Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لا حاجةَ إلى أنْ يُثبِتَ لنا أيُّ شخصٍ أنَّنا رُبَّما نُراقِبُ احْتِضارَ نُواةِ الحَضارة: العائلة. فكُلُّ العلاماتِ واضحة تمامَ الوُضوحِ مِن حَولِنا. ويُمكننا أن نَذكُرَ كُلَّ أنواعِ الإحصائيَّاتِ الَّتي تُشيرُ إلى الحالةِ المُريعةِ للعائلاتِ في ثقافَتِنا. فنحنُ نَنظُرُ دائمًا إلى عَرْضِ وسائلِ الإعلامِ للطَّلاقِ، والتَّمرُّدِ الجنسيِّ، والإجهاضِ، ورَبْطِ الأنابيب، والجُنوح، والخيانة الزَّوجيَّة، والجِنسيَّة المِثليَّة، وتَحَرُّر المَرأة، وحُقوق الأطفال، وهَلُمَّ جَرَّا. ولَطالَما سَمِعنا تلكَ الأخبارَ خلالِ السَّنواتِ العَشْرِ أوِ العِشرينَ السَّابقة. ونحنُ نُراقبُ تَشَكُّلَ الحَبْلِ الَّذي يَخْنُقُ العائلةَ حَتَّى الموت. وبصراحة، هُناكَ أشخاصٌ كثيرونَ يَنقُشونَ بِسُرورٍ ضَريحَ العائلةِ ويَفعلونَ ذلكَ بسعادة بالِغَة.

وفي كِتابٍ بعُنوان "احْتِضارُ العائلة" (The Death of the Family)، يَقترِحُ طبيبٌ بريطانيٌّ الاستغناءَ عنِ العائلةِ تمامًا لأنَّهُ يقولُ إنَّ العائلةَ هي أداة رئيسيَّة لصياغة نَظرة عالميَّة غربيَّة إمبرياليَّة. وقد كَتَبَتْ "كيت ميليت" (Kate Millett)، وهي ناشِطَة مَشهورة جدًّا في الدِّفاعِ عن حقوقِ المرأة، كَتَبَتْ كِتابًا بعُنوان: "السِّياسة الجنسيَّة" (Sexual Politics) قالت فيهِ إنَّ العائلة ينبغي أن تَزول لأنَّها تَقمعُ النِّساءَ وتَستعبِدُهُنَّ. والنَّاسُ الَّذينَ يُنادونَ بهذهِ الآراءِ يَتحدَّثونَ بعِدائيَّةٍ، وعُنْفٍ، وَحِدَّة، وتَسَلُّط. وَهُمْ يَجِدونَ أكثرَ تُربةٍ خِصْبةٍ لِنَشْرِ وُجهاتِ نَظَرِهم في الجامعاتِ والكُليَّاتِ في مُجتمعِنا. لِذا فإنَّهم يَعملونَ جاهِدينَ على إعادَةِ تَثقيفِ الشَّبابِ الَّذينَ سيصيرونَ في النِّهاية الأشخاصَ الَّذينَ سيقودونَ مُجتمعنا، ويُحَرِّكونَهُ، ويَهُزُّونَهُ.

وتَسعى السيِّدة "تي. غريس آتكنسون" (Mrs. T. Grace Atkinson) مِنَ "المُنظَّمة الوطنيَّة للنِّساء" (The National Organization of Women) إلى القضاءِ على كُلِّ شَيءٍ يَختصُّ بالجِنْسِ، والزَّواجِ، والأُمومة، والمحبَّة. وأودُّ أن أقولَ إنَّ هذا مُهْلِكٌ جدًّا. وقد قالت إنَّ الزَّواجَ هو عُبوديَّة تَحْتَ غِطاءٍ قانونيٍّ، وإنَّ العلاقاتِ العائليَّة هي أساسُ كُلِّ اضطهادٍ بشريٍّ. ويا لَهُ مِن رأيٍ مُشَوَّهٍ ومُحْزِن! ولكنَّهُ في حالاتٍ عديدة الرَّأي السَّائد بينَ المُفَكِّرينَ وأساتذةِ الجامعاتِ والمُعلِّمينَ في مُجتمعِنا. مِن جِهَةٍ أخرى، فإنَّ الأشخاصَ الآخرينَ الَّذينَ يُراقبونَ احتضارَ العائلةِ يَرَوْنَ أنَّ ذلكَ الرَّأيَ هو كارثة، وأنَّهُ داءٌ خبيث. فإنْ لم تَعملِ العائلةُ كما ينبغي، مَنْ سَيُرَبِّي، وَمَنْ سَيُنَشِّئ، ومَنْ سيَغرِسُ القِيَمَ الأخلاقيَّةَ في الجيلِ القادِم؟

فالدُّكتور "آرماند نيكولاي الثَّاني" (Dr. Armand Nicolai II) مِن "جامعة هارفرد للطِّبّ" (Harvard Medical School) يَرى أنَّ التَّوَجُّهَ إلى هَدْمِ العائلة هو تَوَجُّهٌ مُدَمِّر. وهو يُشيرُ إلى النِّساءِ المُتزوِّجاتِ ولديهنَّ أطفال ويَعْمَلْنَ خارجَ المنزِل، وإلى مَيْلِ العائلاتِ إلى التَّنَقُّلِ كثيرًا، بل دائمًا، وإلى هَيمنةِ التِّلفزيونِ في البيت، وإلى عدمِ وُجودِ انضباطٍ في المُجتمع، وإلى فَوضَى التَّشويشِ الأخلاقيِّ، وإلى انعدامِ التَّواصُلِ بينَ العائلاتِ، والطَّلاقِ، وإلى كُلِّ تلكَ الأمورِ قائلاً إنَّها تُهَدِّدُ الحياةَ الَّتي نَعيشُها. واسمَحوا لي أن أقتبسَ جُزءًا مِن أقوالِهِ:

فهو يقول: "هذه المُيولَ سَتَشُلُّ العائلةَ، وتَهْدِمُ نَزاهَتَها، وتَجعلُ أفرادَها يَتعرَّضونَ لصِراعاتٍ عاطفيَّةٍ تَشُلُّ حَرَكَتَهُم فيصيرونَ عِبئًا لا يُطاقُ على المُجتمع. وماذا عنِ المُستقبل؟ أوَّلاً، سوفَ تَستمرُّ نوعيَّةُ الحياةِ العائليَّة في التَّقهقُرِ فتُنشئُ مُجتمعًا تَرتفِعُ فيهِ مُعَدَّلاتُ الأمراضِ النفسيَّة أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ مَضى. فخمسةٌ وتسعونَ بالمئة مِن أَسِرَّةِ مُستشفياتِنا سيَرقُدُ عليها مَرضى نَفسيُّون. وسوفَ يَتَّسِمُ هذا المرضُ بعدمِ القُدرةِ على ضَبْطِ النَّفس. ويمكنُنا أن نتوقَّعَ أنْ تَصيرَ عَمليَّاتُ اغتيالِ المَسؤولينَ حَدَثًا يَتكرَّرُ كثيرًا. وسوفَ تَزدادُ جرائمُ العُنفِ حَتَّى في داخلِ العائلة. وسوفَ تَرتفعُ مُعَدَّلاتُ الانتحار. وإذْ يَصيرُ الجنسُ غيرَ مَحدودٍ أكثر فأكثر، ويَصيرُ مُنفصلاً عنِ العائلةِ والارتباطِ العاطفيِّ، سيؤدِّي تأثيرُهُ المُميتُ إلى انتشارِ المزيدِ مِنَ التَّجاربِ الغريبة وانتشارِ الانحِرافِ انتشارًا واسعًا". [نِهايةُ الاقتباس]

وهذه، بصراحة، صُورة مُرَوِّعة! ونحنُ نُشاهِدُها وهي تُرسَمُ أمامَ أعيُنِنا. ولا شَكَّ في حقيقةِ أنَّ العائلةَ تَتعرَّضُ لهُجومٍ عنيفٍ إذْ إنَّ النَّاسَ يَرغبونَ في إعادةِ تَعريفِ العائلةِ بأيِّ طريقةٍ يَشاءون. ولا شَكَّ في أنَّنا نُشاهِدُ جيلاً مِنَ الشَّبابِ النَّاشِئينَ الَّذينَ يَفتقرِونَ إلى أيِّ مهاراتٍ اجتماعيَّةٍ وأيِّ حِسٍّ أخلاقيٍّ. فهناكَ فَوضَى. وهناكَ قَتل. وهُناكَ جَريمة مُتَفَشِّيَة على مُستوىً كبير. وحَتَّى إنَّ هُناكَ مُتعة في إطلاقِ النَّارِ على أشخاصٍ لا تَعرفهم لِمُجَرَّدِ مُتعةِ القَتل. وهُناكَ عددٌ كبيرٌ مِن عُلماءِ الاجتماعِ، وعُلماءِ النَّفسِ، والمُحَلِّلينَ، ومَنْ يُدْعَوْنَ خُبراءَ الزَّواج والعائلة، واختصاصيّي العِلاجِ النَّفسيِّ، وغيرَهُم يَتَخَبَّطونَ في كُلِّ مكانٍ في مُحاولة لاقتراحِ حَلٍّ مَا. وَهُمْ عاكِفونَ على القيامِ بذلكَ مُنذُ عَقْدَيْنِ مِنَ الزَّمَن مِن دونِ أن يُحْدِثوا أيَّ تَغيير. فلا شَيءَ مِمَّا يَفعلونَهُ يُبَطِّئُ عمليَّةَ تَفَكُّكِ العلاقاتِ البشريَّة في صَميمِ الحَياةِ؛ أيْ في العائلة. فيُمكِنُكَ أن تَعبَثَ بالمُجتمعِ في مَواضِع عدة، ولكن إنْ دَمَّرتَ العائلةَ، تكونُ قد دَمَّرتَ المُجتمع.

وَمِن جِهَة، إنَّهُ وقتٌ مُدهشٌ أنْ يَعيشَ المَرءُ في وَسْطِ هَذا كُلِّه. فالعائلةُ هي، بِكُلِّ تأكيد، في قِمَّةِ لائحةِ المخلوقاتِ المُهدَّدةِ بالانقراض. وهذا أخطرُ بكثير مِنَ انقراضِ بعضِ الأجناسِ الَّتي تَشغَلُ اهتمامَ النَّاس. وفي تلكَ النُّقطةِ فإنَّنا نتساءل: هل يُمكنُ إنقاذُ العائلة؟ وأعتقدُ أنَّهُ يجب علينا أن نَسألَ لأجلِ بعضِ النَّاسِ: هل يجب إنقاذُ العائلة؟ وهل هي تَستحقُّ أنْ نُحارِبَ لأجلِها؟ وإنْ كانَ الجَوابُ هُوَ: "أجل"، كيف؟ وأودُّ أن أُضيفَ أنَّ الكنيسة تقومُ ببعضِ الجُهدِ، ولا سِيَّما في السَّنواتِ العشرِ الأخيرة، أو في السَّنواتِ العِشرينَ الأخيرة إذْ إنَّ هناكَ انشغالاً هائلاً بهذا الموضوع. والمكتباتُ المسيحيَّةُ تَزْخُرُ حَرفيًّا بِكُتُبٍ كثيرةٍ جدًّا عنِ الزَّواجِ والعائلة. وهناكَ عِظاتٌ ورسائلَ وأشرطة وندوات ومؤتمرات لا حَصْرَ لها تتحدَّثُ عن قضايا العائلة؛ ولكِنْ يبدو أنَّ هذا كُلَّهُ أيضًا لا يُحْدِثُ فَرْقًا كبيرًا.

ولكِنَّ اللهَ يَمْلِكُ الجوابَ عنِ السُّؤالِ: هل يجب إنقاذُ العائلة؟ واللهُ يَملِكُ الجوابَ عنِ السُّؤالِ: هل يُمكنُ إنقاذُ العائلة؟ والحقيقة هي أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُبيِّنُ بوضوحٍ تامٍّ أنَّهُ عندما يقولُ إنَّ الزَّواجَ هو نِعمةُ الحياةِ، وإنَّ الأبناءَ هُم مِيراثٌ مُباركٌ مِنَ الرَّبِّ، يجب علينا أن نَفهمَ هذه البَرَكَة وهذهِ النِّعمة، وأنْ نَفهمَ قَصدَ اللهِ مِنَ الزَّواجِ وَمِن تربيةِ الأبناء. فالعائلةُ ما تزالُ هي قلبُ المجتمعِ البشريِّ ورُوحُه. والعائلةُ، بحسبِ تَعريفِ اللهِ لها، هي مَكانُ العلاقاتِ الحميمة. وهي مكانُ الفرح. وهي مكانُ الذِّكرياتِ الَّتي تَبني أساسَ الحياة. وهي مكانُ المحبَّة. وهي مكانُ العلاقاتِ الاجتماعيَّة. وهي مَنْبَعُ الأخلاقِ ومَنبَعُ الشُّعورِ بالأمان. وهي المكانُ الَّذي تَبني فيهِ الثِّقة.

وقد كُنتُ أتحدَّثُ ذاتَ يومٍ إلى واحدٍ مِنَ الأساتذةِ في كُليَّةِ "ذا ماستر كوليدج" (The Master’s College)، وهو أُستاذٌ يَحمِلُ شَهادةَ الدُّكتوراه مِن جامعة جنوب كاليفورنيا (USC) فتطرَّقنا إلى موضوعِ التَّركيزِ على نِطاقِ الخدمةِ معَ الأولادِ في مجالِ التَّربية فقال: "كُلُّ المؤلَّفاتِ...كُلُّ المؤلَّفاتِ الحاليَّة الموجودة اليوم والتي تَستَنِدُ إلى دراساتٍ أُجريت على الأبناء تُشيرُ إلى أنَّ هناكَ وقتًا بينَ عُمرِ السَّادسةِ والثَّانية عشرة يَنْهارُ فيها كُلُّ شيءٍ أساسيّ أو لا يَنهار. وهذه هي السَّنواتُ الحَاسِمَة الَّتي ستُقرِّر ما سيصيرُ عليهِ الطِّفل. فيمكنكَ أن تَنظُر إلى نَمَطِ الحياةِ في هذه السَّنواتِ وأن تُخَمِّن بصورة دقيقة جدًّا تقريبًا ما إذا كانوا سيكونونَ غير اجتماعيِّينَ في سُلوكِهم أَم أنَّهم سيتمتَّعونَ بعلاقاتٍ اجتماعيَّةٍ طبيعيَّة. ويمكننا أن نَرى كُلَّ جُذورِ السُّلوكِ الإجراميِّ في تلكَ الفترةِ مِن حياةِ الطِّفل".

وهذا أمرٌ مَنطقيٌّ جدًّا لأنَّ العالَمَ العِلمانيَّ يَختارُ ذلكَ العُمْر. فحتَّى في حالةِ يسوع، هناكَ مَثَلٌ توضيحيٌّ على أنَّهُ عندما يَبلُغُ الطِّفلُ اليهوديُّ سِنَّ الثَّانيةَ عَشرة، فإنَّهُ يكونُ جاهزًا للخُضوعِ للنَّاموس. وقد تحدَّثتُ عن حقيقةِ أنَّ اللهَ أعطى الأبَوَيْنِ مَسؤوليَّةَ تَأسيسِ وإعدادِ أبنائهم ما بينِ عُمرِ السَّادسةِ والثَّانية عشرة كي يَتمكَّنوا مِنَ التَّأقلُمِ معَ فترةِ المُراهقةِ الَّتي تَبدأُ في نَحوِ ذلكَ الوقت. فإن لم يَكونوا مُؤسَّسينَ أخلاقيًّا، ولم يكونوا مُدَرَّبينَ، ومُنضَبِطينَ، ويُحْسِنونَ السَّيطرةَ على أنفسهم في تلكَ السَّنواتِ المُمتدَّة مِن سِنِّ السَّادسة إلى الثَّانية عشرة، سيَصيرونَ كالمَسعورينَ عندما تَثورُ تلكَ الشَّهواتُ في تلك المرحلة العُمريَّة.

وهناكَ نَموذَجٌ إلهيٌّ لكيفيَّةِ تَعامُلِ العائلةِ مع ذلك، ولكيف ينبغي أن يكونَ الزَّواجُ قُدوةً تُحتَذى، وكيفَ ينبغي أن يكونَ الزَّواجُ مُشبِعًا وسعيدًا ومُجْزِيًا. وعندما نَبحثُ عن ذلكَ النَّموذج، لسنا بحاجة إلى الذَّهابِ إلى أيِّ مكانٍ غير كلمة الله. فكُلُّ ما نَحتاجُ إليهِ مَوجودٌ فيها. والأمرُ ليسَ مُعَقَّدًا جِدًّا وليسَ صَعبًا جِدًّا. عندما كُنتُ أَعِظُ في هذا الأسبوع...فقد غادرتُ "إلينوي" (Illinois) وذهبتُ إلى "أوهايو" (Ohio)، وكنتُ أعِظُ. وبعدَ أن أَنهيتُ عِظَتي، جاءت سَيِّدة، وهي سَيِّدة شابَّة لطيفة أعتقدُ أنَّها تَبلُغُ مِنَ العُمرِ نحو 35 سنة ولديها عددٌ مِنَ الأبناءِ الصِّغار. وكانَتْ تَحْمِلُ اثنينِ مِنهُم بينَ ذراعيها، في حين كانَ عَدَدٌ مِنهُم يَتعلَّقونَ بها. وقد أرادت أن تُخبرني أنَّها كانت تُصارعُ قبلَ عَشْرِ سنوات بحثًا عنِ الإرشادِ في زواجِها. وقد أرادت أن تَشكُرَني على بعضِ العِظاتِ الَّتي سَمِعَتها والَّتي وَعَظْتُها عن هذا الموضوعِ تَحديدًا والتي قادَتْها هي وزوجَها إلى اتِّخاذِ قَرارٍ بشأنِ وُجْهَتِهم استِنادًا إلى كلمةِ اللهِ. وخِلالَ تلكَ السَّنواتِ تَدَاخَلَ الرَّبُّ وبارَكَهُم جدًّا حَتَّى إنَّها قَطعتْ مَسافةً طويلةً بالرَّغمِ مِنَ الأحوالِ الجويَّةِ الصَّعبة جِدًّا كي تُعَبِّرَ عنِ امتِنانِها لي على الفَرحِ الَّذي اختبَرَتْهُ في زواجِها وعائلتِها. ولكنِّي لستُ أنا مَنْ يَستحِقُّ الشُّكرَ لأنَّ الحَقَّ الكامِنَ في كلمةِ اللهِ هو الَّذي صَنَعَ الفَرْقَ. وما لم يَقبَلِ النَّاسُ ذلكَ الحَقَّ، سيستمرُّونَ في الانحدارِ المُدَمِّرِ إلى أسفل والَّذي سيكونُ أسوأَ جِدًّا في المستقبل مِمَّا هو عليهِ الآن. ولا يَسَعُ المَرءَ إلَّا أن يُخَمِّنَ فقط ما ستكونُ عليهِ حَالُ الجيلِ القادِم. ومِنَ المُرعِبَ أن نُفَكِّرَ في ذلك.

والآن، لكي نتمكَّنَ مِن فَهْمِ ما يَقولُهُ اللهُ عنِ العائلةِ، فإنَّ أفضلَ مَكانٍ نَذهبُ إليهِ حَقًّا هو رسالة أفسُس والأصحاح الخامِس. فرسالةُ بولس إلى أهلِ أفسُس تُعطينا مَكانًا نَجِدُ فيهِ كُلَّ المادَّة اللَّازمة مُلَخَّصةً في مَكانٍ واحِد. وهي نُقطةُ انطلاقٍ عظيمة لنا. ففي نحوِ سنة 60 بعدَ الميلاد، كَتَبَ الرَّسولُ بولس هذه الرِّسالة وأرسلَها إلى القِدِّيسينِ في أفسُس. ورُبَّما لا تَذكُرُ المَخطوطةُ الأصليَّةُ الكلمة "أفسُس"، وأنَّها كانت رسالة دَوَّارة بينَ جَميعِ الكنائسِ في منطقةِ أَسِيَّا الصُّغرى الَّتي كانتِ الكنيسةُ في أفسُس أوَّلَ كنيسةٍ بين تلكَ الكنائس. ولكنَّ بولسَ كَتَبَ هذه الرِّسالة إلى المؤمنينَ في ذلكَ الجُزءِ مِنَ العالم. وواحدٌ مِنَ الأشياءِ الَّتي كانت على قَلبِهِ هو موضوعُ الزَّواج. فعندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ الخامسِ والعدد 18، تَقرأونَ عن مَوضوعٍ يَقودُكُم إلى العدد 22 وما يَليه حيثُ تَجدونَ الحديثَ عنِ العائلةِ والزَّواج. وسوفَ نتحدَّثُ عن أمورٍ كثيرة في هذه السِّلسلة على مَدى الأسابيعِ القادمة. وسوفَ نَتطرَّق إلى العديدِ مِنَ المواضيعِ ونَتأمَّلُ في الإعلانِ الإلهيِّ، ولكنَّنا سنستمرُّ في العودةِ إلى رسالة أفسُس والأصحاحِ الخامِس لأنَّها الأساسُ، ولأنَّها مِنَصَّةُ انطلاقٍ رائعة لنا.

ويجب عليكم أن تتذكَّروا أنَّ هذا ليسَ رأيًا بشريًّا. فأنا لستُ هُنا لكي أُقَدِّمَ لكم رأيي الشَّخصيّ. وأنا لا أُقَدِّرُ البَتَّة رأيي الشَّخصيّ. فكُلُّ ما أُريدُ أن أفعلَهُ هو أن أُريكُم ما تَقولُهُ كلمةُ اللهِ، والحِكمةَ التَّطبيقيَّةَ الَّتي تَنبُعُ مِنها. فهذه هي الكلمةُ الحاسِمَةُ بهذا الخُصوص. فنحنُ لسنا بحاجةٍ إلى خُبراء أو عُلماءِ نَفسٍ أو إلى اختصاصيِّينَ ومُحَلِّلينَ نَفسيِّينَ، وأشخاص مُختصِّينَ في أمورِ الزَّواجِ والعائلة، بل يمكنُنا أن نَذهبَ مُباشرةً إلى كلمةِ الله. ونحنُ لا نَبحثُ عن خِدَعٍ أو ألاعيب، بل نبحثُ عنِ الحَقِّ الَّذي يُمكِنُ أن يَصيرَ جُزءًا مِن حياتِنا. والآن، في هذه الرِّسالةِ الرَّائعة الَّتي نَعرِفُها جَيِّدًا، أيِ الرِّسالة إلى أهلِ أفسُس، عندما يَبتدئُ بولسُ بالتَّحَدُّثِ عن هذا الموضوع، فإنَّهُ يَبتدئُ (على الأقَلِّ بالنِّسبةِ إلينا في العدد 18) بنُقطةٍ جوهريَّةٍ مُهِمّةٍ جدًّا. ولنبتدِئ مِن هُناك.

فهو يَقول: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوح". وهذا هو المِفتاحُ الرَّئيسيُّ الَّذي يَفْتَحُ كُلَّ الأبواب. فَمِن ذلكَ المبدأ العَظيم يَنبُعُ التَّعليمُ إلى الزَّوجة في العدد 22، والتَّعليمُ إلى الأبوَيْنِ في العدد 25، والتَّعليمُ إلى الأبناءِ في الأصحاح 6 والعدد 1، والتَّعليمُ إلى الأبوَيْنِ في الأصحاح 6 والعدد 2. فكُلُّ ذلكَ التَّعليم عنِ الزَّواجِ والعائلةِ يَنبُع مِن هذا المبدأ في الأصحاحِ الخامِس والعدد 18. والحقيقة هي أنَّ هذا هُوَ أوَّل شَرْطٍ مِنَ الشُّروطِ المُسَبَّقَةِ العديدةِ لأيِّ زواجٍ ناجحٍ أو أيِّ علاقةٍ ناجحة. والمُفارَقة في ذلكَ العَدد، كَما تَرَوْنَها هناكَ ("لا تَسْكَرُوا بِالخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوح") هي مُفارقة كبيرة جدًّا وهائلة.

وإنْ فَتَحْتَ على الرِّسالة إلى أهلِ أفسُس وقرأتَ هذهِ الآية، قد تتوقَّف وتقول: "لماذا يُبايِنُ بينَ السُّكْرِ والامتلاءِ بالرُّوح؟" ما المقصودُ هُنا؟ عندما يَسْكَرُ النَّاسُ فإنَّهُم يَفقِدونَ قُدرتَهُم على ضَبْطِ أنفُسِهم ويَتصرَّفونَ تَصَرُّفاتٍ خارجة عنِ السَّيطرة. فهل يَقولُ: "أريدُ منكم أن تَفقِدوا السَّيطرةَ ولكِنْ ليسَ بالخَمرِ، بل بالرُّوحِ القُدُس؟" ما الَّذي يَقولُهُ هُنا؟ "أُريدُ أن تُخْضِعوا مَلَكاتِكُم لسيطرةِ الرُّوحِ القُدُس، لا للخَمْر"؟ فالخمرُ تَصْلُحُ لهذه المُقارنة. والجوابُ يَكْمُنُ في الخلفيَّة التَّاريخيَّة. لِذا، اسمَحوا لي أن أُقَدِّمَ لكم خَلفيَّة صغيرة:

كانت أفسُس، بِكُلِّ تأكيد، في أَسِيَّا الصُّغرى. وكانت الثَّقافةُ السَّائدةُ فيها هي الثَّقافة الهِلِّستينيَّة أوِ اليونانيَّة. وهي تُسَمَّى "هِلِّستينيَّة" (Hellenistic) لأنَّ الكلمة اليونانيَّة "إيليني" (hellen) تَعني: "أُمَم". ولكِنَّ اليونانيِّينَ كانوا يُؤمِنونَ بالإلَهِ الكبيرِ "زوس" (Zeus)، وكانَ لديهم هَيكلٌ للآلِهَة. وكانَ زوس واحدًا مِنَ الآلهة الَّتي يُبَجِّلونَها. وكانوا يُؤمِنونَ بأنَّ الإلهَ العظيمَ زوس قد أَنْجَبَ ابْنًا. وقد حدثَ ذلكَ بطريقة غريبة جدًّا. وسوفَ أُقَدِّمُ لكم خَلفيَّة صغيرة. فقد كانوا يُؤمِنونَ بأنَّ الطِّفلَ قدِ اختُطِفَ مِنْ رَحْمِ أُمِّهِ. واسْمُ الأُمِّ بِحَسَبِ الأسطورةِ الإغريقيَّة هو "سيميلي" (Semele). وقد اختُطِفَ الطِّفلُ مِنْ رَحْمِ سيميلي بينما كانت سيميلي تَحترِق لأنَّها اقتربَت أكثرَ مِمَّا ينبغي مِنْ مَجْدِ زوس الحارِق.

ولا أدري كيفَ زَرَعَ زوس هذا الابْنَ فيها بحسبِ الأُسطورة، ولكِنَّهُ فعلَ ذلكَ بطريقةٍ ما دونَ أنْ تَموت. ولكِنْ عندما حاولت أن تَقتربَ منهُ أكثر، احترقت. ولكي يَحْفَظَ زوس ابنَهُ، اخْتَطَفَهُ مِنْ رَحْمِها في أثناءِ احتراقِها. والطِّفلُ الإلَه، الَّذي لم يَكُنْ نُمُوُّهُ قدِ اكتَمَل، وُضِعَ في فَخْذِ زُوس وبقيَ هُناكَ إلى أنْ حانَ وقتُ وِلادَتِه. ولا بُدَّ أنَّ هذا يَفوقُ قُدرَتَكُم على التَّخَيُّل. لِذا، لدينا هُنا زوس وهذا الجَنين الَّذي ما زالَ في طَوْرِ التَّكَوُّن مَحفوظٌ في فَخْذِهِ. ثُمَّ إنَّ هذا الطِّفلَ الإلهَ الَّذي عَقَدَ زوس العَزمَ على أن يكونَ حاكِمًا للعالَم قد وُلِدَ في نِهايةِ المَطافِ مِنْ فَخْذِ زُوس، ولكنَّهُ اخْتُطِفَ مِنْ قِبَلِ الجَبابِرَةِ الحَاسِدين. وقد كانَ الجَبابِرَةُ في الأساطيرِ الإغريقيَّةِ يُدْعَوْنَ "أبناءَ الأرض". إذًا، فقدَ أَخَذَ الجَبابرةُ الابْنَ (أيِ ابْنَ زوس)، وَمَزَّقوهُ إرْبًا إرْبًا، وطَبَخوهُ، وأكلوه.

ولكِنَّ زوس عَثَرَ على قلبِ الطِّفْلِ (بحسبِ الأسطورةِ) وأَحْياهُ، فَوُلِدَ ثانيةً في هيئةِ "ديونيسيوس" (Dionysius). وإنْ دَرستُم يومًا الأساطيرَ الإغريقيَّة، ستقرأونَ الاسمَ "ديونيسيوس" كثيرًا. فقد عَثَرَ زوس على القلبِ وابتَلَعَهُ. وأخيرًا، تَشَكَّلَ القلبُ وصارَ ديونيسيوس، وَوُلِدَ ثانيةً. ثُمَّ إنَّ زوس ضَرَبَ الجَبابرةَ بالبَرْقِ فَأحرقَهُم جميعًا. وَمِنْ رَمادِهِم جاءَت كُلُّ البشريَّة. لِذا، هذه هي قِصَّةُ الخَلْقِ لديهم. ثُمَّ إنَّ ديونيسيوس صارَ شخصًا يَفوقُ كُلَّ البشرِ لأنَّ كُلَّ البشريَّة تَشَكَّلَتْ مِنَ رَمادِ الجَبابرةِ؛ في حين أنَّ "ديونيسيوس" (مَعَ "زوس") كانَ إلَهًا.

ثُمَّ إنَّ "ديونيسيوس"، بِحَسَبِ الأسطورةِ الإغريقيَّة، أَسَّسَ دِيانةً. وهي ديانة قائمة على النَّشوة (أو باليونانيَّة: إكستازيا “ekstasia”) والشَّهوة. وقد سادَتْ هذه البِدعة الَّتي أسَّسَها ديونيسيوس، أو هذه الدِّيانة القائمة على النَّشوة والشَّهوة بطريقة مَسعورة، سادَتْ في العالمِ اليونانيِّ والرُّومانيّ. وكانت تلك البدعة الدَّيونيسيوسيَّة صُورةً فاسِقَةً للعِبادة. وقد انتشرت وصارت سَائدةً. وكانَ العَابِدونَ يَقترفونَ أَقبحَ الخطايا بالأعضاءِ البشريَّة. وكانوا يَنغمسونَ في كُلِّ أشكالِ الانحرافِ الجنسيِّ بِمُصاحبةِ الموسيقا والرَّقصِ والاحتفال. وكان هناكَ عُنصُرٌ مُشتركٌ في كُلِّ مَظاهِرِ العبادةِ الدَّيونيسيوسيَّة وهو السُّكْر...السُّكْر. والحقيقة هي أنَّكَ إذا ذَهبتَ إلى الشَّرقِ الأوسط أو إلى العالَمِ الرُّومانيِّ القديم، سترى أنَّ ديونيسيوس يَقتَرِنُ بالعِنَب. فعندما يوجَدُ تِمثالٌ لديونيسيوس، أو نَصْبٌ تَذكاريٌّ لديونيسيوس، فإنَّهُ يَكونُ مَقرونًا دائمًا بعناقيدِ العِنَب لأنَّهُ صَارَ يُعْرَفُ بإلَهِ الخَمْر. وقد صارَ الاسمُ الإغريقيُّ "ديونيسيوس" يُعْرَفُ في اللُّغةِ الرُّومانيَّةِ أوِ اللَّاتينيَّة باسم: "باخوس" (Bacchus). فباخوس هو إلَهُ الخَمْرِ عندَ الرُّومان. وعندما يَنغمسُ النَّاسُ في حَفلاتِ السُّكْرِ المَسعورةِ هذهِ فإنَّها تُسَمَّى حَفلاتُ المُجون. وإن دَرستُم أيًّا مِن هذه الأمور ستجدونَ هذا المُصطلَح، حَتَّى في يومِنا هذا. أَحضِر مُعْجَمًا وابحث عنِ الكلمة "مُجُون"، ستَجِدُ أنَّها حفلاتٌ صَاخِبَة يُصاحِبُها سُكْرٌ. لِذا فقد كانَ العُنصُرُ الرَّئيسيُّ...كانَ العُنصُرُ الرَّئيسيُّ في العِبادة الوَثنيَّة هو السُّكر. فهكذا كانوا يُعَربدون. وهكذا كانوا يَتعامَلونَ معَ القُيودِ الطبيعيَّةِ المَفروضة عليهم. وهكذا كانوا يَتعاملونَ معَ شُعورِهِم الطَّبيعيِّ بالذَّنب. وهكذا كانوا يُخَدِّرونَ حَواسَّهُم إلى الحَدِّ الَّذي لا يَشعرونَ فيه بِوَخْزِ الضَّمير. وهكذا كانوا يَتخلَّصونَ مِنْ شُعورِهم بالقلقِ والخوفِ والذَّنبِ النَّاجِمِ عنِ اقترافِهم لهذهِ السُّلوكيَّاتِ المُريعةِ الَّتي كانوا يَشتركونَ فيها.

وهكذا كانوا يَحصُلونَ على نوعٍ مِنَ الابتهاجِ عِوَضًا عنِ الفَرحِ الحقيقيِّ فَيَنغمسونَ في هذا النَّوعِ مِنَ السُّلوكِ المُريع. فقد كانوا يَفعلونَ ذلكَ مِن خلالِ السُّكرِ وَفُقدانِ كُلِّ حَواسِّهم. لِذا فقد كانوا يُؤمنونَ بأنَّ السُّكْرَ هُوَ ببساطة: بَوَّابَةُ النَّشوةِ، أوْ بَوَّابةُ التَّعبيرِ الدِّينيِّ. وقد كانَ ذلكَ السُّكْرُ يَرفَعُ المُؤمِنَ أوِ العابِدَ إلى نُقطةٍ يَتمكَّنُ فيها مِنَ الدُّخولِ في شَرِكَةٍ كاملةٍ معَ الآلِهة. لِذا، فقد كانَ السُّكْرُ هُوَ المِفتاحُ للعِبادةِ والشَّرِكَةِ معَ الآلِهَة. وكُلَّما زادَتْ ثَمالَتُهم، زادت فُرصةُ أنْ يَدخُلوا في حالةِ "الإكستازيَا" (ekstasia) وَ "الإنثوزياسموس" (enthousiasmos)؛ وهُما كلمتانِ يونانيَّتانِ تُشيرانِ غالبًا إلى النَّشوةِ والمُجونِ المُرتبطَيْنِ بهذهِ الأنواعِ مِنَ المُمارساتِ المُرَوِّعَةِ والشَّيطانيَّة.

قبلَ سنواتٍ، عندما سافرتُ إلى إسرائيل، حَظَيْتُ بامتيازِ المُرورِ مِن مَعْبَرٍ خَاصٍّ مِن لُبنان باتِّجاهِ بيروت قبلَ الاتِّجاهِ شَرقًا في رحلة مُدهشة إلى مدينةِ دِمَشق. ودمشق موجودة في عُمْقِ الشَّرقِ الأوسط في تلكَ النُّقطة تحديدًا. وفي أثناءِ تَوَجُّهِنا إلى دِمَشق، حَظَيْنا بِفُرصةٍ مُدهشةٍ في طَريقِنا إلى دِمَشق للذَّهابِ إلى مَدينةِ "بعلبك" الَّتي كانت أقصى نُقطةٍ شَرقًا في الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة...الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة العظيمة المُمتدَّة حتَّى الشَّرق الأوسط...إلى الشَّرقِ مِن إسرائيل. وقد ذهبنا إلى مدينة بعلبك لأنَّهُ توجدُ فيها مجموعة مِن أروعِ الآثارِ الَّتي حُفِظَتْ هُناكَ وبَقِيَتْ قائمة حَتَّى الآن. وقد كانت لديهم مِسَلَّات مِنَ المُستحيلِ أن نَفهمَها. فمُحاولةُ فَهْمِ طَريقةِ صُنْعِهِم لها وطريقةِ تَحريكهم لها هي مُشكلةٌ عَويصةُ الفَهْم. فهي قِطَعٌ هائلةُ الحجمِ جدًّا مِنَ الحِجارة. وقد رأينا هناكَ أيضًا هَيكلاً عظيمًا تَمَّ تَرميمُه. وفي جَميعِ أرجاءِ هذا الهَيكل...وَهُوَ هَيكلٌ مُخَصَّصٌ للإلَه "جوبيتر" (Jupiter)...ولكِن في جميعِ أرجاءِ هذا الهيكل، هناكَ عَناقيدُ عِنَب تَتَدَلَّى مِنَ الأعمدة والأسطُحِ القائمةِ على الأعمدة في القِمَّة. ويقولُ لكم المُرشدونَ السِّياحِيُّونَ الَّذينَ يَصحبونَكُم إلى تلكَ الآثار إن هذا يُمَثِّلُ الإلَه باخوس، وإنَّ الرُّومانَ أقاموا هذا الهيكلَ في أقصى نُقطةٍ في إمبراطوريَّتهم. وَهُوَ مَعبدُ الإلَه باخوس الَّذي كانوا يُقيمونَ فيهِ حَفلاتِ العَربدة. والمُدهشُ بهذا الخُصوصِ (على سبيلِ المِثالِ) هو أنَّهُ توجد في وَسْطِ هذا المكانِ الضَّخمِ الَّذي كانوا يُمارِسونَ فيهِ هذهِ العِبادة منطقة مُزَيَّنة، ثُمَّ هُناكَ حُفرة...حُفرة عميقة كي يَتَقَيَّأَ النَّاسُ فيها في أثناءِ قِيامِهم بذلك ثُمَّ يَعودونَ إلى الانغماسِ في العَربدة أكثر فأكثر. وهذا سُلوكٌ لا يُصَدَّق كانوا يُؤمِنونَ بِهِ ويُمارسونَهُ في الهياكِلِ الَّتي يَصعَدونَ إليها ليكونوا في شَرِكَة معَ الآلهة. وهذا هو الشَّيءُ الَّذي كانَ يَدورُ في ذِهنِ بولس. والآن، ارجِعوا إلى العدد 18. وسوفَ تَجِدونَ أنَّ مَعناهُ صارَ مُختلفًا في ضَوْءِ تلكَ الخَلفيَّة. فهو يقولُ لهم: "لاَ تَسْكَرُوا بِالخَمْر. فَكُلُّ ما يَفعلُهُ هُوَ أنَّهُ يُنشئُ خَلاَعَةً. وكُلُّ ما يَفعلُهُ هو أنَّهُ يَجُرُّكُم إلى أسفل. فإن أردتُم أن تَكونوا في شَرِكَة معَ اللهِ، امتَلِئوا بالرُّوح. فديانَتُنا لا تَتحقَّقُ بِمِلئِهَا وغِناها وحقيقتِها مِن خلالِ السُّكرِ، بل مِن خلالِ الامتلاءِ بالرُّوح. لِذا، لا تَسكَروا بالخَمر، بلِ امتلئوا بالرُّوحِ القُدُس". وحَرفيًّا: "استمرُّوا دائمًا في الامتلاءِ بالرُّوح".

فإن أردتُم ديانةً حقيقيَّةً، وإن أردتُم شركةً حقيقيَّةً معَ اللهِ، وإن أردتُم أن تُمارسوا العبادةَ الحقيقيَّة، وإن أردتُم أن تعيشوا حياةً بَارَّة، وإن أردتُم أن تُرضوا اللهَ، يجب عليكم أن تمتلئوا بالرُّوح. فلا يجوزُ أن تَكونوا تحتَ هَيمنةِ الخمر، بل تَحتَ هَيمنةِ الرُّوحِ القُدُس. والنَّصُّ المُوازي لهذا مَوجودٌ في رسالة كولوسي 3: 16. ولكِنْ عِوَضًا عنِ القولِ: "امتَلِئوا بالرُّوح" فإنَّ بولسَ يَقول: "لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً" لأنَّ المَعنى في الحقيقة هُوَ نَفسُهُ. فعندما تُهيمِنُ كلمةُ المَسيحِ على حياتِكَ وتتجاوب معها بالطَّاعة، فإنَّ ذلكَ يَعني أنْ تَبقى خاضعًا للرُّوحِ القُدسِ الَّذي هُوَ، بِكُلِّ تأكيد، كاتِبُ الأسفارِ المُقدَّسة.

فإطاعةُ الكلمة تَعني الامتلاءَ بالرُّوح. فهو ليسَت تَصَوُّفًا، وليسَ نَشوةً مِن نَوعٍ مَا، وليسَ شيئًا يَستحوِذُ عليكَ ويَجعلُكَ تَتصرَّف تَصَرُّفاتٍ مُعَيَّنة مِن دونِ وَعْيٍ. وَهُوَ لا يَعني أنْ يُغمى عليكَ كما تُشاهدونَ غالبًا على شاشاتِ التِّلفزيون. وَهُوَ لا يعني أن تُبَرْطِمَ بكلامٍ غير مَفهوم. وَهُوَ لا يَعني أنْ تَنفَصِلَ عَن نَفسِكَ أو أن تَخرُجَ عنِ السَّيطرة. بل هو يعني ببساطة أن تبقى خاضعًا باستمرار للرُّوحِ الَّذي يَفعلُ ذلكَ مِن خلالِ الكلمة. وهذا يعني أنْ نُطيعَ الحَقَّ. لِذا، يجب علينا أن نَبتدئَ مِن تلكَ النُّقطة.

فأيًّا كانَ ما سنفعلُه في حياتِنا المسيحيَّة (سواءٌ أَكانَ زَواجًا أم تأسيسَ عائلة)، يجب أن يَنْبُعَ ذلكَ مِن حياةٍ يُهيمِنُ عليها الرُّوحُ القُدُس. لِذا فإنَّ المُجتمعَ لا يَمْلِكُ أيَّ فُرصة أو أيَّ رَجاء. فَالنَّاسُ لم يُولدوا ثانيةً. وَهُمْ لا يَعرِفونَ اللهَ. وَهُم لا يَملكونَ رَجاءً في إصابةِ الهَدَفِ أكثرَ مِن أولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ كانوا يُشَاركونَ في احتفالاتِ الإلَه باخوس. فهذا لن يَحدُث. فالعلاقةُ الزَّوجيَّة السَّليمة، والعلاقةُ العائليَّة السَّليمة تُبنَى على حياةٍ مَفْدِيَّة، وتَحصُل على القُوَّة والطَّاقة مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ مِن خلالِ إطاعةِ كلمةِ الله.

والآن، انظروا إلى العَدَدَيْن 19 و 20: "مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ". واسمحوا لي أن أقولَ لكم شيئًا: عندما يُهيمِنُ رُوحُ اللهِ على حياةِ المؤمِن، وعندما تكونُ هناكَ حياةٌ مُكَرَّسة لكلمةِ اللهِ وإطاعةِ كلمةِ اللهِ، سيكونُ هناكَ تَسبيحٌ. فهذا هوَ أوَّلُ شيء. فسوفَ يكونُ هناكَ تسبيح. وأعتقد أنَّهُ مِنَ الواضحِ أنَّهُ يُمكننا أن نَستنتِجَ أنَّ حياةَ العبادة وحياةَ التَّسبيح تَنبُعُ مِن قَلبٍ مُمتلئ بالفَرح. فالأمرُ بهذه البساطة. فإن أَرَيتَني شخصًا مُطيعًا، أيْ مُطيعًا لكلمةِ اللهِ، سأُريكَ شخصًا إيجابيًّا، وسعيدًا، ومُسَبِّحًا، وعابِدًا يَمتلئُ قَلبُهُ بالمَزاميرِ والتَّسابيحِ والأغاني الروحيَّة، ويُرَنِّمُ ويُرَتِّلُ في قَلبِهِ للرَّبِّ. وسأُريكَ شخصًا يستطيعُ أن يَنْسَجِمَ معَ أيِّ شخص.

فمِثلُ هؤلاءِ الأشخاصِ مُنهَمِكونَ تمامًا في الانْبِهارِ والمحبَّةِ والتَّسبيحِ لأنَّهم يَعبدونَ الرَّبَّ. والعدد 20 يُضيفُ قائلاً: "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ". وسوفَ أقولُ لكم شيئًا: مِنَ الصَّعبِ جِدًّا أن تُجادِلُ شخصًا شَكورًا على كُلِّ شيء...كُلِّ شيء. فإن أريتَني شخصًا مُمتلئًا بالرُّوحِ، سأُريكَ شخصًا سعيدًا، وسأُريكَ شخصًا شَكورًا، وشخصًا يُطيعُ كلمةَ اللهِ، وشخصًا مُمتلئًا بالفرحِ والتَّسبيحِ والعبادة، وشخصًا لا تَصْدُرُ عنهُ سِوى كلماتِ الشُّكرِ على كُلِّ شيءٍ صَنَعَهُ اللهُ. وَهُوَ شخصٌ تَحلو الحياةُ مَعَهُ. فهذهِ هي الخُلاصة. ونحنُ لا نَتحدَّثُ هُنا عن بعضِ الألاعيبِ الَّتي تَجعلُ زَواجَكَ ناجحًا. ونحنُ لا نتحدَّثُ عن نوعيَّةِ الأشياءِ الَّتي أقرأُها دائمًا. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ أنِّي قُلتُ لكم قبلَ سنواتٍ طويلة عن كِتابٍ قَرأتُهُ عنِ الزَّواجِ يَقولُ كاتِبُهُ: "إن أردتَ حَقًّا أن تتمتَّعَ بعلاقة رائعة بزوجَتِك، إليكَ هذا الاقتراحُ الجيِّد: اذهب واشتري لها "تيدي بير" (teddy bear)...تيدي بير ظَريفًا وصغيرًا...دُبًّا مِنَ النَّوعِ الطَّرِيِّ حَقًّا...وأحضِرهُ إلى البيت.

"لُفَّهُ بأوراقِ قَصدير وضَعهُ في الجُزءِ الخَلفيِّ مِنَ الفريزر". وقد جاءت هذه النَّصيحة في كِتاب. "ضَعهُ في الجُزءِ الخَلفيِّ مِنَ الفريزر. وقبلَ أنْ تَلُفَّ تيدي بير بورقِ القَصدير وتَضَعَهُ في الجُزءِ الخَلفيِّ مِنَ الفريزر، اكتُب كلماتٍ شاعِريَّةً وعاطفيَّة ثُمَّ ضَعْهُ هُناك"...رُبَّما خلفَ بَقايا أكلةِ اللَّازانيا القديمة. "وفي يومٍ ما، لا تَدري مَتى، عندما تَبحثُ زوجَتُكَ عن أكلةِ اللَّازانيا القديمة وتُخْرِجُ ذلكَ الطَّعام، سَتَجِدُ ذلكَ الشَّيءَ المُغَلَّفَ فتُخرِجُهُ وتَفتَحُهُ فَتَجِدُ تيدي بير مُجَمَّدًا، وتَجِدُ تلكَ الكلماتِ الرَّقيقة". ويقولُ الكِتابُ إنَّكَ عندما تَعودُ إلى البيتِ مِنَ العمل، ستكونُ هناكَ سعادة غامِرة. هل يَمزَحُ الكاتِبُ معي؟ فإنْ كانَ زواجُكَ سَيِّئًا، مِنَ الأفضلِ أنْ تَتَلَقَّى ضَربةً بتيدي بير غير مُجَمَّد. ونَصيحتي هي: اتْرُكْهُ دونَ تَجميدٍ كإجراءٍ احتياطيّ. ضَعْهُ في الخِزانة. ولكنَّنا لا نتحدَّثُ عن ذلك. فلا يُمكنُكَ أنْ تُصْلِحَ زَواجًا هكذا. ولا يُمكِنُكَ أنْ تُنشئَ علاقةً ذات مَغزى هكذا. فأنا أسمعُ اقتراحاتٍ طَوالَ الوقتِ مِثلَ: "اخُرج معَ زوجَتِكَ في موعدٍ غَرامِيٍّ"، أو "اصْحَبها لتناولِ العَشاء". ولا بأسَ في ذلك. ولكنَّ هذا لن يُصْلِحَ زواجًا لا يَسيرُ على ما يُرام. فهناكَ طريقة واحدة فقط لإنشاء علاقة سليمة بأيِّ شخصٍ وهي أن تَمتلئَ مِن روحِ اللهِ، وتَمتلئَ بالتَّسبيحِ والشُّكرِ للهِ كي يَفيضَ قَلبُكُ بالفرحِ. وهذا هو ما يَجعلُ الإنسانَ شخصًا يُمكِنُكَ أن تَعيشَ مَعَهُ، وشخصًا يَكونُ بَرَكَة لحياتِك.

وبصراحة، يجب أن يكونَ الشِّجارُ مَعَكَ أمرًا شِبْهَ مُستحيل لأنَّكَ مُبارَكٌ جدًّا، وتَفيضُ بالتَّسبيح، وتَفيضُ بالشُّكر، وتَفيضُ بنعمةِ اللهِ المُتَدَفِّقة، وتَفيضُ بهيمنةِ الرُّوحِ القُدُس. فأنتَ تَفيضُ مَحبَّةً، وفرحًا، وسلامًا، ولُطفًا، وصلاحًا، وإيمانًا، ووداعةً، وتَعَفُّفًا حَتَّى إنَّ شريكَ حَياتِكَ يَنْزَعِجُ مِن عدم قُدرَتِهِ على إثارةِ شِجارٍ مَعَك. فيجب أن يَبتدئَ الأمرُ مِن هُنا. وَالآن، مِنْ هذهِ الأشياءِ يَنبُع عُنصُرٌ آخر إذْ نَقرأ في العدد 21: "خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ المسيح". وهذا لا يعني أن تَخافَ مِنَ المسيح، بل إنَّ الآية تقولُ وَحَسْب: "خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ". والآن، رَكِّزوا معي: نحنُ لا نَتحدَّثُ هُنا...أوْ بالحَرِيِّ: إنَّ النَّصَّ لا يَتحدَّثُ هُنا عن خُضوعِ الزَّوجاتِ لأزواجِهِنَّ. والنَّصُّ لا يتحدَّثُ هنا عن خُضوعِ الأبناءِ لآبائِهم، بل يَتحدَّثُ عن كُلِّ شخص. ولكِنَّ هذا هو الأساسُ، يا أحبَّائي. فهذا هو ما يَجعلُ الزِّيجات ناجحة. فالمسألة رُوحيَّة هُنا. فهي ليست مسألة ذكاء، وليست مسألة أفكار، وليست مَسألة تَنظيم أنشطة، وليست مسألة شِراء هدايا لها أو شِراء هدايا لَهُ، وليست مسألة أنْ تَطْهو لَهُ وَجبَتَهُ المُفضَّلة. صحيحٌ أنَّهُ مِنَ اللَّطيفِ أن نَفعلَ هذه الأمور الصَّغيرة، ولكِن إنْ كانَ الشَّخصانِ يعيشانِ بحسبِ المعاييرِ الَّتي قرأناها للتَّوّ، لا يَهُمُّ إنْ كُنتَ تَفعلُ هذه الأمور أو لا تَفعلها. فهذه ليست الأشياء الَّتي تُنشِئُ فَرَحًا دائمًا في العلاقة.

ولكِنَّ الخُضوعَ يُنشِئُ فَرَحًا. ونحنُ نتحدَّثُ عن نوعٍ عامٍّ مِنَ الخُضوع بِغَضِّ النَّظرِ عن أيِّ علاقةٍ مُحَدَّدة في سِياقِ العائلة. وبالمُناسبة، فإنَّ الكلمة "اخضَعوا" هي كلمة تصويريَّة جدًّا: "هوبوتاسُّو" (hupotasso). وهي تعني: "يَخضَع لِـ"...يَخضَع لِـ. فهو مُصطلحٌ عَسكريّ. ونحنُ مَدعُوُّونَ إلى الخُضوعِ بَعضُنا لبعض. فهذا هو ما يَجعلُ العلاقاتِ ذات مَغزى: أنْ يكونَ المرءُ تحتَ هَيمنةِ رُوحِ اللهِ، ومُطيعًا لكلمةِ اللهِ، ومُمتلئًا فرحًا وتسبيحًا وشُكرًا للهِ على كُلِّ شيءٍ في حياتِهِ، وأن يكونَ مُستعدًّا لإخضاعِ إرادَتِهِ لكُلِّ شخصٍ آخر. فهذا هو ما نَقرأُ عَنْهُ هُنا. فنحنُ مَدعُوُّونَ إلى الخُضوعِ بَعضُنا لبعض. وبالمُناسبة، فإنَّ هذا المبدأَ سائِدٌ في الكتابِ المقدَّس. وَهُوَ يُعَبِّرُ عن فِكرةِ التَّواضُع، ويُعَبِّرُ عن فِكرةِ الوداعةِ الَّتي هي أساسيَّة جدًّا في شخصيَّةِ المُؤمِن. والآن، كيلا تَظُنّوا أنَّ هذه آية وَحيدة سَقَطَتْ سَهْوًا هُنا، يجب أن تَعلموا أنَّ الفكرة موجودة في كُلِّ العهدِ الجديد. فنحنُ نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 16: 16: "خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ". ونَقرأُ في الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 13: 17: "أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا". ونَقرأُ في رسالة بُطرس الأولى 2: 15 (أو بالحَرِيِّ في 2: 13): "فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ". ونَقرأ في رسالة بطرس الأولى 5: 5: "كَذلِكَ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ". ونقرأ في رسالة يعقوب 4: 7: "اخْضَعُوا للهِ". وَهُنا: "خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ".

وهذه هي فكرة التَّواضُع. ويُمكنكم أن تَرجِعوا إلى إنجيل يوحنَّا والأصحاح 13 وأن تنظروا إلى تلكَ القُدوة المُدهشة على ذلك إذْ إنَّ يسوعَ غَسَلَ أَرجُلَ تلاميذِهِ ثُمَّ قالَ لَهُم: "كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا". وكيفَ أَحَبَّهُم؟ بالقدرِ الَّذي جَعَلَهُ يَتواضَعَ (معَ أنَّهُ اللهُ المُتَجَسِّد) ويَغسِلَ الأَرْجُلَ المُتَّسِخَةَ لمجموعةٍ مِنَ التَّلاميذِ المُتَكَبِّرينَ الأنانيِّينَ الَّذينَ كانوا يَتجادَلونَ مَنْ سيكونُ الأعظمُ في الملكوتِ في حينِ أنَّ الرَّبَّ كانَ على وَشْكِ بَذْلِ حَياتِهِ لأجلِهم.

ويُمكنكم أن تَنظروا إلى رسالة فيلبِّي والأصحاح الثَّاني وأن تَرَوْا الشَّيءَ نَفسَهُ: "لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ". فهذا هو المبدأُ السَّائد. فأيًّا كانَ الأشخاصُ الآخرونَ الَّذينَ بِرِفْقَتِكَ، فإنَّهُم أكثرُ أَهَميَّة مِنكَ. كما أنَّ مُمتلكاتِهِم، ورغباتِهِم، وحاجاتِهم، وحياتهم أَهَمُّ مِن حياتِكَ. لِذا، يجب أن تَضَعَ حياتَكَ جَانِبًا مِن أجلِهم. فهذه مسألة روحيَّة إذْ نَقرأُ في العددِ الرَّابع: "لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا". وهذا هو تَحديدًا موقفُ المسيحِ الَّذي "لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ...وَ...وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ". والآن، اسمعوني: إنْ كانتِ الزِّيجاتُ والعائلاتُ تُريدُ أن تُحَقِّقَ القصدَ الإلهيَّ، هذه هي القضايا الَّتي على المِحَكِّ هُنا. والأمرُ يَصيرُ مَسألةَ التزامٍ رُوحِيٍّ. فإن كُنَّا مُستعِدِّينَ لأن نُطيعَ كلمةَ اللهِ، وأن نَسمحَ لروحِ اللهِ أن يُهيمِنَ على حياتِنا، وإنْ كانت قُلوبُنا مُمتلئةً بمِثلِ هذا الفَرحِ الغامِرِ حَتَّى إنَّنا نُرَنِّمُ تَرانيمَ عنِ اللهِ، ونُغَنِّي أغانٍ رُوحيَّة عنِ اهتدائِنا، وتَرانيمَ عنِ الإنجيل، وكانت قُلوبُنا مُمتلئة دائمًا بالتَّرنيم، وإنْ كُنَّا شاكرينَ دائمًا على كُلِّ شيءٍ يَحدُثُ في حياتِنا، وإن كُنَّا نَخضَعُ بعضُنا لبعضٍ في خوفِ المسيح (أيْ بِدافِعِ التَّكريسِ للمسيح)، حينئذٍ...حينئذٍ ستكونُ لدينا علاقاتٌ ذات مَغزى. ولكِنْ بِمَعزِلٍ عنِ التَّكريسِ غيرِ الأنانيِّ للهِ، وبِمَعزِلٍ عنِ العَطاءِ غيرِ الأنانيِّ بعضُنا لبعض، لا يُمكن أن يَحدُثَ ذلك.

وإذا نَظرتُم إلى مُجتمعِنا اليومَ، يُمكنكم أن تَرَوْا أنَّ هذا هو السَّببُ المُحَدَّدُ لعدمِ حُدوثِ ذلك: لأنَّ العقليَّةَ اليومَ، والتَّوَجُّهَ السَّائدَ اليوم هو الكبرياء القائمة على الأنانيَّة. أليسَ كذلك؟ فِلِسانُ حَالِنا هُوَ: "سأبقى مَعَكَ ما دُمْتَ تُعطيني ما أُريد. وعندما تتوقَّف عن إعطائي ما أريد، سأُغادِر". فالتَّركيزُ اليومَ هو على الفَرديَّة، والحُقوق، والحُريَّات، والامتيازات، وتقديرِ الذَّات. وَكُلُّ هذا التَّفكيرِ الفَردانِيِّ يَكفي بِكُلِّ تأكيد لِهَدْمِ أيِّ زَواجٍ مُهمٍّ وعلاقاتٍ عائليَّة مُهمَّة. فَمِن خلالِ تَمَسُّكِنا بالحُقوقِ الَّتي أَقْنَعَنا بها دُعاةُ حُقوقِ الإنسانِ، ومِن خلالِ تَمَسُّكِنا بُحريَّتِنا الفِردانيَّة، خَسِرنا امتيازاتِ العلاقاتِ المُهمَّة. والثَّمنُ الَّذي سنَدفَعُهُ بسببِ سَعْيِنا وراءَ الحُريَّة في النِّهاية سيكونُ الانعزالُ والوَحدة. فالنَّاسُ يَصيرونَ مِثلَ الأشياء الَّتي تُستخدَمُ وتُطْرَحُ. وَهُم يَصيرونَ مِثلَ الغُرباء. والعائلاتُ صارت أَشبَهُ بمجموعةٍ مِنَ الأشخاصِ المُنفصلينَ الَّذينَ يَعيشونَ في فُندق. فَهُم يُبالونَ بتحقيقِ الذَّاتِ أكثرَ مِنَ العطاءِ، ويَرغبونَ في الحصولِ على الأشياءِ الماديَّةِ أكثرَ مِنْ إنشاءِ العلاقات. وَهُم يَتوقونَ إلى الاستقلالِ أكثرَ مِنَ الالتصاق. وَهُم يَهتمُّونَ بأنفسهم أكثرَ مِن أيِّ شخصٍ آخر. والحقيقةُ هي أنَّهم يَهتمُّونَ حَصريًّا بأنفسهم. وَهُم يَنظرونَ إلى الزَّوجاتِ والأزواجِ كَعِبْءٍ، وكعائقٍ يَحُوْلُ دُونَ حُصولهم على حُريَّتهم الشَّخصيَّة وتحقيقِ ذواتِهم. وَهُم يَنظرونَ إلى أبنائهم كعائقٍ يَحُوْلُ دُونَ تَحقيقِ أنانيَّتِهم الطَّاغية. ولكنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَقول: إنِ اخترتُم أن تعيشوا هكذا، يُمكنكم أن تُوَدِّعوا العلاقاتِ المُهمَّة إلى الأبد.

فالعائلاتُ، والزِّيجاتُ السَّليمة المُهِمَّة جدًّا للمُجتمعِ وَحِفظِه...اسمعوني: والمُهِمَّة جدًّا للإنجازِ الحقيقيِّ في الحياة، لا يُمكِن أن تتحقَّق إلَّا إذا كانت مواقِفُكَ غير أنانيَّة، وإلَّا إذا كُنتَ تُضَحِّي دائمًا برغباتِكَ الشَّخصيَّة لأجلِ الآخرين. أمَّا إن لم يكن ذلكَ يَحدُث، لا يُمكن أن تكونَ هناكَ علاقات سليمة. فلا يُمكنُ لأيِّ تِصادُمٍ بينَ فَرْدَيْنِ أنانيَّيْنِ مُستقلَّيْنِ أنْ يَبني علاقة. فهي معركةٌ قائمةٌ على جِهادِ الأشخاصِ لأجلِ الاتِّضاع. فهذا مُهِمٌّ. وهذا هو المِفتاحُ الَّذي يَجعلُ جَميعَ العلاقاتِ مُمتلئةً بالرُّوح، والَّذي يَجعَلُنا نُكَلِّمُ بعضُنا بعضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، والَّذي يَجعلُنا شاكِرين، والَّذي يَجعَلُنا خاضِعين. هذه الأشياءُ الأربعة فقط. فهذا هو الأساس. وهذهِ هي النُّقطةُ الَّتي ينبغي أن تَبتدئوا مِنها في تَحقيقِ هذا الأمرِ بِرُمَّتِه.

فعندما يكونُ هناكَ أُناسٌ يَسلُكونَ في الرُّوحِ ويُتَمِّمونَ كلمةَ اللهِ في طَاعَةِ الحَقِّ، وعندما يكونُ هناكَ أُناسٌ يُغَنُّونَ في قُلوبِهم وبِشِفاهِهِم أيضًا، وعندما يكونُ هناكَ أُناسٌ يَشكرونَ على كُلِّ شيءٍ يَحدُثُ في حياتِهم، وعندما يكونُ هناكَ أُناسٌ يَتوقونَ إلى، ويَنتهزونَ كُلَّ فُرصةٍ سَانِحَةٍ كي يَتَّضِعوا ويَبذُلوا أنفسهم لأجلِ مَنْ حَولِهم، حينئذٍ فقط تكونُ هناكَ علاقاتٌ سليمة. فهكذا تَبْنونَ العلاقات. والنَّاسُ يَسألونني: "ما مِفتاحُ نَجاحِ زَواجِكَ" أو: "ما مِفتاحُ نَجاحِ عائلتِك"، أو: "كيفَ تُحافظونَ على هذهِ الحَميميَّة في العائلة"، أو: "كيفَ تُحافِظانِ أنتَ وزوجَتُكَ على هذه العلاقة الوطيدة وهذه العلاقة الرَّائعة بينكُما؟" ويُمكنني وَحَسْب أن أعودَ إلى هذه المبادئ الكِتابيَّة. فلا يوجد سِحْرٌ، ولا توجد صِيغة، ولا تُوجد ألاعيب. والمسألةُ لا تتوقَّف على عددِ المَرَّاتِ الَّتي فَعلنا فيها هذا الأمر، أو على عددِ المَرَّاتِ الَّتي فَعلنا فيها ذلكَ الأمر، أو على الشَّخصِ المسؤول عن كذا، أو على العمليَّاتِ أوِ الطُّرقِ الَّتي استخدمناها؛ بل إنَّ الأمرَ يتوقَّفُ، ببساطة، على القلبِ وَيَبتدئُ بِه. فهل أنا مُكَرَّسٌ لإطاعةِ رُوحِ الله؟ وهل أنا مُكَرَّسٌ للتأثيراتِ المُهَيمِنَةِ لِكلمةِ الله؟ وهل سَأعيشُ حياةً مَسيحيَّة؟ لأنَّ هذا هو المطلوب. وهل أنا مُمتلئٌ بالفرحِ والسَّعادة؟ أَم أنِّي بَغيضٌ ومُشاكِسٌ وغيرُ لَطيفٍ وغيرُ شَكور؟ أَم أنَّ قلبي مُمتلئٌ بالفرحِ الَّذي يَلمَسُ كُلَّ شخصٍ مِن حَولي، ويَجعلُني جَذَّابًا، ويَجعلُ كُلَّ شيءٍ أُوْمِنُ بِهِ وأُحِبُّهُ جَذَّابًا لهم؟ وهل أنا شَكورٌ على كُلِّ شيءٍ في الحياة؟ وعلى كُلِّ صُعوبةٍ، وسُوْءِ فَهْمٍ، وكُلِّ سُوء مُعاملةٍ تَحْدُثُ في حياتي وعائلتي وزواجي؟ هل سأكونُ شكورًا على ذلك وأقبلُ كُلَّ ذلكَ بفرحٍ في قلبي؟ وهل سأُخضِعُ نفسي لهم؟ وهل سأدخُلُ حَياتَهُم وأفعلُ كُلَّ ما يُرضيهم؟ فهذه هي نوعيَّةُ الأمورِ الَّتي ينبغي أن نَطرَحَها. وإن لم نَبتدئ مِن هُناكَ، فإنَّ البقيَّةَ بِلا رَجاء. والآن، إن نَظرتُم إلى ذلكَ ونَظرتُم إلى مُجتمعِنا، يُمكنكم أن تَرَوْا أنَّهُ لا يوجد طريق...لا يوجد طريق. فهناكَ أشخاصٌ مُنغمسونَ في الإثم. فَهُم ليسوا مُهتَمِّينَ بكلمةِ الله. وَهُم مُنغمسونَ في القيامِ بِكُلِّ ما تُمليهِ عليهم شَهواتُهم أن يَفعلوه، ويُلَبُّونَ رَغباتهم الشَّخصيَّة في كُلِّ مكانٍ إذْ يُمارسونَ الزِّنى، والشُّذوذَ الجِنسيَّ، وكُلَّ ما يَحلو لَهُم. وهناكَ أشخاصٌ لا يَشعرونَ بأيِّ فَرَح، أو رُبَّما يَشعرونَ بفرحٍ قليلٍ جدًّا. وعادةً ما يَشعرونَ بِهِ بسببِ زُجاجةِ خَمْرٍ، أو بسببِ عَلاوةٍ حَصلوا عليها في العمل، أو لأنَّهم سيذهبونَ في رِحلةِ صَيدٍ، أو لأنَّهم مَرُّوا بتجربةٍ رائعةٍ في مكانٍ ما؛ ولكنَّ قلوبهم بصورةٍ عامَّةٍ ليست مُمتلئة بالفرحِ الغامِرِ طَوالَ الوقت. وأنا لا أُحَلِّلُ مُجتمَعَنا هكذا. فهو مُجتمعٌ مُحْبَطٌ جدًّا.

فَالنَّاسُ لم يكونوا شَكورينَ يومًا، ولم يَكْتَفوا يومًا. وَهُم ليسوا مُستعدِّينَ لتقديمِ أيِّ شيءٍ لأيِّ شخصٍ آخر. فَهُم يُريدونَ أن يَفعلوا مَشيئَتَهُم فقط. لِذا، لا توجد فُرصة أمامَهُم. ويُمكنُكم أن تُضيفوا إلى ذلكَ الأكاذيبَ الأيديولوجيَّة، والحُصونَ والظُّنونَ البشريَّةَ الَّتي تَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ (كما يَقولُ بولُس في رسالتهِ الثَّانية إلى أهلِ كورنثوس والأصحاحِ العاشِر). وهي الأيديولوجيَّاتِ الَّتي تَختصُّ بالنَّزعةِ الإنسانيَّةِ، والحُريَّةِ الجنسيَّةِ، وحَركةِ التَّحرُّرِ، والجنسيَّةِ المِثليَّةِ، وكُلِّ تلكَ الأشياءِ الَّتي تُدَمِّر العائلة. وهي الأيديولوجيَّة الَّتي تقولُ إنَّكَ لستَ بحاجة إلى أن تتزوَّج إذْ يُمكِنُكَ وَحَسْب أنْ تُمارسَ الجِنسَ إلى أنْ تَمَلَّ مِنَ الجِنسِ، ثُمَّ يُمكنكَ أن تَعثُرَ على شخصٍ آخر لستَ ضَجِرًا مِنْهُ لتُمارِسَ المَزيدَ مِنهُ. والفِكرةُ بأنَّكَ تَستطيعُ أنْ تُعاشِرَ النِّساءَ في كُلِّ مَكانٍ وأنْ تَترُكَهُنَّ معَ أطفالِهِنَّ في كُلِّ مَكانٍ، وأنَّهُ لا بأسَ في ذلك، ولا ضَيْرَ في ذلك، وأنَّ ذلكَ رائع، وأنَّنا نَقبلُ ذلك. وَلكِنَّ كُلَّ تلكَ الأيديولوجيَّاتِ الَّتي تَتَّحِدُ معَ هذه الأنانيَّة الشَّخصيَّة لا تَفعلُ شيئًا سِوى الدَّمار والخَراب التَّامّ. والآن، لِنَعُد إلى فِكرةِ الخُضوعِ هذِهِ بِرُمَّتِها إذْ أَوَدُّ أن أتحدَّثَ عنها أكثر. انظروا إلى رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 11. وسوفَ نَتَعَمَّقُ في ذلكَ أكثر قليلاً عندما نَتحدَّثُ عنِ الأزواج. وقد يُسيءُ أحدُ الأشخاصِ فَهْمَ هذهِ النُّقطة فيقول: "حسنًا! مَهلاً مِن فضلِك! إنْ كانَ الجميعُ يَخضعونَ، لن يكونَ هناكَ شخصٌ مَسؤول". وأودُّ فقط أن أُجيبَ عن هذا السُّؤالِ باختصار:

لقد وَضعَ اللهُ سُلطةً في العائلة. ففي الرِّسالة الأولى إلى أهلِ كورنثوس 11: 3، يَقولُ بولس: "وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ". فنحنُ لا نقولُ إنَّهُ لا توجد سُلطة في العائلة، بل هُناكَ سُلطة. وهُناكَ سُلطة على مُستوى الأبِ. وهُناكَ سُلطة على الأبناء في المُستوى الأبويّ. ونحنُ نَفهمُ ذلك. ونحنُ لا نَتحدَّثُ عنِ مسؤوليَّةِ القِيادة، ولا نَتحدَّثُ عن مسؤوليَّةِ الرِّعاية والحماية الَّتي هي أساسُ تلكَ السُّلطة. ونحنُ لا نتحدَّثُ عن سُلطةِ تَعليمهم وتنشئتهم ورعايتهم في الرَّبِّ عندما يَختصُّ الأمرُ بالأبناء. بل إنَّ ما نَتحدَّث عنهُ هُنا هو هذا النَّوع مِنَ الخُضوعِ المُتبادَل الَّذي يَقول: "معَ أنِّي قد أكونُ قائِدًا لكم، وحاميًا لكم، ومُسَدِّدًا لاحتياجاتِكم، فإنَّ أشواقَكُم ورغباتِكُم القلبيَّة واحتياجاتِكم تَحْصُرُني أكثرَ مِنَ الأمورِ المُختصَّةِ بي شخصيًّا". فهذا هو ما يُحَقِّقُ التَّوازُنَ المَطلوب. فأنا لا أتخلَّى عن مسؤوليَّتي بِصِفَتي زوجًا ينبغي أن أقودَ زوجتي، وأرعاها، وأحميها، وأهتمَّ بها. وأنا لا أتخلَّى عن مسؤوليَّتي بِصِفَتي أبًا ينبغي أن أَسُدَّ حاجاتِ أبنائي، وأنْ أحميهم، وأن أُرشِدَهُم، وأن أقودَهُم، وأن أُؤدِّبَهُم، وأن أَبني لديهم الثِّقة بالنَّفس. ولكنِّي أفعلُ ذلكَ...أنا أفعلُ ذلكَ مِن مُنطلقِ ذلكَ الشَّغف الموجود في قلبي بأنَّ إقراري بذلكَ يَخْدِمُ بصورةٍ أفضل احتياجاتِهم. لِذا، أيًّا كانتِ احتياجاتُهم، سيكونُ لديَّ رغبة قلبيَّة في سَدِّ حاجاتهم حَتَّى لو على حِسابِ التَّضحيةِ بحاجاتي إنْ كانَ قلبي سليمًا. وأنا أقولُ ذلكَ كأيِّ شخصٍ مِنكُم.

والصُّورةُ الكاملةُ لذلكَ موجودة هُنا في العددِ الثَّالث إذْ نَقرأُ أَنَّ المسيحَ هو رَأسُ كُلِّ رَجُل، وأنَّ اللهَ هُوَ رَأسُ المَسِيح. وهل هذا يعني أنَّ اللهَ يَتفوَّقُ على المسيح؟ لا. وهلِ اللهُ يَختَلِفُ في الجَوهرِ عنِ المسيح؟ لا. وهلِ اللهُ والمسيحُ واحد؟ أجل. فهذا يعني، ببساطة، أنَّهُ في تَدبيرِ الفِداءِ فإنَّ المسيحَ أَخضَعَ نَفسَهُ لِمَقاصِدِ الآبِ وخُطَّتِهِ وقُدرتِه. ومُنذُ ذلكَ الحين فإنَّهُ مُساوٍ لَهُ؛ ولكنَّهُ خَاضِعٌ لَهُ. والآبُ كانَ دائمًا مُرْهَفَ الحِسِّ لقلبِ الابْن.

فالمسيحُ خَضَعَ تمامًا وطَوعًا لحاجاتِ الإنسانِ، وأخضَعَ نَفسَهُ لمقاصِدِ الآبِ، وجاءَ وأظهرَ حَقًّا أعظمَ مَحَبَّةٍ مُضَحِّيةٍ في الوُجود إذْ إنَّهُ ماتَ على الصَّليبِ لكي يُرضي الآبَ ويَسُدَّ حاجَتَنا. فقد كانَ رَبًّا على البشريَّة، وكانَ السَّيِّدَ الَّذي أَخْضَعَ نَفسَهُ. وقد كانَ المَلِكُ الَّذي صارَ خادِمًا. وقد كانَ الرَّجُلُ الغَنِيُّ الَّذي افْتَقَرَ. وقد كانَ بِلا خطيَّة ولكنَّهُ حَمَلَ خَطايانا. وقد كانَ رَئيسُ الحياةِ الَّذي ارْتَضى أنْ يَموتَ. وقد كانَ اللهُ الَّذي ماتَ لأجلِ الإنسان. فهذا هو الموقفُ القَلبيُّ. ولا شَكَّ في أنَّهُ رأسُ الإنسانِ؛ وبالرِّغمِ مِن ذلكَ فإنَّهُ خادِمُ الإنسان. والصُّورةُ هُنا في العددِ الثَّالثِ هي صُورة رائعة: فقد كانَ مُعادِلاً للهِ، لكنَّهُ خَضَعَ للهِ. وقد كانَ أعلى مِنَ الإنسانِ ولكنَّهُ خَضَعَ للإنسانِ ولحاجَةِ الإنسانِ. فقد تَنازَلَ لكي يُلاقي الإنسانَ في أعمقِ نُقطةٍ مِن حاجَتِه. وفي كِلتا الحَالتين، نَرى صُورةً على خُضوعِ يسوعَ لمشيئةِ الآبِ وحاجةِ الإنسان. وحَتَّى عندما كانَ يُصَلِّي بِلَجاجةٍ وَعَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ، قالَ: "لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ".

ولَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَقول: "وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ [في رسالة رُومية] مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَة". فهذه هي الفِكرة. هذه هي الفِكرة. فقبلَ أن نتحدَّثَ عن دَوْرِ الزَّوجة، أو عن دورِ الزَّوج، أو عن دورِ الأبوَيْنِ، أو عن دورِ الأبناء، يجب علينا أن نتحدَّثَ عن دورِ كُلِّ الأشخاص. ففي المسيحِ، أنتُم مُتساوونَ أمامَ اللهِ، ولكِن يجب عليكم أن تَخضعوا. ففي كُلِّ علاقاتِنا، هُناكَ مُساواة رُوحيَّة، وهُناكَ سُلطة رُوحيَّة، ويجب أن يكونَ هُناكَ رُوحُ خُضوع. ففي رسالةِ غَلاطيَّة (حَتَّى نَستكمِل هذه الفِكرة)، في رسالة غلاطيَّة 3: 26، مِنَ المُهِمِّ أن نُلاحِظَ ما يَلي: "لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ". ثُمَّ نَقرأُ ما يَلي: "لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوع". فعندما يَختصُّ الأمرُ بالجانبِ الرُّوحِيِّ، نحنُ جميعًا واحِد. فحيثُ إنَّ زوجتي مُؤمِنة، وإنَّ أبنائي مؤمنون، فإنَّنا جميعًا مُتساوونَ في المسيح. فلا أحدَ مِنَّا يَتفوَّقُ رُوحيًّا على الآخر، بل نحنُ جميعًا مُتساوونَ في المستوى الرُّوحِيّ. وبالرَّغمِ مِن ذلك، هُناكَ سُلْطَة في تلكَ العائلة مُعطاة إلى الأبِ ومُعطاة إلى الأبَوَيْن. وهذا لا يُلغي المُساواة الرُّوحيَّة. ولكِنَّ الأمرَ ببساطة: واجبٌ، ودَوْرٌ، ومَهَمَّة مِن أجلِ أفضلِ عِنايةٍ بهذه الوَحدة الَّتي رَتَّبَها اللهُ. والأمرُ نَفسُهُ يَصِحُّ على الكنيسة. فنحنُ جميعًا واحدٌ في المسيح. "لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ، لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ في الكنيسة. فسواءٌ أكُنتَ رَجُلاً أَمِ امرأةً، مَرؤوسًا أم رَئيسًا في عَمَلِك، غَنِيًّا أَم فَقيرًا، مِن هذهِ الثَّقافةِ أو تِلكَ، فإنَّنا جميعًا واحدٌ فِي المَسيح. وبالرَّغمِ مِن ذلك، معَ أنَّنا مُتساوونَ رُوحيًّا، فإنَّنا نَقرأُ في الرِّسالةِ الأولى إلى تيموثاوس 5: 17: "أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ". ونَقرأُ في الرِّسالةِ الأولى إلى أهلِ تَسالونيكي 5: 12 و 13: "ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ". ونَقرأُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 20: 28 وَصِيَّةً للشُّيوخِ بأنْ يَرْعَوْا الرَّعيَّة. ونَقرأُ في رسالة بُطرس الأولى والأصحاحِ الخامس: ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ". ونَقرأ في الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين والأصحاح 13 أنَّهُ يجب على الشُّيوخ أن يعيشوا حياةَ إيمان، وأنَّهُ يجب على الرَّعيَّة أنْ تَقتدي بهم. فالكِتابُ المُقدَّسُ يَقولُ للرَّعيَّة إنَّ هؤلاءِ الشُّيوخَ مَسؤولونَ عنهم في الرَّبِّ ويجب عليهم أن يُقَدِّموا حِسابًا للهِ. فهُناكَ مُساواة على المُستوى الرُّوحِيِّ، ولكِنَّ المسؤوليَّاتِ مُختلفة. ولكِنْ حَتَّى في أثناءِ قيامِنا بهذه المسؤوليَّاتِ، يجب علينا أن نَعملَ بروحِ الخُضوع. وأعتقد أنَّهُ يُمكنُني أن أُقَدِّمَ لكم مَثَلاً حَيًّا جدًّا على ذلك لأنَّهُ مَثَلٌ واضحٌ جدًّا في هذا المساء إذْ إنَّني أقِفُ هُنا، وقد أُعطيتُ سُلْطةً عليكُم مِن خلالِ تَعليمِكُم كلمةَ اللهِ. فأنتُم تَجلسونَ في مَوقعِ الخُضوع. وقد يَستنتجُ أحدُ الأشخاصِ أنِّي زَعيمٌ غَوغائِيٌّ، وأنِّي شخصٌ مُتَسَلِّطٌ يَقِفُ هُنا، وأنَّكُم جميعًا تَجلسونَ هُناكَ وتَفعلونَ ما تَفعلون، وأنَّ هُناكَ تَفاوُتا بينَنا رُوحيًّا. ولكِنَّ هذا غير صَحيح. فنحنُ مُتساوونَ رُوحيًّا. وأنا أُعطيتُ وَحَسْب مَسؤوليَّةً وواجبًا بأن أقومَ بهذه المَهمَّة. وليسَ هذا فحسب، بل يجب عليَّ أن أقومَ بهذه المَهمَّة مِن خلالِ الاهتمامِ بِكُم أكثرَ مِمَّا أهتمُّ بنفسي.

فما يَدفعُني إلى القيامِ بما أفعلُهُ هو ليسَ أنا، بل أنتم. هل تَفهمونَ ذلك؟ وهذهِ هي الطَّريقة الَّتي يَحدُثُ بها الأمرُ في العائلة. وأنا أَعرفُ حَتْمًا هذا الأمر. وأنا لستُ واقفًا هُنا كي أقولَ لنفسي هذا الكلام، بل أنا واقفٌ هُنا كي أقولَ لكُم هذا الكلام لأنِّي أَهتمُّ بكم. وهكذا ينبغي أن يَتِمَّ الأمرُ في الزَّواج. فنحنُ جميعًا نَخضَعُ في الزَّواج بالرَّغمِ مِن أدوارِنا المُختلفة. وهناكَ مَقطَعٌ كِتابيٌّ آخر يَخْطُرُ بِبالي في أثناءِ وَضْعِنا لهذا الأساسِ في هذا المساءِ وهو رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح السَّابع. وهذا مَقطعٌ مُدهشٌ جدًّا عنِ الخُضوعِ المُتبادَل في الزَّواج. وهو يُؤكِّدُ هذه النُّقطة إذْ نَقرأُ في العددِ الأوَّل: "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً". وما يَقولُهُ هُنا هو أنَّ العُزوبيَّةَ جَيِّدة. فقد كانت هناكَ بعضُ الأسئلةِ الَّتي يَطْرَحُها مُؤمِنو كورِنثوس مِثلَ: هل ينبغي للمرءِ أن يتزوَّج أَم أنَّهُ لا يَنبغي أن يَتزوَّج؟ وَهَلُمَّ جَرَّا. وَهُوَ يقولُ إنَّ العُزوبيَّةَ جَيِّدة. فهي ليست سَيِّئة. فلا بأسَ بها. وَالعِبارة "لا يَمَسَّ امرأةً" هي عِبارة مُهَذَّبة تُشيرُ إلى العلاقةِ الجنسيَّةِ أوِ الاتِّحادِ الجسديِّ في الزَّواج. لِذا فإنَّهُ يَقولُ: "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا...". فَمِنَ الواضحِ أنَّهم كانوا يَتساءلونَ عن ذلك "...فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يُمارِسَ تلكَ العَلاقة". فهذا أمرٌ حَسَنٌ، ولا بأسَ بِهِ، ولا غُبارَ عليه. وبالمُناسبة، فإنَّهُ يُوَضِّحُ لاحقًا هذه النُّقطة في العدد 26 إذْ يَقول: "فَأَظُنُّ أَنَّ هذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ، أَنَّهُ حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هكَذَا"؛ أيْ أنْ يَبقى عازِبًا، أوْ أنْ يَبقى على تلكَ الحال. فهذا حَسَنٌ.

وَهُوَ يقول في العدد 29: "فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ، وَالَّذِينَ يَبْكُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَبْكُونَ، وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَفْرَحُونَ، وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُون، وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُول". فهو يَقول: أنتُم تَعيشونَ في أوقاتٍ عصيبة. لِذا، لا تَتَمَسَّكوا بهذه الأشياء. ثُمَّ إنَّهُ يَقول في العدد 32: "فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ". اسمعوني يا أحبَّائي: إنَّ الزَّواجَ لَهُ تَعقيداتُه. فلا يُمكنكَ أن تكونَ مُتُفَرِّغًا تَمامًا لِخدمةِ الرَّبِّ لأنَّهُ ينبغي لكَ أنْ تَهتمَّ بزوجتِك. وفي العدد 34: "فاهتِمامُهُ مُنْقَسِمٌ. كذلكَ غَيْرُ المُتزوِّجةِ والعَزباءُ..." (والعِبارة "غير المُتزوِّجة" هُنا تُشيرُ إلى المرأة المَطَلَّقة. والكلمة "عَزباء" تُشيرُ إلى الفتاةِ الَّتي لم تَتزوَّج قَطّ) "...تَهتمَّان بأمورِ الرَّبِّ وَهَدَفُهُما أن تَكونا مُقَدَّسَتَيْنِ جَسَدًا وَرُوحًا. أَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ بأمورِ الْعَالَمِ وَهَدَفُها أن تُرْضِي زَوجَها". لِذا، إنْ أردتَ أن تَبقى أعزبًا، مِنَ الرَّائعِ أن تَبقى أعزبًا. فهذا يُساعِدُكَ أكثر على التَّركيزِ على الخِدمة. وهذا ليسَ أمرًا مُلْزِمًا، ولكنَّهُ بِكُلِّ تأكيدٍ ليسَ أمرًا سَيِّئًا، بل هو أمرٌ حَسَن.

وقد كانَ بعضٌ مِنَ اليهودِ الأرثوذكس في زمنِ بولس يُؤمنونَ بأنَّ الزَّواجَ شيءٌ إلزاميّ. فإن لم يتزوَّج الرَّجُلُ ويُنجِب أبناء، كانَ اليهودُ يقولونَ إنَّهُ قَتَلَ ذُرِّيَّتَهُ، وإنَّهُ شَوَّهَ [بسببِ ذلك] صُورةَ اللهِ في العالَم. والفِكرةُ هي أنَّهُ يجبُ عليكَ أن تُعطي صُورةً حَسَنَةً عَنِ اللهِ. وحيثُ إنَّ صُورةَ اللهِ موجودة في كُلِّ شخص، يجب عليكَ أن تُنْجِبَ أشخاصًا. أمَّا إن لم تتزوَّج فإنَّكَ تَقتُلُ ذُرِّيَّتَكَ وتُشَوِّه صُورةَ اللهِ في العالَم.

وَحَتَّى إنَّ اليهودَ كانوا يقولونَ إنَّ هُناكَ سَبعةَ فِئاتٍ مِنَ الأشخاصِ مَحرومونَ مِنَ السَّماءِ. وأوَّلُ فئةٍ في هذه اللَّائحةِ تَضُمُّ اليهودَ الَّذينَ لم يتزوَّجوا. والفئةُ الثَّانيةُ تَضُمُّ النِّساءَ اللَّاتي لم يُنْجِبْنَ. ومِنَ الخَطيرِ جدًّا أن تقولَ لشخصٍ إنَّهُ لن يَدخُلَ السَّماءَ في هذه الأحوال. ورُبَّما كانَ هذا هو السَّببُ في طَرحِ هذهِ الأسئلةِ. وبولسُ يَقول: إنَّ العُزوبيَّةَ أمرٌ حَسَن، ولا خطأَ في ذلك. ولكنَّهُ يقولُ في العددِ الثَّاني: "وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا". وما يَقولُهُ هنا هو إنَّهُ أمرٌ حَسَنٌ أن تَبقى أعزبًا، ولكنْ لأنَّ الشَّخصَ الأعزبَ قد يُجَرَّبَ في أنْ يَزني، مِنَ الأفضل أن يتزوَّج. فهذه هي القاعدة العامَّة لأجلِ العِفَّة، وبحسبِ سِفْرِ التَّكوين 1: 28: لأجلِ التَّناسُلِ بِكُلِّ تأكيد. وبحسبِ سِفْرِ التَّكوين 2: 18: لأجلِ الشَّرِكة (مُعينًا نَظيرُه). وبحسب سِفْرِ نَشيد الأنشاد والرِّسالة إلى العِبرانيِّين 13: 4: لأجلِ المُتعة. فهو حَسَنٌ لأجلِ العِفَّةِ، والتَّناسُلِ، والشَّركةِ، والمُتعة. لِذا، إن كانت لديكُم هذه الأشواقُ وتلكَ الرَّغباتُ، مِنَ الأفضلِ أن يكونَ لِكُلِّ واحدٍ امرأتُهُ، ولكُلِّ واحدةٍ رَجُلُها.

ثُمَّ نأتي إلى الأعدادِ مِنَ الثَّالثِ إلى الخامسِ، وهذه هي النُّقطةُ الَّتي أُريدُ أن أَصِلَ إليها: "لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ". وفي هذا السِّياقِ، يَتحدَّثُ النَّصُّ عن الواجباتِ الزَّوجيَّةِ أوِ العلاقةِ الزَّوجيَّةِ؛ أيْ أنْ يُعطي كُلٌّ مِنَ الزَّوجينِ نَفسَهُ جسديًّا للآخر، وكذلكَ في المحبَّة. ولكنَّ الفِكرةَ هي أنَّكَ إذا كُنتَ مُتزوِّجًا، لا يجوزُ أن تَمنعَ شَريكَ الحياةِ عن هذا الشَّيءِ لأنَّكَ تَحفظُ نَفسَكَ مِنَ الخطيَّةِ مِن خلالِ الزَّواجِ على افتراضِ أنَّكَ ستتمتَّعُ بِغِنى تلكَ العلاقةِ الَّتي صَمَّمَها اللهُ بصورة رائعة. لِذا، "لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ". ثُمَّ تأتي هذه النُّقطةُ الرَّائعةُ: "لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ. لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ". بعبارة أخرى، يجب أن يَخضعَ كُلٌّ منكُما للآخر. فيجب أن تتوقَّفوا عنِ التَّهَرُّبِ أحَدُكُما مِنَ الآخرِ قائلاً: "أنا أشعرُ بِصُداع". وفي العددِ الخامِس: "لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ".

فالزَّواجُ يَنطوي على التزامٍ مُتبادَل. واللُّغةُ هُنا تُشيرُ إلى أنَّكِ مَدينة لِزوجِكِ أيَّتُها الزَّوجة. وأنتَ، أيُّها الزَّوجُ، مَدين لزوجَتِك. أَوْفُوا دَينَكُم. ففي أبسطِ مُستوياتِ الرَّغبةِ الجنسيَّة، يُمكِنُنا أن نَرى هذا الخُضوعَ المُتبادَل. لِذا فإنَّ الزَّواجَ يَصيرُ تَسليمًا دائمًا لكُلِّ شيءٍ لديكَ لشريكِ حياتِك. وَما يَسري عَليها يَسري عليكَ أنتَ أيضًا. فهناكَ مُساواة. فأنا أَنتمي إليكَ وأنت تَنتمين إليَّ. وبالمُناسبة، فإنَّ الاتِّفاقَ المُتبادلَ ضَروريٌّ أيضًا لامتِناعِكُما أَحَدُكُما عنِ الآخر. فلا يَجوزُ أن تقولَ: "لا تُضايقيني! أنا أُصَلِّي". فهو أمرٌ يَتِمُّ بالاتِّفاقِ المُتبادَل، وفقط إلى حِيْن. وحتَّى بالرَّغمِ مِن هذا الخُضوعِ المُتبادَلِ في الزَّواج، مِنَ الواضحِ أنَّنا لا نُبْطِلُ السُّلطةَ إذْ نَقرأُ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس 2: 11: "لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي". وَهَلُمَّ جَرَّا. فما تَزالُ هُناكَ سُلطَة في الخُضوع، ولكِنَّ جَوهرَ ذلكَ هُوَ الخِدمة المُتبادَلة المُتواضِعة. وبعدَ أن قُلنا هذا كُلَّهُ، نكونُ قد وَضَعنا الأساسَ كُلَّهُ حَقًّا.

فسُلطتُنا هي سُلطة رَقيقة، ولطيفة، وحَنونة، وعَطوفة. وهي سُلطةُ شَخصٍ يَسُدُّ احتياجَ الآخر. وهي سُلطةُ شخصٍ يَحمي الآخر، ويَعتني بالآخر، ويُلَبِّي حاجاتِ الآخر. وهي سُلطةُ شخصٍ يَستخدِمُ قُوَّتَهُ وحِكمَتَهُ كي يَحمي ويَحفظ وَيَصون. وهذا مُوَضَّحٌ توضيحًا رائعًا مِن خلالِ التَّعليمِ عن كيفيَّةِ التَّعاملِ مع أبنائكُم. فلا يَجوزُ أن تُغيظوهُم بسببِ قِيادَتِكُم القاسية، بل يجب عليكم أن تَرعوهم. وأريدُ أن أقولَ لكم شيئًا: إن لم تبتدئوا بهذا، لا يوجد رجاءٌ كبيرٌ، بل لا يوجد رجاءٌ البَتَّة. وأعتقد أنَّ الزَّوجَ والزَّوجة يَستطيعانِ أن يُحَرِّقَا أسنانَهُما وأنْ يَستمرَّا في العيشِ مَعًا لأيِّ سببٍ مِنَ الأسباب، ولكِنْ بِمَعزِلٍ عن هذا النَّمَطِ المُوَضَّح في رسالة أفسُس والأصحاح الخامِس، سيصيرُ الزَّواجُ والعائلةُ صِراعًا صَعبًا لا يُطاق، وشيئًا غيرَ مُشبِعٍ.

فهو يَصيرُ صِراعًا على حُقوقِنا الفَردانيَّة. وهو يَصيرُ صِراعًا مَريرًا. ونحنُ نَرى خِلافاتٍ تَتَفَجَّر. ففي كُلِّ سنة، هناكَ ملايينُ الأزواجِ والزَّوجاتِ المُفعَمينِ بالأمل يَتَعَهَّدونَ بأن يَتزوَّجوا ويعيشوا معًا على أَمَلِ تأسيسِ حَياةٍ معًا. ولكِنَّ نِصفَ هؤلاءِ يَتشاجرونَ ويَنفصلون. وهؤلاءِ الَّذينَ يَنفصلونَ يَتزوَّجونَ مَرَّةً أخرى، ولكِنَّ ثُلُثَيّ هؤلاء يَنفصلون. وَحَتَّى إنَّ هُناكَ خُدَّامًا يَقومونَ بمَراسيمِ الطَّلاق. وأعتقد أنَّ هذا يُشبِهُ تَشغيلَ فيلم إلى الوَراء. فالطَّلاقُ بَلاءٌ. وإنْ لم يَكُن هناكَ طَلاقٌ، هُناكَ شِجارٌ مُستمرٌّ أو خِيانة مُستمرَّة. وغالبًا ما يكونُ الرِّجالُ مُتَسَلِّطينَ وغيرَ مُرْهَفي الحِسِّ. كذلكَ، فإنَّ النِّساءَ قد لا يَكُنَّ وَفِيَّاتٍ، ولا يَتجاوَبْنَ، بل يَتُقْنَ إلى الحُريَّة. والأطفالُ ليسَ لديهم قُدوة حقيقيَّة. لِذا فإنَّ الفَوضَى مأساويَّة بِكُلِّ مَعنى الكلمة...مأساويَّة بِكُلِّ مَعنى الكلمة.

لِذا، عندما نُفَكِّرُ في موضوعِ العائلةِ هذا بأسرِه، يجب علينا أن نَبتدئَ بهذه المسائلِ الرُّوحيَّة. ومِن هُناكَ، يُمكنُنا أن نَبتدئَ بالتحدُّثِ عنِ التَّفاصيل. فإن كانت قُلوبُكُم مُمتلئة بالرُّوحِ، ومُطيعة، ومُسَبِّحة، وعابِدة، وشَكورة، وخاضِعة، ستكونُ لديكم المُقَوِّماتُ اللَّازِمَةُ لتأسيسِ عائلة رائعة، وزواجٍ رائع، وحياة رائعة. وكُلُّ شيءٍ آخر هو مَعركة لِفِعْلِ مَشيئَتِكَ. فالأمرُ بهذه البَساطَة.

وقوَّةُ الرُّوحِ القُدُس هي القوَّة الوحيدة الَّتي تستطيعُ أن تَتغلَّب على ذلكَ وأن تُعطي فَرحًا. وقد طَرَحَ الواعِظُ "دي. إل. مودي" (D.L. Moody) ذاتَ يومٍ على مُستمعيهِ سُؤالًا بسيطًا إذْ قال: "أُريدُ أن تقولوا لي كيفَ تُزيلونَ الهواءَ مِن كأس". وقد كانَ يُمْسِكُ الكأسَ في يَدِه. فَصاحَ رَجُلٌ بصوتٍ عالٍ: "اشْفُطْهُ بِمِضَخَّة". فأجابَ مودي: "هذا سَيُحْدِثُ فَراغًا كبيرًا ويُحَطِّمُ الكأس". وقد قَدَّمَ آخرونَ إجاباتٍ مُستحيلة لن تَتَخَيَّلوها مِثل: "اقلِبِ الكأسَ ". وأخيرًا، مَشَى مودي إلى جانبِ المِنْبَر حيثُ كانَ يوجدُ إبريقُ مَاءٍ، وأخذَ الإبريقَ وَمَلأَ الكأسَ وقال: "انظروا! لقد خَرَجَ كُلُّ الهَواءِ الآن". فالأمرُ بَسيطٌ جدًّا. وبهذا المَعنى، يُمكِنُكَ أن تُزيلَ الهَواءَ الفاسِدَ مِنَ الزَّواج، ولكِن ليسَ بِمِضَخَّاتِ عِلْمِ النَّفسِ البَشريِّ؛ بل فقط عندما تَملأُ حياتَكَ بالماءِ الحَيِّ وَرُوحِ اللهِ والحَقِّ الإلهيِّ. فهذا هو المِفتاح. وهذه هي النُّقطةُ التي ينبغي أن نَبتدئَ مِنها. ويجب أن تَتَعَهَّدوا بذلك. فإن فَعلتُم ذلك، يُمكنُني أن أَعِدَكُم أنَّ كُلَّ بَرَكَاتِ نِعمةِ الحياةِ وأفراحِ الزَّواجِ والعائلةِ ستكونُ مِن نَصيبِكُم.

دَعونا نُصَلِّي: يا أبانا، نَشكُرُكَ على الأُسُسِ الَّتي أعطيتَنا إيَّاها في الكتابِ المقدَّس. يا رَبُّ، نحنُ نَعلمُ أنَّ هذهِ الأشياءَ تَبتدئُ عميقًا في القلب. فهناكَ أمورٌ رُوحيَّة ينبغي أن نَهتمَّ بها. وأنا أُصَلِّي يا رَبُّ لأجلِ كُلِّ شخصٍ هُنا وأتضرَّعُ أنْ تَقودَهُ إلى تَكريسِ نَفسِهِ لِروحِ اللهِ كي يَمتلئَ بالرُّوح، وكي يَمتلئَ قلبُهُ بالفرحِ والسَّعادة، وكي يَكونَ شَكورًا وخاضعًا، وكي يكونَ شخصًا يَسهُلُ العَيشُ مَعَهُ. ويا رَبّ، نحنُ نُريدُ زِيجاتٍ سعيدة، ونُريدُ عائلاتٍ ناجحة. وقد أَرَيْتَنا كيف. وعندما لا يَتحقَّقُ ذلك، يجب علينا أن نَتَخَطَّى المسائلَ السَّطحيَّة، ونَسْجُدَ أمامَكَ، ونُصْلِحَ علاقَتَنا بِك. فأنتَ تُريدُ مِنَّا ألَّا نكونَ أنانِيِّينَ، بل أن نَهتمَّ بالآخرينَ أكثر مِن أنفُسِنا، وأن نَمتلئَ بالشُّكرِ على كُلِّ شيءٍ في حياتِنا أيًّا كانتِ الصُّعوباتُ. ونحنُ نَعلمُ كيفَ أنَّ المشاكِلَ تَجتاحُ الزِّيجاتِ والعائلاتِ، ولا نَظُنُّ أنَّ الأمورَ تَسيرُ على النَّحوِ الَّذي نَتَمَنَّاه. ولكِن حيثُ يوجد شُكْرٌ دائم، وتَسبيحٌ دائم، وطاعة دائمة، وتواضُع، سيكونُ هناكَ فَرَحٌ ورِضا. وليتَ الحالَ تَكونُ كذلكَ في حياتِنا. فهذه هي خُطَّتُكَ لِفَرَحِنا وَمَجدِكَ. نَشكُرُكَ على ذلكَ باسْمِ المَسيح. آمين.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize