
نأتي الآنَ إلى الأصحاحِ الثَّالث عشر مِن إنجيل مَتَّى. وأرجو أن يكونَ كِتابُكُم المُقدَّسُ جاهِزًا، وأن تَكونَ أذهانُكُم مَفتوحةً وقُلوبُكُم مُتاحَةً للرَّبِّ لأنَّ هناكَ أمورًا رائعةً جدًّا يريدُ اللهُ أن يُرينا إيَّاها في أثناءِ تأمُّلِنا في المَثَلِ الثَّاني في إنجيل مَتَّى والأصحاح 13. وهو مَثَلٌ عنِ الدَّينونة. مَثَلٌ عنِ الدَّينونة.
ومِن أجلِ تَهيئةِ أذهانِنا، يجب علينا أن نَتذكَّرَ أنَّ الرَّبَّ هو مَلِكُ الأرض. فالرَّبُّ يَسوعُ المسيحُ هو السَّيِّدُ على هذه الأرض. وكما يُخبرُنا العهدُ القديمُ فإنَّ اللهَ هو مَلِكُ الكَون، وأنَّهُ "للرَّبِّ الأرضُ وَمِلؤُهَا"، وأنَّ العَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاس. لِذا فإنَّنا نُؤكِّدُ أنَّ يسوعَ المسيحَ هو المَلِكُ على هذه الأرض. وفي نِطاقِ ذلك المَلكوت، مِنَ الواضحِ أنَّ الرَّبِّ يسوعَ يُعطي الشَّيطانَ قَدرًا مُعيَّنًا مِنَ الحُريَّة. وهو يُعطي الخُطاةَ قَدرًا مُعيَّنًا مِنَ الحُريَّة. وبالرَّغمِ مِن ذلك فإنَّهُ ما يَزالُ المَلِكُ عليها. فهو ما يَزالُ يَسود.
لِذا فإنَّ كُلَّ مَرحلةٍ مِنَ التَّاريخِ البشريِّ تُظهِرُ جانِبًا مِن سِيادةِ يسوعَ المسيحِ وسيادةِ اللهِ في العالَم. فلا توجد فترة لم يَكُن فيها مَلكوتُ اللهِ قائمًا على الأرض. ولكنَّ اللهَ يُقيمُ مَلكوتَهُ على الأرضِ مِن خلالِ البَشَر. ففي البداية، أقامَ اللهُ مَلكوتَهُ على الأرضِ مِن خلالِ آدم. فقد كانَ آدَمُ وَكيلَهُ. وقد كانَ آدَمُ نَائِبَهُ [إن جازَ القَول]. ثُمَّ جاءَ الآباءُ الَّذينَ أَقامَ اللهُ مِن خلالِهم مُلكَهُ. ثُمَّ جاءَ المُلوكُ، ثُمَّ الكَهنةُ والأنبياء، ثُمَّ الرَّبُّ يسوعُ المسيحُ المُتَجَسِّد.
ثُمَّ قامَ اللهُ [بالمَعنى الحَقيقيِّ] بتنفيذِ مَشيئَتِهِ ومُلْكِهِ مِن خلالِ الرُّسُلِ الَّذينَ كانُوا هُمْ ويسوعُ المسيحُ في الكنيسةِ الباكِرَةِ المَصدرَ الحَقيقيَّ الَّذي استَخدَمَهُ اللهُ للإعلانِ للبشرِ عن مَلكوتِه. وسوفَ يأتي وقتٌ في المُستقبل يُقيمُ اللهُ فيهِ مُلْكَهُ على الأرضِ مِن خلالِ الربِّ يسوعَ المسيحِ الحَيِّ، والمُرتَفِعِ، والمُمَجَّدِ، والمُتجسِّدِ. وهذا هو ما نُسَمِّيهِ: "المُلْك الألفيّ". وأخيرًا، سوفَ تَنْدَمِجُ الأرضُ والسَّماءُ في النِّهاية في مَملكةٍ أبديَّةٍ عندما تَصيرُ المَملكةُ الكَونيَّةُ والمَملكةُ الوَسيطَةُ على الأرضِ مَملكةً واحدةً تُمَثِّلُ الشَّيءَ نَفسَهُ.
والكِتابُ المُقدَّسُ يُحَدِّدُ كُلَّ هذه العَناصِرِ مِنْ مُلْكِ اللهِ على الأرض. وهناكَ عُنصرٌ واحدٌ لم نَذكُرهُ في سِلسلتِنا الصَّغيرةِ هذهِ وهو الفترةُ الواقعةُ بينَ رَفضِ المسيحِ وعودةِ المسيح؛ أيِ العَصرُ الَّذي نَعيشُ فيه. وهذا أيضًا عَصْرٌ يَملِكُ عليهِ يسوعُ المسيح. وهو أيضًا شَكلٌ مِن مَلكوتِه.
والكتابُ المقدَّسُ يَصِفُهُ في العهدِ الجديدِ بأنَّهُ الشَّكلُ السِّريُّ الَّذي لم يُعلَن في العهدِ القديم. فهو لم يُعلَن في العهدِ القديم. فتلكَ الفترة لم تُفَصَّل حَقًّا. أمَّا الآن، في تَعليمِ رَبِّنا في العهدِ الجديدِ، ولا سِيَّما في التَّعليمِ المُوَسَّعِ للرَّسولِ بولس، تَمَّ تَحديدُهُ بوضوحٍ لنا. فنحنُ نَعيشُ في ذلك العَصر.
ويُخبرُنا يسوعُ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 13 كيفَ سيكونُ ذلكَ العَصر. وهو يُحَدِّد لنا في سَبعةِ أمثالٍ سِمَةَ ونِطاقَ وقيمةَ واكتمالَ هذه الفترةِ الَّتي تُعرَفُ بالشَّكلِ السِّريِّ للمَلكوت. فاللهُ يُقيمُ مُلْكَهُ على الأرضِ مِن خلالِ كَنيستِه، أي مِن خلالِ المُؤمنينَ الَّذي يَسكُنُ فيهم الرُّوحُ القُدُس. ولم يَكُنِ التَّلاميذُ يَرَوْنَ هذهِ الفترةَ وذلكَ على غِرارِ أنبياءِ العهدِ القديمِ الَّذينَ لم يَرَوْها أيضًا.
لِذا، عندما جاءَ المَسيَّا، ظَنُّوا حالاً أنَّهُ سيؤسِّسُ مَملكتَه. وعندما يُؤسِّسُ مَملكتَهُ فإنَّ كُلَّ المُتمرِّدينَ وغيرَ المُؤمِنينَ سيَهلِكونَ حالاً، وستَملأُ القَداسةُ الأرضَ، وسيَملأُ البِرُّ الأرضَ، وستكونُ المَملكةُ كما تَخيَّلَها أنبياءُ العهدِ القديم. لِذا فقد كانوا مُهتمِّينَ دائمًا بالملكوتِ، وبِسِماتِهِ، وقُدرتِهِ، واكتمالِه.
وحتَّى بعدَ أن ماتَ يسوعُ على الصَّليب، كانَ ما يَزالُ هناكَ فُضولٌ بخصوصِ المَلكوت. فهذا هو ما كَلَّمَهُم عنهُ حَقًّا. فقبلَ مَوتِهِ، كانَ يُحدِّثُهم عنَ المَلكوت. وبعدَ قِيامَتِهِ، حَدَّثَهُم أكثر عنِ المَلكوت. وقد دَفَعَهُم ذلكَ إلى أن يَسألوه في الأصحاحِ الأولِ مِن سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والعددِ السَّادس: "يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ؟" هل في هذا الوقت؟ "فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ". هذا ليسَ مِن شأنِكُم.
فقد كانوا مُهتمِّينَ دائمًا بالمَلكوت. وقد قال: "ليسَ لكُم أن تَعرِفوا". ولكنَّ المَلاكَ قالَ: "إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا". فالملكوتُ سيأتي [كما قالوا]، ولكنَّهُ لن يأتِ إلاَّ بعدَ أن يَعودُ هو بِكُلِّ مِلئِهِ. فالملكوتُ الَّذي تَنتظرونَهُ، أي مَلكوتُ المَجدِ والبِرِّ والقداسةِ التَّامَّةِ، والمَلكوتُ الَّذي يَملِكُ فيهِ الربُّ يسوعُ بقضيبٍ مِن حَديدٍ ولا يَسمَحُ فيهِ بأيِّ شَرٍّ (وهو ذلكَ المَلكوتُ الَّذي كانَ الأنبياءُ يَنتظرونَهُ) يَنتظرُ عَودَتَهُ.
ولكن في تلكَ الأثناء، في تلكَ الأثناء، هناكَ شَكلٌ للمَلكوت. وذلكَ الشَّكلُ مَوصوفٌ بوصفِهِ سِرًّا. والآن، لقد كانَ مِنَ الصَّعبِ على الرُّسُلِ [في اعتقادي] أن يَفهموا ذلك لأنَّهُم لم يَرَوْه. فقد رأوا فقط التَّحقيقَ الكاملَ والمَجيد. والآن، لَعَلَّكُم تَذكرونَ ما رأيناهُ في المرَّة السَّابقة إذ إنَّ يسوعَ ابتدأَ يُخبرهم أمثالاً هُنا في إنجيل مَتَّى والأصحاح 13 لمساعدتهم على فَهمِ طَبيعةِ هذه الفترةِ الفاصلةِ الَّتي نَعيشُ فيها. وهي لم تَنْتَهِ بعد لأنَّ المسيحَ لم يأتِ بعد.
وهو يَبتدئُ بوَصفِها لهم. وأوَّلُ شيءٍ يَقولُهُ هو مَثَلُ الزَّارع. وهو يقولُ لهم إنَّهُ توجدُ أربعةُ أنواعٍ مِنَ التُّربة: التُّربةُ القاسيةِ والمُقاومةُ الَّتي لا تَستطيعُ البُذورُ أن تَتَغَلغَلَ فيها. ثُمَّ إنَّ هناكَ التُّربةَ الصَّخريَّةَ الَّتي تَدخُلُ فيها البُذورُ إلى عُمقٍ قَليلٍ وتَنبُتُ إلى حِين ثُمَّ تَموتُ لأنَّهُ ليسَ لها عُمق. ثُمَّ إنَّ هناكَ التُّربة المُمتلئة بالشَّوكِ أوِ الأعشابِ الضَّارَّة. فالبُذورُ تَسقُطُ فيها وتَنمو، ولكنَّها تَختَنِقُ بسببِ الأعشابِ الضَّارَّةِ والأشواكِ الَّتي تَملأُ تلكَ التُّربة. ثُمَّ رابعًا وأخيرًا، هناكَ التُّربةُ الجيِّدةُ الَّتي تُعطي ثَمَرًا حقيقيًّا.
ويسوعُ يَقولُ شَيئًا مُدهشًا. فهو يَقول: "في هذا الشَّكلِ مِنَ المَلكوت، لن يُؤمِنُ الجميع، ولن يكونُ إيمانُ الجميعِ حقيقيًّا، ولن يَأتي الجميعُ بثمرِ البِرّ". ويُمكنني أن أُساعِدَكُم وَحَسْب على أن تَفهموا إلى حَدٍّ مَا أنَّ هذه كانت حَقيقة صَادمة بالنِّسبة إلى التَّلاميذ. فَهُم لم يَتوقَّعوا مَلَكوتًا كهذا؛ أي مَلكوتًا مُختَلَطًا كهذا، أو مَلكوتًا يَضُمُّ الخيرَ والشَّرَّ معًا. فَهُم لم يَتوقَّعوا ذلك.
فما تَوقَّعوهُ هو مَلكوتُ بِرٍّ، ومَلَكوتُ مَجْدٍ مُقدَّسٍ يُدانُ فيهِ غيرُ المؤمنينَ دَينونةً شَديدة، ويُعاقبونَ فيه، ويَطردونَ منه، ويَهلِكون. وقد تَوقَّعوا ما يُسَمِّيهِ "باركلي" (Barclay): "بَشريَّةً جديدةً خاليةً مِنَ العَيبِ وُلِدت في المَلكوتِ وتَمَّ إهلاكُ الأعداء". لِذا بعدَ أن سَمِعوا المَثَلَ الأوَّل، رُبَّما قالوا في أنفسهم: "حسنًا! إذًا مِنَ المؤكَّدِ أنَّ هناكَ ثَلاثةَ أنواعٍ مِنَ الرَّافضينَ ونوعًا واحدًا مِنَ الأرضِ الجيِّدةِ والصَّالحةِ المُثمرة. فما الَّذي سيَحدُثُ للرَّافضين؟"
وأعتقد أنَّهم كانوا يُفَكِّرونَ في أنفسِهم بخصوصِ أولئكَ الفَرِّيسيِّين المُجَدِّفينَ في الأصحاحِ 12 الَّذينَ اتَّهموا يسوعَ بأنَّهُ مِنَ الشَّيطان ويقولون: "ما الَّذي ستَفعلُهُ بهم؟ ماذا سيَحدُثُ للرَّافضين؟ هل سيُعاقَبون؟ هل سيَهَلِكون؟" وقد كانَ لديهم سَبَبٌ قَويٌّ للإيمانِ بذلكَ لأنَّهم كانوا يَستَمِعونَ بلا شَكٍّ للتَّعليماتِ الَّتي جاءت على فَمِ يُوحنَّا المَعمدان الَّذي قال: "حينَ يأتي، سَيُعَمِّدُكُم بِنار". وقد كانتِ النَّارُ رَمزًا للدَّينونة. "الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ".
فنحنُ هُنا أمامَ يوحنَّا المَعمدان الَّذي جاءَ قبلَ يسوعَ المسيح مُباشَرةً. وهو لا يَستطيعُ حتَّى أن يَرى الفترةَ الفاصلة. فها هو ذاكَ النَّبيُّ الَّذي جاءَ قَبلَهُ مُباشَرةً يقول: "عندما يأتي إلى هُنا ستكونُ هناكَ نَارٌ تَحرِقُ كُلَّ التِّبنِ ولا يَبقى سِوى القَمح". لِذا، مِنَ الواضحِ جدًّا أنَّهم فَكَّروا في ذلك. وقد كانَ هذا كُلُّهُ أيضًا قائمًا على نُبوءاتِ العهدِ القديم. استمعوا إلى أجزاءٍ مُتفَرِّقة وَحَسْب مِنَ الأنبياء. وسوفَ أقرأُ هذهِ الآياتِ بسرعة. لِذا، دَوِّنوا الشَّواهِدَ إن أردتُم الاحتفاظَ بها.
سِفْر إشعياء والأصحاح الثَّاني. فقد نَظرَ إشعياءُ إلى المَلكوتِ وقال: "وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ»". ثُمَّ في العددِ الرَّابع: "فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ". لِذا، فقد رأوا أنَّ شريعةَ اللهِ وكلمةَ اللهِ وبِرَّ اللهِ (وَفقًا لكلماتِ إشعياء) تَسودُ على الأرض. فكُلُّ شخصٍ سيَقبلُ شَريعةَ اللهِ، وستكونُ هناكَ دينونة وتأديبٌ لِمَن يَرفضون.
وفي الأصحاحِ الحادي عَشَر مِن سِفْر إشعياء والعدد الثَّالث، عندما يأتي المَسِيَّا ويأتي المَلكوتُ، نَقرأُ: "وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ [أي لا يَقضي قَضاءً سَطحيًّا]، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ". بعبارة أخرى، سوفَ يَسودُ البِرُّ ويكونُ هُناكَ قَتْلٌ وإهلاكٌ ودَمارٌ للأشرار.
والآن، إن نَظرتُم إلى سِفْر إرْميا والأصحاحِ الحادي والثَّلاثين، ستجدونَ في كلماتِ إرْميا نفسَ النَّوعِ مِنَ النُّبوءات. فنحنُ نَقرأُ في الأصحاح 31 والعَدد 33 أنَّهُ عندما يأتي الرَّبُّ لتأسيسِ مَملكتِهِ مع إسرائيل فإنَّهُ سيَقطَعُ عَهدًا. فهو يَقول: "أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ". لِذا فإنَّ إرْميا يقولُ في الحقيقة الشَّيءَ نَفسَهُ. فسوفَ تكونُ مَملكةَ بِرٍّ، ومَملكةَ مَجدٍ، ومَملكةَ فَضيلة، ومَملكةَ قَداسة.
وفي الأصحاحِ العِشرين مِن سِفْر حِزْقيال، يَقولُ هذا النَّبيُّ الشَّيءَ نَفسَهُ: "وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ". وهذا هو السَّخَط في العدد 38: "وَأَعْزِلُ مِنْكُمُ الْمُتَمَرِّدِينَ وَالْعُصَاةَ عَلَيَّ". والآن، هذه عَيِّنة فقط. وتَجدونَ الشَّيءَ نَفسَهُ في الأصحاحِ الرَّابع عشر مِن سِفْر زَكريَّا.
فالنُّبوءاتُ كُلُّها كانت تقولُ إنَّ المسيَّا سيأتي، وإنَّهُ سيكونُ المَلِك، وإنَّهُ سيُؤسِّسُ مَملكةً، وإنَّهُ سيُهلِكُ غيرَ الأتقياء، ويُهلِكُ المُتمرِّدينَ، ويُهلِكُ غيرَ المؤمنين، وإنَّهُ سيُقيمُ البِرَّ على وَجهِ الأرض. وكُلُّ مَن يُؤمِن سيَسلُكُ في شَريعَتِه. لِذا فإنَّ المُشكلةَ الَّتي ظَهرت حالاً عندَ التَّلاميذِ هي: "إن لم يؤمن ثلاثةُ أنواعٍ مِنَ النَّاسِ في العالم، هل ستُهلِكهُم حالاً؟ هل هذا هو الوقت؟"
ومِنَ المُرَجَّحِ أنَّهُ عندما قالوا في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 1: 6: "هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ؟" كانوا يَقصِدونَ في الحقيقة: "هل هذا هو الوقتُ الَّذي ستُهلِك فيهِ غيرَ المؤمنين؟ هل هذا هو الوقتُ الَّذي سيُدانونَ فيه؟" كانَ هذا هو سؤالُهم حقًّا. لِذا، كانَ لا بُدَّ للرَّبِّ أن يَشرحَ لهم ما سيَفعلُهُ بغيرِ المؤمنينَ الَّذينَ سيعيشونَ على الأرضِ في أثناءِ هذا الشَّكلِ السِّرِّيِّ للمَلكوت.
وَهُوَ يَفعلُ ذلكَ في المَثَلِ الثَّاني. فهو يُجيبُ عن سؤالهم: "ما الَّذي سيَحدثُ لغيرِ المؤمنينَ في هذا الدَّهر؟" ويَبتدئُ ذلكَ المَثَلُ بالعدد 24 مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 13. ومَرَّةً أخرى، أعترفُ لكم أنَّ الربَّ الكُليَّ العِلْمِ (وهذا إسهابٌ في حَدِّ ذاتِه، ولكنِّي لا أجِدُ طريقةً أخرى للتَّأكيدِ على ذلك) أنَّ الرَّبَّ يسوعَ المسيحَ يَقولُ قِصَّةً بسيطةً تَحوي حقيقةً مُطلقةً تمامًا. وما أعنيه هو أنَّ عَقلي لم يَتمكَّن مِنَ استيعابِ ذلك. فقد عَجِزتُ عنِ استيعابِ ذلك.
فقد كانت الأفكارُ العظيمةُ تَتواردُ إلى ذهني. وكُلَّما وَرَدَت فكرة، أَعْقَبَتْها فِكرة أخرى بسرعةٍ لم أتمكَّن مِنَ استيعابها. وقد فَقَدْتُ كُلَّ الأفكارِ على الأرجح. فقد كانتِ الأفكارُ تَتواردُ بسرعة هائلة وشديدة لأنَّ هذا المَثَلَ يَحوي الكثيرَ جدًّا. وسوفَ أكتفي بقولِ أشياءٍ بسيطة جدًّا. ولكن لننظر إلى ثلاثة أشياء: القصَّة، والتَّفسير، والتَّطبيق. ونحنُ لسنا بحاجة إلى مُخَطَّطٍ غير هذا لأنَّ القصَّةَ تُفَسِّر نَفسَها بنفسِها.
العدد 24: "قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ قِائِلاً: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ". إذًا، هذا مَثَلٌ عن مَلكوتِ السَّماوات. وهذا مُرادِفُ لملكوتِ الله؛ أيِ المَلكوتِ الَّذي يُهيمِنُ اللهُ عليهِ مِنَ السَّماء. وما هو شَكلُه؟ الشَّكلُ السِّرِّيُّ. ولكنَّهُ كانَ يَمتدُّ إلى ما وراءِ ذلك بطريقةٍ ما. فما يَتِمُّ تَعليمُهُ في هذا المَثَلِ يَصِحُّ على الماضي ويَصِحُّ حتَّى على فترةِ المُلْكِ الألفيّ. لِذا فإنَّ نِطاقَهُ واسعٌ جدًّا.
ولكنَّهُ مَثَلٌ عن مُلْكِ اللهِ على الأرضِ في هذه الفترة. وهو يُشَبِّهُ هذا برَجُلٍ زَرَعَ زَرْعًا جيِّدًا في حَقلِه. إنَّ هذا الرَّجُل يَملِكُ الحَقلَ. فهو حَقلُه. تَذكَّروا هذا. فهو لا يَستعيرُ الأرضَ، بل هو حَقلُه. وهو يَزرعُ زَرعًا جَيِّدًا – لا زَرعًا عاديًّا أو زَرعًا مُتوسِّطًا، بل زَرعًا جيِّدًا. وكانَ هذا هو الأمرُ المُعتادُ في ذلكَ الجُزءِ مِنَ العالَم. فقد كانَ الجَليليُّونَ يَحرثونَ حُقولَهُم، ويُنظِّفونَها مِنَ الأعشابِ الضَّارَّة، ويُقَلِّبونَ التُّربةَ (إن كانوا مُزارعينَ حُكماء) للتَّخَلُّصِ مِن الأماكِنِ المُحجِرَةِ لكي تَجِدَ البُذورُ مَجالاً لِمَدِّ جُذورِها وإعطاءِ ثَمَر.
وهذا هو ما يَفعلُهُ هذا الرَّجُل. فهو يَزرعُ زَرعًا جَيِّدًا في حَقلِه. والبُذورُ الَّتي يَزرعُها هي مِنَ المَحصولِ السَّابق؛ أي مِن أفضلِ بُذورِ مَحصولِ هذه السَّنة. ثُمَّ نَقرأُ في العدد 25: "وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ...". وهذا يَعني أنَّ لَهُ أعوانًا يُساعِدونَهُ. فلا بُدَّ أنَّهُ كانَ رَجُلاً غَنيًّا. فقد كانَ يوجدُ أُناسٌ كثيرونَ يُساعِدونَهُ في الزَّرع. وقد كانوا نِيامًا. وهذا لا يَرجِعُ إلى أنَّهُم كانوا كَسَالى، بل إلى أنَّ الوقتَ كانَ لَيلاً. والإنسانُ الَّذي يَعملُ جاهِدًا لَهُ كُلُّ الحَقِّ والامتيازِ في أن يَستمتعَ بنومِهِ. لِذا فقد كانَ الوقتُ لَيلاً عندما "جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا" – وهي تَرجمة حَرفيَّة للكلمة "زيزانيا" (zizania).
وقد كانوا يُسَمُّونَ ذلكَ العُشبَ زَوانًا؛ وهو الاسمُ الشَّائعُ لَهُ، وليسَ زُؤانًا. إذًا فقد زَرَعَ زَوانًا فِي وَسْطِ الحِنْطَة". والعبارة "في وَسَط" هُنا هي تَعبيرٌ يُونانيٌّ قويٌّ جدًّا يَعني أنَّهُ زَرَعَهُ في كُلِّ مكان. "ومَضَى". وقد تَقول: "ما الَّذي يَفعَلُهُ هذا الشَّخص؟" نَقرأُ أنَّهُ كانَ عَدُوًّا. وواحدةٌ مِن أقوى الوسائلِ لإتلافِ مَحصولِ أحدِ المُزارعينَ هي زَرعِ الأعشابِ الضَّارَّةِ في حَقلِه. وقد تقول: "وهل كانوا يَفعلونَ ذلكَ كثيرًا؟" أجل! حَتَّى إنَّ الحكومةَ الرُّومانيَّةَ سَنَّتْ قانونًا يَنهى عنِ القيامِ بذلك ويُحَدِّدُ العُقوبةَ إن فَعلتَ ذلك.
فقد كانت تلك طريقة قويَّة لإتلافِ مَحصولِ مُزارعٍ آخرَ بأن تَملأَ حَقلَهُ بالأعشابِ الضَّارَّةِ وَحَسْب. وهذا هو تَمامًا ما فَعَلَهُ هذا العَدُوُّ. ثُمَّ إنَّهُ تَسَلَّلَ هَارِبًا تحتَ جُنْحِ اللَّيل. فقد مَضَى. فقد كانَ عَدُوًّا ماكِرًا يَعملُ في الخَفاءِ والسِّرِّ وفَعَلَ أمرًا مُريعًا. وبالمُناسبة، إنَّ الكلمة المُستخدمة هنا في اللُّغةِ اليونانيَّةِ لها مُرادِفٌ عِبريٌّ. فالكلمة "زيزانيون" (zizanion) تَقترِنُ بالكلمة "زاناه" (zanah) في اللُّغةِ العِبريَّةِ ومَعناها: "يَزني". لِذا فقد صارَتْ هذهِ الحِنطة غير نَقيَّة.
والأمرُ المُدهشُ هو أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تُمَيِّزَ الزَّوان عنِ الحِنطَة. فَهُما مُتشابهانِ جدًّا إلى أن تَنضُجَ السُّنبُلَة. لِذا، فقد زَرَعَ هذا العَدُوُّ (بدافعِ الحَسَدِ والمَرارةِ والغَضبِ والكَراهِيَةِ) زَوانًا في كُلِّ الحَقل. والعدد 26 يَقول: "فَلَمَّا طَلَعَ النَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَرًا، حِينَئِذٍ ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضًا". فقد تَبَيَّنَ في نُقطةٍ مَا خِلالَ مَرحلةِ النُّموِّ أنَّ هذهِ ليسَتْ حِنْطَةً.
"فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ [وَمِنَ المؤكَّدِ أنَّ هؤلاءِ كانوا يَعملونَ لدى صاحبِ الحَقل] وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعًا جَيِّدًا زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟" فقد صُدِمُوا. وَهُمْ لم يكونوا لِيُصدَموا لو كان هناكَ زَوانٌ قَليلٌ لأنَّ وُجودَ الزَّوانِ كانَ أمرًا شائعًا في تلك المنطقة. فهو عُشبٌ يَنمو في كُلِّ مَكان. ولكنَّهُم لم يَكونوا ليُصدَموا لو كانَ هناكَ زَوانٌ قَليلٌ لأنَّهم كانوا يَجدونَ دائمًا أعشابًا ينبغي لهم أن يَتخلَّصوا مِنها. ولكنَّهم صُدِموا لأنَّ الحَقلَ كانَ مُمتلئًا زَوانًا.
فقالَ لَهُم: سأقولُ لكم مِن أينَ أتى إذْ نَقرأُ في العدد 28: "إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا". لِذا فقد قالَ الخَدَمُ الَّذينَ كانوا يَرغبونَ في الدِّفاعِ عنِ المَحصولِ وسَيِّدِهم ومَصدَرِ رِزقِهم: "أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟" فيُمكنُنا الآنَ أن نُمَيِّزَ الزَّوانَ لأنَّ نُمَوَّهُ اكتملَ ونَستطيعُ أن نُلاحظَ الفَرق. فاللَّونُ كانَ مُختلِفًا. فقد كانَ لونُ الزَّوانِ رَماديًّا الآن. لِذا فقد قالوا: "يُمكنُنا أن نُفَرِّقَ بينَ الحِنطةِ والزَّوان. لِذا، سنَذهبُ إلى الحَقلِ ونَقلَعُ الزَّوان".
ولكنَّهُ قالَ لَهُم: "لا". فقد كانَ الزَّوانُ يَملأُ الحَقل. وكانَ الزَّوانُ قَريبًا جدًّا مِنَ الحِنطة. لِذا فقد قال: "لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ". لِذا، لا تَفعلوا شيئًا. وفي العدد 30: "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني". والآن، هذا هو المَثَل. إنَّها قصَّة بسيطة جدًّا يَسهُلُ فَهمُها. ولكن ما هو مَعناها؟ هذا هو ما أرادَ التَّلاميذُ أن يَعرفوه.
انظروا إلى العدد 36. فبعدَ أن قالَ يسوعُ مَثَلَيْنِ آخَرَيْن بعدَ هذا المَثَل، حانَ وقتُ تَفسيرِ المَثَل. وكما نَرى مِن خلالِ الأناجيلِ الأخرى، لقد فَسَّرَ كُلَّ الأمثالِ لهم لأنَّهم لم يكونوا ليَفهموها تمامًا بمُفردهم. ولكنَّ العدد 36 يَقول: "حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ". وهذه نُقطة مُهمَّة جدًّا. فقد صَرَفَ يَسوعُ الجُموع. ولماذا فَعَلَ ذلك؟ ارجِعوا إلى العددِ العاشِر: "فَتَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ»".
لماذا؟ بسببِ ما جاءَ في الأعداد 13-15. فَهُم لا يُؤمنونَ، ولا يَرَوْنَ، ولا يَسمعونَ، ولا يَفهمون. فقُلوبُهم قد غَلُظَت، وَآذَانَهُمْ قَدْ ثَقُلَ سَمَاعُهَا. وَغَمَّضُوا عُيُونَهُم. بعبارة أخرى، لأنَّهم لا يؤمنونَ بي، لن أشرحَ الحقَّ لهم. لِذا فإنَّني أُكَلِّمُهم بأمثال. وأمَّا أنتُم (في العَددين 16 و17) فقد أُعطيَ لكم أن تَعرفوا هذه الأشياء: "طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ". لِذا فإنَّكم ستَفهمون.
إذًا، لقد فَرَزَهُم عنِ البقيَّة، وأخذَ التَّلاميذَ فقط وعادَ إلى البيت. أيُّ بيت؟ البيتُ الَّذي خَرَجَ مِنه. والأرجحُ هو أنَّهُ منزلُ سِمعان بُطرس في كَفْرِناحوم. فقد رَجَعوا إلى المنزل. "فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ»". فقد أرادوا أن يَعلموا ذلك. فقد عادوا الآن إلى ذلك المنزل، أي أولئكَ الرُّسُل فقط. ونَقرأُ في إنجيل مَرقُس 4: 10: "سَأَلَهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ" أوِ "المؤمنون". لِذا فقد كانَ الحاضرونَ مُؤمنين. فَهُمُ الوحيدونَ الَّذينَ حَصَلوا على تَفسير. وهذا هو ما يَحدُث. فاللهُ لا يَكشِف حَقَّهُ إلاَّ لخاصَّتِه. وهو يُجيبُ عن أسئلتهم.
والآن، لاحظوا السُّؤالَ الَّذي سألوه. فقد أَطلقوا اسمًا على القصَّة معَ أنَّهُ لم يُطلِق عليها اسمًا. فهو لم يُطلِق عليها اسمًا، ولكنَّهُم فَعلوا ذلك. والعُنوانُ الَّذي استَخدموهُ هو: "مَثَل الزَّوان". وهذا يعني أنَّهم عَرَفوا أنَّ هذه هي السِّمة الرَّئيسيَّة. فقد عَرَفوا أنَّ القصَّة تتحدَّثُ عن تلكَ الأشياءِ الَّتي لا تَنتمي إلى الحَقلِ وكيفَ أنَّها ستَحترِقُ في النِّهاية. فقد عَرَفوا ذلك. فقد كانت هذه هي السِّمَة الَّتي أَوْلَوْها اهتمامًا. لِذا، عندما صاروا بمُفردهم وطَرَحوا السُّؤالَ، أجابَ يسوعُ عنِ السُّؤال. وقد كانوا بحاجة حَقًّا إلى جواب بسببِ التَّشويشِ الحاصِلِ بخصوصِ شكلِ المَلكوتِ الَّذي كانوا يَعيشونَ فيه.
هل تَعلمونَ كيفَ كانَ رَدُّ فِعلِهم كمُلاحظة هامشيَّة فقط؟ لو قالَ لَهُم: "انظروا! هناك ثلاثة أنواع مِنَ التُّربةِ الَّتي تُمَثِّلُ غيرَ المؤمنين، وهناكَ تُربةٌ واحدةٌ فقط تُمَثِّلُ المؤمنين. ماذا تُريدونَ أن تَفعلوا بتلك الأنواع الثَّلاثة مِنَ التُّربة؟" أنا أعلَمُ ماذا سيكونُ رَدُّهم. ويُمكنني أيضًا أن أَتوقَّعَ مَن مِنهُم سيُجيب. يعقوب ويوحنَّا. وهل تَعلمونَ ماذا سيقولان؟ "أرسِل نارًا مِنَ السَّماءِ وأحرِقهُم". وكيفَ تَعلمونَ أنَّهم كانوا سيقولونَ ذلك؟ لأنَّهم قالوا ذلكَ في وقتٍ سابق. فقد كانَ هذا هو رَدُّ فِعلِهم على عدمِ الإيمان.
وقد كانت تلك حَماسة قويَّة جدًّا. أحرِقهُم يا رَبّ. وقد ظَنُّوا أنَّهم كانوا يَقفونَ على أرضٍ صُلبة. وقد قالَ يوحنَّا المَعمدان إنَّهُ عندما سيأتي المَسيَّا فإنَّهُ سيَفعلُ ذلك. هل شَعرتم يومًا بهذه المشاعر تُجاهَ العالَمِ غير المؤمِن؟ "يا رَبّ، أَهْلِكْهُم!" إذًا، هذا هو ما كانوا يُفَكِّرونَ فيه. أَتَرَوْن؟ "يا رَبّ، لدينا فِكرة رائعة! أحرِقهُم جميعًا وأعطِنا المَلكوت". لِنَتَخلَّص مِنهم جميعًا. لِذا فقد كانوا بحاجة إلى المُساعدة. وهذا هو ما جَعَلَهُ يَشرَح لهم ما سيَحدُثُ للزَّوان؛ أي للأعشابِ الَّتي ليست حِنطةً.
لِنَنظُر إلى التَّفسير في العدد 37: "فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَان»". والآن، مَن هو ابنُ الإنسان؟ المسيح. فالمسيحُ هو ابنُ الإنسان. فهذا هو لَقَبُهُ الشَّائع. وهو يَستخدِمُ هذا اللَّقَبَ أكثر مِن أيِّ لقبٍ آخرَ للإشارة إلى نفسِه. والحقيقةُ هي أنَّ هذه العبارة لم تُستخدَم سوى مَرَّةً واحدة فقط في العهد الجديد مِن قِبَلِ شخصٍ آخر للإشارة إليه. وهو يَستخدِمُها لأنَّها تُشيرُ إليه في تَجَسُّدِه. فهي تُشيرُ إليهِ في نَاسوتِه.
وهي تُشيرُ إليهِ مِن جهةِ أنَّهُ يَشترك حَقًّا في حياتِنا. وهي تُشيرُ إليه بأنَّهُ يَجمَعُ كُلَّ الصِّفاتِ البشريَّةِ المُمكِنَة، وأنَّهُ الإنسانُ الكامِل. وهي تُشيرُ إليهِ بأنَّهُ آدمُ الثَّاني الَّذي يُمَثِّلُ الجنسَ البشريَّ. فهي لفظةٌ تُشيرُ إلى تَجَسُّدِهِ الفَريد. ولكنَّها أيضًا لَفظة مَسيحانيَّة. ففي سِفْر دانيال 7: 13، نَقرأُ أنَّ المَسيحَ سيُدعَى "ابن الإنسان". لِذا فإنَّهُ يُشيرُ إلى نَفسِهِ بأنَّهُ المَسيحُ أوِ اللهُ المُتَجَسِّدُ في ذلكَ اللَّقَب. فهو لَقَبٌ مُدهش.
وقد كانَ اليهودُ يَعلمونَ أنَّهُ لَقَبٌ مَسيحانيٌّ. ونحنُ نَعلمُ ذلكَ مِن خلالِ ما جاءَ في إنجيل لوقا 22: 69. فقد قالَ يسوعُ أمامَ مَجمَعِ اليهود: "مُنْذُ الآنَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ الله". وقد قالوا: "أَفَأَنْتَ ابْنُ اللهِ؟" فقد قالَ إنَّهُ ابنُ الإنسان. وقد قالوا إنَّهُ ابنُ الله. وهذا يعني أنَّهم كانوا يَعلمونَ أنَّ لَقَبَ "ابن الإنسانِ" هو لَقَبٌ مَسيحانيّ. لِذا فإنَّنا نَرى أنَّ الزَّارعَ هو الرَّبُّ يسوعُ المسيح. فهو الزَارِعُ الَّذي يَزرَع.
والآن، ما مَعنى ذلكَ بالنِّسبةِ إلينا؟ هناكَ دُروسٌ نَتَعَلَّمُها هُنا. فسوفَ نَتَعَلَّمُ بِضعةَ دُروسٍ في أثناءِ تأمُّلِنا في هذا النَّصّ. فهو يُخبرُنا أنَّ الرَّبَّ يَزرَعُ زَرعًا. أين؟ في حَقلِه. في حَقلِه. والآن، رُبَّما لاحظتُم أنَّهُ يقولُ في العدد 38 إنَّ الحَقلَ هو العالَم. إذًا، الرَّبُّ يَزرعُ زَرعًا في العالَم. وأودُّ أن أقولَ أيضًا إنَّ العالَمَ هو حَقلُه. فهو لَهُ. وهو صَاحِبُ السِّيادة. وهو صاحِبُ السُّلطان. وهو مَلِكُ الأرض.
وهو يُمسِكُ بيدِهِ صَكَّ المِلكيَّة معَ أنَّهُ لا يُطالِبُ بِحَقِّهِ فيها تمامًا كما سيَفعلُ في رُؤيا 6 عندما يَفتَحُ السِّفْرَ (الَّذي هو صَكُّ مِلكيَّةِ الأرضِ) ويَسترِدُّ الأرضَ. ولكنَّها لَهُ بالرَّغمِ مِن ذلك. فهي لَهُ بالرَّغمِ مِن ذلك. وكُلُّ الخليقةِ [بالمُناسبة] تَئِنُّ [كما جاءَ في رُومية 8] بانتظارِ أن يَسترِدَّ ما هو لَهُ.
لِذا فإنَّنا نَرى الرَّبَّ يَزرعُ زَرعًا في العالَمِ الَّذي هو لَهُ. فهو حَقلُه. وهي مَملكتُه. وما أعنيه هو أنَّهُ خَلَقَها. أليسَ كذلك؟ وهو وَضَعَ آدمَ وحَوَّاءَ فيها. وقد جاءَ الشَّيطانُ واغتصبَ كُلَّ شيء. ولكنَّها لَهُ. فقد خَلَقَها. وسوفَ يُطالِبُ بها. وهي لَهُ في تلك الأثناء. لِذا فإنَّ ابنَ الإنسانِ (الرَّبَّ يسوعَ المسيحَ) زَرَعَ زَرعًا في حَقلِهِ.
والآن، ماذا زَرَعَ؟ نَقرأُ أنَّ الزَّرعَ الجَيِّدَ هُم أولادُ المَلكوت. وما يَعنيهِ ذلك هو أنَّ الرَّبَّ يَضَعُ أولادَ المَلكوتِ في العالَم. فالأمرُ بسيطٌ جدًّا. وسوفَ تُدهشونَ مِنَ التَّعقيدِ الَّذي تَسَبَّبَ بِهِ النَّاسُ بسببِ طريقتهم في تَفسيرِ هذا المَثَل. فقد سَمِعتُ أُناسًا... أو في الحقيقةِ أنَّ أغلبيَّةَ المُفسِّرينَ الَّذينَ قرأتُ لَهُم (ورُبَّما قرأتُ عشرينَ كِتابًا مُختلفًا عن هذا المقطعِ تَحديدًا) يقولونَ إنَّ الحَقلَ هو الكنيسة، وإنَّ الحِنطةَ والزَّوانَ يَنموان معًا في الكنيسة. ولا بُدَّ أنَّكم جميعًا سَمِعتُم ذلك. فهذا هو التَّفسيرُ الشَّائع. ولكنَّ يسوعَ قالَ في العدد 38 إنَّ الحَقلَ هو العالَم.
ولا يبدو أنَّ الأمرَ صَعبٌ جدًّا. أليسَ كذلك؟ فقد تقول: "ولكن يجب عليكَ أن تُفَسِّرَ ما قَصَدَهُ". لا! فقد فَسَّرَ وَحَسْب ما قَصَدَهُ. أولاً، الحَقلُ هو مُجَرَّدُ حَقلٍ يَعملُ إنسانٌ على زِراعَتِه. ثُمَّ إنَّهُ قالَ إنَّ الحَقلَ هو العالَم. ثُمَّ إنَّكَ تأتي وتقول إنَّ العالَمَ هو الكنيسة. وقد يأتي أناسٌ في جيلٍ لاحقٍ ويقولونَ إنَّ الحَقلَ يعني الكنيسةَ المَعمدانيَّة. وقد يأتي جيلٌ آخرَ ويقول إنَّ الحَقلَ يعني الكنيسةَ المَعمدانيَّةَ الواقعةَ على النَّاصيةِ الفُلانيَّة. ولكن لا يُمكنكم أن تَفعلوا ذلك، بل ينبغي أن تَقبلوا التَّفسيرَ المُقَدَّم هنا. فقد قال الرَّبُّ إنَّ الحَقلَ هو العالَم. وهو يَعرِفُ الكلمة "كَنيسة". فلو أرادَ أن يَستخدِمَها لاستَخدَمَها. ولكنَّ الحَقلَ هو العالَم.
وما الَّذي يَقولُهُ النَّصُّ؟ إنَّ اللهَ يَزرَعُ أولادَهُ الَّذينَ يَنتمونَ إلى مَلكوتِهِ في كُلِّ أنحاءِ العالَم. وقد كانَ بمقدورِ التَّلاميذ أن يَفهموا ذلك. فَمِنَ المؤكَّدِ أنَّ الملكوتَ سيكونُ مَلكوتًا أرضيًّا. فاللهُ سيَضَعُ شَعبَهُ في جَميعِ أنحاءِ العالَم. ونحنُ لا نُلاقي صُعوبةً في قَبولِ ذلك. وبالمُناسبة، إن قُلتُم إنَّ الحَقلَ هو الكنيسة، ستُلاقونَ صُعوبةً كبيرةً جدًّا في تفسيرِ المَثَل وتُقحِمونَ أنفسَكُم في وَرطةٍ لا سَبيلَ إلى الخُروجِ مِنها لأنَّهُ عندما يقولُ العبيدُ لاحقًا: "هل يُمكنُنا أن نَقلَعَ الزَّوان؟" فإنَّ الرَّبَّ يَقول: "لا تَقلعوه. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا". وإن كانَ الحقلُ هو الكنيسة، لن يكونَ بِمَقدورِنا أن نُمارِسَ التَّأديبَ الكَنَسِيَّ، ولا أن نَكشِفَ شخصًا مُبْتَدِعًا، ولا أن نُوَبِّخَ أحدًا على خَطيَّة. ولكنَّ هذا يُخالِف ما تَقولُهُ لنا الرَّسائِل. فإن قُلتُم إنَّ الحَقلَ هو الكنيسة، ستُقحِمونَ أنفسَكُم حَقًّا في مَشاكِل. لِذا، اقبَلوا التَّفسيرَ الَّذي قَدَّمَهُ يَسوع. فالحَقلُ هو العالَم.
إذًا، هناكَ مؤمنون. وبالمُناسبة، إنَّ العبارة "بَنو المَلكوت" هي عبارة مُدهشة. فنحنُ بَنو المَلكوت. ونحنُ رَعايا الرَّبِّ يسوعَ المسيح. وقد زَرَعَنا اللهُ في العالَم، في عالَمِه. وهذه صورة لا للعالَمِ في الكنيسة، بل للكنيسةِ في العالَم. فقد تَمَّ وَضْعُنا في نِظامِ العالَم. ونحنُ الَّذينَ نُحِبُّ حَقًّا المَلِك، ونُؤكِّدُ حَقًّا رُبوبيَّتَهُ، ونَخضَعُ حَقًّا لسيادَتِه قد تَمَّ زَرْعُنا في العالَم.
وهذه فِكرةٌ رائعة. فكما تَعلمون، نحنُ لم نأتِ إلى هُنا بِمَحْضِ الصُّدفة، بل تَمَّ زَرعُنا مِن قِبَلِ الرَّبّ. أليسَ هذا الأمرُ عَظيمًا؟ في المكانِ الَّذي يُريدُنا فيهِ في العالَم. وهذا يُخبرني أيضًا أنَّهُ لا يَجوزُ لنا أن نَكونَ خارِجَ العالَم، ولا أن نَعْتَكِفَ في دَيْرٍ في مَكانٍ مَا، أو في صَوْمَعَةٍ مَا، ولا أن نَعيشَ في بيتٍ مُقَدَّسٍ في مَدينةٍ مُقدَّسةٍ في مَكانٍ مَا. فأنا أَذكُرُ شخصًا اسمُهُ "أورويل جاغرز" (Orwell Jaggers) باعَ أرضًا في "بالمديل" (Palmdale)، وكانَ يُريدُ أن يَبني مَدينةً خاليةً مِنَ الخطيَّة، وأن يَبني سُورًا حَولَها ويُبقي الخطيَّةَ في الخارج. وأنا أَعرفُ سَيِّدةً اشترت قِطعةً في تلك الأرض. فقد دَرَسْتُ معَ ابنِها.
ولكنَّنا لسنا مَدعوِّينَ إلى القيامِ بذلك، ولسنا مَدعوِّينَ إلى عَزْلِ أنفُسِنا، بل قد تَمَّ زَرْعُنا في العالَم. لِذا، في هذا المَلكوت، سوفَ يَتِمُّ زَرْعُنا في كُلِّ أنحاءِ العالَمِ لأسبابٍ عَديدة. أوَّلاً، نحنُ موجودونَ هناكَ لكي نَنضُجَ مِن خلالِ المَتاعبِ الَّتي يَضَعُها العالَمُ أمامَنا. أليسَ كذلك؟ فنحنُ نَقرأُ في رسالة بُطرس الأولى 5: 10: "بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ".
"فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا [إنجيل يوحنَّا 16: 33]: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَم". وقد قالَ يَعقوب إنَّ ذلك الضِّيق وتلك المَتاعِب والأشياء الَّتي تَحدُث في العالَم هي الَّتي تُسْهِمُ في نُضْجِنا وبُنيانِنا. لِذا فإنَّ الرَّبَّ زَرَعَنا هنا لكي نَنمو. وقد زَرَعَنا هنا أيضًا... هل أنتُم مُستعدُّونَ لِسَماعِ ما سأقول؟ لكي يَكونَ لنا تَأثير. لكي يَكونَ لنا تَأثير.
هذا هو ما يَقولُهُ المَثَلُ، ثُمَّ إنَّهُ يَصيرُ تَشبيهًا لحَقٍّ رُوحيٍّ. وهذه هي النُّقطةُ الَّتي يَصيرُ فيها تَشبيهًا. ولكنِّي أريدُ أن أُقَدِّمَ الفِكرة. فنحنُ موجودونَ في العالم لكي نَترُك تأثيرًا إيجابيًّا في الزُّؤانِ أوِ الزَّوان. فهل تَعلمونَ أنَّ كُلَّ مَن هو حِنطة الآن كانَ يَومًا زَوانًا؟ أليسَ كذلك؟ فقد كُنَّا جميعًا زَرعًا رَديئًا قبلَ أن نُؤمِن. أليسَ كذلك؟ وقد قالَ أحدُ الأشخاص: "هذا غير صحيح! فإن نَظرنا إلى الأمرِ مِن وُجهةِ نَظرِ التَّعيينِ السَّابقِ في اللاهُّوتِ الكالفينيِّ، سَنَجِدُ أنَّنا زُرِعْنا بِصِفَتِنا زَرعًا جَيِّدًا، وأنَّنا نَمَوْنا بِصِفَتِنا زَرعًا جَيِّدًا". لا! لا! فَبِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا تُؤمنونَ بهِ بخصوصِ سِيادةِ الله، وبِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا تُؤمنونَ بهِ بخصوصِ التَّعيينِ السَّابق، نحنُ أردياءٌ منذُ البداية.
لِذا فإنَّ الرَّبَّ يَضَعُنا في العالَمِ لا فقط لكي يُكَمِّلَنا ويَجعَلُنا نَنضُج مِن خلالِ الضَّغطِ النَّاجِمِ عنِ التَّجارب، بل للتَّأثيرِ في الزَّوان لتصيرَ حِنطةً مِثلَنا. فيجب أن يكونَ فِداؤُنا عامِلاً. لِذا فقد قالَ يسوعُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 17: "لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِن [ماذا؟] الشِّرِّير". لا يُمكِنُكَ أن تأخُذَهُم وَحَسْب. فيُفتَرَض بنا أن نكونَ في العالَم.
والآن، مَن نَحنُ في إطارِ العالَم؟ نَقرأُ في العدد 38 أنَّ الزُّوانَ، أوِ الزَّوان، أو "زيزانيا" (zizania) هُم بَنو الشِّرِّير. وهذه تَرجمة للكلمة "هو بونيروس" (ho poneros) مَرَّةً أخرى: الشِّرِّير أو إبليس. ونَقرأُ في العدد 39: "وَالْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيس". فهو الشرِّير. وهو يُسَمَّى كذلكَ في مَواضِع عَديدة في العهدِ الجديد: "الشِّرِّير". وأداةُ التَّعريفِ هُنا هي للتَّوكيد. فهو الأكثرُ شَرًّا. إنَّهُ "الشِّرِّيرُ" حَقًّا، أو أَشَرُّ جَميعِ الأشرار.
فأساسُ كِيانِهِ هو الشَّرّ. فهو ظُلمةٌ تَامَّة. وهو خَطأٌ مُطلَقٌ. وكُلُّ شخصٍ ليسَ ابنًا للمَلكوتِ هو ابنٌ للشرِّير. فهناكَ نَوعانِ مِنَ النَّاسِ في العالَم: بَنو المَلكوتِ، وبَنو الشرِّير.
فإن لم تَكُن ابنًا للمَلِكِ مِن خلالِ الخُضوعِ لِرُبوبيَّةِ يسوعَ المسيح، فإنَّكَ ابنٌ للشَّيطان. فالأمرُ بهذا الوضوحِ وهذهِ البَساطة. فإن كُنتَ في فَريقِهِ وتَعملُ تحتَ سُلطانِه، فإنَّ الأصحاحَ الثَّاني مِن رسالة أفسُس يَقول: "أنتُم تَسيرونَ وتَتحرَّكونَ وتَندفعونَ وتَتوجَّهونَ حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ الَّذِي يَعْمَلُ فِي أَبْنَاءِ المَعْصِيَة". فإن لم تَكُن خاضعًا لرُبوبيَّةِ المسيحِ فإنَّ مَن يَعملَ فيكَ هو الشَّيطان.
ففي إنجيل يوحنَّا 8: 44، قالَ يَسوعُ لقادةِ إسرائيلَ هؤلاء: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيس". وفي رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاحِ الثَّالث، يُبايِنُ يوحنَّا بينَ أبناءِ اللهِ وأبناءِ إبليس. وهذانِ هُما نَوعا النَّاسِ الموجودين. صَحيحٌ أنَّ الشَّرَّ مُتفاوِتٌ في تلكَ الفئةِ مِنَ بَني إبليس، ولكنَّهُم جميعًا بَنو إبليس. وصَحيحٌ أنَّ بعضًا منهم أسوأُ مِنَ الآخرين، ولكنَّهم جميعًا سَيِّئون. وَهُم جميعًا يُمَثِّلونَ الشَّيطانَ نَفسَهُ. وهذا هو المقصودُ بما جاءَ في رسالة يوحنَّا الأولى 5: 19 إذْ نَقرأُ أنَّ العالَمَ كُلَّهُ مَوضوعٌ في الشِّرِّير – العالَمَ كُلَّهُ.
وهناكَ جُملة مُدهشة [في اعتقادي] في الأصحاحِ الخامسِ والعدد 37 مِن إنجيلِ مَتَّى يَسهُلُ إغفالُها. فَهُنا، في الأصحاحِ الخامسِ، يُبايِنُ الرَّبُّ بينَ السُّلوكِ البَارِّ والسُّلوكِ غيرِ البَارّ. وهو يُلَخِّصُ ذلكَ في نهايةِ العدد 37 قائلاً: "وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّير". بعبارة أخرى، إن تَجاوزتَ ناموسَ اللهِ، أو نَاقضتَ ناموسَ اللهِ فإنَّ ذلكَ نابِعٌ مِنَ الشرِّير. وهذه جُملة لاهوتيَّة مُدهشة. فأصلُ الشَّرِّ هو مِنَ الشرِّير.
فاللهُ هو ليسَ مَصدر الشَّرّ، بل إنَّ الشَّرَّ يَأتي مِنَ الشرِّير. فهو العَدُوُّ [لاحظوا هذا] الَّذي يَزرَعُ أيضًا في الأرضِ الجيِّدة. ويُمكنكم أن تَروا في بدايةِ الخَليقةِ أنَّ اللهَ زَرَعَ بَني المَلكوتِ المُمَثَّلينَ في آدمَ وحَوَّاء. ثُمَّ إنَّ العَدوُّ جاءَ فيما النَّاسُ نِيامٌ وزَرَعَ هو أيضًا. والزَّرعانِ مُستمرَّانِ في العَيشِ معًا طَوالَ التَّاريخِ البشريِّ. لِذا فإنَّ الشَّيطانَ هو أصلُ الشَّرّ. فكُلُّ ما هو ليسَ مِنَ اللهِ (كما جاءَ في الأصحاحِ الخامسِ والعدد 37) هُوَ مِنَ الشِّرِّير. والنَّاسُ يَطرحونَ دائمًا السُّؤالَ التَّالي: "مِن أينَ جاءَ الشَّرّ؟" هذا هو مَصدَرُه: الشِّرِّير.
لِذا، عَودة إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 13، فإنَّ الرَّبَّ يَزرعُ مُؤمنينَ أو رعايا للمَلِكِ في العالَم، والشَّيطانَ يَزرعٌ أولادَهُ. وهذا يعني أنَّ العالَمَ يَضُمُّ كِلا الفَريقَيْن: رَعايا المَلِك، ورَعايا المُغتَصِبِ، أوِ النَّهَّابِ، أوِ العَدُّوِّ؛ أيِ الشَّيطانِ نَفسِهِ. وبالمُناسَبة، إنَّ الكلمة "إبليس" في العدد 39 هي تَرجمة للكلمة "دِيابوليس" (diapolis) وتَعني: عَدُوّ أو خَصْم. لِذا، نحنُ مُختَلِطونَ في العالَم. وهذه نُقطة مُهمَّة جدًّا. فقد كانَ الأمرُ هكذا منذُ القَديم، وهو سيكونُ كذلكَ في المَلكوتِ السِّرِّيّ إذْ إنَّ الفَريقَيْنِ سيَعيشانِ مَعًا.
وهناكَ بِضعة أشياء ينبغي أن نُلاحِظَها. فالشَّيطانُ – لقد قرأنا أنَّهُ عندما جاءَ العَدُوُّ زَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَة. ويَستخدِمُ مَتَّى لَفظةً قَويَّةً جدًّا جدًّا وفِكرةً شاملةً جدًّا للإشارة إلى أنَّهُ زَرَعَ الزَّوانَ في كُلِّ مكان. ويجب علينا أن نُلاحظَ هنا وَحَسْب أنَّ الشَّيطانَ لَديهِ أعوانٌ في كُلِّ مكان. وما أعنيه هو أنَّهُ زَرَعَهُم حَقًّا في كُلِّ مكان. والحقيقةُ هي أنَّهم يَحْتَلُّونَ في مَناطِق مُعيَّنة مِنَ العالَمِ أماكِنَ بأسرِها. فعلينا أن نَبحثَ طَويلاً مِن أجلِ العُثورِ على حِنطة. لِذا، هناكَ عَمليَّةُ زَرعٍ للزَّوان على نِطاقٍ واسِع. والشَّيطانُ يُحبُّ أن يَزرعَ الزَّوانَ على مَقرُبةٍ شديدةٍ مِنَ الحِنطة.
وهو يَزرعُ زَوانًا في الكنيسة. فهو يَزرعُهُ في الكنيسة إذْ إنَّنا نَقرأُ في إنجيل مَتَّى والأصحاحِ السَّابع أنَّ يَسوعَ سيقولُ: "اذْهَبُوا عَنِّي" لأولئكَ الَّذينَ يَقولونَ إنَّنا فَعَلنا كذا وفَعلنا كَذا باسمِك. "اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْم". يا فَاعِلي الإثم. فهو يَزرعُ عُمَّالَهُ الأشرارَ في الكنيسة. وعندما نَجِدُهم هنا فإنَّ لدينا تَعليماتٍ كِتابيَّة بأن نَطرُدَهُم. فالعهدُ الجديدُ واضحٌ بهذا الخُصوص. لِذا فإنَّ الشَّيطانَ يَزرعُ زَوانًا في وَسْطِ الحِنطةِ الَّتي يَزْرَعُها الله. وهذا هو تاريخُ العالَمِ يا أحبَّائي. ففي هذا النَّصِّ تَرَوْنَ ذلك. فاللهُ يَزرَعُ حِنطةً، والشَّيطانُ يَزرعُ زَوانًا. والأمرُ يَسيرُ على هذا المِنوالِ طَوالَ التَّاريخِ البَشريّ.
وعندما نأتي إلى المَلكوتِ السِّرِّيِّ، ستكونُ الحالُ كذلكَ أيضًا. فسوفَ يكونُ هناكَ أشخاصٌ على غِرارِ يَهوذا في وَسْطِ الرُّسُل. والآن، ما الَّذي يُحاولُ النَّصُّ أن يَقولَهُ لنا؟ إنَّهُ يقولُ إنَّنا نَعيشُ معًا. فنحنُ نَتَنَفَّسُ الهواءَ نَفسَهُ، ونأكُلُ الطَّعامَ نَفسَهُ، ونَقودُ سَيَّاراتِنا على الطُّرُقاتِ نَفسِها، ونَعيشُ في نفسِ الأحياءِ، ونَعملُ في نَفسِ المَصانِعِ، ونَذهبُ إلى نَفسِ المَدارِسِ، ونَزورُ نَفسَ الأطبَّاءِ، ونُسَلِّي أنفُسَنا بنفسِ وسائِلِ التَّرفيه، ونَعيشُ تحتَ نَفسِ السَّماء، ونتَمتَّعُ بنفسِ الشَّمسِ الدَّافئة، ونَستَنشِقُ الهَواءَ نَفسَهُ. والسَّماءُ تُمطِرُ على الأبرارِ والأشرارِ في هذا العَصرِ لأنَّ الحِنطةَ والزَّوانَ يَعيشانِ معًا إلى النِّهاية.
وهُنا نأتي إلى العدد 39، وهو عَدَدٌ مُهمٌّ جدًّا: "وَالْحَصَادُ هُوَ انْقِضَاءُ الْعَالَم". لماذا يَقولُ ذلك؟ لأنَّ التَّلاميذَ كانوا مُستعدِّينَ لاستخدامِ المِنجَلِ حالاً. وأنا لا أَختَلِفُ عنهم. فأنا أَعتَرِفُ بذلك. فأحيانًا، عندما تَرَوْنَ الشَّرَّ والرَّفضَ وعدمَ الإيمانِ والحُزنَ الَّذي يُسَبِّبُهُ العالَمُ للكنيسة، ولِقَصْدِ الرَّبِّ والنَّاسِ فإنَّكُم تَقولونَ وَحَسْب: "يا رَبّ، ألاَ نَزَلْتَ وأَهلكتَهُم!" ولا بُدَّ أنَّكُم تَفهمونَ داودَ حين صَرَخَ إلى اللهِ كي يُهْلِكَ أعداءَهُ. ولا بُدَّ أنَّكم تَفهمونَ أولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ رآهُم يُوحنَّا تحتَ المَذبحِ يَصرُخونَ إلى الرَّبِّ كي يَفعلَ شَيئًا مَا.
ولكنَّ الرَّبَّ يَقولُ هُنا: "لا تَتَعَجَّلوا. فالحصادُ سيكونُ في انقضاءِ الدَّهر". وهذه عِبارة مُهمَّة جدًّا تُستخدَمُ مَرَّاتٍ عديدة في إنجيل مَتَّى للإشارة إلى الهلاكِ التَّامِّ عندَ الدَّينونة، وللإشارة إلى ذلكَ الوقتِ النِّهائيِّ الَّذي سَيَدينُ اللهُ فيهِ الأشرار. وفي هذه النُّقطة، نَوَدُّ أن نَتحدَّثَ عن ذلكَ الجُزءِ مِنَ القِصَّةِ الَّذي قَالوا فيه: "هل تُريدُ مِنَّا أن نَقلَعَ الزَّوان؟ فيُمكِنُنا أن نُمَيِّزَهُ الآن. فقد اكتملَ نُمُوُّهُ. ونحنُ نَرى ذلك ونَعلَمُ مَن هُم هؤلاء. هل تُريدُ مِنَّا أن نَقتَلِعَهُم؟ والرَّبُّ يَقولُ: "لا! لا تَفعلوا ذلك".
لأنَّكُم إن اقتَلعتُم الزَّوان، قد تَفعلونَ ماذا؟ قد تَقتلعونَ جُزءًا مِنَ الحِنطةَ أيضًا. وقد تقول: "ما الَّذي يَقصِدُهُ هُنا؟ ما الَّذي يَعنيه؟" أعتقدُ أنَّهُ يَقولُ وَحَسْب إنَّكم إن حاولتُم أن تَدينوا العالَمَ مِن دونِ مَشورةٍ إلهيَّةٍ، سيَنتهي الأمرُ بِكُم بإدانةِ المؤمنين. وقد تقول: "مَهلاً مِن فَضلِك! ما مَعنى ذلك؟" اسمَحوا لي أن أَشرَحَ ذلك. هل تَعلمونَ ما الَّذي فَعَلَتْهُ الكنيسةُ طَوالَ تَاريخِها؟ لقد فَعلَت ذلكَ وَحَسْب.
فالكنيسةُ الكاثوليكيَّةُ الرُّومانيَّةُ [على سبيلِ المِثال] فَعَلَتْ ما أرادَ هؤلاءِ التَّلاميذ أن يَفعلوه. "سوفَ نَتَخَلَّصُ مِن كُلِّ الأشرارِ في كُلِّ العالَم". ومِن وُجهةِ نَظَرِهم، كانوا هُمُ الأبرار. لِذا فقد اضطَهدوا المُؤمنينَ الحَقيقيِّين. فقد خَرَجوا وراحوا يَقتلونَ المؤمنينَ الحقيقيِّين. ولكن لا يُمكنكم أن تَفعلوا ذلك. فاللهُ لم يَدْعُ كنيسةَ يسوعَ المسيحِ إلى إدانَةِ العالَم. واللهُ لا يُريدُ مِنَّا أن نَكونَ في مَوقِعِ السُّلطةِ السِّياسيَّة، ولا أن نُهْلِكَ غيرَ المؤمنينَ لأنَّنا لا نَستطيعُ أن نُمَيِّزَ ما سيَحدُثُ في الواقع.
فالكنيسةُ ليست مُطالَبَةً باقتلاعِ الزُّؤانِ أوِ الزَّوانِ مِنَ العالَم. فهذه ليست دَعوَتُنا. فلا يَجوزُ لنا أن نُهاجِمَ العالَم. فاللهُ لم يُعطِنا تلك الخِدمة. لِذا، يجب علينا أن نَستمرَّ في العَيشِ معًا. وسوفَ يَستمرُّ الشَّيطانُ في زَرعِ الزَّوانِ حَتَّى في الكنيسة لأنَّهُ يُحِبُّ التَّقليد. ولكن لا يَجوزُ لنا أن نَقتَلِعَ الزَّوان. وفي كُلِّ مَرَّة في التَّاريخ صارت فيها الكنيسةُ قُوَّةً سِياسيَّةً، أساءَت استِغلالَ تلك السُّلطة وأَهلَكَت ما اعتقدَت أنَّهُم المُرتدُّون.
فَكِّروا في مَحاكِمِ التَّفتيش. هل قَرأتُم يَومًا كِتابَ فوكس عنِ الشُّهداء (Fox's Book of Martyrs)؟ فجميعُ أولئكَ الشُّهداء الَّذينَ ماتوا لأجلِ المسيح قُتِلوا مِن قِبَلِ أشخاصٍ يَزعُمونَ أنَّهُم مَسيحيُّون. فقد كانوا يَزعُمونَ ذلك. اقرأوا عنِ الحُروبِ الصَّليبيَّةِ. فهي واحدة مِن أشنَعِ الفتراتِ في التَّاريخِ البشريّ. فالحُروبُ الصَّليبيَّةُ الَّتي شُنَّت باسمِ يسوعَ المسيحِ في أوروبَّا كانت تَرمي إلى استرجاعِ الأماكِنِ المُقدَّسةِ في إسرائيل مِنَ العُثمانيِّين. وفي خِضَمِّ ذلك، قَتَلوا أُناسًا في جميعِ أنحاءِ أوروبَّا. ففي قَريةٍ واحدةٍ فقط، دَاسُوا بِحَوافِرِ خُيولِهم ثلاثة آلاف يَهوديّ لأنَّهم قالوا عنهم إنَّهُم مُرتدُّون.
ولكنَّ هذا العَصرَ ليسَ عَصرَ دَينونة. وماذا كانَ مَوقفُ الرَّبِّ يسوعَ المسيح مِن أولئكَ الأشخاص؟ اسألوا أنفسَكُم وَحَسْب السُّؤالَ التَّالي: كيفَ عامَلَ العَشَّارينَ والخُطاة؟ بوداعةٍ ومَحبَّةٍ ولُطف. أليسَ كذلك؟ وكيفَ عامَلَ يَهوذا؟ فقد كانَ يهوذا مَاثِلاً في حَضرَتِه، ولكنَّهُ لم يُهْلِكْهُ، ولم يَقتُلْهُ، ولم يَحْرِقْهُ بالنَّار؛ بل كانَ صَبورًا. وهذا هو وقتُ الصَّبر. وقد كانَ مُتسامِحًا. وهذا هو وقتُ التَّسامُح. وقد كانَ مُنعِمًا. وهذا هو وقتُ النِّعمة.
ومعَ أنَّ هناكَ أُناسًا يحاولونَ أن يَقلَعوا الزَّوان، رُبَّما يَنْسَوْنَ حقيقةَ أنَّهم كانوا ذاتَ يومٍ زَوانًا، وأنَّ الرَّبَّ يَعلَمُ أنَّ غيرَ المُؤمنينَ يَحتاجونَ إلى وقتٍ لكي يَصيروا مُؤمِنين. أَتَرَوْن؟ فإن خَرَجنا وأَهلَكنا جميعَ غيرِ المؤمنين، قد نُخالِفُ تَمامًا خُطَّةَ الله. فالرَّبُّ يَعلمُ كم عَددُ الأشخاصِ الَّذينَ يَنتمونَ إلى المَلكوت. وهو (كما قالَ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل) لديهِ أُناسٌ كثيرونَ في تلك المدينة. فهو يَعلمُ مَن سيؤمِن. والأمرُ يَحتاجُ إلى وقتٍ وَحَسْب.
فإن تَصَرَّفنا بوصفِنا كنيسة ضِدَّ غيرِ المؤمنينَ في العالَم، قد نَفعلُ شيئًا يُخالِفُ طُولَ أناةِ اللهِ ونِعمَته الَّتي يُسبِغُها على أولئكَ الأشخاصِ كي يأتوا إليهِ في الوقتِ الَّذي يُعَيِّنُهُ هُوَ. فهذه ليست دَعوَتُنا. فلا يجوزُ لنا أن نَفعلَ ذلك. والمقصودُ بذلكَ هو أنَّهُ لا يَجوزُ لنا أن نَدينَ غيرَ المؤمنينَ في العالَمِ أيضًا، ولا يَجوزُ لنا أن نُصَلِّي إلى اللهِ ونَسألُهُ أن يُهلِكَهُم؛ بل ينبغي لنا أن نُصَلِّي إلى اللهِ ونَسألَهُ أن يَفعلَ ماذا؟ أن يُخَلِّصَهُم، وأن يُنقِذَهُم، وأن يَفدِيَهُم. فهذا هو الموقفُ الوحيدُ الصَّحيح.
وقد كانَ هذا هو موقفُ الرَّبِّ يسوعَ المسيح في اللَّيلةِ الَّتي تَعَرَّضَ فيها للخيانة. فقد أخذَ اللُّقمَةَ. وعندما تُعطي اللُّقمةَ لِشَخصٍ آخرَ فإنَّها إشارة إلى أنَّ ذلك الشَّخص هو ضَيْف الشَّرَف. وَلِمَنْ أعطاها؟ ليهوذا. فقد كانَ ما زالَ يَغمُرُ يهوذا بالحُبّ. ويهوذا ويسوعُ هُما مَثَلٌ إيضاحيٌّ على هذا التَّعايُشِ المُشترَكِ في عَصرِ النِّعمة.
فلا يُمكِنُنا أن نَتصرَّفَ كَجلاَّدين، بل يجب علينا أن نُظهِرَ كُلَّ حُبٍّ وصَبْرٍ ونِعمةٍ وتَسامُحٍ كما فَعَلَ الرَّبُّ. وهل تَعلمونَ شَيئًا؟ إن حاولنا أن نَدينَ الآخرين قد لا نَتخلَّصُ مِن أجزاءٍ مِنَ الأرضِ المُحْجِرَةِ وأجزاءٍ مِنَ الأرضِ الَّتي تَكثُرُ فيها الأعشابُ الضَّارَّةُ لأنَّنا لا نُدركُ الفَرقَ. وقد نَقتَلِعُ سَنابِلَ قَمْحٍ صَالحة. لِذا، يجب علينا أن نَمتَلِكَ قُلوبًا مُتعاطفةً، لا قُلوبًا دَيَّانَةً.
وكما تَعلمون، يُمكنكم أن تَتعمَّقوا في هذه الفكرة. فلا يُمكنُنا أن نُطَبِّقَ المبادئَ الرُّوحيَّةَ الَّتي تَعيشُ بِموجِبِها في المَلكوتِ على بَقيَّةِ العالَم. فلا يُمكنكَ أن تقول: "يجب علينا أن نَتخلَّصَ مِن هؤلاءِ الأشخاص لأنَّهُم يُفسِدونَ العالَم". فَهُم يَفعلونَ ما يَفعلونَهُ وَفقًا لطبيعَتِهم. وما أعنيه هو أنَّهُ لا يُمكنكَ أن تَذهبَ إلى هؤلاءِ الأشخاص وتقول: "أرجو أن تَفعلوا ما ينبغي أن تَفعلوه". فَهذا أمرٌ مِنَ المُستحيلِ أن يَفعلوه لأنَّهم يَفعلونَ الشَّيءَ الوحيدَ الَّذي يَعرفونَهُ وهو أن يَتصرَّفوا بِصِفَتِهم أولادَ إبليس.
وإن ذهبتُم وحاولتُم أن تَفرِضوا على العالَمِ مَعاييرَنا، ستَطرحونَ دُرَرَكُم أمامَ مَن؟ الخَنازير. ولعَلَّكُم تَذكرونَ ذلكَ في إنجيل مَتَّى والأصحاحِ السَّابعِ إذْ إنَّ يسوعَ تَحدَّثَ عنهُ في الأعدادِ السِّتَّةِ الأولى مِن مَتَّى 7. فهو يَتحدَّثُ عن أنَّهُ لا يجوزُ لنا أن نَدينَ الآخرينَ، بل ينبغي لنا أن نَهتمَّ لحياتِنا. وقبلَ أن نُخرِجَ القَشَّةَ مِن عينِ شخصٍ آخر، يجب علينا أن نُخرِجَ الخَشَبَةَ مِن أعيُنِنا. ثُمَّ إنَّهُ يَتحدَّثُ عن كيفَ ينبغي لنا أن نُعامِلَ بَعضُنا بعضًا، وكيفَ نَتصرَّفُ بعضُنا مع بعض، وهَلُمَّ جَرَّا.
ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في الآيةِ الَّتي تَلي ذلك: "لا تُجَرِّبوا ذلكَ على العالَم لأنَّكم بذلكَ تَطرحونَ دُرَرَكُم قُدَّامَ الخَنازير". ويُمكنكم أن تَعودوا قليلاً إلى الوراء وتَنظروا إلى كُلِّ العِظَةِ على الجبل. فما يَقولُهُ هُوَ: "لا تُحاولوا أن تأخذوا تلكَ الوَصايا المَذكورة في العِظَةِ على الجَبل وتَفرِضوها على مُجتمعٍ مِنَ الخُطاةِ لأنَّهم لن يَحتملوها". لِذا، نحنُ لا نَدينُهم عندما لا يَفعلونَ ذلك. أتَفهمونَ ما أقول؟ فالمَطلوبُ مِنَّا هو أن نُحِبَّهُم ونَدعوهم إلى المسيح.
لِذا فإنَّ الخلاصَ يَقودُنا إلى مَكانٍ يُمكِنُنا أن نَصِفَهُ بأنَّهُ مَحفوفٌ بالخَطر لأنَّ المؤمنينَ والخُطاةَ يَعيشونَ معًا في العالَم. ولكِن اسمعوا ما يَلي جيِّدًا: لا أعتقدُ أنَّ الرَّبَّ مُنزَعِجٌ مِن ذلكَ كثيرًا لأنَّ طَبيعةَ الحِنطةِ لا يُمكنُ أن تَتغيَّر. فقد نَنمو بالقُربِ مِنَ الزَّوان، ولكنَّهُ لن يَتمكَّنَ مِن تَغييرِ طَبيعتِنا إن كُنَّا حِنطةً. أليسَ كذلك؟ ولكنَّ العَكسَ غير صَحيح بالضَّرورة. فطبيعَتُهم يُمكنُ أن تَتغيَّرَ بِفِعْلِ تأثيرِ الصَّلاح. لِذا فقد دُعينا إلى طُوْلِ الأناة.
وهذا يَقودُنا إلى الذُّروةِ في العدد 39. تَذَكَّروا في المَثَل أنَّهُ قال: "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ. وحينئذٍ سيأتي الحَصَّادونَ ويَقوموا بعمليَّةِ الفَرْز". ونَقرأُ في العدد 39: "وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَة". والآن، اسمعوني: لقد دُعِيَ المَلائكةُ لتنفيذِ الدَّينونة. أمَّا المؤمنونَ فقد دُعُوا إلى إحداثِ تأثيرٍ بَارّ. فنحنُ لم نُدْعَ إلى تَنفيذِ الدَّينونة، ولم نُدْعَ إلى إدانةِ العالَم.
صَحيحٌ أنَّهُ يجب علينا أن نُحَذِّرَ مِن خَطايا العالَم، ويجب علينا أن نُحَذِّرَ مِن شُرورِه؛ ولكن يجب علينا أن نُحبَّ الخُطاةَ وفاعِلي الشَّرِّ وأن نُظهرَ كُلَّ نِعمةٍ وطُولِ أناةٍ لَهُم. فنحنُ لسنا جَلاَّدينَ لدى الله. فهذه ليست مَهَمَّتُنا. فنحنُ لا نَعرِفُ كُلَّ شيءٍ. لِذا، قد يَنتهي بِنا الأمرُ باقترافِ أخطاءٍ مُريعةٍ كَما حَدَثَ مِرارًا كثيرةً في التَّاريخ.
لِذا فإنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَقولُ إنَّ اللهَ هو الَّذي سيَدين. فهو سيَدينُ البَشَرَ في نِهايةِ الدَّهر. وسوفَ يَكونُ الملائكةُ هُمُ الحَصَّادون. ويُمكنكم أن تَروا المرَّة تِلوَ الأخرى في العهدِ الجديد (مِن إنجيلِ مَتَّى إلى سِفرِ الرُّؤيا) كيفَ أنَّ اللهَ دَعا الملائكةَ إلى الحَصاد. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل مَتَّى 16: 27: "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ". ونَقرأُ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24، أعتقد في العدد 31 أنَّهُ سيُرسِلُ مَلائِكَتَهُ لكي يَجمعوا المُختارين، وَهَلُمَّ جَرَّا.
فعمليَّةُ جَمْعِ المُختارين، وعَمليَّةُ جَمْعِ أولئكَ الَّذينَ سيُدانونَ سَتَتِمُّ مِن قِبَلِ الملائكة. ويُمكنكم أن تَرَوْا أيضًا في سِفْر الرُّؤيا (في الأصحاحِ الرَّابع عشر تَحديدًا، ثُمَّ في الأصحاحِ التَّاسع عشر) أنَّ الملائكةَ هي الَّتي تُنَفِّذُ أوامِرَ الدَّينونةِ الإلهيَّة؛ لا البَشَر. فهذه ليست مَهَمَّتُنا. لِذا فإنَّهُ يَقولُ لهؤلاءِ الأشخاصِ في المَثَل: "أنتُم الزَّارعونَ. وهناكَ أشخاصٌ آخرونَ لديَّ للحَصاد". ثُمَّ نَقرأُ في العدد 40: "عندما يأتي الملائكةُ [أوِ الحَصَّادونَ] سَيُجمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَم".
لِذا، يجب علينا أن نَنتظرَ إلى أن يَعودَ المَلِكُ معَ مَلائكتِه لكي يَحدُثَ هذا الأمر. وبالمُناسبة، هذا هو بالتَّحديد ما تَقولُهُ الآية 2تسالونيكي 1: 7: "عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِه". ومَتى سيَحدُثُ ذلك؟ عندما يأتي ليَتمجَّدَ في قِدِّيسيه. فسوفَ يأتي ليتمجَّدَ في قِدِّيسيه. وعندما يأتي في ذلك الوقتِ معَ ملائكتِهِ القِدِّيسين، سيَحرِقُ بنارٍ لا تُطفَأ كُلَّ أولادِ الشرِّير.
والآن، لاحِظوا العَدد 40. فهو يُرينا أنَّ الزَّوانَ قد جُمِعَ وحُرِق. هذه هي الصُّورة. والعَدد 41 يَشرَحُ ذلك: "يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ...". والكلمة "مَلكوت" تُشيرُ إلى كُلِّ العالَم. فهي تُشيرُ إلى كُلِّ حَقلِه. وهو يَسحَبُ الشَّبَكَة إن جازَ القَول.
فهو يَجمَعُهم جميعًا معًا كما تَمَّ جَمْعُ الحَيَواناتِ غيرِ الطَّاهرةِ والطَّاهرةِ في الفُلْكِ نَفسِه، وكما تُجْمَعُ الجِداءُ في نَفسِ المَرعى معَ الخِراف، والسَّمَكِ الرَّديءِ في نفسِ الشَّبَكةِ معَ السَّمَكِ الجَيِّد، والقَشُّ على نَفسِ الأرضِ معَ القَمح، وآنيةُ الهَوانِ في نفسِ البيتِ معَ آنيةِ الكَرامَة. فهو يَجمَعُهم جميعًا معًا. وَ "جَمِيعُ المَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ" [أو فاعلي الشَّرِّ]، وهي نَفسُ العِبارةِ المَذكورة في إنجيل مَتَّى 7: 23. فَسوفَ يَجمعونَ كُلَّ فاعِلي الشَّرِّ وَيَطْرَحُونَهُمْ [بِحَسَبِ ما جاءَ في العدد 42] "فِي أَتُونِ النَّارِ". أمَّا رَدُّ فِعلهم على ذلكَ فسيكونُ "الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَان".
إذًا، هناكَ دَينونة مَحتومة عندما يُرسِلُ اللهُ مَلائكتَهُ ويَطرُدُ مِن مَلكوتِهِ كُلَّ مَن أساؤوا إليه. وكُلُّ ما هو خَطيَّة وعدمُ إيمانٍ يُسيءُ إليه. وجميعُ فاعِلي الإثم. وهاتانِ طَريقتانِ وَحَسْب للإشارةِ إلى الخُطاة. وسوفَ يُطرحونَ جميعًا في أَتُونِ النَّار. والنَّارُ هي أشنَعُ مِيتَةٍ يُمكِنُ للإنسانِ أن يَختبرها. والنَّارُ تُشيرُ إلى جَهنَّمَ الأبديَّة. وهي تُشيرُ إلى المَصيرِ المُريعِ والدَّائمِ لغيرِ المؤمنينَ الَّذينَ هُم أولادُ الشَّيطان. وهي تُستخدَمُ مِرارًا وتَكرارًا في الكتابِ المقدَّس.
ونحنُ نَقرأُ في الكتابِ المقدَّسِ عَنْ قَشٍّ يُحرَقُ، وعَنْ تِّبْنٍ يُحرَقُ، وعَنْ أغصانٍ غيرِ مُثمرةٍ تُحرَق، وحتَّى في العهدِ القديمِ عن أشجارٍ تُحرَق. ونَرى هُنا أنَّ الزَّوانَ يُحرَق. والفِكرةُ هي أنَّ غيرَ الأبرارِ سيَكونُ مَصيرُهُم النَّار. فهي تُشيرُ إلى الشَّيءِ نَفسِهِ. فأَتونُ النَّارِ يُشبِهُ بُحيرةَ النَّارِ المَذكورةِ في سِفْر الرُّؤيا 19، والنَّارَ الَّتي لا تُطفَأُ في مَرقُس 9، والنَّارَ الأبديَّةَ في مَتَّى 25.
في نارُ الجَحيمِ الحَارِقَة. وهي نَفسُ النَّارِ المُشار إليها في مَلاخي 4، ونَفسُ نَارِ الدَّينونةِ الَّتي يُشيرُ إليها دانيال في سِفْر دانيال 12: 2. فهي العَذابُ الأبديِّ في جَهنَّم. ورَدُّ الفِعلِ في العدد 42 مُخيفٌ جدًّا. فصَريرُ الأسنانِ والصُّراخُ الحادُّ هو ما تَتحدَّثُ الآيةُ عنهُ في الحقيقة. فهذا هو رَدُّ الفِعل: صَريرُ الأسنانِ والصُّراخُ الحادُّ.
فالنَّاسُ يَظُنُّونَ أنَّهم سيذهبونَ إلى جَهنَّمَ وأنَّ كُلَّ شيءٍ سيكونُ على ما يُرام. فَهُم يَظُنُّونَ أنَّهُم سيكونونَ معَ أصدقائِهم وأنَّهُم سيُحبُّونَ وُجودَهُم هناك. ولكنَّ هذه الآيةَ تُخبرُنا لا فقط أنَّ جَهَنَّمَ هي نارٌ فقط، بل إنَّها تُخبرُنا عن رَدِّ فِعلِ الأشخاصِ الَّذينَ سيَذهبونَ إلى هناك. فسوفَ يكونُ هُناكَ صَريرُ أسنانٍ وصُراخُ حَادّ. فهي دَينونة مُؤلمة، وأبديَّة، ومَحتومَة، ولا مَفَرَّ مِنها. والرَّبُّ يَقولُ للتَّلاميذ: "انظروا! انتظروا الآن. وتَمَهَّلوا الآن. اترُكوا تأثيرًا الآن، وعَيشوا في وَسْطِ غيرِ المؤمنينَ الآن فيما تَكتَمِلُ الخُطَّة".
وأخيرًا، ستأتي الدَّينونة. وبعدَ ذلك، نَقرأُ في العدد 43: "حِينَئِذٍ...". لاحِظوا الكلمة "حينئذٍ". ليسَ الآن، بل "حينئذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ". فحينئذٍ، سيأتي المَجدُ المُقدَّسُ. أَتَرَوْن؟ وحينئذٍ سيأتي المَلكوتُ المُرتَقَب. وحينئذٍ ستأتي سَحابةُ المَجدِ الَّتي ستُنيرُ وُجوهَ كُلِّ القِدِّيسينَ في كُلِّ العُصور. "حينئذٍ يُضيئُ الأبرارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ". حينئذٍ. لِذا فإنَّهُ يقول: "هذا جُزءٌ مِنَ المُستقبَل". ولكنَّهُ سيأتي لا مَحالة كما هي حالُ الدَّينونة. والحقيقةُ هي أنَّ الآية دانيال 12: 3 تقولُ إنَّهُم سيُضيئونَ كالكَواكِب. فسوفَ يُضيئونَ كَضِياءِ سَماءِ اللهِ المَجيدةِ المُدهشة.
والنُّقطةُ الأخيرةُ هي التَّطبيق إذْ نَقرأُ في العَدد 43: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ". هذا هو التَّطبيق. وقد تقولون: "ما مَعنى ذلك؟" إنَّهُ يَعني ببساطة ما اعتدتُ أن أَسمَعَهُ مِن مُعَلِّمِ المَدرسةِ عندما كنتُ صَبيًّا صغيرًا: "جوني! مِنَ الأفضلِ أن تَفعلَ [ماذا؟] تَستمِع". مِنَ الأفضلِ أن تَستمِع. مِنَ الأفضلِ أن تَستمِع. ما الذي تَستمعُ إليه؟
اسأل نَفسكَ أوَّلاً: هل أنتَ حِنطَةً؟ وما أعنيه هو أنَّهُ ينبغي لكَ أن تَعرفَ ذلكَ قبلَ أيِّ شيءٍ آخر. هل أنتَ حِنطَةً؟ أَم أنَّكَ زَوان. فهل أنتَ زَوان؟ هل أنتَ ابنٌ للمَلكوتِ أَمِ ابنٌ للعَدُوّ؟ فإن كُنتَ ابنًا للعَدُوِّ، استَمِع: هذا وقتُ طُولِ أناة. وهذا وقتُ نِعمَة. ولكنَّ الدَّينونةَ مَحتومَة، وأبديَّة، ومُؤلمة. لِذا، مِنَ الأفضلِ أن تَفحصَ نَفسكَ وأن تُصغي.
وقد تَقول: "أنا لستُ زَوانًا، بل حِنطَةً". إذًا، مِنَ الأفضلِ أن تَستمعَ إلى ما يَلي: يجب عليكَ أن تَتعايَشَ في هذا العالَمِ وأن تَترُكَ في العالَمِ تأثيرًا جَيِّدًا دونَ أن تَتأثَّرَ بِه. ويجب أن تَسمَحَ للهِ أن يَستخدِمَكَ للوصولِ إلى الزَّوانِ القريبِ مِنكَ والَّذي سيَصيرُ حِنطَة. لِذا، استَخدِم هذا كفُرصَة - لا لإدانةِ العالَم، ولا لإهلاكِ العالَم، ولا لإدانةِ العالَم. فهذا عَمَلُ الله. فيجب عليكَ أن تُحبَّ هؤلاءِ الأشخاصَ؛ أي أن تَدينَ خَطيَّتَهُم وتُحبَّ الخُطاة. فتلكَ هي الخُطَّة. هل تَفعلُ ذلك؟ هل أنتَ مَزروعٌ في العالَمِ لأجلِ الصَّلاحِ واللهِ والخلاص؟
حسنًا! دَعونا نُصَلِّي. فيما تَحْنونَ رُؤوسَكُم قليلاً، إذا نَظرتَ إلى حَياتِكَ وعَلِمتَ أنَّكَ لا تَعرِفُ الرَّبَّ يسوعَ المسيحَ، أو كنتَ تَشُكُّ في ذلك، فَكِّر بِعُمْق في حقيقةِ أنَّكَ إذا لم تَكُن وُلَدًا للمَلكوت، ولم تَكُن تَخضَعُ تمامًا وبالكامِلِ لرُبوبيَّةِ المَلِك، فإنَّكَ وَلَدٌ للشرِّير. وسوفَ تُجمَعُ معَ الآخرينَ وتُحرَقُ إلى الأبد.
ولكن لا مُبَرِّرَ لذلك. فالربُّ يسوعُ المسيحُ قادرٌ أن يُغيِّرَكَ الآن ويَجعلَكَ ابنًا للمَلكوت. فهو يَستطيعُ أن يُجري ذلكَ التَّغيير. فقد دَعانا مِن مَملكةِ الظُّلمةِ إلى مَلكوتِ ابنِ مَحبَّتِهِ (كما جاءَ في رسالة كولوسي والأصحاحِ الأوَّل). وهو يَستطيعُ أن يُجري ذلكَ التَّغيير وسيَفعل ذلك. لِذا فإنَّهُ يَنتظر. فهو يَنتظرُ مِن أجلك.
أمَّا إذا كُنتَ حِنطةً، هل تُؤثِّرُ في العالَمِ لأجلِ الخَيرِ ولأجلِ الله؟ هل مَوقِفُكَ هو موقفُ المَحبَّةِ وليسَ الإدانَة؟ فَمِنَ السَّهلِ جدًّا أن نَجلسَ ونَدينَ الخُطاةَ ونَتكلَّمَ بالسُّوءِ عنهم ونُكيلَ لَهُم الاتِّهامات لأنَّنا نُمسِكُ عَليهم تُهْمَةً بسببِ خَطاياهم. ولكن بشكلٍ مَا في أثناءِ ذلك فإنَّنا نَرغبُ في أن تَحِلَّ عليهم الدَّينونة. ولكن يجب علينا أن نَطلُبَ مِنَ اللهِ أن يُعطينا نِعمةً أعظمَ مِن نَحوِهم؛ أي تلكَ النِّعمة الَّتي أَظهَرَها يَسوعُ مِن نَحوِ يَهوذا.

This article is also available and sold as a booklet.