُساعد بطُرق أخرى مؤمنين مسيحيِّين مُعَيَّنين تعرفهم مِن خلال تقديم بعض الخدمات الأخرى. وفي جميع الأحوال، فإنَّ مَا أعنيه هو أنَّ الخدمات التي تقومون بها يمكن أن تكون في إطار الكنيسة أو خارجَ الكنيسة بحسب قيادة روحِ الله لكم.
ولكنْ مِن المهم أن تُدركوا أنَّ للكنيسة حاجات، وأنَّ روح الله يقود الكنيسة لتأسيس خدمات مُعينة وأنواع معينة مِن الخدمة، وأننا نحتاج إلى المساعدة مِنْ أشخاصٍ كثيرين. لذلك قد تسمعونَ بين الحين والآخر أنَّ هناك دوراتٍ تدريبيَّةً للأشخاص الراغبين في الاشتراك في خدمة الأطفال، أو دورات تدريبيَّة للأشخاص الراغبين في الاشتراك في خدمة الشبيبة، أو دورات تدريبيَّة للأشخاص الراغبين في الاشتراك في خدمة الافتقاد إنْ كانت لديهم موهبة إظهار الرحمة أو موهبة المساعدة. أو ربما نحتاج إلى أشخاص للمساعدة في الأمور الإداريَّة أو في القيام ببعض المشاريع إن كانت لديك موهبة الإدارة أو أي موهبة أخرى.
فسوف تَسمعون عن ذلك بين الحين والآخر. فإنْ كَلَّمَ رُوْحُ اللهِ قلوبَكُم وحَضَّكُم على القيام بذلك، يَجْدُرُ بكم أن تفعلوا ذلك. ولكِنْ قد يكون ذلك في إطار الكنيسة أو خارجها. وأعتقد أنه من الجيد أيضًا أن تَستخدمَ مواهبكَ في إطار المجموعة التي أنت فيها (أيًّا كانت) بأن تقول: "أشعُرُ أنَّ لدي هذه المواهب. وإنْ كان روحُ الله يُريد أن يستخدمني في هذه الخدمة هنا بطريقةٍ ما فإنني مُستعدٌّ للخدمة". فنحن لدينا أُناسٌ يفعلون ذلك طوال الوقت. فَهُمْ يأتون ويقولون: "أنا لديَّ مواهب مُعيَّنة وقدرات معينة. فهل يُمكنكم أن تَجِدوا خِدمةً لي؟ فإن كان بإمكانكم أن تستخدموني فإنَّني سأكون فَرِحًا حقًّا بالخدمة".
إنَّ الكثير مِن خدمات كنيسة "النعمة" (Grace Church) يقوم بها أشخاصٌ مِنَ الرَّعيَّة. والحقيقة هي أنَّ أغلبية الخدمات يقوم بها أشخاصٌ مِنَ الرَّعيَّة. وقد كُنَّا نتحدَّث قبل يومين عن خدمة الزيارات والمتابعة. وكنا نتحدث عن طريقة مُعينة للقيام بذلك مِن خلال تَوظيف مجموعة مِن الأشخاص للقيام بالزيارات. فأحيانًا، قد تُوَظِّف الكنيسة خمسةً وعشرين شخصًا بدوامٍ وراتبٍ كامِلَيْن لزيارة الرعيَّة. ولكِنْ ليست هناك حاجة حقيقيَّة للقيام بذلك إنْ قَبِلنا جميعًا، بوصفنا مسيحيين، فكرة أنَّ الزيارات هي جزءٌ مِنَ الدِّيانة الطَّاهرة (كما يَقولُ يَعقوب)، وإنْ قَبِلْنا أنْ نذهبَ وأنْ يكونَ لنا دَوْرٌ فاعِلٌ في حياة الأشخاص الذين يَعْنينا أمْرُهُم ونُحِبُّهُم.
لذلك فإننا نُفَضِّل أنْ نَرى الرعيَّة تقوم بالخدمات التي أعطاها الرب إليهم على أن نُوظِّف مُوظَّفين رَسميِّينَ للقيام بذلك. لذا فإننا لن نقوم بذلك. لكِنْ مِنَ المهم أنْ نكون مُتَاحينَ للكنيسة المحليَّة، وأنْ نَعملَ ونخدم في إطار الكنيسة المحليَّة بأقصى طاقَتِنا. أليس كذلك؟ وهذه مُجَرَّد مُقدِّمة لكيفيَّة العمل في جسد المسيح. وأُودُّ أنْ أُضيفَ مُلاحظةً أخيرةً وهي أن تَحرصوا على الصَّلاة لأجل القادة. فهذا أمرٌ مُهِمٌّ جِدًّا جِدًّا.

This article is also available and sold as a booklet.