Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لِنَفتَح كُتُبَنا المُقدَّسة في هذا الصَّباح على إنجيل مَتَّى والأصحاح السَّادس... إنجيل مَتَّى والأصحاح السَّادس. سوف نَبتدِئ دراسةً للمقطعِ الَّذي وَصلنا إليه في دراستِنا المُستمرَّة لإنجيل مَتَّى، ونَتفحَّص الآيات مِن 19 إلى 24؛ وهي آياتٌ غَنيَّة، ومُدهشة، ومُفعمة بالتَّحدِّي، ومُبَكِّتَة. وسوفَ نَصرفُ بضعة أسابيع في هذه الآيات حَسبما يَقودُ روحُ اللهِ أفكارَنا. إنجيل مَتَّى 6: 19-24. واسمحوا لي أن أقرأَ هذه الآياتِ على مَسامِعِكُم تَمهيدًا لما سنقولُه:

"لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا.

"سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ! «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ".

والآن، إنَّ السُّؤالَ الَّذي يَطرَحُهُ هذا النَّصُّ بسيطٌ جدًّا وهو: "أينَ هُوَ قَلبُك؟" (في العدد 21). إنَّهُ حيثُ يكونُ كَنزُك. والآن، عندما أقول: "أينَ هُوَ قَلبُك؟" أنا لا أتوقَّعُ مِنكَ أن تَبتدئ بِتَحَسُّس المنطقة الواقعة بين ذَقنِك وخَصرِك لأنِّي لا أتحدَّثُ عن عِلْم وَظائفِ الأعضاء. وأنا لا أتحدَّثُ عنِ الفتاةِ الَّتي تَجلس بِجانِبِك والَّتي أنتَ مُتَيَّمٌ بها ووَهبتَها قَلبَك، بل أتحدَّثُ عن استِثمارِ حياتِك، وعن دوافِعِك، وعن مواقِفِك، وعن أنماطِكَ في التَّفكير.

أينَ يَكمُنُ التَّركيزُ والانهِماكُ في حياتِك؟ وما الَّذي تَقضي أغلبيَّة وقتِك في التَّفكير فيه؟ وأغلبيَّة وقتِك في التَّخطيطِ له؟ وما الشَّيءُ المُحَدَّدُ الَّذي تَصرِفُ أغلبيَّةَ طاقتِك في التَّفكيرِ فيه؟ فإن فَكَّرتَ في ذلك وقتًا طويلاً جدًّا، وكانت إجابَتُكَ شبيهة بإجاباتِ أغلبيَّة الأشخاص فإنَّ الجوابَ سيكونُ شيئًا ما... شيئًا ما: بَيتًا، سَيَّارةً، خِزانَةَ ملابس، حِسابًا مَصرفيًّا، حِسابَ توفير، سَنَداتٍ، أسهُمًا، استثمارًا، أَثاثًا. شَيء! فنحنُ مَخلوقاتٌ نُركِّزُ كثيرًا على الأشياء. وهذا جُزءٌ مِن اللَّعنة الَّتي ابْتُلِيَ بِهِا المُجتمعُ الَّذي نَعيشُ فيه.

والحقيقةُ هي أن ليست كلُّ المُجتمعاتِ كذلك. فهناكَ مُجتمعات لا توجد فيها أشياء كثيرة. فهي مُجتمعات فقيرة. ولكنَّنا مُجتَمَعُ أشياء. اسمعوا هذا التَّحليل: كانَ السيِّد والسيِّدة "شَيء" زوجانِ مسرورانِ وناجِحان جدًّا؛ على الأقلِّ مِن وُجهة نَظر أغلبيَّة الأشخاص الَّذينَ يَقيسونَ النَّجاحَ بمِقياسِ الأشياء. فإن وُضِعَ مِقياسُ الأشياءِ في حياةِ السيِّد والسيِّدة "شَيء"، ستكونُ النَّتيجة مُدهشة. فَهُا هُوَ يَجلس على شيءٍ فَخمٍ وغَالٍ جدًّا ولا يَكادُ يُرَى بسببِ كَثرةِ الأشياءِ الَّتي تُحيطُ به: أشياءٌ للجُلوسِ فوقَها، وأشياءٌ للجُلوسِ عليها، وأشياءٌ للطَّبخِ عليها، وأشياءٌ للأكلِ مِنها. وكُلُّها أشياء لامعة وجديدة. أشياء وأشياء وأشياء! أشياءٌ للتَّنظيفِ بها، وأشياءٌ للغَسلِ بها، وأشياءٌ بحاجة إلى التَّنظيف، وأشياءٌ بحاجة إلى الغَسل، وأشياءٌ للتَّسلية، وأشياءٌ للمُتعة، وأشياءٌ للمُشاهدة، وأشياءٌ للَّعِب، وأشياءٌ للصَّيفِ الطَّويلِ الحارّ، وأشياءٌ للشِّتاءِ القصيرِ البارد، وأشياءٌ لذلك الشَّيء الكبير الَّذي يَعيشانِ فيه، وأشياءٌ للحديقة، وأشياءٌ لغُرفة الجلوس، وأشياءٌ للمَطبخ، وأشياءٌ لغُرفة النَّوم، وأشياءٌ لها عَجلاتٌ أربَع، وأشياءٌ لها عَجَلتان، وأشياءٌ تُوضَع فوقَ ذلك الشَّيءِ ذي العَجلاتِ الأربع، وأشياءٌ تُجَرُّ وراءَ ذلك الشَّيءِ ذي العَجلاتِ الأربع، وأشياءٌ تُوضَعُ داخِلَ ذلك الشَّيءِ ذي العَجلاتِ الأربع. أشياء... أشياء... أشياء.

وفي الوسط، ها هُما السيِّد والسيِّدة "شيء" يَبتسمان ويَشعران بالسُّرورِ بتلك الأشياء، ويُفكِّران في أشياء أخرى يُضيفانها إلى أشيائهما كي يَشعُرا بالأمان في تلك القَلعة المُمتلئة بالأشياء. حسنًا يا سيِّد "شَيء": لديَّ خَبَرٌ سَيِّء أقولُهُ لَكِ. هل تقولُ أنَّكِ عاجِزٌ عن سَماعي بسبب الأشياء الَّتي في الطَّريق؟ أريدُ فقط أن تَعرِفَ أنَّ أشياءَكَ لن تَدوم، بل إنَّها ستَزول. فسوفَ تَنتهي. فقد تزولُ بسببِ قَرارٍ خاطئ، أو بسببِ مُشكلةٍ مُؤقَّتة في التَّركيز، أو قد تُعطيها لبائعِ الأشياءِ المُستعمَلة، أو قد تَصيرُ كَومَةً مِن الحديدِ الَّتي تُنقَلُ إلى ساحَةِ الأشياءِ [الخُردَة]. وماذا عن الأشياءِ الموجودة في بيتِك؟ لقد حانَ وقتُ النَّوم. أَخرِج قِطَّتَك خارجًا، وتأكَّد مِن إحكامِ إغلاقِ الباب على أَمَلِ أَلاَّ يأتي آخِذُ الأشياءِ ويأخُذ أشياءَك!

هكذا تَسيرُ الحياة. أليسَ كذلك؟ وذاتَ يومٍ، عندما تموت، سوفَ يَضعونَ شيئًا واحدًا في التَّابوت: أنت. وقد قالَ أحدُ الأشخاص: "لا توجد أيُّ جُيوب في الأكفان". ولكن كما تَرَون، بالرَّغمِ مِن حَماقةِ ذلك [وهو شيءٌ يَجعلُ الأمرَ يبدو سخيفًا حَقًّا]، فإنَّنا مُولَعونَ جدًّا باقتناءِ الأشياء.

ومِنَ المُحزِن أنَّ القادةَ الدِّينيِّينَ في زمن يسوعَ كانت لديهم نفسُ المشكلة. فقد كانوا مُنهَمِكينَ تمامًا في الأشياء. فَمِن جُملةِ المشاكل الأخرى الَّتي كانت موجودة عند الفَرِّيسيِّين، كانت هذه المشكلة موجودة أيضًا. فقد كانوا أشخاصًا يُركِّزونَ في المقامِ الأوَّل على الأشياء. فقد كانوا جَشِعينَ، وطَمَّاعين، ونَهِمينَ، ومُتلاعِبينَ، ويَسعَونَ إلى الحصولِ على أشياء أكثر. لِذا، عندما نَصِلُ إلى هذا الجُزءِ مِن العِظة على الجبل في إنجيل مَتَّى 6: 19-24، يُوَجِّه يسوعُ بِضعَ جُمَل عن "الأشياء" إلى الفَرِّيسيِّين الَّذينَ كانوا يُسيئونَ استخدامَ مسألةِ التَّمَلُّك هذه بجُملَتِها.

والآن تَذَكَّروا أنَّ الغاية الرئيسيَّة مِن العظة على الجبل بأسرِها (أي إنجيل مَتَّى 5 و 6 و 7)... الغاية الرئيسيَّة مِن العظة على الجبل هي هَدْم المِعيار المُخفِض وغير السَّليم وغير الصَّحيح للفَرِّيسيِّين، وتَرسيخ مِعيار الله للحياة في مَلكوتِه. فقد ابتَكروا نِظامًا دينيًّا كاملاً أدنى مِن المِعيارِ المطلوب، وبَشريًّا، وغير صحيح، وغير نافع، وغير فَعَّال. لِذا فإنَّ المِفتاحَ لكلِّ هذه العِظة موجودٌ في إنجيل مَتَّى 5: 20 حيثُ يقولُ الرَّبُّ: "إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَات". بعبارة أخرى، "لكي تكونوا في مَلكوتي، يجب عليكم أن تَعيشوا وَفقًا لهذا المِعيار". وَهُوَ يُرَسِّخ المِعيار. وَهُوَ يَفعل ذلك مُناقضًا ما يُعلِّمُهُ الفَرِّيسيُّون.

فمثلاً، لقد قالَ في بدايةِ الأصحاح الخامس: "لكي تكونَ في ملكوتي، يجب عليكَ أن تَنظُر إلى نفسِك نظرةً صَحيحة". فقد كانَ الفَرِّيسيُّون مَغرورين، وأنانيِّين، ومُكتَفينَ بِأنفسهم. ولكن يجب عليكَ أن تَنكَسِرَ في الرُّوح، وأن تَبكي على الخطيَّة، وأن تكونَ مُتواضعًا، وأن تَجوعَ وتَعطَشَ إلى البِرّ. ويجب عليك أيضًا أن تَرتبطَ بالعالَم بالطَّريقة الصَّحيحة. وقد كان الفَرِّيسيُّون جُزءًا مِن الفَساد، وجُزءًا مِن الظَّلام؛ ولكن يجب عليكَ أن تكونَ مِلحًا يَمنَع الفساد، ونُورًا يَطرُد الظُّلمة.

ويجب عليكَ لا فقط أن تَنظُر نَظرةً سليمة إلى نفسِك، ونَظرةً سليمةً إلى العالَم، بل يجب عليكَ أن تَنظُر نَظرةً سليمةً إلى كلمةِ الله. وكانَ الفَرِّيسيُّون قد وَضعوا نِظامَهُم الخاصّ بهم. ولكن يجب عليكَ أن تَعلم أنَّ كلمةَ الله هي الشَّيء الَّذي ينبغي لك أن تَلتزِم بهِ لأنَّهُ "لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ".

ثُمَّ إنَّه يجب عليك أن تَنظُر نَظرةً سليمةً إلى الأمور الأخلاقيَّة (إنجيل مَتَّى 5: 21-48). ولكنَّ الفَرِّيسيِّين كانوا يُبالون فقط بالأشياء الخارجيَّة. فقد كانوا يَهتمُّونَ فقط بألاَّ يَقتلوا، أو بألاَّ يَزنوا، أو بألاَّ يَفعلوا شَيئًا مِن هذا القَبيل. ولكنِّي أقولُ لكم إنَّ الأمورَ الأخلاقيَّة لا تَختصُّ فقط بما تَفعلُه وما لا تَفعلُه، بل تَختصُّ أيضًا بما تُفكِّرُ فيه وما لا تُفَكِّرُ فيه. لِذا، يجب عليكَ أن تَنظُرَ نظرةً سليمةً إلى الأمور الأخلاقيَّة.

ثُمَّ إنَّه يقول في الأصحاح السَّادس: يجب أن تَنظرَ نَظرةً سليمةً إلى الأمور الدِّينيَّة. فبالنِّسبة إلى الفَرِّيسيِّين، كانوا يَصومونَ، ويُصَلُّونَ، ويَتصدَّقونَ؛ ولكنَّ كلَّ ذلك كانَ رِياءً. صحيحٌ أنَّه يجب عليكَ أن تَصومَ وتَتَصَدَّقَ وتُصَلِّي؛ ولكن يجب عليكَ أن تفعلَ ذلك بدافعٍ سليم. بعبارة أخرى، إنَّ كلَّ العظة مُناقضة للنِّظامِ الدِّينيِّ الَّذي كانَ سائدًا آنذاك والَّذي كانَ مَحكومًا بتفكيرِ الفَرِّيسيِّين والكَتَبَة. ويسوعُ يقولُ إنَّ مِعيارَ اللهِ أَسمى مِن مِعيارِهم، وإنَّ مِعيارَهُ مَطلوبٌ لكي تَدخُلَ إلى مَلكوتِه.

وفي الأصحاح السَّادس والعدد 19 وما يَليه، يقولُ يسوعُ إنَّه يجب عليكَ أن تَنظُرَ نَظرةً سليمةً إلى الثَّراءِ والرَّفاهِيَة (في الأعداد مِن 19 إلى 24). ثُمَّ لاحِظوا ما يلي في الأعداد مِن 24 إلى 34: يجب عليك أن تَنظر نَظرة سليمة إلى الحاجاتِ الضَّروريَّة. لِذا فإنَّه يَتحدَّثُ عن الأشياء هنا: أوَّلاً عن الرَّفاهيَّاتِ، ثُمَّ عنِ الضَّرورات.

أوَّلاً هناكَ الثَّراء، ثُمَّ هناكَ الحاجات: أن تأكُل، وأن تَنام، وأن يكونَ لديكَ مَسكَن، وأن يكونَ لديكَ ملابِس تَرتديها. وفي كِلتا الحالَتَين، أَخفَقَ الفَرِّيسيُّون في فَهمِ ذلك. فقد كانت لديهم نظرة خاطئة إلى الثَّراء، ونَظرة خاطئة إلى الحاجات الأساسيَّة. لِذا، في كلِّ عُنصر مِن رسالة المسيح، رَسَّخَ يسوعُ نَفسَهُ وكلمَتَهُ بوصفِهِما مُناقِضَيْنِ للفَرِّيسيِّين. يجب أن تكونَ نَظرَتُكم إلى الثَّراءِ والرَّفاهِيَة مُناقضة لنظرة الكَتَبَة والفَرِّيسيِّين إن أردتُم أن تكونوا جُزءًا مِن مَلكوتي. فقد كانت لديهم فكرة مُغلوطة. وفي العدد 19، كانوا يَفعلونَ تمامًا ما تقولُ كلمةُ اللهِ لهم ألاَّ يَفعلوه لأنَّهم كانوا يَكنِزونَ لأنفسهم كُنوزًا على الأرض. فقد كانوا مُنجرفينَ وراءَ الجشع والشَّهوة. ولا يجوزُ أن يكونَ الأمرُ هكذا.

لِذا فإنَّ نَصَّنا... والآن، أريدُ منكم أن تُلاحظوا ما يلي في الآيات 19 إلى 24. فَنَصُّنا يَتحدَّث عن نظرتنا إلى رَفاهيَّتِنا وَثَرائِنا أكثرَ مِن حاجاتِنا الأساسيَّة. وبالمُناسبة، نحنُ نعيشُ في مُجتمع ينبغي لنا فيه جميعًا أن نَتصدَّى لهذه المُعضلة لأنَّنا جميعًا أثرياء بالمُقارنة مع مُستوى المعيشة في بقيَّة دُوَل العالم. وإن كنتَ تَظُنُّ أنَّكَ لستَ كذلك فإنَّك لم تَرَ شيئًا خارجَ عالَمِكَ الصَّغير ولم تَرَ كيفَ يَعيشُ أغلبيَّةُ النَّاسِ في هذا العالَم.

إذًا، نَصُّنا يَتحدَّثُ عن كيفيَّة التَّعامُل مع رَفاهيَّاتِنا، ومُمتلكاتِنا، والأشياءِ الَّتي تَتَعَدَّى الأكل والشُّرب والنَّوم واللِّبس؛ أي عن التَّعامُل مع رَفاهِيَّاتِ الحياة. فإن كُنَّا في ملكوتِه، يجب علينا أن نَفهَمَ ما يَقولُهُ الرَّبُّ هنا. وهذا، يا أحبَّائي، كلامٌ مُبَكِّتٌ جدًّا. صَدِّقوني. فقد بَكَّتَني جدًّا. ويجب عليَّ أن أَعِظَ هذه العِظَة مَرَّتينِ كلَّ صَباحِ أَحَد إلى أن تَفهموها. فهي مُحَرِّضة جدًّا، وفاحِصة جدًّا للقلب، ومُبَكِّتَة جدًّا. وسوفَ نَكتفي بالتَّمهيدِ لها اليوم ثُمَّ نَتحدَّث عنها في الأسابيع القليلة القادمة.

وأنا أريدُ منكم أن تأتوا، ولا أريدُ منكم ألاَّ تأتوا إلى الكنيسة، بل تقولوا: "سوفَ يَعِظُ عن المال. لنَذهب لزيارة العَمَّة مارثا"، بل أريدُ منكم أن تأتوا لأنَّ هذه ليست عِظَتي، بل إنَّني سأسمَعُها كما تَسمعونَها أنتُم. فهذه هي كلمةُ الرَّبِّ لنا. واللهُ يُعطينا دائمًا كلمة صالحة لكي يُحرِّرَنا ولكي نَختبرَ بَرَكَتَهُ العظيمة. أليسَ كذلك؟ لِذا، لا تَخدَع نفسَك.

لِنَرجِع قليلاً إلى الوراء. فالأعدادُ الثَّمانية عشر الأولى مِن الأصحاح السَّادس تُرينا رِياءَ الدِّيانة الفَرِّيسيَّة. وسوفَ أقولُ لكم شيئًا مُؤكَّدًا تمامًا ومُحقَّقًا جدًّا: أينَما تُوجَد ديانة مُرائِيَة، يُوجَد جَشَع. وبعدَ الآيات الثَّماني عشرة الأولى الَّتي تَتحدَّث عن الدِّيانة المُرائية للفَرِّيسيِّين، يَتحدَّث الرَّبُّ عن نَظرتهم إلى الثَّراءِ والمال لأنَّه أينَما وُجِدت ديانة باطلة يوجد جَشَع. وإن رأيتَ مُعلِّمًا زائفًا، اذهب وراءَ السِّتارة فتكتشف أنَّهُ مُعَلِّمٌ زائف وأنَّهُ يَفعلُ ذلكَ بكُلِّ تأكيد مِن أجل المال.

لِذا فإنَّ الكتابَ المقدَّسَ يقول إنَّه لا يجوزُ أن نَخدِمَ لأجلِ الرِّبحِ القَبيح لأنَّ الرِّياءَ سيكونُ النَّتيجةَ الحَتميَّة. والحقيقة هي أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَصِف الدِّيانَة المُرائية عادةً بِطريقَتين: الجَشَع إلى المال، والشَّهَوات الرَّديئة. فهذانِ الأمرانِ يَتبعان الدِّيانة الزَّائفة والقادة الدِّينيُّين الزَّائفين.

وحتَّى إنَّنا نَقرأ في العهدِ القديم أنَّ هذا صحيح. فأينَما يوجد رِياء، يوجد جَشَع إلى المال. فعلى سبيل المِثال، نقرأ في سِفْر صموئيل الأوَّل والأصحاح الثَّاني عن "عَالي" رئيس الكهنة. وكانَ عالي بكلِّ تأكيد يَترأَّسُ الشُّؤونَ الدِّينيَّة في إسرائيل. وهو القائدُ الدِّينيُّ الرَّئيسيُّ، ورئيسُ الكهنة أمامَ الله. وكانَ لِعالي ابنان: "حُفْنِي" وَ "فِينَحَاس". وكانَ ابناهُ رَجُلان يَحملان مسؤوليَّة عظيمة بصفتهما ابنيِّ رئيس الكهنة ومِن النَّسلِ الكَهنوتيّ. فقد كانا رَجُلانِ يَحملانِ مسؤوليَّة عظيمة أمامَ اللهِ والشَّعب.

ولكنَّهُما كانا زَائِفَيْن. وقد كانا مُرائِيَيْن تَمامًا. وكانا عَديميِّ الأخلاق، ويَركضان وراءَ شَهواتِهِما، وفاجِرَيْنِ، وفاسِقَيْن. وقد كانا شِرِّيرَيْنِ وفاسِدَيْنِ أَهلَكَهُما الرَّبُّ في النِّهاية. ولكن بسبب رِياءِ حُفْنِي وَفِينَحَاس الدِّينيِّ، كانا يَتَّصِفان بالجشع. ويمكننا أن نَرى ذلك في سِفْر صموئيل الأوَّل والأصحاح الثَّاني. فقد قالَ سِفْر اللاَّويِّين والأصحاح السَّابع إنَّهُ عندما يَتِمُّ تَقديم ذَبيحة للرَّبّ، فإنَّ جُزءًا منها يُعطَى للكاهن. فالصَّدر والسَّاق اليُمنى يُعطَيان للكاهِن (لاويِّين 7: 30-35). ولكنَّ حُفْنِي وَفِينَحَاس قالا: "عندما يأتي وقتُ تَقديم الذَّبائح، سوفَ نَفحصُ الذَّبيحة ونأخُذ ما نُريد منها ونَترُك الباقي للرَّبِّ".

أتَرَون؟ فقد أرادا أن يأخُذا مِنها كلَّ ما يُريدان. وهذا هو بالضَّبط ما فَعلاه. فعندما كانَ النَّاسُ يُقدِّمونَ الذَّبائحَ للرَّبّ كانا يَطلُبان منهم أن يُقدِّموا الذَّابحَ لهما أوَّلاً. وكانا يَنتَقيان كلَّ ما يُريدان لإشباعِ أنفسهما ثُمَّ يَترُكان الباقي للرَّبِّ. فقد كانا نَهِمَيْن وجَشِعَيْن. ونَقرأ في سِفْر صموئيل الأوَّل 2: 17: "فَكَانَتْ خَطِيَّةُ الْغِلْمَانِ عَظِيمَةً جِدًّا أَمَامَ الرَّبِّ، لأَنَّ النَّاسَ اسْتَهَانُوا بِتَقْدِمَةِ الرَّبِّ". فقد استَهانا بالأمور المُختصَّة بالله.

وكان الفَرِّيسيُّون يَفعلون الأمر نفسَه. فقد كانا يَستغلاَّن سُلطتهم الدِّينيَّة لِمَلْءِ جُيوبهم. وكانَ النِّظامُ القائمُ نِظامًا يُلائِمُ جَشَعَهُم. فقد كانوا يَستغلُّون مَناصبهم الدينيَّة لكي يصيروا أغنياء. ويا أحبَّائي، اسمحوا لي أن أقولَ لكم إنَّه لا يوجد شيء يَشمئزُّ اللهُ منه أكثرَ مِن ذلك. ويُمكنني أن أقولَ بكُلِّ جُرأة إنَّه يوجد أشخاصٌ في بَلَدِنا، وأنتُم تَعرفونَ بعضًا منهم جيِّدًا جدًّا لأنَّكم تُشاهدونهم على التِّلفزيون أو في مكانٍ آخر، يَفعلونَ الشَّيءَ نَفسَهُ. فأينَما وُجِدَ رِياءٌ دِينيٌّ وُجِدَت بكلِّ تأكيد مُشكلة جَشَع.

وكان الفَرِّيسيُّون يعيشونَ بهذه الطَّريقة. فقد كان الثَّراءُ مُرادفًا عندهم للقَداسة. وكانَ الثَّراءُ يَعني: "انظروا كَم جَمَعْتُ! إنَّ اللهَ يُبارُكني. أنا غَنِيٌّ لأنَّ اللهَ يقول: ’أنتَ بارٌّ جدًّا. لِذا فإنِّي أُبارِكُك‘". لِذا عندما قالَ الرَّبُّ: "إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ"، كانَ كلامُهُ صَاعِقًا جدًّا جدًّا لأنَّ الغِنى كان في نَظرِهم خَتْمَ الاستحسانِ الإلهيِّ على حياتِك. فقد صِرتَ غَنيًّا لأنَّ اللهَ جَعَلَكَ غَنيًّا لأنَّكَ كنتَ بارًّا. لِذا، كانَ القولُ إنَّ دُخولَ غَنِيٍّ إلى مَلكوتِ اللهِ أَصعب مِن مُرورِ جَمَلٍ مِن ثَقْبِ إبرة قَولاً صَادِمًا حَقًّا لأنَّهم كانوا يُساوونَ بين المالِ وبَرَكَةِ الله. فقد كانَ هذا هو كُلُّ نِظامِهم.

لِذا، كانوا يَجمعونَ المالَ بجَشَع. وكُلَّما زادَ غِناهُم، زادَ تَظاهُرُهم أمامَ النَّاسِ بأنَّ ذلك الغِنى هو المُؤشِّر على رُوحانيَّتِهم. وقد كانَ حَنَّان وقَيافا يُديران أعمالاً تِجاريَّة في الهيكل جَعَلتهُما غَنِيَّيْنِ جدًّا هُما وأيُّ شخصٍ آخر يَدخُل في الصَّفْقَة.

والآن، مِن أينَ جَاءوا بهذه الفِكرة؟ سوفَ نُحاولُ أن نُخَمِّنَ ذلك. انظروا إلى سِفْر التَّثنية والأصحاح 28. فربَّما ابتدأوا في البداية في تَشكيلِ هذا المفهوم لديهم مِن الفكرة التَّالية: عندما خَلَّصَ الرَّبُّ بني إسرائيلَ مِن مِصر وأتى بهم إلى حدودِ كَنعان، أي أرض الموعد، الأرضُ الَّتي تَفيضُ لَبنًا وعَسلاً، الأرض الَّتي وَعَدَهُم بها، وَضعَ اللهُ شُروطًا رائعةً لهم كي يَدخُلوا الأرض. وعلى أساسِ الوفاءِ بهذه الشُّروط، سينالونَ وعودًا رائعةً.

وفي سِفْر التَّثنية والأصحاح 28، انظروا إلى العَددَين الأوَّل والثَّاني. فالربُّ يقولُ عندما كانوا يَستعدُّونَ لدخولِ الأرض: "وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَتَأتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ".

والآن، توقَّفوا هنا قليلاً. فالوصيَّة الرئيسيَّة تَختصُّ بالطَّاعة: إن فَعلتُم ما أقول، سأُبارِكُكُم. فسوفَ تَدخلونَ الأرض. إنَّهُ أمرٌ بسيط. افعلوا ما أقولُهُ لكم فأُبارِكُكُم. وكيفَ تأتي البَركات؟ نقرأ في العدد الثَّالث: "مُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ. وَمُبَارَكَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ [أي: أبناؤك] وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ [أي: مَحاصيلُك] وَثَمَرَةُ بَهَائِمِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ. مُبَارَكَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ. مُبَارَكًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمُبَارَكًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ".

والآن لاحظوا ما يَلي: لقد كانت كلُّ البَرَكاتِ بَركات ماديَّة، أو مَلموسة، أو مَنظورَة، أو بَركات أَرضيَّة مَحسوسة. فاللهُ يقول: "إن أَطعتُموني سأُبارِكُكم بَركاتٍ مَنظورة، ومَحسوسة، وماديَّة، وجَسديَّة". على النَّقيضِ مِن ذلك، انظروا إلى العدد 15. فهذا هو النَّقيض: "وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ: مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ. مَلْعُونَةً تَكُونُ سَلَّتُكَ وَمِعْجَنُكَ. مَلْعُونَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ. مَلْعُونًا تَكُونُ فِي دُخُولِكَ، وَمَلْعُونًا تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ". بعبارة أخرى فإنَّ اللهَ يقول: البَركاتُ الماديَّةُ هي علامة على طَاعتِكُم، والفَقرُ الماديُّ هو علامة على عِصيانِكُم.

والآن، هناكَ المزيدُ لنفهمُه عن ذلك لكي نَفهمَ الموضوعَ في سِياقِهِ الصَّحيح. ولكنَّ الفَرِّيسيِّين [في اعتقادي] ابتدأوا في بناءِ نِظامِهِم الزَّائف على أشياء كهذه؛ أي أنَّهُ كُلَّما زادَ ما لديكَ، كانَ ذلكَ بُرهانًا على أنَّ اللهَ يُبارِكُك. ولكنَّه سوء فَهم لكلِّ الفكرة الواردة في تثنية 28. ولكن بالرَّغم مِن ذلك، صارَ الحصولُ على أكبرِ ثَروة ماديَّة مُمكنة هَدفَهُم الأكبر لكي يَتباهَوا بِبِرِّهم المَزعوم ويقولوا: "انظروا كيفَ بارَكَني اللهُ. لا بُدَّ أنَّني قِدِّيسٍ إلى هذا الحَدّ!"

ورُبَّما أخطأوا في تَطبيق ما جاءَ في سِفْر الأمثال 10: 22 إذْ نَقرأ: "بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي". وأيًّا كانتِ الآياتُ الَّتي أخذوها وفَسَّروها كما يَحلو لَهُم، فإنَّ هَدَفَهُم كانَ جَمْع المال. لِذا فقد انحَرفوا عنِ الصَّوابِ وصاروا جَشِعينَ وفاسِدين.

وقد حَذَّرَ العهدُ القديم مِن هذا الأمر. فقد قالَ سُليمان إنَّه كانَ غَنيًّا؛ ولكنَّ ذلك باطِل وَقَبْض الرِّيح. الكُلُّ باطِل. وفي الوصايا العَشر في سِفْر الخُروج 20: 17، قالَ اللهُ: "لا تَشْتَهِ". والتَّحذيراتُ مِنَ الغِنى تَتكرَّرُ كثيرًا جدًّا في العهد القديم. فنحنُ نَقرأ في سِفْر الأمثال 23: 4: "لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا". ونَقرأ في سِفْر الأمثال 28: 20: "وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لاَ يُبْرَأ".

بعبارة أخرى، فإنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُحَذِّر مِن الجَشَع، والطَّمَع، والاستعجال إلى الغِنى. ولكن بالرَّغم مِن كُلِّ هذه التَّحذيرات فإنَّ إنجيل لوقا 16: 14 يقول إنَّ الفَرِّيسيِّين كانوا جَشِعين. فقد كانوا جَشِعين. فقد أرادوا الحصولَ على المال. وقد أرادوا الغِنى الماديَّ والمُمتلكات. وكانوا يَفعلونَ هذا كُلَّهُ لأنَّهم كانوا أَرضيِّين. فقد كانوا أَرضيِّينَ لأنَّ ديانَتَهُم كانت زائفة.

لِذا، كانَ ذلكَ الكلامُ مُعارضًا تمامًا لجشعِ الفَرِّيسيِّين؛ أيِ الكلام الَّذي قالَهُ رَبُّنا. وَما يَقولُهُ هنا هو أنَّه يجب علينا أن نَنظر نَظرةً سليمةً إلى المالِ والغِنى والمُمتلكات. والآن اسمعوني يا أحبَّائي: نحنُ نَعيشُ في أمريكا في وقتِ تَضَخُّمٍ عَظيم. أليسَ كذلك؟ والنَّاسُ جميعًا يَستمرُّون في التَّحَدُّثِ عن الرُّكودِ الاقتصاديّ، والأزمة الاقتصاديَّة، وعَمَّا سيَحدث، وعن الانهيارِ الاقتصاديّ. فنحنُ نَسمَعُ ذكَ مِرارًا وتَكرارًا.

والآن اسمعوني: أنا لستُ مُحَلِّلاً اقتصاديًّا، ولستُ عالِمَ اقتصادٍ أو شخصًا ضَليعًا بالسِّياسة. ولكن يمكنني أن أقولَ لكم سببًا واحدًا بسيطًا لكلِّ هذا التَّضَخُّم وَهُوَ الجَشَع. نُقطَة! فالأمرُ واضحٌ وبسيط. الجَشع. هذا هو السَّبب. ويُمكنكم أن تَبحثوا عن حُلولٍ في كلِّ مكان، ولكن ما لم تُعالجوا مُشكلةَ قلبِ الإنسان، لن تَتمكَّنوا مِن مُعالجة التَّضخُّم في مُجتمعٍ حُرٍّ لأنَّ الجَشَع يُهيمِن على الكيفيَّة الَّتي تَعملُ الحُريَّة بها.

وطالَما أنَّ النَّاسَ يريدونَ المزيدَ والمزيدَ والمزيد، سوف يُفكِّرونَ في مزيدٍ مِن الطَّرائق لتحقيقِ ذلك. وسوفَ يُرَوِّجُ لذلك أُناسٌ أكثر، ويَقبَلُ ذلك أُناسٌ أكثر. ولكي تُرَوِّجَ للفكرة عندما تَنجَح، يجب عليكَ أن تَطبَعَ المَزيدَ مِن المال، والمَزيدَ مِن المال، والمزيدَ مِن المال إلى أن تُقحِمَ نَفسَكَ في دائرة يُدارُ فيها كُلُّ شيءٍ بِجُنون بسببِ الجَشَع. وأنا أقولُ ذلك دائمًا، ولكنَّ أُناسًا كثيرينَ لا يَسمعون: إنَّ المشكلة هي قلبُ الإنسان، لا الأمور الأخرى. فالإنسانُ جَشِعٌ. ويجب أن يَبتَعِدَ قلبُهُ عن الجشع. وهذا هو ما يُريدُ مِنَّا الرَّبُّ أن نَفعلَه في هذا النَّصّ: أن يُبعِدَنا عن الجَشَع.

وكما تَرَون، يجب علينا أن نُحسِنَ التَّعامُلَ مع مُمتلكاتِنا وأموالِنا وثَروتِنا ورَفاهيَّتِنا كما نُحسِنُ التَّعامُلَ معَ أيِّ شيءٍ آخر. فنحنُ نقرأ في الرِّسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 10: 31: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَأكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ الله". ولكنَّنا نَفعلُ الكثيرَ مِن ذلك مِن أجل الانغماسِ في الذَّات. وهذه هي المُشكلة.

والآن، لكي نَعرفَ كيفَ نَتعامَل مع رَفاهيَّاتِنا، هناكَ ثلاثة بَدائِل في هذا النَّصّ. هناكَ ثلاثة بَدائِل. فهناكَ كَنزان، وهُناكَ عَينان، وهُناكَ سَيِّدان في هذا النَّصّ. وفي كلٍّ مِن هذه البَدائِل الثَّلاثة، نَجِدُ المبدأَ نَفسَهُ مُطَبَّقًا مِن زاوية مُختلفة. ثُمَّ إنَّ هناكَ أسبابًا أخرى تُدَعِّم الحاجة إلى إطاعةِ ذلك المبدأ. فالمبدأُ يُقَدَّمُ أوَّلاً، ثُمَّ إنَّ الأسبابَ تُقَدَّم في كُلِّ حالة.

لِذا، يجب علينا أن نَختار. يجب علينا أن نَختارَ [أوَّلاً] في العَدَدَيْن 19 و20 ما إذا كُنَّا سنَكنِز كُنوزَنا على الأرضِ أَم في السَّماء. ويجب علينا أن نَختارَ [ثانيًا] في العددَيْن 22 و23 ما إذا كُنَّا سنَعيشُ في النُّورِ أَم في الظَّلام. ويجب علينا أن نَختارَ في العدد 24 ما إذا كانَ سَيِّدُنا هو اللهُ أَم المال لأنَّنا لا نَقدِرُ أن نَخدِمَ سَيِّدَيْن. لِذا فإنَّ الرَّبَّ يُعطينا في الحقيقة ثلاثة خِيارات تَؤولُ جَميعُها إلى خِيارٍ واحد وهو أن نَختارَ كيفَ نَتعامَل بالطَّريقة الصَّحيحة مع ثَروَتِنا.

وهذه رِسالة صَعبة يا أحبَّائي. وهي صَعبة حَتَّى عَلَيَّ أنا لأنَّني إنسانٌ يَعيشُ في هذا الزَّمان، ولأنِّي ضَحيَّة أيضًا للانطباعاتِ الَّتي تَترُكُها الثَّقافةُ عَليَّ. وكما قالَ "جون ستوت" (John Stott): "نحنُ مُعجبونَ جدًّا بالطُّموحاتِ الدُّنيويَّة. وتَعويذَةُ الماديَّة هي قَيْدٌ يَصعُبُ الفَكاكُ مِنه". وهو مُحِقٌّ. فَمِنَ الصَّعبِ علينا أن نَتعامَلَ معَ هذا الأمر. لِذا، أرجو أن نَكونَ يَقِظِي الضَّميرِ وأن نَسمَحَ لروحِ اللهِ أن يُكَلِّمَ قُلوبَنا بخصوصِ هذا الأمر.

وأريدُ وَحَسْب أن أَطرحَ فِكرةً أخرى: أحيانًا، قد يكونُ مِن السَّهلِ جدًّا لو أنَّ الرَّبَّ يقول: "يجب عليَّ أن أَجِدَ حَلاًّ لهذه المسألة. اقتَطِعوا خمسينَ بالمئة مِن كلِّ ما تَحصلونَ عليه وقَدِّموهُ لي". ألن يكونَ ذلكَ سهلاً؟ فسوفَ يكونُ الأمرُ بسيطًا جدًّا. وحينئذٍ يُمكننا جميعًا أن نقول: "لقد دَفَعتُ الخمسينَ بالمئة خَاصَّتي. هل دَفَعتُم نِسبَتَكُم؟" ويُمكِنُنا أن نَطرُدَ الأشخاصَ الَّذينَ لم يَدفعوا مِن الكنيسة إن لم يَدفعوا نِسبَتَهُم بسُرعة. أتَرَون؟ لأنَّه سيكونُ لدينا مِعيار. بعبارة أخرى، لو كانَ الأمرُ مُباشرًا، وصارمًا، وحازِمًا، وقاطِعًا، ومُجَدوَلاً، وبَاتًّا، ومُصاغًا حَرفيًّا.

ولكنَّ المشكلة في ذلك هي أنَّكَ لا تستطيعُ حينئذٍ أن تُعالِجَ المشكلةَ الحقيقيَّةَ وهي مُشكلة الموقفِ القَلبيِّ. أليس كذلك؟ فاللهُ لا يريدُ الحصول على شيءٍ تُعطيه بدافعِ خَوفكَ مِنه، بل يريدُ أن يحصل على شيءٍ تُعطيه لأنَّكَ تُحبُّه. أتَرَون؟ لِذا فإنَّ الرَّبَّ لا يُعطينا مِعيارًا قاطعًا وناموسيًّا هنا، بل يُعطينا مَبدأً وَحَسْب. وعندما تَسمَعُ المبدأَ الَّذي يقول: "اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاء" أو "اخدِموا اللهَ لا المَال" قد تقول بادئَ الأمر: "هذا كلامٌ مُبهَم". ولكنَّه لن يَكونَ مُبهَمًا بعدَ أن نَنتهي مِن دراسةِ هذا الموضوع. وأنا أَعِدُكم بذلك. ولكنَّه مُبهَمٌ إلى الحَدِّ الَّذي يَتعامَلُ فيهِ مع مَوقِفِكَ مِن دونِ أن يُقدِّمَ صِيغةً خارجيَّة. لِذا، استعدُّوا للسَّماحِ لله بأن يُغيِّرَ مَوقفكم.

والآن، هناكَ أشخاصٌ يَذهبونَ إلى الكنيسة ويقولون: "إنَّ الوُعَّاظَ يَتكلَّمونَ دائمًا عن المال". أعتذِر إن كنتَ زائرًا أوَّلَ مَرَّة هنا. فهذا هو ما ستَسمَعُهُ في هذا الصَّباح، ولكنَّهُ ليسَ الأمرَ المُعتاد. فنحنُ لا نَتحدَّثُ عنِ المال إلاَّ عندما يَتحدَّثُ اللهُ عنِ المال. فعندما نَدرُسُ الكتابَ المقدَّسَ ونأتي إلى نَصٍّ يَتحدَّثُ فيهِ اللهُ عنِ المال، فإنَّنا نَتحدَّثُ عنهُ نحنُ أيضًا. ولكنِّي لا أُمانِعُ في ذلك.

وبالمُناسبة، لقد فَكَّرتُ في ذِكرِ هذا الأمر أيضًا: في إنجيل مَتَّى، يَتحدَّثُ الرَّبُّ عن المالِ مِئة وتِسعِ مَرَّات. لِذا، استعدُّوا! وفي إنجيل مَرقُس، يَتحدَّثُ عنهُ سَبعًا وخمسينَ مَرَّة. وفي إنجيل لوقا، يَتحدَّثُ عنهُ أربعًا وتسعينَ مَرَّة. وفي إنجيل يوحنَّا، يَتحدَّثُ عنهُ ثمان وثمانينَ مَرَّة. وبالمُناسبة، فإنَّ الرَّبَّ يَتحدَّث عن المال أكثر بخمسة أضعاف مِمَّا يَتحدَّث عن أيِّ موضوعٍ آخر في الكتاب المقدَّس. وأعتقد أنَّه يَعلَمُ أنَّنا لا نَسمَعُ جَيِّدًا عندما يَختصُّ الأمرُ بهذا الموضوع.

والآن، لِنَنظُر إلى الخِيارِ الأوَّل في الأعداد مِن 19 إلى 21. فهناكَ كَنْزان... كَنْزان. وسوفَ أقرأُ الجُزءَ الأوَّلَ مِن العدد 19 والجُزءَ الأوَّلَ مِن العدد 20. وسوفَ نَذكُرُ المبدأَ في هذا الصَّباح ونَتحدَّثُ عنِ الأسباب في المَرَّة القادمة.

"لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ". العدد 20: "بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاء". وهذه جُملة بسيطة جدًّا. فهناكَ كَنزان ينبغي أن تَختارَ واحدًا منهُما. فهناكَ كَنزٌ على الأرض، وهناكَ كَنزٌ في السَّماء. وقد قالَ يسوع: "اكنِزوا لكم كُنوزًا في السَّماء، لا على الأرض". فما الَّذي تَفعلُه بثروتِك؟ لا تَستثمرها هنا، بل استثمرها هناك. "لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ [ماذا؟] قَلْبُكَ أَيْضًا".

وهذا يُمَهِّدُ أمامَنا فِكرةَ أموالِنا بأسرِها. فكما تَعلمون، لقد قالَ بولس لتيموثاوس: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ [لماذا؟] لِكُلِّ الشُّرُور". فالمالُ ليسَ أصل كلّ الشُّرور، بل مَحبَّتُه. فقد لا تَملِك المالَ ولكنَّكَ مُولَعٌ به حتَّى الجُنون. ولكنَّكَ لا تَستطيعُ الحصولَ على أيٍّ منه. فمحبَّةُ المالِ هي المُشكلة.

فعلى سبيل المِثال، انظروا إلى عَخَان. فعِوَضًا عن أن يَرِثَ أرض الموعد، ماتَ مع عائلته كُلِّها لأنَّه قَرَّرَ أن يأخذَ شيئًا أَمَرَ اللهُ بعدم أخذه. فبسبب محبَّتِه للمال، رأى رِداءً نَفيسًا، ورأى قِطَعًا نَقديَّة فأخذها ودَفَنَها في الأرض في خيمتِه. وقد واجَهَهُ الرَّبُّ مِن خلالِ يَشوع وقالَ لهُ إنَّه مِن الأفضل أن يَعترفَ بخطيئته لأنَّه سيموت. وقد فَعَلَ ذلكَ ومات. وقد ماتَ جميعُ أفرادِ عائلته. إنَّها مَحبَّةُ المال.

ثُمَّ لَعَلَّكُم تَذكرونَ قصَّةَ سُليمان الَّذي استمرَّ في جَمْع الكُنوز والكُنوز والكُنوز إلى أن صارَ أَغنى رَجُلٍ في العالَم. وفي نِهايةِ المَطافِ قال: "باطِلُ الأباطيل، الكُلُّ باطِلٌ". فهو شيءٌ فارِغ، وعَديمُ النَّفع، وعديمُ القيمة، وباطِل.

ثُمَّ إنَّ هناكَ حَنانِيَّا وسَفِّيرَة اللَّذان قَرَّرا أن يَحتفظا بجزءٍ مِن المال الَّذي وَعَدا بتقديمِهِ للرب فَأماتَهُما الرَّبُّ. ثُمَّ إنَّ هناكَ يَهوذا الَّذي باعَ لأجلِ مَبلغٍ زَهيدٍ ابنَ اللهِ ثُمَّ مَضَى وشَنَقَ نفسَه. وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا على الصُّخورِ الَّتي في الأسفل. ثُمَّ إنَّ هناكَ ديماس الَّذي قالَ عنهُ بولس: "دِيمَاس قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِر".

وهناك الكثير مِن الأمثلة الأخرى على هؤلاء الأشخاص الَّذينَ بسبب حُبِّهم للمال دُمِّروا وهَلَكوا بشكلٍ أو بآخر. لِذا، يجب علينا جميعًا أن نَتعلَّمَ عن هذا الأمر لأنَّهُ مُدَمِّرٌ للذَّات إن لم نَفهمُه. كما أنَّهُ مُدَمِّرٌ لجميعِ الأشخاصِ المُحيطين بنا. لِذا، يجب علينا أن نَفهمَ ما يَقول.

لنَنظر إلى العدد 19: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْض". ما مَعنى ذلك؟ اسمحوا لي أن أُقدِّمَ لكم دَرسًا سريعًا عن مَعنى هذه الكلمة. فالكلمة المستخدمة هنا هي "ثيسوريزيتاي" (thesaurizete). وهي الكلمة الَّتي جاءت منها الكلمة "ثيسورَس" (thesaurus) ومعناها: "مَكْنَزُ الكلمات". ولكنَّ "ثيسوريزيتاي" هي تَلاعُبٌ بالكلمات. والآية تَعني: "لا تَكنِزوا كُنوزًا"، أي: "لا تُراكِموها" - إن أردتُم مَعناها البسيط. فالفكرة مِن الكلمة "يَكنِز" هي أن تَضَعَ شيئًا في مكانٍ ما، أو أن تُخَبِّئَه في مكانٍ ما، أو تُخفيهِ في مكانٍ ما.

لِذا فإنَّ الرَّبَّ لا يَتحدَّث هنا ... افهَموا هذا... إنَّهُ لا يَتحدَّثُ عن المالِ الَّذي نَستخدِمَهُ كي نعيشَ كلَّ يوم، بل يَتحدَّثُ عن المال الَّذي نَكنِزُه. فهو لا يَتحدَّث عن الحاجات الضَّروريَّة، ولا عن المال الَّذي نَستخدمُه لِسَدِّ حاجاتنا الشخصيَّة، أو سَدِّ حاجاتِ عائلتِنا، أو سَدِّ حاجاتِ الفُقراء، ولا عنِ المالِ الَّذي نُقدِّمُهُ للرَّبّ، ولا عن المال الَّذي نَدَّخِرُهُ للمستقبل، ولا عن الاستثمارات الحكيمة الَّتي قد تَجعلنا وُكلاءَ أفضل على أموالِ الله في الأيَّام القادمة. فهو لا يَتحدَّث عن المال المُستخدَم، بل يَتحدَّث عن الأموال الَّتي نُكَدِّسُها ونَجمَعُها لأنفسنا. هذا هو ما يَتحدَّثُ عنه.

فهو يَتحدَّث عن الرَّفاهِيَة. وهو يَتحدَّث عن الأموال الَّتي تَفوقُ كثيرًا حاجَتَنا. وهو يَتحدَّث عن الأشياء الَّتي لا نَستخدمُها والَّتي قد تُخَبِّئُها في مكانٍ ما وتَستمرُّ في القول إنَّها قَيِّمة جدًّا، وتَستمرُّ في الاحتفاظِ بها. والمَعنى الضِّمنيُّ هو أنَّ هناك وَفرة تَفوقُ حاجتنا كثيرًا. لِذا فإنَّنا نُخَزِّنُها وَحَسْب.

والآن، ما الَّذي نَعنيه بذلك؟ وما الَّذي يَنهانا عنه؟ هل يَنهانا عن فَتْحِ حِسابٍ مَصرِفيٍّ، أو حسابِ تَوفير، أو شِراءِ بوليصةِ تأمين على الحياة، أو القيامِ باستثمارٍ جيِّد؟ وهل يقولُ إنَّه لا يَجوزُ لنا أن نَمتلِكَ أيَّ شيء؟ "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْض". هناك أشخاصٌ يقولون: "هذا يعني أنَّه لا يجوزُ لكَ أن تَقتنِي أيَّ شيء، وأنَّه لا يَجوزُ لكَ أن تَمتلِك أيَّ أموالٍ على الأرض. لِذا، يجب عليكَ أن تَبيعَ كلَّ شيء وأن تَخرجَ إلى الشَّارع حامِلاً كِيسًا صغيرًا، وتَعيشَ حياةً زاهِدَةً". هل هذا هو ما يقولُه؟

وَهُم يقولون: "انظروا إلى الشَّابِّ الغَنيّ... الحاكِمِ الغَنِيّ. فقد قالَ يَسوعُ لَهُ: ’بِعْ كلَّ ما لديكَ وأَعْطِ الفُقراء‘". هل لاحظتم أنَّ هذا هو الشَّخص الوحيد الَّذي قالَ لهُ يسوعُ ذلك؟ هل لاحظتُم أنَّه لم يَقُل ذلكَ لمَريم ومَرثا؟ لأنَّه كانَ يُحبُّ أن يَذهبَ إلى بيتهما. وعندما كانَ يَذهبُ إلى هناك، أعتقد أنَّه كانَ يُحبُّ طَعامَهُما أيضًا. وقد قالَ: "لا حاجةَ إلى التَّخلِّي عن أيِّ شيء، بل فقط أن تَصيروا تلاميذي. ولكنَّ الربَّ سيُعطيكم منازلَ، وأراضي، وعائلات، وإخوة، وأخوات، وآباء، وأُمَّهات في هذه الحياة".

لِذا فإنَّ الرَّبَّ لا يَدينُ المُمتلكات. ولكنَّ السَّببَ في أنَّه قالَ للحاكِمِ الشَّابِّ أن يَبيعَ كلَّ ما لَهُ هو أنَّ مُمتلكاتِه كانت تَقِفُ بينَهُ وبينَ الله. وما لم يَتخلَّص من تلك العَثْرة، لن يَعرف الله. لا، إنَّ الرَّبَّ لا يَحتقِر المِلكيَّة. فقد قَرأنا للتَّوّ في سِفْر التَّثنية والأصحاح 28 أنَّ اللهَ قال: "سوفَ أُدخِلُكُم الأرضَ، وأُبارِك عائلاتِكُم، ومَواشيكُم، وخِرافَكُم، ومَحاصيلَكُم". وقد رَاحَ يقولُ المزيدَ والمزيدَ عن ذلك. لا، إنَّ الرَّبَّ لا يقولُ إنَّه لا يَجوزُ لنا أن نَملِكَ أيَّ شيء، بلِ هل تَعلمونَ أنَّه يقولُ في سِفْر الخروج 20: 15: "لا تَسرِق". والجُملة الَّتي يَقولُها اللهُ في الوصايا العشر: "لا تَسرِق" تَفترِض أنَّني قد أمتلِك شيئًا لا تَمتَلِكُهُ أنتَ. أجل. فمِن حَقِّنا أن نَتملَّكَ الأشياء.

فالكتابُ المقدَّسُ يَتحدَّثُ عن أنَّه لا يجوزُ للنَّاسِ أن يَسرِقوا ولا أن يَنهَبوا لأنَّ الآخرينَ يَملِكونَ حَقَّ التَّمَلُّك. ولا يَقتصِرُ الأمرُ على أنَّه لا يجوزُ لكَ أن تَسرِق أشيائي، بل لا يَجوزُ لكَ حتَّى أن تَشتهي أشيائي لأنَّ الآية خُروج 20: 17 تقول: "لا [تَفعل ماذا؟] تَشْتَهِ". لِذا فإنَّ الرَّبَّ يُقِرُّ بِحَقِّ امتلاكِ الأشياء، وبحقِّ اقتناءِ المُمتلكات الشخصيَّة.

وهناكَ مَثَلٌ إيضاحيٌّ آخر. فنحنُ نَقرأُ في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح الخامس أنَّ حَنانِيَّا وسَفِّيرة كانا يَملِكان حَقلاً. وقد قالا: "لِنَبِع الحَقلَ ونُعطي كلَّ ثَمَنِهِ للرَّبِّ". وقد أَخبَرا الجميعَ بذلك. "سوفَ نَبيعُ حَقلَنا ونُعطي كلَّ ثَمَنِهِ للرَّبِّ". ويجب أن تَعلموا أنَّ الكتابَ المقدَّسَ لم يُوصِهِما بذلك. فاللهُ لم يَقُل لهما أن يَفعلا ذلك، بل إنَّهما قالا إنَّهما سيفعلانِ ذلك طَوعًا. وقد باعا الحقلَ ونَظرا إلى كلِّ ذلك المال وقالا: "آه! لقد قُلنا إنَّنا سنُعطي كلَّ ثَمَنِ الحقلِ للرَّبِّ. ولكن لِنَحتفِظ بجُزءٍ مِنه". وقد أماتَهُما الرَّبُّ أمامَ كلِّ الكنيسة. فقد أماتَهُما. ولكن قبلَ أن يَفعلَ الرَّبُّ ذلك، قَدَّمَ لهُما رسالةً مِن خلال بُطرس:

"يَا حَنَانِيَّا [في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 5: 4]، لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟" [والآن اسمعوا]: "أَلَيْسَ وَهُوَ بَاق كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟" بعبارة أخرى، لقد كانَ المالُ لَك. وكنتَ مَالِكَهُ، وكُنتَ حُرَّ التَّصَرُّفِ فيه، ولم تَكُن مُضطرًّا لبيعِ الحقل، ولم تَكُن مُضطرًّا لِقَطْعِ ذلك الوعد. المشكلة هي أنَّكَ كَذبتَ على الله. ولكنَّ النُّقطة الَّتي أرغبُ في توضيحِها هي أنَّ الحَقلَ كانَ مِلْكًا لهما. ولكن في اللَّحظةِ الَّتي قَطَعا فيها ذلكَ الوعدَ، كانَ يجب عليهما أن يَفِيَا بِه.

والرَّبُ يَفحَصُنا في هذا الأمر. لقد طَلبتُ مِن "بول رايت" (Paul Wright) ذاتَ يوم أن يُساعدني في مشروعٍ صغير فقلت: "بول! هل يُمكنكَ أن تُساعدني في هذا الأمر لأنَّهُ لا وقتَ لَديَّ؟" قال: "بكلِّ تأكيد". قلت: "أعتقد أنَّ الأشخاصَ الَّذينَ طَلبوا مِنِّي ذلك [وَهُم هَيئة مَسيحيَّة طَلَبَت مِنِّي أن أقومَ بدراسة صغيرة]، سيُرسلونَ إليَّ مَبلغًا صغيرًا مِن المال مُقابلَ وَقتي. أيًّا كان المبلغ الَّذي سيُرسلونَهُ سيكونُ لَك". قال: "لا حَاجةَ إلى ذلك". قلتُ: "لا، لا. أنا مُصِرٌّ على القيامِ بذلك وحَسب".

وكما تَعلمون، لقد كنتُ أتوقَّعُ خمسةً وعشرينَ دولارًا أو ثلاثينَ دولارًا، أو مَبلغًا رَمزيًّا وَحَسْب. لِذا فقد ساعَدني في ذلك وشَكرتُهُ. ثُمَّ إنَّني حَصلتُ على شِيكٍ منهم بقيمة خمسمئة دولار! وهناكَ شيءٌ واحدٌ لم أجرؤ على القيام به وهو أن أُخبرَ زوجتي أنَّني قَطعتُ وعدًا كهذا. أليس كذلك؟ وقد ذهبتُ وقلت: "بول! سوف تَفرح حَقًّا بما سأقولُهُ لَك". وقد أعطيتُهُ خمسمئة دولار، فقال: "ما هذا!" فقد عَجِزَ عنِ الكلام. وقد أرادَ أن يُعيدَ لي جُزءًا مِن المبلغ، ولكنِّي قلتُ له: "لا! فأنا أخشى أن تُخبِرَ الآخرينَ عَنِّي يومَ الأحد المُقبِل!"

ولكنَّ اللهَ يَختبرنا أحيانًا فيما يَختصُّ بوعودنا. أتَرَون؟ ولكنَّ الرَّبَّ أعطانا [وهذا هو قَصدي هنا] أنَّهُ أعطانا الحقَّ في تَمَلُّكِ الأشياء. وهو يريدُ مِنَّا أن نُحسِنَ التَّصرُّف في الأشياء الَّتي نَملِكُها.

فمثلاً، نَقرأُ في سِفْر التَّثنية 8: 18: "بَلِ اذْكُرِ الرَّبَّ إِلهَكَ، أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِيكَ قُوَّةً لاصْطِنَاعِ الثَّرْوَة". فقد أعطانا اللهُ القُوَّةَ للحصولِ على المال. وقد أعطانا اللهُ المواردَ والقُدُرات. فنحنُ نَقرأ في الرِّسالة الأولى إلى أهلِ كورِنثوس 4: 7: "وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأخُذْهُ؟" والمَعنى الضِّمنيُّ هو: "مِنَ الله". وما أعنيه هو أنَّ الله يُريدُ مِنَّا أن نَعلم تلك الأشياء وأن نَمتلِكَ تلك الأشياء.

والحقيقةُ هي أنَّنا نَقرأُ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس 6: 17 إنَّ اللهَ: "يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّع". ألا تَجِدونَ ذلكَ أمرًا رائعًا؟ وهو مَقطعٌ يَتحدَّثُ عن المال. فقد أعطانا اللهُ المالَ كي نَتمتَّعَ به. لِذا، لا حاجةَ إلى أن نَعيشَ حياةَ التَّنَسُّك. في عيدِ ميلادي، أَهدتني زوجتي كُرسيًّا... كُرسيًّا طَريًّا مُريحًا يُمكِن إمالَتُه إلى الوراء. وأنا أُحبُّ ذلكَ الكُرسيَّ ويُمكنني أن أجلسَ فيه دونَ أن أقول: "أنا جَسَدِيٌّ... جَسَدِيٌّ... جَسَدِيٌّ" طَوالَ الوقتِ الَّذي أَصرِفُه في الجُلوسِ في الكُرسيّ. وما أعنيه هو أنَّهُ بإمكاني أن أستمتعَ بذلكَ الكُرسيّ. وبينَ الحينِ والآخر، أَسمَحُ لشخصٍ آخر أن يَجلسَ فيه أيضًا لكي أُحافِظَ على نَظرتي السَّليمة للأشياء. ولكنِّي أستمتعُ به. فقد أعطانا اللهُ كلَّ شيء بِغِنًى للتَّمَتُّع.

إنَّ اللهَ لا يُريدُ أن يَحرِمَنا شَيئًا، بل إنَّهُ إلَهٌ سَخِيٌّ جدًّا. والحقيقة هي أنَّني أعتقد أنَّكم إن دَرستُم تاريخَ العالَم، ستجدونَ أنَّ الأُمم الَّتي كانت أَتقى مِن غَيرِها ازدهرت جدًّا. وهذا شيءٌ صَحيحٌ بصورة عامَّة. فاللهُ إلَهٌ سَخِيٌّ. وهل تَعلمونَ أنَّ المبادئَ الحكيمةَ لإدارةِ الأعمالِ التِّجاريَّةِ والمَصارِفِ [على سبيل المِثال] هي شَيءٌ شَجَّعَ عليهِ رَبُّنا في أمثالِهِ المذكورة في إنجيل مَتَّى والأصحاح 25 وإنجيل لوقا والأصحاح 19؟ وهل تَعلمونَ أنَّ إبراهيمَ الَّذي كانَ ثَريًّا جدًّا كانَ يُدعى "خَليل الله"؟ وأنَّ اللهَ جَعَلَ أيُّوب أغنى مِمَّا كانَ عليه في السَّابق وأنَّهُ كانَ يَملِك ثَروة لا يَقدِرُ أن يُحصيها؟

وهل تَعلمونَ أنَّ زَكَّا كانَ غَنيًّا ولكنَّهُ دُعِيَ ابنًا لإبراهيم؟ وهل تَعلمونَ أنَّه إن دَرستُم سِفْر الأمثالِ المَرَّةَ تِلو المَرَّة تِلو المَرَّة ستجدونَ أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُشجِّعُنا على الحرصِ في التَّعامُلِ مع ثَروتنا واستثمارها بحكمة؟

فنحنُ نَقرأُ في سِفْر الأمثال والأصحاح السَّادس: "اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَة... تَأَمَّلْ طُرُقَهَا..." فَهِيَ "تُعِدُّ فِي الصَّيْفِ طَعَامَهَا، وَتَجْمَعُ فِي الْحَصَادِ أُكْلَهَا". فالنَّملة ذَكيَّة بالقدر الَّذي يَجعلُها تُخَطِّط للمستقبل. والنَّملةُ تَعرفُ كيفَ تَدَّخِر. فالادِّخاراتُ الحكيمةُ شيءٌ مُهمٌّ جدًّا. وإن فَتحتُم على سِفْر الأمثال 14: 23 ستَقرأونَ ما يلي: "فِي كُلِّ تَعَبٍ مَنْفَعَةٌ، وَكَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَى الْفَقْر". بعبارة أخرى، إن أردتَ أن تكونَ غَنيًّا، اعمل. وإن أردتَ أن تكونَ فقيرًا، تَكلَّم. ولكنَّ هذا الكلامَ لا يَسري إن كنتَ واعظًا. أمَّا عَدا عن ذلكَ فإنَّهُ يَسري!

ونَقرأ في سِفْر الأمثال 21: 20: "كَنْزٌ مُشْتَهًى وَزَيْتٌ فِي بَيْتِ الْحَكِيمِ، أَمَّا الرَّجُلُ الْجَاهِلُ فَيُتْلِفُهُ". بعبارة أخرى، الشَّخصُ الحكيمُ يَعرف كيف يَدَّخِر، وكيفَ يُخَطِّط. ونَقرأ في سِفْر الأمثال 22: 7: "الْمُقْتَرِضُ عَبْدٌ لِلْمُقْرِض". فالإقراضُ أَحكَمُ مِنَ الاقتراض. لِذا فإنَّ المُمارسات الحكيمة المُختصَّة بالعمل مذكورة في كلِّ الكتاب المقدَّس.

ونَقرأ في سِفْر الأمثال 24: 3: "بِالْحِكْمَةِ يُبْنَى الْبَيْتُ وَبِالْفَهْمِ يُثَبَّتُ، وَبِالْمَعْرِفَةِ تَمْتَلِئُ الْمَخَادِعُ مِنْ كُلِّ ثَرْوَةٍ كَرِيمَةٍ وَنَفِيسَة". بعبارة أخرى، الشَّخصُ الحكيمُ يَعرف كيفَ يَبني بيتًا ويَملأهُ مِن كلِّ ثَروةٍ كريمةٍ ونَفيسَة. واللهُ لا يُمانِعُ في ذلك، بل إنَّ اللهَ أعطانا هذه الأشياء بنِعمتِه لكي نَتمتَّعَ بها.

ونَقرأ في سِفْر الأمثال 28: 19: "اَلْمُشْتَغِلُ بِأَرْضِهِ يَشْبَعُ خُبْزًا، وَتَابعُ الْبَطَّالِينَ يَشْبَعُ فَقْرًا". بعبارة أخرى، يجب عليكَ أن تَشتغلَ بأرضِك لا أن تُخالِطَ البَطَّالين. كُن حكيمًا. فَمِن حَقِّكَ أن تَتملَّكَ، وأن تُضيفَ إلى مُمتلكاتِك، وأن تَزيدَ تلك المُمتلكات. فاللهُ هو الَّذي أعطانا إيَّاها.

إنَّ ما نَراهُ إذًا هو أنَّ آياتِ الكتاب المقدَّس تُخبرنا أنَّ كَنْزَ كُنوزٍ في الأرض، أو بالحَرِيِّ: كَنْزَ كُنوزٍ على الأرض ليست النُّقطة الجوهريَّة، وأنَّ ذلك لا يعني أنَّه لا يجوزُ لنا أن نَمتلكَ أيَّ شيء، ولا يجوزُ لنا أن نَتمتَّعَ بأيِّ شيء، وأنَّه لا يجوزُ لنا أن نَقبلَ مِن يَدِ اللهِ الصَّالحة تلك الأشياء الَّتي يُنعِم بها علينا.

والعهدُ الجديدُ يقولُ الشَّيءَ نفسَهُ. فنحنُ نَقرأ في رسالة رومية 12: 11: "غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَاد". ونَقرأ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاح الخامس أنَّه يجب علينا أن نكونَ مُستعدِّينَ للاعتناءِ بأنفسنا، والاعتناءِ بأهلِ بَيتِنا؛ وإلاَّ فإنَّنا نكونُ أَشَرّ مِن غير المؤمنين. بعبارة أخرى، فإنَّ اللهَ يقولُ إنَّ هذه الأشياء هي لنا بنِعمتِه.

والآن، ما الَّذي يقولُهُ إذًا؟ وما الَّذي يَنهانا عنهُ هُنا؟ "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْض". ما معنى ذلك؟ إنَّهُ لا يتحدَّث عن مُمتلكاتِنا، بل يَتحدَّث عن موقفِنا مِن مُمتلكاتِنا. هل هذا واضح؟ والآن اسمعوني: مِن الصَّوابِ أن أَطلُبَ الحاجيَّاتِ الأساسيَّة. ومِن الصَّوابِ أن أَسُدَّ حاجاتِ عائلتي. ومِن الصَّوابِ أن أُخَطِّطَ للمستقبل. ومِن الصَّوابِ أن أَستثمرَ استثماراتٍ حكيمة. ومِن الصَّوابِ أن أُساعِدَ الفُقراء. ومِن الصَّوابِ أن يكونَ لديَّ ما يَكفي مِن المال لإدارة عَملي.

ولكن مِن الخطأ أن أكونَ جشعًا. ومِن الخطأ أن أَشتهي. ونحنُ نَعودُ هُنا إلى الدَّافِعِ مَرَّةً أخرى. فإن كنتُ أفعلُ ذلكَ كي أستخدمَهُ لتمجيدِ اللهِ في حياةِ الأشخاصِ المُحطينَ بي وفي ملكوته، يكونُ لديَّ الحقُّ في امتلاكِ كُلِّ ذلك المال. أمَّا إن كنتُ أَجمعُ المالَ لِتَكديسِه، ولِتَخبئته، وللاحتفاظِ به، ولمُراكَمَتِه، ولِكي أنغمسَ في شَهواتي، فإنَّ هذه خَطيَّة. وهذا يُعيدُنا إلى التَّعامُلِ مع ذلكَ الموقف مَرَّةً أخرى.

كانَ "جون ويسلي" (John Wesley) رَجُلاً غَنيًّا جدًّا. فعندما نُفكِّر في جون ويسلي، نحنُ نُفكِّر فقط في أنَّه كانَ رَجُلاً عظيمًا مِن رجال الله، وأنَّهُ كانَ رَجُلاً مُصَلِّيًا، وأنَّهُ كانَ يُخَصِّص وقتًا طويلاً لدراسةِ كلمةِ الله، وأنَّهُ كانَ يَنهَضُ كلَّ صباحٍ ويَصرِفُ ساعاتٍ عديدة في دراسةِ الكِتابِ المُقدَّسِ باللُّغة اليونانيَّة. وقد نَظُنُّ أنَّه كانَ رَجُلاً فقيرًا. ولكنَّ جون ويسلي كانَ رَجُلاً غَنيًّا جدًّا. وقد حَصَلَ على ثَروتِه مِن التَّرانيم الَّتي كَتَبَها والكُتُبِ الَّتي أَلَّفَها. وفي فَترة مُعيَّنة مِن حياتِه، تَبرَّعَ بنحوِ خمسينَ ألف جُنيهٍ إسترلينيّ. فقد تَبرَّعَ بها وَحَسْب للنَّاس. وقد كانت تلكَ ثَروة في زَمانِه. فقد كانَ رَجُلاً غَنيًّا وتَبرَّعَ بكلِّ هذه الثَّروة. وعندما ماتَ جون ويسلي، كانَ كُلُّ ما يَملِكُهُ هو ثمانية وعشرونُ جُنيهًا.

ويُمكنني أن أقولَ لكم شيئًا واحدا وَهُوَ أنَّه لم يَكنِز كُنوزَهُ على الأرض. فعندما كانَ يَحصل على المال، كانَ يَتبرَّع بهِ للنَّاس. فقد تَبَرَّعَ بِهِ واستثمَرَهُ في ملكوتِ الله. وكما تَرَون، فإنَّ مَعنى الكلمة اليونانيَّة المذكورة هنا هو أنَّه لا يجوزُ لنا أن نُكَدِّسَ أموالاً لسنا بحاجة إليها ولا نُخَطِّطُ لاستخدامِها.

وأودُّ أن أُضيفَ أنَّ هناكَ أشخاصًا يُكَدِّسونَ المالَ بِدَعوى أنَّهم يُخَبِّئونَ قِرْشَهُم الأبيَض ليَومِهم الأسوَد. وهذه مُشكلة لأنَّكَ لا تَعيشُ بالإيمان. وأنتَ لا تُؤمِن بأنَّ اللهَ سيَعتني بكَ في المستقبل، بل أنتَ تُكَدِّس المالَ وَحَسْب. وقد أُتيحت لي الفُرصة لمُقابلة رَجُلَيْنِ في الأسبوعِ الماضي... رَجُلَيْنِ ثَرِيَّيْن. وقد أخبرني عن واحدٍ منهما صَديقٌ لي في كنيستنا. فعندما كانَ يَعملُ أُستاذًا في جامعة جنوب كاليفورنيا (U.S.C.)، ادَّخَرَ ألفَ دولار واستثمرَها في شراءِ قطعة أرض. وقد كانَ استثمارًا جيِّدًا. ثُمَّ إنَّه اشترى أرضًا أخرى، وأخرى، وأخرى. ثُمَّ إنَّه تَوقَّفَ عن التَّعليم لأنَّه كانَ يَملِك مِئات ومِئات ومِئات الملايين مِن الدُّولارات. وقد اشترى شَيئًا مؤخَّرًا قيمَتُهُ 68 مَليون دولار. إنَّهُ رَجُلٌ غَنيٌّ جدًّا. ولكنَّهُ يَبدو أكبرَ مِن سِنِّه بخمسَ عشرةَ سنة. وقد خَسِرَ عائلتَه في أثناءِ جَمْعِهِ لثروتِه. ولكنَّه يَملك الملايين والملايين والملايين والملايين المُكَدَّسة في كلِّ مكانٍ مِن حَولِه. لأجلِ ماذا؟

وأنا أُفكِّرُ في عمل الله الَّذي يَتِمُّ بصعوبة ومَشَقَّة وميزانيَّة محدودة. وهذا لا يعني أنَّه يجب علينا أن نَتخلَّى عن كلِّ ما لدينا. أليسَ كذلك؟ ولكنَّ النُّقطة المُهمَّة هي أنَّنا نُحِبُّ التَّملُّك. فهذه هي المُشكلة. فنحنُ نُحِبُّ وَحَسْب أن نُكَدِّسَ الأموال.

وقد التقيتُ رَجُلاً ثانيًا في الأسابيع القليلة الماضية. وقد سَمِعتموهُ يَعِظ. إنَّه الدُّكتور "كريسويل" (Dr. Criswell) في دالاس. وقد انتَقَدَهُ أُناسٌ لأنَّهُ كانَ غَنيًّا جدًّا. فعندما كانَ شابًّا، قامَ باستثماراتٍ جيِّدة جدًّا. وذاتَ يومٍ، بعد أن رَعى كَنيسةً ثلاثين سنة، قَدَّمَ شيكًا إلى الكنيسة هَديَّةً. وكانَ الشِّيك بقيمة كلِّ فِلسٍ دَفَعَتْهُ لَهُ الكنيسة طَوالَ ثلاثينَ سنة مُضافًا إليها الفوائد. وقد سألَ شخصٌ واحدًا مِن مُوظَّفي الكنيسة: "هل يَتقاضى راتبًا؟" قال: "نَوعًا ما! ولكنَّهُ يُعطي أكثر مِمَّا يأخذ... كلَّ سنة".

وكما ترَون، فإنَّ المسألة لا تَتوقَّف على ما إذا كنتَ تَملِكُ المال، بل إنَّ القضيَّة تَتوقَّف على ما تَفعَلُهُ بما لديك. أليس كذلك؟ أي ما إذا كنتَ تَستخدِمُهُ لأجلكَ أَم لأجلِ مَلكوتِ اللهِ ومَقاصِدِه. وقد قالَ أحدُ الأشخاص: "لا توجد رُزمة أصغر مِن تلك الَّتي يَلُفُّ بها الإنسانُ نَفسَهُ". وهذا صحيح تمامًا. فالآية كولوسي 3: 5 تقولُ إنَّ الطَّمعَ هو "عِبَادَةُ أَوْثَان". وهذا هو ما قَصَدَهُ رَبُّنا. أي أن يَصيرَ المالُ صَنَمًا في حياتِك.

كان "تشَك روجرز" (Chuck Rogers) في كنيستنا. وقد ماتَ مؤخَّرًا في حادث طائرة. ولكنَّ "تشك" جاءَ إليَّ ذاتَ يوم وقال: "جون، لديَّ مُشكلة روحيَّة". قلت: "وما هي يا تشك؟" قال: "لديَّ خمسمئة سَهم في شركة نِفط". وقد قال: "إنَّها تُفسِد حياتي الرُّوحيَّة. فأنا أستمرُّ في مُتابعة تلك الأسهم. إنَّها كَصَنَمٍ بالنِّسبة إليَّ". وقد قال: "لقد سَبَّبَت لي مُشكلةً في حياتي الرُّوحيَّة. لذا فقد جئتُ إلى هنا كي أُقدِّمَها لك". قلت: مَهلاً مَهلاً يا تشك، أنا لا أريدُ مشاكلكَ الرُّوحيَّة. فلديَّ مشاكلي الخاصَّة". ولكنَّهُ أَصرَّ على ذلك وقال: "لا، أعتقد أنَّها ستَمتحن حياتَكَ الروحيَّة. سوفَ أرى كيفَ تَتصرَّف بها". لذا فقد أعطاني خمسمئة سهم في هذه الشَّركة.

وهل تَعلمونَ ما الَّذي فَعَلَتْهُ تلكَ الأسهُمُ بي؟ لقد شَوَّشَت فِكري. فقد كان يجب عليَّ أن أتَّصلَ بسوقِ الأسهُم الماليَّة وأقول: "كم سعرُ هذا السَّهم؟". وقد فَكَّرتُ في شراء بَدلة مُقَلَّمة حالما حَصلتُ على تلك الأسهُم. فقد شَعرتُ أنَّني رَجُلُ أعمالٍ وأنَّني الآنَ في السُّوق. أتَعلمونَ ذلك؟ فلم يَسبِق لي أن اشتريتُ أسهُمًا. وعلى أيِّ حال، لقد ابتدأتُ بالاتِّصال بسوق الأسهُم الماليَّة، وأَقلقُ على هذه الأسهم، وأراقِبُها وهي تَصعَد وتَهبِط. وأخيرًا قلتُ لنفسي: "أتدري! إنَّ هذه الأسهُم تُفسِدُ حياتي كما أَفسَدَت حياةَ تشَك". لِذا فقد بِعتُها بخمسينَ فِلسًا للسَّهم وحصلتُ على 250 دولار. وقد انتهى الأمر هنا. ولكنِّي لم أُفكِّر في هذا الموضوع إلى اليوم الَّذي قالَ فيه أحدُ الأشخاص: "مرحبًا، هل ما زلتَ تَحتفظ بتلك الأسهم؟ لقد صارت قيمةُ السَّهم عشرة دولارات". وحينئذٍ خَطَرت ببالي مَرَّةً أخرى. ولكنِّي أريدُ أن أقول لكم شيئًا. أنا مسرورٌ لأنِّي لم أقلَق خلالَ تلك السَّنوات الأربع بخصوص ذلك الشَّيء.

وكما تَرَون، فإنَّ الأشياءَ الَّتي نَملِكُها يمكن أن تصيرَ أصنامًا في حياتِنا. والربُّ يقول: "لا تَكنِزوا لكم كُنوزًا". فتَكديسُ الأشياء بطريقة أنانيَّة، والرَّفاهِيَة المُفرِطَة تُقَسِّي القلب تُجاهَ الأمورِ المُختصَّة بالله. اسمعوني: انظروا إلى العدد 19 مَرَّةً أخرى. وسوفَ أختِمُ حَديثي بهذه الآية: "لاَ تَكْنِزُوا..." وإليكُم المِفتاح. ضَعوا خَطًّا تَحتَ هذه الكلمة في كِتابِكُم المُقدَّس: "لَكُمْ". أليس هذا هو المِفتاح؟

وما أعنيه هو: إن أردتُ أن أستثمِر، وأردتُ أن أعملَ عَملاً تجاريًّا ناجحًا، وإن أردتُ أن أعملَ بِهِمَّة، وأن أكونَ أمينًا في ما أقومُ به، وأن أبذلَ كلَّ طاقتي لأجلِ الآخرين، ولأجلِ الله، ولأجل أطفالي، ولأجل وَالديَّ، ولأجلِ الفقراء، ولأجلِ المُكتئبين، ولأجلِ المَقهورين، فهذا شيء. أمَّا عندما أبتدئُ في جَمْعِ الثَّروة لنفسي مِن أجل تَرَفي ورَفاهيَّتي، وأصيرُ ماديًّا، أكونُ قد خَالفتُ هذا المبدأ.

ماتَ رَجُلٌ غَنِيٌّ. وقد قالَ أَحَدُ مَعارفِه لآخر: "لقد سَمعتُ أنَّ فُلانًا مات". قال: "هذا صحيح". قال: "ماذا تَرَكَ وراءَه؟" أجابَ صَديقُه: "كلَّ شيء! كلَّ شيء!" ولكن ما نَفعُ ذلك؟ فقد قالَ واحِدٌ مِن رجالِ اللهِ في العهد القديم للرَّبّ: "لاَ تُعْطِنِي فَقْرًا وَلاَ غِنًى. أَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي، لِئَلاَّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: «مَنْ هُوَ الرَّبُّ؟» أَوْ لِئَلاَّ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَتَّخِذَ اسْمَ إِلهِي بَاطِلاً". أتَرَون؟

افحَصوا قَلبكُم يا أحبَّائي لأنَّ ما يقولُهُ يسوعُ هنا هو ما يَلي: "النَّاسُ في مَلكوتي لا يَكنِزونَ ثَروةً لأنفسهم. فَهُم لا يُكَدِّسونَ الأشياءَ لأنفسهم". هل تَفعل عكسَ ما كانَ يَفعلُه الفَرِّيسيُّون؟ أو هل لديكَ مُشكلة تَختصُّ بالمال؟ يجب عليك أن تَفحصَ شيئًا ضروريًّا في حياتِك. فإن كنتَ شَديدَ التَّمسُّك بالمال، قد لا تكونُ مؤمنًا أصلاً لأنَّ النَّاسَ في ملكوت المسيح يَكنِزونَ كَنزًا في السَّماء. وَهُم يَستثمرونَ في الأبديَّة. وإن سألتني إن كنتُ مُستعدًّا لإنفاق خمسة آلاف دولار على سَيَّارة أو ما إذا كنتُ مُستعدًّا لاستثمار خمسة آلاف دولار في حياةِ أحدِ المُرسَلين فإنَّ الخِيارَ سَهلٌ جدًّا. فالأمرُ بسيط... بسيط، لأنَّني أُفضِّلُ أن أستثمرَ ذلكَ المال في الأبديَّة. ألا تُفَضِّلُ أنتَ ذلكَ أيضًا؟

لِذا فإنَّ الخِيارَ سَهلٌ بالنِّسبةِ إليَّ. ويجب عليَّ أن أتَّخِذَ هذا القرارَ يومًا تِلو الآخر، تِلو الآخر، تِلو الآخر. فأنا أفحصُ حياتي. وإن لم أجد تلك الرَّغبة في حياتي في أن أستثمرَ في الأبديَّة، وفي أمورٍ تَختصُّ بالربِّ، وفي ألاَّ أكونَ أنانيًّا بهذا الخصوص، إن لم أَرَ ذلك، وإن لم أَرَ نفسي أُعطي أكثر فأكثر لعمل الله، وأُعطي بفرح في قلبي، يجب عليَّ أن أَشُكَّ في صِحَّةِ ادِّعائي بأنِّي مُؤمِن لأنَّ مِن صِفاتِ المؤمن أن يَكنِزَ كُنوزًا في السَّماء.

افحص قلبَك. هل أنتَ حقًّا مَسيحيّ؟ فقد يكونُ ذلكَ المؤشِّرُ جيِّدًا. فصديقي من إسكتلندا "أليستر بيغ" (Alistair Begg) سَرَدَ قِصَّةً عن صَبيٍّ صغيرٍ كان يَسبحُ في نَهر، ويَلهو، ويُحرِّك ذِراعَيه، ويُطَرطِش الماء. وكانت هناك لوحة أمامَ الصَّبيِّ مُباشرةً تقول: "السِّباحة مَمنوعة". وكانَ هناكَ رَجُلٌ يَمشي عند ضِفَّةِ النَّهر فنظرَ إلى الصَّبيِّ وقال: "أيُّها الصَّبيّ، ألم تَقرأ اللَّوحة؟ إنَّها تقول: ’السِّباحة مَمنوعة‘". قالَ الصَّبيّ: "أرجوكَ يا سَيِّدي، أنا لا أسبح. أنا أغرق!"

فأحيانًا، قد لا نُفَرِّق بينَ السِّباحة والغَرَق. أليسَ كذلك؟ وأعتقد أنَّ هناكَ أشخاصًا في الكنيسة نَعتقد أنَّهم يَسبحون، ولكنَّهم يَغرقون. لِذا، يجب عليكَ أن تفحصَ قلبَك. ما هو موقفُك مِن الرَّفاهِيَة والثَّراء والمال؟ وليساعِدنا الرَّبُّ على أن نُطَبِّق هذه المبادئ عَمليًّا. وهذه هي البداية وَحَسْب. ولكنَّ الزُّبدَة ستأتي في أثناء مُتابعتنا لدراستنا. دَعونا نُصلِّي:

نَشكُرُك يا أبانا على كلمتِك الواضحة بهذا الخُصوص. ونَشكُرُك على الوعد بأنَّ الطَّاعة تَجلب البَرَكة، ولأنَّكَ أخبرتَنا هذه الأمور لا لتَحرمنا مِن المال، بل لتُكافئنا أبديًّا، ولتَجعلنا أغنياءَ إلى الأبد في الأمورِ المُهمَّة حَقًّا. نَشكُرُك على كلِّ شخصٍ عَزيزٍ وغَالٍ على قلبِنا في هذا الصَّباح. ونُصلِّي أن تَلمَسَ حياةَ وقلبَ كلِّ شخصٍ بما في ذلكَ حياتي وقلبي بهذا الخصوص لكي نَتصرَّفَ بكلِّ إيثارٍ ونَكنِزَ كُنوزَنا في السَّماء.

ساعِدنا على أن نُعطي ونُعطي، وعلى أن نَستمرَّ في العَطاء دونَ تَوقُّف لِذاكَ الَّذي أعطانا كلَّ شيء. نُصلِّي هذا باسمِ المسيحِ الَّذي افْتَقَرَ لأجلِنا وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَي نَستغني نحنُ بفَقرِه. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize