
لِنَفتَح على رسالة أفسُس والأصحاح الخامِس. ونحنُ نَتحدَّثُ عنِ النَّموذجِ الإلهيِّ للعلاقات. وهذا هو الجُزءُ الثاني مِن سِلسلَتِنا عنِ العائلةِ، والزَّواجِ، وتربيةِ الأبناء. وسوفَ نَتحدَّثُ عنِ العديدِ مِنَ الأشياءِ الرَّائعة في الأسابيعِ القادمة. ونحنُ نَنظُرُ إلى ما يُشبِهُ مِنَصَّةَ الانطلاقِ في رسالة أفسُس والأصحاح الخامِس إذْ إنَّهُ مكانٌ رائعٌ نَنطلِقُ مِنهُ في هذه الدِّراسة لأنَّ كلمةَ اللهِ دَقيقة جدًّا فيما يَختصُّ بهذه الأمور. وأوَدُّ أن أقرأَ على مَسامِعِكُم الأعداد مِن 18 إلى 21 مِن رسالة أفسُس والأصحاح الخامس: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ، مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ. خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ المَسيح". وفي الأسبوعِ الماضي قُلنا إنَّ أساسَ كُلِّ نَجاحٍ في العائلةِ المسيحيَّة، وإنَّ أساسَ كُلَّ بَرَكَةٍ في الزَّواجِ المسيحيِّ مَوجودٌ في ذلكَ النَّصّ. فالأمرُ ليسَ تَحايُلاً، وليسَ أمرًا سخيفًا، وليسَ أمرًا سَطحيًّا، وليسَ تَلاعُبًا. فما يَقولُهُ هوَ: قبلَ أن نَتحدَّثَ عنِ الزَّوجاتِ في العدد 22، وقبلَ أن نَتحدَّثَ عنِ الأزواجِ في العدد 25، وقبلَ أن نَتحدَّثَ عنِ الأبناءِ في الأصحاحِ السَّادسِ والعددِ الأوَّلِ، وعنِ الأبَوَيْنِ في الأصحاحِ السَّادسِ والعددِ الثَّاني، يجب علينا أن نَضَعَ بعضَ الأُسُسِ لكُلِّ هذه العلاقاتِ، ولا سِيَّما مَا يَلي: يجب أن تَمتلئوا بالرُّوح، وأن تُرَنِّموا، وأن تَكونوا شاكِرينَ، وأن تَخضَعوا. وقد رَكَّزنا على هذه الأمورِ الأربعةِ في المَرَّة السَّابقة. فإن كُنتُم مُمتلئينَ بالرُّوحِ (أيْ أنَّكم تَخضعونَ لهَيمنةِ الرُّوحِ القُدُسِ مِن خلالِ إطاعَةِ الكلمة)، وإن كُنتم تَفيضُونَ بالفرحِ الَّذي تُعَبَّرُونَ عنهُ مِن خلالِ التَّرنيمِ، وإن كُنتم تَشكُرونَ اللهَ على كُلِّ شيء، وإن كُنتم تَخضعونَ خُضوعًا مُتبادَلاً بعضُكم لبعض، ستكونُ لديكم الأُسُسُ اللَّازمة للسَّعادة والنَّجاح والبَرَكة في الزَّواجِ وفي العائلة.
فكُلُّ شيءٍ يُبنَى على ذلكَ الأساسِ الرُّوحِيِّ سَواءٌ كُنَّا نَتحدَّثُ عنِ العلاقةِ بينَ الزَّوجِ والزَّوجة، أو بينَ الأبناءِ والأبَوَيْن. وواحدٌ مِن أشهَرِ الكُتُبِ عن هذا الموضوعِ خِلالِ السَّنواتِ الماضية هو كِتابٌ بعُنوان: "الأعمدةُ الَّتي تُدَعِّمُ الزَّواجَ المُشبِع" (Pillars that Support a Fulfilling Marriage). وفي الوقتِ الَّذي صَدَرَ فيهِ هذا الكِتابُ، كانَ رائجًا جدًّا. ويَقترِحُ الكِتابُ أنَّ أُسُسَ الزَّواجِ، أوِ الأشياءَ الَّتي تَجعلُ الزَّواجَ ناجحًا هي خمسةُ أعمدة. وإليكم ما يَقترِحُهُ الكِتابُ. وبالمُناسبة، فإنَّهُ كِتابٌ مَسيحيٌّ: أوَّلاً: الشُّعورُ بالأمان. ثانيًا: التَّواصُل. ثالثًا: الرُّومانسيَّة. رابعًا: اللَّمَس. خامسًا: حَرارةُ الرُّوح. والكِتابُ يَقولُ أشياءً مِثل: "إن أرادتِ المرأةُ أن تَتواصَلَ بطريقة فَعَّالة حقًّا معَ زوجها، يجب عليها أن تُخاطِبَ الجُزءَ الصَّحيحَ مِن عَقلِهِ". وهو يَقول: "إنَّ أفضلَ طريقة مَعروفة لدينا لتوطيدِ العلاقاتِ في إطارِ العائلةِ هي الخُروجُ في رِحلةِ تَخييم". وهذهِ اقتراحاتٌ ضَحْلة. أليسَ كذلك؟ فأنا لا أدري تمامًا كيفَ يَعملُ النِّصفُ الأيمنُ مِنَ عَقلي. وأنا على يَقينٍ بأنَّ زوجتي لا تَدري أيضًا. وأنا لا أُحِبُّ التَّخييمَ أيضًا في الحقيقة. ويُمكنُني أن أتوقَّعَ قِراءةَ مِثلِ هذهِ الاقتراحاتِ في كِتابٍ غير مَسيحيّ. ولكنِّي مَصدومٌ حقًّا في أن أقرأَها في كِتابٍ مسيحيّ. فأعمدةُ الزَّواجِ هي ليست الشُّعورُ بالأمان، والتَّواصُل، والرُّومانسيَّة، واللَّمس، وَحَرارةُ الرُّوح؛ بل إنَّ أعمدةَ الزَّواجِ هي أن تَمتلِئوا بالرُّوحِ، وأنْ تَفيضوا فَرَحًا، وأن تكونوا شَكورينَ على كُلِّ شيءٍ، وأن تَخضَعوا بَعضُكُم لبعض. فالكتابُ المُقدَّسُ يَقولُ إنَّ العائلاتِ تُبني على أُسسٍ رُوحيَّة، لا على أُسُس نَفسيَّة، ولا عاطفيَّة. فالكتابُ المقدَّسُ يَقولُ إنَّ أَهَمَّ عُنصُرٍ في الزَّواجِ النَّاجحِ هو أن تُحِبَّ اللهَ أكثرَ مِن نَفسِك.
والشَّيءُ المُهِمُّ حقًّا في الزَّواجِ النَّاجح هو أنْ تَسعى إلى سَدِّ حاجاتِ الآخرينَ أكثرَ مِن حَاجاتِكَ الشَّخصيَّة. والمُهِمُّ هو أن يكونَ لدينا قَلبٌ خاضِعٌ يَهتمُّ أكثر بالآخرين، وأن يكونَ لدينا فَرَحٌ رُوحِيٌّ حقيقيٌّ، وشُعورٌ بالامتنان، وتكريسٌ للهِ ومَلكوتِه ومقاصِدِهِ ومَجدِه، وقداسةٌ حقيقيَّة، وطاعةٌ للكِتابِ المُقدَّس. بعبارة أخرى، فإنَّ الزَّواجَ هو مكانٌ تُمارِسُ فيهِ مَسيحيَّتَكَ. وإنْ عِشتَها بالطَّريقة الصَّحيحة، سيكونُ ذلكَ حَدَثًا مُبْهِجًا ومُشبِعًا ومُبارَكًا كُلَّ يوم. أمَّا إن لم تَفعل ذلك، سيكونُ الزَّواجُ مُؤلِمًا، ومُخَيِّبًا للآمالِ، وغيرَ مُشبِعٍ، ومُحزِنًا، ويؤدِّي إلى الغَضَبِ، وهَلُمَّ جَرَّا. فالأمرُ لا يَتوقَّفُ على تَطبيقِ بعضِ الأساليبِ البشريَّة مِنْ لَمَساتٍ ورومانسيَّة وحَميميَّة، ولا على التَّواصُلِ أو حَتَّى على الأمانِ الماليِّ؛ بل إنَّ الأمرَ بِأسرِه يَتوقَّفُ على علاقَتِكَ بالله. والحقيقةُ هي أنَّهُ لا يوجد مكانٌ أفضل، ولا مكانٌ أَهَمُّ تُمارِسُ فيهِ مَسيحيَّتَكَ أكثر مِن بَيتِك. وإن لم يَكُن بَيتُكَ على النَّحوِ الَّذي يُريدُ اللهُ أن يكونَ عليهِ لأنَّ أعلى مَعايير للحياة المسيحيَّة لم تُطَبَّق فيه، رُبَّما يَكونُ السَّببُ في ذلكَ هو أنَّ أَحَدَ الشَّريكَيْنِ يُحاولُ جاهدًا أن يَفعلَ ذلكَ في حين أنَّ الشَّريكَ الآخرَ لا يُحاول، أو رُبَّما أنَّ الاثنينَ لا يُحاولان. وفي كِلتا الحالَتَيْن، ستكونُ هناكَ صُعوبة بالغة. فالعائلةُ هي أكثرُ بِيئةٍ تَظهَرُ فيها قُوَّتُكَ الرُّوحيَّة، وتَكريسُكَ الرُّوحيُّ، ومُثابَرَتُكَ الرُّوحيَّة بأَوضحِ صُورة. وهي ليست فقط أكثرَ مَكانٍ تَظهَرُ فيهِ هذه الأشياء، بل اسمعوني: إنَّها أكثرُ مَكانٍ يَلْزَمُ فيها أنْ تَظهَر.
فبسببِ الأُلفَة، وبسببِ وُجودِكم معًا طَوالَ الوقتِ في كُلِّ الأحوالِ والظُّروفِ، وفي كُلِّ مِحنةٍ ومُشكلة، فإنَّ البيتَ هو أَصْدَقُ امتحانٍ، وزواجُكَ هو أصدقُ امتحانٍ لحياتِكَ الرُّوحيَّة. لِذا فإنَّنا نَقرأُ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاحِ الثَّالث عنِ الشَّيخِ والرَّاعي أنَّهُ يجب أن يكونَ شَخصًا: "يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟" فببساطة، إنَّ ما يُحاولُ بولسُ أن يَقولَهُ هو إنَّهُ يجبُ عليهِ أنْ يُظْهِرَ تَكريسَهُ المَسيحيَّ وأنْ يَظهِرَ قِيادَتَهُ الرُّوحيَّةَ في البيت. فإن لم تَظهَر هذهِ الأمورُ هناكَ، لِماذا تَطلُبونَ مِنهُ أن يَقودَ الكنيسة؟
فالعائلةُ هي أَهَمُّ مكانٍ تُمارِسُ فيهِ إيمانَك. وحَتَّى إنَّهُ يُمكنني أن أقولَ إنَّ التَّعليمَ المُختصَّ بأساليبِ الزَّواجِ (إنْ جازَ التَّعبير)، والتَّعليمُ المُختصُّ بمهاراتِ الزَّواجِ، والتَّعليمُ المُختصُّ بكُلِّ تلكَ الفُروقِ الحَسَّاسةِ والدَّقيقة بينَ الذَّكَرِ والأُنثى، إنْ جَمَعنا كُلَّ ذلكَ فإنَّهُ ليسَ مُهِمًّا كثيرًا. ويبدو أنَّنا نَفترِضُ اليومَ أنَّ هذه هي الفِكرةَ الرئيسيَّةَ والضَّرورةَ المُلِحَّةَ لأنَّهُ تَمَّ تَكريسُ كُتُبٍ كثيرةٍ وجُهدٍ كبيرٍ لأجلِ هذا الموضوع. ولكِنَّ ذلكَ ليسَ مُهِمًّا جدًّا إنْ كانَ لدينا شخصانِ مُمتلئانِ بالرُّوحِ، ويَفيضانِ بالفَرَحِ والشُّكرِ والخُضوعِ والتَّقوى.
فالأمرُ بِرُمَّتِهِ يَبدأ بذلكَ الأساسِ الرُّوحيِّ. وبِمَعزِلٍ عن ذلك، ستكونُ هناكَ مُشكلةٌ كبيرة وصِراعٌ كبير. والسَّببُ في أنِّي أُرَكِّزُ على هذا الأمر هو أنَّ الأمرَ بِرُمَّتِهِ يَبتدئ مِن هُنا. فالأمرُ بِرُمَّتِهِ إمَّا أنْ يَنْجَحَ، وإمَّا أنْ يُخفِق. والحقيقةُ هي أنَّ الخُطَّةَ الرَّائعةَ للزَّواجِ بِرُمَّتِها لن تَنجحَ نَجاحًا حقيقيًّا إنْ كانت هُناكَ خطيَّة. فعندما تَغْزو الخطيَّةُ ذلكَ النِّطاقَ المُختصَّ بالزَّواجِ والعائلة، يَصيرُ البيتُ مَكانًا يَشعُرُ فيهِ المرءُ بالظُّلمِ الشَّديد، وعدمِ الرِّضا، والبُؤس. وهكذا هي الحالُ بالنِّسبة إلى أُناسٍ كثيرين. ولا شَكَّ في أنَّ الأشخاصَ الَّذينَ لم يَختبِروا الولادةَ الجديدة في وقتِنا الحاضِر، والَّذينَ يَتَغَذّونَ باستمرار على أفكارِ تَبريرِ ذَواتِهِم مِن أجلِ إشباعِ كبريائهم الشَّخصيَّة وإرضاءِ ذَواتِهم يَحصُدونَ بَذورًا تُدَمِّرُ كُلَّ العلاقاتِ في النِّهاية. فَهُم يَتَحَطَّمونَ جميعًا تحتَ وَطْأةِ الكِبرياء. وحتَّى إنَّ هذا تَرَكَ تأثيرًا في الكنيسة. فالأشخاصُ الَّذينَ يَعرِفونَ الحَقَّ يَجدونَ صُعوبةً بالغةً في عَيْشِ إيمانِهم لأنَّنا غَارِقونَ في العالَمِ مِن حَولِنا. والحقيقة هي أنِّي أعتقدُ أنَّ الكلمة "خُصومَة" صارت مُرادفة للكلمة "زَواج" والكلمة "عائلة" اليوم.
فنحنُ نَسمع طَوالَ الوقتِ عنِ القَمْعِ الَّذي يُمارِسُهُ الرِّجالُ، وَعَنِ افتِقارِهم إلى الحِسِّ، وعنِ استِبدادِهم، وعن مُعامَلَتِهم السيِّئة وعدمِ اهتمامِهم بزوجاتِهم. مِن جِهةٍ أخرى، فإنَّنا نَسمعُ كثيرًا جدًّا أنَّ النِّساءَ مُتَغَطرِساتٍ، ويَسَعْيَنَ إلى الحُريَّةِ وإلى فِعْلِ مَشيئتِهِنِّ وما يَرْغَبْنَ فيهِ، وأنَّهُنَّ لا يُرِدْنَ أنْ يُطِعْنَ أزواجَهُنَّ. ولماذا هذا كُلُّه؟ بسببِ الخطيَّة. ورُبَّما يُمكِنُنا أن نَعودَ إلى البدايةِ كي نأخُذَ فِكرةً سريعة عن هذا الأمر. افتحوا كِتابَكُم المُقدَّس على الأصحاحِ الثَّالث مِن سِفْر التَّكوين. وأريدُ أن أُشارِكَ معكم ما يُمكِنُ أن يكونَ تَفسيرًا جَديرًا بالقَبول للأصحاحِ الثَّالِثِ مِنْ سِفْرِ التَّكوين. ولا يُمكنُني أن أكونَ مُتَزَمِّتًا وأقولَ إنَّهُ تَفسيرٌ قاطِعٌ لا جِدالَ فيه. فهناكَ أشخاصٌ مُستعِدُّونَ أنْ يَقبَلوا أيَّ تَفسيرٍ مِن دونِ أيِّ تَمحيصٍ وأنْ يُصِرُّوا على أنَّهُ التَّفسيرُ الصَّحيحُ بهذا الشَّأن. ولكِنْ على أقَلِّ تَقدير، هذا تَفسيرٌ قد يُتيحُ لنا بصورة مُدهشة أنْ نَفهمَ مَصْدَرَ الصِّراع. فنحنُ نَعلمُ، دُونَ شَكٍّ، أنَّ الصِّراعَ يأتي مِنَ الأنانيَّة، وأنَّهُ يأتي مِنَ الكبرياءِ الشَّخصيَّة والخطيَّة الشَّخصيَّة. فهذا هو ما يَجعلُ العلاقاتِ صَعبة بِكُلِّ تأكيد في العائلة. ولكِنْ رُبَّما يوجدُ عُنصُرٌ آخر في هذا الصِّراعِ، وهو عُنصُرٌ مُدهشٌ جدًّا. وإذا نَظرنا إلى سِفْرِ التَّكوين والأصحاحِ الثَّالث، اسمَحوا لي أن أقرأَ ابتداءً مِن سِفْرِ التَّكوين 3: 13: "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»". وقد كانت هذه هي اللَّعنةُ الَّتي نَزَلَتْ على الشَّيطان. أمَّا الآن فَنقرأُ عنِ المرأة: "وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ". هذهِ هي العُقوبةُ الَّتي سَتَدفعينَها. وهي عُقوبة ستَنزِلُ على كُلِّ جِنْسِ النِّساءِ. "وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ»".
وَمِنَ الواضحِ أنَّ اللَّعنةَ الَّتي نَزَلَت على الجنسِ البشريِّ نتيجةَ السُّقوطِ في جِنَّةِ عَدْن غَيَّرَتْ بصورة كبيرة وهائلة خُطَّةَ اللهِ الأصليَّة. فقبلَ دُخولِ الخطيَّة، كانَ هناكَ اتِّحادٌ كاملٌ. ولم يَكُن هناكَ نِزاع. وكانَ آدمُ وحَوَّاءٌ مُنسجمين تمامًا. ثُمَّ دَخَلَتِ الخطيَّة وجَلَبَتْ معهَا الفوضى والخُصومة. وهُناكَ سِماتٌ عديدة لهذه اللَّعنة. فقد حَدَثَ انفصالٌ بينَ الإنسانِ واللهِ بسببِ الخطيَّة. والإنسانُ (كما تَذكرونَ) قد طُرِدَ مِنَ الجَنَّة. كما أنَّ العلاقةَ الحميمةَ والشَّركةَ المَجَّانيَّةَ والكاملةَ معَ اللهِ قد انتَهَت. كذلك، حَدَثَ انفصالٌ بينَ الإنسانِ والطَّبيعة. فلم تَعُدِ الطَّبيعةُ تُعطي كُلَّ خَيْرِها للإنسانِ مِن دونِ بَذْلِ أيِّ جُهْدٍ مِنْ جِهَتِهِ. بل يجبُ عليهِ الآن أن يَخْرُجَ إلى الحَقْلِ، وأنْ يَتْعَبَ، وَيَعْرَقَ، وَيَحْرُثَ الأرضَ، ويَعملَ بجُهدٍ كبيرٍ كي تُعطيه الأرضُ ما كانت تُعْطيه لَهُ ذاتَ يومٍ بِدونِ تَعَب. إذًا، حَدَثَ انفصالٌ بينَ الإنسانِ والله، وانفصالٌ بينَ الإنسانِ والطَّبيعة. وأخيرًا، حَدَثَ انفصالٌ بينَ الرَّجُلِ والمرأة. ونَقرأُ الجُزءَ الرَّئيسيَّ مِنَ اللَّعنةِ في نهايةِ العدد 16: "وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ".
وَمِنَ المُحتملِ جدًّا أنَّ هذه الجُملة المُنفردة تُجيبُ عنِ السُّؤال: "ما سَبَبُ وُجودِ هذا الصِّراعِ بينَ الرَّجُل والمرأة؟" لماذا؟ فإذا نَظرتُم أوَّلاً إلى الزَّوج، نَقرأ في نهايةِ العدد 16: "وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ". والكلمة "يَسُود" تَعني: "يُهَيْمِن". فهي كلمة تُشيرُ إلى السُّلطَة. لِذا فإنَّ اللَّعنةَ تقولُ إنَّ الرَّجُلَ (نَتيجةَ اللَّعنةِ) يَسودُ عليكِ. وبسببِ اللَّعنةِ، يَكونُ اشتياقُكِ إليه. وما مَعنى ذلك؟ هل يعني ذلكَ أنَّها ستَرغبُ بِهِ جسديًّا وجِنسيًّا؟ لا أعتقدُ أنَّ هذه لَعنة. ولا أعتقدُ أنّ تلكَ كانت لَعنةً قبلَ السُّقوط. فقد كانت في الأصل تَشتاقُ إليهِ، وكانَ هُوَ يَشتاقُ إليها جسديًّا. فهذا أَسمَى شَكْلٍ مِن أشكالِ التَّعبيرِ عنِ المحبَّةِ مِنْ جِهَةِ المُتعةِ الجسديَّة. وهذا لا يعني أيضًا أنَّها ستَشتاقُ إليه كَمَصْدَرِ حِماية؛ أي كشخصٍ يَعتني بها، ويَسُدُّ حاجاتِها، ويَستُرُها. فقد كانَ هذا الجانبُ موجودًا أصلاً. فمنذُ البداية، كانت حَوَّاءُ قد خُلِقَت لتكونَ رَفيقةً لَهُ، ولكنَّهُ كانَ الشَّخصَ المسؤولَ عنِ الاعتنِاءِ بها. فقد كانَ هذا الجانبُ موجودًا أصلاً. فقد كانتِ الإناءَ الأضعف. وقد كانَ هذا الأمرُ مَصْدَرَ سُرورٍ للمرأةِ في أنْ تَحصُلَ على مِثلِ هذه الرِّعاية والحماية قبلَ السُّقوط.
لِذا، لا بُدَّ أن يكونَ هذا الأمرُ شيئًا غيرَ الرَّغبة الجنسيَّة. ولا بُدَّ أن يكونَ شيئًا غيرَ الرَّغبة في أن يَعتني بها ويحميها. وصَحيحٌ أيضًا أنَّ اللَّعنة يُمكن أن تكونَ رَغبة جَسديَّة أو عاطفيَّة لأنْ ليست كُلُّ النِّساءِ يَرغبنَ في ذلك. ولكنَّهُنَّ جميعًا تحتَ تلكَ اللَّعنة. فجميعُ النِّساءِ هُنْ تحتَ تلكَ اللَّعنة، ولكِنْ ليست كُلُّ النِّساءِ يَرغبنَ في أزواجِهِنَّ جسديًّا، وليست كُلُّ النِّساءِ يَرغبنَ في الحُصولِ على المحبَّةِ العاطفيَّة والحماية والرَّعاية مِن أزواجِهِنَّ. لِذا، لا بُدَّ أن يكونَ هذا الأمرُ شيئًا يَسري على جميعِ النِّساءِ، وشيئًا يَسري أيضًا على جَميعِ الرِّجال. وأوَّلاً، عُوقِبَتِ المرأةُ بالألمِ عندَ الوِلادة؛ أيْ في صَميمِ وَهْبِ الحَياةِ. ففي الحقيقةِ، في أَعلى نُقطةٍ مِنَ الأُنوثَةِ وَوَهْبِ الحياةِ إلى العالَم، لُعِنَتْ المرأة. ولكِنَّها لُعِنَتْ أيضًا بهذا الاشتياقِ إلى زوجِها. فما هوَ هذا الاشتياق؟ وما مَعنى ذلك؟ إنَّ المَرَّةَ الوحيدَ الأخرى الَّتي تُستخدَمُ فيها الكلمة "اشتياق" هي في الأصحاحِ الرَّابع. ونحنُ نَعرِفُ المزيدَ عندما نَعرفُ كيفَ تُستخدم كلمة مُعيَّنة في سِياقٍ مُعَيَّن. وهي المرَّة الوحيدة الأخرى الَّتي تُستخدَمُ فيها في سِفْرِ التَّكوينِ بأسرِه. والحقيقة هي أنَّها المَرَّة الوحيدة الأخرى في كُلِّ التَّوراة؛ أيْ في كُلِّ الأسفارِ الخمسةِ الأولى.
وستُلاحظونَ في الأصحاحِ الرَّابعِ كيفَ تُستخدمُ هذه الكلمة في العددِ السَّابع...في مُنَتَصَفِه: "فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا...". إنَّها نفسُ الكلمة تمامًا. "...وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا". والتَّركيبُ النَّحْوِيُّ هنا في اللُّغةِ العِبريَّة مُماثِل تمامًا. فهو نَفسُ التَّركيبِ ويَستخدمُ نفسَ الكلمة. فما الَّذي يَتحدَّثُ عنهُ؟ إنَّهُ يتحدَّثُ عن قايين. وأنتُم تَذكرونَ قايين. فقد قَدَّمَ قايين ذبيحةً لم يَقبلها اللهُ لأنَّها لم تَكُن الذَّبيحة الَّتي طَلَبها اللهُ مِنهُ. وبِدافِعِ الغَضَبِ، كما تَذكرونَ، قَتَلَ قايينُ أخاهُ. ونقرأُ هُنا أنَّ اللهَ كَلَّمَ قايين (أو أنَّ اللهَ قالَ لقايين): "عِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ [يا قايين]، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا، وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا". والآن، ما الَّذي أرادتِ الخطيَّةُ أنْ تَفعَلَهُ بقايين؟
لقد أرادت أن تَسْحَقَهُ. وقد أرادت أن تُهيمِنَ عليه. وقد أرادت أن تُسيطِرَ على ذِهنِهِ وأفعالِه. فقد أرادتِ الخطيَّةُ أن تُحْكِمَ سَيطرَتَها عليه. وقد أرادتِ الخطيَّةُ أن تُرغِمَهُ على فِعْلِ أمورٍ مُعيَّنة. وقد أرادتِ الخطيَّةُ أن تَتَحَكَّمَ فيه. وهذا في اعتقادي...هذا مُشابِهٌ لما لَدينا في العدد 16 عندما يَقولُ النَّصُّ: "وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ". فهو نفسُ التَّركيب ونفسُ اللَّفظِ الَّذي يُشيرُ إلى أنَّ الخطيَّةَ تُريدُ أن تُسيطِرَ عليكِ. فجُزءٌ مِنَ اللَّعنةِ هو أنَّ المرأةَ لن تَتوقَ بعدَ الآنِ (مِنْ تِلقاءِ نَفسِها أو بِحماسةٍ) إلى قَبولِ الخُضوع، بل إنَّ شيئًا فيها سيَرغبُ في السَّيطرةِ على الرَّجُل. فهي تُريدُ أن تَنتَزِعَ السُّلطةَ مِن زَوجِها. وهذا هو تَمامًا ما فَعَلَتْهُ حَوَّاءُ في الأصل. أليسَ كذلك؟ فقد كانَ ينبغي لها أن تَلتجئَ إلى زوجِها، وأن تَطلُبَ مَشورَتَهُ عندما جُرِّبَتْ. وقد كانَ الشَّيطانُ يَعلمُ ذلك. لِذا فقد عَزَلَها الشَّيطانُ وَخَدَعَها. وقد تَصرَّفَتْ باستقلالٍ بَعيدًا عنِ الخُضوعِ المُحِبِّ الَّذي كانَ ينبغي أن يكونَ جُزءًا مِن تَكريسِها لزوجِها. وقد أدَّى ذلكَ إلى وُقوعِ الجنسِ البشريِّ كُلِهِ في الخطيَّة. فعندما اقترفتْ خطيئتها الأولى باستماعِها إلى الشَّيطانِ وعدَمِ استشارةِ آدَم، كانت بذلكَ قد مارَسَتِ السُّلطَةَ على الرَّجُل، وفَعَلت ما أرادَتْ أنْ تَفعلَهُ. وقد كانت هذه في الأصل هي اللَّعنة. ومُنذُ ذلكَ الوقت، فإنَّ خَطيَّةَ المرأةِ، أيْ فَسادَها الدَّاخليَّ، يَتمثَّلُ في سَعيِها إلى السَّيطرة.
وقد حَصَلَ الرَّجُلُ أيضًا على لَعنةٍ. فهو يَسعى إلى الهَيمنة. فلماذا نَسمعُ دائمًا عن حركةٍ تَحرير المرأة؟ وإن لم تَكُن حَرَكة، فإنَّ تلكَ الرَّغبة ما تزالُ موجودة في قلبِ المرأة. ولماذا يوجد تَسَلُّط لدى الرَّجُل وسيَظَلُّ موجودًا دائمًا؟ لأنَّ هذهِ هي الطَّريقةُ الَّتي يُعلِنُ فيها فَسادُ القلبِ البشريِّ عن نَفسِهِ: في المرأةِ مِن خلالِ سَعيِها إلى السَّيطرةِ، وفي الرَّجُلِ مِن خلالِ رَغبتِهِ في قَمْعِها. وهُناكَ تَفسيرُ مُحتملٌ واحدٌ جدًّا لهذهِ الحِدَّةِ وهذه الشَّخصيَّةِ الَّتي تَظْهَرُ دائمًا وفي كُلِّ مكانٍ إذْ إنَّ هذا يَحْدُثُ طَوالَ الوقتِ في كُلِّ مَكانٍ يَثورُ فيهِ خِلافٌ في الزَّواج. فالمرأةُ (بسببِ سُقوطِها ووقوعِها في الخطيَّة) لم تَعُد مُستعدَّةً للخُضوع، بل تَرغبُ في السَّيطرةِ وفي مُمارسةِ شَخصيَّتِها الفرديَّة. والرَّجُلُ (بسببِ السُّقوطِ) يَرغبُ في البقاءِ مَلِكًا مُتَوَّجًا. وقد يَكونُ حُكمُهُ مُتَسَلِّطًا وعَديمَ الحِسِّ. لِذا فإنَّ المَعركةَ بينَ الجِنسينِ قدِ ابتدأتْ بالسُّقوطِ في سِفْرِ التَّكوين والأصحاحِ الثَّالث. والأبناءُ الَّذينَ وُلِدوا في العائلةِ دَخَلوا وَحَسْب الحَلْبَةَ في أثناءِ مُباراةِ المُلاكمة. وهو ليسَ مَكانًا جَيِّدًا يُوجَدُ فيهِ الأبناء.
لِذا، هُناكَ تَسَلُّطُ الذُّكورِ في العالم. ويُمكنكم أنْ تَجِدوا ذلكَ في كُلِّ الثَّقافاتِ طَوالَ التَّاريخِ البشريّ. وهُناكَ حَركةُ تَحَرُّرُ المرأةِ في العالم. وأيضًا، يُمكِنُكم أنْ تَجدوا ذلكَ في كُلِّ التَّاريخِ البشريِّ إذْ إنَّ كُلًّا مِنهُما يُعَبِّرُ عن تأثيرِ اللَّعنة. وكُلُّ واحدٍ يُحاربُ بأنانيَّةٍ مِن أجلِ حَقِّهِ أو حَقِّها. والسُّؤالُ الَّذي يَطرَحُ نَفسَهُ هُوَ: كيفَ يُمكِنُ للزَّواجِ أن يَنْجو في مِثلِ هذا النَّوعِ مِنَ النِّزاع؟ وكيفَ يُمكِنُ للزَّواجِ أن يَنجحَ؟ وكيفَ يُمكِنُ أن يَجِدَ الأبناءُ أيَّ سَلامٍ في مِثْلِ هذهِ البيئة؟ وحَتَّى إنَّ السُّؤالَ الأَهَمَّ هُوَ: كيفَ يُمكِنُ إنهاءُ هذا الصِّراع؟ كيفَ يُمكِنُ إنهاؤه؟ وقد أَجَبْنا للتَّوّ عن ذلكَ السُّؤال: مِنْ خلالِ وُجودِ شَخْصَيْنِ صَارا يَعرفانِ المسيحَ، وتَغَيَّرَتْ حياتُهُما، وصَارا مُمتلئَيْنِ بالرُّوحِ، ويَفيضانِ فَرَحًا، وشَكورَيْنِ، وخَاضِعَيْنِ أحَدُهما للآخَرِ. وهذا يَتطلَّبُ تَغييرًا رُوحيًّا.
وفي حِقَبٍ أُخرى وثقافاتٍ أخرى، كانت حالُ الزِّيجاتِ أفضلَ مِن حالِها في عالَمِنا المُعاصِر. فقبلَ سَنواتٍ ليست طَويلة، رُبَّما قبلَ خمسٍ وعشرينَ سنة تقريبًا، كانَ النَّاسُ يَبقونَ معًا. فقد كانَ ذلك هو السُّلوكُ المألوف. وكانَ ذلكَ هوَ ما يَتوقَّعُهُ المُجتمعُ مِنَ النَّاسِ، وما يَحدُث. ولكِنَّ هذا لا يعني البَتَّة أنَّ الخِلافاتَ كانت أَقَلّ.
فبسببِ السُّقوطِ، سيكونُ هُناكَ صِراع. ويجب أن تَرجِعوا إلى البُعدِ الرُّوحيِّ لكي تُنهوا ذلكَ الصِّراع. وهذا هو الشَّيءُ الرَّائعُ جدًّا بخصوصِ هذا المَقطعِ الَّذي نَتأمَّلُ فيهِ. ويُمكِنُكم أنْ تَفتحوا على رسالة أفسُس الآن. فَحَلُّ النِّزاعاتِ في الزَّواج هُوَ حَلٌّ رُوحِيٌّ. وهو يَبتدئُ بأنْ تَسمَحَ للرُّوحِ القُدُسِ أنْ يُهيمِنَ على حياتِكَ، وبأنْ تَسمَحَ لكلمةِ المسيحِ أنْ تَسكُنَ فيكَ بِغِنى، وبأنْ تُطيعَ رُوحَ اللهِ عندما يُعلِنُ مَشيئَتَهُ مِن خلالِ كلمةِ الله. فقُوَّةُ رُوحِ اللهِ هي الوحيدة الَّتي تَستطيعُ أنْ تَعكِسَ اللَّعنةَ في البيت. فعندما يكونُ هُناكَ شخصٌ مُمتلئٌ بالرُّوحِ في البيت، يكونُ هُناكَ رَجاء. هل حاولتَ يومًا أن تَتَشاجَرَ مَعَ شخصٍ يُهيمِنُ عليهِ رُوحُ الله؟ وهل حاولتَ يومًا أن تُخاصِمَ شخصًا فَرِحًا تمامًا يَفيضُ الفَرَحُ في قلبِه؟ وهل حاولتَ يومًا أن تُخاصِمَ شخصًا شَكورًا على كُلِّ شيءٍ؛ حَتَّى على شِجارِكَ مَعَهُ؟ وهل حاولتَ يومًا أن تُخاصِمَ شخصًا خَاضعًا تمامًا؟ إنَّها مَهمَّة صعبة جدًّا. فحيثُ توجد هذهِ الأشياء، هناكَ رَجاء. فالمسألة روحيَّة. والصِّراعُ يَزولُ عندما يَكونُ الرُّوحُ القُدُسُ مُهيمِنًا.
والآن، إذْ نَنظُرُ إلى النَّصِّ الَّذي أمامَنا...وقد تحدَّثنا عن هذا الأساس. وبولسُ في العدد 22 سينطلقُ في الحديثِ عنِ السُّلوكِ المُحَدَّدِ للزَّوجةِ، والزَّوجِ، والأبناءِ، والأبَوَيْنِ. وسوفَ نَدرُسُ ذلكَ بالتَّفصيل في الأسابيعِ القليلة القادمة. ولكِن قبلَ أن نَفعلَ ذلك، لن نُوْفي الرَّسولَ بُولُسَ حَقَّهُ إن لم نُخَصِّص، على أقَلِّ تقدير، بِضْعَ لَحظاتٍ للنَّظرِ إلى نوعيَّةِ العالَمِ الَّذي كانَ يَكتُبُ إليه. لأنَّ هُناكَ مَن سيأتي بِكُلِّ تأكيد ويقول: "حسنًا، إنَّ هذا الكلامَ هُوَ تاريخٌ قديم. وهذا الكلامُ يَعودُ إلى وَقتٍ مَضَى. وهو لا يَستوعِبُ حَقًّا العالَمَ الَّذي نَعيشُ فيه. فقد كانوا يعيشونَ في زمنٍ مُختلفٍ ولديهم وُجهاتُ نَظرٍ مُختلفة". وأريدُ منكم أن تَفهموا ما كانَ يَجري. لِذا، سوفَ أُعطيكُم خَلفيَّةً تاريخيَّةً مُوجَزة:
وأنا أَعلمُ أنِّي رُبَّما أَستَغرِقُ في مِثلِ هذهِ الدِّراسة بينَ الحينِ والآخر. فأنا أُحِبُّ التَّاريخ. فعندما التَحَقْتُ بالجامعة، أدركتُ أنِّي لم أتمكَّن بعد مِن أخذِ قَرارٍ بخصوصِ التَّخَصُّصِ الفَرعيِّ الَّذي سأدرُسُه. فقد أردتُ أن أتخصَّصَ في الدِّراساتِ الدِّينيَّةِ وَهَلُمَّ جَرَّا. وقد فَعلتُ ذلك. ولكنِّي لم أَتمكَّن مِنَ اختيارِ التَّخَصُّصِ الفَرعيِّ. لِذا فقد دَرَسْتُ تَخَصُّصَيْنِ فَرْعِيَّيْنِ هُما: التَّاريخ واللُّغة اليونانيَّة. وأنا مُوْلَعٌ دائمًا بالتَّاريخ. وأعتقد أنَّهُ على مَرِّ السِّنين، إنْ كانَ هُناكَ مَنْ يَهتمُّ بالاستماعِ إليَّ، رُبَّما كانَ السَّببُ في ذلكَ هو أنِّي عُدْتُ إلى التَّاريخِ وَجَمَعْتُ خَلفيَّاتٍ تاريخيَّةٍ تَجعَلُ الكتابَ المقدَّسَ نابضًا بالحياة. وهذا مُهمٌّ جدًّا جدًّا كي يَتحدَّثَ الكتابُ المقدَّسُ عن نفسه. فقد كُتِبَ الكتابُ المقدَّسُ في زَمَنٍ وسِياقٍ يتطلَّبُ مِنَّا استيعابًا. لِذا، لِنَعرِضَ خَلفيَّةً تاريخيَّةً مُوجزةً عَمَّا كَتَبَهُ الرَّسولُ بولس. وسوفَ تَرَوْنَ العديدَ مِنْ أَوْجُهِ الشَّبَهِ المُذهِلَة. ولنتحدَّث عنِ اليهودِ أوَّلاً. فَمِنَ الواضحِ أنَّهُ كان هناكَ يهودٌ في الكنيسةِ في أفسُس. وقد كانت هذه رِسالة دَوَّارة قُرِأتْ في كُلِّ الكنائسِ في نهايةِ المَطاف...لا فقط في كُلِّ الكنائسِ الَّتي في أَسِيَّا الصُّغرى، بل في كُلِّ الكنائسِ في كُلِّ مكانٍ. وهي ما تَزالُ تَصِلُ إلى كُلِّ الكنائسِ في كُلِّ مكان. ولكِن كانَ يوجدُ الكثيرُ مِنَ اليهودِ في الكنيسةِ الباكرة. وقد كانوا هُم أيضًا بحاجة إلى فَهْمِ نَظرةِ الكتابِ المُقدَّسِ إلى الزَّواج. وكانَ اليهودُ أنفُسُهُم يَنظرونَ نَظرةً مُتَدَنِّيَةً إلى المرأة. وهي نَظرة ليست كِتابيَّة، بل إنَّ جُزءًا كبيرًا مِن ديانَتِهم في زَمَنِ بولسَ ويسوعَ لم يَكُن قائمًا على الكتابِ المقدَّس. فقد عَمِلوا بأنفسهم على صِياغةِ دِيانَتِهم الشَّخصيَّة المُرتدَّة. وجُزءٌ مِنها كانَ يَختصُّ بنظرتِهم المُتدنِّية إلى المرأة.
والحقيقة هي أنَّ هناكَ صَلواتٍ يهوديَّة كانَ يُصَلِّيها الرِّجالُ اليهود في كُلِّ صَباحٍ طَوالَ حَياتِهم. وفي واحدةٍ مِن تلكَ الصَّلواتِ، هناكَ سَطْرٌ يُشيرُ إلى موقِفِهم. وهذا السَّطْرُ يَقول: "يا رَبّ، أشكُرُكَ لأنَّكَ لم تَخلقني أُمميًّا، ولا عَبْدًا، ولا امرأةً". فقد كانوا يَعتبرونَ المرأةَ أَدنى (مِنَ النَّاحيةِ البَشريَّةِ) مِنَ الرَّجُل. وقد كانتِ المرأةُ في نَظَرِهم شَيئًا وليست شخصًا. ولم تَكُن لدى المرأة حُقوق قانونيَّة. فقد كانت تَحتَ السُّلطةِ المُطلَقَةِ لزوجِها وبمقدورِهِ أن يَفعلَ بها ما شَاء وَقتَما شَاء.
ثُمَّ في أزمنةِ العهدِ الجديد، صارَ الطَّلاقُ في وَسْطِ اليهودِ سَهلاً بصورة مأساويَّة وشائعًا بصورة مأساويَّة. وكانوا يُدَعِّمونَ ذلكَ بمقطعٍ مِنَ العهدِ القديمِ بِدَعوى أنَّهم مُدَقِّقونَ في تَكريسهم لناموسِ مُوسَى مِنْ خِلالِ اقتباسِ ما جاءَ في سِفْرِ التَّثنية 24: 1: "إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا..." [وسوفَ أَقرأُ لكم ما تَقولُهُ التَّرجمةُ القديمةُ] "...فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ..." [والتَّرجمةُ الأمريكيَّة القياسيَّة الجديدة تُتَرْجِمها: "فُحْشًا"] "...لأنَّهُ وَجَدَ فيها عَيْبَ شَيءٍ وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ"...توقَّفوا هُنا. سوفَ تُلاحظونَ الآنَ أنَّ هذه الجُملة تُقَدِّمُ أوْ تُمَهِّدُ لشيءٍ آخر. ولكنَّهم أخذوها كما لو كانت وَصيَّةً بصورة رئيسيَّة أو رُخصةً. وقد قالوا ببساطة: "إن وَجدتَ...أوْ إنْ لم تَعُد زوجَتُكَ تَجِدُ نِعمةً في عينيكَ لأنَّكَ وَجَدْتَ فيها عَيْبَ شيءٍ ما، يُمكِنُكَ أنْ تَكتُبَ لها كِتابَ طَلاقٍ وأنْ تُطْلِقَها مِنَ البيت". ولكِنَّ ذلكَ النَّصّ يَحوي ما هو أكثر بكثير مِن ذلك. فهو لم يُعْطَ مِنْ أجلِ السَّماحِ بالقيامِ بذلك، بل إنَّهُ أُعْطِيَ لتوضيحِ حقيقةِ أنَّهُ إنْ حَدثَ ذلكَ وَتَزَوَّجَتْ شخصًا آخرَ، لا يُمكِنُها أنْ تَعودَ إليكَ وتتزوَّجَ مِنْكَ. فقد كانت هذه هي النُّقطة الجوهريَّة. ولكِنَّهم لم يَقرأوا بَقيَّةَ النَّصِّ، بل قالوا وَحَسْب: "هذا هُوَ ما يَقولُهُ النَّصُّ: إنْ وَجَدْتَ فيها عَيْبَ شَيءٍ مَا، أوْ فُحْشًا، اصْرِفْها وأعْطِها كِتابَ طَلاقٍ". والسُّؤالُ الَّذي يَطرَحُ نَفسَهُ هُوَ: ما المَقصودُ بالعِبارة "عَيْبَ شَيءٍ مَا"؟ وما المَقصودُ بالعَيْب؟
كانَ أَحْبارُ اليَهودِ المُتَشَدِّدونَ الَّذينَ كانَ يُمَثِّلُهُم عادةً حَاخَامٌ اسْمُهُ "شَمَّاي" (Shammai)، وَهُوَ حَاخَامٌ مُتَشَدِّد، كانوا يُقولونَ إنَّ هذه الكلمة تُشيرُ إلى الزِّنا فقط ولا شَيءَ غير الزِّنا. فإنْ زَنَتْ، يُمكِنُكَ أن تُطَلِّقَها. ولكِنَّ أحبارَ اليهودِ المُتَحَرِّرين قالوا إنَّها تُشيرُ إلى أيِّ شيءٍ بالمُطلَق، وإنَّ إبقاءَ مَعناها غامِضًا كانَ أمرًا مَقصودًا مِنَ اللهِ كي يَسمحَ لكَ أنْ تُفَسِّرَها كما تَشاء. وهذا الرَّأيُ مُمَثَّلٌ في الحَاخَام المَعروف "هِلِّيل" (Hillel). لِذا، طَوالَ تاريخِ حَاخَاماتِ اليهودِ، حَتَّى يومِنا هذا، يَتجادَلُ اليهودُ بشأنِ رأيِ شَمَّاي ورأيِ هِلِّيل. فقد قالَ هِلِّيل إنَّ هذهِ العِبارة تعني أنَّ الرَّجُلَ يستطيعُ أن يُطَلِّقَ زوجَتَهُ إنْ أَفْسَدَتْ عَشاءَهُ. وهذا يعني أنَّهُ يستطيعُ أنْ يُطَلِّقَها [لاحِظوا هذه النُّقطة] إنْ أَسْقَطَتْ صَحْنَ الطَّعامِ على الأرضِ لأنَّ ذلكَ يَعني أنَّها أَفْسَدَتْ عَشاءَهُ. ويُمكِنُهُ أنْ يُطَلِّقَها إنْ وَضَعَتْ لَهُ مِلْحًا كثيرًا على الطَّعام. ويُمكِنُهُ أن يُطَلِّقَها إنْ مَشَتْ في الشَّارعِ برأسٍ مَكشوف. ويُمكِنُهُ أن يُطَلِّقَها إنْ تَحَدَّثَتْ إلى الرِّجالِ في الشَّوارع. وكَمْ أُحِبُّ النُّقطة التَّالية: فيُمكِنُهُ أن يُطَلِّقَها إنْ تَكَلَّمَتْ باستخفافٍ عن حَماتِها. وهذه نُقطة جَيِّدة حقًّا. ويُمكِنُهُ أن يُطَلِّقَها إنْ جَادَلَتْهُ. وقد تَوَسَّعَ الحَاخَامُ "عَكيفا" (Akiva) في الكَلامِ فَفَسَّرَ هذه العِبارة بأنَّها تَعني أنَّ الزَّوجَ يَستطيعُ أن يُطَلِّقَ زوجَتَهُ إنْ وَجَدَ فيها عَيْبًا مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِهِ لأنَّهُ وَجَدَ امرأةً أَجملَ مِنها.
والآن، احْزَروا ما الرَّأيُ الَّذي كانَ أكثر شُيوعًا بينَ الرِّجال. لقد كانَ أتباعُ شَمَّاي قِلَّة قَليلة جدًّا، أمَّا أتباعُ هِلِّيل فكانوا كُثُرًا. لِذا فقد انتشرَ الطَّلاقُ على نِطاقٍ واسعٍ في زمنِ يسوع. وكانتِ النِّساءُ يُطَلَّقْنَ في كُلِّ مكان. وقد كُنَّ ضَحايا لهذه المُعاملةِ مِن دونِ أنْ يَحْصُلْنَ على أيِّ شيء. فَكُلُّ ما كانَ يَتوجَّبُ على الرَّجُلِ أنْ يَفعلَهُ في زمنِ يسوعَ وفي زمنِ بولس هو ببساطة: أن يُعطيها كِتابَ طَلاق. وكُلُّ ما كانَ يَنبغي القيامُ بهِ للحُصولِ على كِتابِ طَلاقٍ هو أن تَطلُبَ مِن أحدِ حَاخَاماتِ اليهودِ أن يَكتُبَهُ لَكَ بحضورِ شاهِدَيْن فَيَتِمُّ الطَّلاق. فهذا هو كُلُّ ما في الأمر. فأنتَ تَذهبُ إلى أحدِ الحَاخَاماتِ فَيَكْتُبُ ورقةَ الطَّلاق. ورُبَّما كانوا يُعطونَهُ مَبلغًا صغيرًا مِنَ المالِ بوجودِ شاهِدَيْن. هذا هُوَ كُلُّ شيء. والنَّفَقةُ الوحيدةُ أوِ الدَّعمُ الماديُّ الوحيدُ هو أن يَدفَعَ لها مُؤخَّرَها فَيَتِمُّ الطَّلاق. وقد كانَ اليهودُ مُدَقِّقونَ في مُراعاةِ الجانبِ التِّقَنِيِّ إذْ كانوا يَحرِصونَ على إحضارِ أحدِ الحَاخاماتِ، وإعدادِ الوثيقة؛ ولكنَّ قُلوبَهُم كانت مُمتلئة حقدًا وشَرًّا. وفي إنجيل مَتَّى 5: 31، يُشيرُ يَسوعُ إلى هذهِ العادةِ السَّائدة: "وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق". فهكذا كانَ يَتِمُّ الأمر. هل تُريدُ أن تُطَلِّقَ زوجَتَكَ؟ احرِصْ وَحَسْب على إتمامِ المُعاملة. فهذا هو كُلُّ شيء. تَمِّم المُعاملة. وأعتقد أنَّهُ لكي نكونَ مُنْصِفينَ للتَّاريخِ اليهوديِّ، يَقتضي التَّنويهُ إلى أنَّهُ في أوقاتٍ مُختلفة مِنَ التَّاريخِ اليهوديِّ، كانت هناكَ آراء مُختلفة. ولكِن في زمنِ يسوع، كانَ هذا هو الرَّأيُ السَّائد. لِذا فقد كانَ الطَّلاقُ هو الحَلُّ لأيِّ نِزاعٍ قَصير الأجل أَم طَويل الأجل. لِذا فإنَّ مؤسَّسةَ الزَّواجِ بِأسرِها صارت مُهَدَّدةً. وبالمُناسبة، كانَ الزِّنا مُستفحِلاً في زمنِ يسوعَ حَتَّى بينَ اليهود.
والآن، لِنَنظُر إلى اليُونانِيِّين. فقد كان اليونانيُّونَ ينظرونَ نَظرةً مُشابهة جدًّا إلى هذهِ المسألة. ولكنَّهم لم يَكونوا يُبالونَ بأيِّ تفاصيلَ مُختصَّة بالعهدِ القديم. وَلم يكونوا يُبالونَ بالعُثورِ على آية يُسيئونَ تَفسيرَها كي يُبَرِّروا ما يَفعلونَهُ، بل إنَّهم كانوا يَعيشونَ وَحَسْب دونَ أيِّ اعتبارٍ لأيِّ وَفاءٍ زَوْجِيّ. وقد كانَ الزِّنا جُزءًا لا يَتجزَّأُ مِنَ الحياةِ اليونانيَّة. وكانت دياناتُهم مَحْشُوَّة بالزَّانيات. وهُناكَ مَن يَعتقدُ، كما رأينا في المَرَّة السَّابقة، أنَّهُم كانوا يَعبدونَ آلِهَتَهُم لا مِن خلالِ السُّكْرِ فقط، بل أيضًا أنَّهم كانوا يَعبدونَ آلِهَتَهُم مِن خلالِ إقامةٍ علاقاتٍ جنسيَّة بإحدى الكاهِناتِ الزَّانيات. وقد قالَ الخَطيبُ اليونانيُّ الشَّهير "دوموسثينيس" (Domosthenes): "لدينا مَحظيَّاتٌ لأجلِ المُتعة. ولدينا سَراري لأجلِ المُساكَنَة اليوميَّة. ولدينا زوجاتٌ مِن أجلِ إنجابِ الأبناءِ شَرعيًّا، ولكي يكونَ هناكَ شخصٌ نأتَمِنُهُ على تَدبيرِ مَنازِلِنا". فأنتَ تُنجِبُ الأبناءَ وتَدفَعُ الفواتير. وهذا هو كُلُّ ما في الأمر. وكانَ الرَّجُلُ اليونانيُّ يَجِدُ مُتعَتَهُ...وَحَتَّى صَداقَتَهُ...خارجَ زَواجِهِ.
فقد كانت زوجَتُهُ مُجَرَّدَ شخصٍ يُدَبِّرُ مَنزِلَهُ، ومُجَرَّدَ شخصٍ يُنجِبُ لَهُ الأبناء. وقد كانَ يَجِدُ مُتعَتَهُ الجنسيَّة خارجَ نِطاقِ زَواجِهِ. وكانَ يُقيمُ صَداقاتِهِ خارِجَ نِطاقِ زَواجِهِ. وكانَ البيتُ والعائلةُ مُنقَرِضَيْنِ تَقريبًا. وكانَ الإخلاصُ شيئًا عديمَ الوجودِ تقريبًا. ولم تكن هناك إجراءات قانونيَّة للطَّلاق. فالرِّجالُ يُطَلِّقونَ زوجاتِهم وَحَسْب. لِذا، عندما يَكتُبُ بولسُ المبادئَ الَّتي يَكتُبُها هُنا فإنَّهُ يَصْطَدِمُ حَقًّا بالثَّقافة. لِذا، عندما يَكتُبُ بولسُ إلى الكنيسةِ الباكرةِ فإنَّهُ يُرَكِّزُ على خطيَّةِ الزِّنا كثيرًا جدًّا. فعندما تَقرأونَ رَسائلَ بولس، ستجدونَ أنَّ خطيَّةَ الزِّنا تَتكرَّرُ المَرَّةَ تِلوَ المَرَّة. وَهُوَ يَذكُرُ الكلمة "بورنيا" (porneia) أوِ الفِعْل "بورنوو" (porneuo) للإشارة إلى الانغماسِ في الخطيَّة الجنسيَّة. وهي كَلِمَة تُشيرُ إلى الزِّنا والدَّعارةِ والانحرافاتِ الجنسيَّةِ بِكُلِّ أنواعِها لأنَّ العالَمَ كانَ غارقًا في هذه الأشياء؛ أيِ العالمُ الأُمَمِيّ. وعندما تَقرأون رِسائِلَهُ، لن تَجِدوا صُعوبةً في تَذَكُّرِ أنَّ تلكَ المُمارساتِ كانت شائعة جدًّا. فهي جُزءٌ مِنَ الحياةِ وَحَسْب. والكلمة "بورنوو" (porneuo) أو "بورنيا" (porneia)، وهي جَذْرُ الكلمة، تَعني "يَزني". والكلمة "بورني" (porne) تُشيرُ إلى امرأةٍ للبَيع. والكلمة "بورنوس" (pornos) تُشيرُ إلى رَجُلٍ يَضْطَجِعُ معَ زانيةٍ، أو إلى رَجُلٍ زَانٍ؛ أيْ إلى رَجُلٍ فَاسِقٍ أو مِثليٍّ جنسيٍّ. وقد كانَ ذلكَ مُنتشرًا في كُلِّ مكان. والكلمة "بورنيا" (porneia) هي كلمة شائعة جدًا في مُفرداتِ بولس.
وعلى سَبيلِ المِثال، وَفقًا لقانونِ الجنسيَّة في سنة 451 قبلَ الميلاد، أيْ قَبْلَ أربعةِ قُرونٍ ونِصف مِن ميلادِ المسيح، لم يَكُنْ سُكَّانُ أثينا (على سبيلِ المِثالِ) يَملِكونَ أيَّ حُقوقٍ جنسيَّة إنْ لم يَكُن كِلا الأبَوَيْنِ أَثينيًّا. وبالنِّسبةِ إلى كثيرين، كانَ هذا يعني فُقدان المَزايا الماديَّة. لِذا، لم يَكُن يوجدُ لدى النِّساءِ غير الأثينيَّات أيُّ رَجاءٍ في الزَّواج. فإن لم تَكوني امرأة أثينيَّة، لن تَتزوَّجي لأنَّكِ لا تستطيعينَ أن تُنجِبي أبناءً مُواطِنين. ولم يَكُن أيُّ رَجُلٍ يُريدُ أن يُنجبَ أبناءً لا يُمكِنُهم أن يكونوا مُواطِنينَ أثينِيِّينَ. لِذا، كانتِ النِّساءُ غيرُ الأثينيَّاتِ يَتَّجِهْنَ إلى مُمارسةِ الدَّعارة. والحقيقة هي أنَّهُنَّ كُنَّ مُوْمِساتٍ مُحترفاتٍ مِن فِئة تُسَمَّى "هيتيراي" (hetairai)، وهي كلمة يونانيَّة تَعني: "مِن نَوعٍ آخر". لِذا، كانَ العالمُ القديمِ (كما هي الحالُ في أثينا) مُزدحمًا بالمومِسات. ولم تَكُنِ النِّساءُ المتزوِّجاتُ مُتعلِّمات، بل كُنَّ يُحْسَبْنَ مَتاعًا، ويُستَخدَمْنَ مِن أجلِ تَدبيرِ المَنزِلِ وإنجابِ الأبناء. وكانَتِ العُبوديَّةُ مُتَفَشِّيَةً في العالمِ اليونانيِّ وتَسمحُ للرِّجالِ أن يَستعبدوا فتياتٍ لأجلِ إشباعِ رغباتهم الجنسيَّة فقط؛ أيْ كعشيقات. وكانتِ الدَّعارةُ، والزِّنا، والخطيَّة الجنسيَّة بجميعِ أشكالِها مُتَفَشِّيَةً في كُلِّ مكانٍ في الثَّقافةِ اليونانيَّة. وكانوا يُشَجِّعونَ النِّساءَ الأثينيَّات على تَلبيةِ حاجاتِهِنَّ الجنسيَّة معَ العبيدِ وَمِن خلالِ المُمارَساتِ السُّحاقِيَّة. وبالمُناسبة، فقد انتشرَ أيضًا في جميعِ أنحاءِ العالمِ اليونانيِّ القديمِ قبلَ وقتٍ طويلٍ مِن بولس وَحَتَّى في زَمَنِ بولس اللِّواطُ بالأطفالِ (أيْ أنْ يُمارِسَ الرِّجالُ الجِنسَ معَ الأطفالِ الصِّغار). وقد وُجِدَتِ الدَّعارةُ كَشَكلٍ مِن أشكالِ العِبادةِ في بِدَعِ الخُصوبة. فهذه هي حالُ أثينا آنذاك.
ولننتقِل إلى رُوما قليلاً. وأقَلُّ ما يُمكِنُ أن يُقالَ عنِ الانحلالِ في روما هو أنَّهُ كانَ أسوأ. ويَكتُبُ "وليام باركلاي" (William Barkley) الَّذي كَتَبَ الكثيرَ عنِ الخلفيَّاتِ التاريخيَّة: "في أوَّلِ خمسمئةِ سنةٍ مِن حياةِ رُوما، لم تكن هناكَ حالةُ طَلاقٍ واحدة مُسَجَّلة. وكانت أوَّلُ حالةِ طَلاقٍ مُسَجَّلة تَخُصُّ "سبوريوس كارفيليوس روغا" (Spurius Carvilius Ruga) في سنة 234 قبلَ الميلاد. ولكِن في زمنِ بولس، كانتِ الحياةُ العائليَّة في روما مُنهَدِمَة. وكانت أثينا تَسبِقُها بأشواط إذ إنَّها ابتدأت في سنة 451. فقد انْقَضَتْ نَحْوُ مِئتي سَنَة أخرى قبلَ أن تَلْحَقَ رُوما بها. وفي زمنِ بولس، بحسبِ أقوالِ "سينيكا" (Seneca)، كانتِ النِّسوةُ يَتَزَوَّجْنَ لِيَتطلَّقْنَ، ويَتطلَّقْنَ لِيَتَزَوَّجْنَ. وعادَةً، لم يَكُنِ الرُّومانُ يَعُدُّونَ أعوامَهُم بالأرقامِ، بل كانوا يَعُدُّونَ أعوامَهُم بشيئين. فقد كانَ الرِّجالُ يَعُدُّونَ أعوامَهُم بأسماءِ الحُكَّامِ الرُّومانيِّينَ الَّذينَ حَكَموا. أمَّا النِّساءُ فبحسبِ عَدَدِ أزواجِهِنَّ. ويَحكي "جيروم" (Jerome) قِصَّةَ امرأةٍ تَزوّجت. وبحسبِ السجلَّاتِ الَّتي تَمَّ العُثورُ عليها بهذا الخُصوص، فقد تَزوَّجت مِن زوجها الثَّالثِ والعِشرين، وكانت هي زوجَتُهُ الحادية والعشرون. فهكذا كانتِ الحالُ آنذاك. وقد أَمَرَ الإمبراطور "أوغسطس" (Augustus) رَجُلاً أنْ يُطَلِّقَ زوجَتَهُ...فقد أمرَ الإمبراطور "أوغسطس رَجُلاً أنْ يُطَلِّقَ زوجَتَهُ وهي حُبْلَى كي يَحصُل هو عليها. وقد كَتَبَ "جيروم كاركوبينو" (Jerome Carcopino) كِتابًا صغيرًا بعُنوان: "الحياة اليوميَّة في روما القديمة" (Daily Life in Ancient Rome)، وهو يَقولُ في هذا الكِتاب: "كانت هناكَ حَركة نِسائيَّة مُتَفَشِّية في روما القديمة أدَّتْ إلى انحلالِ الأخلاقِ". وهو يَكتُبُ قائلاً إنَّ بعضَ النِّسوة كُنَّ يَتَجَنَّبْنَ إنجابَ الأطفالِ خوفًا مِن فُقدانِ شَكلِهِنَّ الجَذَّاب. هل يبدو هذا الكلامُ مألوفًا؟ وكانت بعضُ النِّسوة يَفْتَخِرْنَ بأنَّهُنَّ لا يَتْبَعْنَ أزواجَهُنَّ في شيءٍ، بل كُنَّ يَتَنافَسْنَ مَعَهُم في اختباراتٍ للقُوَّة. لِذا، كانت هُناكَ نِساءٌ يَعْمَلْنَ على بِناءِ قُوَّتِهِنَّ الجسديَّة كي يُنافِسْنَ أزواجَهُنَّ. وهُناكَ نِساءٌ تَابَعْنَ حَياتَهُنَّ بِدونِ أزواجِهِنَّ ولم يَخْجَلْنَ مِنَ اقتِحامِ عالَمِ الرَّجُلِ وَمُنافَسَتِه. وفي نهايةِ القرنِ الثَّاني، كما كَتَبَ "كاركوبينو"، كانتِ العديدُ مِنَ الزِّيجاتِ الرُّومانيَّة بِدونِ أطفال.
وهو يَكتُبُ قائلاً: "إنْ أَبْدَتِ النِّساءُ الرُّومانيَّاتُ تَرَدُّدًا في أداءِ واجِباتِهِنَّ الأُموميَّة، كُنَّ يُكَرِّسْنَ ذواتِهِنَّ، مِن جهةٍ أخرى، بحماسةٍ كُلُّها تَحَدٍّ لكُلِّ أنواعِ الأعمالِ الَّتي كانَ الرِّجالُ في أيَّامِ الجُمهوريَّةِ يَحتفظونَ بها بِغَيْرَةٍ لأنفُسِهم. فالنِّساءُ لَمْ يَشَأنَ أنْ يَجْلِسْنَ في البيت. ومَرَّةً أخرى، كانَتْ اللَّعنةُ هُنا تُعَبِّرُ عن نفسِها بنفسِها. فقد رَغِبْنَ في السَّيطرة. وقد رَغِبْنَ في التَّمرُّد. وقد ابتدأنَ في اقتحامِ مَجالاتٍ لم يَكُنْ يُسْمَحُ لأحدٍ سِوى الرِّجالِ حَتَّى ذلكَ الوقت بالعملِ فيها. فقد تَرَكْنَ أعمالَ التَّطريز، والقراءة، والتَّرنيم، والعَزْفَ على الآلاتِ الموسيقيَّةِ، وَوَضَعْنَ كُلَّ حماسَتِهِنَّ في محاولةٍ مِنْهُنَّ لمُنافسةِ الرِّجالِ، أوْ حَتَّى للتفوُّقِ عليهم في كُلِّ مجال. هل يبدو ذلكَ مألوفًا؟ وهُناكَ نِسوة انْهَمَكْنَ بِشَغَفٍ في دراسةٍ دَعاوى قانونيَّة أو أحوالٍ سياسيَّةٍ سائدةٍ آنذاك بِهَدَفِ تَصَدُّرِ عناوينِ الأخبارِ في جَميعِ أنحاءِ العالم وبِهَدَفِ أنْ يَصِرْنَ حَديثَ البلدةِ، وَمَحَطَّ الأنظارِ في قاعاتِ المحكمة. وقد حَرِصْنَ على الاطِّلاعِ على آخِرِ الأحداثِ في ثَرَاسيا (Thrace) أو في الصِّين. وقد كُنَّ يُقَيِّمْنَ فَداحَةَ الأخطارِ الَّتي تُهَدِّدُ مَلِكَ أرمينيا أو بارثيا في تَحَدٍّ وَقِحٍ للرِّجال. وقد تَوَسَّعْنَ في نَظريَّاتِهِنَّ وخُطَطِهِنَّ إلى أنْ أَصْبَحْنَ يَرْتدينَ زِيَّ ضُبَّاطٍ أوْ زِيًّا مَيدانيًّا في حين كانَ أزواجُهُنَّ يَنظُروا إليهنَّ بصمت. وهُناكَ كاتِبٌ آخر اسمُهُ "جوفينايل" (Juvenile) انتقدَ النِّساءَ اللَّاتي...استمعوا إلى هذا...اللَّاتي شَارَكْنَ في رِحلاتِ صَيْدٍ يَقومُ بها الرِّجالُ وَهُنَّ يَحْمِلْنَ رُمْحًا في أيديهنَّ وَيَرْكُضْنَ بصُدورٍ عاريةٍ كي يَقْتُلْنَ الخَنازير، ولا سِيَّما أولئكَ اللَّاتي كُنَّ يَشتركنَ في المُبارزة وَحَتَّى في المُصارعة النِّسائيَّة. ولا أدري إنْ كُنَّ يَتَصَارَعْنَ في الوَحْلِ أَمْ لا، ولكِنَّهُنَّ كُنَّ يَتصارَعْنَ. وهو يَكتُبُ: "ما الحَياءُ الَّذي يُمكِنُكَ أن تتوقَّعَهُ مِنِ امرأةٍ تَرتدي خُوذة؟ وامرأةٍ تَتباهى بِقوَّتِها؟ وكانت هؤلاءِ النِّسوة يَنْغَمِسْنَ في الأكلِ بِشَراهَة، ويَنغَمِسْنَ في السُّكْر. ويَكتُبُ "كاركوبينو": "سُرعانَ ما ابتدأتِ النِّساءُ بخيانةِ العَهْدِ الَّذي كانَ ينبغي أنْ يَقْطَعَهُنَّ لأزواجِهِنَّ. وَقد تَجَرَّأتِ العديدُ مِنهُنَّ على قَطْعِ هذا العَهْد. وقد صارَ الشِّعارُ: "عِيشي حَياتَكِ كَما يَحلو لَكِ" شِعارًا اعْتَمَدَتْهُ المرأةُ في القرنِ الثَّاني قبلَ الميلاد.
وتقولُ إحدى السيِّدات لِزوجِها: "لقد اتَّفقنا قبلَ وقتٍ طويلٍ على أن تَعيشَ حَياتَكَ كما تَشاء، وأن أعيشَ أنا حياتي كما أشاء. فيمكنكَ أنْ تُبَلْبِلَ البحرَ والسَّماءَ بِجَعْجَعَتِك (فهذا هو ما قالَتْهُ لِزوجِها)، ولكنِّي إنسانَةٌ في نِهايةِ المَطاف". وهذا يبدو مألوفًا. أليسَ كذلك؟ المساواة في الحُقوق، والمُساواة في كُلِّ شيء. فقد كانتِ الزِّيجاتُ غير السَّعيدة لا تُحْصَى. وكانَ الطَّلاقُ مُتَفَشِّيًا كالوبأ. ويَكتُبُ "جوفينايل" أيضًا (وَهُوَ كاتِبٌ رُومانيٌّ قديم): "لِذا فقد صارتِ الزَّوجةُ تَتَسَلَّطُ على زوجِها، ولكِنَّها سُرعانَ ما أَخْلَتْ مَملكتها. فهي تَنتقل مِن منزلٍ إلى الآخر وهي تَرتدي خِمارَ العَروس. وقد صارَ الزَّواجُ حَرفيًّا شَكلاً مِن أشكالِ الدَّعارةِ الطَّويلةِ الأجل. وكانت حالاتُ الطَّلاقِ شائعة جدًّا عندَ رِجالِ القانونِ حَتَّى إنَّ الكثيرَ مِنها كانَ يؤدِّي غالبًا إلى عودةِ السيِّدة بعدَ مراحل مُتوسِّطة عديدة إلى فِراشِها الزَّوجيِّ الأصليِّ". وعلى أيِّ حالٍ، لقد فَهِمْتُم ما كانَ يَجري. في إطارِ هذهِ الخلفيَّة النَّاجمة بصورة رئيسيَّة عن سُقوطِ الجنسِ البشريِّ...في إطارِ هذه الخلفيَّة الشَّبيهة جدًّا بيومِنا هَذا؛ أي خلفيَّةِ الخيانة، وخلفيَّةِ الطَّلاق، وخلفيَّةِ سِفاحِ القُربى، والجنسيَّة المِثليَّة، والزِّنا، والدَّعارة، ومُمارسةِ الجِنسِ معَ الأطفال، وكُلِّ تلكَ الأمورِ...في إطارِ تلكَ الخلفيَّة يَكتُبُ بولُس. وهو لا يَتحدَّثُ هُنا عَمَّا يُؤمِنُ بهِ النَّاسُ عَامَّةً. وهو لا يَذكُرُ الرَّأيَ الشَّائع، بل إنَّهُ يَدعو الرِّجالَ والنِّساءَ إلى نوعيَّةِ حَياةٍ مُناقضة تمامًا لِما كانوا مُنغَمِسينَ فيه. وهذا يُذَكِّرُني بما حَدَثَ عندما ذَهبتُ إلى جامعة "نورثريدج" بولاية كاليفورنيا (Northridge Cal State University) للتحدُّثِ أمامَ طَلَبَةِ الفلسفة. وكانَ الأُستاذُ حَاخَامًا سابقًا يَحملُ شهادةَ الدُّكتوراه في الفلسفة. وقد طَلَبَ مِنِّي أن أُكَلِّمَ الصَّفَّ عنِ الأخلاقياتِ الجنسيَّةِ الكِتابيَّةِ المَسيحيَّةِ بالرَّغمِ مِن أنَّهُ كانَ يَعلمُ أنَّ هذه طريقة مَضمونة لِقَطْعِ رأسِكَ في جامعةٍ عِلمانيَّة. وقد كانت فُرصة تَنطوي على تَحَدٍّ كبيرٍ جدًّا. وبعدَ أن ذَكَرْتُ ما يَقولُهُ الكتابُ المقدَّسُ، قلتُ: "مِنَ المؤكَّدِ أنَّ أحدًا مِنكُم لا يَقبَلُ هذا الكلامَ لأنَّكُم لا تَمْلِكونَ التَّكريسَ الدَّاخليَّ النَّابعَ مِن مَعرفةِ اللهِ، ولا تَملكونَ قلبًا اختبرَ التَّغييرَ ويُحِبُّ المسيحَ حَتَّى تُبالوا بالحِفاظِ على هذه المعايير". ولكِنْ كما أنَّ هذه المَعاييرَ مُناقضة لِثَّقافةِ اليوم، فإنَّها كانت مُناقِضَة أيضًا للثَّقافةِ السَّائدةِ في زمنِ بولس. وَمِنَ المُهمِّ أن تُدركوا أنَّ ما يَحدُث اليومَ هو أنَّ لدينا حَفْنَة مِنَ الأفرادِ يُطالبونَ بِفَعْلِ ما يَحلو لَهُم. فَهُمْ يَعيشونَ السُّقوط...اسمعوني جيِّدًا...مِنْ دونِ ضَوابِطَ ثقافيَّة. وفي بعضِ الثَّقافاتِ، حَتَّى في ثقافَتِنا، قبلَ سَنواتٍ خَلَتْ، كانت هُناكَ بعضُ الضَّوابطِ الثَّقافيَّة؛ ولكِنَّها اخْتَفَتِ الآن. لِذا فإنَّكُم تَرَوْنَ الآنَ الواقع. فالزَّواجُ هُوَ مُجَرَّد صِراع على الحُقوق، ولكِنْ ليسَ بحسبِ تَعريفِ الله. فاللهُ لديهِ خُطَّة مُختلفة تمامًا. وتلكَ الخُطَّة تَتَكَشَّفُ هُنا. ولكي أُقَدِّمَ لكم المبدأَ الرَّئيسيَّ في تلكَ الخُطَّة، فإنَّ كُلَّ ما أحتاجُ إلى قولِهِ هو أنَّها خُطَّة تقومُ على السُّلطَة والخُضوع. فهناكَ شخصٌ مَسؤولٌ عنِ القيادة. ويجب على الشَّخصِ الآخر أنْ يَكونَ تابعًا. والأمرُ لا صِلَةَ لَهُ بالدُّونيَّة البَتَّة، بل هُوَ وَثيقُ الصِّلَةِ بالانسجام. فلا يَجوزُ للمرأةِ أن تَسعى إلى اغتصابِ السُّلطَةِ مِنَ الزَّوجِ والسَّيطرةِ عليه. ولا يَجوزُ للزَّوجِ أن يُعاملها مُعاملةً غير لطيفة ولا أنْ يَتَسَلَّطَ عليها بِدونِ أيِّ حِسّ.
فعندما نَسْمَحُ بهذا الخَلَل، فإنَّهُ يُحْدِثُ فَوضَى هائلة كما هي الحالُ في يومِنا هذا. ولكِن عندما نَتْبَعُ النَّموذجَ الإلهيَّ فإنَّ العلاقةَ بأسرِها تَصيرُ سَليمةً. وهناكَ صُورة رائعة عن ذلك أَوَدُّ أنْ أُخَصِّصَ لها بِضْعَ دقائقَ كي أُريكُم إيَّاها قبلَ أنْ نَختِمَ حَديثَنا. افتحوا على ذلكَ السِّفرِ الرَّائعِ الَّذي نَقرأُهُ كثيرًا جدًّا ولا نَعِظُ مِنْهُ إلَّا قليلاً...سِفْر نَشيد الأنشاد. وفي السَّنواتِ الباكرةِ مِنْ عُمْرِ الشَّبابِ فإنَّهم يَقرأونَ هذا السِّفْرَ ويتَعَجَّبونَ دائمًا كيفَ أنَّ هذهِ الفتاةَ صَدَّقَتْ كُلَّ هذا الكلامَ المَعسول.
ولكِنَّ سِفْرَ نَشيدِ الأنشادِ هُوَ سِفْرٌ مُدهشٌ ورائعٌ جدًّا. وهو صُورة جميلة عنِ العلاقةِ السَّليمةِ بينَ الرَّجُلِ والمرأة. ونَجِدُ هُنا سُلطةً وخُضوعًا، ولكنَّكَ لا تَشعُر بهما لأنَّهما يَنْصَهِرانِ معًا في رَوعةِ الحُبِّ. وهو أمرٌ يحدثُ بصورة طبيعيَّة جدًّا. ومِنَ الأمثلةِ على ذلك ما جاءَ في الأصحاحِ الثَّاني. لاحِظوا مَحبَّةَ هذا الرَّجُلِ لهذهِ المرأة: "كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ كَذلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ". وَهِيَ تَتَحَدَّثُ عنهُ الآن. "تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ". وهذه هي نوعيَّةُ السُّلطةِ الَّتي نَتحدَّثُ عنها. فهو كالتُّفَّاحِ بينَ شَجَرِ الوَعْر. وما الفَرقُ بينَ شجرةِ التُّفَّاحِ وشجرِ الوَعْر؟ سوفَ أقولُ لكم: الثَّمَر. فَهُوَ يَسُدُّ حاجاتي. لِذا: "كذلكَ حَبيبي بينَ البَنين". بعبارة أخرى، إنَّ لديهِ الكثيرَ جِدًّا لِيُقَدِّمُه. وهي تَنظُر إليه وتَرى كُلَّ ما يَفعَلُهُ لأجلِها. "تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي". فهذا هو ما يُبْهِجُ قلبَ المرأة. فلا يوجد استبدادٌ في المُعاملة، بل عَطاءٌ وَحَسْب، وَسَدٌّ للحاجاتِ وَحَسْب. وأنا أقولُ لَكُمْ إنَّهُ سَخِيٌّ: "أَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتِ الْخَمْرِ، وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ". بعبارة أخرى: إنَّهُ يَسكُبُ مَحَبَّتَهُ سَكْبًا...إنَّهُ يَسْكُبُها سَكْبًا. "أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا". بعبارة أخرى، فإنَّها هَائمةٌ في عِشْقِ هذا الشَّخص.
"شِمَالُهُ تَحْتَ رَأسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي". فأنا أريدُ مِنهُ أنْ يُعانِقَني. وهي تتحدَّثُ هُنا جسديًّا. فأنا أُريدُ مِنهُ أنْ يَضَعَ ذِراعيهِ حَولي. ونحنُ نَرى هُنا امرأةً تَشعُرُ بالاكتفاءِ حَقًّا لِمُجَرَّدِ أنْ تَكونَ تحتَ حِمايَتِهِ، ومُحاطَةً بقوَّتِهِ وعِنايتِهِ ومحبَّتِه بسببِ ما يُوَفِّرُهُ لها. ثُمَّ إنَّها تَدعو بَناتِ أورُشليمَ اللَّاتي يُمَثِّلْنَ الوَصيفاتِ فتقول: "أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحُقُولِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ". فالزَّوجُ يَضْطَجِعُ هُنا...أوِ الزَّوجُ المُستقبليُّ الَّذي تُحِبُّهُ. "صَوْتُ حَبِيبِي. هُوَذَا آتٍ طَافِرًا عَلَى الْجِبَالِ، قَافِزًا عَلَى التِّلاَلِ". فالشَّابُّ رِياضيٌّ. لا شَكَّ في ذلك.
"حَبِيبِي هُوَ شَبِيهٌ بِالظَّبْيِ أَوْ بِغُفْرِ الأَيَائِلِ. هُوَذَا وَاقِفٌ وَرَاءَ حَائِطِنَا، يَتَطَلَّعُ مِنَ الْكُوَى، يُوَصْوِصُ مِنَ الشَّبَابِيكِ". إنَّ هذه الفتاةَ عاشِقَةٌ حقًّا لأنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ يَقومُ بها هذا الشَّابُّ تَفْتِنُها. "أَجَابَ حَبِيبِي وَقَالَ لِي: «قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ". وأنا أَعرِفُ أنَّكُم تَقولونَ الآن: "مِنَ الواضِحِ أنَّهُ لم يَمْضِ وقتٌ طويلٌ على زواجِهما". "لأَنَّ الشِّتَاءَ قَدْ مَضَى، وَالْمَطَرَ مَرَّ وَزَالَ. الزُّهُورُ ظَهَرَتْ فِي الأَرْضِ. بَلَغَ أَوَانُ الْقَضْبِ، وَصَوْتُ الْيَمَامَةِ سُمِعَ فِي أَرْضِنَا. التِّينَةُ أَخْرَجَتْ فِجَّهَا، وَقُعَالُ الْكُرُومِ تُفِيحُ رَائِحَتَهَا. قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ. يَا حَمَامَتِي فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ، فِي سِتْرِ الْمَعَاقِلِ، أَرِينِي وَجْهَكِ، أَسْمِعِينِي صَوْتَكِ، لأَنَّ صَوْتَكِ لَطِيفٌ وَوَجْهَكِ جَمِيلٌ".
وكما تَرَوْنَ، فإنَّ هذهِ العَروسَ عاجِزَة عن وَصْفِ كُلِّ مَشاعِرِها. ولكنَّنا لا نَسمَعُ مِثلَ هذا الكلامِ الآن، بل نَسمَعُ: "أنا أريدُ أن أُسَيطرَ على هذه العلاقة. يجب عليَّ أن أجعلَ هذا الشَّخصَ يَفعل ما أُريد". فنحنُ لم نَعُد نَسمعُ هذا الكلامَ الرَّقيق. والعدد 16 يُلَخِّصُ الأمرَ حَقًّا: "حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ". فهذه هي النُّقطةُ الجوهريَّة. فهو عَطاءٌ مُتبادَل، ولكِنَّ دَوْرهُ يَتطلَّبُ مِنهُ أن يَعتني بي، وأنْ يَسُدَّ حَاجاتي، وأنْ يُعانِقَني، ويَحميني، ويَضُمَّني. ونَقرأُ في الأصحاحِ الرَّابعِ والعدد 16: "اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا. لِيَأتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ". وهل تَعلمونَ ما الَّذي تَتَمَنَّاهُ لَهُ؟ إنَّها تَتمنَّى لَهُ الأفضل. وهي مَسرورة بأنْ تَخضعَ لَهُ. فهو لَها. وما لَديهِ يُنْعِشُ قَلبَها. فهي تتمنَّى لَهُ الأفضلَ وَحَسْب. وهذا نَموذجٌ رائعٌ للعلاقات. ونَقرأُ في الأصحاحِ السَّابعِ والعدد 10 عِباراتٍ رائعةً أُخرى: "أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ". وفي هذه الحالة، فإنَّ هذه الرَّغبة هي رَغبة سَليمة. فَشوقُهُ هو لَها. وَهُوَ يُريدُها. وَهُوَ يَشتاقُ إليها.
ارجِعوا إلى الأصحاحِ الخامسِ والعدد 10: "حَبِيبِي مُتَألِّقٌ...[وكَمْ أُحِبُّ هذه التَّرجمة!] "... وَأَحْمَرُ". فَهُوَ مُمَيَّزٌ. فَهُوَ أكْثَرُ شَابٍّ وَسامَةً بينَ عَشرَةِ آلاف. رَأْسُهُ ذَهَبٌ إِبْرِيزٌ. قُصَصُهُ مُسْتَرْسِلَةٌ حَالِكَةٌ كَالْغُرَابِ". فَهُوَ برونزيٌّ وَشَعرُهُ أسود. "عَيْنَاهُ كَالْحَمَامِ..." [فَهُما هَادئتانِ ومُسالِمَتان] "...كالحَمامِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ، مَغْسُولَتَانِ بِاللَّبَن". إنَّها تَنجَرِفُ قليلاً هُنا! ثُمَّ إنَّها تَقولُ "جَالِسَتَانِ فِي وَقْبَيْهِمَا". فَعيناهُ كَالحَمامِ. ولكِنَّهُ ليسَ أيُّ حَمامٍ، بل هو حَمامٌ على مَجاري المِياه. وهو حَمامٌ مَغسولٌ باللَّبَن. وهُوَ حَمامٌ جَالسٌ. "خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ. شَفَتَاهُ سُوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرًّا مَائِعًا". جَرِّبوا ذلكَ، يا أحبَّائي. فَمَنْ يَدري ما قد يَحدُث!
"يَدَاهُ حَلْقَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، مُرَصَّعَتَانِ بِالزَّبَرْجَدِ. بَطْنُهُ عَاجٌ أَبْيَضُ مُغَلَّفٌ بِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ". "سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ، مُؤَسَّسَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ إِبْرِيزٍ. طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ. فَتًى كَالأَرْزِ". فَجَبَلُ لُبنانُ مُرتفعٌ، ومَكسوٌّ بالثَّلج، وشامِخٌ. "حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هذَا حَبِيبِي". وَكَمْ أُحِبُّ هذا! فهذا مَنْ؟ "هذَا خَلِيلِي". فلا يوجد خِلافٌ هُنا. ولكِنْ لا شَكَّ في وُجودِ السُّلطةِ والخُضوعِ معًا. والآن، أعتقد أنَّ هذا لا يَعني أنَّهُ لم تَكُنْ تَحْدُثُ مَشاكل بينهما. ارجِعوا إلى الأصحاحِ الخامسِ والعددِ الثَّاني: "أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ. صَوْتُ حَبِيبِي قَارِعًا: «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي! لأَنَّ رَأْسِي امْتَلأَ مِنَ الطَّلِّ، وَقُصَصِي مِنْ نُدَى اللَّيْلِ»". بعبارة أخرى: اسمَحي لي بالدُّخولِ. فالجَوُّ مَاطِرٌ هُنا.
"قَدْ خَلَعْتُ ثَوْبِي، فَكَيْفَ أَلْبَسُهُ؟ قَدْ غَسَلْتُ رِجْلَيَّ [أيْ: لقد اسْتَحْمَمْتُ]، فَكَيْفَ أُوَسِّخُهُمَا؟ حَبِيبِي مَدَّ يَدَهُ مِنَ الْكَوَّةِ، فَأَنَّتْ عَلَيْهِ أَحْشَائِي. قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي وَيَدَايَ تَقْطُرَانِ مُرًّا، وَأَصَابِعِي مُرٌّ قَاطِرٌ عَلَى مَقْبَضِ الْقُفْلِ. فَتَحْتُ لِحَبِيبِي". وهل تَعرفونَ ما المَعنى المَقصود هُنا؟ لقد قامَتْ لسببٍ مَا بِصَدِّهِ. ولكِنْ ما الَّذي يَفعلُهُ في الخارِجِ تحتَ المَطَر بعدَ أنْ كانَ قدِ اغْتَسَل؟ لا بُدَّ أنَّهُما تَجادَلا. أليسَ كذلك؟ وقد قالت لَهُ ذلكَ الكَلامَ على غِرارِ ما تَقولُهُ النِّساءُ أحيانًا بعدَ إتمامِ كُلِّ الاستعداداتِ لقضاءِ وقتٍ حَميمٍ بينَ الزَّوجين. فقد أزْعَجَها شيءٌ ما. وفجأةً، نَقرأُ أنَّهُ يَقِفُ خارجًا تحتَ المطر! ولكِنَّ الخِصامَ لا يُمكِن أن يَستمرّ: "فَتَحْتُ لِحَبِيبِي، لكِنَّ حَبِيبِي تَحَوَّلَ وَعَبَرَ". لقد تأَخَرَت كثيرًا...تأخَّرَت كثيرًا. "نَفْسِي خَرَجَتْ عِنْدَمَا أَدْبَرَ. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. دَعَوْتُهُ فَمَا أَجَابَنِي". وهذه هي طريقةُ حَلِّ الخِلافات: أنْ يَحزَنَ القلبُ على أيِّ شيءٍ أدَّى إلى ذلكَ الخِلاف. ويبدو أنَّها أثارَتْ ضَجَّةً في المدينة. "وَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ. ضَرَبُونِي. جَرَحُونِي. حَفَظَةُ الأَسْوَارِ رَفَعُوا إِزَارِي عَنِّي. أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا". فهي مَريضةٌ حُبًّا حَتَّى إنَّها خَرَجَتْ فِعليًّا للبحثِ عنه. ونَقرأُ في الأصحاحِ السَّادس: "أَيْنَ ذَهَبَ حَبِيبُكِ أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ؟ أَيْنَ تَوَجَّهَ حَبِيبُكِ فَنَطْلُبَهُ مَعَكِ؟" فقد تُريدُ أنْ تَحُلَّ هذه المُشكلة في أسرعِ وقتٍ مُمكن.
وهي تقول: "حَبِيبِي نَزَلَ إِلَى جَنَّتِهِ، إِلَى خَمَائِلِ الطِّيبِ، لِيَرْعَى فِي الْجَنَّاتِ، وَيَجْمَعَ السَّوْسَنَ. أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ". أنا أَعلمُ أينَ ذَهَب. وهي تُتابِعُ الكَلامَ في العددِ الرَّابع. وأخيرًا، نَقرأُ في العددِ السَّابعِ، أوْ بالحَرِيِّ في الأصحاحِ السَّابعِ، أنَّهُما يَتَطارَحانِ الغَرام معًا. وأعتقد أنَّ السَّببَ الَّذي دَفَعَني إلى اصْطِحابِكُم إلى ذلكَ السِّيناريو هو أنْ أقولَ لكم إنَّهُ ستأتي أوقاتٌ يَحدُثُ فيها خِلاف. ولكِنْ عندما يكونُ القلبُ نَقيًّا، فإنَّ النِّزاعَ يُعالَجُ سريعًا جدًّا...سريعًا جدًّا. وهي تَبحَثُ عنهُ وتَجِدُهُ.
ونَقرأُ في الأصحاحِ السَّادسِ والعَددِ الرَّابع: "أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي كَتِرْصَةَ، حَسَنَةٌ كَأُورُشَلِيمَ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ. حَوِّلِي عَنِّي عَيْنَيْكِ فَإِنَّهُمَا قَدْ غَلَبَتَانِي. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ الْمَعْزِ الرَّابِضِ فِي جِلْعَادَ. تَخَيَّلوا قَطيعَ مَعْزٍ مُنْحَدِرًا مِنَ الجَبَلِ بِلونِهِ الأبيضِ بوجودِ تلكَ الخَلفيَّةِ الغامِقَة. أوْ كانَ يَنبغي أن أقول: تَخَيَّلوا قَطيعَ مَعْزٍ سوداء مُنحدرة مِنْ ذلكَ الجبلِ المَكسوِّ بالثُّلوجِ؛ أيْ جَبَلِ جِلْعاد. اعْكِسوا تلكَ الصُّورة. "أسنانُكِ كَقَطِيعِ نِعَاجٍ [بَيضاء] صَادِرةٍ مِنَ الْغَسْلِ. فهي ناصِعَةُ البَياض.
"كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ خَدُّكِ". وما أعنيه هو أنَّها بَحَثَتْ عنهُ، وأنَّها وَجَدَتْهُ، وأنَّهُما يَتبادلانِ هذا الكَلام. ونَقرأُ في الأصحاحِ السَّابعِ أنَّهُم يَتطارَحانِ الغَرام. وهذا هو الرُّوحُ المَطلوبُ والموقفُ المَطلوب. فسِفْرُ نَشيدِ الأنشادِ ليسَ رَمزيًّا، بل هو صُورة عنِ المحبَّة الزَّوجيَّة. والحقيقة هي أنَّها صُورة مُهمَّة جدًّا. ويُمكِنُكُم أن تَجدوا فيهِ نَموذجًا رائعًا عن حَلِّ الخِلافاتِ، وصورة رائعة عن كيفيَّةِ عَمَلِ السُّلطةِ والخُضوعِ معًا حينَ يكونُ هناكَ شخصانِ مُتَحَابَّانِ ولديهما هذا التَّكريسُ المُذهِل. والحقيقة هي أنَّ الوقتَ قد أَدْرَكَنا.
مِنَ المُهمِّ أن نَفهمَ هذا المبدأَ البسيطَ في الزَّواجِ وَهُوَ أنَّ الأساسَ الرُّوحيَّ يُقَرِّرُ كُلَّ شيء. ثانيًا، هُناكَ علاقةُ سُلْطَةٍ وخُضوع. ولكنَّها ليست مُتْعِبَة، وليست صَعبة، وليست جائِرَة. وأخيرًا، نَجِدُ أفضلَ مَثَلٍ توضيحيٍّ على ذلك (وسوفَ أَخْتِمُ بآيةٍ مِن رِسالةِ كورِنثوسَ الأولى والأصحاح 11) مِن خلالِ العلاقةِ بينَ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ واللهِ الآب. رسالة كورِنثوس الأولى 11: 3: "وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ". فلا وُجودَ لِعَدَمِ المُساواةِ بينَ اللهِ والمسيح، بل إنَّهُما مُتساويان. ولا وُجودَ لِعَدَمِ المُساواةِ بينَ الرَّجُلِ والمرأة. فواحِدٌ منهُما يَتولَّى السُّلطَةَ والآخرُ يَخْضَع. وعندما يَتِمُّ كُلُّ شيءٍ حَسَبَ الأصول، تكونُ العلاقةُ رائعة جدًّا. فالمرأةُ تسعى إليها، وتَبحثُ عنِ الحماية، وتَبحثُ عنِ العاطفةِ، وتَعيشُ تحتَ قيادةِ زوجِها وظِلِّهِ فيما يُلَبِّي حاجاتِها. وهو يَقودُها بِرفقٍ، ورَهافةِ حِسٍّ، ورعايةٍ، ولُطْفٍ، وقوَّةٍ، وانسجامٍ، وإخلاصٍ، وأمانةٍ حَتَّى إنَّها تَستمتِعُ وَحَسْب بحُضورِه. فهي ليست خائفة. وهي لا تَتعرَّضُ لسوءِ المُعاملةِ مِنْهُ. لِذا فإنَّها تُبدي استعدادًا كبيرًا للخُضوعِ لَهُ. وهذه صُورة رائعة نَجِدُها في نَشيدِ الأنشاد. فهي صورة رائعة حقًّا. وكُلُّ ما يُمْكِنُها أنْ تَفعَلَهُ هُوَ أنْ تُكَمِّلَ زَوجَها. وكُلُّ ما يُمكِنُهُ أن يَفعلَهُ هو أنْ يُكَمِّلَها. فَكُلٌّ مِنهُما يَفهمُ دَوْرَهُ تَمامًا. وعندما يَنْشُبُ خِلافٌ، مِنَ السَّهلِ حَلُّه لأنَّهُما يُحِبَّانِ أَحَدُهُما الآخر. وقد تقول: "وكيفَ يُمكِنُ للمرءِ أن يُحِبَّ هكذا؟" إنَّ هذا الحُبَّ يَنبُعُ مِنْ قَلبٍ اختبرَ التَّغيير. أليسَ كذلك؟
يا أبانا، نَشكُرُكَ في هذا المساء لأنَّكَ مَنَحْتَنا وقتًا للتَّفكيرِ في هذه الأمورِ المُهمَّة والجوهريَّة جدًّا. ونحنُ نُريدُ، يا رَبُّ، في زِيجاتِنا، أنْ يكونَ رُوحُ اللهِ هُوَ المُهَيمِنُ على كُلِّ شيء. فهُناكَ سُلطة، وهُناكَ خُضوعٌ؛ ولكِنْ يجب أن يكونَ هُناكَ تَكريسٌ عميقٌ لكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الدَّوْرَيْن. وهذا مُناقِضٌ تمامًا لِلَّعنَةِ لأنَّ الرَّجُلَ لا يَسعَى إلى الهَيمنةِ على زَوجَتِهِ، بل يَسعى إلى سَدِّ حاجاتِها، وقيادَتِها، ورعايَتِها، وإظهارِ الحُبِّ لها. ولأنَّ المرأةَ لا تَسعى إلى اغتصابِ السُّلطَةِ مِن زوجِها، بل تَتوقُ طَوْعًا إلى اتِّباعِهِ بِكُلِّ محبَّة. ونحنُ نَعلمُ أنَّ هذا لا يُمكنُ أن يتحقَّقَ إلَّا مِن خلالِ قُوَّتِك. فَروحُ اللهِ هو الوحيدُ الَّذي يَستطيعُ أن يُزيلَ اللَّعنةَ وأنْ يَستبدِلَها بهذه الصُّورةَ الرَّائعة. يا أبانا، يا ليتَنا نَعلَمُ أنَّ أَهَمَّ شيءٍ في زواجِنا هو ليسَ سُلوكُ شَريكِ حياتِنا، بل علاقَتُنا بِكَ. فإن كانَت علاقَتُنا بِكَ سَليمةً سنكونُ كما تُريدُ مِنَّا أن نَكون في ذلكَ الزَّواج. وهذه هي الطَّريقةُ الوحيدةُ لتحقيقِ تلكَ الصُّورة النَّموذجيَّة. وصَلاتي لأجلِ كُلِّ شخصٍ هُنا، وكُلِّ شَريكِ حَياةٍ، يا رَبُّ، هي أن تُساعِدَنا على أن نَتحمَّلَ المسؤوليَّةَ الكاملةَ فيما يَختصُّ بنَوعيَّةِ حياتِنا الزَّوجيَّة، وأنْ تَجْعَلَنا نأتي أمامَكَ ونكونَ الرِّجالَ والنِّساءَ الَّذينَ تُريدُ مِنَّا أن نكون. نَشكُرُكَ، يا رَبُّ، على هذا التَّعليمِ الواضحِ. باسْمِ مُخَلِّصِنا. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.