
سنبدأ في هذا المساء سلسلةً بعنوان: "الجيش غير المَنْظور" نتحدَّثُ فيها عنِ الملائكة. والحقيقة هي أنِّي لست مُضطرًّا للإسهاب كثيرًا في هذا المساء لأننا نستطيع أن نُجَزِّئَ الحديث إلى أجزاء متكاملة. فهذه الرسالة هي مِن النوع الذي يُشبه حَبْلَ النَّقانق إذ يمكنك أن تقطعه مِن أي مكان وأن تحصل على قطعة كاملة. لذلك يمكننا أن نتحدث عن أي جزءٍ في هذا الموضوع لأنه في الأصل موضوعٌ لاهوتيّ. فنحن سنتحدث عن موضوعٍ لاهوتي. لذلك، سنبدأ في هذا المساء بتقديم رسالة عن الملائكة، وسوف نتحدث تحديدًا عن الملائكة الصالحين، أو الأخيار، أو القديسين، أو المختارين إذ أنَّ هذه الأسماء هي التي يُعرفون بها في الكتاب المقدَّس خِلافًا للملائكة الأشرار الساقطين الذين يُعرفون عادةً بالشياطين. وقد تحدثنا عن هذا الموضوع مرارًاِ. وقد تحدثنا عنهم مؤخرًا في معرض دراستنا لرسالة يهوذا إنْ كُنتم تَذكرون. فقد تَعَمَّقنا كثيرًا في فَهْمِ تَنْظيم الملائكة السَّاقطين وطبيعتهم. لذلك سوف نُخَصِّصُ وقتًا مُشابهًا للحديث عن الملائكة القديسين في هذه الدراسة.
وقد قال "كاميل فلاماريون" (Camille Flammarion) شيئًا قد يُساعدكم على فَهْم فكرة الفضاء اللَّامُتناهي إذْ كَتَبَ يقول: "أنا أفهمُ أنَّ جميع الكواكب الَّتي نشاهدها في السماء، أيْ ملايين الأجسام المُنيرَة، والشُّموس المُختلفة الأحجام والإنارة، والأنظمة الشمسيَّة، والكواكب والأقمار الَّتي تتعاقب بالملايين ومئات الملايين في الفراغ المُحيطِ بنا، أيًّا كانت أسماؤها الَّتي نُسَمِّيها بها، أنا أفهمُ أنَّها لا تُشَكِّلُ في النهاية سِوى جزيرة أو رُبما مدينة في هذا العالمِ الواسع. وفي هذه المدينة الَّتي تنتمي إلى إمبراطوريَّة لا حُدودَ لها، فإنَّ شَمْسَنا والمَنظومة الشَّمسيَّة لا تُمَثِّلُ سِوى بيتًا واحدًا ومُنفردًا بين ملايين السُّكَّان. والأرضُ هي مُجَرَّدُ غُرفة في ذلك البيتِ الشَّمسيّ" [نهاية الاقتباس].
فمن المدهش جدًّا أن نُدرك حجم الفضاء. وهناك مَن يسألني بين الحين والآخر: "هل تؤمن أنَّ هناك كائنات موجودة في أماكن أخرى غير الأرض؟" أجل! أنا أُوْمِنُ بذلك بكل تأكيد. فالكون يحوي كائنات أخرى في كل مكان فيه. والسؤال التالي الذي يُطرح عليَّ هو: "هل تؤمن بالأجسام الطائرة؟" أجل أنا أُوْمِنُ بوجود أشياء تطير – ولكنها ليس صحونًا طائرةً. فأنا أُوْمِنُ أنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّ هناك كائنات موجودة في الكون، بل إنَّ هناك الملايين منها تَملأ الفراغ المحيط بنا. وعددها ليس محدودًا. وهي موجودة في السماء. وهي كائناتٌ مدهشةٌ. ومنذ خَلْقِ الإنسان، كانت هذه الكائنات تؤدي دورًا في حياة البشر.
فمثلاً، نَقرأ في الرسالة إلى العبرانيِّين 13: 2: "لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ". وَهناك رَجُلٌ مِنْ أكثر الناس الَّذينَ عاشوا على هذه الأرض تَمَيُّزًا، وهو رَجُلٌ كنتُ أقرأ في هذا الأسبوع سيرة حياته مَرَّة أخرى لأنها تَلْمَسُ حياتي في كل مَرَّة أقرأها فيه، وهو "جون بيتن" (John Paton)، وهو مُرْسَلٌ إلى "جُزُر هيبريدز الجديدة" وهو يحكي قصةً عن عناية الملائكة به في حياته. فقد قال إنه ذات ليلة، أَحاطَ سُكَّانُ الجزيرة البدائيُّون بمنزله وراحوا يرقصون ويقفزون إلى أعلى وأسفل بطريقة مجنونة في تلك الأدغال لأنهم كانوا عازمين على قتله وقَتْلِ زوجته. وقد جَثَا "جون" وزوجته على رُكَبِهِم لأنهما أدركا أنهما لن يَتَمَكَّنا مِنْ حِمايةِ نفسيهما مِنْ آكلي لحوم البشر المتوحشين هؤلاء. وقد صَلَّيا. وبعد قليل اختفي جميع المهاجمين في الأدغال وتَوارَوْا عنِ الأنظار. وبحسب رواية الكاتب الذي كَتَبَ سيرة حياة "بيتن، اهتدى رئيس القبيلة إلى المسيحيَّة بعد سنة. وقد سأله "جون" آنذاك: "ما الذي حدث في تلك الليلة قبل نحو سنة عندما أحاطَ سُكَّانُ الجزيرة البدائيُّون بمنزلنا الصغير القائم على الرمال بالقرب مِن الشاطئ؟ فما الذي جعلكم تَرْحَلون فجأة؟" واليكم ما قاله رئيس القبيلة: "لقد رحلنا بسبب أولئك الرجال الذين كانوا معك". فقال "جون": "لم يكن هناك أيُّ رجال. فقد كنت أنا وزوجتي فقط". فقال رئيس القبيلة إنهم رَأَوْا رجالاً يحرسون البيت. فقد رَأَوْا مئاتِ الرجال الأقوياء الذين يرتدون ملابس بَرَّاقة ويحملون بأيديهم سيوفًا ويحيطون بمنزله. فهل أَرْسَلَ اللهُ كَتيبَةً مِنَ الملائكة لحراسة عَبْدِهِ؟ لن تكون هذه هي المَرَّة الأولى.
فنحن نقرأ في الأصحاحِ السَّادسِ مِنْ سفر الملوك الثاني شيئًا مدهشًا جدًّا. فنحن نقرأ في سفر الملوك الثاني 6: 15: "فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللهِ" – فقد كانَ "أليشَع" يُواجِهُ خطرًا مُحْدِقًا. "فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللهِ" – وَرَجُلُ اللهِ هُوَ "أَليشَع". فَقَدْ قامَ خادِمُهُ في الصَّباحِ الباكِرِ وَخَرَجَ خارِجًا: "وَإِذَا جَيْشٌ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلٌ وَمَرْكَبَاتٌ". فقد رأى أنَّ جيشًا عظيمًا قد أَحاطَ بالمدينة. "فَقَالَ غُلاَمُهُ لَهُ: «آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟»" أيْ: "لَقَدْ حاصَرونا". فَقَالَ: "«لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ»". فالجيشُ الَّذي مَعَنا أكثر مِنَ الجيشِ الَّذي مَعَهُم. ويُمْكِنُنا أنْ نتخيَّلَ أنَّ الخادِمَ قالَ لأليشَع: "حَقًّا؟" "وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ هذه الكلماتِ الَّتي أُحِبُّها: «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الربُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ" وهل تَعلمونَ ماذا أَبْصَر؟ "وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ". وهذا هُوَ الجيشُ غيرُ المَرْئِيِّ، يا أحبَّائي.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، هناك قصة مشهورة عن الطيار "إدي ريكينباكر" (Eddie Richenbacker) الذي تَمَّ إسقاط طائرته في المحيط الهادئ. وقد سَرَدَ هذه القصة بنفسه على "بيلي غراهام" (Billy Graham). فقد بقي مفقودًا لأسابيع. وربما تَذكرون قصَّة تَوَهَانِهِ في المحيط. وعندما عادَ أخيرًا بعدَ أنْ تَمَّ إنقاذُه مِنَ المحيط، سَرَدَ قِصَّتَهُ - وأنا أقتبسُ كلامَهُ هنا: "كنت سأتردَّدُ كثيرًا في سَرْدِ هذا الجزء لولا وجود سِتَّة شهود رأوا ذلك معي. فقد جاءَ نَوْرَسٌ، أيْ طائِرُ النَّوْرَسِ البَحْريِّ، جاء مِنْ حيثُ لا أَدْري وحَطَّ فوق رأسي في وسط المحيط الهادئ. وقد مَدَدْتُ يدي بهدوءٍ، وأمسكتُ به، وقتلته. وقد قَسَّمْناهُ بيننا بالتَّساوي وأَكَلْنا كُلَّ جزءٍ منه. وقد كان طَعْمُهُ جيدًا جدًّا. ولا يوجد لديَّ تفسيرٌ لما حَدَث سِوى أنَّ الله أرسل أحد ملائكته لإنقاذنا".
وهل قرأتم يومًا القصة المدهشة للفُرسان البِيْض في "بيثُّون" (Bethune)/فرنسا في شهر نَيْسان/إبريل سنة 1918؟ فقد دَوَّنَها "غوين داي" (Gwynn Day) في كتابه "ذا ووندر أُف ذا وورد" (The Wonder of the Word) مِنْ منشورات مطبعة "مودي" لسنة 1957. وإليكم ما قاله: "إنَّ قصة الفُرسان البِيْض في بيثُّون مؤكَّدة بشهادة آلاف الألمان، وقد سَرَدَها ضابطٌ روسيٌّ على النحو التالي (وأنا أقتبسُ كَلامَهُ): "كُنَّا نَتقدَّمُ على رأس جنودنا الذين كانوا جميعًا يَتَحَلُّونَ بروحٍ معنويَّةٍ عالية. وقد كُنَّا نَتقدَّمُ ظنًا مِنَّا أنَّ البريطانيين قد هُزِموا وأنَّ كل ما تَبَقَّى علينا فِعْلُه هو أن نتقدَّم دون مقاومة لاحتلال باريس. وكان بجانبي المُلازم "فريتز" (Fritz). وفجأةً، أمسك بذراعي قائلاً: "أنظر هناك أيها القائد! هناك مجموعة كبيرة مِنَ الفُرْسان يقتربون من بيثون من الجهة الأخرى! ولكِنْ لماذا يَرتدون دُروعًا بيضاء ويَمتطون خيولاً بيضاء؟ مَن يكونون؟" قلتُ: "لا أدري! ربما كانوا فرقة خَيَّالة مِنَ المُسْتَعْمِرينَ البريطانيِّين. وقد توقفنا غَريزيًّا ورُحْنا نراقب أولئك الخَيَّالة البِيْض وَهُمْ يَتقدَّمون بهدوء عبر الضباب فراحَتْ أشكالهم تَتَّضِحُ شيئًا فشيئًا تحت أشعَّة الشَّمس.
"وقد رأينا القذائفَ تَنفجر إلى شَظايا فَتَّاكة بينَ صُفوفِهِم مُحْدِثَةً دَوِيًّا مُرْعِبًا يُزَلْزِلُ الأرضَ بقوَّة. وسُرْعان ما تَوالَتْ طَلَقاتُ رَشاشٍ آلِيٍّ على نحوٍ مُتواصلٍ حتَّى يُخَيَّلُ إليك أنه مِنْ رابعِ المُستحيلات أن يبقى أحدٌ على قَيْدِ الحياة. ولكنَّ الخَيَّالةَ البِيْضَ استمرُّوا في التقدُّمِ بهدوء إلى الأمام دونَ عَجَلَة دُوْنَ أنْ يَسقط منهم أيُّ رَجُلٍ أو فَرَس. وقد تَقَدَّموا كَتَقَدُّمِ المَدِّ الَّذي لا يُقاوَم. وكان قائدُهُم يَتقدَّمُهم مُمْتَطِيًا صَهْوةَ جَوادِهِ. ويا لَهُ مِنْ رَجُلٍ مَهوب! وقد كان يَتَقَلَّدُ على جَنْبِهِ سيفًا عَظيمًا لا يُشْبِهُ سَيْفَ الفُرسان، بل يُشبهُ سيفَ الفاتِحين. وكانت يَدُهُ تُمْسِكُ بِلِجامِ جَوادِهِ الأبيضِ العَظيمِ الَّذي كانَ يَتقدَّمُ بعِزَّةٍ. ثُمَّ إنَّ الرُّعْبَ مَلأَني فوجَدْتُ نَفسي أَهربُ مِنْ هؤلاء الخَيَّالة المُخيفينَ البيض وأنا مُرتَعِبٌ ومَذهولٌ. وكان جميع مَنْ حولي مِنْ جُنودٍ أشِدَّاء قد صارُوا مُجَرَّدَ زُمرةٍ مِنَ الرِّجال المُنْكَسِرينَ والخائفينَ والهارِبينَ مِنْ هؤلاء الخَيَّالة، وتَحديدًا مِنْ ذلكَ القائدِ العظيمِ الَّذي يَمْتَطي صَهْوَةَ جَوادِهِ الأبيضِ العَظيم. وهكذا فقد هُزِمَ الجيشُ الألمانِيُّ وخَسِرْنا الحربَ بسببِ الخَيَّالةِ البيض".
وقد تقول: "ما تفسير ذلك؟" ربما نجد في المزمور 34: 7 تفسيرًا لذلك إذْ نقرأُ: "مَلاَكُ الربّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ". هل تعلمون ما يَظُنُّهُ بعض الناس بخصوص هذه القصة؟ إنهم يعتقدون أنَّ الله قد استجاب صلوات الشعب البريطاني وأنقذ إنجلترا. فهل استجاب الله الصلاة بأنْ أَرسلَ جيشَهُ غير المرئيّ وجَعَلَ هؤلاءِ الأشخاص يَرَوْنَ على الأٌقل لَمْحَةً مِنْ جُنْدِهِ السَّماويِّ؟ هذا محتملٌ جدًّا. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ الكون كلَّه مشغول بهذه الكائنات. ومع أنَّ العين البشرية العادية لا تستطيع عادةً أنَّ تراهم، فإنهم موجودون على الأرض مِنْ حولنا.
وبالرغم مِن ذلك، فإنَّ الشيء المدهش هو أنك حين تبدأ في التحدث عن هؤلاء الملائكة القديسين فإنَّ الناس يُظهرون تَشَكُّكًا أكثر مما لو ابتدأتَ في الحديث عن الشياطين. ولكنهم موجودون في نطاقٍ لا يمكننا أن نستوعبه. وقد قال "آينشتاين": مِن المحتمل جدًّا أنه في بعدٍ آخر، هناك قطارٌ يسير الآن على سِكَّةٍ حَديديَّةٍ عَبْرَ هذه الغرفة؛ ولكننا لا نستطيع أن نراه لأنه بُعْدٌ مُختلفٌ تمامًا. فهذا المكان مُمتلئ بالملائكة. فَهُمْ موجودون في جميع أرجاء المكان. وربما كان يوجد أيضًا بعض الشياطين هنا. فإنْ كُنَّا لا نستطيع أن نراهم فإنَّ هذا لا يعني أنهم غير موجودين. فَهُمْ موجودون في بُعْدٍ لا يمكننا أن نراه. ولكنهم موجودون. وقد قال "ميلتون" (Milton)، أيْ: "جون ميلتون" (John Milton)، وليس "ميلتون بيرل" (Milton Berle) - لقد قال "جون ميلتون" (وأنا أُرَكِّزُ على الاسْم لكي أَضْمَنَ أنكم قد فهمتم المَصْدَر): "هناك ملايين الكائنات الروحيَّة التي تمشي على الأرض دون أن نراها" - الملايين منها. فعندما أُعْطِيَ ذلك الخادمَ في الأصحاح السادس مِن سفر الملوك الثاني قُدرةً غير عاديَّة لرؤية الأشياء غير المرئيَّة، رأى الجيش غير المرئيّ. أليس كذلك؟ لقد رآهم.
وبالرغم مِن حقيقة وجود الملائكة (وهو واقعٌ لا جِدالَ فيه) - على الرغم مِن ذلك؛ أي على الرغم مِن حقيقة وجود الملايين منهم، فإنَّ أغلبية الناس يتجاهلون وجود الملائكة القديسين. فكما تعلمون، فإنَّ كل ما هو كاملٌ وبارٌ ليس مَحَطَّ اهتمامٍ. فالحقيقة هي أننا نهتم بالشياطين أكثر بكثير مِن الملائكة القديسين. وربما كان هذا سببًا يدعونا إلى دراسة هذا الموضوع قليلاً. فنحن مفتونون بالشياطين، وأعتقد أنَّ سبب ذلك هو أننا نُشْبِهُ كل شيءٍ آخر في الكنائسِ إذْ إنَّ الكثير مِمَّا يجري فيها يُواكِبُ كُلَّ ما يجري في العالم. ولأنَّ العالم ابتدأ بالاهتمام بحركات السِّحْرِ والشَّعوذة، فقد سارَعْنا إلى تقليده وصِرْنا نَهتمُّ بالشياطين. ولكن هل تعلمون أنَّ هناك 273 آية في الكتاب المقدَّس عن الملائكة؟
ولكِنْ كَمْ مَرَّة ينبغي لله أن يقولَ شيئًا ما لكي يكون صحيحًا؟ مَرَّةً واحدةً فقط. لذلك إنْ كانتْ هناك 273 آية مختلفة عن الملائكة، لا يَسَعُني إلَّا أن أقول إنَّ هذه شَواهِد كثيرة جدًّا لا يَجوزُ أنْ نَتَجاهَلَها. أليس كذلك؟ فهناك 273 آية! وقد تقول: "إذًا، لماذا يَتِمّ تجاهُل موضوع الملائكة القديسين؟" إذا سألتُ أغلبية المسيحيين الذين ألتقي بهم: "أخبروني القليل عن الملائكة، فإنهم سيقولون لي: "حسنًا! لِنَرَ ما لدينا! إنهم كائناتٌ لها أجنحة، وهم يَرْتدون ثيابًا بَيضاء ويَطيرون". إذًا، بالرغم مِن وجود 273 آية كِتابيَّة، فإننا لا نعرف الكثير عنهم؟ وقد تقول: "لِمَ لا؟" لقد حاولتُ أن أفكر قليلاً في ذلك، وأن أقرأ بعض كتب التاريخ، وأن أفتش في كتب التاريخ الكنسيِّ القديمة مِنْ أجل تكوينِ فكرةٍ عَمَّا حَدَثَ في الكنيسة وَجَعَلَنا نَتغاضَى عنهم. وقد عرفتُ بعض الأشياء المدهشة. واسمحوا لي أن أُشارِكَ معكم بعض الأسباب التي أعتقد أنها كانت سببًا في تجاهُلنا لدراسة موضوع الملائكة القديسين.
أولاً، كَرَدِّ فِعْلٍ على التخمينات السَّابقة. ففي السنوات الباكرة لِصِياغَةِ اللَّاهوت، كان هناك الكثير مِن اللَّاهوت القائم على التَّخمينات. وكما تَعلمون، فقد كانوا يَتجادلون كثيرًا على أمورٍ صغيرةٍ وسخيفةٍ وثانويَّةٍ وغريبة في اللَّاهوت. وقد كانتْ الكثيرُ مِنْ هذه النقاشات تدور حول الملائكة. ففي المجادلات اللاهوتيَّة الباكِرَة، اعتادوا على النقاش حول الملائكة. وقد كانوا يتجادلون حول عدد الملائكة القادرين على الوقوف في الوقت نفسه فوق رأسِ دَبُّوس، أو حول ما إذا كان الملائكة قادرين على الوجود في مكانَيْن في الوقت نفسه. وإن لم يكونوا قادرينَ على ذلك، كم هي سُرعة الملائكة؟ وكانوا يتجادلون حول الفترة المُنْقَضِيَة بين خَلْقِهم وسُقوطهم؟ وقد قال "روزيتي" (Rosetti) في "دانتي" (Dante) إنَّ الملائكة سَقَطوا بعد عشرين ثانية مِنْ خَلْقِهم". ولا أدري كيف عَرَفَ ذلك! ولكِنْ هذا هو ما قالَهُ.
وقد تجادلوا حول ما إذا كانت خطيئةُ الملاكِ الأوَّلِ هي السبب في خطيئة بقية الملائكة، أَمْ أنهم أخطأوا جميعًا معًا. وقد تجادلوا حول عدد الملائكة الذين سقطوا؛ مع أنَّ هذا واضحٌ في الأصحاح 12 مِن سفر الرؤيا. وقد تجادلوا حول ما إذا كان الغِلافُ الجَوِّيُّ هو المكان الذي طُرِدَ إليه الملائكة المُتمرِّدون عِقابًا لهم. وقد تجادلوا حول الملائكة الحارِسَة وما إذ كنتَ تَحْصُلُ على مَلاكٍ حِارِسٍ عندَ مَعموديَّتك، أو عند ولادتك، أو عند الحَبَلِ بك. وقد أَدَّى كُلُّ هذا الجَدَل وأدَّتْ كُلُّ هذه التخمينات إلى رَدِّ فِعْلٍ مُعاكس. وقد أَدار عُلماءُ الكتاب المقدَّس الحقيقيون ظُهورَهم لِدراسة موضوع الملائكة. أَتَرَوْنَ ما حَدَث؟ فقد جاء ذلك كَرَدِّ فِعْلٍ على هذه السَّخافات. لذلك فقد وُضِعَ هذا الموضوع على الرَّفِّ وتَمَّ إهْمالُهُ مِنْ قِبَل المُعَلِّمينَ المُحتَرَمين.
وهناك سببٌ ثانٍ للابتعاد عن دراسة موضوع الملائكة القِدِّيسين حتَّى في القرون الأخيرة وَهُوَ: التَّعظيمُ المُبَكِّرُ للملائكة مِنْ قِبَلِ الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة. لذلك فقد أدَّى ذلك إلى رَدِّ فِعْلٍ عكسيٍّ لدى الكنيسة البروتستنتيَّة. فهل تعلمون أنه إلى جانب عبادةِ اللهِ وعبادةِ المسيحِ فإنَّ الكنيسة الكاثوليكيَّة تُنادي بعبادة القِدِّيسين؟ فالتعظيمُ والعبادةُ يَعنيان الشيءَ نفسَه. ولكِنْ هل تَعلمون أيضًا أنَّ الكنيسة الكاثوليكية قد شجعت دائمًا على عبادة الملائكة منذ القرن الرابع؟ وقد أَدَّى ذلك إلى رَدِّ فِعْلِ عَكْسِيٍّ. فعلى سبيل المثال، يقول "أوت" (Ott)، أيْ: "لودويغ أوت" (Ludwig Ott) في كتابٍ قديمٍ له عن اللَّاهوتِ الكاثوليكيّ (إذْ إنَّهُ عالمٌ كاثوليكيّ) وقد كتب ذلك الكتاب إلى الأشخاص الكاثوليك فقال: "إنَّ عبادة الملائكة مِنْ قِبَلِ الناس هي شيءٌ لهُ ما يُبَرِّرُه". وهو يقول: "إنَّ القرار الذي تَمَّ اتخاذه في مَجْمَع "ترنْت" (The Council of Trent) والذي يُعَلِّمُنا أن نُصَلِّي إلى القِدِّيسين وأنْ نَتَعَبَّدَ لهم هو قرارٌ يمكن تطبيقه أيضًا على الملائكة". لذلك فإنهم يعبدون الملائكة. والملاك الأول الذي يعبدونه هو "ميخائيل". وهل تعلمون أنَّ التقويم الكاثوليكيّ يَحوي عِيْدًا يُدْعَى "عيد المَلاك ميخائيل"؟ وعيدُ الملاك ميخائيل يأتي في التاسع والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر. وقد تَمَّ بناءُ كنيسَتَيْن كبيرتَيْن مَشهورَتَيْن لتمجيد وتَكْريم الملاك ميخائيل: واحدة بَناها قُسطنطين على بُعْدِ أميالٍ قليلةٍ مِنَ "القُسطنطينيَّة" (الَّتي هِيَ إسْطنبول حاليًّا)، والثانية بُنِيَتْ في رُوما.
والآن، هل تعلمون أنه ما قبل القرن الرابع الميلاديّ، عندما رَوَّجَتْ كنيسة روما لعبادة الملائكة، كانت هناك عبادة ملائكة، ولكنَّها كانت بِدْعَة. وهذا واضحٌ مِن خلال رسالة كولوسي 2: 18. ونحن سندرس رسالة كولوسي حالما ننتهي مِن هذه السلسلة. ولكن في رسالة كولوسي 2: 18، يُحَذِّر بولس مِن عبادة الملائكة. فقد كان هذا هو ما حدثَ تمامًا. وكَرَدِّ فِعْلٍ على عبادة الملائكة، لم ترغب الكنيسة البروتستنتيَّة في التورُّط في هذا الموضوع بمجمله. لذلك كان هناك رَدُّ فِعْلٍ عَكسيٍّ.
وهناك سببٌ ثالث أعتقد أنه تَرَكَ أثرًا سلبيًّا في موضوع دراسة الملائكة، وهو سببٌ تاريخيّ. فقد جاءَ ذلك كَرَدِّ فِعْلٍ على الوثنيَّة. فقد قلنا إنَّ ذلكَ حَدَثَ كَرَدِّ فِعْلٍ على التخمين، وكَرَدِّ فِعْلٍ على الكاثوليكية الرومانية. وقد جاء أيضًا كَرَدِّ فِعْلٍ على الوثنيَّة. والحقيقة هي أني لا أعرف أيَّ نظامٍ دينيٍّ لا يَصحُّ عليه ما سأقولهُ الآن. ففي جميع الأنظمة الدينيَّة التي أعرف عنها، وجميع الأنظمة الدينيَّة التي تمكنتُ مِن القيام بدراسة تاريخيَّة عنها، فإنها جميعها تؤمن بوجود الملائكة. فهل تَعلمون أنه في الشَّرْق، أيْ في الصِّيْنِ مثلاً، فإنهم يَجعلون أسْقُفَ المَباني مُدَبَّبَةً، أو يَبْنونَ أَسْقُفا مَخروطيَّةَ الشكل - هل تعلمون لماذا؟ لكي تؤذي الشياطينَ عند نزولهم إذْ إنَّها تَخِزُهُمْ في أَرْدافِهِمْ فلا يرجعون ثانيةً. وهكذا فإنهم يؤمنون بالكائنات الروحيَّة. أجل. إنهم يؤمنون بوجود كائنات روحيَّة. لذلك فإنكم تجدون تلك الأشكال الغريبة للأسْقُف لكي يضمنوا صعوبة وصول الشياطين إليهم.
وقد كان "الغَنوسِيُّونَ"، مثلاً، يؤمنون بوجود أرواحٍ، وشياطينَ، وأنصاف آلِهَة. فنحن نقرأ في مختلف أنواع الديانات عن أشياءٍ مثل الجِنِّ، وأشباهِ الآلهةِ، والملائكة. وقد تَحَدَّثَ الفلاسفة الوثنيُّون عن كائنات روحيَّة. فسُقراط، مثلاً، أَشار إلى وجود شَيْطانٍ صالِحٍ. وقد دَعاهُ شيطانًا صالحًا يعتني به. لذلك فقد كانت الوثنية مُنغمسة في عبادة جميع أنواع الأرواحِ، والكائنات السامية، وأشباه الآلهة، وأنصاف الآلهة، إلخ، إلخ. وفي خِضَمِّ كل هذا التشويش، تراجعت الكنيسة نوعًا ما وركزت على مَنْ؟ على المسيح. وتركتْ كل هذا الموضوع لأنه كان مُرْبِكًا حين اختلطَ بالوثنية.
والسبب الرابع في اعتقادي لإهمال دراسة موضوع الملائكة هو عصر العقلانيَّة والعلم. فكما تعلمون أنَّه عندما دَخَلَ العالمُ في ما يُعْرَفُ بالثورة الصناعية، وعندما صار كل شيء يعتمد على العِلْم، وعندما صار كل شيء يعتمد على العقلانيَّة في القرن الثامن عشر، وعندما صار عقل الإنسان هو السلطة العليا، صارت حقيقة وجود كائنات روحيَّة عائمة فِكرةً غير عقلانية. لذلك فقد تَمَّ التَّخَلِّي عنها. فعصر العقلانية لم يسمح بذلك. وحالما انتهى عصر العقلانية دخلنا في عصر ماذا؟ الوُجوديَّة أو الخبرات. وحينئذٍ، ابتدأ الناس بالسماح لفكرة الشياطين بالعودة إلى وُجدانهم أو تفكيرهم. ومع عودة التفكير في الشياطين، رَجَعَ التفكير في الملائكة أيضًا.
وأعتقد أنَّ هناك سببًا خامسًا بالمعنى المعاصر جدًّا جَعَلَ المسيحيين يُحْجِمونَ عن دراسة موضوع الملائكة القديسين، وهو ظهور حركات السِّحْر والتَّنجيم مع كل ما يُرافقها مِن انشغال بالشياطين. وهذه مُجَرَّدُ خَلفيَّة صغيرة لإعطائكم فكرة عن أسباب تجاهل دراسة موضوع الملائكة القديسين. والحقيقة هي أنَّ هناك كتبًا قليلةً جدًّا عن هذا الموضوع. وقد لاحظتُ أنَّ "بيلي غراهام" (Billy Graham) قد كَتَبَ كتابًا جديدًا عن هذا الموضوع. وهذا أوَّلُ كتاب يُكْتَب منذ وقت طويل إذْ ينبغي أن ترجعوا كثيرًا إلى الوراء للعثور على كُتُب عن الشياطين. ويمكنكم الرجوع كثيرًا إلى الوراء للعثور على كتابٍ قديم كَتَبَهُ "غيبيلاين" (Gaebelein) بعنوان: "ملائكة الله" (The Angels of God)، وبعض المواضيع القليلة الأخرى في اللاهوت النِّظاميِّ؛ ولكنكم لن تجدوا الكثير. لذلك، أعتقد أنه يجب علينا أن ندرس موضوع الملائكة. فقد أشار الله إليهم 273 مَرَّة. وهذا أمرٌ جديرٌ بالاهتمام. ألا تعتقدون ذلك؟ وحين ننتهي مِن دراسة هذا الموضوع، ستكون لديكم حساسية مُرْهَفَة لكُلِّ هذا الكون المُمتلئ بهذه الكائنات التي لم تفهموها مِن قبل، والتي ستقضون الأبدية كلها معها. لذلك يجب عليكم أن تتعرفوا إليها. فسوف تقضون الأبدية معها. فلا يُعْقَلُ أن تذهبوا إلى السماء وأنْ تقولوا لهم: "مَن أنتم؟" فَهُمْ موجودون هناك قبل وصولكم أنتم إلى السماء. وقد تقولون: "ما الفائدة مِن دراسة هذا الموضوع؟" أعتقد أنَّ هناك فوائد كثيرة لدراسة هذا الموضوع.
أوَّلاً، سوف تعطيكم هذه الدراسة بُعْدًا جديدًا عن قدرة الله على الخَلْق. وسوف تعطيكم هذه الدراسة نظرةً جديدةً عن سيادة الله العظيمة والمطلقة على العالم والكون. وسوف تَزيدُ هذه الدراسة تقديركم لله حين تَرَوْنَ خليقته المُتمثِّلة في هذه الكائنات الملائكية. وحين تبدأون في رؤية كيفية عملها، فإنَّ ذلك سيعطيكم فكرة جديدة تمامًا عن الله.
ثانيًا، أعتقد أنكم ستُدهشون كثيرًا حين تَعلمون أنَّ كل هؤلاء الملائكة القديسين الَّذينَ خَلَقَهُم الله موجودون لا لِخدمته هو فقط، بل هُمْ موجودون أيضًا لخدمتكم وخدمتي. فالملائكة مُنهمكون في خدمتنا. وهذا أمرٌ مدهشٌ. بل ربما كان أكثر الأمور إدهاشًا. وأعتقد أننا سنتحدث عن ذلك في الأسبوع القادم أو في الأسبوع الذي يليه. فأنا لست متأكدًا بعد. لذلك سوف يكون ذلك مفيدًا.
والآن، نأتي إلى النقطة الثالثة التي أعتقد أنها مفيدة بخصوص دراسة هذا الموضوع وهي أنه سيشجعنا على دراسة الكتاب المقدَّس. وهذا أمرٌ جَيِّد. أليس كذلك؟ لأن الشيء الوحيد الذي نعرفه عنهم موجود في الكتاب المقدَّس. وحيث إنَّنا لن نتمكَّن مِن دراسة كل الآيات الـ 273، سوفَ نختار ونَنتقي مجموعةً منها. ولكنَّ ذلك سيشجعنا على دراسة كلمة الله.
ويقول "بيلي غراهام" في كتابه: "الملائكة: خُدَّامُ الله السِرِّيُّون" (Angels: God’s Secret Agents)، يقول الكلمات المفيدة التالية: "أنا مُقتنعٌ أنَّ هذه الكائنات السَّماويَّة موجودة، وأنها تُقَدِّمُ لنا العون بالرغم مِن أنها غير مَنظورة. وأنا لا أُوْمِنُ بالملائكة لأنَّ شخصًا قد أخبرني أنَّ ملاكًا قد زَارَهُ - حَتَّى لو كانت مثْلُ هذه الشهادات مُؤثِّرة. وأنا لا أُوْمِنُ بالملائكة بسبب المخلوقات الفضائيَّة المدهشة التي تُشبه الملائكة بحسب رواية بعض الأشخاص. وأنا لا أُوْمِنُ بالملائكة لأنَّ خُبراء الإدراك اللاشعوريّ يجعلون عالم الأرواحَ يبدو أكثر قَبولاً. وأنا لا أُوْمِنُ بالملائكة بسبب الاهتمام العالميِّ المفاجئ بحقيقة إبليس والشياطين. وأنا لا أُوْمِنُ بالملائكة لأني رأيت واحدًا مِن قبل - فأنا لم أَرَ واحدًا مِن قبل. ولكنِّي أُوْمِنُ بالملائكة لأنَّ الكتابَ المقدَّسَ يقول إنَّ هناك ملائكة. وأنا أُوْمِنُ بأنَّ الكتاب المقدَّس هو كلمة الله الصَّادقة".
إنها كلماتٌ مفيدةٌ دون شَكٍّ. أليس كذلك؟ وهذا يَضَعُ الأمور في نِصَابِها الصحيح. فنحن نؤمن بالملائكة لأنَّ الكتاب المقدَّس يذكرها 273 مَرَّة. وحين ننتهي مِن دراستنا، أعتقد أنه سيكون لديكم معرفة واضحة ومفيدة عن هذه المخلوقات الرائعة، والقوية، والمُقَدَّسَة، والبديعة التي تَخْدُم الله وتَخْدُمَنا. والآن، أريد أن ننظر بصورة رئيسيَّة إلى ثلاثة أشياء. ولا حاجة لكتابة هذه النقاط لأنَّ ذلك ليس مُهِمًّا. ولكِنْ مِن المفيد أن نتذكَّر ذلك أثناء دراستنا. فسوف نتعرَّف إلى طبيعة الملائكة، وصِفاتِهم، وكيف ينبغي أن نتجاوب معهم. إذًا، مَنْ هُمْ؟ وما هي صِفاتُهم؟ وكيف ينبغي أن نتجاوب معهم.
لننظر أولاً إلى: مَنْ هُمْ الملائكة؟ والنقطة الأولى هي: وجود الملائكة. وسوف نَذْكُر العديد مِن النقاط في هذه العِظَة ونُتابع في المَرَّة القادمة عن وجود الملائكة. فهناك دائمًا أُناسٌ لا يؤمنون بالملائكة. وقد تقولون: "حَتَّى في أزمنة الكتاب المقدَّس؟" أجل! "حَتَّى الأشخاص الذين يَعرفون العهد القديم؟" أجل! فقد كان بعض قادة إسرائيل لا يؤمنون بالملائكة. استمعوا إلى ما جاء في سفر أعمال الرسل 23: 8. وسوف أقرأ هذه الآية على مسامعكم. اسمعوا: "لأَنَّ الصَّدُّوقِيِّينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ قِيَامَةٌ". لذلك فقد كانوا حَزينين جدًّا. أَتَرَوْن؟ "لَيْسَ قِيَامَةٌ". لقد كنت أَظُنُّ أنَّ هذهِ نُكْتَة جيدة. فقد استغرقني الأمرُ ثلاثة أيام لإدراك ذلك.
حسنًا! لقد كان هؤلاء هُمْ جماعة "الصَدُّوقيِّين" ... ها ها ها! (إنَّها نُكْتَة لنْ تَنْسَوْها؛ وهذا وَعْدٌ مِنِّي). فقد كانوا يقولون إنه لا توجد قيامة، ولا ملائكة، ولا أرواح. فقد كانوا هم الأشخاص العقلانيُّون والأشخاص المادِيُّون الذين يُنكرون الملائكة. وهل كانوا على صواب؟ لا! بل كانوا مُخطئين جدًّا. وقد تقولون: "كيف يمكن لهؤلاء أن يكونوا يهودًا؟ كيف يمكن أن يكونوا كذلك؟" حسنًا! لقد كانوا يَهودًا مُتَحَرِّرين. فَهُمْ لم يَقبلوا القيامة، مع أنَّ العهد القديم كان يُعَلِّمُ ذلك حتى في أَقْدَمِ سفر في العهد القديم. فنحن نقرأ في سفر أَيُّوب: "وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي". إذًا، فقد كان أَيُّوب يَعرف عن القيامة. وقد كان هؤلاء الصَدُّوقيُّون مُخطئين جدًّا. فهناك بَراهين كثيرة جدًّا في كلمة الله تَدْحَضُ فكرة عدم وجود الملائكة. فهناك ملائكة.
والحقيقة هي أنَّ العهد القديم يتحدَّث عن الملائكة بصفتهم كائنات عاقلة إذْ إنهم رُسُلُ الله وخُدَّامُ الله. فإذا كنتم تقرأون العهد القديم - وهذا هو ما أَفعَلُهُ أنا إذْ إنِّي عاكِفُ على قراءته بحَسَبِ خُطَّةِ القِراءة لهذه السنة - ستجدون في كل أسفار العهد القديم أنَّ الملائكة مذكورة في كل مكان. إنهم مذكورون في كل مكان. وإن حَذَفْتُم جميع الملائكة مِنْ أسفار العهد القديم، ستُحْدِثون تشويشًا كبيرًا. وسوف نَجِدُ أحداثًا كثيرةً دون تفسير. وسوف تصير هناك فجوات كبيرة في القصص. وسوف نَجِدُ أحداثًا لا يمكن حدوثها. فسوف تصير هناك مشاكل لا حُلول لها إنْ أَزَلْتُم الملائكة. فَهُمْ يفعلون الكثير مِن الأمور في العهد القديم. إنهم في كل مكان. وهل تعلمون شيئًا؟ إذا حَذَفْتُم الملائكة مِنَ الكِتابِ المقدَّسِ فإنَّكم تَجعلونَ اللهَ مُشابهًا للبشر. فكأنَّكم تقولون إنَّ الله يَهذي كباقي الناس الذين يَظُنُّونَ أنهم رَأَوْا ملائكة. فإنْ لم يكن هناك ملائكة، مَنْ هي الكائنات التي كان اللهُ يُرسلُها طَوال الوقت؟
وماذا عن العهد الجديد؟ إذا نظرتم إلى العهد الجديد بعدَ أنْ تَحذفوا الملائكة، ستُضْطَرُّونَ إلى رَفْضِهِ بمُجمله. فَمَنِ الَّذي أَعْلَنَ ميلاد المسيح؟ ومَنِ الذي قال للرُّعاة أين يذهبون؟ ومَنِ الذي جاء إلى يسوع بعد تجربته وبعد أنْ صام أربعينَ يومًا وخَدَمَهُ إنْ لم يكن هناك ملائكة؟ ومَنِ الَّذي جاء إلى القبر وأعلن القيامة؟ ومَنِ الَّذي سيأتي ويَجمع المختارين مِنْ جميع زوايا العالم؟ ومَنِ الذي أَطْلَقَ سَراحَ بُطرس ويوحنا مِنَ السِّجْن؟ وما أَعنيه هو: كيف استطاعا أن يخرجا مِنَ السجن بالرغم مِن وجود القُفولِ والأبواب المُغلقة والحُرَّاس -ومع ذلك فقد نَجَحا في الخروج؟ إنَّ الملائكة هي الَّتي فعلت ذلك. فإن حَذَفْنا الملائكة ستصير التَّدَخُّلات المُعجزيَّةُ للكائنات الخارقة مُجَرَّدَ أكاذيب في العهد الجديد، ولن تعود هناك حُروبٌ روحيَّة في الحياة المسيحية لأنه لن يكون هناك ملائكة ولن تكون هناك أي شياطين - أجل لن تكون هناك أي شياطين ولن يكون هناك إبليس. إذًا ما الذي نفعله؟ إننا نركز فقط على شيءٍ لا وُجودَ له. وهذا سيَعني أيضًا أنَّ المسيح كان يَتخيَّل أنَّهُ يُصارِع الشيطان. وهذا معناه أنه كان يَتَوَهَّمُ فقط. كذلك، حاولوا أن تتخيَّلوا سفر الرُّؤيا مِنْ دون الملائكة. فسوف يتبقى لكم عناوين الأصحاحاتِ فقط. ولكنَّهُمْ موجودون في كل مكان - مِنْ بداية الكتاب المقدَّس إلى نهايته – فالملائكة موجودون في كل مكان.
وأعتقد أنَّ أعظم شهادة منفردة عن وجود الملائكة هي شهادة يسوع المسيح. هل تعلمون ذلك؟ لأني أُوْمِنُ بما يقول. وقد تَحَدَّثَ يسوع في تعاليمه عن الملائكة. فقد قال في إنجيل مَتَّى والأصحاح 22: "بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ". فقد كان يتحدث عن الملائكة. وفي إنْجيل مَتَّى 24، تَحَدَّث عن الملائكة. وفي إنجيل مَتَّى 26، تَحَدَّثَ عن الملائكة. وفي إنجيل مَتَّى 18، تَحَدَّثَ عن الملائكة. وهذه مُجَرَّد عَيِّنَة صغيرة مِنْ عَشَراتِ المَرَّاتِ التي تَحَدَّثَ فيها عن الملائكة. فالملائكة موجودون. وأنا أُوْمِنُ بذلك لأنَّ الكتابَ المقدَّس يقول ذلك. ولكني سأقول لكم شيئًا آخر. أنا أُوْمِنُ بذلك لأني واجهتهم. فقد واجَهْتُ الملائكةَ الساقطين - وأنا أعرف ذلك. وقد واجهتُ الملائكة القِدِّيسينَ ولم أعرف ذلك لأني لم أَكُنْ أفهمهم. ولكني أعرف أنهم موجودون. فالكتاب المقدَّس يقول ذلك. وقد واجهتُ الشيطان. ألم تُواجِهوهُ أنتم أيضًا؟ وجنودَهُ؟ لذلك فإنَّ وجود الملائكة هو أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ جدًّا.
والآن لننظر، ثانيًا، إلى أَصْل الملائكة. ففي وقتٍ مِنَ الأوقات، لم يكن هناك أي ملائكة. وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إليكم؟ أنَّ الملائكة ماذا؟ كائنات مخلوقة. فهم مَخلوقات. فنحن نقرأ في رسالة كولوسي 1: 16: "فَإِنَّهُ فِيهِ [أيْ: في المَسيح] خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ". والآن، لاحِظوا الآتي: "مَا يُرَى" وماذا؟ "وَمَا لاَ يُرَى". فهناكَ أشياءٌ خُلِقَتْ في السماء. وقد تقول: "ما هي؟" الملائكة. وقد تقولون: "بمقدورنا أنْ نَفهمَ الأشياء الموجودة على الأرض لأنها نحن. وبمقدورنا أنْ نَفهمَ الأشياء المرئيَّة لأنها نحن. أمَّا الأشياءُ غير المرئيَّة في السماء فمن تكون؟" إنهم الملائكة. وإليكم بعض الألقاب المختلفة للملائكة: عُروش، سِيادات، رِياسات، قُوَّات. فكُلُّ الأشياء خُلِقَتْ بِهِ ولَهُ. فهو الذي خَلَقَ الملائكة. وهُمْ يُعْرَفونَ بأسماءٍ مُختلفة: عُروش، سِيادات، رِياسَات، قُوَّات (أوْ ما يُعْرَفُ أيضًا بالسَّلاطين). فهذه هي ألقابُ الملائكة أو رُتَبُ الملائكة في الجيش غيرِ المَرْئِيِّ. والجيش غيرُ المَرْئِيّ مُنَظَّمٌ. فأنا أُخبركم أنَّ ذلك الجيش مُنَظَّمٌ جدًّا. فهم لهم نظام ورُتَبٌ. والله هو الذي خَلَقَهُم. فنحن نقرأ في الكتاب المقدَّس أنَّ الربَّ يسوعَ المسيحَ هو الذي خَلَقَهُم.
وإن رجعتم إلى سفر نَحَمْيا 9: 6 [وسوفَ أُريكم آيَتَيْن هنا]. فنحن نقرأ في سِفْر نَحَمْيا 9: 6: "أَنْتَ هُوَ الربّ وَحْدَكَ". ثُمَّ اسْمَعوا: "أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ جُنْدِهَا". فنحن نقرأ هنا فِكرة أنَّ الله خَلَقَ لا فقط السماء، بل أيضًا السَّاكِنين فيها؛ أيْ الملائكة. "وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا". فأنتَ خَلَقْتَ السماء وكل شيء فيها. وأنت خَلَقْتَ الأرض وكل شيء فيها. أي أنك خَلَقْتَ الكائناتِ الملائكيةَ والكائناتِ الأرضية. ومِن الواضح مِن خلال هذه الآيات أنَّ الملائكة مخلوقة. وهناك إشارة أخرى على ما أعتقد في رسالة تيموثاوس الأولى – ولا حاجة لأن تفتحوا عليها - فسوف أكتفي بقراءتها إذْ نقرأ في رسالة تيموثاوس الأولى 6: 15: "مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ". فالكائن الوحيد الأبديّ هو مَن؟ الله. وإن كان الله هو الوحيد الذي لا يموت، فإنَّ الملائكة ليست كذلك. هل هذا صحيح؟ فهم كائنات مخلوقة. فقد كانوا بحاجةٍ إلى مَنْ يَخْلِقهُمْ. وهذا هو ما تقوله رسالة تيموثاوس الأولى 6: 15 و 16.
والآن نقرأ في المزمور : 148: 2: "سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ. سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ. سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ [أيْ: الغُيوم]. لِتُسَبِّحِ اسْمَ الربّ". ثُمَّ لاحِظوا ما يَلي: "لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ". إذًا، فالملائكة في العدد الثاني هي كائنات خُلِقَتْ بأمْرٍ مِنَ الله كأي شيءٍ آخر؛ أي مِثْلَ الغُيوم، والأرض، والشمس، والقمر، وكُلَّ شيءٍ آخر.
وقد تقول: متى خُلِقت الملائكة يا جون؟" الحقيقة هي أنِّي لا أعرف متى. ولكنْ مِنَ الواضح أنها خُلِقت قبل بدء الزمن. لقد خُلِقت قبل الإنسان والأرض لأنها سقطت في الأصحاح الثالث مِن سفر التكوين. أليس كذلك؟ لذلك فقد كان الشيطان موجودًا في جَنَّةِ عَدْن لإغواء حوَّاء. ولكنا نقرأ في سفر أَيُّوب 38: 7. "عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟" لكِنْ ما الذي كانت الملائكة تَتَرَنَّمُ له؟ ما الذي كانت كل هذه الملائكة تترنم له؟ سوف أُخبركم ما الذي كانت تترنم له. نقرأ في العدد 4: "أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَارًا؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا؟" وكما ترون فإنَّ جُنْدَ الملائكة كانَ يَتَرَنَّمُ ويُغَنِّي عند الخليقة. لذلك مِن المؤكد أنهم خُلِقوا قبل الخليقة. وهذا يعني أنَّ وجودهم يسبق وجود الأرض.
ولا يوجد تناسُل بين الملائكة. فلا يوجد ملائكة أُمَّهات، وملائكة آباء، وملائكة أطفال. فقد خُلِقوا جميعًا مباشرةً بأمرٍ مِن الله. فهم غير قادرين على التناسل. ويُخبرُنا الأصحاح 22 مِنْ إنجيل مَتَّى عَمَّا قاله الربُّ يسوعُ عن هذه الموضوع إذْ نَقرأ: "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ. لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ»". فملائكة الله في السماء لا يُزَوِّجُونَ ولا يَتَزَوَّجُون. هذا هو ما يقوله. وليس هناك إنجاب. فالله أَصْدَرَ أمْرًا مُباشرًا – فَكِّروا في ذلك، يا أحبائي! فقط فَكِّروا في ذلك. فالله أَصْدَرَ أمْرًا مُباشِرًا فخُلِقت ملايين الملائكة - كُّلٌّ على حِدَة. وهم لا يتناسلون. وهذا يعني أنَّ عددهم لا يَزيد. وهم لا يموتون. لذلك فإنَّ عَدَدَهُم لا يَتناقَص. فالتغيير الوحيد هو ما يحدث في سفر الرؤيا 12: 4 إذْ نقرأ أنَّ الشيطان سَقَطَ مِنَ السماء كالتِّنِّين: "وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ". فمَن الواضح أنَّ ثُلُثَ هؤلاء الملائكة سقطوا وصارا شياطين. ولكنهم سيعيشون جميعًا إلى الأبد - بعضهم في جَهَنَّم، وبعضهم في السماء. إنهم ملائكةٌ مُدهشون خُلِقوا حالاً بأمرٍ مِن اللهِ، وكانَ كُلُّ واحدٍ منهم مُتَمَيِّزًا عنِ الآخر.
وهل تَعلمون ما الذي أُوْمِنُ به؟ أنا أُوْمِنُ أنَّ الملائكة يُشبهونَ رُقاقاتِ الثَّلْج. فأنا لا أُوْمِنُ أنَّ هناك ملاكَيْنِ مُتشابهان. فالناس يحبون دائمًا أن يَسألوا: "ما هي هيئة الملائكة؟" وأنا أعتقد أننا حين نَرى لَوْحَةً (ولا أدري إنْ كنتم قد لاحظتم ذلك)، إذا رأيتم لوحةً ستُلاحظون أنَّ جميع الملائكة متشابهون. إنَّهُم جميعًا متشابهون. فأنتم تَرَوْنَ مجموعة كبيرة مِن الملائكة؛ ولكنهم جميعًا متشابهون كما لو كانوا نُسْخَةً طِبْق الأصْلِ. فهم يبدون جميعًا كما لو أنَّ الله قال: "حسنًا! سأخْلِق اليوم مِلْيون واحِد مِنْ هذا النَّوْع" فظهروا جميعًا هناك – أيْ أنَّ جميع الكروبيم وُجودوا جميعًا بالشكل نفسه. ولكِنِّي لا أُوْمِنُ بذلك. وهناك شيءٌ آخر أُوْمِنُ به؛ وسوف نتحدث عنه أثناء دراستنا. فأنا أُوْمِنُ أنَّ الملائكة خُلِقوا على صورة الله. فقد خُلِقوا بصفاتٍ نَفهمها مِثْلَ الذكاء، والعاطفة، والإرادة. وقد خُلِقوا ككائناتٍ مُستقلَّة كل واحدٍ منفردًا. وأنا أُوْمِنُ أنَّ الله نَطَقَ بكلمة فَخَلَقَ ملايين الكائنات التي تَملأ الكون. وقد كان كُلُّ واحدٍ منهم مختلفًا عن الآخر. اسمعوني: إنْ كان الله قد فعل ذلك مع رُقاقاتِ الثَّلْجِ، فإنه قادرٌ على فِعْلِ ذلك مع الملائكة - مع الملايين منهم. فَهُمْ فَريدون.
والناس يقولون: "كم كان عدد الملائكة؟ وكم عددهم الآن؟" إنهم نفس العدد. فَهُمْ موجودون بالعدد نفسه منذ وقت طويل. وقد رَأَوْا أمورًا كثيرة. فكم كان عددهم حين خَلَقَهم الله؟ وكم عددهم الآن؟ إنه نفس العدد. ومِن الصعب أن نعرف عددهم. فالكتاب المقدَّس لا يخبرنا بذلك. وهناك توقُّعات وتخمينات كثيرة بشأن ذلك. ولكِن اسمحوا لي أن أُقَدِّمَ لكم بعض الأفكار: فعند ولادة المسيح: "ظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ". وكما قرأنا، فقد كان هناك جمهورٌ منهم. وهذا لا يشملهم جميعًا. بل إنَّ هذا جزءًا منهم مذكورٌ في لوقا 2. وعند اعتقال يسوع، قال يسوع: "أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ" ماذا؟ "أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَتيبةً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟" وفي العهد القديم، قام ملاكٌ واحدٌ بقتل 185 ألفِ شخص. وعندما هَرَبَ هؤلاء السُّكَّان البدائِيُّون إلى الأدغال، كانوا قد فعلوا الصَّواب. فالشيءُ الوحيد الذي لا ترغب في مواجهته هو ملائكة الله. فهم أقوياء جدًّا.
وهناك مَن يَسأل: "كم عدد كتائب الملائكة؟" لا أعرف كم عدد كتائب الملائكة. وقد قَدَّمَ البعض اقتراحاتٍ مُثيرة للدهشة. وفي إنجيل مَتَّى 18: 10، يَتحدَّث يسوع عن خاصَّتِه، وعن مَحَبَّتِه الشديدة لهم، وعن عِنايته بهم. وهو يقول شيئًا مُدهِشًا. "انْظُروا" (مَتَّى 18: 10) – وهُوَ يتحدَّثُ هنا عنِ الأطفال: "اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ" [وَهُنا يأتي الجُزْءُ المُدهشُ]: "إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ". لذلك لا تَعْبَثوا مَعَ هؤلاء لأنَّ الملائكة الموكلين بحمايتهم يُقَدِّمون تقارير عن كُلِّ ما يجري. أليس هذا أمرًا مدهشًا؟ وهل يعني هذا أنَّ لكل شخصٍ مجموعة مِن الملائكة مسؤولة عنه؟ إن كان هذا صحيحًا، فإنَّ البعض يقول إنَّ عدد الملائكة ينبغي أن يكون مساويًا لعدد الناس. وإن كان لِكُلِّ شخصٍ أكثر مِن ملاك، ينبغي أن يكون عدد الملائكة أكثر مِن الناس. وهذا يعني أنَّ هناك المليارات منهم.
ويقول آخرون: "لا! إنَّ عدد الملائكة مُسَاوٍ لعدد النجوم". وقد تقول: "كم عدد النجوم؟" إنَّ هذا لا يُساعِدنا البتة. فنحن نَعلم أن هناك المليارات منها. أليس كذلك؟ المليارات على الأقل. وقد تقول: "لماذا يُساوونَ عَدَدَهُمْ بعدد النجوم؟" لأنَّ الألفاظ نفسها تُستخدم غالبًا بالتَّبادُل. فهم يُدْعَوْنَ "جُند السماء"، وأحيانًا تُدْعَى النجوم "جُند السماء". لذلك فإنَّ الألفاظَ تُستخدَمُ بالتبادل. ولكن هناك آية واحدة تساعدنا في الفهم، ولا أعتقد أن هذا هو كل شيء، ولكنها تُساعِد. فنحن نقرأ في الأصحاح الخامس مِن سفر الرُّؤيا [وأرجوا فقط أن تُفَكِّروا في ذلك، يا أحبائي]. فهناك الكثير مِن الملائكة: "وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ". فهل هو يقول إنه سَمِعَ صوت كل الملائكة؟ أو هل يقول إنَّهُ سمع صوت أغلبية الملائكة؟ أو هل يقول إنه سمع صوت الجزء الأكبر مِن الملائكة؟ لا، فقط ماذا؟ فقط صوت ملائكة كثيرين - أيْ بعضٌ منهم. وكم كان عدد هؤلاء؟ "وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ".
وقد تقول: "هل هُمْ بهذه الكثرة؟ إذًا، كم النِّسبة المئويَّة؟ لا أدري، يا أحبائي! ولكنهم كثيرون جدًّا. وإن كان لكُلِّ طفلٍ صغيرٍ مجموعة مِن الملائكة تحميه، فهذا يعني وجود الكثير مِن الملائكة لأنَّ هناك أمورًا أخرى ينبغي لهم أن يقوموا غير العناية بالأطفال الصغار. وأنا أُوْمِنُ أنَّ هناك مِليارات الملائكة في كل مكان في الكون. ولعلنا نجد في رسالة العبرانيِّين 12: 22 ما يَحْسِمُ الأمر. فنحن نقرأ: "بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ". فَهُمْ أكثر مِمَّا يُحْصَى. فلا يمكننا أن نَعُدَّهُمْ أو أنْ نُحْصِيهم. فَكِّروا في الأمر ... فَكِّروا في الأمر. فهناك ملايين الملائكة الفائقي الجمال، والأقوياء، والذين يُنَفِّذون أوامر الله، والذين يَنطلقون بسرعة فائقة في السماوات وعلى الأرض. وَهُمْ مُنَظَّمون أكثر بكثير مِن جيوش قيصر، أو جيوش الإسكندر، أو نابليون، أو باتُّون (Patton)، أو أي شخصٍ آخر. فهناك الكروبيم، والسرافيم، وهي كائناتٌ حَيَّة مُنَظَّمة في عروشٍ، وسِياداتٍ، ورياساتٍ، وسَلاطينَ، وقُوَّاتٍ. وهناك رئيس الملائكة ميخائيل المحارب والبطل. وهناك جِبرائيل المُسانِد. وجميع جُنْدِ الملائكة الرائعين هؤلاء يُدعَوْنَ في الكتاب المقدَّس: "أبناءَ اللهِ" في المزمور 89: 6. وَهُمْ يُدْعَوْنَ: "أولادَ اللهِ" في سفر أَيُّوب، وَهُمْ يُدْعَوْنَ: "آلِهَةً" مِن جهة ارتباطهم الحَرْفِيِّ بالقُوى الإلهيَّةِ الخارقة. وهم يُدعون: "قِدِّيسين" في المزمور 89. وهم يُدعونَ: "كواكب الصُّبْح" في سفر أَيُّوب 38: 7، ويُدعون "رؤساء" في الأصحاح العاشر مِن سفر دانيال. فهي كائناتٌ بَديعَةٌ. والله هو الذي خَلَقَ هذا الجيش العظيم في جُزْءٍ مِنَ الثانية. فقد نَطَقَ بكلمة فأوجدهم. فيا له مِن إلَهٍ! ويا له مِن خَالِقٍ مُبْدِعٍ!
وإذا دَرَسْتُم الكتاب المقدَّس ستجدون أنهم موجودون في السماء الثالثة. والسماء الثالثة هي مَسْكَن الله. ويمكنكم أن تجدوهم أيضًا في السماء الثانية يَجوبون الكون. ويُمكنكم أن تجدوهم أيضًا في السماء الأولى؛ أيْ في الغِلافِ الجَوِّيِّ للأرض. فَهُمْ موجودون في كل واحدة مِن هذه السماوات بحسب إعلان الله. وأحيانًا نجدهم أمام عرش الله. وأحيانًا نجدهم يَتَنَقَّلون - كما هي الحال في دانيال 10. ونحن نجدهم في سفر الرُّؤيا 4 و 5 بجانب عرش الله. وفي دانيال 10، نجدهم يَطُوفون الكون. وفي مَرَّاتٍ كثيرة، نَجِدُهُم على الأرض. وهذا مُبَيَّنٌ في كل العهد القديم والعهد الجديد. أليس كذلك؟ فالملائكة موجودون على الأرض. ونحن نختلط بهم. فيا لَهُمْ مِن كائناتٍ بديعة. ويمكننا أن نرى ذلك عبر صفحات العهدين القديم والجديد. أليس كذلك؟ فالملائكة موجودون على الأرض ويختلطون بالبشر. فيا لها مِن كائناتٍ بديعة!
وسوف أَختم ببعض الأفكار عن صفات الملائكة. إذًا، ثالثًا: لنتحدَّث عن طبيعة الملائكة. واسمحوا لي أن أقول هذا في عُجالَة. فما هي صفاتهم؟ أولاً، إنهم كائناتٌ عاقلة. أجل، إنهم كائنات عاقلة. وقد تقول: "هل تَعني بذلك أنهم ليسوا مُجَرَّد آلاتٍ خارقة؟" أجل، إنهم ليسوا كذلك. بَلْ هُمْ كائنات عاقلة ولها شخصيَّة. وقد تقول: "ما هي الصِّفاتُ التي تجعلهم كائنات عاقلة؟" الذكاء، والعاطفة، والإرادة. وقد تقول: "هل الملائكة أذكياء؟" أجل، إنهم أذكياء. بل مَن المؤكد أنهم أذكياء. فنحن نقرأ في سفر حِزقيال 28: 12 الوَصْفَ التالي للوسيفر (زُهَرَة بِنْت الصُّبْح) الذي كان واحدًا مِنْ رؤساء الملائكة، إذ نقرأ: "مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ" فالملائكة أذكياء. ونقرأ في إنجيل مَتَّى 28: 5: "فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ: «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ»". فقد فَهِمَ ذلك الملاكُ ما كانت السِّيِّدَتان تَفعلانه. فقد كان ذكيًا. والكائنات العاقلة تتخاطب. إنها تتخاطب أوْ تَتحدَّث.
وفي الأصحاح 17 مِن سفر الرُّؤيا، مِنَ الواضح جدًّا أنَّ الملائكة تفهم خُطَّة الله. فقد كانت تفهمها: "ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً لِي: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ [شيئًا]»". وهذا ذكاءٌ وقدرة على التخاطب. والحقيقة هي أنهم لا يعرفون كل شيء. فَهُمْ ليسوا عالِمينَ بكل شيء مِثْلَ الله. والحقيقة هي أننا نقرأ في رسالة بطرس الأولى 1: 12 أنَّ الإنجيل شيء تشتهي الملائكة أن تَطَّلِعْ عليه. فهناك العديد مِن الأشياء التي لا تعرف شيئًا عنها. ولكنها كائنات ذكية. ومَعَ أنَّ ذكاءَها محدودٌ، فإنَّها ذَكِيَّة.
ثانيًا، الملائكة لها عواطف. وأنا أعلم أنها لها عواطف لأننا نقرأ في سفر أيوب 38: 7 أنها كانت تَتَرَنَّمُ معًا. والتَّرْنيمُ يَنطوي على عاطفة. أليس كذلك؟ فهي تمتلك عاطفة الفَرَح. وهل تعلمون أنَّ الملائكة تتجاوب عندما يأتي شخصٌ ما للمسيح؟ فهناك يَكونُ فرحٌ في السماء بِخاطئٍ واحدٍ يَتُوب. فالملائكة تَختبر الفرح. وهناك شيءٌ آخر أعتقد أنه يَنطوي على عاطفة وهو: العِبادة. ففي الأصحاح السادس مِن سفر إشعياء مثلاً، نقرأ أنَّ ملائكة السرافيم كانت تحيط بالله. وماذا كانت تفعل؟ "السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ»". وهذا تعبيرٌ عن العبادة، وهذه عاطفةٌ. فالملائكة لها عاطفةٌ، وهذه صِفَة مِن صفاتِ الشَّخصيَّة.
ثالثًا، الملائكة تمتلك القُدرة على اتخاذ القرارات بنفسها أو التَّعبير عَنْ إرادتها. واللهُ يُلائِم جدًّا إرادَتَها. فعلى سبيل المثال، نقرأ في الرِّسالة إلى العبرانيِّين 1: 6 أنَّ الله يُدْخِلُ البِكْرَ إلى العالم ويقول: "وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ". بعبارة أخرى، فإنه يقول: "أيها الملائكة، اسْجُدوا لهذا الطفل الذي وُلِد". وَحَقيقةُ أنَّهُ يَدعو الملائكة إلى القيام بشيءٍ ما تَعني أنَّ لهم حُرِّيَّةَ الإرادة للقيام بذلك. والحقيقة هي أنَّ هذا كان سببًا في وقوع الشيطان في المتاعب؟ فهو يُرَدِّدُ الكلمات: "أصعَد"، "أرْتَفِع"، "أَجْلِس"، أَصْعَد"، أَصِيْر"، خَمْسَ مَرَّات في إشعياء 14. لذلك فإنهم كائنات عاقلة لها شخصية. فهي ليست مُجَرَّد أرواح أَثيريَّة عائِمَة في الفضاء دون شخصية. وهي ليست مُجَرَّد آلاتٍ لا تفهم. بل إنها كائنات عاقلة ولها شخصية. وكُلٌّ منهم مُختلف عن الآخر. وكُلٌّ منهم فريد. وهم مُختلفون عن البشر. وهذا واضحٌ لأننا نقرأ في الأصحاح 2 مِنَ الرِّسالة إلى العِبرانيِّين: "وَلكِنَّ [يَسوعَ] وُضِعَ قَلِيلاً" عَنْ ماذا؟ "عَنِ الْمَلاَئِكَةِ". فَهُمْ يَشْغَلون مَكانَةً أعلى مِنَّا في الوقتِ الحاضِر. ولكِنْ في يومٍ ما، سَنَدينُ ملائكةً. فنحن نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 6: 3 أنَّنا سَنَدينُ ملائكةً. ففي المسيح سوفَ نَسْموا. لماذا؟ لأننا شُركاءٌ وَوَرَثَةٌ مع المسيح، ولأننا سنَشترك مع المسيح في ميراثه. فنحن في المسيح. ونحن روحٌ واحدٌ مع المسيح. لذلك فإننا سَنَدينُ ملائكةً في الملكوتِ والأبديةِ لأننا سنَحْكُمُ مع المسيح. ويجب عليكم أن تتذكروا ما جاء في سفر الرُّؤيا إذْ يَقول: "مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي". ولكِنْ في هذا الدهر وهذا الوقت، نحن ما زلنا أَقَلّ مِنَ الملائكة. فَهُمْ مختلفون عنَّا. صحيحٌ أننا وإيَّاهم مخلوقات، وأننا وإيَّاهم محدودون زَمنيًّا ومَكانيًّا، وأننا وإيَّاهم نعتمد على الله في وجودنا، وأننا وإيَّاهم مسؤولون أمام الله وينبغي أن نُقَدِّمَ لَهُ حسابًا، ولكِنَّنا مُختلفونَ عنهم.
والآن، هل تعلمون أنَّ حياة الملائكة وعالمهم مُتشابكان ونشيطان ومُعَقَّدان مِثْلَ عالمنا؟ كما أنَّ عالمهم يحيط بعالمنا مِن جميع الجهات. والفرق هو أننا لا نستطيع أن نرى عالمهم، ولكنهم يستطيعون أن يَرَوْا عالَمَنا. فهم أرواحٌ، وهذا هو الفرق الرئيسيُّ إذْ نقرأ في الرسالة إلى العِبرانيِّين 1: 14: "أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً؟" ففي العدد 13، يَتحدَّثُ كاتِبُ الرِّسالةِ عنِ الملائكةِ. ثُمَّ إنَّهُ يقول: "أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً؟"
والناس يقولون: "هل للملائكة أجساد؟" لا. بل هُمْ أرواح. فَهُمْ لا يملكون أجسادًا لَحْمِيَّةً مِثْلَنا. ولكِن اسمعوني جيِّدًا: هل جسدك هو شخصيتك؟ لا. ولكنَّ شخصيتك تظهر في جسدك. والملائكة كائنات حَيَّة مِنْ دون اللَّحْمِ والدَّمِ اللَّذَيْنِ نَعْرِفُهُما. وقد تقول: "هل لديهم أجساد مِنْ نوعٍ ما؟ وما هي؟ أَمْ أنَّهُمْ مُلاءَة فارغة لا يوجَد تحتها شيء - كما نَرى في صُوَر الأشباح - ماذا يكونون؟" هل تَعلمون ما أُوْمِنُ به؟ أنا أُوْمِنُ أنهم يملكون سِماتٍ مُعيَّنة. فهم شيءٌ ما. صحيح أنهم أرواح ولكنهم شيءٌ ما. فهُمْ ليس لَهُمْ جَسَدٌ مِنْ لَحْمٍ ودَمٍ مثل أجسادنا، ولكنهم محدودون مكانيًا وليسوا مِثْلَ الله. فاللهُ روح. أليس كذلك؟ ولكنَّ الله موجودٌ في كل مكان. أليس ذلك صحيحًا؟ فهو موجودٌ في كل مكان. وروحُه يَملأ الأزل والأبد. أما الكائنات الملائكية فهي أرواح صغيرة إنْ جازَ القول. وهم يُوجدون في مكان واحد في الوقت الواحد. ويجب عليهم أن يذهبوا إلى الأماكن الأخرى. وهذا يعني أنَّ لهم شكلاً ما. ولكنه شكل لا يمكنني أنْ أَراه أو أَفهمه. ومع ذلك، فإنَّ لهم شكلاً ما. وَهُمْ يطيرون في السماء كما جاء في دانيال 9. ونقرأ في دانيال 10 أنَّهم يَطوفون ويتصارعونَ في الفضاء. وهم يذهبون مِن مكانٍ إلى آخر.
كذلك، فإنهم محدودون زمنيًّا. وهم يُصَوَّرون عادةً بأنَّ لهم أجنحة، ولكني لست مُقتنعًا أنَّ هذه أجنحة بالمعنى الحرفيّ، بل إنَّ هذه الأجنحة ترمز إلى السُّرعة – أيْ أنَّها تَرمز إلى الطاعة السريعة بِمَعنى أنَّ الملائكة يُسرعون في طاعة مشيئة الله ويُعَجِّلونَ في طاعة مشيئة الله. لذلك فإنَّ هذا لا يعني أنهم كائنات تطير حرفيًّا بصفتهم أرواحًا، بل إنهم يتحرَّكونَ، بل يَتحرَّكونَ بسرعة إطاعةً لله.
ولا أدري ما هو الشكل الذي يأخذونه، ولكني أُوْمِنُ أنهم كائنات مِنْ نوعٍ ما وأننا سنذهب يومًا إلى السَّماء ونقول: "آها! لقد عرفنا الآن مَنْ يَكونون". ولكني لا أعرف هذا الآن، بل سأعرفه عندما نذهب إلى السماء. أمَّا في الوقت الحاضر فلا أعرف. وقد تقول: "ما الذي يجعلك تعتقد أنهم كذلك؟" ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى 15: 44 إذْ نقرأ: "يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ [أيْ: مادِّيّ] وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ". إذًا، هناك جسمٌ ماديٌّ وجسمٌ روحيٌّ. لذا، لا بُدَّ أنَّهُم يملكون جسمًا روحيًّا وليس جسمًا ماديًّا. إنَّهُمْ يملكون جسمًا روحيًّا سماويًّا. وعندما يَظهرون للبَشَر بأمْرٍ مِنَ الله، فإنهم يَظهرون بهيئة إنسان. وربما كان هناك استثناءٌ واحدٌ، ولكنه احتمالٌ فقط. فلا توجد لدينا أدلَّة كافيه لتفسير الآية بصورة مؤكَّدة. ولكنهم يَظهرون في جميع المناسبات الأخرى في هيئة رَجُل. والضَّميرُ المُستخدَمُ للحديث عنهم هو بصيغة المُذَكَّر. لذلك فإنهم يَظهرون أحيانًا بهيئة رَجُل - كما وَرَدَ (إذا كُنتم تَذكرون) في تكوين 18 وتكوين 19 إذْ إنَّ مَلائكةً جاءوا لزيارة إبراهيم. ونقرأُ أنَّ مَلاكَيْنِ ذهبَا إلى مدينة سدوم في هيئةِ رَجُلَيْنِ وَسِيْمَيْن. وكانَ هذانِ الملاكانِ قد جَلَسَا معَ إبراهيم، وأَكَلا، ومَشَيا، وتَحَدَّثا. فقد ظَهَرا في هيئةٍ منظورةٍ وأخذا شكلاً مَرئيًّا.
ونَقرأُ في إنجيل مَتَّى 28: 3 عن الملاك الذي ظَهَرَ آنذاك: "وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ". فقد كان مَنظرُه كالشَّمس أوِ البَرْق. وهذا أمرٌ غير عاديّ. فَهُمْ يَظهرون أحيانًا كرجالٍ عاديِّين، ويَظهرون أحيانًا بهيئة رِجالٍ غير عاديِّين. ولكِنْ عندما يَظهرونَ فإنَّ حُضورَهم يَترُك أثرًا فعَّالاً ومدهشًا. فمثلاً، عندما ظهروا للسُّكَّان البِدائيِّين في الأدغال، لاذوا بالفَرار. والجنود الذين قرأنا عنهم في قصَّة الجيش الألمانيّ ذُعروا. وقد خافت مريم حين أَعلنَ لها الملاك جِبرائيل خَبَرَ وِلادتها بالرغم مِنْ أنها كانت عذراء. فقد اضْطَرَبَتْ. وعندما قال الملاك لزكريَّا إنه سيُنجب ابنًا، "اضْطَرَبَ ووَقَعَ عليهِ خَوْفٌ" (كما جاء في الأصحاح الأوَّل مِنْ إنْجيل لوقا). ونقرأ عنِ الرُّعاة الذين أَعْلَنَ الملاك لَهُمْ عنْ ولادة المسيح أنهم "خافوا خوفًا عظيمًا". فقد خافوا عندما رَأَوْا هذه الكائناتِ الملائكيَّة. ونقرأ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 28 أنَّ الجنود الرُّومان الذين رَأَوْا الملاك يُدَحْرِجُ الحجر، نَقرأ أنهم وَقَعُوا وصاروا كَماذا؟ كَأمْواتٍ حين رَأَوْا ذلكَ الملاك. فالملائكة كائنات مُختلفة عَنَّا. وعندما يكونون حولنا فإنهم يتركون تأثيرًا عجيبًا لأنها رِحْلة إلى العالم الآخر إنْ جاز القول. وهو أمرٌ غيرُ طبيعيٍّ بالنسبة إلينا. وسوف نَتعلَّمُ المزيد عن هذه الوقائع والحقائق المجيدة. والآنْ، لِنَحْنِ رؤوسَنا للصَّلاة:
نشكرك يا أبانا لأنك ساعدتنا في الحصول على مُقَدِّمة صغيرة في هذا المساء عنْ هذه الكائنات التي خَلَقْتَها لخدمتك وخدمتنا. ومعَ أنِّي لا أعرفُ الملائكة الذين يَسهرونَ على حِمايتي، فإنِّي أريد أنْ أشكركَ على الخدمة التي يقومون بها في حياتي بالرغم مِن أنِّي لا أعرفهم. وأنا أريد أن أشكرك لأنك فَتَحْتَ كلمتك لنا بهذا الخصوص لكي نفهم المزيد عنك وعمَّا تفعله في الكَوْن؛ ولا سِيَّما على هذه الأرض – كما لو كانَتْ مَسْرَحًا تُقَدِّمُ عليه خُطَّةَ الفِداءِ التي أَرْسَلْتَ ملائكتك لتنفيذها. نشكرك يا أبانا ونُسَبِّحُ اسمكَ على شركتنا في هذا المساء. باسم المسيح. آمين.

This article is also available and sold as a booklet.