
إنَّ دَرْسَنا للكتاب المقدَّس في هذا الصَّباح قائمٌ على ما جاء في الأصحاح الثَّامن من إنجيل مَتَّى – مَتَّى والأصحاح الثَّامن. وسوف ننظر إلى الأعداد من 23 إلى 27. إنجيل مَتَّى 8: 23-27.
واسمحوا لي أن أُعطيكم خلفيَّةً تُساعدكُم على الفهم في هذا الصباح. فعندما خَلَقَ اللهُ الإنسان، كان تدبير الله له هو أن يكون الإنسانُ مَلِكًا على الأرض، أيّ أن يكون الإنسانُ حاكِمَ الأرض. ويُخبرنا سِفر التكوين أنَّ الله أعطى الإنسان سُلطانًا، أو سيادةً، أو حُكمًا، أو مُلكًا على الأرض. ولكنْ عندما سقط الإنسان في الخطيَّة خُلِعَ عنِ العرشِ بوصفه ملكًا، وفَقَدَ سيادته، وفَقَدَ حَقَّهُ في الحُكم، وفقد الجلال والبهاء والمجد الذي كانت تتمتع به الأرض البريئة أو المملكة التي أعطاها اللهُ له. فقد لُعِنَت الأرض حالاً مِن الله. وبسبب تلك اللعنة، وقعت الأرض بيدِ العدوّ، أي الشيطان، الذي يُدعى "رئيس هذا العالم" و "إله هذا الدهر". لذلك فقدْ خسرَ الإنسانُ سُلطانَهُ وفَقَدَت الأرض مجدها. وماذا كانت نتيجة ذلك؟ اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم بعض النتائج: المرض، والألم، والموت، وتَفَكُّك العلاقات بين الناس، والحرب، والحُزن، والظُلم، والبُطْل، والمجاعة، والكوارث الطبيعيَّة، والأعمال الشيطانيَّة. فهذه هي الأشياء التي نجمت عن الخطية. والأرض تَتعرَّض لكُلِّ هذه الأشياء بصورة دائمة.
ولكنَّ الكتاب المقدس يكشف لنا عن خُطة فِداء عظيمة ومجيدة يقوم الله مِن خلالها ليس فقط بفداء الإنسان، بل أيضًا بفداء بيئة الإنسان، وفِداء أرض الإنسان، وفِداء كَوْن الإنسان، وعَكْس اللعنة. وبحسب خُطة الله، لكي يقوم الله بذلك ينبغي أن يأتي الله إلى الأرض مَرَّتَيْن. ففي المَرَّة الأولى، سيأتي لكي يفدي الإنسان. وفي المرة الثانية سيأتي ليفدي الأرض والكون. لذلك فإننا نرى في المجيء الأول للرب يسوع المسيح أنه صُلِب وقام مِن القبر مِن أجل فِداء الإنسان. وهو سيأتي في المَرَّة الثانيَّة بمجدٍ عظيم ويُؤسس مملكةً ألفيَّةً، ثُمَّ إنَّ سماءً جديدةً وأرضًا جديدة ستُوجدان إلى الأبد. وبذلك فإنه سيفدي الخليقة كُلَّها. وهذه هي الخُطة. وقد كان المسيح هو الذي سيُنفِّذ الخُطة. لذا فإنَّ الخُطة النهائيَّة هي أن يكون الكَوْنُ بلا حُزنٍ، وبلا دموع، وبلا ألم، وبلا مرض، وبلا موت، وبلا أسقام، وبلا مشاكل، وبلا كوارث، وبلا شياطين، وأن يكون كلُّ شيء فيه بارًّا، ومُقدَّسًا، ورائعًا، وجميلاً، ومجيدًا إلى الأبد. فهذا هو ملكوت الله المُستقبليّ.
والمرحلة الأولى في هذا الملكوت هو المُلك الألفيّ حيث إنَّ الرب سيعكِس اللعنة التي لُعِنَت بها الأرض نفْسُها. أمَّا المرحلة الثانيَّة فهي في الحالة الأبديَّة، أي عندما يَخلِق الربُّ سماءً جديدةً وأرضًا جديدة تختلفان عن السماء والأرض اللَّتَيْن نَعرفُهما الآن. فسوف يتغير كلُّ شيء في المستقبل. فكُلُّ شيء نعرف أنه واقعٌ تحت اللعنة، وكل شيء يُشَوِّه وجود الإنسان، وكل شيء يَكسر قلب الإنسان، وكل شيء يسْلِب الإنسان فَرَحَهُ، وكل شيء يسْلِب الإنسان الهيمنة والسُلطان اللَّذَيْنِ قَصَدَهما الله له، والسيادة التي صَمَّمَها اللهُ لأجله، كلُّ هذا سينعكِس. والكتاب المقدس يقول إننا سنمْلِك إلى أبد الآبدين معَ يسوعَ المسيح المُترَبِّع على عرْشِه. وهذا هو فِداء الكون. فالأشياء لن تبقى دائمًا على حالِها.
والآن، عندما ننظر إلى فِداء الأرض والكون، وعندما ننظر إلى ملكوت الله المُستقبليّ المجيد، يَتَّضِح لنا تمامًا أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يُجري ذلك التغيير. فنحن لا نستطيع أن نُغيِّر أي شيء في بيئتنا. فقد نُحاول أن نُعالج بعض المُشكلات، ولكنَّنا لا نستطيع أن نتخلَّص منها. فنحن لا نملِك القُدرة. صحيحٌ أننا نستطيع أن نُطلِق بعض الصواريخ في الفضاء، ولكنَّ كُل ما نفعله هو أننا نُلوِّث الفضاء. وصحيحٌ أننا نستطيع أن نُصَنِّع جميع الآلات والمَعدَّات، ولكنَّ كُلَّ ما نفعله هو أننا نُلوِّث البيئة التي نَبْني فيها هذه الأشياء ونستخدمها. وقد قال لي طبيبٌ أعرفه إننا في كُلِّ مَرَّة نَحِّلُ فيها مُشكلةً طِبِّيَّةً فإنَّنا نَتَسَبَّبُ في سِتِّ مشاكل أُخرى تحتاج إلى حَلّ. لذلك كُلما أَسْرَعْنا الخُطَى، رجعنا إلى الوراء. وكُلَّما زاد تقدُّمنا، زادت التعقيداتُ سُوءًا. فالإنسان لا يستطيع أن يُجدِّد الأرض. والإنسان لا يستطيع أن يُزيل اللعنة. فهو لا يَملِك القُدرة. فمع أننا صنعنا صواريخ جبَّارة، ومع أننا أَظهرنا ذكاءً هائلاً في التعامل مع مصادر الطاقة، ومع أننا تمكَنَّا من تطوير الطاقة النووية، وهَلُمَّ جَرَّا، فإننا ما زلنا غير قادرين على تطبيق هذه الأشياء لتغيير بيئتنا، أو لتغيير الكون الذي نعيش فيه. لذلك، إذا كانت الأرض ستتغيَّر، وإن كانت البيئة ستتبدَّل، وإن كانت ستكون هناك سماء جديدة وأرض جديدة، ينبغي أن يتم ذلك بواسطة كائنٍ أسمى جدًّا مِن أيِّ إنسان. والحقيقة هي أنه لا يكفي أن تكون تلك القُدرة تفوق قُدرة الإنسان، بل ينبغي أن تكون قُدرة لا يستطيع الإنسان أن يستوعبها. فنحنُ عاجزون حتى عن تخيُّل نوع القُدرة اللازمة لِعكس اللعنة، ولِخلق سماء جديدة وأرض جديدة لأننا عاجزون في الأصل عن تَخيُّل نوع القُدرة التي مَكَّنَتِ اللهَ مِنْ خَلْقِ الكون في الأصل ومِنَ الحِفاظ على الخليقة.
وفي المزمور الثَّاني والستِّين، يقول الكتاب المقدَّس إنَّ "الْعِزَّةَ لله". ونقرأ في سِفْر أيُّوب 26: 14: "وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ؟" ونقرأ في المزمور 79: 11 عن عَظَمَة ذِراع الربّ. ونقرأ في الأصحاح الأوَّل من سِفْر ناحوم أنَّ الربَّ: "عَظِيمُ الْقُدْرَة". ونقرأ في سفر إشعياء 26: 4 أنَّ الربَّ هو صَخْرُ الدُّهُور. ونقرأ في المزمور 65: 6 (الَّذي قرأته في هذا الصَّباح): "الْمُثْبِتُ الْجِبَالَ بِقُوَّتِهِ، الْمُتَنَطِّقُ بِالْقُدْرَة". لذلك، لا عَجَبَ أنَّ داود قال في المزمور الثالث والستِّين: "يَا اَللهُ، إِلهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي ... لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَك". وما نوع القوَّة الَّتي يمتلكها الله؟ إنها ظاهرة لنا إذْ نقرأ في رومية 1 أنَّ الأشياء المُحيطة بنا تُظهِر لنا قُدرة الله. فهذا هو ما جاء في رسالة رومية 1: 20. ولكِنْ ما نوع هذه القُدرة؟ كُلَّما أَطَلْنا النظر إلى الكون زادت صَدمَتُنا لأننا نرى القُدرة الكامنة هناك. فإنْ أراد الإنسانُ المِسكين أن يُديرَ جَرَّافةً بقوة 450 حِصانًا ليومٍ واحد، يجب عليه أن يستخدم 100 غالون من الوقود لكي يتمكن مِن استخدام تلك الجرَّافة لإزالة بعض التُّراب. لذا، ما نوع القوة اللازمة لإزالة الكون؟ إنها تَفوقُ تَخَيُّلَنا. وقد نتمكَّن بواسطة التلسكوبات أن نرى أماكن في الفضاء تبعد عَنَّا أربعة مليارات سنة ضوئيَّة أو خمسةٌ وعشرون سيكستيليون ميل (أو لِمُساعدتكم قليلاً حاولوا أن تضربوا الرقم 7 في 10 وأن تُضيفوا إلى حاصل الضرب 67 صِفرًا). فنحن نستطيع أن ننظر إلى الفضاء ولكننا نعلم أننا لم نقترب حتى مِن حافة الفضاء. وأينما نظرنا فإننا نُدرك وجود قُدرة وحركة للأجسام الفضائيَّة تُديرُها قُدرة هائلة. ونحن نعيش على سطح كُرة مُحيطُها 25 ألف ميل، وقُطرُها ثمانية آلاف ميل. والأرض تَزِن 6 سيبتيليون و 500 سيكستيليون طُنّ، وهي مُعلَّقة على لا شيء. ونحن نقول: "إنَّ الجاذبيَّة تُبقيها في مكانها". ولكنَّ ما هي الجاذبيَّة؟ فما هذه القُدرة التي تُسمى "جاذبيَّة" والتي تُمْسِك هذا الشيء وتُبقيه في مكانه؟ وليس هذا فقط، بل إنها تجعل الأرض تدور حول مِحوَرِها. فأين هي الصواريخ التي تجعلنا ندور حول أنفسنا بمعدل ألف ميل في الساعة؟ فهذه هي السرعة التي تدور فيها الأرض حول مِحورها في هذا الصباح، يا أحبائي: ألف ميل في الساعة حول مِحوَرِها. وكما تعلمون، فإنها تدور بسرعة دقيقة جدًّا حتى إنكم تستطيعون أن تقيسوا الزمن بجزءٍ مِن الثانية. وليس هذا فقط، أي أننا لسنا ندور حول مِحورِنا بسرعة ألف ميل في الساعة فحسب، بل إننا ندور في مدارٍ حول الشمس طولُهُ 580 مليون ميل بسرعة ألف ميل في الدقيقة. وليس هذا فحسب، بل إنَّ نِظامنا الشمسي بمجمله يدور في الفضاء اللامتناهي في مدارٍ يستغرق مليارات السنين بسرعة تفوق ذلك. فنحن ندور في ثلاث سُرعات. وأين هو الوقود؟ وأين هي الطاقة؟ وما الذي يجعلنا ندور؟ وهل تعلمون أنَّ سَمَك "القُدّ" يَضَع في المَرَّة الواحدة تسعة ملايين بيضة؟ وقد أحببت فقط أن أقول لكُم هذه المَعلومة!
ولكِنَّ اللهَ ليس إله الأمور الكبيرة فقط، بل هو أيضًا إله الأشياء الصغيرة. فهل تعلمون أنهم قَدَّروا قُدرة الشمس بخمسمئة مئة مليون مليون مليار حصان، وأنَّ هناك ما لا يقِل عن مئة ألف مليون شمس في مجرَّتنا، ومَنْ يدري عدد ملايين المجَّرات الموجودة. فأين هي القُدرة؟ وما الذي يُبقي تلك المَجرَّات تتحرك؟ وهل تعلمون أنَّ مِلعقة ماء صغيرة تحوي مليون مليار تريليون مِن الذرَّات. وهل تعلمون ما هي الذرَّة؟ إنَّ الذرَّة هي مجرد طاقة. فهذا هو كل ما في الأمر. فهي مجرد طاقة صغيرة. وقد تقول: "ولكنْ هناك مادَّة في الوسط". هل تعلمون نسبة المادة الحقيقيَّة في الذرَّة؟ واحد على تريليون. وهل نعني بذلك أنَّ هناك مليون مليار تريليون ذرَّة في مِلعقة الماء الصَّغيرة، وأنَّ واحدًا على تريليون مِن تلك الذرَّة هي كتلة وأنَّ البقية هو مجرَّد طاقة وحركة؟ هذا صحيح. بعبارة أخرى، إذا أخذتموني (وأنا أعلم أنَّ البعض منكم لن يفعل ذلك ولو لدقيقة)، ولكنَّ إذا أخذتموني وضَغَطُّتموني للتخلص مِن المِساحة الفارغة والاحتفاظ بالمادة فقط، هي تعلمون كم يبقى مِنِّي مادة حقيقيَّة؟ فإنْ كان طولي هو 180 سنتمترًا، فإنَّ المادة في جسمٍ كهذا لا تزيد عن واحد على مئة مليون مِنَ البوصة المُكعَّبة. أما البقيَّة فهو طاقة وحركة.
والآن ما الذي يجعل كل هذه الأشياء تتحرك؟ عندما يقول الكتاب المقدَّس إنَّ يسوع هو حامِلُ كُلِّ الأشياء بكلمة قُدرته فإنه لا يعني بذلك أنه يحمل المادة، بل إنَّ المقصود هو أنه يُعطي الطاقة لكل ذرَّة في الكون. لذلك فإنَّ الكون يستمرُّ في الحركة حتَّى الآن. وهذا أمرٌ لا يَتخيَّلُهُ عقل. إنَّها قُدرةُ الله! وما نوع هذه القُدرة؟ هل تُؤمنون أنَّ الله يملك القدرة لإعادة خَلْق الأرض؟ أنا أُوْمِنُ أنه يملك هذه القُدرة. فهو يملُك القُدرة لِعَكْسِ اللعنة. وهو يملك القُدرة لإعادة جَنَّة عَدْن، ويَملِك القُدرة لِخلق سماءٍ جديدة وأرضٍ جديدة. وأنا أُوْمِنُ أنَّ يسوع جاء لهذا السبب، أي لإظهار تلك القُدرة لنا. وأنا أُوْمِنُ أنَّ يسوع جاء إلى العالم ليُعلِنَ مَرَّةً وإلى الأبد أنه الله وأنه [بوصفه الله الابن] فإنه قادر أن يؤسِّس ملكوت الله على الأرض الواقعة تحت اللَّعنة، وأنه الملك الموعود به، والمسيَّا الموعود به، وأنه قادر أن يَرُدَّ السُلطان إلى الإنسان، وأنه قادر أن يَسترِدَّ الأرض، وأنه قادر أن يَبيدَ الخطيَّة. فقد كان يمتلك كُلَّ المُقَوِّمات اللازمة.
وفي الأصحاح الأول مِن إنجيل متَّى، يقول متَّى إنَّ يسوع جاء مِنَ النَّسْل الصحيح إذْ إنه جاء مِن نسل إبراهيم وداود. ونقرأ في الأصحاح الثاني مِن إنجيل متَّى أنه وُلِدَ الولادة الصَّحيحة إذْ إنه وُلِدَ مِنْ عذراء. ثُمَّ إنه عُمِّدَ بالطريقة الصحيحة إذْ إنه تَأيَّدَ مِنَ الله الآب ومُسِحَ مِنَ الروح القدس. ثُمَّ إنه اجتازَ الاختبار الصحيح إذْ جُرِّبَ وأَظهر قُدرته على الشيطان. ثُمَّ إنه قَدَّم الرسالة الصحيحة مُؤكِّدًا كلمة الله بسلطانٍ مُطلق. وهو يقول هنا في إنجيل متَّى والأصحاحين 8 و 9 إنه يملُك القدرة الصحيحة. فإن كان هناك شخصٌ قادرٌ أن يَعْكِسَ اللعنة، فقد قال الله إنَّ ذلك الشَّخصَ سيأتي مِن نسل داود. وقد جاء يسوع مِن ذلك النَّسْل. وقد قال الله أنَّ ذلك الشَّخص سيُولَد مِنْ عذراء. وقد وُلِدَ يسوع مِنْ عذراء. وقد قال اللهُ إنَّ ذلك الشَّخص سيَتأيَّد مِنَ الآب. وقد تَأيَّد يسوعُ مِنَ الآب. وقد قال إنه سيكون أقوى مِنَ الشيطان. وقد كان يسوع كذلك. وقد قال إنه سيقول الحَقّ. وقد قال يسوع ذلك. ونقرأ هنا أنه سيكونُ عَظيم القُدرة. وقد كان يسوعُ عظيمَ القُدرة.
انظروا إلى إنْجيل مَتَّى 9: 6 إذْ نقرأ: "وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا". ويُمكنكم أن تتوقفوا هنا. فكما تَرَوْن، هذه هي النقطة الجوهريَّة في المُعجزات: أنْ يَعْلَمَ الناسُ أنَّ له سُلطانًا. فقد كانت المُعجزات تُقدِّم لمحةً عن قُدرة الملكوت. فعندما شفى المرضى كان يُعطي لمحةً عن الملكوت المجيد إذْ لن يكون هناك مرض. وعندما أَقامَ الموتى، كان يُعطي لَمْحَةً عن الملكوت المجيد إذْ لن يكون هناك موت. وعندما هَدَّأَ الأمواج في البحر، كان يُعطي لمحةً عن الملكوت المجيد إذْ إنَّ عناصر الطبيعة لن تخرج البَتَّة عن السيطرة. وعندما أَخرج الشياطين، كان يُقدِّمُ لمحةً عن ملكوتٍ يَخلو تمامًا مِنَ النشاط الشيطانيّ. وعندما قالَ الحَقَّ، كان يُعطي لمحةً عن ملكوتٍ يخلو مِنَ الكذب ولا يوجد فيه سوى الحقّ فقط. وعندما أَظهر قداستَهُ، كان يُعطي لمحةً عن ملكوتٍ يَتميَّزُ بالبِرِّ فقط. وكما تَرَوْن، فإنَّ كل شيءٍ فَعَلَهُ كان يقول مِن خلالهِ للناس: "أنا هو ذاك الذي يَقدرُ أن يَعكسَ اللعنة. وأنا هو ذاك الذي يَقدرُ أن يُعيد السُلطان للإنسان في ملكوتٍ أبديٍّ مَجيد".
فمثلاً، نقرأ في الأصحاح التاسع والعدد الثامن: "فَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا اللهَ الَّذِي أَعْطَى النَّاسَ سُلْطَانًا مِثْلَ هذَا". ونقرأ في الأصحاح العاشر والعدد الأول: "ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا". وقد أعطاهُم سُلطانًا في نِطاقَيْن: "على الشَّياطين، وعلى المرض. وهذان هما النِّطاقان الوحيدان للمعجزات. فالرُّسُل لم يُعْطَوْا قَطّ سُلطانا للقيام بمعجزاتٍ تختصُّ بالطَّبيعة. فيسوعُ وحدُهُ هو الَّذي فعل ذلك. ولكنَّهُ أعطاهُم سُلطانًا. ونقرأ في الأصحاح 28 من إنجيل مَتَّى أنَّه قال: "دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ" – كُلُّ سُلطان. ونقرأ في إنجيل مَرقُس 9: 1: "وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ»". وما الَّذي قَصَدَهُ حين قال: "إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ"؟ لقد كان يُشيرُ إلى تَجَلِّيه. وقد ذهب حالاً إلى جبلٍ فَظَهَرَ هناك شخصانِ مَيِّتان هما مُوسى وإيليَّا. فقد أعادهما ثانيةً. وهذه قُدرة. وقد تَجَلَّى وأظهر مجدهُ. وهذه قُدرة. وقد رأى التلاميذ القُدرة التي ستظهر كاملةً في الملكوت.
ونقرأ في إنجيل لوقا 4: 32: "فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ". ونقرأ في العدد 36: "فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ ... لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ!" وفي رسالة رومية 1: 4، لَخَّصَ بولسُ الأمرَ فقال: "وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ". وهل ظَهَرَتْ تلك القوَّة بصورة أَجْلى مِمَّا حدث عندما قام مِنَ الأموات! والحقيقة هي أننا نقرأ في رسالة كورِنثوس الأولى 1: 24 أنَّ المسيحَ هو قُوَّة الله. وما يُبيِّنه متَّى لنا هو أنَّ يسوع المسيح يَمْلِك سُلطانًا على جميع أوجه اللَّعْنَة: على المَرَض، وعلى الموت، والشيطان، والأرواح الشريرة، وعناصر الطبيعة، والحَيَوانات، والألم، وكلِّ شيء. لذلك فإنَّه يُبيِّن بوضوح أنه الشخص المؤهل والوارِث الشرعيّ للأرض، وأنه مَلِك الملوك ورَبُّ الأرباب.
وكُنَّا قد رأينا المُعجزات الثلاث الأولى. فهناك تِسع مُعجزات في الأصحاحَيْن الثامن والتاسع. والمُعجزات الثلاث الأولى تختص بالمرض. أليس كذلك؟ وقد رأينا هذه المُعجزات سابقًا. أمَّا المُعجزات الثلاث التي تليها فتُبَيِّن سُلطانه على عناصر الطبيعة، وعلى العالم الخارق للطبيعة، وعلى الخطيَّة. لذلك فإنكم تنتقلون مِن المَرَض إلى العناصر الطبيعيَّة، ونطاق الشياطين الخارِق للطبيعة، ثُمَّ الخطيَّة، بل وحتى الموت لاحقًا. وهذه كُلُّها صُوَرٌ رائعةٌ تُبَيِّنُ قُدرتَه. والآن لننظر إلى نَصِّ الآيات مِن 23-27. وسوف أُبيِّن لكم أربعَ نقاط: التفاصيل، والذُّعُر، والقُدرة، والدَّهشة. أولاً، التفاصيل. ولعلَّكُم تَذكرون (فيما ننظر إلى العددَيْن 23 و 24 ونرى المشهد) أنَّ مَتَّى قَدَّم لنا ثلاث مُعجزات ثُمَّ أرانا التجاوب. والتجاوب مذكور في الأعداد مِن 18-22، أيْ: كيف تجاوب الناس. وسوف يُقدِّم لنا ثلاث مُعجزات أخرى ثُمَّ يُقدِّم لنا مَقْطعًا آخر عن التجاوب مُبيِّنًا لنا الطُرق المُختلفة التي تَجاوبَ فيها الناس مع المسيح. وربما تَذكرون المجموعة الأخيرة. فقد دُهِشوا وأَبدوا اهتمامهم، وكانوا فُضُوليِّين، وكانوا في قِمَّة الإثارة عندما رأَوا قُدرته. لكنَّ عندما واجَهَهُم بالحقيقة قائلاً: "إنْ أردتم أن تتبعوني، يجب عليكم أن تتركوا كل شيء، ويجب عليكم أن تدفعوا ثمنًا باهظًا، ويجب عليكم أن تأتوا الآن بتكريسٍ كاملٍ"، فقد مَضَوْا في طريقهِم. فَهُمْ لم يَعودوا مُهتَمِّين. وكان هذا هو رَدُّ الفعل الأول.
وننتقل الآن إلى المعُجزات الثلاث التالية، وسوف يُقدِّم لنا مَتَّى في نهاية هذه المُعجزات الثلاث ردَّ فعلٍ آخر. ولنُلاحظ ما حدث في العدد 18 إذ نقرأ: "وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ". ثم انظروا إلى العدد 23: "وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ". فقد كان ضغط الجَمْعِ قد وصل نقطةً لم يعُد فيها يسوعُ قادرًا على الاحتمال فقال: "لقد حان وقت المغادرة". وقد كانوا على الضِّفَّة الغربيَّة مِن بحر الجليل (أو حرفيًّا: "بُحيرة الجليل" لأنها بُحيرة صغيرة لا يزيد طولها عن ثلاثة عشرة ميلاً وعرضها عن ثمانية أميال في أعرض نُقطة فيها). فقد قال: "لنذهب إلى الضفَّة الأخرى". وقد أخذوا معهم كل ما يُمكنهم أخذه وحَقَّقوا كل ما يُمكنهم تحقيقيه. وأعتقد أنَّ يسوع كان مُتعبًا. فقد كان مُرهقًا. وكان السَّبتُ قد انتهى. وأعتقد أنَّ الوقت كان ليلاً الآن لأنَّ الوقت كان مساءً في العدد السادس عشر. وقد تجاوز الآن وقت المساء وكان الليل قد خَيَّم. وقد زَحَمَته الجموع أكثر مِن قُدرته على الاحتمال كإنسان. لذلك فقد قال: "يجب علينا أن نُغادر الآن". يجب أن نُغادر الآن. وبسبب ذلك حدث أمرٌ ما. فقد قال ثلاثةٌ مِنَ الأشخاص الذين كانوا يرغبون في أن يكونوا تلاميذ له: "أَوُدُ أنْ آتي، ولكنِّي مُضطرٌّ إلى القيام بشيءٍ ما أوَّلاً. فيجب أن أَقُوم بكذا وأن أقوم بكذا". وقد واجَهَهُم يسوعُ فبَقَوْا هناك. ولكنَّ البعض كان مُستعدًا لِلَّحَاقِ به إذْ نقرأ في العدد 23: "وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ".
إنَّ الأشخاص الثلاثة الذين قرأنا عنهم في نهاية المقطع السابق لم يتبعوه، ولكنَّ البعضَ فعل ذلك. لذا، عندما غادر القارب الصغير شاطئ كفرناحوم للإبحار مسافة سِتَّة ... (خمسة أو سِتَّة) أميال إلى الضفَّة الأخرى، تبعته مجموعة مِن القوارب الصغيرة الأخرى. والعبارة "وتَبِعَهُ تلاميذُه" تعني ببساطة أنهم تبعوه في قوارب أُخرى. فمنَ الواضح أنهم لم يَتَشَبَّثُوا بحافة القارب الخارجيَّة. والحقيقة هي أنَّ مَرقُس يقول: "وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ". وبالمناسبة فقد كان بحر الجليل في زمن يسوع مُزدحمًا بالقوارب الصغيرة. فقد كانت تلك المنطقة تشتهر بالزراعة وصيد أسماك. وما تزال الأسماك كثيرة في تلك المنطقة حَتَّى يومنا هذا. فإذا ذهبتم إلى هناك سيُطعمونكم ما يسمونه "سمك القِدّيس بُطرس" وهو سمك صغير يُشبه سمك "الفَرْخ" أو سمك المياه العذبة، وهو لذيذٌ جدًّا ويكثر في تلك المنطقة. وقد كانت تلك المنطقة تشتهر بصيد السمك والزراعة. لذلك فقد كانت هناك قوارب صغيرة كثيرة. وقد ابتدأتْ مجموعة صغيرة مِنَ القوارب تَتْبَع يسوع إلى الضفَّة الأخرى.
وهناك ملاحظة في نهاية العدد 23، وهي ملاحظة مهمة جدًّا إذْ نقرأ أنَّ تلاميذه تبعوه. فقد كان برفقة يسوع عدد مِنْ تلاميذه في القارب. وبالمناسبة، نقرأ في إنجيلَيْ مَرقُس ولوقا أنَّ يسوع كان قد اختار تلاميذه الاثني عشر في ذلك الوقت. ومِنَ المُرجَّح أنَّ عددًا منهم كانوا في القارب معه، وأنَّ تلاميذ آخرين كانوا في قوارب أخرى يتبعونه. ولكنه كان قد اختار تلاميذه الاثني عشر آنذاك. ولكنَّ العبارة "وتَبِعَهُ تلاميذُهُ" تُشير إلى مجموعة أكبر بكثير مِنَ التلاميذ الاثني عشر. فهي كلمة واسعة النِّطاق. وأودُّ أن أتحدَّث عن ذلك قليلاً. فهناك سوء فَهْم بخصوص هذه النقطة في العهد الجديد. فعندما نقرأ عن تلاميذه، إلى مَنْ يُشير ذلك؟ يجب أن تنظروا إلى النَّصّ. فالكلمة في حَدِّ ذاتها لا تُخبرنا أيَّ شيء. فالكلمة "ماثيتيس" (mathetes) في هذا النص أو الكلمة "ماثيتاي" (mathetai) تَعني "تلاميذ" أو "مُتَعَلِّمين" أو "أَتْباع". فهذا هو معناها فقط. وهي كلمة واسعة النِّطاق. وقد حاول البعض أن يقول إنك عندما تقرأ كلمة "تلميذ" في الكتاب المقدس فإنها تُشير إلى مستوىً آخر مِنَ المسيحيِّين يَنتمون إلى فئة أعلى رُوحيًّا أو إلى الفئة الأعلى مِنَ المسيحيِّين. بعبارة أخرى، هناك المسيحيُّون العاديُّون (أي: المؤمنون)، وهناك التَّلاميذ - وَهُمُ القِدِّيسون الأعلى مكانةً. ولكنَّ الأمر ليس كذلك. فلا يُمكنك أن تَفْرِض هذا المعنى على هذه الكلمة في النَّصّ كما سنرى بعد قليل.
والآن، إنَّ واحدًا مِن الأسباب التي تجعلُنا نعتقد أنَّ هؤلاء لم يكونوا تلاميذ بالمَعنى الصَّحيح هو ما جاء (على سبيل المثال) في الأصحاح الخامس والعدد الأول إذْ نقرأ: "وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ". والآن، عن أيِّ تلاميذَ يتحدَّث؟ حسنًا! يَرى البعض أنَّ الحديث هنا هو عن التلاميذ الاثني عشر. لذلك، إنْ كان هؤلاء هُمُ التلاميذ الاثنا عشر، فإنَّ العظة على الجبل كانت قد قُدِمَت إلى التلاميذ الاثني عشر. لذلك لا يُمكن أن تكون تلك العِظة رسالة عن الخلاص لأنهم كانوا يُؤمنون أصلاً. والمشكلة في ذلك هي أنها رسالة عن الخلاص وأنها تفترِض أنهم لم يكونوا بالضرورة مؤمنين، وأنَّ الكلمة "تلاميذ" هنا تعني ببساطة: "مُتَعَلِّمون". فهناك دائمًا النَّاسُ غيرُ المُبالين. وهناك الأشخاص الذين يقولون: "أُريد أن أسمع ما يقوله هذا الشخص. فأنا مُهتمٌ جدًّا". ولكنَّ مُستوى تكريسهم لم يكن قد تَحَدَّدَ بعد في ذلك الوقت. لذا فإنه يتحدث إليهم عن موضوع الخلاص لأنَّ هذه هي النقطة الجوهريَّة.
ونعودُ مَرَّةً أخرى إلى الأصحاح الثَّامن والعدد 21 فنقرأ أنَّ واحدًا مِنَ الأشخاص الَّذينَ كانوا يُدْعَوْنَ تلاميذ قالَ لَهُ في الحقيقة: لن أتبعك إلَّا بعدَ أن يموتَ أبي". فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ المَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ»". بعبارة أخرى: "ينبغي أن تهتمَّ بالكرازة بملكوت الله". والنُّقطة المهمَّة هي أنَّ ذلك الشَّخص لم يَتبع يسوع. فقد أدارَ ظَهرَهُ وعادَ إلى بيته. لذلك، معَ أنَّه يُدعى "تلميذ" فإنه لم يَتبع المسيح. والآن، اسمحوا لي أن أُبيِّن ذلك في السِّياق الَّذي نَحْنُ فيه. فجميع مَنْ يجلسون في هذه الكنيسة هم تلاميذ "جون ماكآرثر". فأنتم "ماثيتيس" (mathetes). فأنتم مُتعَلِّمون. لماذا؟ لأنكم تجلسون هنا، وتَستمعون، وتَتَلَقَّوْن التعليم. والبعض منكم يَستمتع بذلك، والبعض يَرفُض ذلك. والبعض يعتقد أنه تعليمٌ جيِّد، والبعض يعتقد أنه تعليمٌ سَيِّء، والبعض منكم لم يأخذ قرارًا بعد. لكنكم جميعًا تستمعون إلى ما أقول. فأنت تلميذٌ أو مُتعلِّم. وعندما تذهب إلى جامعة "يو سي أل إيه" (UCLA)، أو جامعة "كال ستيت نورثريدج" (Cal State Northridge)، أو كُليَّة "بيرس" (Pierce College)، أو أيِّ مكانٍ آخر مثل "لوس أنجليس بابتيست" (Los Angles Baptist)، أو "بيولا" (Biola)، أو "كليَّة لاهوت كالفيرت" (Calvert Seminary)، أو عندما تجلس في صَفٍّ ما، فأنت "ماثيتيس" - أيّ إنك مُتعلِّم. وقد لا تقبل كل ما تسمع، وقد لا تُؤمن بكل ما تسمع. وقد تُؤمن بذلك. فقرارُك يختلف عن مُجرَّد كونِكَ تلميذًا. فهذه الكلمة تعني فقط أنك مُتعلِّم. وهناك فئات كثيرة مِنَ المُتعلِّمين. فعلى سبيل المثال، نقرأ في الأصحاح 15 مِن إنجيل يوحنا: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأتِي بِثَمَرٍ يُقْطَعُ ويُطرحُ في النَّار". وما المقصود بالكلمة "فِيَّ"؟ إنها تعني أن تكون تلميذًا. وقد كان هناك بعض التلاميذ المُرتبطين بالمسيح ولكنهم بلا ثَمَر، وبلا بِرّ، وبلا قداسة، وبلا أيِّ شيءٍ يُشير إلى خلاصِهِم الحقيقيّ. وقد قُطِعَت تلك الأغصان وطُرِحَت في النار. فقد كانوا يَلْتَفُّون مِنْ حَولِه، وقد كانوا تلاميذ، ولكنهم لم يكونوا تلاميذ حقيقيِّين. ويمكنكم أن تجدوا في الأصحاح 13 مِن إنجيل متَّى أربعة أنواع مِنَ التُّربة. فَهُمْ أربعة أنواع مِنَ التُّربة التي كانت تتبع يسوع - أيْ أنهم أربعة أنواع مِنَ التلاميذ. وقد زُرِعَت البذور، ولكنها ماتت في ثلاثة أنواع مِن التُربة ونَمَت في نوعٍ واحدٍ فقط. فقد كانت هناك تُربة واحدة صالحة فقط وثلاثة أنواع غير صالحة.
وقد قال يسوع في الأصحاح العاشر مِن إنجيل متَّى: "إنَّ تلاميذي الحقيقيِّينَ هُمْ أولئكَ الَّذينَ يَصْبِرونَ إِلَى الْمُنْتَهَى". وقد كان يُفكِّر في يهوذا عندما قال ذلك. ولكنَّ يهوذا لم يَصبِر إلى النهاية فأثبت أنه تلميذٌ غير حقيقيّ. فقد كان هناك مُتَعَلِّمون حول يسوع، ولكنَّ مُجَرَّد دعوتهم "تلاميذ" لا يعني أنهم كانوا مؤمنين. فهذا لم يَتَحَدَّد بعد. فالكلمة في ذاتِها لا تُشير إلى أيِّ شيءٍ سوى أنهم كانوا يَنجذبون إلى تعليم يسوع وكانوا يستمعون إليه.
والآن، يُمكننا أن نُصَنِّف التلاميذ في أربعِ فئات، وهذا أمرٌ قد يُساعدكم. أولاً، كان هناك الفُضوليُّون، أيِ التلاميذ الفُضوليُّون. فقد تبعوا يسوع، واستمعوا إليه، ودُهِشوا، وتعجبوا، وفُتنوا بما قاله. ولكِنْ أتعلمون ما حدث؟ ففي إنجيل يوحنا والأصحاح السادس قال يسوع لهم ذات يوم: "إِنْ لَمْ تَأكُلوا جَسَدي وَتَشْرَبوا دَمي ..." (بعبارة أخرى: "ما لم تَقبلوا كُلَّ ما يَختصُّ بي، وما لم تكونوا مستعدّين للاقتران بكُلِّ ما يَختصُّ بي، وما لم تكونوا مُستعدّين لتأكيد رُبوبيَّتي الكاملة في حياتكم) "لا يمكنكُم أن تكونوا تَلاميذَ لي. ولا يمكنكم أن تتبعوني. ولا يمكنكم أن تدخلوا ملكوتي". ونحن نقرأ، ببساطة مُتناهية: "مِنْ هذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ". فقد كانوا فُضولِيِّينَ وليسوا مُكَرَّسين. ثم إنَّ يسوعَ قال لِلاثْنَيْ عَشَرَ: "أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟" فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ قائلاً: "إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ". ثم إنَّه قال: "وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ". بعبارة أخرى، فإننا نقرأ أنَّ كثيرينَ مِن تلاميذه لم يعودوا يَمشون معه، ولكنَّ بطرسَ قال: "ونحن قد آمَنَّا وعَرَفْنا". فهو يقول: "نحن لسنا مِنْ فئة التَّلاميذ الفُضوليِّين، بل إنَّنا مِنْ فئة المُكَرَّسين. فنحن نَعلم أنك تقول الحقّ. ونحن واثقونَ مِنْ ذلك". لذلك، فقد كانَ الآخرونَ مِنْ فئة الفُضوليِّين. لذا فقد جاءوا وذهبوا.
ثُمَّ هناك فِئة المُقتنعين. وهؤلاءُ هُمُ التلاميذ الذين كانوا مُقتنعين فكريًا. ويُعَدُّ "نيقوديموس" مَثَلاً جيدًا على هؤلاء. فقد كان يَتبع يسوع ويستمع إلى ما يقوله يسوع. وقد رأى ما فعله يسوع. وقد جاء إليه ليلاً وقال: "نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ". فقد كان مُقتنعًا ذهنيًّا. ولكننا لا نقرأ بالضرورة أنه آمَنَ بالمعنى الكليّ. ثُمَّ إنَّ هناك تلاميذ في الخفاء أو تَلاميذ سِرِّيُّون مثل يوسف الذي مِنَ الرَّامة، الذي بقي تلميذًا في الخَفاء وآمن في السِّرّ. ثُمَّ هناك التلاميذ المُكرَّسون (وَهُمُ الجَريئون الذين كانوا يتبعون يسوع عَلَنًا). وكما تَرَوْن، فإنَّ جميع هذه الفئات مُحتملة. لذلك، عندما تقرأون الكلمة "تلميذ"، يُمكنكم أن تُفكِّروا في بطرس، وفي يهوذا، وفي نيقوديموس، وفي يُوسف الَّذي مِنَ الرَّامَة، وفي مجموعة كبيرة أُخرى مِن الأشخاص الذين لم تُذْكر أسماؤهم والذين قد يَنسحبون عندما يحدثُ اضطهاد. فالكلمة لا تعني شيئًا مُحدَّدًا. لذلك فقد كانت جميع هذه الفئات مشمولة. وقد كان يسوعُ مُزْمِعًا أن يُظهِر لهم شيئًا يَصعُب تصديقُه. وكان يجب أن يُعِدَّ العُدَّة لذلك. لذا فإننا نقرأ في العدد 22: "وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ". ويمكنكم أن تتوقَّفوا هُنا.
لم تكُن تلك القوارب كبيرة، يا أحبَّائي. فقد كانت تلك في الأصل قوارب صغيرة يُرَجَّح أنها مفتوحة ومِن دون أيَّة حماية. وقد كان ذلك مجرَّد قارب مفتوح. وحينئذٍ هَبَّت عاصفة. وكما قُلت، فقد كان ذلك البحرُ صغيرًا، بل صغيرًا جدًّا. فهو بُحيرة. إنه مُجَرَّد بُحيرة. ووادي الأردن يَنخفض عن مستوى سطح البحر. وهو يَمتدُّ إلى البحر الميت الذي ينخفض عن مستوى سطح البحر بنحو ألف قَدَم. وهو يَمتدُّ إلى بُحيرة الجليل التي تنخفض 608 أقدام عن مستوى سطح البحر. لذلك، كان هناك البحر المتوسِّط مِنْ جهة، ثُمَّ جبل حَرْمون الذي يرتفع 9200 قدم، ثُمَّ هنالك مُنحدرٌ حَادٌّ يَمتدّ مِن أعلى جبل حَرْمون إلى مستوى 608 أقدام تحت مستوى سطح البحر. وطوال الطريق إلى أسفل، هناك تلك الشِّعَاب والوُديان والأخاديد. وعندما تَهُبُّ الرياح الباردة مِنَ البحر المتوسط وتصل إلى منحدرات جبل حَرْمون فإنها تملأ تلك الوديان، وتُلامِس الهواءَ الدافئ، وتصِل إلى ذلك الحوض الصغير الذي يُسَمَّى "بُحيرة الجليل". وكانت تلك الرياح تَتَسَبَّب في حدوث عواصف شديدة يُمكن أن تَهُبَّ بسرعة فائقة جدًّا. وحالما تَصِل إلى هناك وتضرِب الجُروف الصخريَّة على الشاطئ فإنها تبدأ بالتحرُّك والدوران كالدوَّامة في ذلك الحوض الصغير. وهي قد تَهُبُّ دون سابقِ إنذار. وهذا أمرٌ شائعٌ جدًّا.
ولا يُمكنني أن أنسى يومًا ما اختبرتُهُ شخصيًّا عندما صعدت إلى قاربٍ في كفرناحوم. فقد كان قاربًا صغيرًا لا يزيد طوله (في اعتقادي) عن عشرة أمتار. فقد أَبْحَرْنا في تلك البُحيرة فكانت هادئة جدًّا ورائعة جدًّا. وعندما وَصَلنا إلى منتصف البُحيرة كانت الأمواج تَلْطِمُهُ مِنْ كُلِّ مكان. فقد كانت المياه تَعلو وتغمُر القارب وتُبَلِّلُ الأشخاص الجالسين في مُؤخَّر القارب. وكان القارب مُؤلَّفًا مِنْ طَبَقَتَيْن. وكان الناسُ يَخلعون أَقمصتَهُم حَرفيًّا ويَتركون الأمواجَ تُبَلِّلُهُم. وقدِ ابْتَلُّوا تمامًا إذْ إنَّ الأمواج كانت تأتي فجأةً. وقد قال البَحَّارة إنَّ ذلك الأمر شائعُ الحدوثِ جدًّا.
وهذا هو الموقف الَّذي تَعَرَّضَ إليه التَّلاميذ. وقد كان الوقت ليلاً والظلام مُخَيِّمًا. ونقرأ أنَّ اضطرابًا عظيمًا قد حدث. وبالمناسبة فان الكلمة في اللغة اليونانية هي: "سايزموس" (seismos)، وهي تعني "هَزَّة أرضيَّة". وهي الكلمة التي اشْتُقَّت منها الكلمة "سايزموغراف" (seismograph) أي: "جهاز قياس الزلازل". وهي تعني هَزَّة أرضيَّة عنيفة أو زلزالا عظيم. ولا ندري إن كان ذلك الزلزال قد هَزَّ البحر أوِ الأرضَ الَّتي تحت البحر. ولكنَّ الله قَرَّر أنَّ الوقت قد حان للتحرُّك. وأعتقد أنه كما أنك تستطيع أن تفعل ذلك بوعاءٍ كبيرٍ مِنَ الماء، فإنَّ الله ابتدأ في هَزّ الأرض. وعندما تَهُزُّ الأرض فإنَّ المياه تتحرك. قد ابتدأت المياه تتحرَّك. ثُمَّ إنَّ الكلمة اليونانيَّة المُستخدمة في إنجيلَيْ مَرقُس ولوقا مُختلفة إذْ إنها تعني "دَوَّامة" أو "عاصفة". فقد كانت هناك زَلزلة أو اضطراب أو دوَّامة أو عاصفة قويَّة تأتي مِن تلك المُنحدرات العظيمة. وفجأةً، تَشَكَّلتْ عاصفةٌ غير عاديَّة. فقد كانوا مُعتادين على العواصف العاديَّة، ولكننا نقرأ أنَّ التلاميذ، أو بالحَرِيِّ نقرأ في العدد 24: "وإذا اضطرابٌ". والكلمة "وإذا" تعني: "وفجأةً". فهي كلمة تُعبِّر عن عنصر المُفاجأة. بعبارة أُخرى، لقد كان ذلك الحدث شيئًا مُباغِتًا، ومُفَاجِئًا، وغيرَ مُتوقع. فحيث إنَّهُم صَيَّادو سَمَك، فقد رأوا الكثير مِن العواصف، وقد أَبحروا في تلك البُحيرة الصغيرة مَرَّات كثيرة وشَهِدوا عواصف وتَحَدِّيات أخرى، ولكنهم لم يَشهدوا يومًا شيئًا كهذا. فقد كانت تلك زلزلة عنيفة، أو هزَّة قويَّة، أو زلزال، أو اضطراب عظيم إذْ إنَّ الريْحَ وحركة الأرض ضَرَبَت ذلك القارب الصغير مِن خلال تلك الأمواج. ولا يُمكنني أن أتخَيَّلَ صُعوبة الموقف آنذاك. ولكنِّي أَذْكُرُ أننا قُمْنا في هذا الصيف برحلةٍ في قاربٍ إلى شَلَّالات نياغارا. وربما قام البعض منكم بتلك الرِّحلة. وهذه أكبر مُغامرة يمكنني أنْ أقوم بها. وقد وصلنا إلى أسفل تلك الشلَّالات فكانت الشلَّالات قويَّة جدًّا حتى إنَّنا تَبَلَّلنا تمامًا. وهم يُعطونكَ مِعْطَفًا مَطَرِيًّا ويَتركون وَجهكَ مكشوفًا وحسب. لذلك فإنَّك تكون مُغَطَّى مِنْ أعلى إلى أسفل بواسطة ذلك المِعْطَف المَطَرِيّ. وقد كانت المياه تَنْهَمِر بقوة إذْ إنَّ هناك أطنانًا مِنَ المياه التي تنهمر أمام عينيك. وقد كانت الرحلة تَستغرق نحو خمس عشرة دقيقة. ومع أنك تستمر في الترنيم وفي قول العبارات المشجعة، فإنك لا تتوقف عن التفكير قائلاً: "إنهم يَفعلون ذلك طوال الوقت". وما أعنيه هو أنهم كانوا يستخدمون تلك القوارب طوال الوقت. فهذه ليست مشكلة. ولكنْ إنْ كُنت في موقفٍ كهذا وليست لديك أيَّة مَعْرِفة بإجراءات الأمن والسلامة، يُمكنك أن تتخيل خطورة الموقف. وقد كان التلاميذ في وسط البُحيرة في الليل ولا يَرَوْنَ حتَّى ما يجري.
وكم أُحِبُّ الكلمات التي تلي ذلك إذْ نقرأ في نهاية العدد 24 أنَّ يسوع كان نائِمًا. وهذا أمرٌ رائع. فقد نام نومًا عميقًا. وأيُّ شخص يستطيع أن ينام في مثل هذه الأحوال لا بدَّ أن يكون مُتعبًا جدًّا. وهذا يُشير (في رأيي) إلى ناسوت يسوع. فقد كان ليس مُتعبًا ونائمًا فحسب، بل إنَّ عاصفةً لم تتمكن مِن إيقاظه. فقد كان مُتعبًا ومُرهقًا جدًّا. ونقرأ في إنجيل مَرقُس أنه وضع وِسادةً تحت رأسه. فقد كانوا يستخدمون وسادةً صغيرةً للنوم في تلك القوارب. وقد وضع وسادةً صغيرةً تحت رأسه ونام. ولا بدَّ أنه كان مُبَلَّلاً تمامًا في ذلك الوقت، ولكنه كان نائمًا. كذلك فقد كان ذلك جزءًا مِن المشهد الإلهيّ. فقد كان نائمًا. فالبحر هائجٌ، والعاصفةُ شديدة، والرياحُ تَعصِف بقوة، والقارب الصغير يَرتفع ويَهْبِط مثل قطعة فِلِّين في المحيط، والمياه تملأ القارب (كما جاءَ في الأناجيل الأخرى)، ولكنَّ خالقَ العالمِ نائمٌ. وبالمناسبة، بينما كان نائمًا كان ما زال مُمْسِكًا بكُلِّ ذَرَّة في الكون في الوقت نفسه. فالفِعل في اللغة اليونانيَّة يُشير إلى أنه كان نائمًا نومًا عميقًا وهادئًا. وأنا أرى روعة ناسُوتِهِ هنا. وأنا أرى ثِقَتَهُ بالله. فهو هادئٌ تمامًا وليس خائفًا. فقد كان واثقًا تمامًا في عناية الآب، ولا يشعر بأيَّ خوفٍ البتَّة. وليتنا نستطيع أن نعيش هكذا. فنحنُ نتخبَّط بسبب الظروف في عالمِنا ونبدأ في فقدان الثِّقة بالله، ونُصاب بالذُّعر. ولكنَّ قلب يسوع كان هادئًا تمامًا. فقد كان عالمًا بكل شيء ويَعرف كل شيء في الكون. وبالرَّغم من ذلك، فهو لم يكن يَدري بما يَجري مِن حوله، ولكنه كان يَشعر بالسلام التام لأنه يَعلم أنَّ الله يَعتني به.
وعندما اشتدَّت العاصفة، مِن المؤكَّد أنَّ البحَّارة فعلوا كل ما يُمكنهُم فِعله لِمُعالجة الموقف. ثم إننا نقرأ في العدد 25 أنهم جاءوا إلى يسوع. وهذا يَقودُنا إلى النقطة الثانية وهي: الذُّعْر. فنحن ننتقل مِنَ التفاصيل إلى الذُّعر. وبالمناسبة يا أحبَّائي، عندما يَسألُ البحَّارةُ نَجَّارًا سابقًا عمَّا ينبغي فِعلُه في العاصفة، يمكنك أن تَعلم أنكم تواجهون مشكلةً عويصة. فيسوع لم يكُن يعيش على الشَّاطئ، بل كان يعيش في النَّاصِرة بعيدًا عن البحر. ونقرأ في العدد 25 عنِ الذُّعر: "فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ" (وإذا قرأتم كُلّ ما جاء في روايات الأناجيل ستجدون أنهم قالوا له): "يَا سَيِّدُ، يا سَيِّد! نَجِّنَا! أمَّا يَهُمُّك؟ أنَّنا نَهْلِكُ!" فهي عبارات قصيرة بَليغَة: "يَا سَيِّدُ، يا سَيِّد! نَجِّنَا! أمَّا يَهُمُّك؟ أنَّنا نَهْلِكُ! إنَّنا نَغرَقُ هُنا! استَيقِظ!" ويا ليأسهم! فقد بدا غيرَ مُبالٍ! وكما قُلت، فإنَّ حقيقة التجائهم إلى يسوع هي حقيقة مُدهِشة. فكيف يُمكنهُ أن يُساعد هؤلاء البحَّارة؟ ولكنهم لم يجدوا مَلجأً آخر. صحيحٌ أنهم لم يكونوا مُقتنعين تمامًا أنَّه الله في ذلك الوقت بقدر ما كانوا يأملون أنَّه كذلك، ولكنهم كانوا حيث أرادهُم الله أن يكونوا. فأحيانًا، قد يسمح الله لنا أن نختبر اليأس لكي يجذب انتباهنا. أليس كذلك؟ وقد يَئِسُوا مِنَ الحلول البشريَّة ولم تعُد لديهم حلول بشريَّة. لذلك فقد أرادوا حَلًّا إلهيًّا. فقد كان هذا هو رجاؤُهم - أي أنْ يتمكن صانع المُعجزات الذي يشفي الأمراض مِنْ تهدئة البحر. لذا فقد كان خوفهم مَمزُوجًا بالإيمان. فلو كان لديهم إيمانٌ تامّ لكانوا نائمين مثله وواثقين مِن عناية الآبِ لأنهم كانوا مُتْعَبين مِثْلَ يسوع على الأرجح.
وهكذا فقد كان الموقف دراميًّا جدًّا. لذلك فقد أيقظوا يسوع. ومع أنَّ الرجال لا يطلبون المساعدة عادةً، فإنَّهم جاءوا إليه بدافع اليأس فقط. وهذا يُشبه القُبطانَ الذي كان يقول دائمًا إنه لا يُؤمن بوجود لله. وعندما عَلَتِ الأمواج، ابتدأ يصرخ إلى الله. وعندما قالوا له: "كُنَّا نَظُنُّ أنك لا تُؤمن بالله"، أجاب قائلاً: "إنَّ لم يكُن اللهُ موجودًا، يجب أن يكون هناك إله لأوقاتٍ كهذه". فالبعضُ مِنَّا لا يصرخون إلى الله إلَّا في الأوقات العصيبة. فإنْ حدث مرضٌ في العائلة، أو موتٌ، أو فَقَدْنا عَمَلَنا، أو تعرَّضنا لمُشكلاتٍ مع أزواجنا وزوجاتنا، فإننا نبدأ بالصراخ إلى الله في يأس. وحتى إنَّ الخلاص هو عملٌ إلهيٌ ردًا على يأس الخاطئ. ولكنْ في أغلب الأحيان، فإنَّ صرختنا الأولى تُشبه صرخَتَهُم. وكما جاء في إنجيل مَرقُس فإننا نقرأ أنهم قالوا: "أما يَهُمُّك أننا نغرق؟" وهل فعلتم ذلك يومًا؟ فعندما تَختبرون ظَرْفًا صعبًا فإنكم تقولون لله: "ألا تُبالي يا الله؟" وهذا ضعفُ إيمان. فأنتم لا تفهمون محبتهُ.
وبالمناسبة فإنَّ هذا ليس بالشيء الجديد. فَقِدِّيسو العهد القديم فعلوا ذلك. فهل تذكرون ما جاء في المزمور العاشر؟ فنحن نقرأ في العدد الأول: "يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟" أي: "يا رَبّ، أنت لا تَظهر حين أكون في مَسيسِ الحاجة إليك! ألا تُبالي؟" وهناك أيضًا المزمور 44: 22: "لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ ..." [استمعوا إلى هذه الكلمات]: ""لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْح". يا رَبّ، نحنُ مِنْ أجلكَ نُذْبَح. استيقظ. لماذا أنتَ نائم يا رَبّ؟ وكيفَ تنام فيما نحنُ نموتُ مِنْ أجلك؟ ونجد الشيء نفسه في إشعياء 51: 9، فهو نفس الأسلوب الَّذي يُظهِر عدم الإيمان: "اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، ... أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟" فالنبيُّ يقول: "استيقظ! استيقظ يا الله! ألا تَرى الورطة العَويصة الَّتي وقعَ فيها شَعبُك؟ كيف يمكنُ أن تنام في وسط هذا كُلِّه؟ وهذا لا يختلف عن طريقتنا في مُخاطبة الله. كيف تَسمح بحدوث ذلك، يا الله؟ وكيف تكونُ غير مُبالٍ؟ وكيف تكونُ غير لطيف؟ وكيف تسمح بأنْ أختبر ذلك؟ ولكنَّنا نَسمعُ الردَّ نفسه: "فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِين؟" ويمكنكم أن تتوقَّفوا هنا.
"ما بالُكُم خائفين؟" وقد تقول: "لا بُدَّ أنك تمزح! فما هذا السؤال؟ انظر حولك. إنَّ الوقت منتصف الليل، وهناك عاصفة لم نَرَ مَثيلاً لها مِن قبل. والمياه تملأ القارب. وأنت تسأل لماذا نحن خائفون!" وبالمناسبة فإنَّ الكلمة "خائفون" تعني في الأصل اليونانيّ "جُبَناء" ... "جُبَناء". وهذه خَطِيَّة لأننا نقرأ في سفر الرؤيا 21: 8 كلمةً ترجِع إلى الأصل نفسِه وتُستخدَم في قائمة الخُطاة الذين لن يدخلوا الملكوت. فنحن نقرأ عن الخائفين والرَّجِسين، وهي الكلمة نفسُها: فالخائفون هُمُ الجُبناء الذين لا إيمان لهم. والحقيقة هي أنَّ مَرقُسَ يقول هنا (في نفس الموضع الَّذي نقرأ فيه "يَا قَلِيلِــي الإِيمَان")، فإنَّ مرقس يقول: "كَيْفَ لا إِيمَانَ لَكُمْ؟" بعبارة أخرى: "ألا تؤمنونَ بي، وبمحبَّتي، وبقُدرتي؟" وهاتان هُما النُّقطتان الرئيسيَّتان. فإذا كنتَ تُؤمن بمحبة الله وقُدرة الله، يُمكنك أن تحتمل أيَّ عاصفة. فأوَّلاً، أنت تَعلم أنَّ الله يَهتمُّ بك. وثانيًا، أنت تَعلم أنَّ الله يقدر أن يُعالِج الموقف. أليس كذلك؟ وهذا هو كلُّ ما تحتاج إلى معرفته. فالله يُحِبُّك، وهو يستطيع أن يُنقذك. وهذا هو كل ما في الأمر. وقد كانوا يَشُكُّون في أنه يَهتمُّ بِهم، وكانوا يَشُكُّون في أنه يملُك القدرة على إنقاذهم. لذلك فقد قال: "يا قليلي الإيمان".
فما الذي تتوقعون أن تَرَوْه؟ فقد قام بالمُعجزة، تِلْوَ المُعجزة، تِلْوَ المُعجزة. ونحن نقرأ في الأصحاح الرابع والأعداد مِن 23-25 عن مُعجزاتٍ مِنْ كُلِّ الأصناف. وقد رأيتم ثلاثةَ أمثلةٍ توضيحيَّة كنماذج. ففي العدد 16، كان يسوع يشفي الناس المُتسلِّط عليهم إبليس، ويطرُد الأرواح الشريرة بكلمة، ويشفي جميع المَرضى. وقد رَأَوْا عددًا هائلاً مِنَ المُعجزات. ولكنهم يقولون: "أَمَا يَهُمُّك؟" وإن لم يعلموا أنه يهتمُّ بالألم البشريّ، فقد كانوا عُميانًا كالخفافيش. فكأنهم يقولون: "ما الذي ستفعله في هذا الموقف؟" وإنْ لم يُؤمنوا بأنه يَملِك القُدرة، فقد كانوا جُهَّالاً. وألا تَجِدونَ أنَّه مِنَ المُدهش أننا نستطيع أن نَرى قُدرة الله عندما تكون الظروف مُواتيةً، ولكن عندما لا تكون الأمور في صَالِحِنا فإنَّنا نَنسى قُدرته تمامًا؟ فقد نقول: "لقد كان ما فَعَلَهُ اللهُ في هذا الموقف رائعًا". وقد نقول: "أُريد أن أَشهدَ عَمَّا فعله الربُّ هنا، وعَمَّا فعله هناك، وعَمَّا فعله هناك". ولكِنْ ما أن يحدث موقفٌ عَصيبٌ في حياتك حتَّى تَبتدئ في الشك في محبة الله وقُدرته عندما يأتي وقتُ الاختبار. لذلك فقد قال لهم: "يا قليلي الإيمان".
وقد تَعَلَّمَ التلاميذ أخيرًا أنهم لا يملُكون إيمانًا كافيًا. لذلك فإنهم يقولون في إنجيل لوقا 17: 5: "يا رَبُّ، زِدْ إيمانَنا". وهل تعلمون ما الذي فَعَلَهُ؟ فبعدَ تلك الحادثة مُباشرةً، شَفى البُرْص العشرة. وكأنه يقول لهم: "افحصوا تلك المُعجزة الآن وانظروا إنْ كانت تُساعدُكم في إيمانِكُم". فالإيمان يحتاج إلى التشجيع الدائم. فهو يقول: "يا قليلي الإيمان". ويمكنكم أنْ تبحثوا في وقتٍ ما عن هذه العبارة في كِتابِكُم المُقدَّس الدراسيّ وأن تدرسوا فِكرة الإيمان القليل. وبصورة أساسيَّة، فإنَّ ما يعنيه ذلك هو عدم الثقة في قُدرة الله. فأنتَ لا تُؤمن بأنَّ الله قادر أن يُعالج المواقف. فهذا هو كُلُّ ما في الأمر. فأنت لا تُؤمن بذلك. لذلك فإنكَ تقلق، وتتوتر، وتشعُر بالذعر، وتخاف، وتشعر بالجُبْن، ولا تُؤمن بأنَّ الله يستطيع أن يعتني بك. فإمَّا أنك لا تُؤمن بأنه يَهتمُّ بك، أو أنك لا تُؤمن أنه يملك القدرة. فإمَّا هذا أو ذاك، أو الأمرانِ مَعًا. فقد تقول: "أنا أَعلم أنه يَهتمُّ، ولكنه لا يستطيع أن يفعل أيَّ شيء". أو قد تقول: "أجل، أنا أَعلم أنه قادرٌ، ولكنه لا يُبالي". ولكِنْ إنْ عَلِمْتَ أنه يَهتمُّ وأنه قادرٌ، ما الذي ستخافُ منه؟
وبالمناسبة، حَتَّى لو كانوا يَغرقون، لم يكُن ينبغي لهم أن يخافوا لأنهم كانوا في صُلْب مشيئته بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوال، وقد كان سيُنقِذهُم ويأخُذَهُم إلى ملكوت أبيه. ومِنَ المُؤكَّد أنهم كانوا يعرفون ترانيم العهد القديم - كالمزمور 89. فهل تذكرون المزمور 89؟ "يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، مَنْ مِثْلُكَ ؟ قَوِيٌّ، رَبٌّ، وَحَقُّكَ مِنْ حَوْلِكَ. أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْبَحْرِ. عِنْدَ ارْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا". وماذا عنِ المزمور 46: "اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ. تَعِجُّ وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا. تَتَزَعْزَعُ الْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا".
بعبارة أخرى: "نحن لن نخاف! لن نخاف عناصر الطَّبيعة". وربما نَسَوْا المزمور 107. وكم أُحِبُّ ما جاء فيه: "اَلنَّازِلُونَ إِلَى الْبَحْرِ فِي السُّفُنِ، الْعَامِلُونَ عَمَلاً فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، هُمْ رَأَوْا أَعْمَالَ الرَّبِّ وَعَجَائِبَهُ فِي الْعُمْقِ. أَمَرَ فَأَهَاجَ رِيحًا عَاصِفَةً فَرَفَعَتْ أَمْوَاجَهُ. يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاوَاتِ، يَهْبِطُونَ إِلَى الأَعْمَاقِ. ذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالشَّقَاءِ. يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ السَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ابْتُلِعَتْ". ألا تَرَوْن تلك الصُّورة في البحر وَهُمْ يَتمايلون ويَترنَّحونَ ويتخبَّطون؟ "فَيَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، وَمِنْ شَدَائِدِهِمْ يُخَلِّصُهُمْ. يُهْدِئُ الْعَاصِفَةَ فَتَسْكُنُ، وَتَسْكُتُ أَمْوَاجُهَا. ... فَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْمَرْفَإِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ". وهذه نبوءة واضحة عمَّا فعله يسوع. فالله يفعل ذلك في المزمور 107. ويسوع يفعل ذلك في مَتَّى 8. والخُلاصة الَّتي لا جِدالَ فيها هي أنَّ يسوعَ هو الله.
لذلك، لم يكن ينبغي أن يخافوا مِنْ أيِّ شيء. ثالثًا، بعد أن رأينا "التَّفاصيلَ" و "الذُّعرَ"، نَنتقل إلى القُدرة ... القُدرة. وقد كَتَبَ "وليام كاوبر" (William Cowper) هذه السُّطور الرائعة:
اللهُ يتحرَّك بطريقة عجيبة،
وهو يُجري عجائب،
فهو يترك آثار قدميه في البحر،
ويَمْتَطي العاصفة ...
أمَّا أنتم أيُّها القدِّيسون الخائفون فتشجَّعوا مِن جديد،
فالغيوم الَّتي تخافون منها كثيرًا
مُمتلئة رحمةً، وسوفَ تنفجرُ
وتُغْدِقُ البركاتِ على رُؤوسكم.
ثم نقرأ في العدد 26 (في مُنتصف العدد): "ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوء عَظِيمٌ". ونقرأ في إنجيل مَرقُس 4: 39 أنَّه قامَ وقال: " اسْكُتْ!" فَصارَ في الحال ليس هُدوءًا فحسب، بل صارَ هدوءٌ عظيم ... هُدوءٌ تامّ. ولكِنْ إنْ أَوْقَفْتَ الريحَ فإنَّ البحر سيستمر في الهَدير إلى أن تتوقف الأمواج. ولكنه قال: "أُسكُتْ"، أو كما تَرْجَمَها أحدُ المُفَسِّرين: "ابْكَم"، فَسَكَنَ البحرُ تمامًا. فقد توقفت الأمواج، وتوقفت الريح، وصار هدوءٌ عظيم. وهذه قُدرة يا أحبَّائي. إنَّ هذه قُدرة. ومِنَ المستحيل أن تقيسوا قُوَّة الريح التي كانت موجودة في ذلك النوع مِن العاصفة لأننا لا نعرف امتدادها. ولكِنَّ العاصفة العاديَّة تَحوي ملايين الملايين مِنْ وَحْدات الطاقة التي تتولَّد في العاصفة مِن خلال الريح ومِنْ خلال المطر إن كان هناك مَطَر. ولا يُمكن لأيَّ شخص أن يقيس قُوَّة الزَّلازل لأنها قُوَّة هائلة. ولكنَّ يسوع أوقفها بكلمة.
وكما تَرَوْن، فإنَّ هذه هي رسالة متَّى لنا. فهذا هو الشخص الذي يقدر أن يَقهر المرض. وهذا هو الشخص الذي يَقدر أن يَتحكَّم في الطبيعة. وسوف يُخبرنا لاحقًا أنَّ يسوع هو الشخص الذي يقدر أن يَطْرُد الشياطين. وهو الذي يقدر أن يغفِر الخطيَّة. وهو الذي يقدر أنْ يُقيم الموتى. فكِّروا في ذلك، يا أحبَّائي. فهو الذي يَسْكُنُ في حياتكُم.
إذًا، فقد رأوا الله. وهذا واضحٌ وبسيط. وما الذي فعلوه تجاوبًا مع ذلك؟ نقرأ في العدد 27 أنهم "تَعَجَّبوا". ويقول المُعجَم إنَّ الكلمة "تَعَجَّبَ تعني: "دُهِشَ". فالشيءُ العجيبُ يُثير العَجَبَ والدهشة والذُّهول. ونحن نقرأ في العدد 27: "فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ: أَيُّ إِنْسَانٍ هذَا؟" والكلمة اليونانيَّة هي "بوتابوس" (potapos). وكانَ ما يَقصدونه هو: "لا نَدري في أيِّ فئةٍ نَضَعُهُ!" فما الفئة الَّتي تَليقُ به؟ "أيُّ إنسانٍ هذا! فَإِنَّ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ جَمِيعًا تُطِيعُهُ!" والآن، استمعوا إليَّ: إنَّ مَرقُس يقول في الرِّواية المُوازِيَة: "فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا". فمَرقُس يقول إنه عندما هَبَّتِ العاصفة فإنهم خافوا. ومَرقُس يقول إنه عندما هَدَّأَ يسوعُ العاصفة فإنهم خافوا خوفًا عظيمًا. وهل تعلمون ما الشيء المُخيف أكثر مِن التعرُّض لعاصفة؟ أن تُدرِك أنك تقف في حضرة الله الحيّ. فهذا أمرٌ عَظيم. فيا له مِن اختبار أن تعلم أنَّ الله موجودٌ في قاربك. فقد كان ذلك مُخيفًا أكثر مِن أيَّ عاصفة.
فعندما رأى أيُّوبُ اللهَ مِنْ خلال ظروف حياته قال: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ". وعندما رأى إشعياءُ اللهَ قال: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ". وعندما رأى دانيال الله في دانيال 10 (كما رأينا قبل أسبوعَيْن)، ابتدأ يَرتعش ويرتجف، وسقطَ على الأرض، وعَجِزَ عنِ الكلام في حضرة الله. وعندما رأى بُطرسُ اللهَ في معجزة صيد السَّمك قال: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!" وعندما رأى بولُسُ اللهَ في هيئة يسوع المسيح المُقام والمُمَجَّد، سَقَطَ على وجهه وأُصيبَ بالعَمى. فسوف تغمُركُم القداسة إن كنتم تقفون في حضْرته. وقد كان هؤلاء التلاميذ يَعلمون أنَّ اللهَ موجودٌ هناك، وقد كان ذلك الأمرُ رائعًا جدًّا حَتَّى إنه يَبعث الخوف في النفس. فقد أُزيلَت الأقنعة عن وجوهِهِم. فقد كان اللهُ الكُلِيُّ العِلْم قادرًا على قراءة كُلِّ فِكرة، وعلى معرفة كُلِّ ما يدور في أذهانِهم. فقد كانوا في حضرة الله.
وقد كانت الرحلة القادمة التي قاموا بها في القارب (والمُدوَّنة في إنجيل متَّى) قد عَرَّضَتْهُم إلى موقفٍ مُشابه. وقد قالوا بعد انتهائها - بعد أن قام بتهدئة عاصفةٍ أخرى (بحسب ما جاء في إنجيل متَّى 14: 33): "وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا [ثُمَّ اسمعوا] وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ!»". ففي المرَّة القادمة، إنْ كان هناك أيُّ شَكٍّ أصلاً فقد زالَ تمامًا. فهو ابن الله. وحتى إنَّ الرياح والبحر يُطيعانه. واسمحوا لي أن أسألكم سؤالاً: "هل هو الشخصُ الذي يَقدر أن يَعْكِس اللَّعنة؟ وهل يقدِر أن يُغَيِّر الأرض؟ وهل يَمْلِك القُدرة على استعادة الملكوت؟ والجواب هو: "أجل". لذلك فإنَّ الترنيمةَ تقول:
نحن نُرنِّم عن قدرة الله،
الَّذي رَفَعَ الجِبال،
والذي خَلَقَ البِحار
ورَفَعَ السَّماواتِ العالية.
ونحن نُرنِّمُ عن تلك الحكمة الَّتي
جَعَلَتِ الشَّمسَ تُشْرِقُ طَوالَ النَّهار،
والقَمَرَ مُنيرًا أيضًا، بأمْرِهِ،
والتي جعلتِ كُلَّ النُّجومِ مُطيعَةً.
يا رَبُّ، كم نَشعُرُ بالدَّهشة
كُلَّما نَظرنا مِنْ حَولِنا،
أو كُلَّما نَظرنا إلى الأرضِ الَّتي نَمشي عليها،
أو كُلَّما نَظرنا إلى السَّماوات!
فليست هناك نَبْتَة أو زَهرة في الأسفل
إلَّا وتُعلن مَجدَكَ؛
والسُّحُبُ تَعلو والعواصِفُ تَهُبُّ
بأمرٍ مِنْ عرشِكَ.
ثُمَّ إنَّ كاتبَ التَّرنيمة يَخْتِمُ بهذه الكلمات:
نحنُ نَتَّكِلُ عليكَ في كُلِّ لحظة،
فإنِ تَرَكْتَنا فإنَّنا نموت.
لذلك، ليتَنا لا نُخْطئ إلى الله البَتَّة
لأنهُ قريبٌ مِنَّا إلى الأبد.
إنَّ يسوعَ نفسه الَّذي هَدَّأ البحر هو الَّذي يحفظ كل تلك الذَّرَّات الَّتي تتحرَّك في جسدك. وهو الَّذي يُحافظ على دوران هذه الأرض في الفضاء. وهو الَّذي يحفظ توازُن هذا الكَوْن. ويسوع المسيحُ نفسُه سيأتي ذاتَ يومٍ ويؤسِّس مملكته الأبديَّة. والسُّؤال هو: هل ستكون جزءًا من ذلك الملكوت بواسطة الإيمان؟
نشكرك، يا أبانا، على وقتنا الَّذي صَرَفناهُ في هذا الصباح في كلمتك. فقد تعلَّمنا دروسًا كثيرةً جدًّا، دروسًا عن الاتِّكال والإيمان في وسط عواصف الحياة لأنَّنا نَعلم أنك تهتمُّ وأنك تقدر. خَلِّصنا، يا رَبّ، مِن أن نكون قليلي الإيمان، ومِنْ عدم الاتِّكال عليك في وسط الأوقات العصيبة. ونحن نسألك، يا رَبّ، أن تساعدنا لكي نعرف دون أدنى شِكٍّ أنَّ يسوع المسيح هو اللهُ الحيّ، وأنه الوحيد الَّذي يقدر أن يَفدي الإنسان، وأن يَفدي هذه الأرض الواقعة تحت اللَّعنة، وأن يُؤسِّس الملكوت الأبديّ المجيد. وأنا أُصَلِّي، يا أبانا، في هذا الصَّباح أنْ لا يُغادر أيُّ شخصٍ هذه المكان مِنْ دون أن يَعرف المسيح، ومِنْ دون أن يؤمن، ومِنْ دون أن يَعلم يقينًا أنَّ يسوع هو المسيحُ ابنُ الله الَّذي ماتَ وقامَ ثانيةً، ومِنْ دون أن يَتَّكِل عليه. أمَّا نحنُ المؤمنون به فَذَكِّرْنا، يا رَبّ، بضُعف أجسادنا، وشكوكِنا، وتساؤلاتنا. فكم مَرَّة قُلنا لك: "ألا تُبالي؟" فقد وَقَعنا في فَخِّ الإشفاقِ على الذَّات، وشَكَكْنا في المحبَّة الَّتي وَعَدْتنا بها، وشَكَكْنا في القُدرة المُتاحة لنا. عَلِّمنا تلك الدُّروس الَّتي ترغب في تعليمها لنا لكي نُعَلِّمَها للآخرين. باسم المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.