
إذْ نُهَيِّئُ أنفُسَنا للاشتراكِ في مَائدةِ الرَّبِّ في هذا المَساء، أَوَدُّ أنْ نَعودَ إلى سِفْر دانيال والأصحاح التَّاسع. ففي الأسبوعَين الماضِيين، تأمَّلنا في الأعداد التِّسعةَ عَشرَ الأولى مِنْ سِفْر دانيال والأصحاح التَّاسع. وأريدُ أنْ نُنهي تأمُّلَنا في ذلكَ السِّفْر في هذا المساء [بإيجاز] ثُمَّ أنْ نَشترِكَ معًا في مَائدةِ الرَّبِّ.
إنَّ الأصحاحَ التَّاسعَ مِن سِفْر دانيال يُقَدِّمُ لنا فِكرةً رائعةً عن مَوضوعِ الصَّلاة. فالآياتُ التِّسعَ عَشرةَ الأولى هي صَلاةٌ صَلَّاها دانيال إلى الرَّبِّ نِيابةً عنِ الشَّعبِ الَّذي أَحَبَّهُ، شَعب إسرائيل. وكما تَعَلَّمنا في يَوْمَيِّ الأحدِ المَاضِيَيْنِ مَساءً مِنْ خِلالِ تَأمُّلِنا في هذه الصَّلاة الرَّائعة، فإنَّ هُناكَ أَوْجُهًا عَديدةً للصَّلاة ... أَوْجُهًا عَديدة. وقد حَاولتُ أنْ أُبَيِّنَ لكُم خِلالَ السَّنواتِ الماضيةِ والأشهُرِ الأخيرةِ الَّتي دَرَسنا فيها الصَّلاةَ الرَّبَّانيَّةَ الوارِدة في إنجيل مَتَّى والأصحاحِ السَّادس، فإنَّ الصَّلاةَ هي بصورة جوهريَّة: شَرِكَة معَ اللهِ. فهي ليست مُصَمَّمَة حَقًّا لكي نَحصُلَ مِن خلالِها على الأشياءِ الَّتي نُريد بِقَدْرِ ما هي مُصَمَّمة لكي نَتَناغَمَ معَ الأشياءِ؛ ولا سِيَّما لكي نَقْرِنَ مَشيئَتَنا بمشيئةِ الرَّبِّ وبأسبابِهِ ومَقاصِدِه.
ولتوضيحِ ذلك، اسمحوا لي أنْ أَحكي لَكُم قِصَّةً قصيرة: فذاتَ يومٍ، جاءَ الابْنُ الصَّغيرُ البالِغ مِنَ العُمرِ خمس سنوات إلى أبيهِ "د. ل. مودي" (D.L. Moody)، الواعِظ العَظيم، وَهُوَ في مَكتَبِه. وكانَ أبوهُ هُناكَ مُستغرِقًا في كُتُبِهِ وكِتابِهِ المُقَدَّسِ، وكانَ يَكتُبُ ولا يُريدُ أيَّ مُقاطَعات. وقد وَقَفَ الطِّفلُ الصَّغيرُ بجانِبِهِ دُوْنَ أنْ يَقولَ أيَّة كلمة، ودونَ أنْ يُصْدِرَ أيَّ صَوتٍ. وأخيرًا، كانَ الإلهاءُ أكثرَ مِنْ قُدرةِ السَّيِّد مُودي على التَّحَمُّل. لِذا فقد قالَ بِفَظَاظَة: "حسنًا! ماذا تُريد؟" فقالَ الابن: "لا شيءَ يا أبي. فقد أردتُ فقط أنْ أكونَ حيثُ تَكونُ أنت". وأعتقد أنَّ هذه هي الصَّلاة في المقامِ الأوَّلِ والأخير. فهي لا تَعني بالضَّرورة أنَّكَ تُريدُ أيَّ شيء، بل إنَّها تَعني وَحَسْب أنْ تكونَ حيثُ يَكونُ اللهُ.
فالصَّلاةُ هي الدُّخولُ إلى حَضرَتِه. والصَّلاةُ هي شَرِكَة معَ اللهِ. والصَّلاةُ هي الرَّغبة في الاقترانِ بشخصِ اللهِ، وخُطَّةِ اللهِ، وقُدرةِ اللهِ، وقَصدِ الله. وقد تأمَّلنا في هذه الصَّلاةِ الَّتي صَلَّاها دانيال. فهو يَعرِفُ ما هي الخُطَّة. فقد أُعلِنَتْ لَهُ في سِفْرِ إرْميا فيما كانَ يَقرأُها. وقد عَرَفَ ما أَزْمَعَ اللهُ أنْ يَفعلَهُ. فهو يَعرفُ الوضعَ. وهو لا يَطلُبُ أنْ يَعرِفَ ما هو أكثر مِن ذلك، بل إنَّهُ يُريدُ أنْ يَقرِنَ نَفسَهُ باللهِ وبما وَعَدَ اللهُ أنْ يَفعلَهُ. فهو يُريدُ وَحَسْب أنْ يكونَ حَيثُ يَكونُ اللهُ، وأنْ يكونَ وَحَسْب جُزءًا مِن خُطَّةِ الله.
ونَيابَةً عن شَعبِ إسرائيل، فإنَّهُ يَتَشَفَّعُ. والحقيقةُ هي أنَّ الطِّلبةَ الوحيدةَ في كُلِّ الأعدادِ التِّسعةَ عَشرَ تَرِدُ في العدد 19، وهي طِلبة بَسيطة حَقًّا: "يَا سَيِّدُ اسْمَعْ. يَا سَيِّدُ اغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَاصْنَعْ". فالقضيَّةُ الجوهريَّةُ هي: "اصنَع ذلكَ، يا رَبّ. فقد قُلتَ أصلاً إنَّكَ ستَفعل ذلك. وقد خَطَّطتَ أَصْلاً للقيامِ بذلك. وقد أَعلنتَ في كلمتِك أنَّكَ ستَفعل ذلك. وأنا أُريدُ وَحَسْب أنْ آتي وأقولَ: ’اصنَع ذلك‘. فأنا أُريدُ أنْ أَقْرِنَ نَفسي بذلك. ويا رَبّ، إنْ كانَ هذا يَعني أنْ تَغفِرَ لِشَعبِكَ، افعل ذلكَ واعمَل على إنهاءِ تأديبِهم".
والآن، في هذه الصَّلاة الرَّائعة، هناكَ ثماني عَشرةَ آية قبلَ أنْ يَصِلَ إلى طِلبَتِه. ثماني عَشرةَ آية مِنْ تَهيئةِ القَلبِ. وثماني عَشرةَ آية مِنْ تَشَفُّعِ دانيال في شَعبِهِ. وقد أَشرتُ إلى أنَّ هناكَ ثَمانية عَناصر للصَّلاةِ الشَّفاعيَّةِ الحقيقيَّة. فهناكَ ثَمانية عَناصر للصَّلاةِ الشَّفاعيَّةِ الحقيقيَّة. ونحنُ نَرى هذهِ السِّماتِ الثَّماني في أثناءِ تأمُّلِنا في هذه الصَّلاة الرَّائعة. وهي تَصيرُ نَموذَجًا لنا، بَلِ الحقيقةُ هي أنَّها أفضلُ نَموذجٍ لنا في كُلِّ العهدِ القديم. واسمَحوا لي أنْ أُذَكِّرَكُم بما تَعَلَّمناهُ مِنْ قَبْل، وأنْ نُراجِعَ المبادئَ الأولى الَّتي دَرَسناها في السَّابق:
أوَّلاً، الصَّلاةُ تَنبُعُ مِنْ كلمةِ اللهِ. فالعددُ الثَّاني يَقولُ لنا إنَّهُ بَينما كانَ يَقرأُ في سِفْرِ إرْميا، حَدَثَ شَيءٌ حَفَزَهُ على الصَّلاة. فحياةُ الصَّلاةِ لدينا تَنبُعُ مِنْ دراسَتِنا المُثابِرَة لكلمةِ اللهِ. فعندما نَسمعُ اللهَ وَهُوَ يُطلِعُنا على خُطَطِهِ، فإنَّنا نَتجاوَب. لِذا، يُمكِنُنا أنْ نَقولَ إذًا إنَّ المبدأَ الأوَّلَ هُوَ أنَّ الصَّلاةَ تَنبُعُ مِنْ كلمةِ اللهِ. وهذا يَعني، ببساطة أنَّنا نَطلُبُ أنْ نَعرِفَ خُطَّةَ اللهِ. فهذه هي نُقطةُ الابتداء. ونحنُ نَدرُسُ كلمةَ اللهِ لكي نَعرِفَ ما عَقَدَ اللهُ العَزْمَ على فِعلِهِ لكي نُصَلِّي بِفِطْنَة.
ثانيًا، لقد قُلنا إنَّ الصَّلاةَ تَقومُ على مشيئةِ الله. فهي تَنبُعُ مِنْ كلمةِ اللهِ، وتَقومُ على مَشيئةِ اللهِ. فنحنُ نَتُوقُ لا فقط إلى مَعرفةِ خُطَّةِ اللهِ، بل نَتُوقُ أيضًا إلى رُؤيَتِها تَتَحَقَّق. فنحنُ لا نُحاوِلُ أنْ نُغَيِّرَ فِكْرَ اللهِ، بل نُحاولُ أنْ نَقْرِنَ أنفُسَنا بما يُريدُ في الأصلِ أنْ يَفعل؛ وَهُوَ الأفضل.
ثالثًا، لقد تَعَلَّمنا أنَّ الصَّلاةَ تَتَّسِمُ بالحَرارة. فالصَّلاةُ هي اشتراكٌ شَغوفٌ في الشُّؤونِ الَّتي تَخْتَصُّ بقلبِ اللهِ. فالصَّلاةُ لا تَعني وَحَسْب أنْ نَطلُبَ أنْ نَعرِفَ خُطَّةَ اللهِ، ولا فقط أنْ نَتوقَ إلى رُؤيةِ خُطَّتِهِ تَتحقَّق، بل إنَّها تَسعى أيضًا إلى رُؤيةِ خُطَّةِ اللهِ تَتَحَقَّق حالاً. فهُناكَ تَلَهُّفٌ. وهُناكَ شَغَفٌ فيها.
رابعًا، لقد رأينا أيضًا أنَّ الصَّلاةَ الشَّفاعيَّةَ الحَقيقيَّةَ ... الصَّلاةَ الحقيقيَّةَ تَتَّسِمُ بإنكارِ الذَّاتِ. فهي تَتَحَقَّقُ مِنْ خِلالِ إنْكارِ الذَّاتِ. ونحنُ نَرى الحَرارةَ في العددِ الثَّالث. ونَرى إنكارَ الذَّاتِ في العددِ الرَّابع إذْ نَقرأُ: "وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي وَاعْتَرَفْتُ". فَهُوَ لا يأتي ويَقول: "يجب أنْ تَفعلَ هذا الأمرَ لأجلي لأنَّني أُطالِبُكَ بذلك". وَهُوَ لا يأتي ويقول: "أنا لَدَيَّ الحَقُّ في طَلَبِ هذا الأمرِ مِنكَ يا الله". بل إنَّهُ يأتي قائلاً: "أنا خَاطِئٌ". والحَقيقةُ هي أنَّهُ يَقول: "أنا لا أَملِكُ أيَّ حَقٍّ في مُطالَبَتِكَ بأيِّ شيء". فالصَّلاةُ هي، في المَقامِ الأوَّلِ: اعترافٌ بِعَدَمِ استحقاقِنا. وهي إنْكارٌ للذَّات. لِذا فإنَّ الصَّلاةَ تَتوقُ لا فقط إلى مَعرفةِ مَشيئةِ اللهِ، ولا فقط إلى رُؤيةِ مَشيئَتِهِ تَتَحَقَّق، ولا فقط إلى رُؤيَتِها تَتحقَّقُ حالاً، بل إنَّها تَتوقُ إلى رُؤيتها تَتحقَّقُ مَهما كانَ الثَّمَنُ الَّذي سأدفَعُهُ أنا.
ثُمَّ خامسًا، لقد قُلنا إنَّ الصَّلاةَ الشَّفاعيَّةَ الحَقيقيَّةَ تَعني الاقترانَ بِشَعبِ اللهِ. فهي ليست أنانيَّة. وما أَعنيه هو أنَّها إنْ كانَتْ تَتَّسِمُ بإنْكارِ الذَّاتِ، فإنَّها لن تَكونَ أنانيَّة. وهي لن تَسعى إلى حِيازَةِ وَاكتسابِ كُلِّ ما يَصُبُّ في مَصلَحَتِها. وقد رأينا، في أثناءِ تأمُّلِنا في الأعداد 5-14 كَمْ مَرَّةً تَحَدَّثَ فيها بصيغةِ الجَمْعِ كَقَولِهِ: "أَخْطَأنَا" وَ "أَثِمْنَا" وَ "عَمِلْنَا الشَّرَّ" إشارةً إلى كُلِّ بَني إسرائيل. وَهُوَ يَقولُ المَرَّةَ تِلوَ المَرَّة: "أنا أُريدُ أنْ أَضُمَّ كُلَّ شعبِ اللهِ ... كُلَّنا. فهذه مُشكلةٌ تَختصُّ بِنا جميعًا. تَكَلَّم إلينا". فَجوهرُ الصَّلاةِ الشَّفاعيَّة الحقيقيَّة هو أنَّها أكبرُ مِنْ أيِّ فَرْدٍ حَتَّى إنَّنا حينَ نُصَلِّي حقًّا فإنَّنا نَضَعُ ذواتِنا جانبًا ونَنشَغِلُ بحاجاتِ الآخرين. وقد ذَكَّرناكُم بما جاءَ في سِفْر صموئيل الأوَّل 12: 23 إذْ نَقرأُ: "وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى الرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ الصَّلاَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ".
لِذا، يُمكنُنا أنْ نَقولَ إنَّ الصَّلاةَ الشَّفاعيَّةَ الحقيقيَّةَ لا تَتوقُ فقط إلى تَحقيقِ خُطَّةِ اللهِ، ولا تَتوقُ فقط إلى رُؤيَتِها تَتحقَّق، ولا تَتوقُ فقط إلى رؤيتها تتحقَّقُ حالاً، ولا تَتوقُ فقط إلى رُؤيتها تَتحقَّقُ حالاً أيًّا كانَ الثَّمنُ الَّذي سأدفَعُه أنا، بل إنَّها تَتوقُ أيضًا إلى أنْ تَراها تَتحقَّقُ لِما فيهِ خَير الآخرين ... خَيْر الآخرين. فهي لا تَقولُ: "يا رَبُّ، أرجوكَ أنْ تَفعل كَذا لأنَّني أَوَدُّ أنْ يَحدُثَ ذلك"؛ بل هي: "أرجوكَ أنْ تَفعلَ ذلكَ لأنَّ شَعبَكَ سَيَتبارَك".
ثُمَّ سادسًا، وقد تَوَقَّفنا هُنا في المَرَّة السَّابقة: الصَّلاةُ الشَّفاعيَّةُ الحقيقيَّةُ تَتَقَوَّى بالاعتراف. فهي تَتقوَّى بالاعتراف. انظروا إلى العدد 30 أوْ بالحَرِيِّ إلى العدد الثَّالث ... أنا آسِف. العدد الثَّالث، ثُمَّ العدد 20. العَدد الثَّالث: "فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ. وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي وَاعْتَرَفْتُ". العَدد 20: "وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَكَلَّمُ وَأُصَلِّي وَأَعْتَرِفُ بِخَطِيَّتِي وَخَطِيَّةِ شَعْبِي إِسْرَائِيل...".
والآن، في أثناءِ كُلِّ تلكَ الصَّلاةِ، هناكَ شُعورٌ بالحاجةِ إلى الاعتراف. والاعترافُ يَعني أنْ تُوافِقَ اللهَ بخصوصِ ما يَقولُهُ عنْ خطيَّتِك؛ أيْ أنْ تُوافِقَ اللهَ على أنَّ خَطيئَتَكَ هي خَطيئَتُك. فعندما صَلَّى "دان" (Dan) اللَّيلة، اعترفَ أمامَ الرَّبِّ بخطيئتهِ وخطيئةِ شَعبِه. وهو يَقولُ: "يا رَبُّ، نَشكُرُكَ لأنَّكَ غَفرتَ لنا، ولكِنَّنا نَعتَرِفُ بهذهِ الأمور". وهذا هو جَوهرُ الصَّلاةِ الحقيقيَّة. فالمُصَلِّي الحَقيقيُّ يَدخُلُ إلى حَضرةِ اللهِ وَهُوَ يَشعُرُ بقداسةِ اللهِ المُطلَقة. لِذا فإنَّهُ يُبدي استعدادَهُ للاعترافِ بخطيئَتِه.
وعندما تَذهبونَ إلى مُناسبةٍ مُهِمَّة، وتكتشفونَ أنَّكُم تَرتدونَ ملابسَ لا تَليقُ بالمُناسبة، فإنَّكُم تَستمرُّونَ في تَقديمِ الاعتذار. وقد حَدَثَ ذلكَ لي. فأنا أُشارِكُ مَعَكُم أحيانًا ما يَحدُث معي. وما زِلتُ أَذكُرُ أوَّلَ مَرَّةٍ ذَهبتُ فيها إلى "مُؤتمرِ مُودي للرُّعاة" (Moody Pastors Conference). وأنا لم أَكُنْ واعِظًا فيه، بل إنَّني ذَهَبْتُ لأُنعِشَ قَلبي وَحَسْب. وقد كُنتُ أَفعلُ شيئًا ما في عَصْرِ ذلكَ اليوم. وكُنتُ أرتدي ملابسَ عاديَّة. وكُنتُ أرتدي قميصًا يَحمِلُ صُورةَ "ميكي ماوس". وعادةً، أنا لا أَرتدي قميصًا رُسِمَت عليهِ صُورة "ميكي ماوس" في الأماكِن المُهِمَّة، ولكنِّي فَكَّرْتُ في أنْ أَتَسَلَّلَ إلى القاعة وأنْ أَسمعَ العِظَة الأخيرة في ذلكَ المساء. وقد وَقَفَ رَئيسُ المؤتمر وقال: "هل جون ماك آرثر موجودٌ في القاعة؟ إنْ كانَ حاضِرًا، أَوَدُّ أنْ أَدعوهُ إلى المَجيءِ إلى هُنا كَيْ يَقودَنا في الصَّلاة". وقد كانت تلكَ أوَّل وآخر مَرَّة أرتدي فيها قميصًا رُسِمَت عليه صُورة ميكي ماوس في مؤتمرٍ للرُّعاة. وقد وَقفتُ هُناكَ وأنا أرتدي قميصًا رُسِمَتْ عليه صُورة ميكي ماوس.
ولا شَكَّ أنَّ الحادثةَ تصيرُ مُضحِكَة أكثر كُلَّما فَكَّرتَ فيها. وقد حَدَثَ ذلكَ قبلَ وقتٍ طَويل عندما كُنتُ شَابًّا وأحمق. ولكنَّ الشَّيءَ الَّذي بَقِيَ حَيًّا في ذاكرتي بعدَ ذلكَ هو أنَّني استمرَّيْتُ في تقديمِ الاعتذار: "لا أدري لماذا طَلَبتُم مِنِّي أنْ أُصَلِّي. أنا واثقٌ مِنْ أنَّكُم لو كُنتم تَعلمونَ ذلك لما طَلَبتُم مِنِّي أنْ أصعدَ إلى هُنا. أنا لا أَنتمي إلى هذا المكان. فأنا لم أَكُنْ أرتدي ملابسَ لائقة. فقد كُنتُ أَظهرُ بمَظهرٍ غَريب". فأنتَ تَتَعَثَّرُ وَتَرتبكُ وتَشعُرُ بالإحراجِ لأنَّكَ تَعلمُ أنَّكَ لا تَنتمي إلى ذلكَ المكان وأنتَ تَرتدي مَلابسَ كهذه.
وهذا هو جوهرُ الاعترافِ في الصَّلاة. فهو يَعني أنْ تَدخُلَ إلى حَضرةِ اللهِ القُدُّوسِ وأنتَ تُدركُ أنَّكَ لستَ مُؤهَّلاً أنْ تكونَ هُناكَ، إلَّا بسببِ بِرِّ المَسيحِ الَّذي يَستُرُك. وبِكُلِّ تأكيد، في ضَوْءِ ذلك، يجب علينا أنْ نَضَعَ جانبًا كُلَّ أنانيَّة. أوْ كما قالَ أحدُ الكُتَّابِ؛ فقبلَ أنْ يَطلُبَ وَجهَ اللهِ في أيِّ أمرٍ، كانَ يَبتدئُ صَلاتَهُ هكذا: "أَعْطِني أنْ أَرتَعِبَ مِنَ الخطيَّة، وأنْ أَفْزَعَ مِنَ اقترابِها، وتَوبةً عميقة. ساعِدني على أنْ أَهرُبَ مِنها طَلَبًا للتَّعَفُّف، وأنْ أَعقِدَ العَزمَ بِكُلِّ غَيْرَةٍ على أنْ يكونَ قَلبي لَكَ وَحدَكَ. احْرُث فِيَّ عَميقًا أيُّها الرَّبُّ العَظيمُ والمُزارِعُ السَّماويُّ حَتَّى تَصيرَ حياتي حَقْلاً مَحروثًا تَمتَدُّ فيهِ جُذورُ النِّعمةِ إلى مسافةٍ بعيدةٍ وعميقةٍ حَتَّى لا يَرى الآخرونَ سِواكَ عندما يَنظرونَ إلَيَّ، وَحَتَّى يَرَوْنَ جَمالَكَ البَهِيَّ مِثْلَ حَصادِ الصَّيفِ، وثَمَرَكَ مِثلَ وَفْرَةِ الخَريف".
بعبارة أخرى، يجب أنْ نُهَيِّئَ قُلوبَنا قبلَ أنْ نَطلُب. وقد كانَ بولسُ يَشعرُ بِعُمقٍ بالخطيَّة. وفي رسالة رُومية والأصحاح السَّابع، يَتحدَّثُ عن ذلك. وفي رسالة تيموثاوس الأولى 1: 15، يَقولُ عن نَفسِهِ إنَّهُ أوَّلُ الخُطاةِ وإنَّهُ ليسَ جَديرًا بأنْ يَعِظ. وقد كانَ الاعترافُ جُزءًا يوميًّا مِن حياةِ دانيال أيضًا. وهو جُزءٌ مِن صَلواتِ أيِّ شخص. وأنا أَشعُرُ حقًّا أنَّنا أمامَ سَبَبٍ قويٍّ آخر للاشتراكِ في مَائِدَةِ الرَّبِّ لأنَّهُ لكي نُهَيِّئَ أنفُسَنا لمائدةِ الرَّبِّ، يجب علينا أنْ نَعتَرِفَ بخطايانا. وبقيامِنا بذلك، أيْ باعترافِنا بخطايانا، فإنَّنا نَفتحُ البابَ على مِصراعَيْهِ أمامَ شَرِكَة تامَّة في الصَّلاةِ أيضًا.
لقد كانَ الاعترافُ جُزءًا مِنَ الحياةِ اليوميَّةِ لدانيال، كما ذَكرتُ، ولكِنْ بالرَّغمِ مِن ذلك، كانت هناكَ أوقاتٌ تَتَطَلَّبُ اعترافًا خاصًّا. فإنْ كانَ دانيالُ يَعترفُ بخطاياه هُنا فإنَّ هذا لا يَعني أنَّهُ لم يَفعل ذلكَ مِن قَبل، ولا يَعني أنَّهُ انتظرَ إلى أنْ حَدَثَ شيءٌ عَظيمٌ لكي يَفعلَ ذلك. ولكِنَّ الأغلبيَّة مِنَّا يَفعلونَ ذلك. فنحنُ لا نَعترِف بخطايانا يوميًّا، بل إنَّنا نَميلُ إلى تَرْكِها تَتراكَمُ إلى أنْ تَصِلَ إلى السَّقْفِ [إنْ جازَ التَّعبير]، أوْ إلى أنْ نَكونَ في شَرِكَة، أوْ إلى أنْ تَأتي كارثة، أو إلى أنْ نُوْشِكَ على فُقدانِ وَظيفَتِنا، أو إلى أنْ لا نَدري ما يَجري في حياتِنا. وفجأةً، نَنهَمِكُ جدًّا في الاعتراف.
ولكِنَّ دانيال كانَ يَعترِفُ بخطاياه دائمًا. وبالرَّغمِ مِن ذلك، كانت هناكَ أوقاتٌ في حياتِهِ واجَهَ فيها أحداثًا جَسيمةً، أو شَعَرَ فيها بشُعورٍ هائلٍ بأنَّهُ خاطئ. ونحنُ نَجِدُ ذلكَ في العهدِ القديمِ كما هي الحالُ في سِفْر اللَّاوِيِّين 16: 21. فنحنُ نَقرأُ أنَّ ذلكَ كانَ يَحدُثُ في يومِ الكَفَّارة، أيْ في ذلكَ اليومِ العظيمِ الَّذي كانَ يُكَفَّرُ فيهِ عَنْ خطايا كُلِّ الأُمَّة طَوالَ السَّنة. فقد كانَ ذلكَ اليومُ يومَ اعترافٍ عظيمٍ وهائل؛ لا عِوَضًا عنِ الاعترافِ اليوميِّ، بل إلى جانبِ ذلك. وفي سِفْر أخبارِ الأيَّام الثَّاني 29: 6، عندما رأى حَزَقِيَّا أنَّ اللهَ جَلَبَ نَهضةً عظيمةً، كانَ هُناكَ تَجاوبٌ معَ ذلكَ تَمَثَّلَ في اعترافٍ هائل. وفي الأصحاحِ التَّاسعِ مِنْ سِفْر عَزْرا والأعداد مِن 4 إلى 15، نَجِدُ مَرَّةً أخرى أنَّهُ عندما تُنعِشُ كلمةُ اللهِ قُلوبَ الشَّعبِ لتهيئتِها لِتَحَرُّكِ اللهِ في وَسْطِهم والقيامِ بأمورٍ عظيمة، كانَ هُناكَ اعترافٌ هائل. وفي الأصحاحِ الأوَّلِ والأصحاحِ التَّاسعِ مِنْ سِفْرِ نَحَمْيا، نَرى الشَّيءَ نَفسَهُ يَحدُث. وبالطَّبع، نَقرأُ في إنجيلِ مَتَّى والأصحاحِ الثَّالثِ أنَّهُ عندَما جاءَ يُوحَنَّا المَعمدان وأَعلنَ أنَّ المَسِيَّا سيأتي، فإنَّهُ دَعا النَّاسَ إلى الاعترافِ والتَّوبةِ وصُنْعِ أَثْمَارٍ تَليقُ بالتَّوبة.
ولا شَكَّ أنَّهُ عندما صَرَخَ إرْميا بسببِ الدَّينونة القادمة في الأصحاحِ الثَّالثِ، وفي الأصحاحِ الثَّامنِ، وفي الأصحاحِ الرَّابع عشر، وأيضًا في سِفْر المَراثي والأصحاح الأوَّل، فإنَّ إرْميا يَقول: "إنَّ اللهَ قادِمٌ. ولأنَّ اللهَ قادِمٌ، يجب عليكم أنْ تُهَيِّئوا أنفُسَكُم بأنْ تَعترِفوا بخطاياكُم". وكما أنَّ هذا يَصِحُّ في أيِّ مَوضِعٍ مِنْ هذهِ المَواضِع، فإنَّهُ يَصِحُّ أيضًا عندما نَلتَقي الرَّبَّ هُنا على مائِدَتِه. أليسَ كذلك؟ لِذا، يجب علينا أنْ نُهَيِّئَ قُلوبَنا مِنْ خِلالِ الاعترافِ بخطايانا.
والآن، نُلاحِظُ أنَّ هذا هو تمامًا ما يَحدُثُ في الأعداد 5-14. لاحِظوا العدد الخامِس: "أَخْطَأنَا وَأَثِمْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا". وفي العدد 6: "وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ". وفي العدد 9: "لِلرَّبِّ إِلهِنَا الْمَرَاحِمُ وَالْمَغْفِرَةُ، لأَنَّنَا تَمَرَّدْنَا عَلَيْهِ. وَمَا سَمِعْنَا صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَسْلُكَ فِي شَرَائِعِهِ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَامَنَا عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَحَادُوا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ".
لِذا، فإنَّهُ يَتحدَّثُ مِرارًا وتَكرارًا عن خطاياهُم. وهذا اعترافٌ. وفي كُلِّ الصَّلاةِ، نَجِدُ المَرَّةَ تِلوَ الأخرى اعترافًا. والآن، ما الَّذي يَفعلُهُ؟ استمعوا إلى ما سأقول: إنَّ دانيالَ يَقولُ في الحقيقة ما يَلي: "نحنُ نَستحقُّ الدَّينونةَ الَّتي حَصَلنا عليها. وأنا أُقِرُّ بذلك، وأَعترِفُ بذلك، وأُؤكِّدُ ذلك. فأنا لا أُنكِرُ ذلك". وهذا أمرٌ رائعٌ. فهُناكَ ثِمارٌ كثيرة للاعتراف: أوَّلاً، إنَّهُ إقرارٌ مِنِّي وَحَسْب بخطيئتي لِكي يَتَمَكَّنَ اللهُ مِنْ تَطهيري. ولكِنَّهُ [ثانيًا] إقرارٌ مِنِّي بخطيئتي حَتَّى عندما يُؤدِّبُني اللهُ فإنَّني أُقِرُّ بأنِّي أَستحِقُّ التَّأديب.
لقدِ اضطُرِرْتُ إلى تأديبِ "ميلندا" (Melinda) قبلَ بِضعة أيَّام. وقد أَدَّبْتُها بِشِدَّة. وقد قُلتُ لها لاحقًا: أنتِ تَعلمينَ أنَّني اضطُرِرْتُ إلى القيامِ بذلك. أليسَ كذلكَ يا عَزيزتي؟" فقالت: "أجل". فلم يَكُن هُناكَ أَدنى شَكٍّ في ذِهنِها. وقد عَبَّرَتْ عن حُبِّها لي بِقُبلة كبيرة رائعة ومُعانَقَة. فقد كانت تَعلمُ أنَّني تَصَرَّفْتُ بعدالة لأنَّها كانت تَجني ثَمَرَ خَطيئَتِها. ومِنْ جِهَة، هذا هو ما يَقولُهُ اللهُ. وعندما نَعتَرِفُ بخطايانا فإنَّنا نُقِرُّ بأنَّ اللهَ يَمْلِكُ الحَقَّ في تأديبِنا مِنْ دونِ أنْ نَتَّهِمَهُ بالجُورِ أوِ الظُّلْم.
واسمَحوا لي أنْ أُقَدِّمَ لكُم مَثلاً توضيحيًّا. افتَحوا كِتابَكُم المُقدَّس على سِفْر يَشوع والأصحاح السَّابع. سِفْر يشوع والأصحاح السَّابع. وهو السِّفْرُ السَّادِسُ في العهدِ القديم. فقد قالَ يَشوعُ لِعَخَان في العدد 19. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ عَخَان كانَ مُذنِبًا لأنَّهُ سَرَقَ أشياءً مِنْ أريحا. فقد قالَ اللهُ لهم: "عندما تَدخلونَ المدينةَ لا تأخُذوا شيئًا مِنها". ولكِنَّهُ دَخَلَ وَسَرَقَ عِدَّةَ أشياء وأحضَرَها مَعَهُ إلى الدِّيارِ وَدَفَنَها في خَيمَتِه. وقد وَاجَهَهُ يَشوعُ بذلكَ. وكانَ الرَّبُّ قد بَيَّنَ تَمامًا أنَّهُ هُوَ مَنْ فَعَلَ ذلك. لِذا فقد قالَ لَهُ يَشوع: "يَا ابْنِي [في سِفْر يَشوع 7: 19] ... قالَ لِعَخَان: "أَعْطِ الآنَ مَجْدًا لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، وَاعْتَرِفْ لَهُ وَأَخْبِرْنِي الآنَ مَاذَا عَمِلْتَ. لاَ تُخْفِ عَنِّي". فَأَجَابَ عَخَانُ يَشُوعَ وَقَالَ: حَقًّا إِنِّي قَدْ أَخْطَأتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ وَصَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا". وقد شَرَحَ ما فَعَلَ بالتَّفصيل: "رَأَيْتُ فِي الْغَنِيمَةِ رِدَاءً شِنْعَارِيًّا نَفِيسًا، وَمِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ، وَلِسَانَ ذَهَبٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ شَاقِلاً، فَاشْتَهَيْتُهَا وَأَخَذْتُهَا. وَهَا هِيَ مَطْمُورَةٌ فِي الأَرْضِ فِي وَسَطِ خَيْمَتِي، وَالْفِضَّةُ تَحْتَهَا. فَأَرْسَلَ يَشُوعُ رُسُلاً فَرَكَضُوا إِلَى الْخَيْمَةِ وَإِذَا هِيَ مَطْمُورَةٌ فِي خَيْمَتِهِ وَالْفِضَّةُ تَحْتَهَا. فَأَخَذُوهَا مِنْ وَسَطِ الْخَيْمَةِ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى يَشُوعَ وَإِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَسَطُوهَا أَمَامَ الرَّبِّ. فَأَخَذَ يَشُوعُ عَخَانَ بْنَ زَارَحَ وَالْفِضَّةَ وَالرِّدَاءَ وَلِسَانَ الذَّهَبِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَبَقَرَهُ وَحَمِيرَهُ وَغَنَمَهُ وَخَيْمَتَهُ وَكُلَّ مَا لَهُ، وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، وَصَعِدُوا بِهِمْ إِلَى وَادِي عَخُورَ. فَقَالَ يَشُوعُ: «كَيْفَ كَدَّرْتَنَا؟" بعبارة أخرى: "لقد أَثَّرَتْ خَطيئَتُكَ في كُلِّ البَلَدِ وكُلِّ الشَّعب. "يُكَدِّرُكَ الرَّبُّ فِي هذَا الْيَوْمِ! فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ وَأَحْرَقُوهُمْ بِالنَّارِ وَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَأَقَامُوا فَوْقَهُ رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ. فَرَجَعَ الرَّبُّ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ. وَلِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَكَانِ «وَادِيَ عَخُورَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ".
والآن، اسمعوني: إنْ قَرَأَ شخصٌ سِفرَ يَشوع، وقَرأَ قِصَّةَ عَخَان مِنْ دون أنْ يَقرأ العَدَدَيْن 19 و 20، قد يَقول: "ما هذا الإلَهُ الَّذي يَفعل أمرًا كهذا؟ هذه قَسوة! فالجَميعُ مَاتوا! وَكُلَّ حَيَوانٍ مَات! وقد حَرَقوا خَيمَتَهُ! وقد تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ شيءٍ يَختصُّ بحياةِ ذلكَ الرَّجُل!" فهذا لن يَبدو أمرًا مَعقولاً. وقد تَظُنُّ أنَّ اللهَ ظَالِمٌ وجَائِرٌ إنْ لم تَقرأ العَدَدَيْن 19 و 20. ولكنَّهُ اعتَرَفَ وقالَ: "حَقًّا إِنِّي قَدْ أَخْطَأتُ". وعندما قَالَ ذلك، أَقَرَّ بأنَّهُ يَستحقُّ الموتَ لأنَّ أُجرةَ الخطيَّةِ هي ماذا؟ مَوت. وهذا أمرٌ يَرْجِعُ إلى البداية: "لأَنَّكَ يَوْمَ تَأكُلُ مِنْهَا [كَما قالَ اللهُ لآدَم] مَوْتًا [ماذا؟] تَمُوتُ". "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ [كما يَقولُ حِزْقيال] هِيَ تَمُوتُ". بعبارة أخرى، فإنَّ الاعترافَ بالخطيَّة يَفعلُ أَمْرَيْنِ اثنَيْن: أوَّلاً، إنَّهُ يَجلِبُ غُفرانًا. ولكِنَّهُ يُعطي اللهَ أيضًا الحَقَّ في التَّأديبِ مِنْ دونِ أنْ يُتَّهَمَ بأنَّهُ جَائِر. فهو لا جُوْرَ فيه، ولكِنَّ الاعترافَ يُظْهِرُ أمامَ الجَميع أنَّ العِقابَ كانَ مُسْتَحَقًّا.
وأعتقد أنَّ هذه نُقطة جَيِّدة، يا أحبَّائي، لأنَّنا نَميلُ إلى التَّعَجُّبِ لأنَّ الأمورَ لا تَسيرُ دائمًا بالطَّريقةِ الَّتي نَظُنُّ أنَّهُ ينبغي أنْ تَسيرَ بها. اسمعوني: إنْ حَصَلْتُم على ما تَستحقُّون، لِكُنْتُم أمواتًا مُنذُ وقتٍ طويل. وأنا أيضًا. فحقيقةُ أنَّكَ تأخُذُ نَفَسًا آخَرَ هي نِعمة مِنَ اللهِ. لِذا، يجب علينا أنْ نَعتَرِفَ بخطيَّتِنا، وأنْ نُبْرِئَ اللهَ مِنْ أيِّ اتِّهامٍ بالظُّلْم.
انظروا قليلاً إلى سِفْر صموئيل الأوَّل والأصحاح 4. سفر صموئيل الأوَّل والأصحاح 4. وقد تأمَّلنا في هذا المَقطعِ في وقتٍ ما في الماضي. وسوفَ أكتَفي بتذكيركُم به. فقد كانت هُناكَ مَعركةٌ دائرةٌ بينَ الفِلِسطينيِّينَ وبني إسرائيل. وقد كانوا يَقتَتِلونَ طَوالَ الوقت. وكانَ بنو إسرائيلَ يَخسرون. وقد كانوا خائفينَ حَقًّا. لِذا فقد قالَ واحِدٌ منهم: "ينبغي أنْ تَحصُلوا على المَعونَةِ مِنَ الله". فَهُمْ لم يَكونوا يُبالونَ باللهِ مُنذُ وقتٍ طويل. لِذا فقد قَرَّروا أنْ يَتَّكِلوا على الله. وكانَ اللهُ مُمَثَّلاً في صُندوقٍ صَغيرٍ يُسَمَّى "تابوت العَهْد". لِذا فقد أرَسلوا أشخاصًا لإحضارِ تابوتِ العهد. فقد قالوا: "أَحْضِروا تابوتَ العهدِ إلى هُنا" (في الجُزءِ الأوَّلِ مِنَ الأصحاحِ الرَّابع؛ تقريبًا في الأعداد 4 و 5 و 6). وقد جاءَ الرِّجالُ وَهُمْ يَحمِلونَ تابوتَ العَهد (ذلكَ الصُّندوقَ الصَّغيرَ) باستخدامِ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَب على أكتافِ الكَهَنَة. فقد حَمَلوهُ وَجاءوا بِهِ. وما الَّذي حَدَث؟ لقد خَافَ الفِلسطينيُّونَ في العدد 7 وقالوا: "قَدْ جَاءَ اللهُ إِلَى الْمَحَلَّةِ! وَيْلٌ لَنَا!" وَهُمْ يَقولونَ في العدد 8: "وَيْلٌ لَنَا! مَنْ يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ هؤُلاَءِ الآلِهَةِ الْقَادِرِينَ؟ هؤُلاَءِ هُمُ الآلِهَةُ الَّذِينَ ضَرَبُوا مِصْرَ بِجَمِيعِ الضَّرَبَاتِ فِي الْبَرِّيَّةِ".
لِذا، فقد أُصيبوا حَقًّا بالذُّعْر. فها هُوَ اللهُ. والآن، لقد كانوا، بِكُلِّ تأكيدٍ، وَثَنِيِّينَ. لِذا فقد ظَنُّوا أنَّ هذا هُوَ صَنَمُ بني إسرائيل. فَهُوَ مُجَرَّدُ صُندوقٍ صَغيرٍ يُمَثِّلُ إلَهَهُم. ولكِنَّهُ كانَ يَرمِزُ إلى حُضورِ اللهِ. وبِكُلِّ تأكيد، كانَ بَنو إسرائيلَ مُتَحَمِّسينَ: "لقد جَاءَ اللهُ! النَّصرُ لَنا!" فقد ظَنُّوا أنَّ اللهَ مِثْلَ مَارِدِ المِصْباح. فأنتَ تَفْرُكُ المِصباحَ قليلاً وتقول: "افعل كذا" فَيَفعَلُهُ. ولكنَّهُ لم يَكُن كذلك. فَهُمْ لم يكونوا يَعيشونَ حياةً تَقِيَّة. واللهُ لم يَكُنْ مُزمِعًا أنْ يُنقِذَهُم. لِذا فقد استمرَّتِ المَعركةُ في العددِ العاشِرِ وَانهَزَمَ بنو إسرائيل. وهذهِ نُقطة تَحَوُّل. وليسَ هذا فحسب، بل إنَّ الفِلسطينيِّينَ سَرَقوا تابوتَ العَهد. فقد هَرَبوا بالصُّندوقِ الصَّغير. وإنْ كُنتُم تَعتقدونَ أنَّ هذه مُشكلة لبني إسرائيل، فإنَّكُم لا تَعرفونَ القِصَّة. فقد كانت تلكَ مُشكلة للفِلسطينيِّين. فقد صَارَ اللهُ في وَسْطِهم.
ونَقرأُ في العَدَدِ الأوَّل مِنَ الأصحاحِ الخامِس ما يَلي: "فَأَخَذَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ اللهِ وَأتَوْا بِهِ مِنْ حَجَرِ الْمَعُونَةِ إِلَى أَشْدُودَ. وَأَخَذَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ اللهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ دَاجُونَ". فقد كانَ لَديهم إلَهٌ اسمُهُ "دَاجون". وقد كانَ دَاجُون نِصفَ سَمَكَة ونِصفَ إنسان في هَيئَتِه. وقد فَكَّروا كالآتي: حيثُ إنَّنا قد حَصَلنا على إلَهِ بني إسرائيل، فَلنَضَعْهُ في بيتِ دَاجُون فَيَصيرُ لدينا إلَهَان". لِذا فقد وَضَعوهُ هُناكَ. وبالطَّبع، لقد بَكَّروا في الغَدِ (في العدد 3) "وإذا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ". فاللهُ لا يَحتَمِلُ أيَّة مُنافَسَة.
لِذا فقد تَساءَلوا عَمَّا حَدَث. ونَقرأُ: "فَأَخَذُوا دَاجُونَ وَأَقَامُوهُ فِي مَكَانِهِ". فَهُمْ لم يَفهموا كيفَ سَقَطَ على وَجهِهِ. وقد ظَنُّوا أنَّها هَزَّة أرضيَّة مَحَلِّيَّة. "وَبَكَّرُوا صَبَاحًا فِي الْغَدِ وَإِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الأَرْضِ" مَرَّةً أُخرى. ولكِنْ في هذهِ المَرَّة: "وَرَأسُ دَاجُونَ وَيَدَاهُ مَقْطُوعَةٌ عَلَى الْعَتَبَةِ. بَقِيَ بَدَنُ السَّمَكَةِ فَقَطْ". وقد كانَ اللهُ يَقولُ لهم: "أنا أَضَعُهُ حيثُ أُريدُ أنْ يَكون. لا تَرفعوهُ مَرَّةً أخرى".
وبالمُناسبة، فإنَّ العددَ الخامِسَ يَقولُ إنَّهُ لم يَعُدْ أحدٌ يَعبُدُ دَاجُون بعدَ ذلكَ اليوم. وأعتقد أنَّ هذا صحيح. فَمَنْ يُريدُ أنْ يَعبُدَ إلهًا خاسِرًا؟ ونَقرأُ في العدد 6: "فَثَقُلَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى الأَشْدُودِيِّينَ، وَأَخْرَبَهُمْ وَضَرَبَهُمْ..." والآن، تَجِدونَ كُلَّ أنواعِ التَّرجمات. فبعضُ الكُتُبِ المُقَدَّسة تَقولُ إنَّهُ ضَرَبَهُمْ "بِالْبَوَاسِير". وهذه أسوأ تَرجمة مُمكِنَة. وبعضُ التَّرجماتِ تَقولُ إنَّهُ ضَرَبَهُمْ بِداءٍ يُسَمَّى "إيميرودس" (emerods)؛ وهي كلمة يَظُنُّ مَنْ يَسمَعُها أنَّها اسمُ زَهْرَة! ولكِنَّ التَّرجمةَ الصَّحيحة هي: "أورام". ففجأةً، أُصيبوا بِأورام؛ ولا سِيَّما في أعضائِهم الدَّاخليَّة. والعدد 9 يَتحدَّثُ عن أعضائِهم التَّناسُلِيَّة. وهذا يعني أنَّهُمْ أُصيبوا في أعضائهم الدَّاخليَّة العَميقة. فقد ابتدأوا يُعانونَ أَوْرامًا.
فقالَ سُكَّانُ أَشدود: "انظروا! هل يمكنكم أنْ تَتخلَّصوا مِنْ ذلكَ الصُّندوق؟ إنَّهُ يَجلِبُ علينا وَباءً شَديدًا". لِذا فقد أخذوا الصُّندوقَ الصَّغيرَ إلى جَتّ. وهل تَذكرونَ جَتّ؟ فقد كانَ رَجُلٌ طَويلٌ مِنْ هُناكَ اسمُهُ "جُلْيات". لِذا فقد أخذوا التَّابوتَ إلى جَتّ. وقد حَدَثَ الشَّيءُ نَفسُهُ لِلجميعِ في جَتّ. لِذا فقد قالَ الشَّعبُ: "خُذوهُ إلى عَقرون". وهكذا فقد نَقلوا التَّابوتَ مِنْ مدينة إلى مَدينة مِنْ مُدُنِ الفِلسطينيِّين. وعندما أخذوهُ إلى عَقرون، حَدَثَ الشَّيءُ نَفسُهُ هُناكَ فَصَرَخَ العَقرونيُّونَ قائلين: "أَخرِجوا هذا الشَّيءَ مِنْ هُنا". لِذا فقد قَرَّروا في ذلكَ الوقتِ أنْ يَعقِدوا اجتماعًا يَضُمُّ كُلَّ أَقطابِ الفِلسطينيِّينَ لكي يُقَرِّروا كيفَ يُعيدونَ التَّابوتَ إلى المَكانِ الَّذي أَحضَروهُ مِنْه لأنَّهُمْ لاحَظوا حُدوثَ شَيئَيْن. فالنَّاسُ الَّذينَ لم يُصابوا بأورامٍ ماتوا بِوَبَأٍ تَسَبَّبَتْ بِهِ الفِئرانُ. فهو داءٌ يُشبِهُ داءَ الطَّاعونِ أوِ الموتِ الأسود. فقد كانَ النَّاسُ يَموتونَ في كُلِّ أرجاءِ المَكان.
"وَكَانَ تَابُوتُ اللهِ فِي بِلاَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ [بِحَسَب ما جاءَ في الأصحاحِ السَّادِسِ] سَبْعَةَ أَشْهُرٍ". سَبعةَ أشهُر. "فَدَعَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ الْكَهَنَةَ وَالْعَرَّافِينَ قَائِلِينَ: «مَاذَا نَعْمَلُ بِتَابُوتِ الرَّبِّ؟ أَخْبِرُونَا بِمَاذَا نُرْسِلُهُ إِلَى مَكَانِهِ»" أيْ: إلى أينَ يَنْتَمي؟ لِنُعيدَهُ إلى مَكانِه. "فَقَالُوا: «إِذَا أَرْسَلْتُمْ تَابُوتَ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، فَلاَ تُرْسِلُوهُ فَارِغًا [لا تُرسلوهُ فَارِغًا]، بَلْ رُدُّوا لَهُ [ماذا؟] قُرْبَانَ إِثْمٍ". وأودُّ أنْ أَطرحَ عليكُم سؤالاً بسيطًا: إلى ماذا يُشيرُ قُربانُ الإثمِ؟ إلى الخطيَّة. فقد أدركَ هؤلاءِ الوثنيُّونَ بالرَّغمِ مِن عَقليَّتِهم الوثنيَّة، أَدركوا [على أَقَلِّ تَقدير] أنَّ غَلطَتَهُم هي الَّتي جَلَبَتْ ذلكَ عليهم. أَتَرَوْن؟
فَهُمْ لم يَكونوا يُلَوِّحونَ بِقَبْضاتِهم كما هي الحالُ في سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 16 حيثُ إنَّ النَّاسَ في الضِّيقة الَّتي ستحدُثُ في المُستقبل سَيُعَذَّبونَ بِنارٍ فيَلعَنونَ إلَهَ السَّماءِ ويُجَدِّفونَ على اسمِهِ. ولكِنْ لا، لا! بل إنَّهُم كانوا يَقولونَ في الحقيقة: "لقد أَسَأنا إلى ذلكَ الإله. ويجب علينا أنْ نُصَحِّحَ الخطأ. فنحنُ نَحصُلُ على ما نَستحِقّ". لِذا فقد قالوا: "يجب علينا أنْ نُقَدِّمَ قُربانًا مَا". وقد قالوا: "ما هُوَ ذلكَ القُربان؟" (في العدد 4). وقد قالوا: "خَمْسَةَ بَوَاسِيرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَخَمْسَةَ فِيرَانٍ مِنْ ذَهَبٍ". وهذا هو ما يُعرَفُ بقُربان النَّذْر. وقد كانَ الوَثنيُّونَ يَفعلونَ ذلكَ كثيرًا. فقد كانوا يَصنَعونَ نَموذجًا مُطابقًا للمَرَضِ أوِ الوَباءِ مِنْ طِيْنٍ أوْ خَشَبٍ أوْ مَعدِنٍ، ويُقَدِّمونَ ذلكَ النَّموذَجَ للإلَهِ تأكيدًا مِنهُم بأنَّهُم يَعلَمونَ أنَّ الوَباءَ قد جاءَ مِن ذلكَ الإلَه.
وقد زُرْتُ مَدينةَ كورِنثوس فاصطَحَبَنا رَجُلٌ ضَئيلُ الحَجْمِ إلى غُرفة صغيرة لا يُدخِلونَ الجَميعَ إليها. وهي تَحوي قَرابينَ نُذورٍ تَمُّ العُثورُ عليها في جَميعِ أنحاءِ مَدينة كورنثوس القديمة حيثُ كانوا يَعبُدونَ الإلَه "أسكليبيوس" (Asclepius) الَّذي كانوا يَظُنُّونَ أنَّهُ إلَهُ الشِّفاء. وبعبادَتِهم لذلكَ الإله، عندما كانوا يأتونَ لتقديمِ قَرابينِهم للإلَه "أسكليبيوس"، كانوا يَصنعونَ نَماذِجَ صَغيرة مِنَ الطِّين لأيِّ جُزءٍ أوْ طَرَفٍ أوْ عُضْوٍ داخِلِيٍّ في الجسمِ قد أُصيبَ بالمَرض. وقد كانوا يُقدِّمونَ ذلكَ القُربان إلى الإلَه إقرارًا مِنهُم بأنَّهم يُدركونَ أنَّ مَرَضَهُمْ حَلَّ عَليهم لأنَّهُم أساءوا إليه. وقد كانتِ الغُرفةُ مُمتلئة بآلافِ تلكَ الأشياءِ الصَّغيرة الَّتي عَثَروا عليها في أثناءِ الحَفريَّات. وهذا هو ما يُعرَفُ بقُربانِ النَّذْر.
لِذا فقد صَنَعُوا أورامًا مِنْ ذَهَب، وَفِئرَان مِنْ ذَهَب تَرمِزُ إلى الأمراضِ الَّتي أصابَتهُم. ثُمَّ نَقرأُ في العددِ الخامِس: "وَأَعْطُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ مَجْدًا لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ يَدَهُ عَنْكُمْ وَعَنْ آلِهَتِكُمْ وَعَنْ أَرْضِكُمْ". بعبارة أخرى، لقد قالوا: "يجب علينا أنْ نَعترِفَ بأنَّنا قد أخطأنا". ويا أحبَّائي، هذا واحِدٌ مِن أَهَمِّ عَناصِرِ الاعتراف. فالاعترافُ ليسَ ثَرْثَرَةً، بل هو إقرارٌ بأنَّكَ قد أَسَأتَ إلى اللهِ القُدُّوس. وإنْ كانت هُناكَ بَلايا في حَياتِكَ، رُبَّما كانَ السَّببُ في ذلكَ هو أنَّكَ جَلَبْتَ ذلكَ على نَفسِكَ لأنَّ اللهَ بَارٌّ ولا بُدَّ أنْ يُعاقِبَ الخَطِيَّة. أليسَ كذلك؟ فَنِعْمَتُهُ هي السَّببُ الوحيدُ الَّذي يُبقينا أحياء.
والآن، لِنَعُد إلى دانيال. فقد صَلَّى دانيالُ صَلاةَ اعتِرافٍ، وأَقَرَّ بأنَّ السَّبيَ الَّذي سَيَدومُ سَبعينَ سَنَةً، وأنَّ كُلَّ الدَّينوناتِ والعِقابِ هي أُمورٌ يَستحقُّها الشَّعبُ بسببِ خَطاياه. ونَجِدُ في نِهايةِ العدد 15 تَلخيصًا لاعترافِهِ: "قَدْ أَخْطَأنَا، عَمِلْنَا شَرًّا". وفي العدد 16: "يَا سَيِّدُ، حَسَبَ كُلِّ رَحْمَتِكَ اصْرِفْ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ جَبَلِ قُدْسِكَ، إِذْ لِخَطَايَانَا وَلآثَامِ آبَائِنَا صَارَتْ أُورُشَلِيمُ وَشَعْبُكَ عَارًا عِنْدَ جَمِيعِ الَّذِينَ حَوْلَنَا". فهو ليسَ خَطَأَ أيِّ شخصٍ آخر، بل إنَّهُ خَطَأُنا نحن.
واسمحوا لي أن أُلَخِّصَ ذلك: الصَّلاة الشَّفاعيَّة الحقيقيَّة تَنبُعُ مِن كلمةِ اللهِ، وتَقومُ على مشيئةِ اللهِ، وتَتَّسِمُ بالحرارة، وتَتحقَّقُ مِنْ خِلالِ إنكارِ الذَّاتِ، وتَقترِنُ بالآخرين، وتَتقوَّى بالاعتراف. وقد بَقِيَتْ نُقطَتان سنتحدَّثُ عنهما بإيجاز. سابعًا: الصَّلاة الشَّفاعيَّة الحقيقيَّة تَتوقَّف على شَخصِ الله. فهي تتوقَّفُ على شخصِ الله. فكما تَعلمون، إنْ كانَ اللهُ مِثلَ آلهةِ الفِلِسطينيِّين، لن يَكونَ هُناكَ أيُّ نَفْعٍ مِنْ طَلَبِ المَغفرة لأنَّ آلِهَتَهُم آلِهَة شِرِّيرة وقاسية في فِكرِهِم؛ ولكِنَّ إلَهَنا ليسَ كذلك. فنحنُ نُصَلِّي صَلاةَ الغُفران، ونُصَلِّي صلاةَ الاعتراف. ونحنُ نَتضرَّعُ إلى اللهِ نِيابةً عن شَعبِه. ونحنُ نَشفَعُ في حاجاتِ الآخرين لأنَّنا نُؤمِنُ أنَّ اللهَ يَسمعُ ويَستجيب. أليسَ كذلك؟ لِذا فإنَّ كُلَّ صَلاةٍ تَقومُ على شخصِ اللهِ.
والآن، لاحِظوا كيفَ أنَّ شَخصَ اللهِ يَظْهَرُ جَلِيًّا شيئًا فشيئًا ابتداءً بالعدد الرَّابع: "وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي وَاعْتَرَفْتُ وَقُلْتُ [والآن، لاحِظوا]: أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ". فقبلَ كُلِّ شيء، إنَّهُ يَقولُ إنَّ اللهَ عَظيمٌ. وهي كلمة تَعني: "قَدير". بعبارة أخرى، أنا أُصَلِّي إلى اللهِ لأنَّ اللهَ يَمْلِكُ القُدرة الكافية للاستجابة. فهو ليسَ عاجِزًا. بل إنَّهُ قادرٌ على تَغييرِ الأحوال. وَهُوَ يَمتلِكُ كُلَّ المَصادِر الَّتي لا نهاية لها تحتَ تَصَرُّفِه. وَهُوَ اللهُ الَّذي [بحسب العدد 15] "أَخْرَجَ شَعْبَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ". فَمِنَ الرَّائعِ أنْ تُصَلِّي إلى إلَهٍ قَديرٍ. أليسَ كذلك؟ وما أعنيه هو: أَلا تَعتقدونَ أنَّهُ أمرٌ مُريعٌ أنْ تُصَلُّوا إلى إلَهٍ ليسَ كُلِّيَّ القُدرة، بل ينبغي لَهُ أنْ يَعملَ مِنْ خِلالِ إلَهٍ آخر؟ فيا لَهُ مِنْ مَوقِفٍ يائِس! ولكِنَّ إلَهَنا قَديرٌ.
ثانيًا، إنَّهُ مَهوبٌ؛ وهي كلمة تُشيرُ إلى جَلالِه. فهو ليسَ قَديرًا وَحَسْب، بل إنَّهُ مَهوبٌ أيضًا. وهذا يعني أنَّهُ يَستحِقُّ كُلَّ إكرامٍ، وكُلَّ تَمجيدٍ، وكُلَّ تَعظيمٍ، وكُلَّ تَرفيعٍ، وكُلَّ تَسبيحٍ. فهو مُستحِقٌّ. فهو صَاحِبُ أعظمِ قُدرةِ وَصَاحِبُ أعظَمِ جَلال. وماذا أيضًا؟ إنَّهُ حَافِظُ العَهْدِ ... حَافِظُ العَهدِ. فنحنُ لا نَرى قُدرَتَهُ وجلالَهُ وَحَسْب، بل نَرى أمانَتَهُ. فعندما يَقطعُ اللهُ وَعْدًا فإنَّهُ يَحفَظُهُ. وقد قَطَعَ عَهدًا معَ شَعبِهِ بأنَّهُ لن يَترُكَهُمْ يومًا. أليسَ كذلك؟ وإنْ تَابوا فإنَّهُ يَغفِرُ لهم. وإنْ أطاعوهُ فإنَّهُ سَيَرُدُّهُم. واللهُ يَحفَظُ وُعودَهُ.
والكتابُ المقدَّسُ يَقول: "اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِعَظَائِمَ وَعَوَائِصَ لَمْ تَعْرِفْهَا". ونحنُ نُؤمِنُ بذلك. أليسَ كذلك؟ فالكتابُ المقدَّسُ يَقولُ إنَّهُ إنْ طَهَّرْنا قُلوبَنا، وَتَرَكْنا خطايانا، وَدَعوناهُ، فإنَّهُ سَيَستجيب. ونحنُ نُصَلِّي لأنَّنا نُؤمِنُ أنَّ اللهَ قادرٌ على الاستجابة لأنَّهُ صَاحِبُ أعظمِ جَلالٍ في الكَون، وَلأنَّهُ يَستحِقُّ صَلواتِنا، ولأنَّهُ إلَهٌ أمينٌ وَيَحفَظُ وُعودَهُ.
لاحِظوا أيضًا في العدد الرَّابع أنَّنا نَقرأُ إنَّهُ يَحْفَظُ الرَّحْمَةَ لِمُحِبِّيه ... يَحْفَظُ الرَّحْمَةَ لِمُحِبِّيه. واسمحوا لي أنْ أقولَ إنَّ الكلمة "رَحْمَة" هُنا هي في الحقيقة: "مَحَبَّة". فهو يَغفِرُ لأنَّهُ مُحِبٌّ. وَهُوَ يُعطينا ما نَطلُب بحسب مشيئَتِه لأنَّهُ مُحِبٌّ. فَالقُدرةُ شيء، وَالجَلالُ شيءٌ آخَر. ولكِنْ مِنَ الرَّائعِ جدًّا أنْ يَكونَ اللهُ أمينًا. ولكِنَّ الشَّيءَ الَّذي يَضمَنُ هذهِ الأمانة هو المَحبَّة ... المحبَّة! ثُمَّ لاحِظوا ما يأتي بعدَ ذلك في العدد السَّابع: "لَكَ يَا سَيِّدُ الْبِرُّ". فَهُوَ قُدُّوسٌ. وَهُوَ سَيَفعلُ الصَّوابَ، لا الخطأ. وما أَروعَ أنْ نَعلمَ ذلك. فاللهُ لا يُمكِن أنْ يَعملَ شيئًا خاطئًا. بل يَفعلُ الصَّوابَ دائمًا. الصَّوابَ دائمًا. الصَّوابَ دائمًا. فأيًّا كانَ الشَّيءُ الَّذي يَصنَعُهُ، فإنَّهُ الصَّواب. إنَّهُ الصَّواب... إنَّهُ الصَّواب... إنَّهُ الصَّواب. أَلا تَعتقدونَ أنَّهُ مِنَ الرَّائعِ أنْ نَعبُدَ إلهًا كهذا؟ فهو إلَهٌ لا يَقترِفُ الأخطاءَ، ولا الحَماقاتِ، ولا الهَفَوات.
فإلهُنا قَديرٌ، وصاحبُ الجلالِ، وأمينٌ، ومُحِبٌّ، وكُلِّيُّ القَداسةِ. ثُمَّ مَا أَروعَ أنْ نَعلمَ أنَّهُ رَحيمٌ وغَفور. وقد يكونُ هذا هُوَ لُبُّ الأمرِ كُلِّه. فنحنُ نَقرأُ في العددِ التَّاسع: "لِلرَّبِّ إِلهِنَا الْمَرَاحِمُ وَالْمَغْفِرَةُ". وأنا أُحِبُّ حقيقةَ أنَّ الكلمة "مَغفِرَة" تَرِدُ بصيغةِ الجَمْع. ألا تُحِبُّونَ أنتُم ذلكَ أيضًا؟ فقد احتجتُ إلى ذلكَ أكثرَ مِن مَرَّة. وماذا عَنْكَ أنت؟ المَغفِراتُ والمَراحِم. لِذا، يُمكِنُنا أنْ نَقولَ إنَّ إلهَنا إلَهٌ مُنْعِمٌ. فهو قَديرٌ، وصَاحبُ الجلالِ، وأمينٌ، ومُحِبٌّ، وقُدُّوسٌ، ومُنعِمٌ.
وهذا هو الإلَهُ الَّذي نَتَضَرَّعُ إليهِ في صَلواتِنا. وعندما نَجتمعُ حَولَ مائدةِ الرَّبِّ وننظُر إلى الصَّليب فإنَّنا نَرى كُلَّ هذهِ الأشياء. فعندما أنظُرُ إلى الصَّليب فإنَّني أرى قُدرَتَهُ لأنَّهُ على ذلكَ الصَّليب غَلَبَ الخطيَّةَ والموتَ والشَّيطانَ والجَحيم. أليسَ كذلك؟ فهذه قُدرة. وعندما أنظُرُ إلى الصَّليب فإنَّني أرى جَلالَهُ لأنَّهُ بالرَّغمِ مِنْ أنَّهُ يَظهرُ بمظهرِ الضَّحيَّة للرُّومانِ واليهودِ فإنَّهُ يُهيمنُ خُطوةً خُطوةً على كُلِّ شيءٍ يَحدُثُ على الصَّليب. وذلكَ الشَّخصُ الَّذي وَقَفَ مِنْ بَعيد وراحَ يُراقِبُهُ وَهُوَ يُهيمِنُ على مَوتِهِ، ويُهيمنُ على كُلِّ حَدَثٍ لِتَتْميمِ نُبوءةٍ قيلت، قالَ في دَهشة تامَّة: "حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!" فقد كانَ صَاحِبَ الجلالِ حَتَّى في مَوتِه.
وأنا أنظُرُ إلى الصَّليب وأرى أمانَتَهُ. فقد قالَ إنَّهُ سيموتُ عَنَّا. وقد قالَ إنَّهُ ينبغي أنْ يَمضي إلى الصَّليب. وقد قالَ إنَّ ابنَ الإنسانِ ينبغي أنْ يَموت. وَمَعَ أنَّهُ عندما كانَ في البُستانِ حَزِنَ بسببِ ذلك، فإنَّهُ حَفِظَ وَعْدَهُ. فهو أمينٌ. وأنا أنظُرُ إلى الصَّليبِ فأرى مَحبَّتَهُ لأنَّهُ لم يَكُنْ ينبغي أنْ يَكونَ هُناكَ. فقد كانَ ينبغي أنْ أكونَ أنا هُناكَ. ولكِنْ لأنَّ اللهَ مَحَبَّة، فقد أخذَ مَكاني. وأنا أنظُرُ إلى الصَّليبِ وأرى قَداسَتَهُ لأنَّ قداسَتَهُ هي الَّتي وَضَعَتْهُ هُناكَ. فهو لم يَكُنْ يَستطيعُ وَحَسْب أنْ يَغفِرَ للخُطاة، بل كانَ ينبغي أنْ يَدفعَ أُجرةَ الخطيَّة لأنَّهُ لم يَكُنْ يُطيقُ الخَطيَّة. فأُجرةُ الخطيَّةِ لا بُدَّ أنْ تُدفَع. وأنا أَرى رَحمَتَهُ وغُفرانَهُ هُناك. فهو مُنْعِمٌ.
وكما تَرَوْنَ، فإنَّ كُلَّ ما كانَ اللهُ يَعنيهِ لدانيال يَعنيهِ لنا نحنُ أيضًا. وقد كانَ دانيال يَعلمُ ذلك مِنْ خلالِ تَعامُلاتِهِ معَ شَعبِهِ. ونحنُ نَعلمُ ذلكَ مِنَ الصَّليب. فنحنُ نَرى قُدرَتَهُ، وجَلالَهُ، وأمانَتَهُ، ومحبَّتَهُ، وقداسَتَهُ، ونِعمَتَهُ. وهذا هو أساسُ صَلواتِنا. ومِنْ دواعي سُروري أنْ أُصَلِّي إلى إلَهٍ كُلِّيِّ القُدرة. ومِنْ دَواعي سُروري أنْ أُصَلِّي إلى إلَهٍ كُلِّيُّ الجلالِ ويُهَيمِنُ على كُلِّ الظُّروفِ في كُلِّ العالم. ومِنْ دَواعي سُروري أنْ أُصَلِّي إلى إلَهٍ كُلِّيُّ الأمانَةِ تُجاهَ أولادِهِ لأنَّهُ يُحِبُّهم. ومِنْ دَواعي سُروري أنْ أُصَلِّي إلى إلَهٍ كُلِّيُّ القداسةِ ويَفعلُ الصَّوابَ دائمًا. ومِنْ دَواعي سُروري أنْ أُصَلِّي إلى إلَهٍ مُنْعِمٍ ويَغفِر ويَغفِر ويَغفِر.
لِذا فإنَّ الصَّلاةَ الشَّفاعيَّةَ الحقيقيَّةَ (كَما تَرَوْن) تَنبُعُ مِنْ كلمةِ اللهِ، وتَقومُ على مشيئةِ اللهِ، وتَتَّسِمُ بالحرارةِ، وتَتحقَّقُ مِنْ خلالِ إنكارِ الذَّاتِ، وتَقترِنُ بشعبِ اللهِ، وتتقوَّى بالاعتراف، وتَعتمِد على شَخصِ الله. وإليكُم هذه الفِكرة الأخيرة: الصَّلاةُ الشَّفاعيَّةُ [أخيرًا] تُخْتَمُ بِتَمجيدِ اللهِ ... تُخْتَمُ بِتَمجيدِ الله.
انظروا إلى العدد 16 وتابعوا النَّصَّ مَعي أثناءَ قراءتي لَهُ حَتَّى نهاية العدد 19: "يَا سَيِّدُ، حَسَبَ كُلِّ رَحْمَتِكَ اصْرِفْ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ جَبَلِ قُدْسِكَ، إِذْ لِخَطَايَانَا وَلآثَامِ آبَائِنَا صَارَتْ أُورُشَلِيمُ وَشَعْبُكَ عَارًا عِنْدَ جَمِيعِ الَّذِينَ حَوْلَنَا". والآن، تَوَقَّفوا هُنا قليلاً. فهو يَقول: "يا رَبّ، إنَّ أورُشَليمَ [مَدينَتَكَ، صِهْيَوْنَ، جَبَلَ قُدْسِكَ] تَعَرَّضَتْ بِسَبَبِنا لِسَخَطِكَ وَغَضَبِك. اصرِف سَخَطَكَ وغَضَبَكَ لأنَّ شَعبَكَ صَارً يَجْلِبُ العَارَ لَكَ". بعبارة أخرى: "لا تَفعل ذلكَ لأجلِنا، بل افعل ذلكَ لأجلِكَ أنت". أَتَرَوْن؟ فَكُلُّ صَلاةٍ تُخْتَمُ بِتَمجيدِ اللهِ. افعل ذلكَ لأجلِكَ أنت.
العدد 17: "فَاسْمَعِ الآنَ يَا إِلهَنَا صَلاَةَ عَبْدِكَ وَتَضَرُّعَاتِهِ، وَأَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى مَقْدِسِكَ الْخَرِبِ مِنْ أَجْلِ [مَنْ؟] مِنْ أجْلِ السَّيِّدِ". لا لأجلِنا، يا رَبّ، بل مِنْ أجلِ السَّيِّد. العدد 18: "أَمِلْ أُذُنَكَ يَا إِلهِي وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ خِرَبَنَا وَالْمَدِينَةَ الَّتِي دُعِيَ اسْمُكَ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ لاَ لأَجْلِ بِرِّنَا نَطْرَحُ تَضَرُّعَاتِنَا أَمَامَ وَجْهِكَ، بَلْ لأَجْلِ مَرَاحِمِكَ الْعَظِيمَة". فنحنُ لا نَطلُبُ ذلكَ على أَساسِ بِرِّنا الشَّخصيِّ، بل إنَّنا نقولُ: "افعل ذلكَ لكي تُظهِرَ رَحمَتُكَ العَظيمة. فهذه المدينة دُعِيَتْ باسمِكَ. وَسُمْعَتُكَ على المِحَكِّ".
وفي العدد 19: "يَا سَيِّدُ اسْمَعْ. يَا سَيِّدُ اغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَاصْنَعْ. لاَ تُؤَخِّرْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ يَا إِلهِي، لأَنَّ اسْمَكَ دُعِيَ عَلَى مَدِينَتِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ". وكما تَرَوْن، فإنَّ كُلَّ هذا مَذكورٌ في هذه الأعداد الأربعة. افعل ذلكَ مِنْ أجلِكَ أنتَ، لا مَن أجلِنا. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ سَبْيَ يَهوذا ودمارَ الهيكلِ في أورُشليم قد فُسِّرَ مِنْ قبلِ الأُمَمِ المُحيطة بها على أنَّهُ دَلالة على أنَّ إلَهَ يهوذا إمَّا أنْ يكونَ عَديمَ القُدرة وإمَّا مُجَرَّدَ وَهْمٍ وَحَسْب. ودانيال يقول: "يا رَبّ، أَبرِئ اسمَكَ. لا تَسمَح لاسمِكَ أنْ يَتَلَطَّخ. ولا تَسمح لِهؤلاءِ أنْ يُسيئوا إليكَ. ولا تَسمح لِخَطيَّتِنا أنْ تُشَوِّهَ سُمعَتَك". ويا لها مِن صَلاة نَاضِجَة! اغفر لنا مِنْ أجْلِكَ أنتَ.
وأنا أقولُ لكم، يا أحبَّائي، إنَّنا نَعيشُ في زَمَنٍ بَاتَتْ فيهِ الصَّلاةُ بَعيدةً كُلَّ البُعْدِ عن هذه الصَّلاة. فالنَّاسُ يُصَلُّونَ فقط مِنْ أجلِ مَصَالِحِهِم. ولكِنْ يجب علينا أنْ نُمَجِّدَ اللهَ. وإرْميا يَقولُ الشَّيءَ نَفسَهُ. فنحنُ نَقرأُ في سِفْر إرْميا 29: 17: "هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُرْسِلُ عَلَيْهِمِ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ، وَأَجْعَلُهُمْ كَتِينٍ رَدِيءٍ لاَ يُؤْكَلُ مِنَ الرَّدَاءَةِ. وَأُلْحِقُهُمْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، وَأَجْعَلُهُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ، حِلْفًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَعَارًا فِي جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهِمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِي، يَقُولُ الرَّبُّ، إِذْ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءَ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلاً وَلَمْ تَسْمَعُوا، يَقُولُ الرَّبُّ".
فاللهُ يَقولُ: "سوفَ أُؤدِّبُكُمْ فَترةً مِنَ الزَّمَنِ بسببِ شَرِّكُم". ولكِنَّ النَّبِيَّ يَقولُ: "يا رَبُّ، لا تَسمح بإطالَةِ هذه الفترة لأنَّ العِقابَ شَديدٌ. ونحنُ نَبدو في حالة مُزرِيَة أمامَ الأُمَم. وسُمعَتُكَ على المِحَكِّ. فنحنُ نَحمِلُ اسمَكَ". والمُرَنِّمُ يَصرُخُ إلى اللهِ بهذا الخُصوصِ أيضًا (أعتقد في المَزمور 102 والعدد ... دَعوني أتأكَّد مِنَ العدد ... العدد 12): "أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ جَالِسٌ، وَذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ وَقْتُ الرَّأْفَةِ، لأَنَّهُ جَاءَ الْمِيعَادُ. لأَنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا. فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ. إِذَا بَنَى الرَّبُّ صِهْيَوْنَ يُرَى بِمَجْدِهِ. الْتَفَتَ إِلَى صَلاَةِ الْمُضْطَرِّ، وَلَمْ يَرْذُلْ دُعَاءَهُمْ. يُكْتَبُ هذَا لِلدَّوْرِ الآخِرِ، وشَعْبٌ سَوْفَ يُخْلَقُ يُسَبِّحُ الرَّبَّ: لأَنَّهُ أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ نَظَرَ".
بِعبارة أخرى، فإنَّ المُرَنِّمَ يَقول: "يا رَبّ، عندما تأتي ثانيةً وتَبني مَدينَتَكَ، فإنَّ النَّاسَ سينظُرونَ إلى الوراءِ ويقولونَ: "إنَّ الرَّبَّ عَظيمٌ!" فهل تُصَلِّي هكذا؟ هل تُصَلِّي أنْ يَفعلَ اللهُ أمورًا مُعَيَّنة في حياتِكَ وفي هذه الكنيسة وفي حياةِ الآخرينَ لكي يَتَمَجَّدَ هُوَ؟ ففي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 14، يَقولُ رَبُّنا الحَبيب (كما رأينا مَرَّاتٍ عديدة في صَلاةِ التَّلاميذ) ... إنَّهُ يَقولُ: "وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ [لِماذا؟] لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْن".
ودانيال يَقول: "لقد أخطأنا. وقد جَلَبْنا العارَ على اسمِكَ. وقد أَهَنَّا اسْمَكَ. وهذا ليسَ عَدْلاً. اقلبِ الأمرَ رأسًا على عَقِبْ، يا رَبّ. اغفِر لنا، وَأَرْجِع الفضيلة والقداسة والجلال إلى اسمِكَ في أعيُنِ العالَم. فنحنُ نَحمِلُ اسمَكَ. أَبْرِئْهُ".
وأعتقد مِنْ وُجهة نَظري ... وهذه كَلِمَة شخصيَّة مِنِّي إليكُم في الخِتام ... مِنْ وُجهة نَظري، إنَّ أقسى عُنصُرٍ في الخطيَّة هو أنَّها تَجلِبُ العَارَ على اسمِ اللهِ الَّذي أَحْمِلُ اسمَهُ. أليسَ كذلك؟ وما أعنيه هو أنَّني لو كُنتُ أحاولُ وَحَسْب أنْ أَحمي سُمعَتي، مِنَ المُرَجَّحِ أنَّني سأسقُطُ في الخطيَّة. ولكِنَّ سُمعةَ اللهِ هي المسألة هُنا. وهُناكَ مَجموعة مِنَ الأفْعالِ تأتي بهذا المَقطعِ إلى نُقطةِ الذُّروة: "اسمَع، اغفِر، أَصْغِ، اصنَع، لا تُؤخِّر. افعل ذلكَ يا رَبّ".
ما الَّذي تَعَلَّمناه؟ أنَّ الصَّلاةَ تَنبُعُ مِن كلمةِ اللهِ، وتَقومُ على مشيئةِ اللهِ، وتَتَّسِمُ بالحرارة، وتَتحقَّقُ مِنْ خِلالِ إنكارِ الذَّاتِ، وتَقترِنُ بالآخرين، وتَتقوَّى بالاعتراف، وتَتوقَّفُ على شخصِ اللهِ، وَتُخْتَمُ بِتَمجيدِ اللهِ. وهذه الصَّلاةُ، يا أحبَّائي، قد حَظِيَتْ باستجابة. وأنا لا أعني استجابةً وَحَسْب، بلِ استجابة رائعة جِدًّا لا نُجانِبُ الصَّوابَ إنْ قُلنا إنَّها أروعُ نُبوةٍ في كُلِّ سِفْرِ دانيال. لِذا، يجب عليكم أنْ تَنتظروا ثلاثةَ أشهُر إلى أنْ نَبتدئ بدراسة العدد 20.
دَعونا نُصَلِّي معًا: يا أبانا، نَشكُرُكَ في هذا المساء لأنَّنا تَمَكَّنَّا مِن مُشاركةِ هذهِ النَّظرة الأخيرة المُختصَّة بصلاةِ دانيال. ساعِدنا على أنْ نُصَلِّي كَما عَلَّمتَ أنْ يُصَلى. والآن، إذْ نُهَيِّئ قُلوبَنا لِمَائِدَتِك، نُصَلِّي أنْ تُكَلِّمَنا بطريقة خاصَّة جدًّا، وأنْ نَسمَعَ ما تَقول لنا.
فيما تَحْنونَ رُؤوسَكُم قليلاً، اسمحوا لي أنْ أَقترِحَ عليكُم صَلاةً يُمكنكم أنْ تُصَلُّوها. فكما تَعلمونَ، فإنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَقول إنَّهُ لا يَجوزُ أنْ تَتقدَّموا إلى المائدِة مِنْ غيرِ استحقاق. ولكي تُهَيِّئ قَلبكَ، فإنَّ بولسَ يَقولُ في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 11: "وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ". فبعدَ قليل، سوفَ تَلْتقونَ وتَشتركونَ معًا في مائدةِ الرَّبّ. والكِتابُ المُقدَّسُ يَقولُ لنا إنَّهُ عندما نأكُلُ مِنَ الخُبزِ فإنَّنا نَشترِكُ في جسدِهِ، ونَشتركُ في دَمِهِ عندما نَشرَبُ مِنَ الكأس. وإذْ نَشترِكُ في الخُبزِ والكأس، فإنَّنا نَشترِكُ معَهُ بأكملِ وأروعِ طَريقة مُمكِنَة. وإذْ نَفعلُ ذلكَ فإنَّ ما أرجوهُ هو أنْ يَكونَ قَلبُكَ مُهَيَّأً، وأنْ تَكونَ قدِ اعترفتَ بأيَّة خطيَّة تَقِفُ حَاجِزًا بينَكَ وبينَهُ.
ويُمكنُكَ أنْ تُفَكِّرَ في الصَّلاةِ التَّالية:
أيُّها الرَّبُّ الرَّحومُ،
اغفِر لي كُلَّ خَطايايَ في هذا اليوم،
خَطايا الإِحْجامِ والإِقْدام،
خَطايا التَّذَمُّرِ، والتَّجَهُّمِ، والطِّباعِ الحَادَّة،
خَطايا الشِّفاهِ، والحياةِ، والسُّلوك،
خَطايا القلبِ المُتَقَسِّي، وَعدمِ الإيمان، وَالعَجرَفةِ وَالكبرياء،
خَطايا عَدَمِ الأمانةِ تُجاهَ نُفوسِ البشر،
خَطايا عَدَمِ الجُرأة في اتِّخاذِ قَرارٍ بخصوصِ المسيح،
خَطايا عَدَمِ الحماسة في تَمجيدِكَ،
خَطايا الإساءةِ إلى اسمِكَ العَظيم،
خَطايا الخِداعِ والظُّلمِ والكَذِب،
خَطايا نَجاسةِ الفِكْرِ والكلامِ والأفعال،
خَطايا الشَّهوة، وحُبِّ اكْتِنازِ الثَّروةِ وتَبذيرِها بإسرافٍ
مِنْ دونِ تَخصيصِها لتَمجيدِكَ أنتَ، المُعطي الأعظَم؛
الخطايا الَّتي أقترِفُها في السِّرِّ وفي العَلَن،
في الدِّراسةِ والتَّرفيه،
في دراسةِ كلمةِ اللهِ وإهمالِ دراسَتِها،
في الصَّلواتِ الَّتي أرفَعُها دُوْنَ احترامٍ وتلكَ الَّتي أمتَنِعُ عَنْ رَفْعِها بِبُرود،
في هَدْرِ الوقتِ،
في الاستسلامِ لِحِيَلِ الشَّيطان،
وفي فَتْحِ قَلبي لتجارِبِه،
وفي عَدَمِ الحَذَرِ حينَ أَعلمُ أنَّهُ قَريب،
وفي إطفاءِ الرُّوحِ القُدُس؛
الخَطايا الَّتي أقتَرِفُها خِلافًا للنُّورِ والمَعرفة،
وخِلافًا لِضَميري وَما يَنْهاني عَنْهُ رُوحُكَ،
وخِلافًا لناموسِ المحبَّة الأبديَّة.
اغفِر لي كُلَّ خطايايَ الَّتي أعرِفُها والَّتي أجهَلُها،
والتي أشعُرُ بها ولا أشعُرُ بها،
والَّتي أعتَرِفُ بها ولا أعتَرِفُ بها،
والَّتي أتذكَّرُها والَّتي أنساها.
اسمَع يا رَبُّ. وإذْ تَسمع، اغفِر.
هذه هي صَلاتُنا، يا أبانا. وإذْ نَفحص قُلوبَنا، قد نَشعُرُ بأنَّكَ تَتحدَّثُ إلينا، وتَكشِف لنا تلكَ الخطايا الَّتي ينبغي أنْ نَترُكها، وتُعلِن لنا طَريقَ الطَّاعة. ونحنُ نُصَلِّي أيضًا، يا رَبّ، أنَّهُ إذْ نَنظُرُ إلى الصَّليبِ في هذه اللَّحظة، أنْ نَرى فيهِ عَظَمَةَ ذاكَ الَّذي غَفَرَ لَنا خَطايانا. باسمِ المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.