
لا شَكَّ في أنَّ أشخاصًا كثيرين مُعجبون بحياة الربِّ يسوعَ المسيح. فَهُم مُعجبون بولادته الَّتي يُحتفل بها بكلِّ تأكيد مِن خلال احتفالات عيد الميلاد المجيد في جميع أنحاء العالَم. وَهُم مُعجبون بمُعجزاته، ومُعجبون بقدرته على شفاء الأمراض، وإقامة الموتى، وطَرد الشَّياطين مِن النَّاس. وحتَّى إنَّهم مُعجبون بموته ومُعجبون بقيامته. ولا شَكَّ في أنَّ حياة الربِّ يسوعَ المسيح مُدهشة بصورة تَعجز الكلماتُ عن وصفها، وفَريدة، وآسِرَة. وبالرَّغم مِن ذلك فإنَّ النَّاس لا يَخلصون بحياته، بل بتعليمُه. فالطَّريقةُ الَّتي عاشَ بها والمُعجزاتُ الَّتي صَنعها لا تَعني لنا أيَّ شيء ما لم تُفَسَّر لنا. وحياتُهُ لا يُمكن أن تُفَسَّر إلاَّ بمعنى أنَّه الله. فلهذا وُلد مِن عذراء. ولهذا كان يَملِك قدرةً إلهيَّة. ولهذا عاشَ حياةً خالية مِن الخطيَّة ومات مَوتًا بَدَليًّا. ولهذا استطاع أن يَغلب الموت وأن يقوم في اليوم الثَّالث. فهو الله.
وهذا يَقودنا إلى خُطوة في الاتِّجاه الصَّحيح كي نَفهمَ لا فقط الطَّبيعة السَّاحرة والمُدهشة والمُعجزيَّة لحياته، بل أيضًا كي نَفهمَ أنَّ التَّفسير الوحيد لذلك هو أنَّه الله هو تُحَرُّكٌ في الاتِّجاه الصَّحيح. ولكن في نِهاية المَطاف، إنَّ الطَّريقة الوحيدة الَّتي يمكن لحياته وعمله أن يَسرِيَا علينا هي أن نَفهم تَعليمَه لأنَّ الأمرَ يَتلخَّص في المُحَصِّلة النِّهائيَّة في الإيمان بالرِّسالة الَّتي جاء بها يسوعُ والَّتي تُخَلِّص. فالعالمُ يَزخُرُ بأشخاصٍ مَفتونين بحياته. وحتَّى إنَّهم قد يُقِرُّون بأنَّه الله بشكلٍ أو بآخر. ولكن في النِّهاية، إنَّ الأمر يتوقَّف على الإيمان بما قاله. فرسالته هي الأَهَمّ.
فالخلاص مِن الخطيَّة، والنَّجاة مِن الدَّينونة وجَهنَّم، والحصول على الفَرح الأبديِّ والمجد السَّماويِّ هي ليست أمورًا يحصل عليها الأشخاص الَّذينَ يُفْتَنون بيسوع المسيح. وهي ليست أمورًا يحصل عليها الأشخاص الَّذينَ يؤمنون بأنَّه الله المُتجسِّد. فالشَّياطينُ تُؤمِن وتَقشعِرّ. فلا يكفي أن تَشعر بمشاعر مُعيَّنة تُجاه يسوع. ولا يَكفي حتَّى أن تُوَقِّرَهُ. فالخلاصُ هو مِن نَصيبِ الأشخاص الَّذينَ يؤمنون برسالته. لذا، فيما نَشُقُّ طريقَنا في إنجيل لوقا، وننتقل مِن حادثة مُدهشة إلى حادثة مُدهشة أخرى، ومِن عَرْضٍ إلهيٍّ للقُدرة إلى عَرضٍ إلهيٍّ آخر للقُدرة، نجد أنفسنا في أَهَمِّ جُزءٍ في جميع الأجزاء حين نَصِلُ إلى الأجزاء الَّتي تَحوي تَعليمَه. فكلماتُ يسوعَ هي الَّتي تَنبُضُ بالحياة.
لذا فإنَّنا نجد أنفسنا في واحدةٍ مِن أعظم عِظاتِه؛ وهي تُسَمَّى غالبًا "العِظة على الجَبل" في إنجيل لوقا والأصحاح السَّادس. لنفتح كُتُبَنا المُقدَّسة مَرَّةً أخرى على إنجيل لوقا 6: 20. والرِّسالة الرئيسيَّة الَّتي قَدَّمها يسوع هي رسالة عن الخطيَّة. ومِن الواضح أنَّه لم يكن آنذاكَ قد ماتَ ولم يكن قد قام مِن الأموات. لذا فهو لا يَعِظ عن الصَّليب والقيامة بالطَّريقة الَّتي قام بها الرُّسُل بعد هَذين الحَدَثَيْن.
فقد كان يَعِظ في الحقيقة بذات الطَّريقة الَّتي وَعَظ بها يوحنَّا المَعمدان. وقد كان يَعِظ بذات الطَّريقة الَّتي كان يَعِظ بها أنبياءُ العهد القديم؛ أي بذات الطَّريقة الَّتي وَعَظَ بها الأنبياء الحقيقيُّون. فقد كان يَعِظ عن التَّوبة، وكان يَعِظُ قائلاً إنَّ النَّاسَ خُطاة، وإنَّهم خُطاة بائسون، وإنَّهم خُطاة مَيؤوسٌ مِن حالتهم، وإنَّهم خُطاة عَديمو القوَّة، وإنَّهم خُطاة عَديمو الموارِد، وإنَّ تلك الخطيَّة تَقودهم إلى الدَّينونة الأبديَّة، وإنَّ خطيَّتهم مُعَرَّفة في ناموس الله.
فقد أعطاهم اللهُ ناموسَه وقام الأنبياء بصياغته. وقد أشار يوحنَّا المَعمدان بوضوحٍ إليه. ويسوعُ أيضًا. لذا فإنَّ الخطاة يُقَيَّمون في ضَوء المِعيار الكامِل الَّذي جاء به ناموس الله، وَهُم جميعًا لا يُحقِّقون ذلك المِعيار. لِذا، حيث إنَّهم كَسروا ناموسَ الله فإنَّهم واقعون تحت دينونته العادلة والأبديَّة. هذه هي رسالة يسوع. فالجميعُ خُطاة ومُتَّجِهون إلى الدَّينونة الأبديَّة الَّتي ستقودهم إلى جَهنَّم الأبديَّة حيثُ الظُّلمة التَّامَّة، والنَّار الَّتي لا تُطفَأ، والدُّود الَّذي لا يموت، والبُكاءُ والعَويلُ وصَريرُ الأسنان في دينونة أبديَّة يُدركونها تمامًا. فقد كانت هذه هي رسالته. والدَّواءُ الشَّافي لذلك هو أن يَعترفَ الإنسانُ بحالته الخاطئة وعَجزه التَّامِّ، وأن يَتضرَّع إلى الله كي يَرحمه ويَغفر له مِن مُنطلقِ إدراكه بأنَّه لا يستطيع أن يُسهِمَ في ذلك.
كانت هذه هي رسالتُه. وكانت هذه هي رسالة يوحنَّا: "توبوا". وكانت هذه هي رسالة أنبياء الله الحقيقيِّين في العهد القديم. والآن، هذه ليست رسالةً رائجةً. فهي لم تكن رسالةً رائجةً في مُجتمعٍ وثنيٍّ. ولم تكن رسالةً رائجةً في ثقافة غنوسطيَّة تَعْتَدُّ بنفسها أو في ثقافة إلحاديَّة. وهي بكلِّ تأكيد ليست رسالة رائجةً في ثقافةٍ دينيَّة لأنَّ الأشخاص المُتديِّنين يُقنعون أنفسهم بأنَّ ديانتهم تَجعلهم صالحين بالقدر الكافي.
كنتُ أَركبُ سَيَّارةً ذات يوم فقلتُ للرَّجُل الَّذي يُقِلُّني إلى اجتماعٍ كان لديَّ: "هل لديكَ إيمانٌ مُحَدَّد بالله؟" قال: "أجل، أنا أُوْمِنُ بالله. بكلِّ تأكيدٍ أنا أُوْمِنُ بالله". وقد قال: "أنا دائمًا أُوْمِنُ بالله". وقد قال: "وهذا يَجعلني أعتقد أنَّني رَجُلٌ صالِح. أنا إنسانٌ صالحٌ ولا يُمكن أن يَرفضَ اللهُ أن يُدخلني السَّماء". وقد كان ذلك الرَّدُّ هو الرَّدُّ المألوف أو الَّذي نسمعه دائمًا مِن شخصٍ مُتديِّن. وهذه هي بالضَّبط الطَّريقة الَّتي كان يُفكِّر فيها الشَّعبُ اليهوديّ. فاليهوديَّة في زمن يسوع كانت قائمة حَرفيًّا على نظامٍ يقول إنَّه مِن خلال أخلاقك الخارجيَّة والسَّطحيَّة، وأعمالك الدِّينيَّة الطَّقسيَّة، مِن المؤكَّد أنَّك قَدَّمتَ لله ما يكفي لشراء خلاصك. وقد كانت رسالة يسوع هي: "أنتُم جميعًا على خطأ. أنتُم جميعًا على خطأ". وقد قَتلوه بسبب ذلك لأنَّ رسالته لم تكن رسالة رائجةً؛ ولا سيَّما لدى الأشخاص المُتديِّنين.
لقد جاء يسوع كارِزًا بالتَّوبة. وقد جاء مُعرِّفًا الخطيَّة بألفاظٍ لا لُبْسَ فيها. وقد كانت رسالتُه واضحة جدًّا حتَّى إنَّه لم يكن بإمكان أيِّ شخصٍ أن يُفَوِّتَها. وبصورة رئيسيَّة، كان ما يقولُه لليهود مِن خلال كِرازته هو: أنتُم خُطاة مُنفصلون عن الله، وغُرباء عن الله، وخارج الملكوت، وخارج العهد، وخارج الوعد بالرَّغم مِن أنَّ كلَّ ذلك جاء إليكم مِن خلال إعلانِه". فقد كانوا مُتديِّنين جدًّا. وكانوا أَخلاقيِّين جدًّا في الظَّاهر ويَظُنُّون أنَّهم ليسوا بحاجة إلى أن يتوبوا لأنَّهم كانوا مَرْضِيِّينَ عند الله. وكما جاء يوحنَّا المَعمدان مِن قبلِه، وكما جاء إشعياء وأنبياء آخرون مِن قَبلِهما، فإنَّ يسوع جاء يَكرِز بالتَّوبة. والحقيقة هي أنَّ رسالته كانت مُناقضة تمامًا للحِكمة المُتعارَف عليها والتَّقليديَّة.
وقد دَعاهم بصورة رئيسيَّة إلى قَلْبِ تَقييمهم الذَّاتيِّ رأسًا على عَقِب، وإلى تقييم أنفسهم بطريقة مُناقضة تمامًا عن تلك الَّتي كانوا يَستخدمونها لتقييم أنفسهم، وأن يُدركوا أنَّهم ليسوا داخل ملكوت الله، وأنَّهم لا يعرفون الله، وأنَّهم ليسوا أولاده، وأنَّهم ليسوا ذاهبين إلى السَّماء. ولكِن مِن جهة أخرى، كانوا في حالة بائسة وشرِيرة مِن دون الله، ومِن دون الخلاص، ومُنفصلين تمامًا عنه بسبب الخطيَّة. وقد كانوا يُغَطُّون الحقَّ بعباءة البِرِّ الذَّاتيِّ؛ ولكنَّ الحقَّ كان مُغَطَّى بالرَّغم مِن ذلك. وقد أَظهروا جميعًا [كما يَفعل جميعُ النَّاسِ] أنَّهم عاجزون عن حفظ ناموس الله. والتَّعدِّي عليه في نُقطة مُعيَّنة يعني الوقوع تحت لَعنتِه كُلِّه. فقد كانت هذه هي رسالتُه.
ولم تكن هذه هي الرِّسالة الَّتي يتوقَّعونها مِن المسيَّا عند مجيئه. فقد توقَّعوا أن يقوم المسيَّا عند وصوله بمُعانقة الأُمَّة، وتأكيدِ بِرِّها وصلاحِها، وتأكيد مُلاءمتهم للملكوت. وقد كانت الرِّسالة الَّتي يتوقَّعون مِن المسيَّا أن يأتي بها هي رسالة خلاص: "أنتُم الشَّعب. وقد جئتُ لأجل الملكوت. المَلكوتُ لَكُم. لننطلق. فسوف نُدَشِّن الملكوت ونُسيطِر على العالَمِ بأسرِه". كان هذا هو بصورة رئيسيَّة ما تَوقَّعوه. لِذا فقد كانت رسالتُه صادِمَة، ولم تكن مَقبولة، ولم تكن مُحتمَلة. لِذا فقد قَتلوه.
وما تزال هي نفس الرِّسالة اليوم. ولكنَّنا الآن نَعلم أنَّ الله يمكن أن يَغفر للخاطئ مِن خلال موت المسيح وقيامته. ولكنَّ ذلك لم يكن قد حدث بعد، كما هو واضح، عندما كان يسوعُ يَكرِز. فقد كانت رسالته ما تزال هي التَّوبة: الاعتراف بالخطيَّة والتَّضرُّع إلى الله مِن أجل الرَّحمة والنِّعمة لقبول الخلاص؛ الخلاص الَّذي صار مُمكِنًا لأنَّ يسوع حَمَلَ خطايانا على الصَّليب واستوفى مَطالب العدالة الإلهيَّة. ولكنَّ يسوعَ كَرَزَ عن الخطيَّة. وهو موضوع لم يَكُن يَحظى بالشَّعبيَّة آنذاك ولا يَحظى بالشَّعبيَّة الآن.
وقد أَزالَ يسوعُ الوَهْمَ بأن وَضَّحَ (هو والأنبياءُ الَّذينَ سَبقوه، والرُّسُلُ الَّذينَ أَعقبوه، وجميعُ الوُعَّاظ الأُمناء طَوال تاريخ الفداء) أنَّهُ لا صِحَّة لما يُقال بأنَّ الأشخاص المُتديِّنين هُم الَّذينَ يذهبون إلى السَّماء، وبأنَّ الأشخاص الَّذينَ يَتظاهرون بالأخلاق هُم الَّذينَ يذهبون إلى السَّماء؛ بل إنَّ الأشخاص الَّذينَ يُدركون تمامًا حالتهم الخاطئة هُم الَّذينَ يذهبون إلى السَّماء. فالأشخاص الَّذينَ يَنكسرون ويَنسحقون بسبب حقيقة إدانتهم وعَجزهم، والَّذين يَأتون ويتضرَّعون إلى الله طَلبًا للغُفران، ويَحصلون على ذلك الغُفران مِن خلال الرَّحمة هُمُ الَّذينَ يذهبون إلى السَّماء.
وكما قلتُ في المَرَّة السَّابقة، فإنَّ تعليم يسوع هذا يُحَطِّمُ كلَّ تفكير الإنسان. فهو يَقلبه حرفيًّا رأسًا على عَقِب. وهذا المقطع هو نَموذجٌ كلاسيكيٌّ على ذلك. واسمحوا لي أن أقرأ لكم الآيات من 20 إلى 26، ثُمَّ سنُعَلِّق عليها: "وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلاَمِيذِهِ...". والآن، تَذكَّروا أنَّ الكلمة "تَلاميذ" هي لفظة تُشير إلى تلك المجموعة المُختلَطة مِن الأشخاص الَّذينَ كانوا جماعة المُتَعَلِّمين أو "ماثيتيس" (mathetes) في اللُّغة اليونانيَّة. فَهُم المُتعلِّمون أو طُلاَّب يسوع. وكان بعضٌ منهم تلاميذًا حقيقيِّين، وبعضٌ منهم تلاميذًا غير حقيقيِّين، وبعضٌ منهم ما زالوا في مرحلة تقرير ما إذا كانوا سيَمضون في هذا الاتِّجاه أو ذاك. وهو سيُبيِّن لهم المعايير الَّتي يمكنهم أن يَستخدموها لتقييم شَرعيَّة وصِدق تَلمذتهم. لِذا فإنَّه يقول لهذه المجموعة المُختلَطة مِن الأتباع – والَّتي لا ينبغي في هذه الحالة أن نَخلط بينها وبين الرُّسُل الَّذينَ حُدِّدَت هُويَّتُهم في المقطع السَّابق. فقد كانوا بكلِّ تأكيد التَّلاميذ الحقيقيِّين، وصاروا الآن مُرسَلين أو رُسُلاً. ولكنَّه كان يُخاطب بقيَّة هذا الحشد الكبير المؤلَّف مِن مئات أو آلاف الأشخاص الَّذينَ كانوا يَتبعونه. وهو يقول ... إليكم ما ينبغي أن تَعلموه:
"طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْبَاكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ. طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا اسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ. اِفْرَحُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَتَهَلَّلُوا، فَهُوَذَا أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاءِ. لأَنَّ آبَاءَهُمْ هكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ. وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ".
وهذهِ، مِن دون أدنى شَكٍّ، مُفارقة واضحة جدًّا. وهي تَختلف تمامًا عن طريقة النَّاس في التَّفكير. فهل الفقر والجوع والحُزن والرَّفض بَرَكة؟ وهل الغِنى والشِّبَع والسَّعادة والشَّعبيَّة لَعنة؟ وهذه هي بالضَّبط النُّقطة الجوهريَّة. فما يقوله يسوع مُناقض تمامًا للطَّريقة الَّتي كانوا يُفكِّرون بها. لِذا فقد رَفضوا ذلك تمامًا. وقد رأينا ما حدث في المَجمَع في النَّاصرة في الأصحاح الرَّابع عندما ذهب يسوع إلى اليهود في المَجمَع وقال: "أنا أُقَدِّم إنجيل الغُفران والخلاص لِمَن يُدركون منكم أنَّهم مساكين، ومأسورون، وعُمي، ومَقهورون". ولكنَّهم استاءوا لأنَّه قال عنهم إنَّهم مساكين ومأسورون وعُمي ومَقهورون، ومُفلسون روحيًّا، ومأسورون روحيًّا لخطاياهُم، ومَحكومٌ عليهم بالدَّينونة الإلهيَّة، وعُمْيٌ روحيًّا عنِ الحقِّ الإلهيِّ، ومأسورون روحيًّا لآثامهم. فقد غضبوا جدًّا لوصفه لهم بهذه الأوصاف، وأخذوا يسوعَ... وقد كان هؤلاءِ هُم أصدقاؤه وعائلته وبلدته... أخذوه بعد أن قَدَّم تلك العظة إلى حافَّة الجبل وحاولوا أن يَطرحوه مِن فوق. فقد كَرِهوا تلك الرِّسالة. فقد كَرِه الأشخاص المُتديِّنون بصورة خاصَّة تلك الرِّسالة – الأشخاص الأبرار في أعيُن أنفسِهم.
وها هو يأتي ويَكرِزُ بالرِّسالة نفسها مَرَّةً أخرى. فالمساكينُ والجِياعُ والباكون والمرفوضون هُمُ المباركون. والأغنياءُ والشَّباعَى والضَّاحكون وأصحابُ الشَّعبيَّة الواسعة هُمُ المَلعونون. وهذه هي مُفارقاتُ البَرَكة واللَّعنة الَّتي ابتدأنا بالتحدُّث عنها قبل أسبوعين. ولنُذكِّركم بمُفارقات المُبارَكين. فالمُفارقة الأولى هي بَرَكة الفقر إذ نقرأ في العدد 20: "طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ".
وهي لا تتحدَّث عن الفقر الماديِّ أوِ الفقر الماليِّ. فلا توجد فضيلة بالضَّرورة في ذلك، بل هي تتحدَّث عن الفقر الروحيِّ. طُوبَى للأشخاص الَّذينَ يَفهمون إفلاسَهم الروحيَّ. طُوبَى للأشخاص الَّذينَ يَعرفون أنَّهم لا يَملكون أيَّ مصادر لشراء خلاصهم. فَهُم يعرفون أنَّهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا لإرضاء الله. وَهُم لا يَملكون القدرة على كَسْب ما يَلزم لإرضاء الله. طُوبَى للأشخاص الَّذينَ يَعلمون أنَّهم مُعدمونَ أو مُفلِسونَ روحيًّا. فَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ لهم ملكوت الله. فملكوتُ الله هو مِن نَصيبِ الخُطاة الَّذينَ يَعرفون أنَّهم لا يستطيعون أن يُخلِّصوا أنفسَهم.
ثُمَّ ثانيًا هناك بَرَكة الجُوع: "طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ". وهي لا تتحدَّث عن الأشخاص الَّذينَ ليس لديهم أيُّ طعام، بل إنَّه يتحدَّث عن الأشخاص الجِياعُ إلى البِرّ. طُوبى للأشخاص الَّذينَ يَشعرون بالخَواء. طُوبَى للأشخاص الَّذينَ يَعرفون أنَّهم ليسوا أبرارًا. فَهُم يَشعرون بذلك. وَهُم يَتضوَّرون لأجل ذلك. وَهُم يَفهمون إفلاسَهم الروحيَّ ويَتضرَّعون مِن أجل الحصول على البِرِّ مِن الله بالرَّغم مِن أنَّهم لا يَستحقُّون ذلك.
ثُمَّ إنَّنا رأينا أيضًا بَركة الحُزن إذ نقرأ في العدد 21: "طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْبَاكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ". أي أولئك الَّذينَ تُؤدِّي حالتُهم الروحيَّة إلى حُزنٍ شديد. وهذا هو الانكسارُ وانسحاقُ القلبِ الَّذي تَحَدَّثَ عنه إشعياء. طُوبَى للأشخاص الَّذينَ بسبب إفلاسِهم الروحيِّ، وبسبب جوعهم الشَّديد للبِرِّ الَّذي يَعلمون أنَّهم لا يَملكونه ولا يستطيعون الحصول عليه بأنفسهم فإنَّهم يَحزنون. فهؤلاء الأشخاص سيحصلون على غِنى الملكوت. وهؤلاء الأشخاص سيُشبَعون أبديًّا. وهؤلاء الأشخاص سيَفرحون فَرحًا أبديًّا.
ثُمَّ رابعًا، حيث توقَّفنا في المرَّة السَّابقة، نأتي إلى العدد 22: "طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا اسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ". وهذه هي بَركة الرَّفض. فعدا عن بَركة الفقر، وبَركة الجوع، وبَركة الحُزن، هناك أيضًا هذه البركة المَعكوسة للرَّفض.
فأنا أعتقد أنَّ النَّاس، بِمَن في ذلك الرُّسُل افترضوا قائلين: "هذا رائع! فها هو المسيَّا. ونحن نؤمن بالمسيَّا. ونحنُ الآنَ رُسُله. وسوف نَذهب ونَكرز بهذه الرِّسالة. ألن يكون ذلك رائعًا؟ فسوف نُنادي بالرِّسالة فيَسمع النَّاسُ عن الإنجيل، ويَسمعون عن الغُفران. ومِن المؤكَّد أنَّ قلوبَهم ستَنفتِح، وأنَّ المسيَّا سيؤسِّس مَلكوتَه، وأنَّ كلَّ شيءٍ سيكون رائعًا". ولكنَّ يسوع يقول لهم منذ البداية: "استعدُّوا. سوف تكونونَ مُبغَضين. وسوف تكونون مَنبوذين. وسوف تُعَيَّرون وتُطردون. هكذا ستكون الحال. طُوباكُم".
إنَّ أوَّل ثلاث تطويبات تَختصُّ بنظرة الخاطئ إلى نفسَه مِن حيث كونه فقيرًا وجائعًا وحزينًا. والرَّابعة تَختصُّ بنظرة العالَم إلى الخاطئ. فَهُم يُبغضونه. وهُم يَنبذونَه. وَهُم يَرفضونه لأنَّه يَفهم فَهمًا صحيحًا خطيئته، ويَفهم فَهمًا صحيحًا حاجته إلى النِّعمة مِن الله. وهناك أربعة أفعال مُستخدمة في العدد 22: "أَبْغَضَ"، وَ "أَفْرَزَ" وَ "عَيَّرَ"، وَ "أَخْرَجَ". وهي تُلَخِّص وحسب القسوة والعداوة الَّتي ستأتي مِن العالَم الخاطئ.
سوف تكونون مُبغَضين، وسوف تُنْبَذون، وسوف تُعَيَّرون، وسوف تُرفَضون. وهذه سلسلة مِن المواقف الشرِّيرة المُوَجَّهة إلى المؤمنين. فسوف يُخرِجون اسْمَكُم كَشِرِّيرٍ. وهل هذا يعني أنَّهم سيقولون إنَّ "جون" أو "بيل" أو "ساران" أو "فُلان" فَعَل كذا؟ لا، بل إنَّهم سيقولون: "هذا المَسيحيّ!" فَهُم سيستخدمون الاسم "مَسيحيّ" لتَعييرِكَ كشخصٍ شِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَان. وقد قال يسوع: "بسببي سيُبغضوكم لأنَّ هذه هي رسالتي، وهذا هو إنجيلي، وهذا هو خلاصي، وهذه هي حقًّا دعوتي إلى التَّوبة".
فأنا لا أَكرِزُ بدعوتي الشخصيَّة للخُطاة، بل أُرَدِّدُ فحسب دعوة المسيح. أليس كذلك؟ وأنا أُرَدِّدُ فحسب كلمة الله. لذا فقد دَعا يسوعُ هنا تلاميذه معًا، أي أولئك الَّذينَ سيكونون رُسُلاً. فقد انتخبَ الاثني عشر مِن مجموعة كبيرة مِن التَّلاميذ وسَمَّاهُم الاثني عشر. وبعد وقتٍ قصير مِن ذلك بكلِّ تأكيد، نَزَل ووقفَ في مَكانٍ في الجبل وابتدأ عِظَتَهُ الَّتي تُعرَف بالعظة على الجبل. وَهُوَ يقولُ حالاً: أريد منكم أن تستعدُّوا يا رِفاق لأنَّه إن كنتم ستتبعونني ستُلاقون اضطهادًا وعَداوةً. فسوف يُبغضون الاسم الَّذي تَحملونه لأنَّهم يُبغضونَني".
افتَحوا على إنجيل مَتَّى والأصحاح العاشِر. فالأمرُ يَستحقُّ أن نُلقي نَظرةً فاحصةً على هذه المسألة مِن إنجيل مَتَّى. ففي إنجيل مَتَّى والأصحاح العاشر، نقرأ عن الحادثة الَّتي أعطى فيها القُدرة لتلاميذه. وسوف نَقرأ عن ذلك في إنجيل لوقا والأصحاح التَّاسع. فهذا النَّصُّ يُوازي ما جاء في لوقا 9. ولكنِّي أريد منكم أن تُلاحظوا ما يقوله يسوع لهم عندما يُعطيهم تعليماتِه. اذهبوا إلى العدد 16. ويمكنك الآن... لقد أُعطوا الآن، كما هو واضح، لَقَب رُسُل. وقد أُعطوا القدرة على شفاء المَرضى. وقد أُعطوا القدرة على طَرد الشَّياطين. لذا فقد أُعطوا قدرةً على العالَم الماديِّ والعالَم الروحيّ. وربَّما شعروا أنَّ كلَّ شيء سيكون رائعًا وأنَّ كُلَّ شيء سيكون عظيمًا. لذا فإنَّه يقول لهم في العدد 16: "هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ". فسوف تَخرجون إلى هناك ويُحاولون أن يَفترسوكُم.
وفي العدد 17، يَقول المزيد: "وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ..." يجب أن تكونوا حَذِرين. "فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ". وهذا حَدث للرَّسول بولس. فقد تَلقَّى خمسَ مَرَّاتٍ 39 جَلْدَة مِن اليهود. فقد جَلدوه حَرفيًّا في المَجمَع. وهذا يَختلف تمامًا عن التَّأديبِ الكَنَسِيِّ. فقد جَلدوه 39 جَلدة فمَزَّقوا لَحْمَهُ إرْبًا إرْبًا بسبب ما رأَوْا أنَّه هَرطقة لأنَّه كان مَسيحيًّا.
ويسوعُ يقول للاثني عشر إنَّهم سيأخذونكم إلى المحكمة بسبب هذا. وسوف يَجلدونكم أيضًا في المَجامِع. "وَتُسَاقُونَ [في العدد 18] أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ". وما يزال هذا يحدث حتَّى الآن. ونحن لا نحصل على إعلانٍ مُباشِر اليوم، ولكن عندما تجد نفسك في ذلك الموقف إن حدث هذا اليوم، سوف تتكلَّم ما يقوله الرُّوح في الكتاب المقدَّس. فسوف تقول وحسب الحقَّ الموجودَ في كلمة الله.
"وَسَيُسْلِمُ الأَخُ [في العدد 21] أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ". فسوف تحدث جرائم قتل حرفيًّا في العائلة بسبب اتِّباع يسوعَ المسيح. وفي العدد 22: "وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي". وها هي نفس المسألة مَرَّةً أخرى؛ أي أنَّ مسألةَ اتِّباع يسوعَ المسيح تؤدِّي إلى ردود فعل عنيفة جدًّا، ولا سيَّما مِن قِبَل الخُطاة المُتديِّنين، حتَّى إنَّكم ستتألَّمون. وَهُوَ يقول في العدد 24 شيئًا أعتقد أنَّه مُهمٌّ جدًّا: "لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ". والمعنى المقصود هو أنَّني إن كُنتُ وأنا سَيِّدُكم ومُعلِّمكم أَلقى سُوء مُعاملة منهم، لا تتوقَّعوا أن تَلقَوْا مُعاملةً مُختلفة. فهكذا ستكون الحال. فسوف يَضطهدونكم بذات الطَّريقة الَّتي اضَّطهدوني بها.
وما زال هذا يحدث حتَّى يومنا هذا. فالمسيحيُّون يُضطهدون اليوم. وأعتقد أنَّ الأشخاص الَّذينَ يُقتلون اليوم (بحسب الإحصائيَّات المُتوفِّرة لديَّ) يَفوقُ أيَّ وقتٍ مَضى في التَّاريخ. وهؤلاء يُقتلون عادةً بأيدي مُتطرِّفين إسلاميِّين. أرجو أن تَفتحوا على إنجيل يوحنَّا والأصحاح التَّاسع لأنِّي أعتقد أنَّه يجب عليكم أن تَفهموا ما يقوله الربُّ لهؤلاء الرُّسُل. فربَّما قاموا (كما تَعلمون) عندما قالَ لهم يسوعُ إنَّهم سيكونون الرُّسُل الاثني عشر، أي عندما فَرَزَهُم يسوع، رُبَّما قاموا بتقديم التَّهاني بعضُهم لبعض بسبب هذا الشَّرف الكبير ثُمَّ سمعوا بعد ذلك مباشرةً أنَّ ذلك سيُكلِّفهم ثَمنًا باهظًا لأنَّ الرِّسالة مُناقضة تمامًا لأصحاب القلوب الشرِّيرة.
ففي إنجيل يوحنَّا والأصحاح التَّاسع، شَفى يسوعُ رَجُلاً أعمى. فجاء النَّاس إلى أبويِّ الرَّجُل الأعمى. وكما تَذكرون فإنَّه كان قد وُلِدَ أعمى. لذا فقد كان مُصابًا بعمىً خلْقِيٍّ أو بِعَمىً مُنذ ولادته. وقد شَفاه يسوعُ فصار باستطاعته أن يَرى. لذا فقد جاء النَّاس إلى أبويه في العدد 22 وقالوا في العدد 21: "هل يمكنكما أن تُخبرانا ما الَّذي يجري هنا؟ كيفَ صارَ يُبصِر؟" فقد ابتدأوا في طَرح الأسئلة في العدد 19 ودار بينهم هذا الحِوار.
قالَ أبواه: "نَعْلَمُ أَنَّ هذَا ابْنُنَا، وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى، ولكن إن أردتم أن تَعلموا يُمكنكم أن تسألوه. اسألوه كيف صار يُبصِر". ونقرأ في العدد 22: "قَالَ أَبَوَاهُ هذَا [أي أنَّهُما حَوَّلا السُّؤالَ إلى ابنهما] لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَع". فقد كانوا يُطرَدونَ مِن المَجمَع. وفي حالات عديدة، كانوا يَجلدون الشَّخص في ذات الوقت. "لِذلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ [في العدد 23]: إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ، اسْأَلُوهُ".
افتحوا على الأصحاح 15 مِن إنجيل يوحنَّا. ومَرَّةً أخرى، يُشير يسوع تحديدًا إلى هذا النَّوع مِن العَداوة. ففي إنجيل يوحنَّا 15: 18 قال يسوع: "إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ"؛ أي: "لا تُصْدَموا". وفي العدد 19: "لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ". ويا لَهُ مِن حَقٍّ عميق! "وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ". فهذا شيءٌ يحدث في كلِّ مكانٍ توجد فيه مُختلف أنواع الأديان المَقبولة في العالَم لأنَّها كُلُّها جُزءٌ مِن النِّظام نفسه. وَهُم يستطيعون أن يَتَّفقوا ليس بالضَّرورة على كلِّ شيء، ولكنَّهم يستطيعون جميعًا أن يَتَّفقوا على شيء واحد وَهُوَ أنَّهم يُعادون المسيحيَّة.
"اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ". فهو يُكَرِّرُ في العَدد 20 نَفس الكلامِ قائلاً: "لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ. لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي". وفي العدد 23: "اَلَّذِي يُبْغِضُنِي يُبْغِضُ أَبِي أَيْضًا". فَهُم يُبغضونكم، ويُبغضونَني، ويُبغضون أبي. فهكذا هي الحال. وَهُوَ يقول في العدد 16... عندما كانوا في العِليَّة في العشاء الأخير (كما نُسَمِّيه)؛ أي عندما قَضى ليلته الأخيرة مع تلاميذه. فقد كان يُعدُّهم لما هو آت. وقد حدث هذا بعد وقت طويل مِن العِظة المُدوَّنة في إنجيل لوقا والأصحاح السَّادس، ولكنَّه قَدَّم لهم نفس الرِّسالة. "قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا [كما يقول في العدد الأوَّل مِن الأصحاح 16] لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا. سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي".
لِذا، يجب أن تَتوقَّعوا هذا. فالأمر سيحدث هكذا تمامًا. وبحلول نهاية القرن الميلاديّ الأوَّل، كان هذا الأمر مُستفحِلاً جدًّا في اليهوديَّة. فقد عانَى المسيحيُّون الأوائل كثيرًا كما تَعلمون. وما أعنيه هو: انظروا إلى الرَّسول بولس. فقد كان يَذهب إلى كلِّ مكان ويَنفث تَهَدُّدًا وقَتلاً ضِدَّ المسيحيِّين ويتصرَّف بهذه الطَّريقة نفسها هو نفسُه. ثُمَّ إنَّنا نقرأ عن حادثة في الأصحاح السَّابع مِن سِفْر أعمال الرُّسُل تَختصُّ برجم استفانوس مِن قبل يهود أورُشليم الَّذينَ قَتلوه لأنَّه كان مسيحيًّا هَرطوقيًّا (في نظرهم). فقد كان هذا هو ما يجري. وفي نهاية القرن الميلاديِّ الأوَّل، كانوا قد وضعوا طريقةً ظَنُّوا أنَّهم يستطيعون مِن خلالها أن يَستأصِلوا أيَّ مَسيحيِّين مِن أصْلٍ يَهوديٍّ مِن المَجامِع.
وهناك مَجموعة مِن الصَّلوات الَّتي تُسَمَّى "شِمونة عَسريَّة" (Shemoneh Esrei) كانت تُصَلَّى بين اليهود. وتَضُمُّ هذه المجموعة ثماني عشرة صَلاة. واسمحوا لي أن أقرأ على مَسامعكم الصَّلاة الثَّانية عشرة مِن هذه الصَّلوات الثَّماني عشرة. وبالمناسبة، كانت هذه الصَّلوات تُتلَى بصوتٍ عالٍ مِن قِبَل الأشخاص الموجودين في المَجمَع. وهذه هي الصَّلاة الثَّانية عشرة. وهي صلاة لأجل المُرْتَدِّين: "لِيَنقَطِع رجاءَ المُرتدِّين، ويُستأصَل المُتَكَبِّرين سريعًا في أيَّامِنا هذه، وليَهلِك المسيحيُّون والهَراطقة في طَرْفَةِ عَيْن وتُمحَى أسماؤهم مِن سِفر الحياة ولا يُذكَرون مع الأبرار. مُباركٌ أنت يا رَبُّ يا مَن تُذِلُّ المُتَكَبِّرين". هذه هي الصَّلاة.
لِذا، ها هي صلاة يهوديَّة تَلعَن بصورة رئيسيَّة المسيحيِّين وينبغي أن تُصَلَّى. فقد كانوا يُرغموهم على تَرديدها شخصيًّا في المَجمع لكي يُراقبوا ويَروا مَن لا يُرَدِّد تلك الصَّلاة. والشَّخص الَّذي لا يُرَدِّد تلك الصَّلاة كان يُحسَب مَسيحيًّا أو داعمًا للمسيحيِّين فيُطرَد خارج المَجمع. لِذا فقد صارت تلك الصَّلاة امتحانًا ولَعنةً مُعَدَّة خِصِّيصًا لكشف المسيحيِّين الَّذينَ لا يُرَدِّدون تلك الصَّلاة إن لم تكن حقيقة إيمانهم قد كَشَفت هُويَّتَهم أصلاً. ثُمَّ كان هؤلاء يُطردون مِن المَجمع.
لِذا فإنَّ ما كان يسوع يقوله كان سيحدث. وقد حدث. فأغلبيَّة الرُّسُل أنفسِهم (كما رأينا مِن خلال سِلسلتنا عن الرُّسُل) قُتلوا بسبب إعلان الحقِّ. والأشخاصُ الَّذينَ كانوا يُسَمُّون اسم المسيح كانوا يُطرَدون مِن المَجامع، ويُجلَدون، ويُقتَلون أيضًا. وهذا النَّوع مِن الاضطهاد يَستمرُّ ويَستمرُّ ويَستمرُّ ويَستمرُّ في الغالب على أيدي الأشخاص المُتديِّنين الَّذي لا يُحبُّون التَّشخيصَ المَسيحيَّ القائل إنَّ الإنسانَ (رَجُلاً كانَ أَمِ امرأةً) مِن دون المسيح هو خاطئ مُدان ومَحكوم عليه بالهلاك بِغَضِّ النَّظر عن تَديُّنه أو تَدَيُّنِها. فهذا هو التَّشخيص الَّذي كان يُثيرُ جُنونَهُم.
والآن، ارجِعوا إلى لوقا 6. فهو يقول: "سوف تكونون مُباركين إن حدث هذا". فسوف تكونون في عِداد المُباركين، ويجب عليكم أن تَحسِبوا أنفسكم في عِداد المُباركين لأنَّ هذه حقيقة. والحقيقة هي أنَّه عندما يحدث كلُّ هذا لكم بسبب اسمكم (أي بسبب أنَّكم مَسيحيِّين)، وبسبب ابن الإنسان (وهو لَقَب تَحدَّثنا عنه سابقًا في مَعرِضِ دراسَتِنا لهذا الإنجيل)، يجب أن يكون رَدُّكم كالتَّالي إذ نقرأ في العدد 23: "اِفْرَحُوا فِي ذلِكَ الْيَوْم". والآن، اسمحوا لي أن أُوقِفَكُم هنا. "في ذلكَ اليوم". وهذا يَعزِل يوم الاضطهاد. فالأمور لن تكون هكذا دائمًا. فهو لن يكون اضطهادًا لا يتوقَّف ضِدَّ الجميع. "اِفْرَحُوا فِي ذلِكَ الْيَوْم". أيُّ يوم؟ ذلك اليوم. ارجعوا إلى العدد 22: "طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ". والكلمة "إذا" هي كلمة مُهمَّة جدًّا. فهي تُشير إلى أنَّ الأمر لن يحدث دائمًا، بل أحيانًا. فعندما يَحدث ذلك، وَفي ذلك اليوم الَّذي يَحدث فيه ذلك.
لِذا، لا نريد أن نُبالغ في تحذيركم لئلاَّ تَظُنُّوا أنَّ حياتكم لن تكون سوى اضطهادات مُتتالية فتصير لديكم عُقدة الاستشهاد. انظروا! لقد كانت الكنيسة الأولى (بحسب ما جاء في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 2: 47) تَحظى بسُمعة طَيِّبة لدى جميع النَّاس. وفي وقتٍ لاحق (في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 5: 13) نَقرأُ أنَّ النَّاس في أورُشليم كانوا يَحترمون جدًّا المسيحيِّين. ونقرأ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاح الثَّاني أنَّه كان ينبغي لنا أن نعيش حَياةَ تَقوى، وأن نَعيشَ حَياةً هَادِئَةً ومُسالمةً ومُطْمَئِنَّةً لكي يكون هناك تَوقير. ويقول بُطرس إنَّه يجب علينا أن نعيش حياتنا بطريقة لا تُعطي الأشرار أيَّة فُرصة لاتِّهامِنا بشيء. ونقرأ في الرِّسالة إلى تِيطُس والأصحاح الثالث إنَّه يجب علينا أن نعيش حياةً هادئةً جدًّا مُفعمةً بالنِّعمة لكي نَشهد عن قوَّة المسيح المُغيِّرة في حياتنا كي نَتمكَّن مِن الوصول إلى الأشخاص الَّذينَ هُم مِن دون المسيح.
فهناك هذا التَّوازن الَّذي يَجعل حياة المؤمن شَهادةً رائعةً على قوَّة الله. وبالنِّسبة إلى الأشخاص الَّذينَ يُظهِرون انفتاحًا إلى الإنجيل، هذه نُقطة مُهمَّة وجوهريَّة في الكِرازة. أليس كذلك؟ ولكن ستأتي أوقات يُبغضوكم فيها ويُعيِّروكم، ويَفترون عليكم، ويطردوكم. فسوف يأتي "ذلك اليوم" الَّذي ستحدث فيه هذه الأمور؛ وهو يُركِّز مَرَّةً أخرى على أنَّ ذلك سيحدث بين الحين والحين. ولكنَّه سيحدث. وهذا سيتوقَّف بصورة عامَّة على مقدار عدم مُساومتكم وعلى شجاعتكم وأمانتكم في قول ما ينبغي أن يُقال في بيئة دينيَّة أو عند مُواجهة الخُطاة. فإن لم تقولوا شيئًا، يمكنكم أن تَنجوا من ذلك. وإن ساومتم، يمكنكم أن تَنجوا مِن ذلك. وإن أبقيتم أفواهَكُم مُغلقةً يمكنكم أن تَنجوا مِن ذلك... يمكنكم أن تَنجوا مِن ذلك. أمَّا إذا قُلتم الحقَّ فسيكون مِن الصَّعب أن تتجنَّبوا بعضًا مِن المواقف.
ولكنَّه يقول: عندما يحدث ذلك، افرحوا في ذلك اليوم. والحقيقة، افرحوا جدًّا واقفزوا مِن الفرح، وابتدئوا بالرَّقص، وتَهَلَّلوا، وعَبِّروا تمامًا عن ابتهاجِكم. ونحن نفعل ذلك؛ ولكنَّه لا يكون عادةً مَقرونًا بالاضطهاد. فنحن... حتَّى المؤمنين مِنَّا... لا نَفهم ذلك بالمعنى الصَّحيح. فإن اضطُهدتَ لأجل اسم يسوع المسيح، وإن اضطُهدتَ لأجل اسم ابن الإنسان، وإن اضطُهدتَ لأجل أنَّك مَسيحيّ، وإن اضطُهدتَ لأنَّك تُقدِّم تَشخيصًا حقيقيًّا لقلب الخاطئ ولأنَّك تُحاول أن تُبيِّن لهم معنى الفقرِ الروحيِّ ومعنى الإفلاسِ الروحيِّ، وتحاول أن تَقلب شعورهم بتقدير الذَّات، واحترام الذَّات، والبِرِّ الذَّاتيِّ؛ فإن هاجمتَ تلك الجوانب كما ينبغي أن تفعل مِن أجل توصيل الإنجيل، وإن كنتَ أمينًا في القيام بذلك وواجهتَ أشخاصً عِدائيِّين، أو طَردوكَ مِن المَجمع، أو جَلدوكَ، أو هَدَّدوا حياتَك أو قَرَّروا إعدامَكَ، ارتدي حِذاءَ الرَّقصِ وتَهَلَّل.
لماذا؟ "تَهَلَّلُوا، فَهُوَذَا أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ [أين؟] فِي السَّمَاءِ". فيجب أن تكون لديك نظرة مُختلفة للتَّعامُل مع هذا الأمر. فإن كان كلُّ ما تريده هو الرَّاحة هنا، سوف تُفَوِّت القَصْد. وإن أدركتَ أنَّ مُكافأتك الأبديَّة تَتوافَق مع استعدادك للمواجهة والتَّألُّم لأجل الإنجيل، ستُدرك حينئذٍ أنَّ المُعاناة الصَّغيرة هنا لا تُقاسُ (كما قال بولس) بالمجد هناك. وهذه هي النَّظرة الأبديَّة. فلماذا أُبالي بالعداوة الَّتي أحصل عليها في هذه الحياة مِن أجل نَشْرِ حَقِّ الإنجيل؟ ولماذا أُبالي بما يَفعله النَّاسُ بي في هذه الحياة بسبب كِرازتي بالحقِّ في حين أنَّني أُدرك أنَّني سأحصل على مُكافأةٍ في المجد، وأنَّني بعد حصولي عليها سأطرحها عند قَدميِّ مَسيحي بسبب مُعاناتي البسيطة هنا؟
وأنا واثقٌ مِن أنَّ المكافأة الأبديَّة شيءٌ يمكنك أن تَطرحه عند قَدميِّ المسيح وأن تَستمتع بِملئها إلى أبد الآبدين. لِذا عندما كان الرُّسُل يَكرزون في الأصحاح الخامس مِن سِفْر أعمال الرُّسُل، لم يَحتاجوا إلى وقتٍ طويلٍ كي يَروا ذلك يتحقَّق. فكما تَعلمون، لقد ابتدأوا بالكرازة في يوم الخمسين. وما إن ابتدأوا بالكرازة حتَّى جاء الاضِّطهاد. أليس كذلك؟ حالاً. فقد قالوا لهم أَلاَّ يَكرزوا بعد الآن. ونقرأ في سِفْر أعمال الرُّسُل 5: 41 أو في العدد 40 أنَّهم دَعُوا الرُّسُلَ [أي أنَّ المَسؤولين في السُّلُطاتِ اليهوديَّة استدعوهُم] وَجَلَدُوهُمْ. فقد جَلدوهم 39 جَلدة على ظُهورهم. "وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ". وماذا يقول العَدَدُ الَّذي يلي ذلك؟ أنَّهم ذَهبوا مُكتَئبين؟ لا. "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ". لماذا؟ "لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ". يا لهُ مِن امتياز!
فقد حَصلتم على امتيازٍ عظيم. فنحن لا نَستحقُّ أن نُتألَّم مِن أجل اسم المسيح، ونحن لا نَستحقُّ حتَّى أن نَقولَ في نفس الجُملة إنَّنا قد أُعطينا هذا الامتيازَ العظيمَ بأن نتألَّم مِن أجله. وقد قال بولس في رسالة كولوسي 1: 24 هذه الجُملة الرَّائعة: "وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي". ويا لها مِن جُملة! بعبارة أخرى، إنَّ كلَّ اضطهادٍ يأتي عليَّ هو اضطهادٌ للمسيح. وَهُوَ ليس موجودًا هنا؛ لِذا فإنَّهم يَضعوني مكانه. وَهُوَ يقول: "[أنا أَفرحُ] لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ" (كما قال لمؤمني غَلاطيَّة). ويا له مِن امتيازٍ لخاطئٍ بائسٍ غير مُستحقٍّ أن يُعاقَب حَرفيًّا عِوَضًا عن المسيح الَّذي عُوقِبَ على الصَّليب بَدلاً عنه. يا لها مِن حقيقة عظيمة. فأنا لا أَستأهِلُ حتَّى أن أتلقَّى الضَّرَبات عن المسيح، ولكن يا له مِن شَرَف! ويا له مِن امتياز!
وَقد قال إنَّ هناك امتيازًا آخر. تَرَقَّبوا وانظروا مُكافأتكم الأبديَّة، وانظروا إلى الوراء وانظروا مَنِ هُم رِفاقُكم. "لأَنَّ آبَاءَهُمْ هكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [بِمَن؟] بِالأَنْبِيَاءِ". فأنتُم تَتمتَّعون برفقة طيِّبة حقًّا. فيمكنكم أن تَجتازوا آلامكم لأجل الكَشف الواضح عن حقيقة الخطيَّة والدَّينونة والحاجة إلى الرَّحمة والنِّعمة والغُفران والخلاص. ويمكنكم أن تَحتملوا تلك العَداوة بأن تَنظروا إلى المستقبل. فلا بأسَ في ذلك. فآلاَمُ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. لِذا يمكنني أن أتطلَّع إلى الأمام. ويمكنني أيضًا أن ألتفتَ وأنظر إلى الوراء وأقول: "هذا يَضَعُني في رِفقة طَيِّبة جدًّا".
إنَّ تاريخَ العهد القديم هذا مَعروف. فهي ذات الطَّريقة الَّتي اعتادَ فيها آباؤهم أن يُعاملوا الأنبياء. ادرسوا العهدَ القديمَ، وادرسوا تاريخَ بني إسرائيل، وانظروا ماذا فعلوا بالأنبياء الحقيقيِّين. افتحوا على إنجيل مَتَّى والأصحاح الحادي والعشرين. وسوف نَكتفي بنظرة خاطفة إليه مِن دون الرُّجوع إلى العهد القديم. المَعذرة ... إنجيل مَتَّى والأصحاح الثَّاني والعشرون. هناك مَثَل في نهاية مَتَّى 21 يَصِف كيف عامَلوا الأنبياء في صورة مَثَل. ولعلَّكم تَذكرون أنَّ الربَّ تَحدَّث عن رَجُل غَرَسَ كَرْمًا، وأنَّه سَلَّمَهُ لِكَرَّامينَ. وعندما أراد أن يأخُذَ أثمارَهُ أَرسلَ عَبيدَهُ. ولكنَّ الكَرَّامين قَتلوا بَعضًا وضَربوا بَعضًا. وأخيرًا، أَرسَلَ السَّيِّدُ ابنَهُ فَقتلوا ابنَهُ. وهذه صورة عن إسرائيل الَّتي هي كَرْم الله. وقد رسلَ أنبياءَهُ فقتلوا الأنبياء. وقد أرسلَ ابنَهُ فقَتلوا ابنَهُ.
ثُمَّ نقرأ في الأصحاح 22... أو لنذهب إلى الأصحاح 23. فأنا أريدُ أن أُنهي هذه النُّقطة. فنحن نقرأ في الأصحاح 23 والعدد 31: "فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ" [كما يقول]. وهذا... إنَّ هذا الأصحاح الثَّالث والعِشرين هو ضَربة مُوجَّهة إلى القادة الدِّينيِّين لإسرائيل. فالأصحاح يَبتدئ في العدد الأوَّل بالحديثِ عن الكَتبة والفَريسيِّين. ونقرأ في العدد 31: "فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ". فسوف تَقتلونَني، وسوف تَقتلون الأشخاص الَّذينَ يُسَمُّون اسمي، وسوف تَقتلون رُسُلي. أنتم فحسب أبناءُ أبيكم الَّذينَ قَتلوا الأنبياء. وهذه جُملة إدانة قويَّة جدًّا ولا يمكن أن تكون أقوى مِن ذلك.
ثُمَّ إنَّكم تَرون إشفاقَ يَسوع على حالِهم في العدد 37 إذ يقول: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ!" وكيف يُعَرِّفُ أورُشليم؟ "يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا". هذه هي أورُشليم. لذا عندما يَضطهدونكم فإنَّكم ستكونون في صُحبة جَيِّدة. فأنتم في رِفقة جَيِّدة. فبنو إسرائيل، وليست أيّ مجموعة أخرى، بل إنَّ بني إسرائيل هُمُ الَّذينَ قَتلوا أنبياء الله الحقيقيِّين. وفي رسالة يعقوب، يَكتُب يعقوب رسالته لتشجيع المؤمنين المُتألِّمين. وَهُوَ يَذكُر في الأصحاح الخامس والعدد العاشر: "خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ".
إن أردتم نَموذجًا جيِّدًا على أولئك الَّذينَ احتملوا الاضطهاد، انظروا إلى الأنبياء. فطَوال التَّاريخ، يا أحبَّائي، تَعرَّض أولئك الأشخاص الَّذينَ يَكرزون بالحقِّ للبُغض والاضطهاد. لماذا؟ لأنَّ الرِّسالةَ الَّتي تقول إنَّ الإنسانَ خاطئٌ بائس يَتَّجِه إلى الدَّينونة الأبديَّة ولا يوجد فيه شيءٌ صالحٌ يُمكنه أن يُصلِح في تلك الحالة، وإنَّه ينبغي له أن يَتَّكِل على نِعمة الله ورحمته، هي رسالة مَرفوضة بالنِّسبة إلى الخاطئ. فهو يريد أن يؤمن بتقديره لنفسه وبِرِّه الذَّاتيِّ. لذا فقد قتلوا الأنبياء آنذاك، وقَتلوا الأنبياء في زمن يسوع، وما زالوا يَقتلون الأشخاص الَّذينَ يُسَمُّون اسم المسيح حتَّى اليوم حتَّى إنَّ الاضطهاد صار نَمَط حياة. وهناك أماكن لا يمكنهم فيها أن يَقتلونا لأنَّ القانون لا يَسمح بذلك. ولكن في الأماكن الَّتي يَسمح فيها القانون بذلك فإنَّهم يَفعلون ذلك.
لِذا فإنَّنا نَسمعُ عن المُباركين: المساكين، والجِياع، والحَزانى، والمَرفوضين. فَهُم المُباركون لأنَّهم اقتَرنوا بالأنبياء الحقيقيِّين على مَدى الأجيال ولأنَّ أَجْرَهُم عظيم في السَّماء. والآن لننظر إلى المَلعونينَ ثُمَّ نَختِم. وهذا سيَتَّضِح عن طريق المُفارقة مِن دون الكثير مِن التَّعليق. فالمُفارقة تَظهَر، أوِ التَّناقُضُ المُختصُّ بالمَلعونين يَظهر في الأعداد 24-26: "وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَة".
ويا لها مِن مُفارقة! فأوَّلاً، لَعنة الغِنَى إذ نَقرأ في العدد 24: "وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ". وَهُوَ لا يتحدَّث عن الغِنى الماديِّ، ولا يتحدَّث عن الفقرِ الماليِّ هنا. فإبراهيمُ كان غَنيًّا، وأيُّوبُ كان غَنيًّا. وسِفْرُ التَّثنية يقول إنَّ اللهَ "هُوَ الَّذِي يُعْطِيكَ قُوَّةً لاصْطِنَاعِ الثَّرْوَة". فنحن لا نتحدَّث عن النِّطاقِ الماديِّ أوِ الماليِّ، بل نتحدَّث عن النِّطاقِ الروحيِّ. وَيلٌ لِمَن يَظُنُّون منكم أنَّه يَملِك غِنىً روحيًّا كافيًا لشراء خلاصه. وَيلٌ لِمَن يَظُنُّ منكم أنَّه استحقَّ مِن خلال أعمالِه البارَّة [على الصَّعيدَيْنِ الأخلاقيِّ والدِّينيِّ] طَريقَهُ إلى مَلكوت الله. وَيلٌ للفَريسيِّين (كما جاء في لوقا 18) الَّذينَ يَذهبون إلى الهيكل ويقولون: "أشكرُك لأنِّي لستُ مِثل الأشخاصِ الآخرين، أو مِثل ذلك الخاطئ المُريع ذاك. فأنا أَصومُ وأُعَشِّرُ وأُزَكِّي...إلخ، إلخ، إلخ... ألستَ سعيدًا بإنجازاتي؟" وَيلٌ لكم. وَيلٌ لكم أيُّها الأشخاص المُتديِّنون.
ولا شَكَّ في أنَّه يُسمِّيهم في وقتٍ لاحق: "مُرائين". وَيلٌ لكم يا مَن لا تَعلمون أنَّكم فقراء، ومأسورون، وعُمْيٌ، ومَرفوضون. وَيلٌ لكم يا مَن لا تَعلمون أنَّكم الفُقراءُ والجِياعُ والحَزانى وأنَّكم بسبب ذلك: المَرفوضون. ولماذا أُعلنَ الوَيلُ عليهم؟ لماذا؟ وما هي اللَّعنة؟ لأنَّكم نِلتُم عَزاءَكُم الكامِل. عَجبًا! هذا هو كلُّ شيء. استمتعوا بذلك. هذا هو كلُّ شيء. هذا هو كلُّ شيء. فهو الأجرُ الكامِلُ على الأرض. وماذا بعد هذه الحياة؟ آه، بعد هذه الحياة؟ لن تحصلوا على أيِّ عَزاء. فسوف تذهبون إلى جَهنَّم (كما قال يسوعُ مِرارًا). وجَهنَّم هي مكانٌ مُظلمٌ لا نورَ فيه. وَهُوَ مَوْضِعُ النَّارِ الَّتي لا تُطفَأ والدُّودِ الَّذي لا يموت. فالشَّقاوةُ المُريعةُ والشَّقاوةُ الأبديَّة هُما سِمتان هذا المكان.
ثُمَّ إنَّنا نَقرأ عن لَعنة الشِّبَع إذ نقرأ في العدد 25: "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ". وَيلٌ لِمَن يَظُنُّ منكم أنَّه نَالَ كُلَّ شيء. فأنتم مَغرورون. وأنتُم مُمتلئون بِبِرِّكُم الذاتيِّ، ومُمتلئون بريائِكُم المُنَمَّق. وأنتم لا تَشعرون بالحاجة إلى أيِّ شيء. وأنتم لا تَشعرون بالجوع الَّذي يَشعر به الخاطئ لأنَّكم لا تَظُنُّون أنَّكم خُطاة. وَيلٌ لكم لأنَّكم ستجوعون إلى الأبد. فما لا يَقِلُّ عن أربع مَرَّات في إنجيل مَتَّى وحدِه يَقول يسوع إنَّكم سَتُحَرِّقونَ أسنانَكم بحثًا عن شيءٍ يُشبِع قلبَكم الجائع مِن دون أن تَعثروا عليه. إنَّه جوعٌ لا يُشبَع يومًا في حُفرة نُفوسِكم المُعذَّبة.
ثُمَّ إنَّ هناك لَعنة السَّعادة إذ نقرأ في العدد 25: "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ". وما هي جَهنَّم؟ إنَّها مكان (كما قال يسوع مِرارًا وتَكرارًا – ما لا يَقِلُّ عن أربع مَرَّات في إنجيل مَتَّى) حيثُ البُكاءُ والنُّواح. وَيلٌ لكم أيُّها الفَرِحون بإنجازِكم الدِّينيّ. وَيلٌ لكم أيُّها الرَّاضون بِعَجرفةٍ بتديُّنِكم. وَيلٌ لكم أيُّها الفَرِحون بأخلاقكم. وَيلٌ لكم، وَيلٌ، وَيلٌ لكم. لماذا؟ لأنَّكم ستَبكون إلى الأبد. فالجَحيمُ مكانُ الحُزنِ الَّذي لا نهاية له، والأبديّ، والَّذي لا يتوقَّف. فالدُّموع لن تتوقَّف عن الانهمار.
ثُمَّ إنَّ اللَّعنة الرَّابعة هي لَعنة الشَّعبيَّة الواسعة إذ نقرأ في العدد 26: "وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ". والكتابُ المقدَّسُ واضحٌ تمامًا فيما سيَحدث للأنبياء الكذبة والأشخاص الَّذينَ يَنضمُّون إليهم ويُناصرونهم. فهل تريدون أن يقول الجميعُ فيكم كلامًا حسنًا؟ أجل؟ فقد ابتكرتُم ديانةً تَجعلُ النَّاس يَقولون فيكم كلامًا حسنًا. وهذه علامة على أنَّكم مَلعونون.
فعندما يُحِبُّ الجميع نَهجَكَ الدِّينيَّ اعلَم أنَّك في مُشكلة خطيرة. فعندما تتمكَّن مِن اختراع ديانة لا تُسيءُ إلى أيِّ شخص، فإنَّ هذه علامة خطيرة على أنَّك لست في الملكوت. فعندما يُحِبُّكَ الجميعُ، ويُحبُّ الجميعُ أسلوبكَ في التَّعاطي مع الدِّين لأنَّك لا تُسيءُ إلى أيِّ شخص، اعلَم أنَّك انضممتَ إلى الأنبياء الكذبة لأنَّ ذلك هو ما يَفعلُه الأنبياءُ الكذبة. فَهُم يَسْعَوْنَ إلى الشَّعبية. فكلَّما زادت شعبيَّتُهم كان ذلك أفضل لأنَّهم يَسعون إلى المال بسبب رغبتهم في الرِّبح القبيح وجَشَعِهم.
ولكي أُقدِّم لكم مَثلاً على ذلك، افتحوا على سِفْر إرْميا. وسوف نختِم بهذه النُّقطة. إرْميا والأصحاح السَّادس. ففي زمن إرْميا في إسرائيل، كان النَّبيُّ يُحذِّر الجميع مِن الدَّينونة. وبالرَّغمِ مِن ذلك، كان إرْميا رَجُلاً مِسكينًا. فلم يكن أحدٌ يَستمع إلى إرْميا. وقد كان الصَّوتَ الحقيقيَّ الوحيدَ في نهاية زَمن يهوذا. وكان هناك أنبياء كذبة كثيرون في كلِّ أرجاء المكان يَنشرون الأكاذيب. وقد كانت الأكاذيب مُنتشرة جدًّا بسبب أنَّ الأنبياء الكذبة يقولون أشياءً يُحبُّ النَاس أن يسمعوها كما هي حالُهم دائمًا. وهذه هي الطَّريقة الَّتي كانوا يُحقِّقون مِن خلالها الغِنى. وقد كان إرْميا يَزدادُ فَقرًا أكثر فأكثر كلَّ يوم لأنَّه كان يقول ما لا يَرغب أيُّ شخصٍ في سماعهِ إذْ إنَّه كان يتحدَّث عنِ الحقِّ المُختصِّ بالخطيَّة والدَّينونة.
ولكنَّنا نَقرأ في سِفْر إرْميا 6: 13: "لأَنَّهُمْ مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. وَمِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِب". ولكنَّكم جَمعتُم مِن حولِكم أنبياء وكهنة جَشِعينَ، ومُولَعينَ بالرِّبح إذ إنَّه دافعهم ومُحرِّكُهم الوحيد. لِذا فقد راحوا يَنشرون أكاذيبهم حتَّى امتلأتِ الأرضُ حَرفيًّا مِنهم. ونقرأ في الأصحاح الثَّامن والعدد العاشِر: "لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ..." [مَرَّةً أخرى في العدد 10] "... كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِب". فهو يَتحدَّث مَرَّةً أخرى عن نفس النُّقطة: الأنبياء الكذبة الَّذينَ يَسعون إلى المال، ويَنشُرون الأكاذيب، ويَجمعون المال مِن النَّاس الَّذينَ يُحبُّون الأكاذيب.
ونقرأ في الأصحاح 14 والعدد 14: "فَقَالَ الرَّبُّ لِي: بِالْكَذِبِ يَتَنَبَّأُ الأَنْبِيَاءُ بِاسْمِي...". وهذا هو ما يُغيظُ الرَّبَّ عندما يَفعلون ذلك باسمه كما لو أنَّ هذه هي كلمته. "...لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَلاَ أَمَرْتُهُمْ، وَلاَ كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِل وَمَكْرِ قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ". أنا لم أُرسلهم، وَهُم لا يتكلَّمون باسمي، وأنا لم أُعطهم تلك الرِّسالة. ونقرأ في الأصحاح الثَّالث والعِشرين... في الأصحاح 23 والعدد الأوَّل: "وَيْلٌ لِلرُّعَاةِ الَّذِينَ يُهْلِكُونَ وَيُبَدِّدُونَ غَنَمَ رَعِيَّتِي، يَقُولُ الرَّبُّ". وَيلٌ لأولئكَ الرُّعاة. والكلامُ واضحٌ جدًّا في العهد القديم بخصوص ما سيحدث للأنبياء الكذبة. فالدَّينونة سَتَحِلُّ عليهم.
وفي العدد 9: "فِي الأَنْبِيَاءِ: اِنْسَحَقَ قَلْبِي فِي وَسَطِي. ارْتَخَتْ كُلُّ عِظَامِي. صِرْتُ كَإِنْسَانٍ سَكْرَانَ وَمِثْلَ رَجُل غَلَبَتْهُ الْخَمْرُ، مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِ قُدْسِهِ". فهو يَرتعِدُ حَرفيًّا تحت التَّهديدِ بالدَّينونة الَّتي ستَحِلُّ على رؤوس الأنبياء الكذبة وكلِّ مَن يَتبعهم. فقد كان التَّحذيرُ مُرعبًا جدًّا حتَّى إنَّه جَعَلَ إرْميا يَترنَّحُ مِن هَوْلِ تلك الدَّينونة المُريعة. ونقرأ في العدد 15: "لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ: هأَنَذَا أُطْعِمُهُمْ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ الْعَلْقَمِ، لأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ خَرَجَ نِفَاقٌ فِي كُلِّ الأَرْض". فسوف يُهلكُهم الرَّبُّ. وهناك المزيدُ والمزيدُ مِن هذه الوعودِ في كلِّ سِفْرِ إرْميا.
ولكنِّي أريد منكم أن تَرجعوا إلى الأصحاح الخامس. فإليكم المِفتاح. الأصحاح الخامس والعددان 30 و 31: "صَارَ فِي الأَرْضِ دَهَشٌ وَقَشْعَرِيرَةٌ. اَلأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ بِالْكَذِبِ، وَالْكَهَنَةُ تَحْكُمُ عَلَى أَيْدِيهِمْ...". ثُمَّ إليكم الجُملة المُهِمَّة. ويُمكنكم أن تَضعوا خَطًّا تَحتَها: وَشَعْبِي..." ماذا؟ "هكَذَا أَحَبَّ". فقد أحبَّ ذلك. لقد أحبُّوا ذلك. وهذا هو طريق آبائهم كما قال يسوع. فسوف يُعاملونكم بهذه الطَّريقة. فسوف يُبغضون الحقَّ، ويُحبُّون الأكاذيبَ، ويُحبُّون الأنبياء الكذبة. وكما أنَّكم يا مَنْ تُبدون الاستعدادَ لاحتمالِ الاضطهاد مِن أجل اسمي مِثل أنبياء العهد القديم، فإنَّ النَّاس الَّذينَ يُبغضونكم يُشبهون النَّاس في العهد القديم الَّذينَ كانوا يُحبُّون الأنبياء الكذبة. فقد كان الأنبياء الكذبة يَحظون بشعبيَّة واسعة، وَهُم كذلك الآن، وسيكونون كذلك في المستقبل. والنَّاسُ الَّذينَ يَتبعونهم سيُدانون معهم.
يجب عليكم أن تَكرزوا بالحقِّ. فهذا هو ما يقوله لتلاميذه. ويجب عليكم أن تُؤمنوا به. وإن آمنتُم به سيكون هناك ثَمن ينبغي أن تَدفعوه. فسوف تُضطَهدون. وأنا أَعلمُ أنَّه في ذلك اليوم، كان هناك أُناسٌ تَمَسَّكوا بتلك الرِّسالة، وقَبِلوا المسيحَ رَبًّا، ورأوا أنفسَهم خُطاةً، وتابوا وصَرخوا طالِبين الرَّحمة، وأنَّه كان هناك أشخاص بلا شَكٍّ ابتدأوا في السَّير في الاتِّجاه الآخر. هل أنت مِسكين وجائع وحزين ومرفوض بالرُّوح، وتَصرُخ إلى الله طَلبًا للرَّحمة مِن خلال ذبيحة المسيح فأعطاكَ اللهُ الغِنى الأبديَّ، والشِّبَع الأبديَّ، والفَرحَ الأبديَّ، والقَبولَ والمُكافأة الأبديَّيْن؟ أَم أنَّك تَشعرُ بالشِّبَعِ الروحيِّ والغِنى والسَّعادة والشَّعبيَّة فوعدكَ اللهُ بالفقرِ الأبديِّ، والجوعِ الأبديِّ، والحُزنِ الأبديِّ، والرَّفضِ الأبديّ؟ إنَّهما فِئتان فقط.
بسبب ظهوري على التِّلفزيون قبل مُدَّة، تَلقَّيتُ رسائل إلكترونيَّة كثيرة ورسائل بريديَّة كثيرة. وقد جلستُ في مكتبي وفَتحتُ رسالةً في هذا الصَّباح عندما وَصلتُ فصَدمتني تلك الرِّسالة. فقد كانت تلك الرِّسالة مُمتلئة بالكلمات القذرة الَّتي لن أقولها؛ بل حتَّى إنِّي لم أحتمِل أن أقرأها بنفسي. فهي تَحوي كلَّ كلمة قبيحة ووسخة وقذرة يُمكن تَخيُّلُها ولا يُمكن تَخيُّلُها. وقد استرسَلَ كاتبُ الرِّسالة في ذَمِّي، وإدانتي، ولَعني بأَحَطِّ الكلماتِ الَّتي تَمكَّن مِن كتابتها. وقد استرسَلَ سطرًا تلو الآخر في إدانتي لأنَّه شاهدني على التِّلفزيون وأنا أَكرِز بإنجيلِ الخطيَّة والموتِ والخلاص بيسوعَ المسيحِ وحدِه. وقد استَشاطَ غَضَبًا.
وقد قال في نهاية رسالته... ولا يمكنني أن أتذكَّر الكلمات تحديدًا، ولكنَّه قال: "أنا لن أقتُلُك"، وقد قال شيئًا مِثل: "سوف أتمنَّى فقط أن تَزولَ مِن الوجود، وأن تَختفي مِن الطَّريق لكي نَنعُم بعالَمٍ مُفعَم بالسَّلام" أو شيئًا مِن هذا القَبيل. ولكنَّ القصد هو أنَّه لو استطاعَ لَقَتَلني. والشَّيءُ الصَّادِم جدًّا في الرِّسالة هو أنَّه في ثُلثِها تقريبًا قال إنَّني قُمْتُ في سنة 1976 بتعميدِه في هذه الكنيسة. يا للصَّدمة! ولكِن مِن الواضح أنَّه لم يكن مؤمنًا.
وهناك سَطْرٌ أَذكُرُه يقول فيه: "أنا أسقُط، وأنا أُحِبُّ ذلك أكثر فأكثر في كلِّ مَرَّة". ما هي المشكلة؟ هل هناك شَيءٌ عَظيمٌ ينبغي أن يحدث لإقناعه بالحقّ؟ لا، بل إنَّه شخص يُحبُّ الخطيَّة ويَكرَهُ الشَّخصَ الَّذي يَفضَحُها. ولكن هذا هو ما نفعلُه. أليس كذلك؟ هذا هو ما نَفعلُه.
وهنا يجب عليك أن تُقيِّم بأمانة خطاياك، ثُمَّ أن تَركُض إلى المسيح... ثُمَّ أن تَركُض إلى المسيح. فلا حاجة إلى أن تَطرح كلَّ أنواع الأسئلة عن هذا الأمر، وعن ذاكَ الأمر، ومَن هو، وماذا عن كذا، وماذا عن كذا؛ بل يجب عليك أن تَتضرَّعَ إلى الله وتَطلب منه الرَّحمة والفادي. لِذا فإنَّ الرِّسالة في الإنجيل هي دائمًا رسالة تُبَكِّت على الخطيَّة. فهي الخبر السَيِّء الَّذي يُبيِّن الحاجة إلى الخبر السَّارّ. وهذه هي الطَّريقة الَّتي كَرَز بها يسوع. وهناك المَزيد في هذه الرِّسالة، ولكنَّها تَبتدئ بهذه الطَّريقة.
يا أبانا، نَرجوك أن تُوَصِّلَ هذا الحقَّ إلى قُلوبنا جميعًا هنا، وأن تَعمل عَملك الخلاصيَّ العظيم في كلِّ حياة. اهدم كلَّ هذه الحواجز لكي يتمكَّن الخُطاة مِن رؤية حالتهم الحقيقيَّة ومِن التَّضرُّع إليك يا إلهَ المحبَّة والنِّعمة والرَّحمة الَّذي يَبكي لكي يُخلِّص الخُطاة. افعل ذلك يا رَبّ لأجل مَجدك أنت. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.