
لنَشترِك معًا في دراسةِ كلمةِ الله مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح الثَّالث عشر. فجُزءٌ مِن عِبادتِنا يَنطوي على التَّركيزِ على الحقِّ الَّذي وَهَبَهُ اللهُ لنا. وقد نَتمكَّنُ مِن عِبادتِهِ على نَحوٍ أفضل مِن خلالِ فَهْمِنا لكلمتِهِ ومشيئتِه. عندَ النَّظرِ إلى الأصحاحِ الثَّالث عشر مِن إنجيل مَتَّى، نَبتدئٌ اليومَ بالنَّظرِ بعُمق إلى الأمثالِ المُدوَّنةِ في هذا الأصحاحِ الرَّائع. وأودُّ أن أعترفَ لكم أنَّني انتظرتُ وقتًا طويلاً للغَوْصِ في هذهِ الأمثالِ بسببِ أهميَّتِها القُصوى لنا في هذا الدَّهر.
وكما تَعَلَّمنا معًا في الأسبوعينِ الماضيين، فإنَّ الأمثالَ المُدَوَّنَةَ في الأصحاحِ الثَّالث عشر مِن إنجيل مَتَّى هي أمثالٌ قالَها رَبُّنا لِيَصِفَ طبيعةَ الملكوتِ في الفترةِ الواقعةِ بينَ رَفضِهِ وعودتِه. وهي تَصِفُ ما يُعرَفُ لدينا بِعَصْرِ الكنيسة؛ وهي الفترة الَّتي تُسَمَّى بالشَّكلِ السِّريِّ للمَلكوت. فالمسيحُ ما يزالُ هو المَلِك. ومَملكتُهُ قائمة هنا. وهي جُزءٌ مِنَ المَلكوتِ الَّذي لم يَكُن مَنظورًا في العهدِ القديم. وقد تَمَّ رَفْضُ المَلِك. ولكنَّهُ سيعودُ لتأسيسِ مَملكتِهِ الَّتي تَمَّ التَّنبُّؤُ عنها. ولكن في تلك الأثناء، هناكَ هذا الشَّكلُ السِّريُّ للملكوتِ الَّذي لم يَكُن مَنظورًا في الماضي والذي يُعرَفُ لدينا باسم "عَصْر الكنيسة".
وقد طَرَحنا السُّؤالَ في الأسبوعَيْن الماضِيَيْن: كيفَ ستكونُ هذه الفترة؟ كيفَ ستكون؟ هل سيُكرَزُ بالإنجيل؟ هل سيُسمَع؟ هل سيؤمِنُ النَّاسُ بِهِ؟ ماذا سيَحدثُ للملكوتِ في هذه الفترة؟" ويُقدِّمُ رَبُّنا الإجابةَ إلى تَلاميذِهِ في سِلسلةٍ مُؤلَّفةٍ مِن سبعةِ أمثال. وهي مُدَوَّنة في هذا الأصحاحِ ومُفَسَّرة تَفسيرًا رائعًا لنا في هذا الوقتِ الَّذي نَعيشُ فيه.
وفي هذا الصَّباح، نَودُّ أن نَتأمَّلَ في المَثَلِ الأوَّل. وهو يَبتدئُ في العددِ الثَّالث: "فَكَلَّمَهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَال قَائِلاً: «هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ...". وكما قُلنا لكم فإنَّ الرَّبَّ يَعرفُ كيفَ يأخذُ العالَمَ الطَّبيعيَّ ويَصنَعَ مِنهُ أداةً قويَّةً للتعليمِ عنِ الحقِّ الرُّوحيّ.
فهو يأخذُ شيئًا كانَ بمقدورِهم أن يَفهموه، ويَضَعُهُ بِمُحاذاةِ شيءٍ لم يَكونوا يَفهمونَهُ حَتَّى يُفَسِّرَ هذا ذاك. وهذا هو المَثَل. فهو مُقارَنة. فكُلُّ قِصَّةٍ مِن تلك القِصَص تَزخُرُ بالحقِّ الرُّوحيِّ العميق. وقد وَجدتُ أنَّهُ كُلَّما أَطلتَ التَّأمُّلَ فيها، وكُلَّما دَرستَها أكثر، صارت أكثرَ غِنى وعُمقًا.
وفي هذا الأسبوع، دَرستُ هذا المَثَلَ المَرَّة تِلو المَرَّة تِلو المَرَّة إذْ أعتقدُ إنِّي صَرفتُ خمس عشرةَ ساعة أو أكثر في دراسةِ هذا المثلِ فقط إذْ رُحْتُ أتأمَّلُ فيهِ وأتَعمَّقُ فيه إلى أن صارَ أكثرَ فأكثرَ غِنىً، وأكثرَ فأكثرَ عُمقًا، فاضطُرِرتُ أن أَمنَعَ نفسي مِن إعدادِ سِلسلةٍ دراسيَّةٍ عن هذا المَثَلِ الواحد.
والشَّيءُ المُدهشُ هو أنَّهُ بالرَّغمِ مِن كُلِّ هذا الغِنى، وبالرَّغمِ مِن كُلِّ هذا النِّطاقِ مِنَ التَّفسيراتِ لما قالَهُ رَبُّنا، مِنَ المُدهشِ أن نَرى البَساطةَ الشَّديدةَ الَّتي قيلَ فيها كُلُّ مَثَلٍ مِن هذهِ الأمثال. فما أعجبَ قُدرةَ الرَّبِّ الخارقة للطَّبيعة على اختِزالِ كُلِّ الكلماتِ الَّتي لا لُزومَ لها والتَّعبيرِ بهذا الإيجازِ وبهذا العُمقِ المُذهل!
والآن، إنَّ الجُملةَ الافتتاحيَّةَ هُنا في العددِ الثَّالثِ (والَّتي تَقول "هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَع") تَفتَحُ أذهانَنا لِفَهمِ هذا المَثَلِ تَحديدًا. فيسوعُ يَستخدِمُ شَيئًا مألوفًا جدًّا لأنَّهُ كانت هناك حياة زِراعيَّة غَنِيَّة في ذلك الجُزء مِن العالَم. وكانَ الجميعُ يَفهمونَ عَمليَّةَ زَرعِ الحُبوب. وكانَ الجميعُ يُشاركونَ في القيامِ بذلك. وفي الوقتِ الَّذي كانَ فيهِ يسوعُ عندَ شاطئِ بُحيرةِ الجليلِ جالسًا في قَارِبٍ ويُعَلِّمُ الجُموعَ المُحتشدينَ على الشَّاطئ، رُبَّما نَظروا بعيدًا ورأوا مُزارعينَ يَزرعون.
فرُبَّما نَظروا إنسانًا يَروحُ ويَجيءُ ويَزرعُ الحبوب. فقد كانَ المُزارعُ يَحمِلُ على كَتِفِهِ كِيسًا مُمتلئًا بالحُبوبِ فيهِ فُتحة. وبعدَ حِراثةِ الحَقلِ وإعدادِهِ، كانَ المُزارعُ يأخذُ الحُبوبَ مِنَ الكيسِ بيدِهِ ويَبذُرُها. وهذا هو المَعنى الأصليُّ للكلمة الإنجليزيَّة "برودكاست" (broadcast).
فقد كانَ يَبذُرُ الحُبوبَ في الحَقلِ المَحروث. وكانَ يَفعلُ ذلكَ بخطواتٍ مُنتظمةٍ وخَطٍّ مُستقيمٍ. وعندما يَبلُغُ نهايةَ الحَقلِ، كانَ يَستديرُ ويُكمِلُ العمليَّةَ مِن هُناكَ دُونَ أن يُفَوِّتَ بُقعةً، بل يَستمرُّ في بَذْرِ الحُبوب. وبهذه الطَّريقةِ، كانَ الحَقلُ يُزرَعُ: بإلقاءِ الحُبوبِ بأسلوبِ البَذْر. وبينما كانَ يَبذُرُ تلكَ الحُبوب، يُشيرُ يسوعُ إلى وجود أربعةِ أنواعٍ مِنَ التُّربة الَّتي قد تَسقُطُ فيها الحُبوب. لِنَنظُر إليها:
النَّوعُ الأوَّلُ هو ما يُسَمِّيهِ "الطَّريق" في العددِ الرَّابع: "وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ". ففي فِلَسطينَ الَّتي كانت حَرفيًّا مُمتلئة بالحُقول، كانتِ الحقولُ تُقَسَّمُ عادةً إلى خُطوطٍ طولِيَّةٍ ضَيِّقة لكي يَتمكَّنَ المُزارعونَ مِن زَرعِها. وكانوا يَفصِلونَ بينَ خَطٍّ وآخرَ وبينَ حَقلٍ وآخرَ بمَمرَّاتٍ. وكانتِ المَمرَّاتُ بِعَرضِ تسعين سنتمترًا تقريبًا. فهي مَمرَّاتٌ ضَيِّقة.
وكان المُزارعُ يَستخدمُ هذه المَمَرَّاتِ للمَشيِ بينَ الحُقولِ والوصولِ إلى أيِّ حَقلٍ يَشاءُ الوصولَ إليه. وكانت هذه المَمرَّاتُ تُستخدَمُ أيضًا مِن قِبَلِ المُسافرينَ الَّذينَ يَمشونَ مِن مَكانٍ إلى آخر. وحَتَّى إنَّنا نَجِدُ في إنجيل مَتَّى والأصحاحِ الثَّاني عشر أنَّ الرَّبَّ يسوعَ المسيحَ وتلاميذَهُ كانوا يَمشونَ بينَ حُقولِ القَمح. ولا شَكَّ في أنَّهم كانوا يَمشونَ على تلك المَمرَّاتِ الضَّيِّقةِ الَّتي أُعِدَّت لهذهِ الغايَة. ولم يَكُن يوجدُ سِياجٌ بينَ حَقلٍ وحَقل، ولا جُدران تُحيطُ بالحقول، بل كانت توجدُ فقط تلك المَمرَّاتُ الصَّغيرةُ الضَّيِّقةُ الَّتي يَستخدِمُها المُسافرونَ والمُزارعُ للتَّنَقُّلِ في هذه المنطقة.
ولا شَكَّ في أنَّ هذا هو ما كانَ يَدورُ في ذِهنِ الرَّبِّ عندما تَحَدَّثَ عنِ "الطَّريق". فقد كانَ التُّرابُ يُداسُ تحتَ الأقدامِ، ويَصيرُ قاسيًا، ولا يُحرَثُ، ولا يُقَلَّبَ، ولا يُحَرَّك. وبسببِ الدَّوسِ عليهِ باستمرار المرَّة تِلو الأخرى، وبسببِ جَفافِ ذلك الجُزءِ مِنَ العالَم، كانَ التُّرابُ يُرَصُّ ويَصيرُ أَشبَهَ بطَريق. فقد كانَ يَصيرُ قاسيًا كالطَّريقِ المَرصوف.
وعندما يأتي المُزارعُ ويَبذُرُ الحُبوبَ فيَسقُطُ جُزءٌ مِنها لا في الأرضِ المَحروثة، بل على الطَّريقِ القاسي، لم تَكُنِ تلكَ الحبوبُ تَخترق التُّربة، بل كانت تَبقى على الطَّريق. وكانتِ الطُّيورُ تُحَوِّمُ في السَّماءِ إلى أن يُديرَ المُزارِعُ ظَهرَهُ. وحيثَ يَبتدئُ في بَذْرِ الحُبوبِ في مِنطقةٍ أخرى، كانتِ الطُّيورُ تَهْبِطُ إلى الطَّريق القاسي وتأكُل الحُبوب. أمَّا الحُبوبُ الَّتي لم تأكُلها [بِحَسَب لوقا] فكانت تَدوسُها أقدامُ النَّاسِ العابِرينَ مِن تلك الحُقول. هذا هو الطَّريق. فالطُّيورُ والبَشرُ يَقضونَ على الحُبوبِ الَّتي لم تَتمكَّن مِنَ اختراقِ التُّربة.
ثُمَّ هناكَ التُّربةُ الصَّخريَّةُ في العددِ الخامِس: "وَسَقَطَ آخَرُ..." – وهذا صَحيحٌ تمامًا بسببِ طَريقةِ بَذْرِ البُذورِ إذْ إنَّها كانت تُبذَرُ وتَسقُطُ في أماكِن عديدة. وقد سَقَطَتْ هذه الحُبوبُ على الأماكِنِ المُحْجِرَةِ أوِ الأماكِنِ القاسية "حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالاً إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ". ويُضيفُ لُوقا قائلاً إنَّهُ: "لَمْ تَكُنْ لَهُ رُطُوبَة". ولم تَكُن هناكَ جُذورٌ تُحافِظ على الرُّطوبة.
والآن، ما مَعنى ذلك؟ إنَّهُ لا يَتحدَّثُ عن أرضٍ مَملوءة بالأحجار لأنَّ أيَّ مُزارعٍ يَحرُثُ حَقلاً يَحرِصُ على إزالةِ الأحجار. ولكنَّ المَعنى الرَّئيسيَّ المقصودَ هو أنَّ إسرائيلَ، أو بالأحرى أرضَ إسرائيل، كانت مَكْسُوَّة بطبقةٍ مِنَ الحِجارةِ الكِلسيَّة. وفي أماكن كثيرة جدًّا، كانت هذه الطَّبقة الصَّخريَّة تَمتدُّ إلى أعلى بالقربِ مِنَ التُّربة. لِذا، على عُمْقِ سنتمترات مِنَ التُّربة، كانت هناكَ طَبقة مِنَ الحِجارة الكِلسيَّة. وعندَ حِراثةِ الحَقلِ، قد لا تَرى تلك الطَّبقة أو لا تَتمكَّنُ في أثناءِ حِراثَتِكَ لها مِن كَسْرِ تلك الطَّبقة الصَّخريَّة.
لِذا، كانَت توجدُ تحتَ التُّربة مُباشرةً هذه الطَّبقة الصَّخريَّة. وعندما تَقَعُ الحُبوبُ فيها وتبتدئُ بالنُّموِّ وَمَدِّ جُذورِها إلى أسفل، كانت تَصطَدِمُ بالصُّخورِ ولا تَجِدُ مكانًا تَذهبُ إليه. فكُلُّ الرُّطوبةِ والشَّمسِ الَّتي تَحتاجُ إليها لكي تَعيشَ موجودة في الأعلى. لِذا فإنَّها تَنمو إلى فوق، ورُبَّما إلى عُلُوٍّ أكبرَ مِنَ الحُبوبِ الأخرى لأنَّ الحُبوبَ الأخرى تَنمو في الاتِّجاهَيْنِ إذ إنَّها تَستخدِمُ طاقَتَها للنُّموِّ في الاتِّجاهَيْن. لِذا فإنَّ هذه الحُبوبَ تَنمو بسرعة. ولكن عندما تُشرِقُ الشَّمسُ فإنَّها تَموتُ لأنَّ جُذورَها ليست قويَّةً بما يَكفي للاحتفاظَ بالرُّطوبةِ أوِ العُثورِ على الماء. لِذا فإنَّ الصُّخورَ تُعيقُ نُمُوَّها فتموتُ في حَرِّ الصَّيف.
ثُمَّ إنَّ العددَ السَّابعَ يُحَدِّثُنا عن أرضٍ مُمتلئة بالأشواكِ أوِ الأعشابِ الضَّارَّة. فالأعشابُ الضَّارَّةُ موجودة في هذه التُّربة: "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ [أوِ الأعشابِ الضَّارَّةِ]، فَطَلَعَ الشَّوْكُ [أو طَلَعَ العُشْبُ الضَّارُّ] وَخَنَقَهُ". إنَّ هذه التُّربةَ تَبدو جيِّدة. فهي عميقة، وغَنيَّة، وتَمَّ تَقليبُها وتَحريكُها، وتَمَّت حِراثَتُها. وهي تبدو نَظيفةً وجاهزة. والحُبوبُ تَقَعُ في تلك التُّربةِ وتبتدئُ بالنُّموّ. ولكن توجد أيضًا جُذورٌ لِيفيَّةٌ لأعشابٍ ضَارَّةٍ تَخنُقُها.
ويُمكِنُ القولُ إنَّ وُجودَ الأعشابِ الضَّارَّةِ هو أمرٌ طَبيعيٌّ في تلك التُّربة. فهي تَنتمي إلى تلك التُّربة، وتُلائمُ تلك التُّربة، وتَجِدُ مَرْتَعًا لها في تلك التُّربة. أمَّا زِراعةُ الحبوبِ فهو الشَّيءُ الغريبُ بالنِّسبةِ إلى تلك التُّربة. فهو ليسَ الشَّيءَ الطَّبيعيَّ. لِذا، يجب أن تُحرَثَ الأرضُ بعناية. والأعشابُ الضَّارَّةُ الَّتي تَعيشُ في بيئتِها الطَّبيعيَّةِ تُهيمِنُ وتَسودُ وتَخنُقُ النَّباتات الأخرى، وتَنمو بسرعة، وتُخرِجُ أوراقَها فتَصنَعُ ظِلاًّ حَتَّى لا تَصِلُ الشَّمسُ أوِ الرُّطوبةُ إلى أسفل. فلا يُمكِنُ للنَّباتاتِ الأخرى أن تَتمتَّعَ بغِنى تلك التُّربة. لِذا فإنَّ الزَّرعَ الجَيِّدَ يَموت.
وأخيرًا، نَقرأُ في العددِ الثَّامِنِ عنِ الأرضِ الجيِّدة: "وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِين". فهذهِ أرضٌ عميقة، وطَريَّة، ونَظيفة. فهي طَريَّة على عَكسِ الطَّريقِ الصَّلبة. وهي عميقة على عَكسِ الأرضِ المُحجِرَة. وهي نَظيفة على عَكسِ الأرضِ المُمتلئة بالأعشابِ الضَّارَّة. وفيها نَمَتِ الحُبوبُ وأعطت حَصادًا وَفيرًا: مِئةَ ضِعفٍ، وسِتِّينَ، وثَلاثين. وبالمُناسبة، كانَ المَحصولُ المَعقولُ هو سبعة أضعاف ونِصف. وكانَ المَحصولُ الجيِّدُ هو الَّذي يُعطي عشرةَ أضعاف. لِذا فإنَّنا نَتحدَّثُ هنا عن مَحصولٍ عظيمٍ جدًّا.
لِذا فإنَّ المَثَلَ بَسيطٌ جدًّا. فقد خَرَجَ إنسانٌ وبَذَرَ حُبوبًا. وقد سَقَطَتِ الحُبوبُ في أربعةِ أماكِن مُختلفة. فقد سَقَطَت في طَريقٍ صَلبٍ فلم تُنبِت. فإمَّا أنِ التقطتها الطُّيورُ، وإمَّا أن داسَتها أقدامُ النَّاسِ الَّذين يَسيرونَ على ذلك الطَّريق. وقد سَقَطَت حُبوبٌ على تُربةٍ صَخريَّة فَنَبَتَتْ وقتًا قصيرًا لأنَّهُ كانَت توجدُ شَمسٌ ولأنَّهُ كانَ يوجدُ ماء. لِذا فقد نَبَتَت إلى أعلى ولكن لم تَكُن لها جُذورٌ. وعندما أشرقتِ الشَّمسُ احترقت تلك النَّباتاتُ. وبسببِ عدمِ وجودِ جُذورٍ لها في الأسفل، ماتت.
ثُمَّ إنَّ هُناكَ حُبوبًا سَقطت على تُربةٍ مُمتلئة بالأعشابِ الضَّارَّةِ فاختنقت بسببِ الأعشابِ الَّتي كانت تَنمو هناكَ ومُعتادة على ذلك المكان. ثُمَّ إنَّ هناكَ تلكَ الحُبوب الَّتي سَقطت على الأرضِ الجيِّدةِ والنَّظيفةِ والغَنيَّةِ والطَّريَّةِ فَنَمَتْ وأعطت حَصادًا وَفيرًا.
والآن، يَقولُ العددُ التَّاسعُ ببساطة: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ". ما مَعنى ذلك؟ إن كانَ يُمكنكم أن تَفهموا ذلكَ، افهَموه. وإن كانَ يُمكنكم أن تَستوعبوا الرِّسالةَ، استوعبوها لأنَّها رسالة مُهمَّة. وقد تقول: "وَمَن هو ذاكَ الَّذي يَقدرُ أن يَفهم؟" هذا هو السَّببُ في وُجودِ العَددَين 10 و17؛ وَهُما عَدَدانِ تَحدَّثنا عنهما في المرَّة السَّابقة. "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ". أي مَن يَستطيعُ أن يَفهمَ هذا فليَفهمَه.
وقد رأينا في المرَّة السَّابقة أنَّ الأشخاصَ الوحيدينَ الَّذينَ يُمكنهم أن يَفهموا ذلكَ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يؤمنونَ بالمَلِك، أوِ الأشخاصُ المَفديُّونَ الَّذينَ يَعيشونَ في المَلكوت. ولأنَّكُم في المَلكوت فإنَّ المَلِكَ يَعِدُ بأن يَشرحَ لكم مَعنى هذا المَثَل. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ امتيازَ كَونِكَ مُؤمِنًا هي لا أن تَحصُلَ على مَعرفة أكاديميَّة في الحال، ولا أن تَحصُلَ على حِكمة في الحال لِفَهمِ كُلِّ شيءٍ بنفسِك. لا! فحقيقةُ أنَّكَ صِرتَ مُؤمِنًا لا تَعني أنَّكَ ستَفهمُ بنفسِكَ فَهمًا أفضل، بل إنَّ هذا يعني أنَّ اللهَ يَعِدُ بأن يُعَلِّمَكَ مَعنى كَلِمَتِه.
لِذا فإنَّهُ يَقولُ الآن: "إن كانَ بمقدورِكَ أن تَفهمَ، افهَم إذًا". والسُّؤالُ الَّذي يَطرَح حالاً هو: "مَن يُمكِنُهُ أن يَفهَم؟" أوَّلاً، إنَّهُ يَقول: "هُناكَ شيءٌ مُؤكَّدٌ وهو أنَّ الأشخاصَ القُساةَ القُلوبِ والثَّقيلي الأسماعِ لا يُمكنهم أن يَفهموا". لِذا فإنَّهُ يَقتبسُ مِن سفرِ إشعياء ويقولُ في العدد 15: "لأَنَّ قَلْبَ هذَا الشَّعْب قَدْ غَلُظَ، وَآذَانَهُمْ قَدْ ثَقُلَ سَمَاعُهَا. وَغَمَّضُوا عُيُونَهُمْ"، وهَلُمَّ جَرَّا. فَلَن يكونَ الفاهِمونَ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَرفضونَني، ولن يَكونوا الأشخاصَ الَّذينَ لا يَقبلونَني.
إذًا مَن سيكونون؟ نَقرأُ في العدد 16: "طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ". إذًا مَن يَستطيعُ أن يَسمع؟ يُمكنكم أنتُم أن تَسمعوا، بل أنتُم فقط مَن يُمكنكم أن تَسمعوا. لِذا فإنَّ هذا سيُحجَبُ عَمَّن لا يُؤمنونَ ويُعلَنُ لِمَن يُؤمنونَ لأنَّ الرَّبَّ سيُعَلِّمُهم. وفي إنجيل مَرقُس والأصحاحِ الرَّابع، جاءَ التَّلاميذُ إلى يسوعَ وقالوا: "أخبرنا عن مَعنى المَثَل". وعندما انفصلوا على الجَمْعِ أخبرهم عن مَعنى المَثَل. ولكنَّ الأشخاصَ الَّذينَ يَعرفونَ المَلِكَ هُمُ الوحيدونَ الَّذينَ وُعِدوا بأن يكونَ مُعَلِّمًا لهم.
لِذا فإنَّهُ يَبتدئُ في العدد 18 بِشَرحِ مَعنى المَثَل إذ يَقول: "فَاسْمَعُوا". إذًا فقد قالَ في العدد 9: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ". وَمَن يَكونُ هؤلاء؟ نَقرأ في العدد 16: " طُوبَى لآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ". لِذا فإنَّ العددَ 18 يَقول: "اسمعوا ما سأقول". يُمكنكم أن تَستفيدوا مِن ذلك. "استمعوا إلى ما سأقول". وأعتقدُ أنَّهُ يَتحدَّثُ عن فَهْمِ الرِّسالةِ الرُّوحيَّةِ، وفَهْمِ المَعنى العَميق. وإليكم التَّفسير.
لِنَنظُر إلى العدد 18، ولنَذهب حالاً إلى التَّفسير: "فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ الزَّارِعِ". والآن، يجب علينا أن نَسألَ أنفسَنا سؤالاً في هذه النُّقطةِ لأنَّ الأمرَ واضحٌ. مَن هو الزَّارع؟ مَن هو الزَّارع؟ مِنَ الواضِحِ أنَّ الزَّارعَ هو الرَّبُّ يسوعُ المسيح. ويَتأكَّدُ هذا الأمرُ في جُزءٍ لاحِقٍ مِنَ الأصحاح إذْ نَرى الربَّ في مَثَلٍ آخرَ يَفعلُ الشَّيءَ نَفسَهُ. فهو يقول في العدد 37: "اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ". فالربُّ هو الزَّارِعُ الحَقيقيُّ. فهو أوَّلُ شخصٍ زَرَعَ زَرْعًا في التُّربة.
وقد تقول: وما هو الزَّرع؟" نَقرأُ في العدد 19: "كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوت". فالزَّرعُ هو الكلمة. الزَّرعُ هو كلمةُ المَلكوت. إنَّهُ إعلانُ الله. ونَجِدُ في إنجيل لوقا 8: 11 مَقطَعًا مُوازيًا لنفسِ المَثَل إذْ نَقرأُ: "الزَّرْعُ هُوَ كَلاَمُ الله". إنَّهُ الرِّسالةُ عنِ المَلِكِ ومَلكوتِه. إنَّهُ الإنجيل. وأوَّلُ شخصٍ زَرَعَ الإنجيلَ هو الرَّبُّ يَسوعُ نَفسُهُ.
ولكن هل يُمكنُني أن أُضيفَ شَيئًا؟ أيُّ شخصٍ يَزرَعُ ما زَرَعَهُ يسوعُ أوَّلاً هو زَارِع. فإن كَرَّرتَ رسالةَ يسوعَ المسيحِ تَصيرُ زارِعًا. وإن كَرَّرتُ أنا رسالةَ يسوعَ المسيحِ أصيرُ زارِعًا. ونحنُ نَقرأُ في إنجيل مَرقُس 4: 14: "اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ الْكَلِمَة". لِذا فإنَّ أيَّ شخصٍ يَزرعُ الكلمةَ يَصيرُ زارِعًا. وقد كانَ يَسوعُ أوَّلَ زَارِع. ونحنُ الَّذينَ نَحذو حَذوَهُ ونُقدِّمُ رسالَتَهُ زارِعونَ أيضًا.
وقد قالَ "ويليام آرنو" (William Arnot): "كما أنَّ كُلَّ وَرَقةٍ في الغَابةِ وكُلَّ مَوجةٍ في البُحيرةِ تَحصُلُ على أشِعَّةِ الشَّمسِ وتَعكِسُ أشِعَّةَ الشَّمسِ مَرَّةً أخرى وتَنشُرُ النُّورَ حَولَها، كذلكَ فإنَّ كُلَّ شخصٍ، سواءَ كانَ شَيخًا أو صَبيًّا، يَقبلُ المسيحَ في قَلبِهِ يَستطيعُ أن يَنشُرَ مِن خلالِ حَياتِهِ وشَفَتَيهِ ذلكَ الاسمَ المُبارَك". لِذا، نحنُ جَميعًا زارِعونَ نُحِبُّ المسيحَ. وقد قَبِلنا كَلِمَتَهُ ونَنشُرُها. إذًا، الزَّرعُ هو كلمةُ الله. ونحنُ نَرزعُ الإنجيلَ؛ أي رسالةَ المَلكوت.
وهل يُمكنُني أن أُوَضِّحَ نُقطةً هُنا؟ كما تَعلمونَ فإنَّ الزَّرعَ (بِمَعناهُ الطَّبيعيُّ) لا يُمكِنُ أن يُصنَع. فإن فَقدنا البُذورَ، أو إن فَقدنا الحُبوبَ، لن نَتمكَّنَ مِن زَرعِ الأشياء. فنحنُ نَعتَمِدُ على الأشياءِ الَّتي تَنمو وتُنتِجُ مَزيدًا مِنَ الحُبوبِ لأنَّ الأصلَ جاءَ مِنَ الله. فاللهُ هو الَّذي خَلَقَ في الأصلِ حُبوبًا. والحُبوبُ تُنتِجُ حُبوبًا. وإن فَقدنا الحُبوبَ، لن نَتمكَّنَ يَومًا مِن زَرعِها. ولن نَتمكَّنَ مِن خَلقِها. والأمرُ نَفسُهُ يَصِحُّ على زَرْعِ كلمةِ الله.
فاللهُ لا يَدعونا إلى خَلْقِ رسالَتِنا الشخصيَّة، بل إنَّ اللهَ يقول: "خُذوا هذا الزَّرعَ الَّذي زُرِعَ أصلاً واعَملوا على زَرْعِهِ مَرَّةً أخرى". فنحنُ لسنا مُطالَبينَ بتقديمِ مَعلوماتٍ جديدة، بل بأن نَبني على إعلانِ كلمةِ اللهِ. لِذا فإنَّنا نَعتَمِدُ تمامًا على الإعلانِ الإلهيِّ بقدرِ ما نَعتَمِدُ على خَلْقِ اللهِ للبُذورِ في المَقامِ الأوَّلِ والَّتي تُنتِجُ مِن ذاتِ جِنسِها وتُعطينا الفاكِهَةَ الَّتي نأكُلُها كُلَّ يوم. لِذا فإنَّ الزَّرعَ هو الكلمة. الزَّرع هو الكلمة.
وهل يُمكنُني أن أُضيفَ مُلاحظةً وهي أنَّ الكلمة تَضُمُّ الكلمةَ المكتوبةَ، ولكنَّها تَضُمُّ أيضًا الكلمةَ الحَيَّ. فكأنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو القِشرةَ، والمَسيحَ الحَيَّ هو البِذرةُ في داخلِ البذرة. لِذا فإنَّ المَسيحَ هو الَّذي يَزرعُ كلمةَ اللهِ الَّتي تَحوي البذرة الَّتي هي نَفسُهُ. فهو الزَّارِعُ والزَّرع. ونحنُ الزَّارعونَ الَّذي نَزرعُ الزَّرع. والقِشرةُ هي كلمةُ اللهِ. وهي تَحوي حياةَ الرَّبِّ يسوعَ المسيح.
لِذا فإنَّ المَثَلَ هو عن هذا الأمر. فهو عنِ الكرازةِ بالإنجيل. فهذا هو ما يُعَلِّمُهُ. فهو عَنِ الكِرازةِ بالكلمةِ عنِ المَلِكِ ومَملكتِه، وإخبارِ النَّاسِ أنَّ يسوعَ هو المَلِك، وأنَّهُ جاءَ ليؤسِّسَ مَلكوتًا، وإخبارِ النَّاسِ عن طَبيعةِ المَلِكِ، وإخبارِ النَّاسِ عن كيفيَّةِ الدُّخولِ إلى مَلكوتِه، وإخبارِ النَّاسِ عن سِماتِ مَملكتِه، وعَمَّا يَعِدُ بأن يَفعلَهُ في الحياةِ والموتِ والأبديَّة. فهو عنِ الخبرِ السَّارِّ بشأنِ المَلِكِ ومَملكتِه، وعن قَبولِ المَلِكِ ودُخولِ مَلكوتِه. فَهُما شيءٌ واحدٌ ونفسُ الشَّيء. لِذا فإنَّنا نَتحدَّثُ عنِ الكِرازة.
نأتي الآنَ إلى أنواعِ التُّربة. وهذا هو الجُزءُ الرَّئيسيُّ في هذا المَثَل. فهو يَتحدَّثُ عن كيفيَّةِ تَجاوبِ النَّاسِ معَ الإنجيل. فعندما يُكرَزُ بهِ، كيفَ سيتجاوبون؟ والآن، لِنتحدَّث عن أنواعِ التُّربةِ قليلاً. فقد رأينا أنَّ هُناكَ أربعةَ أنواعٍ مِنَ التُّربة. واسمحوا لي أن أقولَ ما يَلي، وأريدُ منكم أن تَفهموه: كُلُّ أنواعِ التُّربةِ هي نَفسُها. فالتُّربةُ هي تُرابٌ وسَتَبقى تُرابًا سواءَ كانت تُربةً قاسيةً، أو تُربةً طَريَّةً، أو تُربةً وَسِخَةً توجدُ أحجارٌ تَحتَها، أو تُربةٌ وَسِخَةٌ توجدُ فيها أعشابٌ ضَارَّة. فالتُّربةُ هي تُرابٌ وستَبقى تُرابًا. والمَثَلُ يَتحدَّثُ عن نَفسِ الجُزءِ مِنَ العالَم.
فالمسألةُ لا تَختصُّ تَحديدًا بالتُّربة، بل إنَّ المسألةَ تَختصُّ بالشَّيءِ الَّذي أَثَّرَ في التُّربة، أي بالحالةِ الَّتي هي عليها. لِذا فإنَّ المَثَلَ يَقولُ إنَّهُ بمقدورِ كُلِّ النَّاسِ أن يَحصُلوا على البُذور. أليسَ كذلك؟ فكُلُّ تُربَةٍ تَستطيعُ الحُصولَ على البُذورِ إن تَمَّتْ حِراثَتُها وتَمَّ تَنظيفُها مِنَ الأعشابِ الضَّارَّة. لِذا فإنَّ المسألةَ هي كما يَلي، وهُنا يَكمُنُ مِفتاحُ المَثَل: إنَّ نَتيجةَ سَماعِ الإنجيلِ في حياةِ الإنسانِ تَتوقَّفُ على حالةِ قَلبِ ذلكَ الإنسان. هل فَهمتُم ذلك؟ هذا هو ما يُعَلِّمُهُ يَسوع. إنَّ نَتيجةَ الكِرازةِ بالإنجيلِ تتوقَّف على حالةِ قلبِ السَّامِع.
والآن، نحنُ نَعلمُ أنَّ التُّربةَ تُشيرُ إلى القبِ لأنَّ هذا هو ما يَقولُهُ لنا العَدد 19: "كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ [أين؟] فِي قَلْبِهِ". والقلبُ هو كلمة مُرادفة للتُّربة. أتَرَوْن؟ فالمسألةُ تَختصُّ بحالةِ القلب. فذلكَ يُقَرِّرُ قَبول الإنجيل. ويسوعُ يَقولُ لهؤلاءِ التَّلاميذ الَّذينَ كانوا يَقولونَ آنذاك: "يا رَبّ، ما الَّذي سيَحدث؟ فقد تَمَّ التَّجديفُ عليكَ، وتَمَّ رَفضُكَ. والمَلكوتُ لن يأتِ. وكُلُّ شيءٍ قد ضَاع. ما الَّذي سيَحدُثُ الآن؟"
وهو يَقول: "سوفَ أقولُ لكم ما الَّذي سيَحدُث: سوفَ تَخرجونَ كما فَعلتُ أنا وتَزرعون. فسوفَ تَزرعونَ الزَّرعَ الَّذي هو كلمة الله، وستَخرجونَ وتَكرِزونَ بنفسِ الرِّسالةِ عن نَفسِ المَلِكِ ونفسِ المَلكوت". "ولكن يا رَبّ، ما الَّذي سيَحدث؟" "هناكَ أمورٌ كثيرةٌ ستحدث. ولكنَّ ذلكَ سيتوقَّفُ على حالةِ قلبِ السَّامِع".
وأعتقدُ أنَّ النُّقطةَ الرَّئيسيَّةَ في هذا المَثَل [ويجب أن تَفهموا ذلك] هي تَشجيعُ الرُّسُل إذْ إنَّهُ ستكونُ هناكَ تُربة تُشبِهُ الطَّريق. ويجب أن تَعلموا ذلكَ وإلاَّ فإنَّكم قد تَصيرونَ وَاهِمين. وسوفَ تكونُ هناكَ تُربة مُحجِرَة، وتُربة مُمتلئة بالأعشابِ الضَّارَّة. ولكن ستكونُ هناكَ أيضًا تُربة جيِّدة تُعطي ثَمرًا ثلاثينَ، وسِتِّينَ، ومِئة. فهو مَثَلٌ مُشَجِّع. وهو مَثَلٌ يُساعِدُهم على القيامِ بعملِ الخدمةِ بحماسةٍ وتَرَقُّبٍ عَالِمينَ أنَّ اللهَ سيُعطي نَتائج.
والآن، إنَّ المُؤشِّرَ على الخلاصِ في التُّربة هو الثَّمر. وواحدةٌ مِن هذهِ الأنواعِ الأربعة مِنَ التُّربةِ هي الَّتي تُعطي ثَمرًا. وهذه نُقطة مُهمَّة جدًّا. فالخلاصُ يُلاحَظُ مِن خلالِ الثَّمَر. لا مِن خلالِ الأوراقِ، بل مِن خلالِ الثَّمر. وإن لم تَفهموا ذلكَ ستَشعرونَ بالتَّشويشِ عندَ قراءةِ المَثَل. لِذا، سوفَ نَلتقي أربعةَ أنواعٍ مِنَ السَّامِعينَ، وأربعةَ أنواعٍ مِنَ الأشخاصِ المُتجاوبينَ معَ الإنجيل. وَهُمْ يُمَثِّلونَ يَومَنا هذا. لِذا فإنَّ هذه الأشياءَ هي الَّتي ستُساعِدُنا على مَعرفتهم.
أوَّلاً، نحنُ نُسَمِّي هذا "القَلب غير المُتجاوب" أو السَّامِع المُشَبَّهُ بالطَّريق إذ نَقرأ في العدد 19: "كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيق". فالبُذورُ تَسقُطُ على سَطْحٍ قاسٍ فلا تَتمكَّنُ مِنَ اختراقِهِ. ثُمَّ إنَّ الطُّيورَ تُحَوِّمُ إلى أن يُديرَ المُزارِعُ ظَهرَهُ فتَنزِلُ وتَنقُرُ السَّطحَ وتأكُلُ البُذور. والبقيَّةُ (كما يَقولُ لوقا) تَدوسُهُ الأقدام.
والآن، ما المقصودُ هنا؟ إنَّ هذا الإنسانَ هو شخصٌ قاسي القلب. فالأمرُ بسيطٌ جدًّا. فهو إنسانُ يُسَمِّيهِ العهدُ القديمُ "غَليظ الرَّقبة". وهو إنسانٌ لا يَتجاوب، ولا يَتفاعَل، ولا يُبالي، ولا يَهتمّ، ولا يَكترِث، بل هو مُهمِلٌ ولا يُريدُ أن يَكونَ لهُ أيُّ شأنٍ بذلك. فإن ألقيتَ البُذورَ فإنَّها تَرتدُّ عنه. والشَّيطانُ مُمَثَّلٌ هُنا بالطُّيور. فهو الشِّرِّيرُ الَّذي يأتي ويَخطَفُ الكلمةَ حَتَّى إنَّهُ كما قالَ الرَّبُّ في جُزءٍ سابقٍ مِنَ الأصحاحِ نَفسِهِ يَفقِدُ ما لديهِ لأنَّهُ لا يَتجاوبُ مَعَها. فهو إهمالٌ يَمتلكُ خاصيَّةَ التَّدميرِ الذَّاتيّ.
بعبارة أخرى، هناكَ حالةٌ للقلبِ البشريِّ الَّذي بَقِيَ يَتعرَّضُ المرَّةَ تِلو المرَّة تِلو المرَّة لكثرةٍ مِنَ الخطايا الَّتي سلَبَتْهُ الحياةَ وجَعَلَتْهُ عَديمَ الحِسِّ تَمامًا. وهذا هو القلبُ الَّذي لا يَعرفُ التَّوبةَ، ولا يَعرِفُ الحُزنَ على الخطيَّة، ولا يَعرِفُ الشُّعورَ بالذَّنب، ولا يَعرِفُ الاهتمامَ بالأمورِ المُهمَّةِ حَقًّا؛ بل يَسمَحُ لنفسِهِ أن يَقترفَ المرَّة تِلو الأخرى تِلو الأخرى كَثرةً مِنَ الخطايا فيَدوسُ البذورَ بأقدامِهِ يومًا بعدَ يومٍ بعدَ يوم. فهو لا يَنكسِر، ولا يَلينُ أمامَ التَّبكيت، بل يَبقى قاسي القلب، ومُتحجِّر القلب، وعَديمَ المُبالاة.
وأعتقدُ أنَّ أفضلَ صُورةٍ لهذا الشَّخص هي صورةُ الأحمق في سِفْر الأمثال. الأحمقُ الَّذي يَكرَهُ المَعرفة، والأحمقُ الَّذي يَكرهُ التَّأديب، والأحمقُ الَّذي يَحتَقِرُ الحِكمة، والأحمقُ الَّذي يُقَسِّي عُنُقَهُ، والأحمقُ الَّذي يُقَسِّي قَلبَهُ، والأحمقُ الَّذي يَقولُ في قلبِهِ إنَّهُ لا يوجدُ إلَه. فهذا هو الأحمقُ الَّذي لن يَسمعَ، والذي يُغلِقُ ذِهنَهُ، والذي لا يُريدُ أن يُزعِجَهُ أحدٌ البتَّة، والذي يَقول: "اترُكونا وشأنَنا".
وقد التقيناهُ جميعًا. أليسَ كذلك؟ وما أعنيه هو: لقد بَذرتَ البِذارَ فارتدَّت وَحَسْب. فهي لم تَجِد أيَّ قَبولٍ ولم تَخترِق التُّربة. وهي لا تَبْقى هناكَ وقتًا طويلاً لأنَّ الشَّيطانَ يأتي ويَخطَفُها ويأخُذُها. وقد تقول: "وما المقصودُ بذلك؟" هذا هو نَفسُ ما جاءَ في رسالة كورنثوس الثَّانية 4: 4 إذْ نَقرأُ أنَّ الشَّيطانَ الَّذي هو إلَهُ هذا الدَّهرِ الَّذي "أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيح".
بعبارة أخرى، عندما لا يَتجاوبُ النَّاسُ معَ الإنجيلِ بصورة مَبدئيَّة، وعندما يُقَسُّونَ قُلوبَهُم ويُغَلِّظونَ رِقابَهُم، فإنَّ الشَّيطانَ يأتي ويَخطَفُ الكلمة. فهو يُعميهم عن رؤيةِ قيمَتِها الحقيقيَّة. وكيفَ يَفعلُ ذلك؟ هناكَ العديدُ مِنَ الطَّرائق. وواحدة مِنها هي أنَّهُ يُرسلُ مُعلِّمينَ كَذَبة ليقولوا أمورًا كثيرةً كاذبة. لا تُصَدِّقوا ذلك الشَّيء. وهناكَ طريقة أخرى يَخطَفُ فيها البذورَ وهي مِن خلالِ استغلالِ خَوفِ الإنسان. فالنَّاسُ لا يَتجاوبونَ معَ الإنجيلِ لأنَّهم يخافونَ مِن فُقدانِ سُمعتِهم أو مِنَ الطَّردِ مِن مَجموعتهم الصَّغيرة، أو لأنَّهم يَخافونَ مِن أن يَظُنَّ الآخرونَ أنَّهُم مُتطرِّفونَ دينيُّون.
وأحيانًا يَستخدِمُ الشَّيطانُ الكِبرياء. فالنَّاسُ يَتظاهرونَ بأنَّهم يَعرفونَ كُلَّ شيء. وَهُم لا يُريدونَ أن يُقِرُّوا بأنَّهم بحاجة إلى المساعدة، أو بأنَّهم بحاجة إلى معلومات، أو بأنَّ هناكَ أمورًا لا يَعرفونَها. وأحيانًا يَخطَفُ الشَّيطانُ الكلمةَ مِن خلالِ زَرْعِ الشَّكّ. وأحيانًا يَخطَفُها مِن خلالِ المُحاباة، وأحيانًا مِن خلالِ العِناد، وأحيانًا مِن خلالِ حُبِّ الإنسانِ للخطيَّةِ وعدمِ استعدادِهِ للتَّخلِّي عنها، وأحيانًا مِن خلالِ المُماطَلَة. ولكن سواءَ بهذه الطَّريقةِ، أو بتلكَ الطَّريقةِ، أو بعدَّةِ طَرائق، عندما تَسقُطُ البُذورُ على تلك الأرضِ القاسية فإنَّ الشَّيطانَ يَخطَفُها فَيَنسى الإنسانُ بسهولة شديدة أنَّها سَقَطَت هناكَ أصلاً.
وهناكَ أُناسٌ كثيرونَ هكذا. لِذا، أعتقدُ أنَّه يجبُ عليكَ أن تَفحصَ قَلبكَ في هذه اللَّحظة. هل أنتَ طَريقُ صُلبة وقاسية على حافةِ الحقل؟ فقد تكونُ على أعتابِ الدِّينِ ونشاطاتِه ولكنَّ الخطايا دَاسَت المرَّة تِلو المرَّة تِلو المرَّة تُربةَ قلبِكَ إلى أن صارت غيرَ صالحةٍ للزِّراعةِ وغيرَ مُتجاوبة البتَّة لله. فهناكَ أشخاصٌ هكذا. فهناكَ أشخاصٌ يَعيشونَ على الحَوافِ ويُغلقونَ قُلوبَهُم تمامًا عنِ الحق. لِذا، نحنُ نَتوقَّعُ ذلك. نحنُ نَتوقَّعُ ذلكَ عندما نَكرِزُ بالإنجيل. وقد قالَ يَسوع: "تَوقَّعوا ذلك".
وهناكَ نَوعٌ آخر، وذلكَ هو السَّامِعُ الَّذي يُشبِهُ الأرضَ المُحْجِرَة إذ نَقرأُ في العدد 20: "وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ". والآن، أنا أُحِبُّ ما قيلَ هُنا. فهذا شخصٌ يَسمعُ الكلمة ويَقبَلُها حالاً بفرح. والمعنى المقصودُ هنا هو أنَّهُ لا يُفَكِّرُ في الأمرِ كثيرًا. فهو يتجاوبُ بسرعةٍ مُدهشة. فهو قَرارٌ عاطفيٌّ، ونَشوةٌ، وحَماسةٌ مُباشِرَةٌ دُونَ حِسابٍ للتَّكلُفة، ودُونَ فَهمٍ للأهميَّةِ الحقيقيَّةِ لذلك.
فهناكَ عاطفة دافئة، وهناك شُعورٌ جميلٌ، وهناكَ فَرَحٌ كَبيرٌ فَتُنبِتُ الحُبوبُ فوقَ التُّربة. فكُلُّ الطَّاقةِ تَذهبُ إلى أعلى وتَظهَرُ خَارجيًّا. وهي تَظهرُ خارجيًّا لأنَّهُ لا يوجد شيء في الأسفل لأنَّ تلك الطَّبقةِ الصَّخريَّةِ ما تَزالُ موجودة وتُقاوِمُ التَّوبةَ الحقيقيَّةَ، والانكسارَ الحَقيقيَّ، والنَّدَمَ الحَقيقيَّ. فهناكَ سَطْحٌ طَرِيٌّ فقط. هذا هو كُلُّ ما في الأمر. وهناكَ أشخاصٌ هكذا. فَهُم لا يُعالجونَ المُشكلةَ الحقيقيَّةَ، بل يَنْضَمُّونَ وَحَسْب إلى فَريقِ يَسوع. فالأمرُ يَبدو جيِّدًا جدًّا.
وكما تَعلمونَ، فإنَّنا نَنظُرُ إليهم ونَرى ذلك البُرعُم في الأعلى. وقد يَرتفعُ ذلك البُرعم أكثر وأسرع مِن بقيَّةِ النَّاسِ الَّذينَ سيُثمِرونَ حَقًّا لأنَّ كُلَّ الطَّاقةِ مُوجَّهة إلى أعلى. وهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ نَقولُ عنهم: "آه! هذا حَقيقيّ. هذا حَقيقيّ! انظروا إلى فَرَحِهم! انظروا إلى دُموعِهم وفَرَحِهم! لا بُدَّ أنَّ إيمانَهُم حَقيقيّ". هل رأيتُم ذلكَ مِن قَبل؟ وبعدَ ثلاثة أشهر، يَختفي كُلُّ شيء. فهو يَختفي وَحَسْب. فكلُّ شيءٍ ظَاهرٍ هو مُجرَّدُ مَشاعر.
رُبَّما كانوا يَرغبونَ في الانتماء، أو رُبَّما كانوا يَرغبونَ في الزَّواج. فرُبَّما قلتَ ذاتَ يومٍ للفتاةِ الَّتي تُحِبُّها: "أنا مُؤمِن"، فقالتِ الفتاةُ: حسنًا". ثُمَّ إنَّها فَرِحَت وتَحَمَّست؛ ولكنَّهُ ليسَ الفَرَح النَّاجِم عنِ الإيمان. أو رُبَّما كانَ هُناكَ شَخصٌ يَمُرُّ في مُشكلةٍ عويصةٍ والتجأَ إلى المسيحيَّةِ فشعرَ بتلك المشاعر حالاً وقال: "أنا أشعرُ بذلك. إنَّ اللهَ في صَفِّي". أو رُبَّما حَدَثَ ذلكَ بسببِ كِرازةٍ غير كافية. وهناكَ الكَثيرُ مِن هذه الكِرازة كَما تَعلمونَ إذْ إنَّ هؤلاءِ الكارِزينَ يَتحدَّثونَ وَحَسْب عن علاقةٍ بيسوعَ تَجعَلُكَ فَرِحًا ومَحظوظًا.
لِذا فإنَّ هؤلاءِ يَنضمُّونَ إلى فَريقِ يسوعَ فيشعرونَ بسعادةٍ وفرحٍ لأنَّهم يَنتمونَ إلى مَجموعة، ولأنَّهم وَجدوا قَبولاً لأنَّكم كنتم لُطفاءَ مَعَهم. وَهُم يَشعرونَ بأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرام، وأنَّ كلَّ شيءٍ رائعٌ حَقًّا؛ ولكنَّهم لم يَحرُثوا حَقًّا التُّربةَ في الأسفل. فَهُم يُشبهونَ الرَّجُلَ الَّذي بَنى بيتًا على ماذا؟ على الرَّمل. فقد بَنوا بَيتًا جَميلاً. وما أعنيه هو أنَّ البيتَ قائمٌ. فالجُدرانُ الدِّينيَّةُ قائمة؛ ولكن لا يوجدُ ما يَسنِدُها. فهو فَرَحٌ سَطحيٌّ.
والآن، إذا نَظرتُم إلى الحقلِ نَظرةً مَبدئيَّةً، لن تُلاحظوا حَقًّا هؤلاءِ الأشخاصَ إلاَّ بصفتِهم أشخاصًا بارِزينَ لأنَّهم أطولُ مِنَ الآخرينَ جميعًا. وقد تقول: "يا للعَجَب! يبدو إيمانُهم حَقيقيًّا! انظروا إلى ذلك! أليسَ ذلكَ الأمرُ رائعًا؟" ثُمَّ إنَّكَ تعودُ لاحقًا عندَما يأتي الصَّيفُ، ويَقِلُّ المَطَرُ، وتَصيرُ الشَّمسُ حارَّةً جدًّا فتَكتشِف أنَّهُم ماتوا. ونَقرأُ في العدد 21: "وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِين". فهو لم يَنَل الفِداء، بل قَبِلَ البِذرةَ فقط؛ ولكنَّ إيمانَهُ ليسَ حَقيقيًّا حَقًّا.
"بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ". وما الَّذي يَكشِفُ زِيْفَ إيمانِه؟ الضِّيقُ والاضطهاد ("ثليبسيس" – "thlipsis"). فالضَّغطُ والألمُ يَحدثانِ مِن أجلِ الكلمة لأنَّكَ تَنتمي إلى المسيح، ولأنَّكَ تَعيشُ كلمةَ الله، ولأنَّكَ اقترنتَ بالربِّ يسوعَ المسيح. وفجأةً يأتي الضَّغطُ. وقد يكونُ هناكَ ضَغطٌ منذُ بدايةِ حياتِكَ المسيحيَّة. وقد يَحدُثُ ضَغطٌ في وقتٍ لاحق.
والنَّاسُ حَولَكَ يَقولون: "أريدُ منكَ أن تَأتي إلى درسِ كِتابٍ مُقَدَّس"، أو: "أريدُ أن ألتقيكَ حَتَّى نُصَلِّي معًا"، أو: "أريدُ أن أُتَلمِذَكَ". وفجأةً، سوفَ تَشعُرُ بالضَّغط. ثُمَّ قد يَحدثُ اضطهادٌ. فأنتَ مُؤمِنٌ. والآن، قد يَبتدئُ النَّاسُ في التَّحدُّثِ عنك. وقد يَبتدئونَ في مُهاجمتِك. وقد يَبتدئونَ في انتقادِك. وهذا الشَّخصُ لن يتمكَّنَ مِنَ الصُّمودِ لأنَّهُ ليسَ لَهُ أصلٌ في ذاتِه. فلا يوجد فيهِ عُمق.
ومِن شأنِ هذا أن يَكشِفَ أنَّ إيمانَهُم ليسَ حَقيقيًّا. وَهُم سيُقدِّمونَ الدَّليلَ على عدمِ صِدْقِ تَجاوُبِهم المَبدئيّ. وهذا أمرٌ مُدهشٌ حقًّا. أليسَ كذلك؟ وَهُوَ يُساعِدُنا كثيرًا لأنَّهُ يُخبرُنا أن نَتوقَّعَ مِثلَ هذا الأمر. ونحنُ نَعلمُ... أنا أعلمُ أنَّهُ عندما أُصَلِّي معَ شخصٍ ما وأدعوهُ لقَبولِ يسوعَ المسيح فإنَّهُ قد يكونُ شخصًا مِن هذا النَّوع. وعندما تَرى تَجاوبًا سريعًا جدًّا، ومُباشِرًا، وعاطفيًّا، هناكَ شيءٌ فيكَ يَقولُ إنَّ هذه قد تكونُ أرضًا مُحْجِرَةً. فأينَ هو العُمقُ والانكسارُ وحِسابُ النَّفَقة؟
وقد قالَ "ويليام آرنو" (William Arnot) في سنة 1896 في مَعرِضِ شَرحِهِ لهذا المَثَل: "إن لم يَعمل ناموسُ اللهِ على كَسْرِ القلبِ الحَجَرِيِّ وجَعلِهِ يَندَمُ ويَتواضَع، قد تَكونُ قد قَبلتَ الإنجيلَ في تُربةٍ سَطحيَّةً قَبولاً مُؤقَّتًا وصِرتَ شخصًا مُتديِّنًا بسهولةٍ وسُرعةٍ أكثرَ مِنَ الآخرينَ الَّذينَ قَبِلوه بعُمقٍ أكبر؛ ولكنَّكَ قد لا تَحتفظُ به. فالَّذي يَصبِر إلى المُنتَهى يَخلُص. والَّذي يَخُورُ في الطَّريقِ لن يَخلُص" [نهايةُ الاقتباس].
لِذا فإنَّنا نَتوقَّعُ ذلك. فهناكَ ضِيق وضَغط وألم لأجلِ المسيح. "وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى [في هذا الدَّهر]" (كما جاءَ في الرِّسالة الثَّانية إلى تيموثاوس 3: 12) "يُضطَهَدون". لِذا، عندما يأتي الاضطهادُ والضَّغطُ، فإنَّهُم يَختفون. وقد رأيناهُم هنا. وقد عَمَّدتُ أشخاصًا مِنهم. وحتَّى إنِّي صَلَّيتُ معَ أُناسٍ منهم. وقد صَرفتُ ساعاتٍ في تَلمذةِ بعضٍ منهم. ولكن لا يُمكنني أن أعرفَ حَقيقةَ إيمانِهم إلاَّ حينَ يأتي الضَّغط، وإلاَّ حينَ يأتي الاضطهاد.
ثُمَّ نَقرأُ في نهايةِ العدد 21: "فَحَالاً يَعْثُرُ". فَهُم يَعثُرون؛ وهي كلمة تُستخدمُ بصورةٍ رئيسيَّةٍ للإشارة إلى وَضْعِ الطُّعْمِ في الفَخّ. فَهُم يَقَعونَ في الفَخّ، ويَعثرونَ، ويَسقطون. لِذا، احذروا مِنَ الاهتداءِ الَّذي يَكونُ كُلُّه ابتسامات وأفراحًا ويَفتَقِرُ إلى السِّماتِ المَذكورةِ في التَّطويبات. واحذروا مِن ذلكَ الاهتداء السَّطحيَّ الَّذي يَحدُثُ غالبًا اليومَ في الأماكِنِ الَّتي يُقَدَّمُ فيها الإنجيلُ تَقديمًا سَطحيًّا مِن خلالِ التِّلفِزيون ووسائلَ أخرى.
والآن، لديَّ مُلاحظة هنا وهي أنَّ الضِّيقَ والاضطهادَ مُهمَّانِ جدًّا لملكوتِ اللهِ لأنَّ الضِّيقَ والاضطهادَ سيَفعلانِ شَيئين: أوَّلاً، سوفَ يَعملُ الضِّيقُ والاضطهادُ على كَشْفِ الأشخاصِ المُدَّعين. ثانيًا، سوفَ يَعملانِ على تَقويةِ المؤمنينَ الحقيقيِّين. أليسَ كذلك؟ فنحنُ نقرأُ في رسالة بُطرس الأولى 5: 10: "بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ". لِذا، يجب علينا حَقًّا أن نَرغبَ في ذلك لأنَّ الضِّيقَ والاضطهادَ يَكشِفُ الأشخاصَ الزَّائفينَ ويُقوِّي المؤمنينَ الحقيقيِّين. وهذا أمرٌ مُهمٌّ جدًّا.
فإن كانَ اعترافُكَ بالمسيح (أيًّا كانَ تَعريفُكَ للاعتراف)، إن كانَ اعترافُكَ بالمسيح (وأنا أتكلَّمُ عنكَ أنتَ شخصيًّا) لا يَنبُعُ مِن تَبكيتٍ داخليٍّ عَميقٍ على خطيَّتِك، ولا يَنبُعُ مِن شُعورٍ عميقٍ بالضَّياع، ولا يَنطوي على رغبةٍ شديدةٍ في أن يُطَهِّرَكَ الرَّبُّ ويُنَقِّيكَ ويُرشِدَكَ، وإن لم يَكُن اعترافُكَ بالمسيحِ يَنطوي على جُوعٍ شديدٍ لإنكارِ الذَّاتِ والتَّضحيةِ بالذَّاتِ والاستعدادِ للتَّألُّمِ لأجله، فإنَّكَ لا تَملِكُ جُذورًا. وهي مسألةُ وقتٍ وحَسْب.
وسوفَ يَحدُثُ شيءٌ فتَحترِق وتَموت لأنَّكَ لستَ مُستعدًّا (كما قالَ يسوعُ) لِحَمْلِ الصَّليبِ واتِّباعِه. وإن لم تَكُن مُستعدًّا لذلك فإنَّكَ لا تَستحقُّ أن تُدعى ماذا؟ تِلميذًا لَهُ. واللهُ هو الوحيدُ الَّذي يَستطيعُ أن يَكسِرَ ذلكَ القلبَ الحَجَرِيَّ. فإن كنتَ تَملِكُ قَلبًا كهذا، يجب عليكَ أن تُصَلِّي وتسألَ الرَّبَّ أن يَفعلَ بِكَ ما وَعَدَ أن يَفعلَهُ بإسرائيل في سِفْر حِزقيال 36: 26 عندما قال: "وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ".
أمَّا التَّجاوبُ الثَّالثُ فمَذكورٌ هُنا في العددِ الثَّاني والعِشرين: "وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ [الأعشابِ الضَّارَّةِ أوِ] الشَّوْكِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ". هل لاحظتُم أنَّهم جميعًا يَسمعونَ الكلمة؟ والكلمة تُشيرُ [مَرَّةً أخرى] إلى الزَّرع. "وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ" [أيِ الدُّنيويَّةُ يا أحبَّائي] "وَغُرُورُ الْغِنَى"؛ وهو القَلبُ النَّابِضُ للحياةِ الدُّنيويَّة، أوِ العَيشُ لأجلِ الأشياءِ المألوفةِ، والعيشُ لأجلِ الأشياءِ الَّتي في هذا العالَم. "هَمُّ هذا العالَم"؛ أي أن يَكونَ شُغْلُكَ الشَّاغِلُ هو مِهنَتكَ، أو مَنزِلكَ، أو سَيَّارَتكَ، أو عَمَلكَ، أو مَلابِسكَ، أو مَظهَركَ الخارجيّ، أو شَكْلكَ.
فالغِنى خَادِعٌ. فهو يَخدَع. إنَّهُ يَخدَعُ قُلوبًا كثيرةً جدًّا. اقرأوا ما جاءَ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاح السَّادس. فالغِنى خادِعٌ. ومَحبَّةُ المالِ أصلٌ لكُلِّ الشُّرور. لِذا فإنَّهُ يقولُ إنَّ هناكَ... إنَّ هناكَ أشخاصًا يَسمعونَ، ولكنَّهم لا يُنَظِّفونَ تُربَتَهُم. فالعالَمُ ما يَزالُ هناك. والمالُ ما يَزالُ هناك. وهذا هو تَحديدًا ما قالَهُ يَسوعُ: "لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ". لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ تُبغِضوا الْوَاحِدَ وَتُحبُّوا الآخَرَ، أَوْ تَحتقروا الْوَاحِدَ وتُلازِمُوا الآخَرَ".
لِذا فقد قالَ يوحنَّا: "إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فإنَّ مَحَبَّةَ الآبِ..." [ماذا؟] "لَيْسَت فيه". فلا يُمكنكَ أن تَكونَ إنسانًا ذا رَأيَيْن. فالتُّربةُ المُثمرةُ ينبغي أن تُنَظَّفَ مِن تلكَ الأشياء. وهذا هو ما يَجعلُني مُقتَنِعًا تمامًا في قلبي بأنَّ الخلاصَ الحقيقيَّ لا يَحدُثُ إلاَّ عندما تكونُ هناكَ تَوبة حَقيقيَّة، وإلاَّ عندما يكونُ هناكَ استعدادٌ حَقيقيٌّ للتَّعامُلِ معَ الخطيَّةِ في الحياةِ. وهذا الخلاصُ هو عَمَلٌ عَظيمٌ قائمٌ على نِعمةِ الله.
لقد خَرَجَت وِزارةُ الزِّراعةِ الأمريكيَّة بنظامٍ جديدٍ في مُحاولةٍ مِنها لمساعدةِ المُزارعينَ في الزِّراعةِ وما إلى ذلك. فقد قاموا بإعدادِ مَحلولٍ يَحوي سِتَّة بالمِئة مِنَ الكُحولِ الإثيليّ. وعندما يَذهبُ المزارعونَ لزراعةِ حَقلٍ، يجب عليهم أن يَرُشُوا ذلكَ الحَقلَ بهذا المَحلولِ الَّذي يَحوي ستَّة بالمِئة مِنَ الكُحولِ الإثيليِّ الَّذي يَجعلُ الأعشابَ الضَّارَّةَ تَنمو. فالأعشابُ الضَّارَّةُ تُحبُّ ذلك.
فهي تَنبُتُ بسُرعةٍ جُنونيَّة. وهذه هي الغاية. فَهُم يَجعلونَ كُلَّ تلكَ الأعشابِ الضَّارَّة تَنمو. وحالَما تَنمو الأعشابُ الضَّارَّةُ وتَرتفعُ ويَكتملُ نُموُّها، يُمكنهم أن يَستأصلوها بأدواتِهم. وقد وَجدوا أنَّهُ عِوَضًا عنِ استئصالِ الأعشابِ الضَّارَّةِ في كُلِّ موسمٍ، فإنَّ ذلكَ الأسلوبَ يُريحُهم مِنها مُدَّةً طويلةً تَمتدُّ إلى أكثرِ مِن خمسِ سنواتٍ قبلَ أن يُضطرُّوا إلى استئصالِ أعشابٍ ضارَّةٍ جديدة.
وأعتقدُ أنَّ هناكَ وَجْهَ شَبَهٍ مُدهشٍ مِن هذا الجانب. فعندما تأتي إلى الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ، لا بُدَّ أن تكونَ مُستعدًّا لاستئصالِ كُلِّ تلكَ الأشياءِ؛ أي أن تَعترفَ بها وتَستأصِلَها. وأعتقدُ أنَّ هذا الأمرَ جُزءٌ مِنَ الاهتِداءِ الحَقيقيّ. وأنا أَعلمُ أنَّ هناكَ أشخاصًا يقولون: "لا ينبغي لكَ أن تَفعلَ أيَّ شيءٍ لكي تَخلُص، بل يَكفي أن تُؤمِنَ وَحَسْب". ولكنِّي أعتقدُ أنَّ ذلكَ يُشبِهُ كثيرًا الأرضَ المُحْجِرَةَ، ويُشبِهُ كثيرًا الأرضَ المُمتلئةَ بالأشواكِ أوِ الأعشابِ الضَّارَّة.
والآن، إنَّ التُّربة جَيِّدة، ولكنَّها غير نَظيفة. فهناكَ شخصٌ يُحاولُ أن يَتمسَّكَ بكُلِّ شيء. فهو يُريدُ في الوقتِ نَفسِهِ كلمةَ اللهِ ويُريدُ كُلَّ شيءٍ آخر. فهو يُريدُ كُلَّ شيءٍ آخر. والنُّقطةُ الجَوهريَّةُ الَّتي ذَكرتُها قبلَ بِضعِ دقائق هي أنَّ كُلَّ شيءٍ آخر وَثيقُ الصِّلةِ بتلكَ الأرض. فالأعشابُ الضَّارَّةُ تَنمو جيِّدًا. فهذا هو مَوطِنُها الأصليُّ. وعندما تَبذُرونَ البُذورَ فإنَّ هذه البُذورَ غَريبة عنها، ويجبُ الاعتناءُ بها، ورعايتُها، وتَنقيتُها. فهي لا تَستطيعُ أن تَنمو. فالأرضُ تَملِكُ مَواردَ مَحدودة تُعطيها. فهناكَ عَناصر غِذائيَّة مَحدودة فيها.
وإن كانتِ الأرضُ تُحاولُ أن تُعطي العناصرَ الغذائيَّة لتلكَ الأعشاب الضَّارَّة فإنَّها لن تَستطيع أو لن تَتمكَّن مِن إعطاءِ البُذورِ عَناصِرَ غِذائيَّة تَكفي لبقائِها. وهذه فِكرة مُهمَّة. فلا يوجد خطأ اقتَرَفَهُ هذا الزَّارع [بالمُناسبة]. ولا يوجد خطأ في البُذور. ولا يوجد خطأ في التُّربة أيضًا. ولكنَّ الحالةَ الَّتي هي عليها غير مُلائمة. فلا يُمكِنُ للنَّاسِ أن يَخلُصوا إن كانت قُلوبُهم ما تَزالُ مُنشغلةً بالأشياءِ الَّتي في هذا العالَم. فَتلكَ الأشياءُ تَخنِقُ الكلمة. فهي تَخنِقُها.
والآن، إنَّ كُلَّ هذهِ الآياتِ الَّتي قَرأناها حتَّى الآن تَترُكُنا بمشاعرَ سَلبيَّة تقولُ إنَّهُ سيكونُ هناكَ أُناسٌ يُقاومونَ تَمامًا وَحَسْب. ونحنُ نَعلمُ هذا كُلَّه. فسوفَ يكونُ هناكَ أشخاصٌ ينبتونَ بسرعة حَقًّا. وسيكونُ هناكَ أشخاصٌ يحاولونَ أن يَحصلوا على كُلِّ شيءٍ في نفسِ الوقت. وقد رأينا هؤلاءِ أيضًا. أليسَ كذلك؟ هل تَساءلتُم يومًا عنِ الأشخاصِ الَّذينَ تَقولُ لهم: "تَعالَ إلى الكنيسة"، ولكنَّهُ لم يُخصِّص وقتًا؟ أليسَ كذلك؟ فَهو يبدو دائمًا مُنهَمِكًا في أمورِ العالَم: المال، المِهنة، الشُّهرة. وهو يُريدُ دائمًا أن يُشبِعَ شَهوةَ الجسد.
فهو شَخصٌ يَقولُ دائمًا إنَّهُ مُؤمِنٌ، ولكنَّهُ لا يُظهرُ أمانةً في الزَّواج، ولا يُبالي بالحياةِ الطَّاهرة. أو رُبَّما يكونُ شخصًا يَعيشُ حَياتَهُ لأجلِ رِبْحٍ شَخصيٍّ، أو مَكانَةٍ شخصيَّة، أو مَالٍ شَخصيٍّ، أو مُمتلكاتٍ. فهذا هو هَدَفُهُ في الحياة. وقد يكونُ هذا الشَّخصُ تُربةً مُمتلئةً بالأعشابِ الضَّارَّة. ومعَ أنَّ الحُبوبَ قد تُبَرعِمُ وتَبدو بمَظهرٍ جيِّدٍ جدًّا، فإنَّها ستَختَنِقُ في النِّهايةِ وتَموت.
وقد رأينا جميعًا أشخاصًا كهؤلاء. وهناكَ أشخاصٌ كهؤلاء يَجلسونَ في هذا المكانِ الآن... أي أشخاصٌ منكم. فأنتُم لم تُنَظِّفوا يَومًا القُمامة، ولم تَتخلَّصوا يَومًا مِنَ العالَم، ولا مِن هَمِّ هذا العالَم، ولا مِن غُرورِ الغِنى. لِذلكَ فإنَّ البُذورَ تَختنِق. لِذا فإنَّ الرَّبَّ يَقولُ: "يجب عليكم أن تَتَقَبَّلوا ذلك". وهذا شيءٌ عَميقٌ جدًّا يا أحبَّائي. ولا يُمكنُني أن أُبالِغَ في قولِ ذلك. فعندما قالَ يسوعُ ذلك، كانَ كَلامُهُ كُلُّهُ نَبويًّا. وهذا هو تَمامًا ما نَراهُ يَحدُثُ في الكنيسةِ اليوم. وهذا هو ما نَراهُ يَحدُثُ في المَلكوت.
ونحنُ جَميعًا نَحُكُّ رُؤوسَنا ونقول: "أتدري! رُبَّما فَقدوا خَلاصَهُم!" ولكنَّ يسوعَ يقولُ هنا إنَّهم لم يَخلُصوا أصلاً. أليسَ كذلك؟ هذه هي النُّقطةُ الجوهريَّة. وما البُرهانُ على الخلاصِ في هذا المَثَل؟ ما هو؟ الثَّمَر. الثَّمَر. والأمرُ كذلكَ دائمًا. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 15 أنَّهُ إن لم تأتوا بِثَمَرٍ فإنَّهُ سيَقطَعُكُم ويَحرِقُكم. وهذا يعني أنَّ هُناكَ جَهَنَّمَ تَنتظرُ الأشخاصَ الَّذينَ لا يأتونَ بِثَمَر لأنَّهُ إن لم تَكُن على الكَرمة فإنَّكَ لستَ مُخَلَّصًا. فهذا هو مَعنى الانتماءِ إلى يسوع. فالإتيانُ بِثَمَرٍ هو البُرهانُ على الخلاص. بعبارة أخرى: المؤمنُ الحقيقيُّ يأتي بِثَمَر. وهذا يَقودُنا إلى التُّربةِ الأخيرة.
فنحنُ نَقرأُ في العدد 23: "وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ". ومَرقُسُ يَقولُ: "يَقبَل". ولوقا يَقولُ: "يَحفَظُها". "وَهُوَ الَّذِي يَأتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ". وهذه تُربة خِصبة جدًّا. فهي تُعطي مَحصولاً ثلاثة آلاف بالمِئة، وسِتَّة آلاف بالمِئة، وعشرة آلاف بالمِئة. والآن، أَلاَ لاحظتُم شيئًا هنا؟ إنَّ هذه الأرضَ هي مِثلُ بقيَّةِ الأراضي، ولكنَّها جَيِّدة بسببِ إعدادِها. فلا توجدُ فيها أعشابٌ ضارَّة، ولا حِجارة، ولا أسطُح قاسية.
وهذهِ، في اعتقادي، هي ذُروةُ المَثَلِ كُلِّه. فهذا هو المَوضِعُ الَّذي يُحاولُ الرَّبُّ أن يُوَجِّهَ أنظارَ تَلاميذِهِ إليه. فكأنَّهُ يقول: "توجدُ تُربةٌ جَيِّدة. هناك تُربة جيِّدة حَقًّا". أَلاَ تَعتقدونَ أنَّ هذا الوعدَ رائع؟ وما أعنيه هو: لقد التقينا جميعًا الأشخاصَ العَنيدين. أليسَ كذلك؟ وأنتَ تَمضي مُحبَطًا. ثُمَّ إنَّكَ تَلتقي الزَّرعَ الَّذي يُنْبِتُ بسرعة حَقًّا. وأنتَ تَتَحَمَّسُ جدًّا لذلك. ثُمَّ عندما يسقطُ ويَموت فإنَّكَ تقول: "يا للأسف!" وهذا أمرٌ مُحبِطٌ جدًّا. وقد التقينا جميعًا أشخاصًا كهؤلاءِ واستثمرنا وقتَنا وطاقَتَنا فيهم؛ ولكنَّهُم مُتَقَلِّبونَ ولا يُريدونَ أن يَتَخَلَّوْا عنِ العالَم. وأخيرًا فإنَّهم يَرتدُّونَ. ونحنَ نُحبَطُ ونتساءلُ إن كانَ الأمرُ يَستحقُّ كُلَّ هذا العَناء. ولكنَّنا نَلتقي أخيرًا هذهِ التُّربة فيقولُ اللهُ: "هُناكَ تُربة جَيِّدة". إنَّها موجودة. كونوا أُمناء.
لِذا يا أحبَّائي، فإنَّ البُرهانَ الحَقيقيَّ على الخلاصِ هو الإتْيانُ بِثَمَر... الإتْيانُ بِثَمَر. وما هو الثَّمَر؟ ما هو؟ إنَّهُ نَاتِجٌ. إنَّهُ البُرهانُ على حياةِ الله. وإن أردتُم كَلامًا مُبَسَّطًا، فإنَّ بولسَ عَبَّرَ عن ذلكَ كما يَلي: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ". بعبارة أخرى، أنتَ تَنظرُ إلى الحياة وتَرى لُطفًا، وصَلاحًا، وإيمانًا، ووداعةً، وتَعَفُّفًا، ومحبَّةً، وفَرَحًا، وسلامًا؟ وهل تَرى ذلكَ وقتًا طويلاً، وعلى فترة مُمتدَّة، وبصورة مُستمرَّة لأنَّ الثَّمرَ هو شيءٌ مُستمرّ؟ هذا هو ثَمَرُ المَواقِف.
ثُمَّ إنَّنا نَقرأُ في رسائلِ بولس إلى أهلِ كولوسي، وأهلِ تسالونيكي، وأهلِ فيلبُّس أنَّهُ ينبغي أن يكونَ هُناكَ ثَمَرُ السُّلوكِ البارّ. لِذا فإنَّ الثَّمرَ هو نوعٌ سَليمٌ مِنَ السُّلوك. والثَّمر هو نَوعٌ سَليمٌ مِنَ الأفعال. وبولُس يُخبرُنا في رسالتهِ إلى أهلِ رُومية أنَّ الثَّمرَ هو رِبْحُ النُّفوسِ إلى يسوعَ المسيح. فقد قال: "مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ... لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الأُمَم". فالثَّمَرُ هو عَمَلُ اللهِ الظَّاهِر مِن خلالِ السُّلوكِ، والظَّاهِر مِن خلالِ الأفعال. والثَّمرُ هو أن يقومَ اللهُ بإيجادِ واقعٍ رُوحيٍّ في حياتِنا.
فإن أَريتُموني شخصًا لا يُظهِرُ هذه الصِّفاتِ، أيْ شخصًا لا يُظهِرُ أفعالاً بارَّةً [حَسَبَ تَعريفِ اللهِ لها]، سأريكُم شخصًا [بَعيدًا عن أيَّة مَظاهِر خارجيَّة] سيَذبُلُ ويَموت. فالثَّمرُ هو النُّقطة الجوهريَّة. وحتَّى إنَّنا نَقرأُ في المزمورِ الأوَّل أنَّ المؤمنَ الحَقَّ [أيِ المؤمنَ الحَقيقيَّ] هو: "كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ... تُعْطِي [ماذا؟] ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ". فالثَّمرُ هو دائمًا البُرهانُ على الإيمانِ الحقيقيّ.
وفي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 15، نَقرأُ أنَّ الأغصانَ الحقيقيَّةَ أَثْمَرَت. وفي رسالة أفسُس 2: 10، يَقولُ بولس: "لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا". وهذا لا يعني أنَّكَ لن تُقدِمَ يَومًا على فِعلِ خَطيَّة، بل إنَّ المؤمنَ الحقيقيَّ لديهِ رغبة شديدة في أن يكونَ مُثمِرًا، وفي أن يَسمحَ للهِ بأن يُثمِرَ في حياتِه. وحتَّى عندما يُخفِق فإنَّهُ يَشعر بانكسارٍ شديدٍ على إخفاقِهِ لأنَّهُ يَرغبُ في أن يَرى اللهَ يَعمل.
والآن، لاحظوا فكرةَ أخرى أيضًا. نَقرأُ أنَّهُ سيكونُ هناكَ أُناسٌ سيُثمرونَ مِئَةَ ضِعفٍ، وأُناسٌ يُثمِرونَ سِتِّينَ ضِعفًا، وأُناسٌ ثلاثينَ ضِعفًا. فالمؤمنونَ لا يُثمرونَ بنفسِ المِقدار، بل إنَّ اللهَ يَستخدِمُ النَّاسَ بطرائقَ مُختلفة. وهناكَ مؤمنونَ لا يُحسِنونَ ضَبطَ أنفسِهم حقًّا؛ لذا فإنَّهم يَعيشونَ ويُثمرونَ ثلاثينَ ضِعفًا في حين أنَّهُ كانَ بمقدورهم أن يُثمروا سِتِّينَ ضِعفًا أو مِئةَ ضِعف. وعندما نقولُ إنَّ المؤمنينَ يُثمرونَ دائمًا، فإنَّنا لا نَعني بذلكَ أنَّ جميعَ المؤمنينَ سيُثمرونَ دائمًا كما ينبغي أن يُثمروا أو وَفقًا لقُدرتهم على الإثمار لأنَّه عندما نَعصي اللهَ فإنَّ ثَمَرَنا يتأثَّرُ سَلبيًّا بذلك.
ولكن ما أرغبُ في قولِه هو أنَّ جميعَ المؤمنينَ في هذه النُّقطة مِنَ المَثَل يَبتدئونَ بإثمارِ ثلاثينَ ضِعفًا. والثَّلاثونَ ضِعفًا هي أكثر بثلاثة أضعاف مِنَ الإثمارِ المألوف. لِذا فإنَّ المؤمنَ ليسَ شخصًا ينبغي أن تَبحثَ وراءَ الأوراقِ بحثًا عن ثَمَرةِ فاكِهَةٍ مُعَلَّقة على أَحَدِ أغصانِ حَياتِه، بل إنَّ المؤمنَ الحقيقيَّ هو شخصٌ ثَمَرُهُ وَفيرٌ وظاهِرٌ. وَهُوَ ثَمَرٌ يَزدادُ ازديادًا كبيرًا وواضحًا إلى أن يَصيرَ ثَمرًا عظيمًا جدًّا. فهذه هي الخُطَّة. فالمؤمنونَ الحقيقيُّونَ هُم أشخاصٌ مُثمِرون.
والآن، ما الَّذي يَقولُهُ الرَّبُّ في هذا المَثَل؟ اسمعوني جيِّدًا لكي نَستخلِصَ الدَّرسَ مِنهُ. إنَّهُ يَقولُ ما يَلي: "اذهبوا واكِرزا. واعلَموا هذا فيما تَكرِزون: أنَّكم ستُلاقونَ مُقاومةً، وأنَّكم ستُلاقونَ أشخاصًا يُظهرونَ اهتمامًا بالإنجيلِ وقتًا قصيرًا، وأنَّكم ستُلاقونَ أشخاصًا ذي رأيين لا يَستطيعونَ تَرْكَ حَياتِهم السَّابقة. ولكنَّكم ستُلاقونَ أيضًا أشخاصًا لديهم اهتمامٌ حَقيقيٌّ. وتَذكَّروا دائمًا أنَّكم ستُواجهونَ عَدُوًّا طَوالَ الوقت. والعَدوُّ مُعَرَّف تَعريفًا واضحًا جدًّا. أولاً، نَقرأ في العدد 19 أنَّهُ "الشِّرِّير" ("ها بونيروس" – ho poneros"): الشَّيطان، إبليس. فهو سيَفعلُ كُلَّ ما في مَقدورِهِ لإيقافِ ذلك.
ثانيًا: الجسد (في العدد 21). فالنَّاسُ يَتعرَّضونَ للضِّيقِ والاضطهادِ ولا يَستطيعونَ أن يَتحمَّلوا الحُزن. فَهُم يريدونَ أن يكونوا مُرتاحينَ، وأن يأكلوا ويَشربوا ويَعيشوا حياةً خاليةً مِنَ التَّعقيدات. وَهُم ليسوا مُستعدِّينَ لدفعِ النَّفقة أوِ التَّضحية. فالجسدُ عَدُوٌّ. وأخيرًا، نَقرأُ في العدد 22: "وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى". وهذه إشارة إلى العالَم. لِذا، هؤلاءِ هُمُ الأعداءُ الثَّلاثة للإنجيل: العالَم، والجسد، وإبليس. وهؤلاءِ جميعًا سيكونونَ حاضرينَ عندَ عَمليَّةِ الزَّرعِ ويحاولونَ تَعطيلَها.
والآن، هناكَ دُروسٌ عديدةٌ في الخِتام: أولاً، فَحص الذَّات: ما نَوعُ تُربَتِك؟ هذا هو الدَّرسُ الَّذي رأيناهُ هنا. مَا نَوعُ تُربَتِك؟ مِن أيِّ نوع؟ وليتَ اللهَ يُساعدُنا على أن نكونَ أرضًا جيِّدةً. أمَّا إن كُنتَ أرضًا تأتي الطُّيورُ وتأكُلُ البُذورَ عنها، يجبُ عليكَ أن تَسألَ اللهَ أن يَحرُثَ قَلبَك.
وإن كنتَ أرضًا مُحْجِرَةً مُغطَّاةً بطبقةٍ رقيقةٍ مِنَ التُّراب، يجب عليكَ أن تَسألَ اللهَ أن يَحرُثَ قلبَكَ عميقًا. وإن كنتَ أرضًا مُمتلئةً بالأعشابِ الضَّارَّة، يجب عليكَ أن تَسألَ الرَّبَّ أن يُطَهِّرَكَ لكي تَتمكَّنَ مِنَ قَبولِ الإنجيلِ بقلبٍ طاهر. إذًا، الدَّرسُ الأوَّلُ في هذا المَثَل هو أن تَنظُرَ إلى حياتِكَ الشخصيَّةِ وتَرى نَوعَ تُربَتِك.
وإليكُم الدَّرسَ الثَّاني، وأنا أُحبُّ هذا. فالدَّرسُ الثَّاني هو التَّالي: القَصدُ مِنَ المَثَلِ هو ليسَ مَوهبة الزَّارِع. هل فَهمتُم ذلك؟ فهو ليسَ مَوهبة الزَّارع. فإن أحضرتَ ولدًا صغيرًا حَافي القَدَمَيْن ولا يَتجاوزُ عُمرُهُ خمسَ سنواتٍ، قد يَرغبُ في الخُروجِ وَزَرْعِ الحَقلِ معَ أبيه. وأبوهُ يَعلمُ كيفَ يَفعلُ ذلكَ بطريقةٍ جميلة.
فهو يَزرعُ تلكَ البُذورَ بنظامٍ وترتيبٍ، والطِّفلُ يَسيرُ خَلفَهُ ويُلقي البُذورَ في جَميعِ أرجاءِ المكان. وهل تَعلمونَ شيئًا؟ قد لا تَقَعُ حُبوبٌ كثيرةٌ في الأرضِ الجيِّدة عندما يُلقيها ذلك الطِّفلُ الصَّغير كما يَحدُثُ عندما يَبذُرُها أبوه. ولكن عندما تَقَعُ البُذورُ في الأرضِ الجيِّدة، لا يَهُمُّ مَنِ الَّذي أَلقاها. أليسَ كذلك؟ فسوفَ تَنمو. فالأمرُ لا يَتوقَّفُ على مَوهبةِ الزَّارع. وهذا أمرٌ مِنَ المُهمِّ جدًّا أن تَعلموه.
فهناكَ أشخاصٌ يَقولون: "أودُّ أن أَكرِزَ بالإنجيل، وأودُّ أن أشهدَ عنِ الرَّبّ، ولكنِّي لستُ مَوهوبًا جدًّا". هذا لا يَهُمُّ كثيرًا. فإن كانَتِ البُذورُ لديكَ، أي كلمةُ الله، ابذُرها وَحَسْب. فالأمرُ يَتوقَّفُ على حالةِ التُّربة، لا على مَوهبةِ الزَّارع. وأنا أُدهَشُ دائمًا عندما أسمعُ أُناسًا يَقولون: "أتدري لو أنَّ فُلانًا آمَنَ فإنَّهُ سيَتمكَّنُ مِن جَذبِ أُناسٍ كثيرينَ جدًّا إلى الرَّبّ. لا، لا، لا، لا! أو: "لو أنَّ فُلانًا آمَنَ لَكانَ رابحًا عظيمًا للنُّفوس" لا، لا، لا، لا. لا! فالأمرُ لا يَتوقَّفُ على موهبةِ الزَّارع، بل على طبيعةِ التُّربة.
ولكنِ اسمحوا لي أن أقولَ لكم شيئًا يا أحبَّائي: كُلَّما بَذرتَ أكثر، زادت فُرصةُ سُقوطِ البُذورِ في أرضٍ جَيِّدة. وما أعنيه هو أنَّ هناكَ أشخاصًا يُلقونَ بِذرةً أو اثنتينِ فقط في السَّنة. وهذا قليلٌ حَقًّا. فيجب عليكَ أن تَستمرَّ في بَذرِ البِذار. وحينئذٍ ستُدهَشُ مِن كثرةِ التُّربةِ الجيِّدة الموجودة بِغَضِّ النَّظرِ عن عدمِ مَهارتِكَ كَزارِع.
ثُمَّ تَذَكَّروا ما يَلي: أنَّ الرَّبَّ يَعودُ أحيانًا ويَحرُثُ الأرضَ الَّتي لم تَحصل على الحُبوبِ في المرَّة الأولى. لِذا، لا تَستسلِم. والحقيقةُ هي أنَّهم يَزرعونَ بطريقةٍ غريبة أحيانًا في فلسطين؛ وهو أمرٌ مُدهش حَقًّا. فَهُم يَبذرونَ البِذارَ أوَّلاً، ثُمَّ يَحرثونَ الأرضَ بعدَ ذلك. فأحيانًا، يجب عليكَ أن تَبذُرَ البِذارَ، أي أن تُلقيها وَحَسْب. ولكن قبلَ أن تأتي الطُّيورُ وتأكُلها، فإنَّ الرُّوحَ القُدُس يأتي ويَحرُثُ التُّربةَ ويَغرُسُها فيها.
لِذا، كُن أمينًا. فالتُّربةُ المُحجِرَةُ، والتُّربةُ السَّطحيَّةُ، والتُّربةُ المُمتلئة بالأعشابِ الضَّارَّة قد لا تَبقى دائمًا على تلك الحال. فاللهُ قد يَعملُ بنعمتِه في تلك التُّربة. لِذا، استمرَّ في إلقاءِ البِذارِ في نفسِ ذلك الحقل المرَّة تِلو المرَّة تِلو المرَّة تِلو المرَّة وانظر كيفَ يَعملُ اللهُ في تلك التُّربة. إنَّ الدُّروسَ واضحة جدًّا. افحَص حياتَكَ، واحرِص على اتِّباعِ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ وبَذْرِ البِذار.
يا أبانا، نَشكُرُكَ مَرَّةً أخرى في هذا الصَّباح لأنَّنا حَظَينا بهذا الامتيازِ للتَّأمُّلِ في كلمتِك. ساعِدنا في المقامِ الأوَّل على أن نَفحَصَ أنفسَنا ونَرى مَدى صِدقِ قُلوبِنا، ونَرى نَوعَ التُّربةِ الَّتي لدينا حَقًّا. نحنُ نَعلمُ أنَّ جميعَ النَّاسِ يستطيعونَ الحُصولَ على البذور، ولكنَّ تُربتَهُم ليست سليمةً. يا أبانا، إن كانَ هناكَ أشخاصٌ بيننا في هذا الصَّباح مِن أصحابِ القلوبِ القاسية، أوِ الأعناقِ الصُّلبة، اعمل في قلوبهم واجعلها لَيِّنَةً. وإن كانَ هناكَ أشخاصٌ ذو تُربةٍ سَطحيَّة، ادخُل إلى أعماقِ حياتِهم وتَغَلغَل إلى تلك الأماكِنِ... إلى تلكَ الأماكِنِ الصُّلبة، وإلى تلك الأماكنِ الَّتي فيها مُقاومة واكسرها.
وفيما يَخُصُّ الأشخاصَ الَّذينَ تَمتلئُ حياتُهم بالأشواكِ والأعشابِ الضَّارَّةِ، والَّذين ما زالوا غارِقينَ في هُمومِ هذا العالمِ، وفي غُرورِ الغِنى، وفي نِظامِ هذا العالَمِ، وفي الخَطايا الَّتي في هذه الحياة، وفي الأشياءِ النَّابعةِ مِن شَهَواتِهم، طَهِّرهُم يا رَبّ لكي يَتوبوا تَوبةً حقيقيَّةً ويُؤمنوا بالربِّ يسوعَ المسيح.
ويا رَبُّ، فيما يَختصُّ بِنا نحنُ الَّذينَ نُحِبُّكَ، أعطِنا تلكَ الأماكِنَ الَّتي نَجِدُ فيها الأرضَ الصَّالحةَ، وساعِدنا على أن نَعلمَ أنَّ الأمرَ لا يَتوقَّفُ على الزَّارعِ الماهِر، بل على حالةِ التُّربةِ وقُدرةِ البِذرة. ساعِدنا على أن نَبذُرَ البُذورَ لكي تُعطي مِئةَ ضِعفٍ، وسِتِّينَ ضِعفًا، وثلاثينَ ضِعفًا. باسمِ المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.