
افتَحُوا كِتابَكُم المُقدَّسَ مَرَّةً أخرى على الإصحاحِ العاشرِ مِن إنجيلِ يوحنَّا. وهذا في الحقيقةِ مَقطعٌ رائعٌ جدًّا، وغَنِيٌّ جدًّا، وثَمينٌ جدًّا في الكتابِ المُقدَّسِ إذْ إنَّ رَبَّنا يَقولُ عن نَفسِهِ إنَّهُ الرَّاعي الصَّالِحُ الَّذي يَعتني بِخِرافِه.
وهذا التَّشبيهُ تَحديدًا، أوْ هَذِهِ الاستعارةُ، أو هذا المَثَلُ [كَما يُسَمَّى في العَددِ السَّادسِ] قَد يَتَطلَّبُ تَفسيرًا مِن جِهَةِ السِّياقِ لكي نَعرفَ سَببَ ذِكْرِهِ هُنا. فَلا يُوجدُ شَيءٌ مُنفَصِلٌ عَن غَيرِهِ في خِدمةِ يَسوع، بل إنَّ كُلَّ شَيءٍ لَهُ [بِكُلِّ تَأكيدٍ] سِياقٌ؛ أيْ سِياقٌ تَاريخيّ. ولكنِّي أعتقدُ أنَّ كَثيرينَ يَقرأونَ الكتابَ المقدَّسَ كَكِتابٍ رُوحِيٍّ صِرْفٍ كما لو كانَ مُنفَصِلاً عنِ التَّاريخِ والأحداثِ والنَّاسِ والعَواقبِ وتَعاقُبِ الأحداث. ولكنَّ كُلَّ ما نَقرأُهُ هُنا هُوَ تَاريخ. وكُلُّ ما نَقرأُهُ في الأناجيلِ مِن عَقيدةٍ وَلاَهوتٍ وعِظاتٍ قَدَّمَها رَبُّنا كانَ في تِلكَ اللَّحظةِ وذلكَ المَوقِفِ نُقطةً استراتيجيَّةً لأنَّهُ كانَ يَختصُّ بتلكَ اللَّحظةِ ويَختصُّ بتلكَ السَّاعةِ الحَرِجَة. وَهذا يَصِحُّ بِصورةٍ رَئيسيَّةٍ على ما يَحدُثُ هُنا.
فقد كانَ رَبُّنا [في الإصحاحِ الثَّامنِ] قَد تَصَدَّى لِقادةِ بَني إسرائيل. وَقَد رَفَضوه، وأعلَنُوا كَراهِيَّتَهُم لَهُ، وأرادوا يُخَطِّطونَ لِقَتلِه. والحقيقةُ هِيَ أنَّكُم تَقرأونَ عند وُصولِكُم إلى الإصحاحِ العاشرِ أنَّهُم حَاولوا مَا لا يَقِلُّ عن ثَلاثِ مَرَّاتٍ أن يَقتُلوه. لِذا، لا شَكَّ في أنَّ هذا يُعطينا فِكرةً عَن نَظرتِهم إلى المَسيح.
ففي الإصحاحِ الثَّامنِ، نَقرأُ عَن هذهِ المُجادَلةِ أو هذهِ المُواجَهَة. ولا شَكَّ في أنَّهُ صَعَّدَ تِلكَ المُواجَهَةَ بأن قالَ لَهُم الحَقيقة. فقد قالَ لَهُم: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ". وإبليسُ كَذَّابٌ وَقاتِلٌ. لِذا فإنَّكُم كَذَبَةٌ وَقَتَلَةٌ أيضًا. ويُمكنُنا أن نقولَ إنَّهُ مِن وُجهةِ نَظرِهم فإنَّ المَوقفَ المَذكورَ في الإصحاحِ الثَّامنِ انتَهى بتلكَ الجُملةِ الصَّادِمَة. لِذا فإنَّ الإصحاحَ الثَّامنَ يَنتهي بالكلماتِ التَّالية: "فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَل...".
لِذا فقد هَرَبَ مِنَ الرَّجْم. ففي الحَال، التَفُّوا حَولَهُ كَعِصابةٍ وأرادوا أن يُعدِموهُ إعدامًا عَنيفًا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الهَيكلِ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى. وفي تِلكَ اللَّحظةِ، كانَ قدِ اختَفى بينَ الحُشود. وفيما هُوَ خَارِجٌ مِنَ البَوَّابةِ رأى إنسانًا أعمَى لأنَّ هذا هُوَ ما كانَ العُمْيُ يَفعلونَهُ. فَقد كانوا يَجلِسونَ عِندَ بَابِ الهَيكلِ لِيَسْتَعْطُوا. وهُناكَ وَجَدَ هذا الرَّجُل. وكانَ الرَّجُلُ أعمَى مُنذُ وِلادتِه. وقد تَوقَّفَ يَسوعُ وشَفاه.
في تلكَ اللَّحظةِ، كانَ أعداؤُهُ؛ أيِ الفَرِّيسيُّونَ، قَد لِحِقُوا بِهِ. ولكنَّهُم تَراجَعُوا قَليلاً عَن فِكرةِ قَتلِهِ آنذاك لأنَّهُ اختَلَطَ بالجُموعِ وجَذَبَ أنظارَ الجُموعِ بمُعجِزَة. وقد غَضِبوا جدًّا مَرَّةً أخرى بسببِ حقيقةِ أنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِشَعبيَّةٍ كَبيرةٍ، ولأنَّهُ شَفَى هذا الرَّجُلَ وَجَذَبَ الأنظارَ إلى نَفسِه. وكانوا قَد تَعَاهَدُوا بَينَهُم [كما هُوَ مَذكورٌ في الإصحاحِ التَّاسِعِ والعَددِ الثَّاني والعِشرين] أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّ يَسوعَ هُوَ المَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ المَجْمَع. وقد شَفَى يَسوعُ الرَّجُلَ الأعمَى، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الَّذي كانَ أعمَى آمَنَ بالمَسيح.
ثُمَّ إنَّ القِصَّةَ تَنتَهي [كَما نَعلَمُ] في العَددِ الثَّامِنِ والثَّلاثين بأنَّ الرَّجُلَ قَال: "أُومِنُ يَا سَيِّدُ!" وَسَجَدَ لَهُ. لِذا فَقد شُفِيَ الرَّجُلُ جَسديًّا، وشُفِيَ رُوحِيًّا. وبسببِ ذلكَ فقد تَعَدَّى على شَريعَتِهم. فقدِ اعتَرَفَ بأنَّهُ المَسِيَّا، وبأنَّهُ الرَّبُّ، وبأنَّهُ المُخَلِّص. لِذا فقد طَرَدوا الرَّجُلَ مِنَ المَجمَع. وَكانوا ما زَالوا مُزْمِعينَ تَمامًا على قَتلِ يَسوع.
لِذا فإنَّ الإصحاحَ التَّاسِعَ هُوَ امتِدادٌ للإصحاحِ الثَّامِنِ لأنَّهُ يُرينا عَداوةَ القادةِ الدِّينيِّينَ اليَهودِ لِيَسوع. لَقد كانَ شِفاءُ الرَّجُلِ الأعمَى [مِن جِهَة؛ أيْ في السِّياقِ الدَّرامِيِّ للأحداثِ] عَرَضِيًّا. صَحيحٌ أنَّهُ لم يَكُن عَرَضِيًّا في نَظرِ الرَّجُلِ الأعمى، ولكنَّ الصُّورةَ الكَبيرةَ هُنا هِيَ أنَّهُ عندما كانَ يَسوعُ يَصنَعُ مُعجِزَةً عَظيمةً لا يُوجَدُ تَفسيرٌ آخَرُ لَها [لا سِيَّما أنَّ هذا الرَّجُلَ كانَ أعمَى مُنذُ وِلادَتِهِ، وَأنَّ الجَميعَ كانُوا يَعرِفونَ ذلكَ لأنَّهُ كانَ شَخصًا مَعروفًا بِسَبَبِ كَونِهِ يَتَسَوَّلُ هُناكَ مُنذُ وَقتٍ طَويل]، فإنَّ ذلكَ لم يَترُك أيَّ تَأثيرٍ في الطَّريقةِ الَّتي كانوا يَنظُرونَ فيها إلى يَسوع. فَهُم لم يَفعلوا أيَّ شَيءٍ سِوى أنَّهُم ظَلُّوا مُصِرِّينَ على قَولِهِم إنَّهُ مِنَ الشَّيطان. لِذا فقد تَجاوَزَتْ عَداوَتُهُم لَهُ نُقطةَ العَودَة. وقد كانوا في الحَقيقةِ يُظهِرونَ أنَّهُم قَادةٌ زَائِفونَ لأنَّهُ عِوَضًا عَن أن يَعترِفوا بِمَسيحِهم فإنَّهُم رَفَضوهُ وأرادوا أن يُعدِموه. لِذا فإنَّهُم باختصارٍ: رُعاةُ إسرائيلَ الزَّائِفون.
وَمِنَ الواضحِ أنَّ الرَّعْيَ كانَ استِعارةً في العالَمِ القَديمِ يَفهَمُها النَّاسُ في المُجتمعِ الزِّراعِيّ. كَما أنَّها استِعارةٌ شائعةٌ في العهدِ القديمِ كما نَقرأُ في المَزمورِ الثَّمانين. فقد كانَ اللهُ يُدعَى رَاعي إسرائيل. ونَقرأُ في المَزمور 23: "الرَّبُّ رَاعِيَّ"، وفي واضِعَ أخرى. لِذا فقد كانوا جَميعًا يَفهمونَ ذلكَ لأنَّ أرضَ إسرائيلَ كانت مُمتلئةً بالخِرافِ والرُّعاة. وكانَ الرُّعاةُ يَرمِزونَ إلى الرِّعايةِ والعِنايةِ والحِمايَة. أمَّا هؤلاءِ القادةُ فكانوا أشخاصًا نَصَّبُوا أنفسَهُم بأنفسِهم رُعاةً على إسرائيل؛ ولكنَّهُم كانُوا رُعاةً زَائِفين. والحقيقةُ هِيَ أنَّهُم كانوا ذِئابًا في ثِيابِ حُمْلان.
لِذا، في الإصحاحِ التَّاسعِ، بَعدَ شِفاءِ هذا الرَّجُل، نَرى أنَّهُم يَظهرونَ مَرَّةً أخرى ويُظْهِرونَ نَفسَ الكَراهِيَةِ ونَفسَ العَداوَة. ويَنتهي الإصحاحُ التَّاسِعُ بأنْ أعلنَ يَسوعُ الدَّينونةَ عليهم لأنَّهُم كانُوا عُميانًا؛ أيْ لأنَّهُم اختاروا طَوْعًا أنْ يُغمِضُوا أعيُنَهُم عنْ رُؤيةِ الحَقّ. ويَنتهي الحَديثُ مَعَهُم تَحديدًا بالكلماتِ التَّالية: "فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ". فأنتُم لَسْتُم أبرارًا البَتَّة، بَل أنتُم تَعيشونَ في الخَطيَّة.
والآن، كانَ يَسوعُ قَد قَالَ ذلكَ في وقتٍ سَابقٍ عندما قَالَ لَهُم: "وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا". وَهُوَ يَقولُ هُنا، بَعدَ إصْحاحٍ واحدٍ: "فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ"- فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ. لِذا فإنَّنا نَقرأُ هُنا عن قَادَةِ بني إسرائيلَ العُميان، أو عنِ القادَةِ العُميانِ الَّذينَ يَقودونَ عُميانًا، أو عنْ الرُّعاةِ الزَّائِفينَ لِبَني إسرائيل.
وعندما نَصِلُ إلى الإصحاحِ العاشِرِ نَرى أنَّهُ ما زَالَ يَتحدَّثُ إليهم، وأنَّهُ ما زَالَ يُخاطِبُهم. فَهُم مَا زَالوا هُناكَ. والرَّجُلُ الأعمَى مَا زالَ هُناك. والتَّلاميذُ مَا زَالوا هُناك. وجَمْعُ بَني إسرائيلَ ما زَالوا هُناكَ في نَفسِ المَوضِعِ الَّذي حَدَثَ فيهِ الشِّفاء. والفَرِّيسيُّون والكَتَبَةُ مَا زالوا هُناك. لِذا فإنَّ يَسوعَ يَصِفُ حَياةَ الرَّاعي الصَّالِح. وَهذا الوَصفُ هُوَ ما تَأمَّلنا فيهِ في الأسبوعِ الماضي مِن خلالِ الأعدادِ مِن 1 إلى 10. وَهُوَ [بِحَسَبِ العَددِ السَّادِسِ] مَثلاً أوْ تَشبيهًا أوِ استِعارةً. وقد تَأمَّلنا في العَديدِ مِنَ التَّفاصيلِ بشأنِ ذلكَ في الأسبوعِ الماضي؛ وَهُوَ أمرٌ يُساعِدُنا في فَهْمِ عَمَلِ الرَّاعي. فَقد كانَ للرَّاعي خِرافٌ تَخُصُّهُ. فَهُوَ يَمْلِكُ عَددًا مِنَ الخِراف. وَهُوَ يَعرِفُ خِرافَهُ. وَالأمرُ لا يَتوقَّفُ على أنَّهُ صَاحِبُ الحَقِّ المُطلَقِ في اقتيادِ خِرافِهِ وإطعامِها، بَل إنَّهُ مَسؤولٌ عنِ إطعامِ خِرافِهِ واقتيادِها.
وفي اللَّيل، لَعَلَّكُم تَذكُرونَ أنَّ الخِرافَ تَدخُلُ إلى حَظيرةِ القَريةِ الَّتي يُحْضِرُ كُلَّ رَاعٍ خِرافَهُ إليها. وَهِيَ تَنامُ جَميعُها في نَفسِ الحَظيرَة. وفي الصَّباح يأتي الرَّاعي ويُخرِجُ خِرافَهُ ويَدعوها بأسمائِها. فَهُوَ يَعرِفُ خِرافَهُ. وَهُوَ يَدعوها بأسمائِها. والخِرافُ تَعرِفُ صَوتَ رَاعيها وتَتبَعُهُ. والخِرافُ لا تَتبَعُ غَريبًا. وَقد عَرَفْنا أيضًا أنَّهُ عندما تَكونُ الخِرافُ في الحَظيرةِ لَيلاً، قَد يَأتي السُّرَّاقُ واللُّصوصُ ويُحاولونَ أن يَتَسَلَّقُوا السِّياجَ ويَسرِقُوا أصوافَها، أوْ حَتَّى أنْ يَذبَحوها. لِذا، كانَ لا بُدَّ مِن وُجودِ حَارِسٍ على البابِ لِحمايةِ الخِراف بسببِ وُجودِ سُرَّاقٍ ولُصوص. فالرَّاعي مُلْتَزِمٌ بِحمايتِها في اللَّيلِ في الحَظيرة، ثُمَّ إنَّهُ يَأتي في الصَّباح، ويُخرِجُها، ويَدعوها بأسمائِها واحِدًا واحِدًا، ويَقودُها إلى مَراعٍ خَضراء والمِياهِ العَذبَة. وَحَتَّى إنَّ الرَّاعي هُوَ البَاب لأنَّ الخِرافَ يَنبغي أن تَدخُلَ فيه لكي يَتحقَّقَ مِن أنَّها لَهُ.
إنَّها صورةٌ رائعةٌ عن تَربيةِ الحَيَوانات؛ ولكنَّ القَصدَ مِن هذا النَّصِّ هو ليسَ هَذا. فهذهِ صُورةٌ مَجازيَّة. أمَّا المَعنى الحَقيقيُّ فَيَتَّضِحُ عندما تَنظرونَ إلى اللُّغةِ في العَددِ التَّاسع: "أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُص". وأنا أعرفُ ما نَتحدَّثُ عنهُ هُنا. فهذهِ صُورةٌ عنِ الخلاصِ يُقَدِّمُها الرَّاعي الحَقيقيّ. الخَلاص. فهذهِ كُلُّها صُوَرٌ عَن عَقيدةِ الخَلاص. فالرَّاعي الإلهيُّ لَهُ خِرافٌ خَاصَّةٌ بِه. وَالآبُ هُوَ مَن أعطاها لَهُ. وَقد تَمَّ اختيارُها مُنذُ تَأسيسِ العالَم. وَهُوَ يَعرِفُها بأسمائِها. وَهُوَ يَمْلِكُ كُلَّ الحَقِّ في دَعوَتِها. لِذا فإنَّهُ يَدعوها بأسمائِها. وَهِيَ تَعرِفُ صَوتَهُ وتَتبَعُهُ. وَهِيَ لا تَتبَعُ غَريبًا. هذا هُوَ الخَلاص. فالمُختارونَ يَعيشونَ في حَظيرةِ العالَم. ولكنَّ الوقتَ قَد حَانَ لِدَعوتِهم إلى الخَروج. وَصَوتُ الرَّاعي يُنادي. وَهِيَ تَسمَعُ ذلكَ الصَّوتَ وتَتبَعُ ذلكَ الصَّوت. وهذهِ هِيَ الدَّعوةُ الَّتي لا تُقاوَم. وهذهِ هِيَ الدَّعوةُ الفَعَّالة. إنَّها الدَّعوةُ الإلهيَّةُ إلى الخَلاص.
"وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ". فَهِيَ لا تَتبَعُ أيَّ صَوتٍ غَيرَ مَألوف. أجل! هُناكَ سُرَّاقٌ ولُصوصٌ ومُعَلِّمونَ كَذَبَةٌ يُحاولونَ أن يَقفِزوا مِن فَوقِ السِّياجِ إلى الحَظيرةِ لكي يَذبَحوا الخِرافَ ويُهلِكوها. فَهُم يَأتونَ ليُهلِكُوا ويَقتُلوا. أمَّا الرَّاعي فيُوفِّرُ الحِمايةَ لَها مِنَ المُعَلِّمينَ الكَذَبَة. والرَّاعي يَقودُها، ويَمشي أمامَها. وَهِيَ تَتبَعُهُ. وَهُوَ يَقودُها بأمانٍ إلى المَراعي الخَضراءِ [أيْ إلى البَرَكَةِ الروحيَّةِ] والمِياهِ العَذبةِ [أيِ البَرَكاتِ الرُّوحيَّةِ] طَوالَ الوقتِ إلى الأبد. لِذا فإنَّهُ دَرسٌ عَنِ الخَلاص. وهذهِ صُورةٌ مَجازيَّة.
فَعلى النَّقيضِ مِنَ الرُّعاةِ الزَّائِفينَ الَّذينَ هُمْ غُرباءٌ وسُرَّاقٌ ولُصوصٌ، والَّذين هُمْ [كما سَنَرى في الأعدادِ مِن 11 إلى 21] عُمَّالٌ مَأجورون. أمَّا الرَّاعي الحَقيقيُّ فيَعتني بخِرافِه. لِذا، مِنَ السَّهلِ أن تُفْهَمَ هذهِ الصُّورةُ مِنْ قِبَلِ الجَميع. فَهُم سيَقولونَ إنَّ هذا هُوَ تَمامًا ما يَفعلُهُ الرَّاعي. فَهُوَ يَعتني بخِرافِهِ. وَهُوَ مَسؤولٌ عنِ الاهتمامِ بتِلكَ الخِراف. وَهُوَ يَضَعُها في مَكانٍ آمِن. وَهُوَ يَدعوها إلى الخُروجِ مِنَ الحَظيرة. وَهُوَ يَدعوها بأسمائِها. وَهُوَ يُسَمِّيها بأسماء. وَهِيَ تَعرِفُ صَوتَهُ، وتَتبَعُهُ، ولا تَتبَعُ غَريبًا. وَهِيَ بِحاجةٍ إلى الحِمايةِ مِنْ خَطرِ السُّرَّاقِ واللُّصوص. وَهِيَ تُقادُ خَارِجًا مِنْ قِبَلِ الرَّاعي إلى الأماكِنِ الَّتي يُمكِنُها فيهِ أن تَأكُلَ وتَشرَب. فهذا رَاعٍ صَالِح. وهذهِ صُورةٌ عنِ الخَلاص.
وَمَن هُوَ الرَّاعي؟ يُجيبُ يَسوعُ بوضوحٍ عَن هذا السُّؤالِ عندما يَقولُ في العَددِ التَّاسِعِ [كما رَأينا في الأسبوعِ الماضي]: "أَنَا هُوَ البَاب". فقد كانَ الرُّعاةُ هُمُ البَاب. فَفي اللَّيل، كانتِ الخِرافُ تَدخُلُ. وكانَ الرَّاعي يَمُدُّ عَصاهُ ويُوقِفُها خَروفًا تِلوَ الآخَرِ تِلوَ الآخَر. وَكانَ يَتَفَحَّصُها لِيَرى إنْ كانَ فيها أيُّ جُرْحٍ أو أيَّةُ عِلَّة. ثُمَّ كانَ يَرفَعُ عَصاهُ ويَسمَحُ لها بالدُّخول. وفي الصَّباح، كانَ يَدعوها بأسمائِها. وكانت تَمُرُّ مِن خِلالِهِ لِتكونَ تَحتَ رِعايَتِه. فقد كانَ الرَّاعي هُوَ البَاب. ويَسوعُ يَقولُ إنَّ هذا الرَّاعي، أيْ إنَّ هذا الرَّاعي الأمينَ، هُوَ نَموذَجٌ على كَيفيَّةِ القِيامِ بعَملِ الرَّعْيِ هَذا. فهكذا يَنبغي أنْ يَتِمَّ العَمل. أنا هُوَ البَاب. وَهذا يُعطينا تَلميحًا قَوِيًّا.
وَنحنُ نَعلَمُ أنَّهُ يَتكلَّمُ كَلامًا مَجازِيًّا لأنَّها استِعارَة، ولأنَّهُ في نَفسِ العَددِ يَقولُ إنَّهُ يَتحدَّثُ عنِ الخَلاص. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في العَددِ الحادي عَشَرَ تَحديدًا: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ". إنَّهُ ذلكَ الرَّاعي الصَّالِحُ الَّذي وَصَفْتُهُ للتَّوّ. وَهُوَ ذلكَ الرَّاعي الصَّالِحُ الَّذي ذَكَرْتُ كيفَ يَتصرَّفُ وماذا يَفعلُ في حَياتِهِ معَ الخِراف. "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ. وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ [أو مَأجورٌ]، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ. وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ. لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي".
"فَحَدَثَ أَيْضًا انْشِقَاقٌ بَيْنَ الْيَهُودِ بِسَبَبِ هذَا الْكَلاَمِ. فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: «بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟» آخَرُونَ قَالُوا: «لَيْسَ هذَا كَلاَمَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَلَعَلَّ شَيْطَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ الْعُمْيَانِ؟»".
لِذا، هُنا [في الأعدادِ مِن 11 إلى 21]، يَشرَحُ رَبُّنا كيفَ أنَّهُ يَتَّصِفُ بِصِفاتِ الرَّاعي الصَّالح. فَهُوَ الرَّاعي الصَّالح. وَهُوَ الشَّخصُ الَّذي تَحدَّثَتْ عَنهُ النُّبوءاتُ [كما رَأينا في الأسبوعِ الماضي في سِفْرِ حِزْقيال والإصحاحِ الرَّابعِ والثَّلاثين]. إنَّهُ الرَّاعي الصَّالحُ الَّذي أرسَلَهُ اللهُ نَفسُهُ. وكما قُلتُ لَكُم في الأسبوعِ المَاضي وأقولُ مَرَّةً أخرى: إنَّهُ يَستخدِمُ هذهِ الاستعارةَ تَحديدًا لأنَّ القادةَ الدِّينيِّينَ لِبَني إسرائيلَ كانوا يُعرَفونَ بأنَّهُم رُعاةُ بَني إسرائيل؛ ولكنَّهُم كانُوا رُعاةً زَائِفين. لِذا فإنَّهُ يُبايِنُ بينَ القادةِ الزَّائفينَ وبينَهُ هُوَ. فَهُوَ الرَّاعي الحَقيقيُّ للخِراف. فقد كانُوا عُميانًا. وهكذا يَنتهي الكَلامُ مَعَهُم في الإصحاحِ التَّاسعِ والأعدادِ مِن 39 إلى 41. فَقد كانُوا عُميانًا رُوحِيًّا لأنَّهُم لا يَرَوْنَ الحَقَّ الإلهِيّ. وَهُم لم يَكونوا قادِرينَ على إرشادِ أيِّ شَخصٍ إلى أيِّ مَكانٍ لأنَّهُم لم يَكونوا يَرَوْنَ أينَ يَسيرونَ هُم أنفسُهم. فقد كانوا قَادةً زائِفين. وَهُم في الحَقيقةِ غُرَباءُ وليسوا رُعاةً. فَهُم أُجَراءُ أو يَعمَلونَ بالأُجرةِ مُقابلَ المالِ دُونَ أن يُبالوا بالخِراف. وَهُم سُرَّاقٌ ولُصوصٌ يُريدونَ أن يَسرُقوا ويَقتُلوا.
لقد كانَ يَسوعُ يَتحدَّثُ عَنهُم ويُبايِنُ بَينَهُم وبينَهُ. فَهل فَهِموا ذلك؟ كَلاَّ. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ السَّادسِ أنَّهُم "لَمْ يَفْهَمُوا مَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ". وَهذا دَليلٌ على ما قَالَهُ في الأعدادِ مِن 39 إلى 41 مِنَ الإصحاحِ التَّاسع: "أنتُم عُميانٌ. وأنتُم لا تَفهَمون". وكانَ قَد قَالَ في وَقتٍ سَابِق: "أنتُم لا تَفهَمونَ كَلامي". وَحَتَّى إنَّهُ قالَ لَهُم: "وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي... أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ... لأَنَّهُ كَذَّابٌ". لو كَذبتُ لصَدَّقتُموني، ولكِنْ لأنِّي أقولُ الحَقَّ فإنَّكُم لا تُؤمِنونَ بي.
لِذا، كانَ القَصْدُ مِن هذا المَثَلِ أو مِن هذهِ الصُّورةِ المَجازيَّةِ أو مِنْ هذهِ الاستِعارةِ هُوَ أن تَكونَ صُورةً إيضاحِيَّةً لا فقط عَنِ الرَّاعي الصَّالحِ، بَل أيضًا صُورةً إيضاحيَّةً عَنْ عَمَى الرُّعاةِ الزَّائِفينَ لأنَّهُم لم يَفهمُوا ذلكَ البَتَّة. فَهُم قادةٌ زائِفون، وسُرَّاقٌ، ولُصوصٌ، وغُرباءٌ، وأُجراءٌ، ولا هَمَّ لَهُم سِوى أنْ يَحمُوا أنفسَهُم. فَهُم لم يَكونوا مُستَعِدِّينَ للمُخاطرةِ بحياتِهم مِن أجلِ الخِرافِ [بِحَسَبِ مَا قَرأنا]. فَهُم يُريدونَ المالَ وَحَسْب. وإنِ لَزِمَ الأمرُ، قَد يَصيرونَ سُرَّاقًا ولُصوصًا مِن أجلِ الحُصولِ عليه. وَهُم غُرباءٌ وليسوا رُعاةً. أمَّا الرَّاعي الحَقيقيُّ [كما هُوَ مَوصوفٌ هُنا] فَهُوَ يُحِبُّ خِرافَهُ، ويَعتني بها، ويُطعِمُها، ويَعيشُ لأجلِها، ويَموتُ لأجلِها. وهذا الرَّاعي الصَّالِحُ هُوَ، بِلا أدنَى شَكٍّ، رَبُّنا يَسوعُ المَسيح.
لِذا، لِنَنظُر إلى هذهِ الآياتِ مِن 11 إلى 21 ونَتأمَّل فيها. وهذهِ [بالمُناسبة] المَرَّةُ الرَّابعةُ الَّتي نَقرأُ فيها العِبارةَ "أنا هُوَ" في إنجيل يوحنَّا. فهُناكَ مَجموعةٌ مِن "أنا هُوَ" يَقولُها رَبُّنا. والعِبارةُ "أنا هُوَ" هِيَ "أَهْيَه" في اللُّغةِ العِبريَّةِ، أو "إيغو إيمي" (ego eimi) في اللُّغةِ اليونانيَّة. فَالعِبارةُ "أنا هُوَ" هِيَ اسمُ الله. لِذا فإنَّها تُشيرُ إلى ادِّعائِهِ الأُلوهيَّةَ أيضًا في سِياقِ كُلِّ مَرَّةٍ قالَها فيها: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ"؛ "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ"؛ "أَنَا هُوَ الْبَابُ"؛ "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ". فَهِيَ جَميعُها تَأكيداتٌ لِلاَهُوتِهِ مِن خِلالِ تلكَ العِبارة: "أنا هُوَ".
ولكنَّهُ هُنا الرَّاعي الصَّالح. لِذا، لِنتأمَّل في ذلكَ قَليلاً. "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ". ثُمَّ إنَّهُ يُكَرِّرُ ذلكَ حَالاً قائِلاً: "وَالرَّاعِي الصَّالِحُ..." مَرَّةً أخرى. وهذا تَركيبٌ لُغَوِيٌّ مُهِمٌّ يَنبغي لنا أن نَفهَمَهُ. فالتَّركيزُ هُنا هُوَ كالتَّالي: "أنا هُوَ الرَّاعي... الرَّاعي الصَّالِح". فهذا تَرتيبٌ مُهِمٌّ جدًّا: "أنا هُوَ الرَّاعي... الرَّاعي الصَّالِح". وكأنَّهُ يَقول: "أنا على النَّقيضِ مِن كُلِّ الرُّعاةِ الطَّالِحين". "أنا هُوَ الرَّاعي... الرَّاعي الصَّالِح". ولكِنْ تُوجدُ كلمتانِ في اللُّغةِ اليُونانيَّةِ بِمَعنى صَالِح؛ الأولى هِيَ "أغاثوس" (agathos) الَّتي اشتُقَّت مِنها الكلمة "أغاثا" (agatha)، أوِ الاسم "أغاثا". فهو مُشتقٌّ مِنَ الكلمة أغاثوس؛ وهوَ اسْمُ قَديم. والكلمة "أغاثوس" تُشيرُ إلى الصَّلاحِ الأخلاقِيّ. فهي تَعني "صَالِحٌ" بِمَعنى الصَّلاحِ الأخلاقِيّ. وَهِيَ كلمةٌ رائعةٌ، وبديعةٌ، وشائعةُ الاستِخدامِ في العهدِ الجديد.
أمَّا الكلمةُ الأخرى فهيَ "كالوس" (kalos)... كالوس؛ وهي عَكسُ الكلمة "كاكوس" (kakos) ومَعناها: "طَالِح". والكلمة "كالوس" تَعني "صَالِح" لا فقط بِالمَعنى الأخلاقِيِّ، بَل إنَّها كلمةٌ أكثرُ شُمولاً. فَهِيَ تَعني أن تَكونَ جَميلاً، وبَديعًا، ورائعًا، وجَذَّابًا، ومَحبوبًا، ومُمَيَّزًا مِن جَميعِ الجَوانبِ وليسَ فقط مِنَ الجانبِ غَيرِ المَنظورِ مِن شخصيَّتِك؛ بَل مِن جَميعِ الأوجُه. أنا هُوَ الرَّاعي... الرَّاعي المُمَيَّز". أنا هُوَ الرَّاعي المَحبوبُ والرَّائعُ على النَّقيضِ مِنَ الرُّعاةِ القَبيحينَ والخَطِرين.
فَهُوَ ليسَ مُجَرَّدَ رَاعٍ آخرَ وَحَسْب، بَل هُوَ الرَّاعي... الرَّاعي الصَّالِحُ، والرَّاعي المُمَيَّزُ جدًّا. فَهُوَ أفضلُ مِن جَميعِ الرُّعاة. إنَّهُ الرَّاعي الصَّالح.
والآن، كانَ اليَهودُ يَعلَمونَ مَن هُوَ أفضلُ رَاعٍ. ففي نَظرِهم، ومِن وُجهةِ النَّظرِ التَّاريخيَّةِ، كانَ ذلكَ الرَّاعي هُوَ دَاوُد. إنَّهُ دَاوُد. فَهُوَ دَاوُدُ الصَّبِيُّ الَّذي كانَ يَرْعَى خِرافَ أبيهِ، وَهَزَمَ جُلْيات، وَصارَ مَلِكًا على إسرائيل. فقد كانَ دَاوُدُ هُوَ رَاعِيَهُم العَظيمُ تَاريخيًّا.
ولكِنْ لَعَلَّكُم تَذكُرونَ ما جَاءَ في الإصحاحِ الخامِسِ إذْ إنَّ يَسوعَ قَالَ إنَّهُ أعظمُ مِن مُوسَى. وقَد قالَ في الإصحاحِ الثَّامنِ إنَّهُ أعظمُ مِن إبراهيم: "قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ". وَهُوَ يَقولُ هُنا إنَّهُ رَاعٍ أعظمُ بكثير مِن أيِّ رَاعٍ آخَرَ بِمَن في ذلكَ دَاودُ. بِمَن في ذلكَ دَاوُد.
فَهُوَ الرَّاعي الصَّالح، والرَّاعي الأعظَم. ويا لَهُ مِنَ ادِّعاءٍ كَبير! أيْ أنْ تَقولَ إنَّكَ أفضلُ مِن مُوسَى، وأفضلُ مِن إبراهيم، وأفضلُ مِن دَاوُد، وأن تَقولَ إنَّكَ الله! لِذا، لا عَجَبَ أنَّهُ كانَ لا بُدَّ أن يُدَعِّمَ ذلكَ بمُعجزات. أليسَ كذلك؟
فَقد كانَ يَقولُ لهؤلاءِ اليَهودِ إنَّهُ الله لأنَّهُم كانوا يَعلَمونَ مَا جاءَ في المَزمور 23: "الرَّبُّ رَاعِيَّ". وَكانُوا يَعلَمونَ مَا جاءَ في المَزمور 80 عَن "رَاعي إسرائيل". وَكانُوا يَعلَمونَ مَا قَالَهُ إشَعْياءُ النَّبِيُّ عنْ رِعايةِ اللهِ لِشَعبِهِ. لِذا فإنَّهُ يَقول: "أنا هُوَ الرَّاعي... الرَّاعي الصَّالِح". وَمَرَّةً أخرى، إنَّهُ ادِّعاءٌ آخرُ بالألوهيَّة.
والآن، كانَ صَلاحُهُ الحَقيقيُّ بِصِفَتِهِ الرَّاعي واضحًا تَمامًا بِثلاثِ طُرُقٍ في هذا المَقطَع. ولَن أقولَ لَكُم أيَّ شَيءٍ لا تَعرِفونَهُ، ولكنِّي سأقولُ لَكُم مَا هُوَ مَذكورٌ هُنا. ويُمكِنُكم أن تَكونوا شَاكِرينَ لأنَّكُم تَعرِفونَ ذلك لأنَّ التَّأمُّلَ في هذا المَقطعِ غَنِيٌّ جدًّا ورائعٌ جدًّا لنا. فهذا الرَّاعي... هَذا الرَّاعي... الرَّاعي الصَّالِحُ يَتَمَيَّزُ بأنَّهُ يُقَدِّمُ ثَلاثَ خِدماتٍ مُحَدَّدة لِخِرافِه: الأولى هِيَ أنَّهُ يَموتُ عَنها؛ والثَّانيةُ هِيَ أنَّهُ يُحِبُّها؛ والثَّالثةُ هِيَ أنَّهُ يُوَحِّدُها. فَهُوَ يَموتُ عَنها، ويُحِبُّها، ويُوَحِّدُها.
لِنَرجِع إلى العَددِ الحادي عَشَر: "وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَاف". فقد كانَ الرُّعاةُ مَسؤولينَ مَسؤوليَّةً مُطلَقَةً عنِ الخِراف. وكانَ عَمَلُهُم خَطِرًا جدًّا. وكانَ عَملاً رُجولِيًّا جدًّا. وَكانَ في الحقيقةِ عَملاً مُتواضِعًا وَوَضيعًا لأنَّهُ لم يَكُن يَتَطَلَّبُ مَهاراتٍ مُشابهةً للأعمالِ الأخرى؛ ولكنَّهُ كانَ خَطِرًا جدًّا إلى جانِبِ كَونِهِ عَملاً قَذِرًا ووَسِخًا. ولكنَّ الرَّاعي كانَ مَسؤولاً مَسؤوليَّةً مُطلَقَةً عنِ الخِراف. وإنْ حَدثَ شَيءٌ للخِراف، كانَ يَنبغي لَهُ أن يُقَدِّمَ دَليلاً على أنَّ الخَطأَ ليسَ خَطأَهُ بِسَببِ تَقصيرِهِ في واجِبِهِ أو لأنَّهُ يُريدُ أن يَأخُذَ خَروفًا لَهُ، أو أن يُعطي خَروفًا لأحدِ أصدقائِهِ، أو شَيئًا مِن هَذا القَبيل.
وَقد تَحدَّثَ عَامُوسُ النَّبِيُّ عن أنَّ الرَّاعي يَنْتَزِعُ رِجْلَيْ حَمَلٍ أو قِطعةً مِنْ أُذُنِهِ مِن فَمِ الأسَد (في سِفْرِ عَامُوس 3: 12). فَقد كانَ الرُّعاةُ يُحارِبونَ الوُحوش. فَقد كانَت هُناكَ ذِئابٌ، وكانَتْ هُناكَ أُسودٌ جَبَلِيَّة، وحَتَّى إنَّهُ كانَت هُناكَ دُبَبَة. فَقد أخبَرَ دَاوُدُ شَاوُلَ كيفَ أنَّهُ عندما كانَ يَرعَى غَنَمَ أبيهِ [في سِفْرِ صَموئيلَ الأوَّل والإصحاحِ السَّابع عَشَر]، فإنَّهُ خَاضَ صِراعًا مَعَ أَسَدٍ، وَمَعَ دُبٍّ. وبالمُناسَبة، هَذا هُوَ مَا جَعَلَ دَاوُدَ رَاعِيًا بَطَلاً.
وفي سِفْرِ إشَعْياء والإصحاحِ الحادي والثَّلاثين، يَدعُو إشَعْياءُ الرُّعاةَ إلى القِيامِ بِواجِبِهم. فعندما كانَ أَسَدٌ يُهاجِمُ القَطيعَ، كانُوا يَدعُونَ الرُّعاةَ لِمُحاربةِ الأسَد. وَنَقرأُ في النَّاموس، وتَحديدًا في سِفْرِ الخُروج 22: 13: "إِنِ افْتُرِسَ يُحْضِرُهُ شَهَادَةً". فإنْ خَسَرْتِ خَروفًا، أو فَقَدْتَ خَروفًا، يَنبغي أنْ تُقَدِّمَ بُرهانًا على ذلكَ لِصاحِبِهِ بأنْ تُحضِرَ قِطعةً مِنهُ لإثباتِ أنَّ حَيَوانًا مُفتَرِسًا افْتَرَسَهُ.
وبالنِّسبةِ إلى الرَّاعي، كانَ مِنَ المَألوفِ جدًّا أن يُضَحِّي بِحياتِه. فَهذا هُوَ ما كانَ يَفعلُهُ الرُّعاة. هَذا هُوَ ما كَانُوا يَفعلونَهُ. فَبِمقدورِكَ أن تَأخُذَ الخِرافَ إلى مَكانٍ يُوجَدُ فيهِ عُشْبٌ وَتَترُكَها هُناكَ وَحَسْب. ولكِنْ لماذا كانَ الرَّاعي يَبقى مَعَها؟ ولماذا هذا الانتظارُ لِساعاتٍ وَسَاعاتٍ هُناك؟ لأنَّهُ كانَ يَنبغي لَهُ أن يَحميها.
هُناكَ كِتابٌ قَديمٌ بِعُنوان: "أرضُ الكِتابِ المُقَدَّس" (The Land of the Book). ويَقولُ كَاتِبُ ذلكَ الكِتابِ التَّاريخيِّ عَنِ إسرائيل: "لَطالَما استَمعتُ بِعنايةٍ شَديدةٍ إلى قِصَصِهم المُفَصَّلَةِ عَن صِراعاتِهم الدَّامِيَةِ والبَائِسَةِ مَعَ الوُحوشِ المُفترِسَة. وعندما كانَ السَّارِقُ أوِ اللِّصُّ يَأتي، كانَ الرَّاعي الأمينُ في أغلبِ الأحيانِ يَضَعُ حَياتَهُ في كَفِّهِ للدِّفاعِ عن خِرافِه. وَقد عَرَفْتُ أكثرَ مِن حَالةٍ بَذَلَ فيها الرَّاعي حَياتَهُ حَرفِيًّا عَن رَعِيَّتِه". فإنْ كُنتَ تُصارِعُ وَحْشًا بَرِّيًّا، قَد تَخسَرُ المَعركة. لِذا، كانَ هُناكَ خَطَرٌ. ولم يَكُن بمقدورِكَ أن تُوقِفَ فَجأةَ الخَطَر. لِذا، قَد يَنتهي الأمرُ بِموتِ الرَّاعي.
وَيُتابِعُ الكاتِبُ كَلامَهُ قَائِلاً: "كانَ هُناكَ رَاعٍ فَقيرٌ يَرعَى خِرافَهُ في الرَّبيعِ المَاضي في المِنطقةِ الواقعةِ بينَ طَبريَّة وتَابُور. وعِوَضًا عَن أن يَهرُبَ، قَاوَمَ ثَلاثةً مِنَ اللُّصوصِ البَدْوِ إلى أنْ قَطَّعُوهُ إرْبًا إرْبًا بِخَناجِرِهم وَسَقَطَ مَيْتًا بينَ خِرافِهِ الَّتي كانَ يُدافِعُ عَنها". فَقد كانَ هذا يَحدُث؛ ولكنَّ هذا هُوَ ما كانَ يَفعلُهُ الرَّاعي. فَنحنُ نَتحدَّثُ هُنا عَن عَملٍ رُجولِيٍّ حَقًّا، وعَن عَملٍ شَاقٍّ، وعَن عَمَلٍ وَضيعٍ، وعَن عَملٍ لا يَتطلَّبُ مَهارةً عَالية.
ولكنَّ الرَّاعي الَّذي كانَ يَعرِفُ مَا يَفعل لم يَكُن يَتردَّدُ البَتَّةَ في المُخاطرةِ بحياتِه، ولا حَتَّى في بَذْلِ حَياتِه. وَقد كانَ الأمرُ طَوعِيًّا لأنَّهُ لم يَكُن مُلْزَمًا بِالقيامِ بذلك. لِذا فَإنَّ يَسوعَ يَقول: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ". فَهُوَ يَبذُلُ نَفسَهُ. انظروا إلى العَددِ الثَّامن عَشَر: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا".
فَقد بَذَلَ يَسوعُ حَياتَهُ طَوْعًا واختيارًا عَن خِرافِه. وَقَد يَقولُ قَائِل: "هذا ليسَ شَيئًا عَظيمًا. فَهُوَ الله. فَقدِ اتَّخَذَ جَسَدًا. وَقد بَذَلَ ذلكَ الجَسَد. لِذا فإنَّ ذلكَ ليسَ شَيئًا عَظيمًا!" ولكنَّهُ أكثرُ مِن ذلك. فَمِنَ الغَريبِ أنْ يَقولَ الشُّرَّاحُ شَيئًا كَهذا. فهُناكَ مَا هُوَ أكثرُ بكثير مِن ذلك. والأمرُ يَتَلَخَّصُ في الكلمة "نَفسَهُ". فَهُوَ يَبذُلُ نَفْسَهُ. والكلمة "نَفسَهُ" هي ليسَت تَرجمةً للكلمة "بيوس" (bios) أو "زُوِي" (zoe). وَهاتانِ هُما الكَلِمَتانِ اللَّتانِ تَعنِيانِ "حَياةً" في اللُّغةِ اليُونانيَّة. فالكلمة "بيوس" (bios) تَعني حَياةً بيولوجيَّة، والكلمة "زُوي" (zoe) هي الكلمة الَّتي جاءت مِنها الكلمة "زوولوجي" (zoology) ومَعناها: دِراسَةُ الحَياة.
ولكنَّهُ لا يَستخدِمُ هُنا أيًّا مِن هَاتينِ الكَلِمَتَيْنِ العِلْمِيَّتَيْن، بَلْ يَستخدِمُ الكلمة "سُوكيه"... سُوكيه (psuche) ومَعناها: "نَفس"؛ وهي تُشيرُ إلى المَرْءِ بِمُجمَلِه. فَهِيَ لا تُشيرُ إلى الشَّخصِ مِنَ الخارِج، بَل مِنَ الدَّاخِل. فالكلمة "سُوكيه" تُشيرُ إلى الدَّاخِل. فَقَد بَذَلَ نَفسَهُ أو كِيانَهُ بِمُجمَلِه. فَهُوَ لم يَشعُر فقط بألمِ المَساميرِ الَّتي اختَرَقَتْ جَسَدَهُ، ولا فقط بألمِ الشَّوْكِ الَّذي مَزَّقَ جَسَدَهُ، ولا فقط بألمِ السَّوْطِ الَّذي مَزَّقُ جَسَدَهُ، بَل إنَّ نَفسَهُ كُلَّها كانت تَتَعَذَّبُ بِسَببِ أَلَمِ وَكَرْبِ حَمْلِ الخَطيَّة.
وفي إنجيل مَتَّى 20: 28 قَالَ يَسوعُ إنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَتَى لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِين. وهُناكَ تَرْجَماتٌ تُترجِمُ هذهِ الآيةَ "لِيَبْذِلَ حَياتَهُ"؛ ولكنَّها الكلمة "سُوكيه" (psuche) مَرَّةً أخرى. فَهُوَ يَبذِلُ نَفسَهُ، أو كِيانَهُ كُلَّهُ. فَقد شَعَرَ يَسوعُ بذلكَ في كُلِّ جُزءٍ مِن كِيانِه.
ولماذا فَعَلَ ذلك؟ لماذا بَذَلَ نَفْسَهُ طَوعًا؟ إنَّهُ يَقول: "عَنِ الخِراف". وَهُوَ يَستخدِمُ الكلمة "هوبير" (huper) ومَعناها: "نِيابةً عَن" أو "لأجْل". وهذا هُوَ تَمامًا مَا تَقولُهُ الآيةُ 2كورنِثوس 5: 21 إذْ يُفَسِّرُ بولسُ ذلكَ قَائِلاً: "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا". لأجلِنا... لأجلِنا... لأجلِنا. فالكلمة "هوبير" تَظهَرُ في العَديدِ مِنَ المَقاطِعِ الَّتي تَتحدَّثُ عَنْ كَفَّارةِ المَسيحِ البَدَلِيَّة الَّتي قَامَ بِها لأجلِنا إذْ مَاتَ عَنَّا. فَهُوَ كَفَّارةٌ حَقيقيَّةٌ يا أحبَّائي. فَقَد بَذَلَ نَفسَهُ عَنِ الخِراف. وهذا نِطاقٌ ضَيِّقٌ جدًّا. عَنِ الخِراف. فَقد كانت كَفَّارةً حَقيقيَّةً، وكَفَّارةً كَاملةً عَنِ الخِرافِ الَّتي يَعرِفُها، والَّتي عندما يَدعوها تَعرِفُهُ.
فَقد فَعلَ ذلكَ لأجلِ الخِراف. ومِن وُجهةِ النَّظرِ الطَّبيعيَّةِ، إنْ حَدَثَ خَطْبٌ للرَّاعي فإنَّها نِهايَةُ الخِراف. فإنْ هَاجَمَ شَخصٌ أو حَيَوانٌ الخِرافَ وَقَتَلَ الرَّاعي فإنَّ الخِرافَ ستَكونُ بِلا حِمايَة. وَهِيَ ستَكونُ مُعَرَّضَةً للمَوت، ومُعَرَّضَةً للتَّشَتُّت. فَسَواءَ كانَ المُهاجِمُ حَيَوانًا أو لِصًّا أو سَارِقًا فإنَّ مَوتَ الرَّاعي يَعني نِهايةَ الخِراف.
أمَّا في حَالةِ هذا الرَّاعي فإنَّ هذا لا يَحدُثُ. فَقَد بَذَلَ حَياتَهُ [بِحَسَبِ العَددِ الثَّامن عَشَر] وَلَهُ سُلطانُ أن يَفعلَ ماذا؟ أن يَأخُذَها مَرَّةً أخرى. وفي اليَومِ الثَّالِثِ، خَرَجَ يَسوعُ مِنَ القَبْرِ وَجَمَعَ خِرافَهُ المُشَتَّتَة. وهَل كانَت مُشَتَّتَة؟ أجل، لَقد كانَت مُشَتَّتَة. "اِضْرِبِ الرَّاعِيَ" فَيَحدُثُ مَاذا؟ "فَتَتَشَتَّتَ الْغَنَمُ". هَذا هُوَ مَا وَعَدَ بِهِ زَكَرِيَّا. وَقد تَشَتَّتوا. ولكنَّهُ قَامَ مِنَ القَبرِ وَجَمَعَهُم. وَقد قَالَ مَا يَلي: "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ"، وَ "إنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا".
لِذا فإنَّ مَوتَ الرَّاعي يَعني عَادةً مَوتَ الخِرافِ في العَديدِ مِنَ الحالاتِ؛ ولكِنْ ليسَ في هذهِ الحَالَة. ولماذا مَاتَ؟ نَقرأُ في سِفْرِ إشَعْياء 53: 8: "مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي". ونَقرأُ في إنجيل مَتَّى 1: 21: "وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ". إنَّها خِرافُهُ. وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارة حَقيقيَّة. فَهِيَ لَيسَت كَفَّارةً مُحتَمَلَة يُمكِنُكم أن تَجعَلوها حَقيقيَّةً مِن خِلالِ الإيمان، بَل إنَّهُ دَفَعَ حقًّا كُلَّ أُجرةِ الخَطيَّةِ عَن خِرافهِ الَّتي يَعرِفُها والَّتي يَدعوها طَوالَ التَّاريخِ البَشريِّ إليه. وَهُوَ لا يُشبِهُ الأجيرَ إذْ نَقرأُ في العَددِ الثَّاني عَشَر: "وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَاف".
فالرَّاعي الحَقيقيُّ، أوِ المَالِكُ، وَقد يَكونُ الشَّخصانِ واحِدًا أحيانًا، يَعتَني بالخِراف. وَهُوَ لا يَنظُرُ إلى الأمرِ بأنَّهُ وَظيفة، بَل إنَّ حَياتَهُ تَتَمَحْوَرُ حَولَ ذلك. فقد صَارتْ عَلاقَتُهُ وَطيدةً بِتلكَ الخِراف. وَهُوَ يَعرِفُها ويُحِبُّها. وَهذا كُلُّهُ لا يَصِحُّ على الأجير. وأنا أُحِبُّ الكلمةَ "أَجير"- أجير. وَمِن صِفاتِ الأجيرِ بِحَسَبِ ما جَاءَ في سِفْرِ زَكَرِيَّا 11: 6 هِيَ أنَّهُ لا يُحاولُ البَتَّةَ أن يَجْمَعَ الخِرافَ المُشَتَّتَة. والعالَمُ مُمتَلِئٌ دائمًا بالأُجَراء؛ وهي كلمةٌ أخرى تَصِفُ قَادَةَ إسرائيل. فَهُم غُرَباءُ، وسُرَّاقٌ، ولُصوصٌ. وَهُمُ الآنَ أُجَراء... أُجَراء. وأعتقدُ أنَّهُ مِنَ الأفضلِ أن تَكونَ أجيرًا هَارِبًا على أن تَكونَ سَارِقًا أو لِصًّا.
ولكنَّ النِّهايةَ واحِدَة.... ولكنَّ النِّهايةَ واحِدَة. فالخِرافُ تَصيرُ ضَحِيَّةً لأيٍّ مِن هَؤلاء. والعَالَمُ مُمتَلِئٌ دائمًا بِهؤلاء. ورَعِيَّةُ اللهِ تَتعرَّضُ دَائِمًا للهُجوم. والعالَمُ يَتعرَّضُ دَائِمًا للهُجومِ مِن قِبَلِ هؤلاءِ القادةِ الزَّائِفينَ الَّذينَ يَهرُبونَ ويُهْلِكونَ الخِراف. فَهُم يَهرُبونَ عندما تَأتي المَتاعِبُ الحَقيقيَّة.
وَمَنْ هُوَ الذِّئبُ؟ الذِّئْبُ هُوَ أيُّ شَيءٍ يُهاجِمُ الخِراف! أيُّ شَيء! إنَّهُ أيُّ شَيءٍ شَيطانِيّ، أو أيُّ شَيءٍ يَحدُثُ بِتَدبيرٍ شَيطانِيٍّ في العالَم... أيُّ شَيء. إنَّهُ أيُّ شَيءٍ سَيِّءٍ يَحدُثُ للخِراف. وهُناكَ الكَثيرُ مِنَ رُعاةِ الكَنائِسِ الزَّائِفينَ والمُعَلِّمينَ الكَذَبة على مَرِّ التَّاريخ. وَرُبَّما يَقولُ هؤلاء: "يا رَبُّ، يا رَبُّ، لَقد فَعَلنا هذا الشَّيءَ، وفَعلنا ذلكَ الشَّيءَ"؛ ولكنَّهُ سَيَقولُ لَهُم: "اذْهَبُوا عَنِّي! إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ!" فَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ [كَما جاءَ في الإصحاحِ العِشرين مِن سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل]، والَّذينَ يَقومونَ في الكنيسةِ ويُضِلُّونَ الرَّعيَّة. وَهُمُ الذِّئابُ الَّتي تُهاجِمُ الخِرافَ مِنَ الخارِج.
ولكنَّ يَسوعَ هُوَ الرَّاعي الَّذي يُضَحِّي بِحياتِهِ ويَبذِلُ نَفسَهُ لأجلِ خِرافِه. فالأجيرُ مُرْتَزَقَة. وَهُوَ لا يَكتَرِثُ سِوى بِرِبْحِهِ الشَّخصيِّ. وَهُوَ جَبانٌ في الأزَمات. وعندما تَأتي الأزَماتُ، سَواءً كانَت هُجومًا مِنَ الخارِجِ أو هُجومًا مِنَ الدَّاخِلِ، فإنَّ كُلَّ ما يُبالي بِهِ الأجيرُ هُوَ أن يَحمي نَفسَهُ. فَهُوَ يَهرُب.
فَهُناكَ خَطَرٌ خَارِجِيٌّ... خَطَرٌ خَارِجِيٌّ وهُجومٌ مِنَ الذِّئاب. وهُناكَ أيضًا ذِئابٌ تَأتي في ثِيابِ حُمْلان [كَما قَالَ يَسوعُ في الإصحاحِ السَّابعِ مِن إنجيل مَتَّى]. كَما أنَّ هُناكَ خَطَرًا داخِليًّا مِنَ المُعَلِّمينَ الكَذبةِ الَّذينَ عَوِضًا عَن أن يَحمُوا الرَّعيَّةَ فإنَّهُم يَهرُبونَ عندما تَأتي الأخطار. ولكنَّ الرَّاعي الحَقيقيَّ يَبذُلُ نَفسَهُ عَنِ الخِرافِ، ثُمَّ إنَّهُ يَأخُذُها مَرَّةً أخرى ويَجمَعُ الخِرافَ المُشَتَّتَة.
لِذا فإنَّ أوَّلَ واجِبٍ رَئيسيٍّ حَقًّا في رِعايةِ الكَنيسةِ على غِرارِ ما فَعَلَ المَسيحُ هُوَ أن تَبذُلَ نَفسَكَ لأجلِها، وحَتَّى أن تُضَحِّي بحياتِكَ لأجلِ الخِراف. فأنتَ تُخاطِرُ بِحياتِكَ لكي تَكونَ الشَّخصُ الَّذي يَستطيعُ اللهُ مِن خِلالِهِ أن يَدعوها خَارِجًا وَيَحميها. وعندما يأتي الخَطَرُ فإنَّكَ لا تَهرُب. فعندما يَأتي الخَطَرُ فإنَّكَ تَقِفُ بِثَبات.
كنتُ أتحدَّثُ إلى واحدٍ مِنَ المُرْسَلينَ في المُؤتمرِ يَومَ أمس. وكانَ يَقول: "أينَ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَقِفونَ راسِخينَ ويَقولونَ كلمةَ الحَقِّ لِحمايةِ شَعبِ الله؟ أينَ هُم هَؤلاء؟" فَمِنَ الصَّعبِ أنْ تَجِدَ واحِدًا! فَنحنُ جَميعًا "رُعاةً تَابِعينَ" [كما جاءَ في رِسالةِ بُطرسَ الأولى والإصحاحِ الخامِس] نَعمَلُ تَحتَ إمْرَةِ الرَّاعي العَظيمِ والرَّاعي الصَّالح. ويجبُ علينا جَميعًا أن نُبدي استعدادَنا لِبَذْلِ حَياتِنا عنِ الخِراف.
لِذا فإنَّ السِّمَةَ الأولى لِعلاقةِ الرَّاعي بالخِرافِ هِيَ أنَّهُ يَبذِلُ نَفسَهُ عَنها. ثَانيًا، إنَّهُ يُحِبُّ خِرافَهُ. وَهذا هُوَ السَّببُ في أنَّهُ يَبذِلُ نَفسَهُ لأجلِها. فنحنُ نَقرأُ في العَدد 14: "أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَاف". وَهذا يُوَضِّحُ سَبَبَ أنَّهُ يَضَعُ نَفسَهُ طَوْعًا عَنِ الخِراف: لأنَّهُ يَعرِفُها.
وَقَد تَقول: "مِن أينَ جِئْتَ بِفكرةِ المَحبَّةِ هَذِهِ؟ فَلاَ يُوْجَدُ ذِكْرٌ للمَحبَّةِ هُنا! كُلُّ ما نَقرأُهُ هُنا هُوَ أنَّهُ يَعرِفُها إذْ إنَّها تَرِدُ أربَعَ مَرَّات. فَهُوَ يَستخدِمُ الفِعلَ ’غينوسكو‘ (ginosko) ومَعناهُ: يَعرِف!" حسنًا! اسمَحُوا لي أن أُريكُم شَيئًا أو تَلميحًا صَغيرًا. "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي" [في العَدد 15]. "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي" [في العَدد 15]. وفي العَدد 17: "لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ"- "لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ". هَذا هُوَ المِفتاحُ التَّفسيريّ. فالكلمةُ "يَعرِفُ" هُنا تَنْطَوي على فِكرةَ عَلاقةِ المَحبَّة. وَهذا يَرجِعُ إلى ما جاءَ في سِفْرِ التَّكوين 4: 1 إذْ نَقرأُ أنَّ آدَمَ "عَرَفَ" امرأتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ. وَقد عَرَفَ قَايينُ امرأتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ. "وَعَرَفَ آدَمُ امْرَأَتَهُ أَيْضًا، فَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ شِيثًا". واللهُ يَقولُ في الحَقيقةِ في سِفْرِ عَاموس إنَّهُ عَرَفَ إسرائيلَ فقط. وَهذا لا يَعني أنَّ اليَهودَ هُمُ الشَّعبُ الوَحيدُ الَّذي عَرَفَهُ الله. إذًا، ما المَقصودُ هُنا؟ نَقرأُ أنَّ يُوسُفَ تَحَيَّرَ جدًّا حينَ عَلِمَ أنَّ مَريَمَ حُبْلَى لأنَّهُ لم يَعْرِفْها قَطّ. فَما مَعنى ذلك؟ إنَّها لَفْظَةٌ تُشيرُ إلى العَلاقةِ الوَطيدة.
فَهِيَ لا تُشيرُ إلى المَعلومات. إنَّها لا تُشيرُ إلى المَعلومات، بَل تُشيرُ إلى المحبَّةِ. وفي المَرَّاتِ الأرْبَعِ هُنا، تُشيرُ الكلمةَ "يَعرِف" إلى هذهِ العَلاقةِ الوَطيدَة، وإلى هذهِ الشَّرِكَةِ القَويَّةِ والحُلوةِ المُفْعَمةِ بالمحبَّة. فهذهِ عَلاقةٌ وَطيدةٌ جدًّا.
ونَقرأُ في الإصحاحِ الرَّابع عَشَر مِن إنجيلِ يوحنَّا والعَدد 21: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي". لِذا فإنَّ اللُّغَةَ هُنا هِيَ لُغَةٌ تُشيرُ إلى المَحبَّةِ لا المَعرِفَة. ونَقرأُ في العَدد 23: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً". لِذا، عندما تَرَوْنَ الكلمة "يَعرف" في هذا السِّياقِ فإنَّها تُشيرُ إلى المَحبَّةِ أوِ العَلاقةِ الوَطيدة.
فَهُوَ يُحِبُّ خِرافَهُ. وَهُوَ يَعرِفُها مَعرفةً تَفوقُ مَعرفةَ أسمائِها، ومَعرفةً تَفوقُ مَعرفةَ هُوِيَّتِها. فَهُوَ يَرتبطُ مَعَها بِعلاقةٍ وَطيدة؛ أيْ أنَّهُ يَعرِفُها مَعرفةً وَثيقةً جدًّا. وفي العِظَةِ على الجَبَل، قَالَ يَسوع: "اذْهَبُوا عَنِّي! إِنِّي [ماذا؟] لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ!"؛ ولكنِّي أعرِفُ مَن أنتُم! فالأمرُ لا يَختصُّ بالمَعلومات. أنا أعرِفُ مَن أنتُم، ولكنِّي لستُ مُرتبطًا بأيَّةِ عَلاقةٍ وَطيدةٍ مَعَكُم، أو بأيَّةِ عَلاقةِ مَحبَّة. فَقد كانَ مُستعِدًّا لِبَذْلِ حَياتِهِ عَن خِرافِهِ لأنَّهُ عَرَفَها؛ أيْ لأنَّهُ أَحَبَّهَا.
ونَقرأُ في إنجيل يوحنَّا 3: 16: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى [إنَّهُ فَعَلَ مَاذا؟] بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ". فَهذا هُوَ السَّببُ في أنَّ الآبَ بَذَلَ ابنَهُ. وَهذا هُوَ السَّببُ في أنَّ الابْنَ بَذَلَ نَفْسَهُ. فَهُوَ يُحِبُّ خِرافَهُ. إنَّهُ يُحِبُّ خِرافَهُ. وَهذا مُناقِضٌ جدًّا للرُّعاةِ الزَّائِفينَ الَّذينَ لا يُحِبُّونَ الخِرافَ، ولا يُبالونَ بالخِرافِ الَّتي يَدَّعونَ أنَّهُم يَرْعَوْنَها. ولكنَّهُ يُحِبُّ خَاصَّتَه.
وتِلكَ المَحبَّةُ تَقودُنا إلى جانبٍ ثَالثٍ مِنَ العَلاقَة. فَهُوَ يُوَحِّدُ الخِرافَ؛ أولاً مَعَهُ هُوَ شَخصيًّا، ثُمَّ بَعضُهُا مَعَ بَعض. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ السَّادس عَشَر: "وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ".
والآن، ما الَّذي قُلتُهُ لَكُم عَنِ الحَظيرةِ في العَددِ الأوَّلِ في الأسبوعِ المَاضي؟ لَقد قُلتُ لَكُم إنَّ الحَظيرةَ المَذكورَةَ في العَددِ الأوَّلِ هِيَ إسرائيل. أليسَ كذلك؟ والرَّاعي يَأتي إلى الحَظيرةِ ويَدعو خِرافَهُ إلى الخُروج. فالرَّبُّ هُوَ الرَّاعي. وَهُوَ يَأتي إلى إسرائيلَ؛ أيْ إلى اليَهودِ أوَّلاً، ثُمَّ إنَّهُ يَدعُو خِرافَهُ بأسمائِها. وَهِيَ تَتبَعُهُ. ولكِنَّهُ أيضًا يَقولُ إنَّ لَهُ خِرافٌ أُخَرُ ليسَت مِن حَظيرةِ بَني إسرائيل، وَإنَّهُ يَنبغي أنْ يَأتي بِها أيضًا.
وَمَن هِيَ تِلكَ الخِراف؟ غَيرُ اليَهودِ، أو أيُّ شَخصٍ مِن خِارِجِ إسرائيل. إنَّهُم غَيرُ اليَهودِ أوِ الأُمَم. وَلكنَّ هذا الكَلامَ كانَ صَادِمًا وغَيرَ مَقبولٍ لَدى اليَهود. كما أنَّهُ كانَ كَفيلاً بِتأجيجِ عَداوَتِهم لأنَّهُم يَحتَقِرونَ الأُمَم. فَهُم يُؤمِنونَ بأنَّ الأُمَمَ سَيُحرَمونَ إلى الأبدِ مِنَ الخَلاصِ، والعَهدِ، وَوُعودِ الله. ولكِنْ في سِفْرِ إشَعْياء والإصحاحِ الثَّاني والأربَعينَ [وَهُوَ إصْحاحٌ مَسيحانِيٌّ، وَهِيَ نُبوءةٌ عَنِ المَسِيح]، نَقرأُ في العَددِ السَّادس: "أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ". واللهُ يَتحدَّثُ هُنا إلى المَسِيَّا: "فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ". فَهذا وَعْدٌ مَسيحانِيٌّ بأنَّ المَسِيَّا سَيُخَلِّصُ الأُمَم. وهُناكَ وَعدٌ آخرٌ مُشابِهٌ لِهذا في الإصحاحِ التَّاسِعِ والأربَعينَ مِن سِفْرِ إشَعْياء والعَددِ السَّادس: "قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا [مُخاطِبًا المَسِيَّا] لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ". ماذا عَن ذلك؟
فَهُوَ يَصْدُمُهُم بِقولِهِ: "انظروا! لِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَة". وَهذا هُوَ سَببُ وُجودِ المَأموريَّةِ العُظمَى: "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا". "اذهَبُوا وَتَلمِذُوا جَميعَ الأُمَم".
وَهُوَ سَيَجمَعُهُم مَعًا لِيَكونوا رَعِيَّةً وَاحِدَةً وَرَاعٍ وَاحِد. لِذا فإنَّ بُولسَ يَقولُ في الإصحاحِ الثَّالثِ مِن رِسالتِهِ إلى أهلِ غَلاطيَّة: في المَسيحِ "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ" – "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ". وفي الرِّسالةِ إلى أهلِ أفسُس والإصحاحِ الثَّاني، يَقولُ بولُسُ إنَّ حَائِطَ السِّيَاجِ المُتَوَسِّطَ قَد نُقِضَ فَصِرْنا جَميعًا واحِدًا في المَسيح؛ يَهودًا وأُمَمًا.
وفي إنجيل يُوحنَّا 11: 49، قَالَ قَيَافَا نُبوءَةً دُونَ أن يَقصِدَ ذلكَ عندما كانَ رَئيسًا للكَهَنة. فَقد قالَ للأشخاصِ الَّذينَ كانُوا يَتآمَرونَ كَي يَقتُلوا يَسوع: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا! وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ". فَقد كانَ هذا هُوَ دَائِمًا قَصْدُ المَسيح: أنْ يُوَحِّدَ خِرافَهُ، وَأنْ يَجْمَعَهُم مَعًا إلى نَفسِهِ وبَعضُهُا إلى بَعض.
لِذا، هذهِ هِيَ عَلاقةُ الرَّاعي الصَّالِحُ بالخِراف. فَهُوَ يَبذِلُ حَياتَهُ لأنَّها يُحِبُّها. وَهُوَ يَجْمَعُها بِمَحبَّةٍ إليهِ، ويَجمعُها بَعضُها إلى بَعض: "وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ". فَهُوَ يَجمَعُهُم إليهِ، ويَجمعُهم بَعضُهم إلى بَعضٍ في جَسدِ المَسيحِ الواحِد.
ثَانيًا، وبإيجازٍ وَحَسْب: إنَّ عَلاقةَ الرَّاعي الصَّالحِ بالآبِ مَذكورةٌ في العَدَدَيْن 17 و 18: "لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي". واسمَحُوا لي أن أُقَدِّمَ لَكُم تَفسيرًا بَسيطًا لهذهِ الكَلِمَات. لَقد أعطَى اللهُ وَصِيَّةً. وكانَت وَصِيَّتُهُ ليسوعَ هِيَ: "ضَعْ حَياتَكَ وَخُذْها. فَلَكَ سُلطانٌ أن تَفعلَ ذلك. أنا أُوصيكَ بأنْ تَفعلَ ذلك".
فَقد كانت وَصِيَّةً. "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي". "لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ": بِسَببِ طَاعَتي. وَهذهِ كلماتٌ عَميقةٌ جدًّا. صَحيحٌ أنَّ الآبَ هُوَ الَّذي اختارَ يَسوعَ ليكونَ الحَمَلَ أوِ الذَّبيحةَ المَقبولَة. وصَحيحٌ أنَّ الآبَ هُوَ الَّذي قَتَلَ الابنَ "بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِق". فَقد كانَ يَسوعُ هُوَ الذَّبيحة.
ولكِنَّ هذهِ ليسَت عَقيدةَ القَضاءِ والقَدَر. وَهِيَ ليسَت شَيئًا لم يَكُن ليسوعَ أيُّ حَقٍّ في اختيارِه. أنا أَضَعُ حَياتي، وليسَ أحدٌ يَأخُذُها مِنِّي؛ ولا حَتَّى الله. فَيسوعُ يَقولُ لَنا إنَّ ما فَعَلَهُ كانَ عَملاً نابِعًا بالكامِلِ مِن رَغبَتِهِ وَطاعَتِه. وهذهِ أسرار! فَهُوَ لا يَقدِرُ أن يُخطِئ. وَهُوَ لا يَستطيعُ أن يُخطِئ. وعلى الرَّغمِ مِن ذلكَ، هُناكَ صِراعٌ حَقيقيٌّ لأنَّهُ يَقولُ في البُستان: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ..." تَفعلَ ماذا؟ أن تُوْقِفَ هذا الأمر! "...أنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ". فَقد فَعَلَ طَوعًا ما أَوصَاهُ الآبُ أن يَفعلَهُ. وبهذا أَظهَرَ مَحبَّتَهُ للآب. لِذا فإنَّ الآبَ يُحِبُّهُ: "لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا". فَهذا هُوَ مَا أرادَ مِنهُ الآبُ أن يَفعلَهُ. وَقد كانَ ذلكَ مُهِمًّا جدًّا لخُطَّةِ الخَلاصِ كَيْ يَجْمَعَ المَفدِيِّينَ في المَجدِ الأبديّ.
وَقد فَعَلَ ذلكَ طَوعًا. فهذهِ ليسَتْ عَقيدةَ القَضاءِ والقَدَر. وَهُوَ ليسَ أمرًا لم يَكُن يَمْلِكُ أيَّ خِيارٍ بِشأنِهِ. صَحيحٌ أنَّهُ لم يَكُن بمقدورِهِ أن يَختارَ الشَّيءَ الخَطَأ، ولكنَّهُ اختارَ طَوعًا الخِيارَ الصَّائِب. "لَقد تَسَلَّمْتُ وَصِيَّةً. وَقدِ اخترتُ طَوْعًا أن أُطيعَ تِلكَ الوَصيَّة. وَبِهذا ضَمِنْتُ مَحبَّةَ الآب". "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي..." كَما قالَ يَسوعُ، فافعَلوا ماذا؟ "...فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ". فَبهذهِ الطَّريقةِ تُؤكِّدونَ مَحبَّتَكُم.
وهُناكَ كَلامٌ كَثيرٌ عَن هذا الأمرِ في إنجيل يوحنَّا والإصحاحَيْن 14 و 15؛ ولكنَّنا لن نَخوضَ في ذلكَ الآن. ولكنَّ عَلاقَتَهُ بالآبِ كانَتْ عَلاقةَ مَحبَّةٍ وطَاعَة... مَحبَّةٍ وَطاعَة. وَهُما وَجْهانِ لِعُمْلَةٍ واحِدَة. لِذا فقد تَرَكَ لَنا مِثالاً: "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي... أَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيب". فالآبُ يُحِبُّ الابنَ مُنذُ الأزَل بِكُلِّ تَأكيد. والابنُ يُحِبُّ الآبَ مُنذُ الأزَل. ولكِنْ بِطريقةٍ مَا عندَ التَّجَسُّدِ، اختارَ الابنُ طَوعًا واختيارًا أنْ يُطيعَ وَصيَّةَ الآبِ بأنْ يَبذِلَ حَياتَهُ بِسببِ مَحبَّتِهِ للآب. وبِقيامِهِ بذلكَ ضَمِنَ مَحبَّةَ الآبِ إلى الأبد. المَحبَّةُ والطَّاعَة.
وهُناكَ عَلاقةٌ أخيرةٌ هُنا وَهِيَ عَلاقَةُ الرَّاعي الصَّالحِ بالعالَم – عَلاقةُ الرَّاعي الصَّالحِ بالعالَم. وَما هِيَ؟ إنَّها مَذكورةٌ في الأعدادِ مِن 19 إلى 21: "فَحَدَثَ أَيْضًا انْشِقَاقٌ بَيْنَ الْيَهُودِ بِسَبَبِ هذَا الْكَلاَم". وبالمُناسَبة، إذا رَجعتُم إلى الإصحاحِ السَّابعِ والعَدد 43، وإلى الإصحاحِ التَّاسِعِ والعَدد 16، سَتقرأونَ أنَّ انشقاقًا حَدَثَ بَينَهُم أيضًا. فَقد صَنَعَ يَسوعُ انشقاقًا بينَ النَّاس. ولكنَّ الانشقاقَ لم يَكُن بالضَّرورةِ بينَ المُؤمِنينَ وغيرِ المُؤمِنين، بَلْ إنَّ انشقاقاتٍ حَدَثَتْ بينَ غَيرِ المُؤمِنين. وَهذا هُوَ مَا نَقرأُ عَنهُ هُنا. فَقد حَدَثَ انْشِقَاقٌ بَيْنَ الْيَهُودِ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ يَسوع. "فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ..."- كَثيرونَ مِنهُم [رُبَّما الأغلبيَّةُ مِنهُم]: "...«بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟»". ولا شَكَّ في أنَّ هَذا هُوَ ما كانَ القادةُ يُرَدِّدونَهُ دَائِمًا. وكانَ الشَّعبُ يُصَدِّقونَهُم. فَقد كانُوا يَقولونَ إنَّهُ يَفعلُ مَا يَفعلُ بِقُوَّةِ بَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِين [كَما نَقرأُ في إنجيل مَتَّى والإصحاحِ الثَّاني عَشَر].
لِذا، كانَ الفَريقُ الأوَّلُ في هذا الانشقاقِ يَقولُ إنَّ يَسوعَ مَجنونٌ، وَإنَّهُ يَهذي، وَإنَّهُ مَسْكونٌ بالأرواحِ الشِّرِّيرة، وإنَّهُ فَقَدَ عَقلَهُ. وَنَحنُ نَرى أُناسًا كَهؤلاءِ إذْ إنَّهُم لا يُبالونَ في شَتْمِ يَسوعَ أو في التَّجديفِ عَليه. ولكِنْ كانَ يُوجدُ فَريقٌ آخرُ إذْ نَقرأُ: "آخَرُونَ قَالُوا: «لَيْسَ هذَا كَلاَمَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ". وَهذا كَلامٌ عَقلانِيٌّ. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ كَلامٌ عَقلانِيٌّ جدا. "أَلَعَلَّ شَيْطَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ الْعُمْيَانِ؟»". فالأشخاصُ المَسكونونَ بأرواحٍ شِرِّيرةٍ لا يَتكلَّمونَ هَكذا، ولا يُظْهِرونَ رَباطَةَ جَأشٍ هَكذا، ولا يَفعلونَ أمورًا كهذه. فَهُم لا يَصنعونَ هذهِ المُعجِزات. لِذا، أيًّا كانتِ الأشياءُ المُزَيَّفةُ الَّتي تَصنَعُها الشَّياطينُ فإنَّها لا تُشبِهُ هذهِ المُعجِزات.
لِذا، كانَ هَؤلاءِ الفَريقُ العَقلانِيُّ. وأعتقدُ أنَّهُ يُمكِنُكم القولُ إنَّ الفَريقَ الأوَّلَ يَضُمُّ المُجَدِّفينَ غَيرِ العَقلانِيِّينَ، وَإنَّ الفَريقَ الثَّاني يَضُمُّ الفَريقَ الأكثرَ عَقلانيَّةً. ولكِنَّ الفَريقَيْنِ سَيَذهبانِ إلى جَهَنَّمَ إلى الأبد لأنَّهُ لا يَهُمُّ في الحَقيقةِ إن كُنتَ تَشتُمُ يَسوعَ أو تَظُنُّ أنَّهُ يَنبغي لكَ أن تُعامِلَهُ بعقلانيَّةٍ أكبر. فَهذا النَّوعُ مِنَ التَّرَدُّدِ لا يَنفَعُكَ في شَيء. فإمَّا أنْ تَعتَرِفَ بيسوعَ رَبًّا، وَإمَّا أن تَموتَ في خَطاياكَ وتَذهبَ إلى نَفسِ جَهنَّمَ مَعَ المُجَدِّفينَ المُتَطَرِّفين.
لِذا فإنَّنا نَلتقي الرَّاعي الصَّالِح. وَمِن جِهَةِ عَلاقَتِهِ بالخِرافِ فإنَّهُ يَبذِلُ نَفسَهُ عَن خِرافِهِ. فَهُوَ يُحِبُّ خِرافَهُ، ويُوَحِّدُ خِرافَهُ. ومِن جِهَةِ عَلاقَتِهِ بالآبِ فإنَّهُ يُحِبُّ الآبَ ويُطيعُهُ. وَمِن جِهَةِ عَلاقَتِهِ بالعالَمِ فإنَّهُ مَرفوضٌ إمَّا مِن قِبَلِ هؤلاءِ الَّذينَ يُجَدِّفونَ عليهِ بطريقةٍ غَيرِ عَقلانيَّةٍ، وَإمَّا مِن قِبَلِ هؤلاءِ الَّذينَ يَحتَمِلونَهُ بِعقلانيَّة. وأمَّا بالنِّسبةِ إلينا فإنَّنا سَنَكونُ مَعَ جَماعَةِ التَّلاميذِ في ذلكَ اليَوم، وسَوفَ نَقولُ مَعَ بُطرُس: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ". أليسَ كذلك؟
وَسوفَ نُصَلِّي تلكَ الصَّلاةَ الوارِدَة في الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّين 13: 20: "وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ!" فَنحنُ نَعتَرِفُ بأنَّهُ رَاعي الخِرافِ العَظيمُ الَّذي خَرَجَ مِنَ القَبر. فَهُوَ رَاعينا. دَعونا نُصَلِّي:
يا أبانا، نَشكُرُكَ مَرَّةً أخرى لأنَّكَ تُحِبُّنا، ولأنَّكَ بَذلتَ نَفسَكَ لأجلِنا، وَوَحَّدتَنا، ولأنَّكُ تُحِبُّ الآبَ وتُطيعُهُ، ولأنَّكَ ارتَضَيْتَ طَوعًا أن تَكونَ كَفَّارةً لخَطايانا، ولأنَّكَ قُمْتَ لكي تُقيمَنا في البِرِّ والمَجد. وَكَمْ سَنُذهَلُ إنِ استَطعنا أن نَستوعِبَ ما أعدَدتَهُ لَنا في المُستقبَل! ولكنَّنا نَعتَرِفُ بأنَّنا نَقِفُ مَذهولينَ بسببِ مَا أعدَدتَهُ لَنا الآن. املأنا بالامتِنانِ والبَرَكَةِ فيما نُواصِلُ خِدمَتَنا لَك. نُصَلِّي هذا باسمِ المَسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.