Grace to You Resources
Grace to You - Resource

نأتي الآن إلى دراسة كلمة الله مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. والأصحاحان 24 و 25 مِن إنجيل مَتَّى يُعرَفان بِـ "العِظة على جبل الزَّيتون". وهي خُطبة أو عِظة قَدَّمها رَبُّنا يسوعُ المسيح على جبل الزَّيتون. وموضوعُها هو المجيء الثَّاني للمسيح. لِذا فإنَّها عظته أو رسالته الشَّخصيَّة عن مجيئه الثَّاني. وهي رسالة مَجيدة ورائعة. ونحن نَتطلَّع بشوقٍ إلى فَهم الحقائق العظيمة والرَّائعة الَّتي تُعلِنُها.

ويجب أن تَعلموا... وأنا أَوَدُّ فقط أن أُعطيكم خَلفيَّةً صغيرة... يجب أن تَتذكَّروا أنَّ يسوع جاء إلى بني إسرائيل ليكون فاديًا لهم، ومُخلِّصًا لهم، ومُحرِّرًا لهم، ومَسيحًا لهم، ومَلِكًا عليهم. ولكنَّ يوحنَّا يقول: "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ". وبعد ثلاثٍ وثلاثين سنة مِن مَجيئه إلى هذا العالَم، كان على وَشْكِ الخروج. وقد ابتدأ خدمته بتقديم نفسه لبني إسرائيل، وأنهاها بأن رَفضوه. وبعد وقتٍ قصيرٍ جدًّا مِن تلك العِظَة، كان سيُعدَم على صَليب بيدِ نفس الأشخاص الَّذينَ جاء ليُخلِّصهم ويَسود عليهم.

والآن، إذا كُنتم معنا في دراستنا لإنجيل مَتَّى، لا بُدَّ أنَّكم تَعلمون أنَّه كان قد أعلن الدَّينونة الأخيرة على إسرائيل. وكلماتُه المُدَوَّنة في العدد 37 مِن الأصحاح 23 هي: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا".

فهذا هو آخر خِطاب عامّ قَدَّمه يسوع إلى بني إسرائيل. وكلماته الأخيرة لهم كانت كلمات دينونة. وَهُوَ لم يُقدِّم أيَّ عظة أخرى. وفي الأصحاح 21 والأصحاح 22 والأصحاح 23، أَعلن الدَّينونة على أُمَّة إسرائيل، وأعلن الدَّينونة على القادة الزَّائفين، وأعلن الدَّينونة على الشَّعب الَّذي تَبِعَهُم في ضَلالاتهم. وقد جاءت دينونته بصيغة جُمَل مُباشرة عن الدَّينونة. وقد جاءت بصيغة أمثال عن الدَّينونة. وأخيرًا، في الأصحاح 23، دَانَ إدانةً قويَّةً وحرفيَّةً القادة الزَّائفين الَّذينَ أَضَلُّوا الشَّعبَ. وهو يَختم ذلك بالقول: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا". فهو إعلانُ دَينونة.

ولكنَّ الشَّيء المُدهش جدًّا هو أنَّ إعلان الدَّينونة ذاك يأتي مَتبوعًا في العدد 39 بالكلمات التَّالية: "لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنـِــي مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِــي بِاسْمِ الرَّبِّ!". والعِبارة "الآتِــي بِاسْمِ الرَّبِّ" هي لَقَبٌ مَسيحانيّ. وَهُوَ يقول إنَّكم لن تروني مَرَّةً أخرى إلاَّ حين آتي بصفتي المَسيَّا والمَلِك. لِذا، مِن جهة، لقد أعلن الدَّينونة. ومِن جهة أخرى فإنَّه يقول: "سوف أعود". وَهُوَ يَقول، مِن جِهة، إنَّ بيتكم يُترك لكم خَرابًا ومَهجورًا. ولكنَّه يقول، مِن جهة أخرى: "سوف أعود لِرَدِّه ثانيةً".

والآن، لقد كانت هذه الخاتِمة المُحَدَّدة لرسالته، بلا شَكٍّ، تَملأ قلوب تلاميذه برَجاءٍ عظيم. فمن المؤكَّد أنَّهم سمعوا تلك الدَّينونة تُعلَن، ولكنَّهم سمعوا أيضًا أنَّه سيأتي بصفته ذاك الَّذي سيؤسِّس ملكوته. وقد انتظروا تلك اللَّحظة طَوال السَّنوات الَّتي عاشوها مع يسوع. وأعتقد أنَّه في هذه اللَّحظة تحديدًا، أي في خِتام العظة في إنجيل مَتَّى والأصحاح 23، كان التَّلاميذ على الأرجح في ذُروة اختبارهم مع يسوع طَوال السَّنوات الثَّلاث لخدمتهم. فقد سمعوه يقول إنَّه سيجلب دينونةً. وقد سمعوه أيضًا يقول إنَّه سيأتي باسم الرَّبّ؛ أي بالحقِّ المَسيحانيّ. لِذا فقد شعروا بسبب طريقتهم في فَهم نبوءات العهد القديم، كما رأينا في درسنا السَّابق، أنَّ الوقت قد حان. فسوف يَجلب الدَّينونة. وسوف تكون تلك الدَّينونة مُطَهِّرة ومُقَدِّسة. وسوف يَتبَعُها حالاً مَلكوتُه. فقد كانوا يُؤمنون بأنَّهم على حافة الملكوت المسيحانيّ.

والحقيقة هي أنَّنا نجد في إنجيل لوقا 19: 11 آيةً تُدَعِّم حقًّا تلك الفكرة. ففي إنجيل لوقا 19: 11، استمعوا إلى هذه الكلمات: "وَإِذْ كَانُوا يَسْمَعُونَ هذَا عَادَ فَقَالَ مَثَلاً، لأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ أُورُشَلِيم". وقد حدث ذلك عندما كانوا في طريقهم إلى أورُشليم في بداية هذا الأسبوع. وتقول الآية إنَّه قال هذا المَثَل لأنَّهم "كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَال". فقد كان التَّلاميذ، مُنذ لحظة اقترابه مِن أورُشليم، يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَال. لِذا فقد كانوا يَعيشون في ضَوْء ذلك التَّرَقُّب. وعندما طَرَحَ النَّاس سُعُفَ النَّخْلِ والملابسَ أمامه وَهُوَ يَركَبُ الجَحشَ وراحوا يَصرخون قائلين: "أُوصَنَّا... مُبَارَكٌ الآتِــي بِاسْمِ الرَّبِّ!... أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ!"، ظَنُّوا أنَّ هذا كُلَّهُ جُزءٌ مِن إعداد الشَّعب للملكوت. وعندما دخل إلى الهيكل وطَهَّرَ الهيكل، ظَنُّوا أنَّ ذلك هو تَطهير مِن المُرائين. والآن، عندما يقول إنَّه سيجلب الدَّينونة، شعروا أنَّ هذا سيكون تَطهير أورُشليم الَّذي كانوا يؤمنون أنَّه سيحدث. ثُمَّ إنَّه سيأتي باسم الرَّبِّ بصفته مَسيحَهُم. فقد كانوا يَظُنُّون أنَّ هذا كُلَّه سيحدث في الحال.

والحقيقة هي أنَّهم بينما كانوا يُغادرون أرض الهيكل في الأصحاح 24 والعدد الثَّاني، نَظَر يسوع إلى الهيكل وقال: "إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!". وحتَّى إنَّه أخبرهم أنَّ الهيكل نفسه سيُنقَض. وهذا يُوافق ما كانوا يَعرفونه أيضًا لأنَّهم تَذكَّروا أنَّ حزقيال قال إنَّه في الملكوت سيكون هناك هيكل جديد. وهذا الهيكل، في نهاية المَطاف، بُنِيَ لا مِن قِبَل شخصٍ يَهوديّ، بل مِن قبل هيرودس الأدوميّ. وكان هيكلاً مُزدحمًا آنذاك بالمُرائين والمُعلِّمين الدِّينيِّين الزَّائفين. لِذا فقد كان كلُّ شيء يَتبلور في أذهانهم. فالمسيَّا قد بَلَغَ النُّقطة الَّتي سيقوم فيها بتأسيس ملكوته. ولكنَّهم لم يَلتفتوا إلى كلماته عن موته، وعن حبَّة الحنطة الَّتي تسقط في الأرض وتموت. وقد تَجاهلوا ما قاله بخصوص أنَّهُ سيُسَلَّم إلى رؤساء الكهنة والكَتبة، وأنَّه سيُصلَب ويقوم ثانيةً في اليوم الثَّالث. فكلُّ ما كانوا يَرونه هو المَلكوت... المَلكوت... المَلكوت. والشَّيءُ الَّذي أكَّدَ ذلك لهم هو أنَّه ابتدأ بتطهير الهيكل. وهو الآن سينقُضه. فسوف يَدين الأشرار ويُطَهِّر الأُمَّة. ثُمَّ إنَّه سيأتي بمجدٍ كاملٍ بصفته مَلِكَ الملوك ورَبَّ الأرباب. فقد كانوا يؤمنون أنَّهم يعيشون في تلك اللَّحظة. فهذه هي الطَّريقة الَّتي فَسَّروا بها النُّبوءات.

هل تَذكرون أنَّني أخبرتكم في الأسبوع الماضي عن تَسلسل الأحداث المستقبليَّة أو عن عقيدتهم المختصَّة بالأيَّام الأخيرة؟ فقد كانوا يُؤمنون، بسبب الطَّريقة الَّتي درسوا بها الأسفار النَّبويَّة، كانوا يؤمنون (وهو شيءٌ تُؤكِّده المؤلَّفات الَّتي كُتبت في ذلك الوقت، أي الكُتب غير الكِتابيَّة) بأنَّه سيأتي أوَّلاً زمن ضيقةٍ عظيمة. ومِن المُرَجَّح أنَّهم ظَنُّوا أنَّهم يعيشون في تلك الضِّيقة لأنَّهم كانوا يعيشون منذ وقتٍ طويل تحت الاحتلال الرُّومانيّ واليونانيّ. وكانوا يؤمنون بأنَّ تلك الضِّيقة سيَعقبها مجيء مُنادٍ يُعلن مَجيء المسيَّا. وقد اقتنعوا بأنَّ يُوحنَّا المَعمدان هو ذلك المُنادي. ثُمَّ إنَّ المسيَّا سيأتي. وها هو قد جاء. ثُمَّ إنَّه سيستأصِل الأُمم الشرِّيرة. ثُمَّ إنَّه سيُطَهِّر أورُشليم. ثُمَّ إنَّه سيَجمع اليهود المُشَتَّتين مِن جميع أنحاء العالم ويؤسِّس مَملكته. وقد كانوا يَظنُّون أنَّ كُلَّ شيء كان يَسير حسب الجدول. فقد كانوا يَجتازون ضيقةً. وقد جاء المُنادي. وها هو المسيَّا قد جاء. وقد ابتدأ بتطهير أورُشليم. وسوف يَعقُب ذلك، بكلِّ تأكيد، هَلاكُ الأُمم الشرِّيرة، ولَمُّ شمل اليهود المُشَتَّتين، وتأسيس المَلكوت. فقد ظَنُّوا أنَّهم يعيشون في تلك اللَّحظة وأنَّ الملكوت سيأتي.

وكما تَرون، لم يكن لديهم أيُّ حِسٍّ بوجود فترة طويلة بين المجيء الأوَّل والثَّاني. ولم تكن لديهم أَدنى فكرة بأنَّ المسيح سيأتي، وبأنَّه سيعود، وبأنَّ فترةً طويلةً مُدَّتُها آلاف السِّنين ستنقضي قبل أن يعود ثانيةً. فهذه ليست الطَّريقة الَّتي تَكلَّم بها الأنبياء، بل إنَّهم تَكَلَّموا فقط عن مَجيء المَسيَّا. ولكنَّهم لم يَسُدُّوا تلك الفجوة الكبيرة الموجودة في الوسط. وهذا هو السَّبب في أنَّ العهد الجديد يُسَمِّي ذلك "السِّرَ المَكتوم مُنذ الدُّهور". فعصر الكنيسة بأسره كما نَعرفه لم يكن شيئًا مُعلنًا في العهد القديم. فهو غير مَذكور هناك. وهناك فَجوة كبيرة لم يَفهموها.

واسمحوا لي أن أُبَيِّن ذلك لكم بأن أطلب منكم أن تفتحوا كتابكم المقدَّس وتنظروا إلى سِفْر إشعياء والأصحاح 61. ويَكفي مَثَلٌ إيضاحِيٌّ واحد كي تَروا ما أقصده. ففي سِفْر إشعياء والأصحاح 61، نرى صورةً عن المسيَّا الآتي. ونحن نقرأ في العدد الأوَّل: "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ". والمَسِيَّا هو الَّذي يَتحدَّث هنا عن مَجيئه. "لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ. لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ، غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ". وهذه نُبُوَّة مُدهشة. ثُمَّ إنَّه في الأعداد مِن 4 إلى 11، تقرأون مزيدًا عن تلك النُّبوَّة. والآن، لاحظوا ما جاء فيها. أوَّلاً، سوف يأتي لِيُبَشِّر (في العدد الأوَّل) ويُطلِق المأسورين، وهَلُمَّ جَرَّا. ثُمَّ إنَّه سيُنادي بِسَنَة مقبولة للرَّبّ؛ أي بسنة خلاص الرَّبّ. ثُمَّ نقرأ بعد ذلك: "وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا".

بعبارة أخرى، فإنَّ النَّبيَّ يَرى المسيَّا قادم، ويُبشِّر بالإنجيل، ويأتي بنقمة يوم الربِّ في الوقت نفسه. ولكنَّ الأمر ليس كذلك. ثُمَّ إنَّ ذلك، بكلِّ تأكيد، يأتي مَتبوعًا حالاً بالملكوت الَّذي هو وقت تعزية للنَّائحين، ووقت جَمالٍ عِوَضًا عن الرَّماد، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْح، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، وَزَرْعَ أَشْجَارِ الْبِرِّ، وهكذا دَواليك. ثُمَّ إنَّنا نقرأ في العدد 11: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَم". بعبارة أخرى، فإنَّ العمل المسيحانيَّ كُلَّهُ يُنظر إليه كوحدة واحدة.

والآن، افتحوا على لوقا 4 واسمحوا لي أن أُريكم شيئًا. لوقا 4. فقد كان يسوع في النَّاصرة، في المَجمع. ونحن نقرأ في العدد 16: "وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ...". وقد وجد الآية إشعياء 61: 1 وما يَليها. وقد قَرأ: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَة". "ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ".

والآن، لحظةً مِن فَضلكم! لقد قَرأ فقط نصف الآية إشعياء 61: 2. فالنَّصُّ الَّذي يَأتي بعد ذلك هو: "وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا". ولكن لماذا لم يتحدَّث عن ذلك الجُزء؟ ولماذا لم يَقرأ ذلك الجزء؟ لأنَّ ذلك ماذا؟ مُستقبليّ. وقد كانت هذه إشارة إلى أنَّ ما رآه إشعياء كوحدة واحدة سيتحقَّق على يد يسوع في جُزءَين مُنفصلين. لِذا فقد طَوى السِّفر بعد أن قرأ عبارة "وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَة". ففي المَرَّة الأولى الَّتي جاء فيها المُخلِّص، جاء ليَكرِز. وفي المرَّة الثَّانية الَّتي يأتي فيها، سيأتي ليفعل ماذا؟ ليَدين. لِذا، قبل أن يُعلَن الإنجيل، لا يمكننا أن نَبتدئ في رؤية الفرق بين المجيئين الأوَّل والثَّاني. وحتَّى إنَّ التَّلاميذ... والآن، يمكنكم أن ترجعوا إلى مَتَّى 24... وحتَّى إنَّ التَّلاميذ لم يكونوا يَفهمون مَجيئه كمجيءٍ ثانٍ، بل كانوا يَظُنُّون أنَّه سيأتي فقط بمعنى مجيئه الكامل بصفته المسيَّا، وأنَّه سيأتي فقط بمعنى مجيئه بصفته المَلِكَ المَمسوح تمامًا، والحاكِم، ورَبَّ الأرباب، وأنَّه سيأتي فقط بمعنى مجيئه لتأسيس ملكوته بمجد. لِذا فقد كانوا يَظُنُّون أنَّ هذا كُلَّه سيحدث في لحظة، وأنَّ هذا كُلَّه سيحدث في وقت واحد. فها هو المسيَّا هنا. لذا فإنَّ الملكوت سيُؤسَّس حالاً. ولكنَّهم لم يكونوا يَفهمون أنَّ هناك فترة زمنيَّة طويلة سيَفدي فيها الرَّبُّ النَّاس مِن جميع أنحاء الأرض.

لِذا فقد طَرحوا السُّؤال المذكور في العدد الثَّالث: "قُلْ لَــنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟" والمَعنى الضِّمنيُّ لسؤالهم "مَتى؟" هو: اليوم، أَو يوم غد، أو في الأسبوع القادم، أو ما هي السُّرعة الَّتي سيحدث فيها ذلك؟ "وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟" ما هي العلامةُ الَّتي ننتظرها؟ بعبارة أخرى، كأنَّهم كانوا يقفون على أطراف أصابعهم بانتظار حدوث شيءٍ ما حالاً. فقد كانوا مُتشوِّقين جدًّا. ورُبَّما كانوا يشعرون أنَّ الابن المذكور في إشعياء 9 جاهزٌ لأن يَتَسَلَّم على كتفيه رِيَاسَةَ حُكومة ملكوت الله. ورُبَّما كانوا يشعرون أنَّ الحجر الَّذي قُطِعَ بغير يدين في دانيال كان جاهزًا لسحق قوَّة البشر الأشرار، وأنَّ المسيَّا، الرَّئيس، كان جاهزًا لوضع حَدٍّ للخَطايا، واستئصال الإثم، وإحلالِ البِرِّ الأبديِّ، ومَسْحِ المَلِك القدُّوس. ورُبَّما كانوا يشعرون أنَّ ابن الإنسان سيُعطَى السِّيادة والمجد في الملكوت الأبديّ. ورُبَّما كانوا يَشعرون أنَّ ما قاله إشعياء ودانيال وحزقيال على وشك الحدوث، وأنَّ ما قال زكريَّا أنَّه سيحدث في يوم الرَّبّ سيتحقَّق. وقد ظَنُّوا أنَّ ذلك سيحدث في الحال. لذا فقد قالوا: "مَتى؟" وَ "ما هي العلامة؟"

والآن، ما الَّذي جَعلهم يشعرون بهذا التَّرَقُّب؟ حقيقة أنَّه وعد بنقض أورُشليم وخرابِها، وحقيقة أنَّه وعد أنَّه سيأتي باسم الرَّبّ، وحقيقة أنَّه قال إنَّ الهيكل سيُهدَم. لقد شعروا أنَّ الأمر وشيك. لِذا كان لا بُدَّ أن يُفسِّر لهم أنَّه ليس كذلك، وأنَّ ذلك سيحدث في المستقبل، وأنَّه ما زال بعيدًا جدًّا. وهذا هو القصد مِن الأعداد 4 فصاعدًا. فهي عظة نَبويَّة تُطلِعُهم وتُطلعُنا على وقتٍ لم يأتِ بعد. فهي لا تصف وقتًا بين ذلك الوقت وسنة 70 ميلاديَّة؛ أي دمار أورُشليم. فلا يمكن أن يكون هذا التَّفسير مُمكنًا. فالألفاظ لا تَسمح لنا بأن نُؤمن بذلك. وهي لا تصف عصر الكنيسة. فهذا غير معقول. بل لا بُدَّ أنَّها تصف وقتًا مستقبليًّا يَسبق مباشرةً مجيء المسيح. فقد أرادوا أن يَعلموا علامات مجيء المسيح، وعلامات انقضاء الدَّهر، والعلامات الَّتي تُؤذن بحدوث هذا الأمر وبحدوث ذلك الأمر لأنَّه وشيك. لِذا فإنَّه يُطلعهم على نهاية الدَّهر.

والآن، لكي نَعلم أنَّ هذه العِظة لا تتحدَّث عن الفترة الزمنيَّة الَّتي تسبق دمار أورُشليم، وأنَّها لا تتحدَّث عن عصر الكنيسة (كما يريد مِنَّا شُرَّاح كثيرون أن نُؤمن)، بل أنَّها تتحدَّث عن نهاية الدَّهر، اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم عددًا مِن المؤشِّرات التَّفسيريَّة المِفتاحيَّة. حسنًا؟ لِذا، تابعوا ما أقول.

لاحِظوا أوَّلاً العدد 8. فهو مُهمٌّ جدًّا. العدد 8. ففي الأعداد 4-14، يَصِف العديد من العلامات المختصَّة بمجيء المسيح. "فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ... لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ... وَزَلاَزِلُ" [في العدد 7]. وفي العدد 9: سيكون هناك اضطهاد، وقتل، وكراهية. "وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ... وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ" [في العدد 11]. وَ "تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ" [في العدد 12]. "وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ" [في العدد 14]. فهو يَصِف كلَّ أنواع العلامات الَّتي ستحدث عند انقضاء الدَّهر. وهي علامات مجيء المَسيَّا.

والآن لاحظوا العدد 8: "وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاع". وهذه آية مُهمَّة جدًّا. والكلمة اليونانيَّة المستخدمة هنا هي الكلمة الَّتي تُشير إلى مَخاض الولادة؛ أي إلى الآلام الحقيقيَّة الَّتي تختبرها المرأة في أثناء عمليَّة الولادة. فهذه كُلُّها مُبتدأ الأوجاع.

والآن، اسمحوا لي أن أطرح عليكم سؤالاً بسيطًا: مَتى تحدث آلام الولادة؟ عند الحمل؟ هذا سخيف! في أثناء الحمل؟ هذا سخيف أيضًا. فآلام الولادة تحدث متى؟ قبل الولادة مُباشرةً؛ أي في نهاية الحمل. فهذا هو آخر شيء يحدث فتَعلم المرأة أنَّها أوشكت على الولادة. والحقيقة هي أنَّكِ تبتدئين بمراقبة انقباضات الرَّحْم إلى أن تزيد وَتيرتها فتَعلمين أنَّ أوان الولادة قد حان. فآلام الولادة تحدث في النِّهاية. فهي لا تحدث طَوال فترة الحمل. كذلك فإنَّ هذه الأشياء لا تستمرُّ طَوال تاريخ عصر الكنيسة. فهي أمور تحدث بتسارع كبير جدًّا وتُفْضي إلى الولادة [إن جاز التَّعبير]؛ أي إلى تأسيس مَلكوت المَسيَّا.

والآن، كي أُوَضِّح ذلك لكم، أريد منكم أن تنظروا معي إلى رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاح الخامس. رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاح الخامس. فنحن نجد هنا استخدامًا آخر للمثل التَّوضيحيِّ نفسه. فبولس يتحدَّث هنا أيضًا عن مجيء الربِّ فيقول: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ". فهو يقول: "لا حاجةَ إلى أن أُخبركم عن الأمور الأخيرة لأنَّكم تَعلمون عنها. وإن لم يكن لديكم مصدر آخر للمعلومات، يكفي أنَّ لديكم العِظة على الجبل. بعبارة أخرى، إن لم يكن لديكم مصدر آخر، يَكفي أنَّ لديكم العظة على جبل الزَّيتون وتَعليم رَبِّنا. إذًا: "أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ". والآن، كيف يأتي اللِّصُّ في اللَّيل؟ بهدوءٍ تامٍّ، وعلى نحوٍ غير مُتوقَّع، وفجأةً. فعلى نحوٍ غير مُتوقَّع، وفجأةً، سيَحدث ذلك.

ثُمَّ إنَّه يقول في العدد الثَّالث: "لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ» [ويبدو أنَّ كلَّ شيء على ما يُرام]، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً". فمجيءُ المسيح سيكون مُفاجئًا. والهَلاك المُصاحِب له سيكون مُباغتًا. ثُمَّ إنَّه يقول: "كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى". فهو أمر مُشابه. فعندما يَرغب في أن يُقدِّم مَثلاً إيضاحيًّا على شيءٍ يحدث بصورة مُباغتة وقويَّة جدًّا قبل يوم الربِّ مُباشرةً، فإنَّه يَستخدم تشبيه آلام الولادة. لِذا فإنَّ هذا يَتَّفق مع الاستخدام الَّذي قَدَّمَه يسوع. فالمَخاض (بحسب الفكر اليهوديّ) يحدث بصورة مُباغتة وغير مُتوقَّعة قبل الولادة مُباشرةً. وهكذا يُستخدم هذا التَّشبيه في رسالة تسالونيكي الأولى. وهكذا يُستخدم هذا التَّشبيه في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. لِذا عندما نقرأ أنَّ هذه الأمور هي مُبتدأ الأوجاع، يجب علينا أن نُفَكِّر في نهاية الدَّهر. فلا بُدَّ مِن ذلك.

لِذا فإنَّ رَبَّنا يقول: قبل النِّهاية، ستكون هناك آلامٌ مُتعاقبة كالمَخاض. والآن، اسمعوا ما سأقول: إنَّ انقباضات المَخاض تحدث في البداية بصورة مُتقطِّعة. أليس كذلك؟ ثُمَّ أنَّ وَتيرتها تَزداد وتزداد وتزداد إلى أن تصير مُتتالية جدًّا مِثل الانفجارات المُتسلسلة إلى أن يَخرج الجنين مِن الجسم. وهكذا تمامًا ستكون الحال في نهاية العالم. فسوف يحدث مَخاض في صورة أحداث تفصل بينها فترة زمنيَّة، ثُمَّ فترة زمنيَّة أقلّ، ثُمَّ فترة زمنيَّة أقلّ، ثُمَّ فترة زمنيَّة أقلّ إلى أن تصل الأمور إلى نهايتها عند اقتراب الوقت الَّذي سيأتي فيه المسيح حيث تَتوالي الأحداث العنيفة والمُريعة في جميع أرجاء الأرض. لِذا فإنَّ تَوالي أو تَتابُع وَتيرة الأحداث ستزيد أكثر فأكثر فأكثر فأكثر فأكثر إلى أن يأتي الملكوت في النِّهاية. والآن، هذا هو المَثَل الإيضاحيّ الَّذي يُقدِّمه رَبُّنا في العدد 8. لِذا فإنَّ هذا يُخبرنا أنَّه يتحدَّث عن انقضاء الدَّهر؛ أي الوقت الَّذي يَسبق المَلكوت مُباشرةً.

والآن، هناك مُؤشِّر آخر أعتقد أنَّه لا يَقِلُّ أهميَّةً عن المؤشِّر الأوَّل، وَهُوَ موجود في العدد 13. فنحن نقرأ في العدد 13: "وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ". وما هو المُنتَهى؟ المُنتَهى مَذكور في العدد 13، والمُنتَهى مَذكور في العدد 6. "وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ" [كَما يقول]. وما المُنتَهى الَّذي يتحدَّث عنه؟ ارجعوا إلى العدد الثَّالث: "انْقِضَاء الدَّهْر". فهو يتحدَّث عن انقضاء الدَّهر. فلا بُدَّ أنَّ هذا هو موضوع حديثه. لِذا، عندما يقول في العدد 13: "الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى"، ما المُنتَهى الَّذي يتحدَّث عنه؟ انقضاء الدَّهر.

والآن، إن كان هذا الحديث كُلُّه يُشير إلى أنَّه ينبغي للنَّاس أن يَصبروا إلى انقضاء الدَّهر، لا بُدَّ أنَّه يُشير إلى الأشخاص الأحياء في نهاية العالم. أليس كذلك؟ بعبارة أخرى، إنَّ الأشخاصَ الَّذينَ سيجتازون هذه الأحداث، ويختبرون آلام الولادة، ويصبرون إلى أن تَنتهي وإلى انقضاء الدَّهر سَيَخلُصون. لِذا، لا بُدَّ أنَّه يتحدَّث عن النَّاس آنذاك. فأنا لن أصبر إلى المُنتهى؛ إلاَّ إذا حدث هذا كُلُّه بسرعة كبيرة، وإلاَّ إذا كنتُ مُخطئًا بخصوص الاختطاف. فالتَّلاميذ لم يصبروا إلى المُنتَهى لأنَّ المُنتهى لم يأتِ بعد. والنُّقطة هي: إنَّ انقضاء الدَّهر هو انقضاء الدَّهر. وَهُوَ يتحدَّث عن الأشخاص الَّذينَ يَجتازون هذه الأشياء ويَصبرون إلى انقضاء الدَّهر. لِذا، لا بُدَّ أنَّه يتحدَّث عن الأشخاص الَّذينَ سيكونون على قيد الحياة عند انقضاء الدَّهر، والَّذين سيَحتملون ذلك. وهذه نُقطة مُهمَّة جدًّا. فالضِّيقات الَّتي ستأتي على النَّاس ستأتي على الأشخاص الَّذينَ ما زالوا على قيد الحياة ويَصبرون إلى انقضاء الدَّهر.

لاحظوا العدد 14 حيث نَجِد مُؤشِّرًا آخر. فهو يقول: "وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِــي الْمُنْتَهَى". أيُّ مُنتهى؟ انقضاء الدَّهر مَرَّةً أخرى. وقبل انقضاء الدَّهر، ستكون هناك كِرازة على مُستوى العالم بالإنجيل. والآن، لم يَكُن هذا صحيحًا قبل سنة 70 ميلاديَّة. فهذا مُستحيل. فلم تكن هناك كِرازة بالإنجيل حول العالَم قبل سنة 70 ميلاديَّة. وهذا غير موجود حتَّى اليوم. فهناك أماكن كثيرة جدًّا في العالَم لم يُكرَز فيها بالإنجيل قَطّ، ولم يَصِلُها الإنجيل قَطّ. ولكن قبل المُنتهى، سوف يُكرز به في كُلِّ المَسكونة. وقد تقول: "وكيف سيحدث ذلك؟" لا أعتقد أنَّ ذلك سيحدث على مَرِّ التَّاريخ؛ أي قليلاً الآن، وقليلاً لاحقًا، وهَلُمَّ جَرَّا؛ بل أعتقد أنَّه قبل انقضاء الدَّهر، كما يَقولُ النَّصُّ هُنا، سوف يحدث ذلك بطريقة خارقة للطَّبيعة ومُفاجئة ومُعجزيَّة إذْ إنَّه ستكون هناك كِرازة عالميَّة بالإنجيل بطريقة خارقة للطَّبيعة حتَّى إنَّ كلَّ شخص على وجه الأرض سيسمعه. وسوف أُوضِّح ذلك في هذا المساء. وسوف أُوَضِّح كيف سيحدث ذلك ومَن الَّذي سيفعل ذلك. ولكنِّي سأُوضِّح ذلك في هذا المساء. أمَّا النُّقطة الرئيسيَّة هنا فهي أنَّه قبل انقضاء الدَّهر، ستكون هناك كِرازة على مُستوى العالَم بالإنجيل. وهذا لم يحدث قَطّ. فهو لم يحدث اليوم ولم يحدث قبل سنة 70 ميلاديَّة.

والآن، هناك مُؤشِّر آخر في العدد 15. لاحظوا العدد 15: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ الَّتِــي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ". بعبارة أخرى، سوف يحدث ذلك عندما تَنظرون رِجْسَة الخَراب الَّتي تَحدَّث عنها دانيال النَّبيّ. والآن، ما هي رِجْسَة الخَراب تلك؟ هذا سؤال سهل. فكُلُّ ما ينبغي لكم أن تَفعلوه هو أن تنظروا إلى سِفْر دانيال والأصحاح التَّاسع إذْ إنَّه يقول في العدد 27 إنَّ ضِدَّ المسيح "يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ". فما سيفعله هو أنَّ ضِدَّ المسيح سيدخل إلى الهيكل في فترة الضِّيقة المستقبليَّة، ويُنَجِّس الهيكل، ويَرتكب النَّجاسات في الهيكل الَّذي يَتَعَبَّدُ فيه اليهود. ونحن نقرأ أنَّه سيفعل ذلك إلى النِّهاية، أي إلى آخر لحظة، وأنَّ المَقْضِيَّ [أو ما يَقضي اللهُ أن يكون] سَيُصَبُّ على المُخَرِّب. بعبارة أخرى، إنَّها الدَّينونة الأخيرة. فهو سيفعل ذلك في النِّهاية، أي في اليوم الأخير للإنسان حيث إنَّ الله سيَسكُب دينونته. وهو سيفعل ذلك (كما يقول دانيال) في الوقت الَّذي يأتي فيه رئيسٌ للانتهاء مِن المَعصيةِ والقضاءِ على الخطيَّة، وللتَّكفير عن الإثم، ولإشاعة البِرِّ الأبديّ.

بعبارة أخرى، في دانيال 9: 24-27، يقول النَّبيُّ إنَّ رِجسة الخَراب ستحدث مباشرةً قبل مجيء الرَّئيس الَّذي سيُقيم البِرَّ الأبديَّ؛ أي قبل الدَّينونة الأخيرة والانتقام. لِذا، لا بُدَّ أنَّه المُنتهى. لِذا فإنَّنا نقرأ هُنا في العدد 15 مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 24: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ، اعلَموا أنَّكم تَنظرون علامات النِّهاية". ويُخبرنا دانيال أنَّ ذلك سيحدث قبل أن يُؤسِّس المسيَّا مَملكته ويَدين الأشرار مُباشرةً. لِذا نرى مَرَّةً أخرى مؤشِّرًا آخر على أنَّه لا بُدَّ أنَّنا ننظر إلى وقتٍ مُستقبليّ. فهذا هو تمامًا ما كان يدور في ذهن دانيال. والآن، لاحظوا العدد 21. وهذا مُؤشِّر آخر على أنَّنا ننظر إلى وقتٍ مُستقبليّ. فنحن نقرأ: "لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ [ضيقة عظيمة] لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُون". فهو سيكون أسوأ وقتٍ في تاريخ العالَم ... أسوأ وقتٍ في تاريخ العالَم. فمتى سيأتي أسوأ وقتٍ في تاريخ العالَم؟ عند انقضاء العالم. أليس كذلك؟ لا بُدَّ أنَّه كذلك. لا بُدَّ أنَّه الوقت الَّذي سيُنزِل اللهُ فيه دينونَته.

ودانيال يقول نفس هذه الكلمات في الأصحاح 12. فهو يقول: "وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ...". أيُّ وقت؟ وقت النِّهاية. فمن الواضح جدًّا أنَّه المُنتهى إن قارَنَّا ذلك بالأصحاح 11. فهو يتحدَّث عن ضِدِّ المسيح في الأصحاح 11. ثُمَّ إنَّ ميخائيل يأتي في العدد الأوَّل مِن الأصحاح 12 ويقومُ. "وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيقٍ لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ". وهي كلمات مُشابهة للكلمات الَّتي قالها رَبُّنا. فهو أسوأ وقتٍ في تاريخ العالَم. وسوف يَتبع ذلك مُباشرةً القيامة للحياة الأبديَّة، والقيامة للعار والازدراء الأبديَّيْن. لِذا فإنَّه الوقت الَّذي يَسبق القيامة الأخيرة، والوقت الَّذي يَسبق الدَّينونة الأخيرة، والنَّقمة الأخيرة، والتَّأسيس النِّهائيّ لملكوت الله. لِذا لا بُدَّ أنَّه وقتٌ مُستقبليّ. فهو ضِيقٌ عظيمٌ لم يَشهد العالَم له مَثيلاً يَومًا.

وهناك مُؤشِّر آخر في العدد 29. فنحن نقرأ: "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ [بعد ذلك مُباشرةً] تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاء". إذًا، المسيح يأتي مباشرةً بعد الضِّيقة. والضِّيقة الَّتي يتحدَّث عنها هي الضِّيقة العَظيمة المذكورة في العدد 21. فهي الضِّيقة الَّتي لم يَشهد العالم مَثيلاً لها. ولا بُدَّ أنَّه وقتٌ مُستقبليّ. وما هو هذا الوقت؟ بحسب سِفْر دانيال والعدد 15، إنَّه وقت رِجسة الخَراب. وهذا يحدث قبل المجيء الثَّاني مُباشرةً. إذًا، كُلُّ هذه المؤشِّرات تُخبرنا أنَّ هذا الوقت لا بُدَّ أن يكون مُستقبليًّا. لا بُدَّ أن يكون مُستقبليًّا.

وأخيرًا، انظروا إلى الأعداد 32-34 كي تَروا مُؤشِّرًا آخر وأخيرًا. فالرَّبُّ يقول [وهذا مَثَل]: "مَتى أخرجتِ الشَّجرةُ أوراقَها، تَعلمونَ إنَّ الصَّيف قَريب". فإن كانت لديكم شجرة تين، ورأيتم أوراقها، ستعلمون أنَّ الثَّمر سيأتي بعد ذلك. فالثَّمر يَظهر في الصَّيف. وإن رأيتم الأوراق ستَعلمون أنَّ الثَّمر اقترب. بعبارة أخرى، إنَّها إشارة وحسب. "هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ...". وما المقصود بالعبارة "هذا كُلَّهُ"؟ كلُّ الأشياء الَّتي تَحَدَّث عنها: زمن الضِّيق الَّذي لم يَشهد تاريخُ العالَم مَثيلاً له، ووقت ظُهور كلِّ تلك العلامات والمؤشِّرات الأخرى الَّتي تَحدَّث عنها قبل ذلك في الأصحاح 24. "هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ". ما هو الشَّيء القريب؟ انقضاء الدَّهر. عَلامةُ مَجيء ابن الإنسان. "لاَ يَمْضِــي هذَا الْجِيلُ". أيُّ جيل؟ الجيل الَّذي سيكون على قَيد الحياة عندما تحدث العلامات؛ الجيل الَّذي يَراها كُلَّها تَتحقَّق. "لاَ يَمْضِــي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ". بعبارة أخرى، فإنَّ تَحقيق كلَّ وقت المُنتَهى سيكون مَنظورًا للشَّعب الَّذي يَرى العلامات. لِذا فإنَّ العلامات مَحفوظة للأشخاص الَّذينَ سيكونون على قيد الحياة في وقت المُنتهى. وهذا يعني أنَّ كلَّ هذا الحديث يُشير إلى المستقبل. فالجيل الَّذي سيكون على قيد الحياة عندما تَبتدئ العلامات بالظُّهور سيكون على قيد الحياة عندما يأتي المسيح كي يُؤسِّس ملكوتَه.

والآن، أنتُم تَفهمون أنَّ كُلَّ العِظة على جبل الزَّيتون تَتحدَّث عن المستقبل. وهذا لا يعني أنَّ هناك أشياءً ستحدث آنذاك دون أن تحدث الآن، بل إنَّها ستحدث آنذاك بصورة أعنف، وبصورة تَفوق أيَّ شيء شَهِدناه يومًا. فهناك حُروب تجري الآن، وهناك زَلازل تحدث الآن، وهناك مَجاعات الآن، وهناك مشاكل في عالمنا اليوم، وهناك قَتل الآن، وهناك اضطهاد الآن، وهناك كَراهية الآن، وحتَّى إنَّ هناك أمورًا تحدث في السَّماء وتُزعجنا الآن؛ ولكنَّ هذا كُلَّه لا يُقارن بالأمور العجيبة الَّتي ستحدث في تلك الفترة الموجزة والقصيرة الَّتي تُعرَف بمَخاض المَلكوت عندما يَجعل اللهُ الأرضَ تتألَّم ألمًا فظيعًا وهي تَلِدُ المَلِك في مَلكوته.

والآن... الآن، أنتُم تَعلمون أين أنتم [كما أرجو] في إنجيل مَتَّى! وأنتم تَفهمون أنَّنا نَقرأ عن المُستقبل. وهناك مُلاحظة واحدة أخرى أريد أن تُلاحظوها؛ وهي مُهمَّة جدًّا جدًّا. أرجو أن تُنظروا إلى العدد 6: "وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا". والآن، العدد 9: "حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ". العدد 15: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ...". العدد 20: "وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ..."، وَهَلُمَّ جَرَّا. والآن، قد يقول قائلٌ: "كيف يُعقَل أن يكون هذا الكلام مُستقبليًّا في حين أنَّه يتحدَّث إلى التَّلاميذ ويقول: "يُسَلِّمونكم...يَقتلونكم...تكونون...صَلُّوا...هَرَبُكم"؟ ألا يَتحدَّث إليهم؟"

اسمحوا لي أن أُقَدِّم لكم مساعدةً بسيطةً هُنا. إنَّ ما نَراه هُنا هو امتيازٌ تَحريريٌّ كان يُعطى للأنبياء. فعندما كان اللهُ يَختار نَبيًّا ويَنقله إلى زمنٍ مُستقبليٍّ ليتحدَّث عن فكرة مُستقبليَّة، كان يتكلَّم مباشرةً إلى النَّاس في ذلك الوقت. لِذا فإنَّ استخدام ضمير المُخاطَب بصيغة المُفرد أو الجمع لا يَعكِس بأيِّ حال حقيقة أنَّ هذه الأحداث ستتحقَّق في حياة الأشخاص الَّذينَ يُخاطبهم. "أنتم"؛ أي جميع الأشخاص الأحياء في ذلك الوقت. "أنتم"؛ أي جميع الأشخاص الَّذينَ يَصِحُّ عليهم هذا الكلام. فهذا هو المعنى المقصود. فضمائر المُخاطَب تَحريريَّة إن جاز التَّعبير بِمَعنى الأشخاص المَقصودين بالكَلام. فهذه هي الحُريَّة المُعطاة للنَّبيِّ في أن يتكلَّم مباشرةً إلى ذلك المُجتمع المستقبليِّ الَّذي نَقَلَ اللهُ النَّبيَّ إليه في ذلك الإعلان. وإن أردتُم أن تَروا استخدامًا مِن العهد القديم على ذلك، فإنَّ هناك أمثلة كثيرة جدًّا. فقد تَكلَّم أنبياء العهد القديم مُباشرةً ومِرارًا إلى الأشخاص الَّذينَ كانوا سيُولَدون في المُستقبل قائلين لهم: "أنتم... أنتم... أنتم" بالرَّغم مِن أنَّهم لم يكونوا قد وُلِدوا بعد.

فمثلاً، انظروا إلى سِفْر إشعياء 33: 17-24، وإشعياء 66: 10-14، وزكريَّا 9: 9، وزكريَّا 3: 17-20، وغيرِها وغيرِها. ولا حاجة إلى أن تَفتحوا عليها الآن. فالبعضُ منكم تَشَتَّتَ انتباهُه مُنذ الآن. ولكنَّ كلَّ هذه الآيات... أنتُم مُطيعون جدًّا. وقد أردتُ فقط أن تَعلموا ذلك. ولكنَّ كلَّ هذه الآيات وغيرها مِن الآيات الكثيرة تُرينا الأنبياء يتكلَّمون بطريقة مُباشرة إلى أشخاصٍ لم يُولَدوا بعد لأنَّ النُّبوَّة مُوَجَّهة مباشرة إليهم. لِذا، هناك امتيازٌ نَبويٌّ في التَّكلُّم بهذه الطَّريقة.

والآن، بعد أن عَرفنا أنَّ النَّصَّ يتحدَّث عن المستقبل، وبعد أن فَهمنا أنَّنا نتطلَّع إلى ذلك الزَّمن المُستقبليّ الَّذي يُعرَف بالضِّيقة... كما يُسَمِّيها رَبُّنا... الضِّيقة العَظيمة، وهو وقت في المستقبل يأتي مباشرةً قبل مجيء المسيح، ما هي العلامات الَّتي تُشير إلى مَجيئه؟ وما هي العلامات الَّتي تُشير إلى تأسيس مَلكوته؟ وما هي العلامات الَّتي تُشير إلى انتهاء عصر الإنسان وابتداء ملكوت الله الأبديِّ المجيد؟ ما هي العلامات؟

حسنًا! أوَّلاً، نُذَكِّر أنفسَنا بالعدد 8. فهو يُقدِّم لنا مُبتدأ تلك العلامات، ومُبتدأ آلام الولادة تلك... فقط مُبتدأ آلام الولادة. وهل تَذكرون ما قُلته لكم قبل قليل؟ إنَّها تبتدئ ببُطء. فهي تبتدئ ببُطء، وتَزداد وتيرتها أكثر فأكثر فأكثر إلى أن تصير في النِّهاية سِلسلةً مِن الانقباضات المؤلمةِ جدًّا في كلِّ مكان. وإن دَرستم، مَثلاً، سِفْر الرُّؤيا، سترون انفتاح الخُتوم. فهناك سِتَّة خُتوم تُفتَح ثُمَّ الخَتم السَّابع. ويَخرُج مِن الخَتم السَّابع سبعة أبواق... سبعة أبواق. ثُمَّ إنَّه مِن الأبواق السَّبعة تَخرج سبعة جامات غضب تُسكَب على الأرض. وهناك سُرعة مُتزايدة. والخُتوم تُفْتَح على مَدى سَنوات على ما يبدو. والأبواق يُبَوَّق بها رُبَّما على مَدى أسابيع. والجاماتُ رُبَّما تُسكَب على مَدى ساعات أو أيَّام حيثُ إنَّ الفترة الفاصلة بين الانقباضات المؤلمة تَتقلَّص أكثر فأكثر، وتزيد حِدَّتُها أكثر، وتَزيد قُوَّتها أكثر في النِّهاية.

لِذا، سوف نَبتدئ بأنَّ الرَّبَّ في العِظة كان يَرى البداية. وفي البداية، ستكون هناك سِتَّة أوجاع... سِتَّة. وسوف أذكُر لكم وَجَعًا واحدًا في هذا الصَّباح وأذكُر الأوجاع الخمسة المُتبقِّية في المساء. سوف أذكُر لكم الآن واحدًا فقط. فالوجع الأوَّل هو الضَّلال... الضَّلال. والآن، نحن لا نقول إنَّه لا يوجد ضَلال اليوم. ونحن لا نقول إنَّه لم يكن هناك ضَلال آنذاك. فهناك دائمًا خِداع وتَضليل. وهناك دائمًا أشخاص يأتون باسم المسيح، وباسم الله، ويُضِلُّون النَّاس. وهناك دائمًا مُسَحاء كَذبة، وسيأتون دائمًا. ولكن ليس مِثل الضَّلال الَّذي سيكون في المُنتَهى. فكُلُّ شيءٍ سيكون أكثر حِدَّةً، وأكثر كَثافةً، وأكثر تصعيدًا. ومع أنَّ العِظة على جبل الزَّيتون لا تتحدَّث عن اختطاف الكنيسة إذْ ينبغي لنا أن نَنظر إلى الرَّسائل كي نقرأ عن ذلك... فهي لا تتحدَّث عن ذلك. معَ أنَّ العِظة على جبل الزَّيتون لا تتحدَّث عن اختطاف الكنيسة، فإنَّ هذا لا يعني أنَّه لن يكون هناك اختطاف. ونحن نؤمن بأنَّ كنيسة يسوع المسيح ستُختَطف، وبأنَّ كلَّ هذه الأشياء ستحدث، وبأنَّها ستحدث بعد أن تُختَطف الكنيسة، وبعد أن يُطلِق الرُّوحُ القُدُس كلَّ قُوَّته الكابِحَة ويَفتَح أبواب الجحيم. لِذا فإنَّ الشَّرَّ الَّذي يَنطوي عليه هذا الضَّلال سيَفوق كلَّ ضلال آخر. والشَّرُّ الَّذي ستنطوي عليه هذه الحروب سيَفوق كلَّ الحروب الأخرى. والشَّرُّ الَّذي تَنطوي عليه هذه النِّزاعات سيَفوق كلَّ نِزاعاتٍ أخرى. والشَّرُّ الَّذي تَنطوي عليه هذه الكَراهية وهذا القتل سيَفوق كلَّ كَراهية أخرى وقتلٍ آخر حيث إنَّه لن تبقى هناك أيَّة قُوَّة حَجْز في العالم لِكَبْحِ شَرِّ البَشر.

لِذا فإنَّنا ننظر إلى وقتٍ سيكون فيه الضَّلال قد بَلَغ ذُروته. وهذه هي العلامة الأولى... العلامة الأولى لمُبتدأ الأوجاع. "فَأَجَابَ يَسُوعُ [في العدد 4] وَقَالَ لَهُمْ: انْظُرُوا!". وحَرفيًّا: "بليپيتيه" (blepete)؛ أيْ: أبْقوا أعينكم مفتوحة. "لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ". لا تَنخدعوا... لا تَنخدعوا. فسوف يكون هناك أناس في تلك الفترة يبحثون عن إجابات. والعالم سيبتدئ بالتَّفَسُّخ، والشَّرُّ سيَستفحِل جدًّا. وما أعنيه هو أنَّ الشَّرَّ سيكون مُستفحِلاً جدًّا. والحقيقة هي أنَّ النَّصَّ يُخبرنا في العدد 12: "وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ...". فهل تَظُنُّون أنَّ الحال سَيِّئة الآن؟ لا يُمكنكم حَتَّى أن تَستوعبوا كيف ستكون الحال آنذاك عندما تُفْتَح أبواب الجَحيم على الأرض وتُختطف الكنيسة، ولا يَعود الكَابِح موجودًا. لِذا فإنَّه يقول: "احذروا مِن الضَّلال". "لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ".

فها هو العالم يَتَفَسَّخ. وها هو العالم يَتهاوى. وها هو العالم تَختفي فيه العاطفة الطَّبيعيَّة (بحسب ما قاله بولس لتيموثاوس). فهو عالمٌ باتت فيه كُلُّ العلاقات الاجتماعيَّة مُتَفَسِّخة. وَهُوَ عالمٌ تسود فيه الفَوضى الاقتصاديَّة، وعالمٌ يعيش في خطيَّة مَسعورة وجامحة. وكلُّ شيءٍ سيبتدئ في التَّفَكُّك، وكُلُّ شيء سيبتدئ في الانهيار. وهذا عالَمٌ يَترقَّب مَجيء قادة. وهذا عالَمٌ يَترقَّب مَجيء مُسحاء ومُخَلِّصين ومُنقذين. وحين يبتدئون في الصُّراخ وطلب تلك الأصناف مِن القادة، سيَظهر مُسحاء كذبة في كلِّ مكان يَدَّعون أنَّهم الحَلّ. ونقرأ في العدد 5: "فَإِنَّ كَثِيرِينَ..." - [أَترون هذه العبارة هناك؟] "فإنَّ كَثيرينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! [فسوف يكونون في كُلِّ مكان] وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ". ورُبَّما تَظُنُّون أنَّ هناك مُضِلِّين كثيرين اليوم؛ وهذا صحيح. وهناك مُسحاء كذبة في كلِّ مكان. وَهُم موجودون دائمًا. ولكن لا يوجد شيء يُشبه ما سَتؤول إليه الأمور في ذلك الوقت البائس واليائس. لِذا فإنَّه يقول: "لا تَنخدعوا. فَهؤلاء سيأتون في المُنتَهى. فسوف يأتي كثيرون ويُضِلُّونَكُم. وَهُم سيطلبون منكم أن تُؤمنوا بأنَّهم المسيح. وسوف يأتون باسمي [كما يَقول] ويقولون إنَّهم المسيَّا.

والعِظة على جبل الزَّيتون، أو أجزاءٌ منها، مُدَوَّنة أيضًا في إنجيل مَرقس 13 وإنجيل لوقا 21. وفي إنجيل لوقا 21: 8، يَكتُب لوقا: "فَقَالَ: «انْظُرُوا! لاَ تَضِلُّوا. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ [المَسيح]!". ويُضيف لوقا: "وَالزَّمَانُ قَدْ قَرُبَ!" بعبارة أخرى، سوف يقولون: "لقد حان وقت ملكوتي. لقد حان وقت ملكوتي". والرَّبُّ يقول: "فَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَهُمْ". فسوف يأتون ويقولون: "أنا المَسيح. وقد حان وقت ملكوتي". وكما تَعلمون، لقد سَمِعنا كثيرين يقولون ذلك... كثيرين منهم. ولكنَّ الحال ليست كما ستكون عليه في ذلك اليوم في عالَمٍ يائسٍ تمامًا، وفي عالَمٍ يَصرُخ ويَبكي مِن أجل مُخَلِّصين وقادة، وفي عالَمٍ ما يزال النَّاس يَميلون فيه إلى الدِّين. فنحن لدينا مَيْل دينيّ شَديد جدًّا بطبيعتنا. وسوف يَبحث هؤلاء عن قادة دينيِّين. وسوف يَكثُر المُحتالون والمُخادعون والمُسحاء الكَذبة.

والحقيقة هي... انظروا إلى العدد 23: "حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا". بعبارة أخرى، لن يكون هؤلاء مِثل فئةٍ مِن المُعلِّمين الكذبة في هذا العصر، بل إنَّهم سيمتلكون القدرة على القيام بالآيات والعجائب. فسوف يَمتلكون القدرة على القيام بأعمال السِّحر. وسوف يَمتلكون القدرة على القيام بأعمال خارقة للطَّبيعة بالاستعانة بالشَّيطان حَتَّى إنَّهم سيَجذبون انتباه العالَم.

وسوف يَنتهي المَطاف بهذا العدد الهائل مِن المُسحاء الكذبة بظهور مَسيحٍ زائفٍ واحدٍ اسمُهُ ماذا؟ "ضِدُّ المَسيح". وسوف يكون هو خَاتَم المُسحاء الكَذبة. وسوف يكون أكثر شخصٍ مَسكون بالأرواح الشرِّيرة والشَّياطين. ودانيال يُسَمِّيه "القَرن الصَّغير"، أو: "المَلِك الجَافِي الوَجْه"، أو: "المَلِك العَنيد". ويُوحنَّا يُسَمِّيه: "الوحش". وبولس يُسَمِّيه: "ابن الهَلاك" و "إنسان الخطيَّة". وهو يأتي بصفته خَاتَم المُسحاء الكَذبة. وسوف يكون مُقنِعًا جدًّا ومُضِلاًّ جدًّا حتَّى إنَّ الآية دانيال 9: 27 تقول إنَّ إسرائيل نفسَها ستُبرِم مُعاهدةً معه وتَدخُل في تَحالُفٍ معه لأنَّهم سيُصدِّقون أنَّه مُخلِّصهم. فسوف يكون مُضِلاًّ إلى هذا الحدّ. وسوف تسقط كلُّ أمم العالم ضحيَّة ضلالاته وتَنصاع تحت سُلطانه. فهو سيَخدع كثيرين.

والحقيقة هي أنَّ الكتاب المقدَّس يُقدِّم لنا معلوماتٍ كثيرةً جدًّا عنه. ففي سِفْر دانيال 8: 23، استمعوا وحسب بينما أقرأ هذا النَّصِّ على مسامعكم: "وَفِي آخِرِ مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي..."؛ ويا لها مِن عبارة! "عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي". هل تَعلمون لماذا يَنتظر التَّاريخ البشريّ؟ هل تَعلمون لماذا لا يَتدخَّل الله؟ إنَّه ينتظر أن يَبلُغ التَّعَدِّي ذُروته. وكأنَّ الله يريد أن يُعطي الخطيَّة كلَّ ما تحتاج إليه الخطيَّة لتَدين نفسها، ثُمَّ إنَّه سيُزيلُها مِن الوجود إلى الأبد. وكأنَّ الخطيَّة ستَستَفحِل إلى أقصى حَدٍّ مُمكن. لِذا، في ذلك اليوم، "عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ وَفَاهِمُ الْحِيَل".

ما مَعنى ذلك؟ "فَاهِم الحِيَل؟" أي أنَّه في شركة مع الشَّياطين والأرواح الشرِّيرة. فهو وَسيطٌ يتواصل مع الأرواح الشرِّيرة السُّفليَّة. "وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقُوَّتِهِ. يُهْلِكُ عَجَبًا". فهو لا يفعل ذلك بقوَّته، بل بقوَّة الجَحيم. "يُهلِك عَجَبًا" [أو بصورة عجيبة]. فهو فَاتِحٌ عَجيب! "وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ الْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ الْقِدِّيسِينَ. وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا الْمَكْرُ فِي يَدِهِ". فسوف يكون مُضِلاًّ فَعَّالاً. "وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الاطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ كَثِيرِينَ". فهو يَستخدم السَّلام، ويَستخدم المُفاوضات لإهلاك العالَم وإخضاع النَّاس لهَيمنته.

وَهُوَ مَوصوف، بالمُناسبة، في سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 6. فبعد انتهاء الضِّيقة العظيمة، فإنَّ أوَّل شيء سيحدث، أو مُبتدأ الأوجاع في رؤيا 6 هو نفس مُبتدأ الأوجاع كما نَجِد هنا في إنجيل مَتَّى 24. فإنجيل مَتَّى 24 يقول: "[أوَّلاً] انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ". ونقرأ في رُؤيا 6 أنَّه عندما تَبدأ الضِّيقة: "فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ [أي أنَّه سيَغزو] مَعَهُ قَوْسٌ [ولكِن مِن دون سِهام]". وما مَعنى ذلك؟ إنَّه يَبُثُّ الرُّعبَ ولكن مِن دون أن يُطلِق سِهامًا. فهو يَغزو مِن خلال السَّلام. لِذا فإنَّ مُبتدأ الأوجاع هو الضَّلال والمَسيح الزَّائف. فهذا هو ما جاء في إنجيل مَتَّى 24. وابتداء الضِّيقة (في رُؤيا 6) هو السَّلام الزَّائف ومجيء شخص زائف يَجلس على فَرس أبيض يُقَلِّد الفارس الحقيقيَّ الَّذي يَجلس على فرس أبيض في رُؤيا 19 والذي هو مَن؟ يسوع المسيح. لِذا فإنَّ دانيال يَرى الشَّيء نفسه. ففي الزَّمان الأخير، عند تَمام المَعاصِي، سيأتي هذا المَلِك. وَهُوَ سيأتي بقوَّة. وَهُوَ سيفعل أمورًا عَجيبة. وَهُوَ سيَستجمع قُوَّته مِن خلال السَّلام ويَقوم على رئيس الرُّؤساء. فهو سيقوم ضِدَّ المسيح.

وفي الأصحاح الحادي عشر مِن سِفْر دانيال، نَقرأ المزيد عنه. ففي العدد 36، يُسَمَّى "المَلِك الَّذي يَفعل كَإِرَادَتِهِ" أو "المَلِك العَنيد". ولا شَكَّ في أنَّه يَتَعَدَّى على مشيئة الله. "وَيَرْتَفِعُ وَيَتَعَظَّمُ عَلَى كُلِّ إِلهٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ عَلَى إِلهِ الآلِهَةِ، وَيَنْجَحُ إِلَى إِتْمَامِ الْغَضَبِ، لأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ يُجْرَى". فهو سيَفعل ذلك إلى أن يأخذ غَضَب الله مَجراه. وحينئذٍ ستكون نِهايته. ولكن في ذلك الوقت، سوف يَفعل أمورًا عجيبة. فسوف يُجَدِّف على الله. ونقرأ أنَّه "يُكْرِمُ إِلهَ الْحُصُون" (في العدد 38) "وَإِلهًا لَمْ تَعْرِفْهُ آبَاؤُهُ، يُكْرِمُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبِالْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ وَالنَّفَائِس". فسوف يَنصُب آلهةً جديدة. فهو ضِدٌّ وَثَنِيٌّ للمَسيح.

لِذا فإنَّ ضَلالَهُ عَجيب. والحقيقة هي أنَّ ضَلاله مَوصوف بتفصيلٍ أكبر في سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 13. وهُناك، يَراه يُوحنَّا لا كوجهٍ جَافٍ، ولا كمَلِكٍ عَنيد، بل يَراه مِن زاوية أخرى: كَوحش. فهو وحش يَطلع مِن بين الأمم. والرَّمزيَّة حَيَّة جدًّا. فهو وحش جَبَّار. وهو وحش مُدمِّر. والحقيقة هي أنَّ النَّاس يقولون في العدد 4: "مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟ وَأُعْطِيَ فَمًا يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ وَتَجَادِيفَ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا أَنْ يَفْعَلَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا" (أي: ثلاث سنوات ونصف). فسوف يفعل ذلك ثلاث سنوات ونصف. فهكذا ستبتدئ النِّهاية. فهي ستبتدئ به فيستمرُّ اثنين وأربعين شهرًا أو ثلاث سنوات ونصف. وهذا هو النِّصف الثَّاني مِن الأسبوع السَّبعين الَّذي تَكلَّم عنه دانيال، أو فترة السَّنوات السَّبع الَّتي تَحدَّث عنها دانيال في سِفْر دانيال 9: 27.

وكما تَرون فإنَّ دانيال قال إنَّ هناك أسبوعًا باقيًا مِن الضِّيقة... أسبوعًا واحدًا. وَهُوَ أسبوع مُؤلَّف مِن سِنين؛ وتحديدًا: سبع سِنين. وفي وسطها، أو في مُنتصفها، يأخذ ضِدُّ المسيح هذا مَكانه. وَهُوَ يَبقى طَوال اثنين وأربعين شهرًا (أو ثلاث سنوات ونصف) مُتمتِّعًا بقوَّة عظيمة. وَهُوَ يَفتح فَمه (كما يقول العدد 6) ويُجَدِّف على الله. فهو يُجَدِّف على اسم الله، وعلى مَسْكِن الله، وعلى السَّاكِنين في السَّماء. "وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ. فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْض".

هل يمكنكم أن تَتخيَّلوا ضَلالاً كهذا؟ فالعالَم سيؤمن حقًّا بأنَّ هذا هو المسيَّا، وبأنَّ هذا هو المُخلِّص الَّذي انتظره العالَم وقتًا طويلاً جدًّا. إلى جانبه (كما جاء في العدد 11 مِن الأصحاح 13) سيَطلع وحش آخر يُعرَف بالنَّبيِّ الكَذَّاب. وَهُوَ يَملِك كُلَّ سُلطان الوحش الأوَّل ويَجعل الأرض وكُلَّ السَّاكنين فيها يَسجدون للوحش الأوَّل. وَهُوَ (بحسب العدد 13): "يَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء". ونقرأ في العدد 14 أنَّه "يُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْض".

لِذا فإنَّ يسوع يقول: "انْظُرُوا [وابقوا أعيُنكم مَفتوحة في نهاية الدَّهر]! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ مُسحاءَ كَذبة كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِين". كَم؟ العالَمَ كُلَّه... العالَمَ كُلَّه. لا تَسمحوا أن يحدث ذلك لكم. ويا له مِن تحذير! ومَن هو الَّذي يَقِف وراء هذا الضَّلال؟ المُضِلُّ القديم نفسُه إذْ إنَّنا نقرأ في سِفْر الرُّؤيا 12: 9: "التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ".

وهناك مَقطع آخر في رسالة تسالونيكي الثَّانية والأصحاح الثَّاني. وسوف نَختم بهذا النَّصّ. رسالة تسالونيكي الثَّانية والأصحاح الثَّاني: "ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ". فقد كان هناك أشخاص يقولون لمؤمني تسالونيكي إنَّ يوم الرَّبِّ قد ابتدأ بالفعل، وإنَّهم يعيشون في ذلك الوقت. وَهُوَ يقول: "لا تُصَدِّقوا ذلك". "لاَ تَرتاعوا مِن أيِّ شخصٍ: لا برسالةٍ أو أيِّ شيءٍ أو أيِّ شخصٍ. لا بِروحٍ، ولا مِن أيِّ إنسان. لا تَسمحوا لأيِّ شخصٍ أن يَجعلكم تَظُنُّون أنَّنا قد دَخلنا في يوم الرَّبّ". لماذا؟ نقرأ في العدد 3: "لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَك". وبولس يَتَّفِق مع دانيال. وبولس يَتَّفق مع يسوع. وبولس يَتَّفق مع سِفْر الرُّؤيا ويقول الشَّيء نفسه تمامًا. فقبل مَجيء الرَّبّ، سَيُستعلَن إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ هذا، ابْنُ الْهَلاَكِ، المَلِكُ العَنيدُ ذو الوَجه الجَافي، الوحشُ الَّذي سيُضِلّ العالَم. وَهُوَ "الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ".

ونَقرأ في العدد 8: "وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ". وفي العدد 9: "الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ فِي الْهَالِكِينَ". فهو يأتي ويُضِلُّ العالَم كُلَّه.

وكما تَرون، فإنَّ الكتاب المقدَّس مُنسجمٌ تمامًا. فالأمرُ كلُّه، أي ذلك النِّصف الثَّاني مِن الضِّيقة، أو السَّنوات الثَّلاث والنِّصف الأخيرة، تبتدئ بظهور المسيح الكذَّاب. وقبل مجيئه، سيأتي كثيرون يَدَّعون أنَّهم هو. ورُبَّما حتَّى خِلال حُكمِه، سيأتي كثيرون مِنهم، ويُحاربونه بِلا جَدوى. لِذا فإنَّ العلامة الأولى على نِهاية عصر الإنسان هي الضَّلال. وَهُوَ ضَلال فَعَّال جدًّا. وَهُوَ يُفضي حَرفيًّا إلى ضَلال العالَم بأسره. لِذا، لا عَجَب أنَّ الربَّ يقول: "يجب عليكم أن تَحذروا".

والآن، هناك خمس علامات أخرى هي البداية فقط إذْ إنَّها ستظهر في الجزء المبكِّر مِن الضِّيقة العظيمة. وسوف نَرى ما هي هذه العلامات الخمس الأخرى الباقية في هذا المساء. لِذا، لا تُفَوِّتوا ذلك. دَعونا نَحني رؤوسَنا حَتَّى نُصلِّي:

ابقوا في أماكنكم قليلاً في الخِتام. فقد يقول بعضٌ منكم: "حسنًا! أنا أسمع ما تقول، ولكن ما مَعنى هذا كُلُّه؟ وما صِلَتُهُ بي؟" اسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا: أوَّلاً، إن كنت مؤمنًا، يجب عليك أن تَفرح لأنَّ يسوع سيأتي، ولأنَّ الخطيَّة ستَزول وتَنتهي. يجب عليك أن تَفرح. ويجب عليك أن تَتحمَّس لأنَّ شخص الله لن يُقابَل بعد ذلك بقِلَّة الاحترام، أو التَّشويه، أو التَّجديف. ويجب عليك أن تَتحمَّس لأنَّ ضِدَّ المسيح، والوحش، والنبيَّ الكذَاب، والشَّيطانَ نفسَه سيُطرَحون إلى الأبد في بُحيرة النَّار مع جميع الأشخاص الَّذينَ رَفَضوا المسيح وأَبغضوا الله على مَرِّ التَّاريخ كُلِّه. ويجب عليك أن تَتحمَّس لأنَّ يسوع سيُرَفَّع ويُعبَد ويُمَجَّد إلى أبد الآبدين.

ولكن في الوقت نفسه، يجب علينا أن نَحزن لأنَّه عندما يَحدث ذلك، ستكون هناك دينونة لغير الأبرار. وسوف يُقطَعون إلى الأبد مِن حضرة الله ويَهلِكون إلى الأبد... يَهلِكون إلى الأبد. وقد تقول: "حسنًا، ولكنَّ هذا قد لا يحدث". سوف يَحدث. وقد تَيَقَّن يسوع مِن أنَّنا لن نَشُكَّ في ذلك مِن خلال إعلان تلك النُّبوَّة المُختصَّة بدمار أورُشليم عندما قال: "لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!". وفي سنة 70 ميلاديَّة، أي بعد تلك النُّبوَّة بثلاثين سنة، تَحَقَّقت تلك النُّبوَّة. فلم يُترَك حَجر على حَجر.

وقد قرأتُ في هذا الأسبوع في كِتابٍ للمؤرِّخ "يوسيفوس" (Josephus) أنَّ قائد الجيش "تيطُس فسباسيان" (Titus Vespasian) وقف في وسط أرض الهيكل وصاح بأعلى صوته على جيشه أَلاَّ يَفعلوا ذلك، ولكنَّهم فعلوا ذلك بأيِّ حال. وقد كان "تيطُس" بلا شَكٍّ يُمَثِّل الشَّيطان الَّذي يحاول أن يُوقف النُّبوَّة مِن التحقُّق، ولكنَّ الله أعظم مِن الشَّيطان. وقد سَمَح الله لكراهية هؤلاء الرُّومان الشَّديدة لليهود أن تَدفعهم إلى مُخالفة أوامر قائدهم فَهَدموا ذلك الهيكل خِلافًا لأوامر قائدهم.

فمشيئة الله لا يُمكن أن تُوقَف. وكما أنَّ الهيكل هُدِم تمامًا ولم يبقَ فيه حَجر على حَجر (إذْ إنَّ هذا هو تمامًا ما حدث)، فإنَّ هذا الأمور ستحدث بِذات الدِّقَّة أيضًا. وحين نَعلم ذلك، نَعلم أنَّ التَّاريخ هو تحت سيطرة الله، وأنَّ مصير البشر هو بيد المسيح. لِذا فإنَّنا نَفرح مِن جهة بسبب ذلك المَصير المَحتوم، ونَحزن مِن جه أخرى بسبب ما سيحدث لأولئك الَّذينَ لا يَعرفون المُخلِّص. ولكن مِن المؤكَّد أنَّنا لا ننظر إلى هذا الأمر بعين الفُضول فقط. فذلك سيكون قِمَّة الحماقة.

لِذا، مِن جهة، إن كنت تَعرف المُخلِّص، افرح. وإن لم تكن تعرفه، يجب عليك أن تَخشاه لأنَّه قادرٌ أن يُهلِك النَّفسَ والجسدَ كِليهما في جَهنَّم، وأن تَأتي إلى الشَّخص الوحيد الَّذي يَقدر أن يُخلِّص، أي إلى الربِّ يسوعَ المسيح الَّذي مات لأجلك، وقام ثانيةً، ويُقدِّم لك الغُفران والحياة الأبديَّة والبَركة في سَمائِه.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize