
افتَحوا كِتابَكُم المُقدَّسَ مِن فَضلِكُم على الرسالةِ الأولى إلى أهلِ تسالونيكي والأصحاحِ الخامِس. فنحنُ نَعودُ إلى نَصِّنا الصَّغيرِ المُؤلَّفِ مِن ثَلاثِ آياتٍ، والَّذي صارَ مَألوفًا جدًّا لنا على مَرِّ الأسابيعِ الماضيةِ الَّتي انهَمَكْنا فيها في فَهْمِ الحَقِّ الكامِنِ فيه. وأودُّ أن أقرأَ على مَسامِعِكُم الآياتِ الثَّلاثِ الأولى في هذا الأصحاحِ الخامسِ لكي تَكونَ خَلفيَّتُهُ حَاضِرَةً في أذهانِكُم. رسالة تسالونيكي الأولى 5: 1: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ. لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ»، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ".
كَتَبَ كاتِبٌ يُدعى "هندريكوس بيركوف" (Hendrikus Berkhof) كِتابًا بعُنوان: "المسيحُ: مَغزى التَّاريخ" (Christ, the Meaning of History). وهو يُرَكِّزُ في ذلكَ الكِتاب على المسألةِ القديمةِ والمُهمَّة: "أينَ يَقودُ التَّاريخ؟" إلى أينَ يَمضي؟ وما القَصدُ مِنه؟ وما هو مَعناه؟ وكيفَ يَنتهي؟ وهل لَهُ هَدَف؟ وهو يَقولُ ما يَلي في الكِتابِ (وأنا أَقتبِسُ كَلامَهُ): "إنَّ جِيلَنا يَشعُرُ بالاختناقِ بسببِ الخوف: الخَوفِ مِنَ البَشَرِ، على مُستقبلِهِ، وعلى الوُجْهَةِ الَّتي نَنقادُ إليها رَغمًا عن إرادَتِنا ورَغبتِنا. وبسببِ هذا الخَوفِ تأتي الصَّرخةُ المُطالِبَةُ بالاستنارَةِ بخصوصِ مَعنى الوُجودِ البشريِّ، وبخصوصِ الهَدفِ الَّذي نَسيرُ نَحوَه. إنَّها صَرخةٌ تُطالِبُ بإجابةٍ عنِ السُّؤالِ القديمِ المُختصِّ بمَغزى التَّاريخ". [نِهايةُ الاقتباس].
في القَرْنِ الَّذي نَعيشُ فيه رأينا حَرْبَيْنِ عَالَمِيَّتَيْنِ وعِشنا على حَافَةِ حَرْبٍ ثالثة. وقد شَهِدنا الإبادةَ الجَماعيَّةَ الَّتي قامَ بها هِتلَر في ألمانيا، وصُعوبةَ الصِّراعِ الكُوريِّ، وعُقْم حَرْبِ فيتنام، والعديدَ مِنَ الثَّوراتِ والصِّراعاتِ والتَّمرُّداتِ وأحداثِ الشَّغَبِ الأخرى. والآن، يَبدو أنَّ قُنبلةً مَوْقوتَةً على وَشْكِ الانفجارِ بسببِ الاحتدامِ الشَّديدِ في الشَّرقِ الأوسط. وفي خِضَمِّ ذلكَ كُلِّه، ما يَزالُ جِيلُنا يَبحثُ عن إجابةٍ عنِ السُّؤالِ المُختصِّ بالوُجْهَةِ الَّتي يَمضي إليها التَّاريخ. فيبدو أنَّ الوضعَ يائسٌ جدًّا بالرَّغمِ مِنَ التَّقدُّمِ الهائلِ على الصَّعيدِ الفِكريِّ والاقتصاديِّ والعِلميّ. فيمكنُنا أن نَقومَ بأمورٍ كثيرةٍ جدًّا بطريقةٍ أفضل مِمَّا كانَ البشرُ قادرونَ على القيامِ بها سابقًا؛ ولكن يبدو أنَّنا مَاضُونَ في طَريقِ الدَّمارِ الذَّاتيِّ. فكيفَ ينبغي لنا أن نَعيش؟ وكيفَ ينبغي لنا أن نَعمل؟ وكيفَ ينبغي لنا أن نُحِبَّ؟ وكيفَ ينبغي لنا أن نَلهو في خِضَمِّ هذا الاضطرابِ وهذا التَّشويشِ النَّاجِمِ عن بُطْلِ الحَياة؟
هناكَ ثلاثةُ تَفسيراتٍ مُحتمَلة وشائعة للتَّاريخ. فرُبَّما يُمكِنُ النَّظرُ إليهِ بأبسطِ طَريقةٍ مُمكنةٍ مِن خلالِ وُجْهاتِ النَّظرِ الثَّلاثِ التَّالية: أوَّلاً، أوِ النَّظرةُ الأولى للتَّاريخِ هي النَّظرةُ الدَّائريَّةُ الَّتي تَقولُ إنَّ التَّاريخَ هو دَائرة لا تَنتهي مِنَ التَّكرار. فهو يَستمرُّ في الدَّورانِ مُكَرِّرًا نَفسَ الأشياءِ المَرَّةَ تِلو المَرَّة تِلو المَرَّة. ونحنُ البَشَرُ عَالِقونَ في تلكَ الدَّوراتِ اللانِهائيَّةِ مِن خِلالِ عَمليَّةٍ تُعرَفُ باسمِ "التَّناسُخ" حيثُ نُعاوِدُ الظُّهورَ، ونُعاوِدُ الظُّهورَ، ونُعاوِدُ الظُّهورَ، ونُعاوِدُ الظُّهور. وهذه النَّظرةُ إلى التَّاريخِ تَقولُ بصورة رئيسيَّة إنَّهُ لا تُوجَد نِهاية؛ بل إنَّ الأشياءَ نَفسَها تَتكرَّرُ المَرَّةَ تِلوَ الأخرى، تِلوَ الأخرى. وهي لا تُضْفي أيَّ مَعنى على التَّاريخ. فهي أحداثٌ لا مَغزى لها. وهي لا تَستطيعُ أن تَكتَسِبَ أيَّ مَعنى لأنَّها تُعيدُ فقط ما حَدثَ في الأصل. وإن لم يَكُن هُناكَ مَعنى في الأصل، لن يَكونَ هُناكَ مَعنى لاحقًا. فقد تَكونُ هُناكَ أهدافٌ في حَياةِ الإنسانِ نَفسِهِ؛ ولكنَّ التَّاريخَ بلا أهداف.
وقد كانت هذه النَّظرةُ إلى التَّاريخِ شائعةً جدًّا عندَ اليونانيِّينَ القُدماء ومُنتشرة جدًّا في أوساطِهم. وفي عالَمِنا الأكثر مُعاصَرَةً، إنَّها الفَلسفةُ الهِندوسيَّة الموجودة مُنذُ قُرون. فالتَّاريخُ مُجَرَّدُ سِلسلةٍ مِنَ الدَّوراتِ المُتَكرِّرةِ الَّتي تَنتقلُ فيها رُوحُكَ مِن جَسدٍ إلى جسدٍ آخر، وآخر، وآخر لتَختبرَ نَفسَ الأشياءِ المَرَّةَ تِلوَ المَرَّةِ تِلوَ المَرَّة مِن زَوايا مُختلفة. وقد صَارت تلكَ النَّظرةُ الهِندوسيَّةُ النَّظرةَ العالميَّةَ لحَركةِ العَصرِ الجديدِ وشَقَّت طَريقَها إلى الثَّقافةِ الغَربيَّة. فالعصرُ الجَديدُ هو الفَلسفةُ الهندوسيَّةُ في الغَربِ وَحَسْب. لِذا، مِنَ الشَّائعِ جدًّا اليومَ أن يُؤمِنَ النَّاسُ بِتَقَمُّصِ الأرواح، وأن يُؤمِنوا بالنَّظرةِ الدَّائريَّةِ للتَّاريخ. ويَكتُبُ "جون مارش" (John Marsh) في كِتابِهِ: "مِلْءُ الزَّمان" (The Fullness of Time): "لو كانَت هذهِ النَّظرةُ صَحيحة لَحُرِمَ الوُجودُ التَّاريخيُّ مِن مَغزاه. فما أفعلُهُ الآنَ قد فَعلتُهُ في دَورة سابقة في العالَم وسأفعلُهُ في دَورات مُستقبليَّة في العالَم. وبهذا فإنَّ المسؤوليَّةَ والقَرارَ يَختفيان، ويَختفي مَعَهُما أيُّ مَغزىً حقيقيٍّ للحياةِ التَّاريخيَّةِ الَّتي تَصيرُ في الحَقيقيةِ مُجرَّدَ دَورة طبيعيَّة كبيرة". وهو يَقولُ: "فكما أنَّ الذُّرَةَ تُزرَعُ وتَنمو وتَنضُجُ كُلَّ سنة فإنَّ أحداثَ التَّاريخِ تَتكرَّرُ المَرَّةَ تِلوَ المَرَّة. كذلك، إن كانَ كُلُّ ما يُمكِنُ أن يَحدُثَ هو التَّكرارُ المُستمرُّ لدَورةٍ مِنَ الأحداث، لن يَكونَ هُناكَ أيٌّ مَغزى لتلكَ الدَّورةِ نَفسِها. فهي لا تُحَقِّقُ أيَّ شيءٍ في ذاتِها، ولا يُمكِنُها أن تُسهِمَ في أيِّ شيءٍ خَارِجَ نِطاقِ نَفسِها. فأحداثُ التَّاريخِ تَخلو مِن أيِّ مَعنى" [نِهايةُ الاقتباس].
والأشخاصُ الَّذينَ يَبحثونَ عن طَريقةٍ للتَّخلُّصِ مِن هذهِ السِّلسلةِ الَّتي لا تَنتهي مِنَ الدَّوراتِ، والَّذينَ يَتُوقونَ إلى التَّحرُّرِ مِنها يُؤمنونَ بأنَّ الطَّريقةَ الوحيدةَ للتَّحرُّرِ مِنها هي مِن خِلالِ الارتقاءِ إلى مُستوىً أعلى مِنَ الوَعْيِ الصُّوفيِّ الَّذي يَفوقَ الواقعَ ويَضَعُكَ في حَالةٍ غامضةٍ وغيرِ واعيةٍ مِنَ السَّعادةِ القُصوى. لِذا، يجبُ عليكَ أن تَبذُلَ جُهدًا صُوفيًّا للارتقاءِ والصُّعودِ والسُموِّ وبُلوغِ مُستوىً آخرَ كي تَرفَعَ نَفسكَ فوقَ ذلكَ التَّكرار العَقيم الخالي مِن أيِّ مَعنى.
وهُناكَ نَظرة عالميَّة أخرى شائعة جدًّا إلى جانبِ النَّظرةِ الأولى. ويُمكنُنا أن نُسَمِّيها: "النَّظرةُ الوُجوديَّةُ الإلحاديَّةُ للتَّاريخ". وهي تَقولُ إنَّ التَّاريخَ خَطٌّ. فهو ليسَ سِلسلةً مِنَ التَّكراراتِ، بل هو خَطٌّ. ولكنَّهُ ابتدأَ صُدفةً ولا أحدَ يَعلمُ كيفَ سيَنتهي. فلا يوجد إله، بل إنَّنا جِئنا نَتيجةَ تَجَمُّعِ ذَرَّاتٍ أو طِيْنٍ أَوَّليٍّ فنشأَ شيءٌ أو آخر صَارَ في النِّهاية كائنًا. ومَن يَدري ما الَّذي سيَحدُثُ في النِّهاية! ولكن لا يوجد إله، ولا يوجد تَفسيرٌ أو سَببٌ، ولا يوجد نَهْج، ولا يُوجَد قَصد، ولا يُوجَد خالِق، ولا يُوجَد كائنٌ أوَّل، ولا يُوجَد كائنٌ يَبقى بعدَ زَوالِ الكُلِّ. فنحنُ ببساطة وُجِدنا صُدفةً. والطَّريقةُ الوحيدةُ الَّتي نَستطيعُ مِن خِلالها أن نَعيشَ هذهِ الحياةَ هي أن تَنتَهِزَها بكُلِّ ما أُوتيتَ مِن عَزْمٍ وأن تَنتفِعَ مِنها بالرَّغمِ مِن عُقْمِها بِكُلِّ ما أُوتيتَ مِن قُوَّة.
"إنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الوُجوديَّةِ" [كما يَكتُبُ "آنثوني هويكَما" (Anthony Hoekema)] عَديمُ المَعنى. فلا يوجد نَمَطٌ ذو أهميَّة يُمكِنُنا العُثورُ عليهِ في التَّاريخ، ولا سَعْيٌ نحوَ أيِّ هَدفٍ، بل فقط تَسَلسُلٌ لا مَعنى لَهُ للأحداث. وفي هذهِ الحالة فإنَّ المَرءَ مَتروكٌ لما يبدو أنَّهُ فَردانيَّة مَحْضَة إذْ إنَّهُ يجبُ على كُلِّ شخصٍ أن يُحاولَ العُثورَ على طَريقِهِ في هذا الوُجودِ العَقيمِ أوِ المُفيدِ مِن خلالِ اتِّخاذِ قَراراتٍ مُهمَّة. ولكنَّ التَّاريخَ بأسرِهِ خَالٍ مِن أيِّ مَغزى".
وهذهِ النَّظراتُ إلى التَّاريخِ تُصَاغُ غالبًا في صِيغةٍ مَجازيَّة مِن قِبَلِ الكُتَّاب. وهُناكَ كاتبٌ مَشهورٌ هو "ألبرت كامو" (Albert Camus) كَتَبَ رِوايةً بعُنوان: "الطَّاعون" (The Plague). وفي تلكَ الرِّواية يَتحدَّثُ الكاتبُ عن مَدينةٍ اسمُها "أوران" (Oran). وقد اجتاحتِ الجُرذانُ المَدينةَ وتَسَبَّبت في انتشارِ داءِ الطَّاعونِ المُميتِ فيها. وقد راحَ الطَّبيبُ في القصَّةِ ومَن مَعَهُ يُحاربونَ هذا الطَّاعونَ بكُلِّ شَجاعة. وقد نَجحوا في النِّهاية في السَّيطرةِ على الطَّاعون. وفي نهايةِ الرِّواية، يَكتُبُ "كامو" الكلماتِ التَّالية على لِسانِ الطَّبيب: "إنَّها مسألةٌ وقتٍ فقط قبلَ أن تَعودُ الجُرذان". وهذا هو تَعليقُ "كامو" على عُقْمِ وبُطْلِ وبُؤسِ العَيشِ في هذا العالَم. وَهُم يَقولونَ للأشخاصِ الَّذينَ يُؤمنونَ بالنَّظرةِ الوُجوديَّةِ الإلحاديَّةِ للتَّاريخ إنَّ كُلَّ شيءٍ سيَبقى على نَفسِ الحالةِ الَّتي كانَ عليها دائمًا مِن جِهَةِ المَغزى والبُطْل.
وهذا هو الرَّأيُ السَّائدُ لدى الفلاسفةِ ومُعتَنِقي مَذهبِ اللَّذَّة. ولكن يوجد بَديلٌ ثالث. والبَديلُ الثَّالثُ لهاتينِ النَّظرَتَيْنِ العَالميَّتينِ هو أنَّهُ يوجدُ إلَهٌ خَالقٌ ومُهيمِنٌ يُنَفِّذُ خُطَّتَهُ الهَادِفَةَ في التَّاريخ. وتلكَ هي النَّظرةُ المَسيحيَّةُ إلى الحياة. وهُناكَ عَناصِرُ عَديدة لها. واسمَحوا لي أن أَذْكُرَها لكُم. فالنَّظرةُ المسيحيَّةُ للتَّاريخِ تَقولُ إنَّ التَّاريخَ هو تَنفيذُ مَقاصِدِ اللهِ كما هي مَشروحَة في الكتابِ المقدَّس. وهذه جُملة مُهمَّة جدًّا. فالتَّاريخُ هو تَنفيذٌ لمقاصِدِ اللهِ كما هي مَشروحَة في الكتابِ المقدَّس. ثانيًا، اللهُ هُوَ صَاحِبُ السِّيادَةِ على كُلِّ التَّاريخ. فهو يَسودُ على الكُلّ. فَمِن خِلالِ عِنايتِهِ الإلهيَّةِ [الَّتي تَعني أنَّهُ يَعملُ بطريقةٍ خارقةٍ للطَّبيعةِ على جَعْلِ كُلِّ العَوامِلِ الطَّبيعيَّةِ المُختلفةِ تَعمَل]، ومِن خِلالِ المُعجِزاتِ [أيْ مِن خِلالِ تَدَخُّلِهِ الخارقِ للطَّبيعةِ في العواملِ الطَّبيعيَّةِ] فإنَّهُ يُهيمِنُ على الكُلّ. كذلكَ فإنَّ النَّظرةَ المسيحيَّةَ للتَّاريخِ تَقولُ إنَّ المسيحَ هوَ الشَّخصُ الرَّئيسيُّ في التَّاريخِ، وإنَّ كُلَّ التَّاريخِ يَتطلَّعُ إلى المَسيح. فمَجيئُهُ هو أعظمُ وأنبَلُ حَدَثٍ في التَّاريخِ البشريّ. والنَّظرةُ المسيحيَّةُ للتَّاريخِ تَقولُ إنَّ اللهَ يُحَرِّكُ كُلَّ التَّاريخِ لتحقيقِ هَدفٍ إلهيٍّ تَمَّ التَّخطيطُ لهُ مُسَبَّقًا. وكُلُّ شخصٍ لديهِ مَوعِدٌ نِهائيٌّ معَ اللهِ لتقريرِ مَصيرِهِ الأبديّ. فاللهُ هُوَ الَّذي أنشأَ التَّاريخَ البَشريَّ. واللهُ هوَ الَّذي يَتحكَّمُ بالتَّاريخ. واللهُ هوَ الَّذي سيُنهيه.
وعندما نَنظُرُ إلى هَدفِ التَاريخِ بأنَّهُ هَدفُ اللهِ، وعندما نَفهمُ أنَّ اللهَ يُنَفِّذُ مَقاصِدَهُ الَّتي خَطَّطَ لها مُنذُ الأزل، هُناكَ حَدَثٌ واحدٌ يُنْذِرُ بالشُّؤمِ ويَلوحُ في النِّهاية. وقد سَمَّى بولسُ ذلكَ الحَدَثَ في العَددِ الثَّاني مِن نَصِّنا. فهو يُسَمِّي ذلكَ الحَدثَ: "يومَ الرَّبّ". وهو حَدَثٌ يُنذِرُ بالشُّؤمِ لأنَّهُ يُنذِرُ بنِهايةِ التَّاريخِ البشريّ. والآن، كما رأينا في عِظَتَيْنا السَّابقتَيْنِ عن هذا المَقطعِ الصَّغيرِ مِنَ الكتابِ المقدَّس فإنَّ ذلكَ المُصطلَحَ ["يَومَ الرَّبِّ"] يُشيرُ إلى الدَّينونةِ الأخيرةِ الَّتي سيُنزِلُها اللهُ على الخُطاةِ غيرِ التَّائبينَ الَّذينَ رَفَضُوا يَسوعَ المسيح. فهو اليومُ الَّذي سَيُطلِقُ فيهِ اللهُ العِنانَ لِغَضَبِهِ الأخير.
وكانَ مُؤمنو تسالونيكي قد تَعلَّموا الكثيرَ مِنَ الأشياءِ عن هذا اليوم (كما يُذَكِّرُهُم بولسُ في رسالتِهِ الثانيةِ إلى أهلِ تسالونيكي 2: 5). فقد تَلَقَّوْا مِنهُ تَعليمًا (في الوقتِ الَّذي صَرَفَهُ مَعَهُم قبلَ بِضعة أشهُر مِن كِتابتِهِ لهذهِ الرِّسالةِ) عن يومِ الرَّبّ. ولكن كان يوجد شيءٌ لم يَعرفوه. وهذا هو ما كانوا يَتساءلونَ عنهُ في أذهانِهم. وهو يَقولُ في العددِ الأوَّل: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ [الكرونوس (chronos) والكايروس (chairos)] فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا". ومِنَ المُرجَّحِ أنَّ تيموثاوسَ الَّذي زارَهُم مُؤخَّرًا عادَ وقالَ إنَّ هُناكَ سُؤالاً مِنَ الأسئلةِ الَّتي يَطرحونَها يَختصُّ بيومِ الرَّبِّ وهو: مَتى سيأتي؟ مَتى سيأتي؟ وبولسُ يَقولُ لَهُم ببساطةٍ في العددِ الأوَّل: "لاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْ ذلك". لماذا؟ لأنَّهُ لا يوجد شَيءٌ يُقال عنِ الأزمنة. فاللهُ لم يُطْلِعْنا على ذلك. والحقيقةُ هي أنَّ يسوعَ قالَ إنَّ يومَ الرَّبِّ سيأتي في ساعةٍ لا تَتوقَّعونَها، وفي يومٍ وساعةٍ لا يَعرِفُها إنسان. فالأزمنةُ والأوقاتُ [كما ذَكَرَ مَرَّتين] ليست شيئًا يُمكنكُم أن تَعرفوه. فالآبُ جَعَلَها في سُلطانِهِ، وحتَّى إنَّ ابنَ الإنسانِ لا يَعرفُها. فكُلُّ ما نَحتاجُ إلى مَعرفتِهِ هو سِمَةُ ذلكَ اليومِ وأنَّهُ سيأتي بَغتَةً. لِذا، كانَ يَنبغي لكُلِّ جيلٍ بَشريٍّ عَاشَ مُنذُ أنْ كُتِبَ هذا العَهدَ الجَديدُ أن يَعيشَ في ضَوْءِ حَقيقةِ أنَّ يومَ الرَّبِّ قد يأتي في زَمانِهم.
لِذا فإنَّهُ يَقولُ: لا حاجةَ لَكُم أن تَعرفوا الوقتَ. فاللهُ لم يَشَأ أن يُعلِنَ ذلكَ لأيِّ شخص. وبالرَّغمِ مِن أنَّكُم لستُم بحاجةٍ إلى مَعرفةِ ذلك، لا بُدَّ أن أُذَكِّرَكُم [في العددِ الثَّاني] بشيءٍ تَعلَمونَهُ بالتَّحقيقِ وهو "أنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ". فسوفَ يأتي على نَحوٍ غير مُتوقَّع، وسوفَ يُلاقَى بعَدَمِ تَرحيبٍ، وسوفَ يَكونُ مُؤذيًا. فهكذا يأتي اللِّصُّ. ولكنَّ الفِكرةَ الرَّئيسيَّةَ هي أنَّهُ سيأتي على نَحوٍ غير مُتوقَّع. فسوفَ يأتي بَغْتَةً بالنِّسبةِ لأولئكَ الَّذينَ لا يَعرفونَ الرَّبَّ يسوعَ المسيح.
عندما نَظَرنا إلى النُّقطةِ الأولى هُنا، أيْ نُقطَةِ مَجيئِهِ، وقد نَظرنا إلى ثلاثِ نُقاطٍ: مَجيئِهِ، وسِماتِهِ، واكتِمالِهِ. عندما نَظرنا إلى نُقطةِ مَجيئِهِ قُلنا لكم ببساطةٍ إنَّهُ يُذكِّرُهم بأنَّ مَجيئَهُ سيكونُ كَمجيءٍ لِصٍّ في اللَّيل؛ أي أنَّهُ سيكونُ غيرَ مُتوقَّعٍ. ثُمَّ إنَّنا ابتدأنا في التَّوسُّعِ في تلكَ الفِكرةِ وحاولنا أن نُجيبَ عن بِضعة تَساؤلاتٍ في أذهانِنا كي نَفهمَ مَا يَعنيه هُنا. إذًا، كُلُّ جيلٍ يَعيشُ في تَرَقُّبٍ مُحتَمَلٍ ليومِ الرَّبّ. والآن، لَعَلَّكُم تَذكُرونَ أنَّهُ عندما دَرَسنا مَوضوعَ الاختطافَ في الأصحاحِ الرَّابعِ والأعداد مِن 13 إلى 18 أنَّنا قُلنا أيضًا إنَّ كُلَّ جيلٍ مِنَ المسيحيِّينَ عاشَ في ضَوْءِ حَقيقةِ أنَّ الاختطافَ قد يَحدُثُ في فَترةِ حَياتِهم. فنحنُ لا نَعلَمُ مَتى سيأتي الرَّبُّ ليأخُذَ كَنيستَهُ قبلَ يومِ الرَّبّ. نحنُ لا نَعلَمُ مَتى سيَحدُثُ ذلك. لِذا فإنَّ كُلَّ جيلٍ يَعيشُ في ضَوْءِ حَقيقةِ أنَّ الرَّبَّ قد يأتي في فَترةِ حَياتِهم. وكُلُّ جيلٍ غيرِ مُؤمِنٍ يَعيشُ في ضَوْءِ الحَقيقةِ (الَّتي رُبَّما لم يَفهموها أو يَعرفوها) بأنَّ الرَّبَّ قد يأتي بالدَّينونةِ الأخيرةِ في فَترةِ حَياتِهم.
وفي المَرَّةِ السَّابقةِ ذَكَّرتُكُم بأنَّ كُلَّ المَقاطِعِ الكِتابيَّةِ الَّتي تَتحدَّثُ عنِ الاختطافِ لا تَذكُرُ أيَّةَ عَلاماتٍ أوليَّة تُشيرُ إلى أنَّ الاختطافَ وَشيك. فهناكَ ثلاثة مَقاطِع كِتابيَّة تَتحدَّثُ بوضوحٍ عنِ الاختطاف هي: يوحنَّا 14، و 1كورنثوس 15، و 1تسالونيكي 4. فهي تَصِفُ اختطافَ الكنيسة أو أَخْذَ الكنيسة لتكونَ معَ المسيحِ في السَّماء. ولكنَّ أيًّا مِنها لا يَذكُرُ لنا أيَّةَ علاماتٍ أوليَّة. لِذا فإنَّنا نَقولُ إنَّ الاختطافَ هو حَدَثٌ بلا عَلامات. مِن جهةٍ أخرى فإنَّ المَقاطعَ الَّتي تَتحدَّثُ عن يومِ الرَّبِّ تَذكُرُ عَلاماتٍ تُشيرُ إلى اقترابِه. فمعَ أنَّهُ لا يُمكِنُنا أن نَعرِفَ اليومَ والسَّاعةَ فإنَّ الإطارَ الزَّمنيَّ العامَّ يُمكِنُ أن يُعرَف.
والآن تَذَكَّروا ما شاركتُهُ مَعَكُم في المرَّة السَّابقة: أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَقولُ إنَّهُ قبلَ أن يأتي يومُ الرَّبِّ، هُناكَ أحداثٌ عديدة لا بُدَّ أن تَحدُث. فبحسبِ سِفْر مَلاخي 4: 5، هُناكَ شَخصٌ يُشبِهُ إيليَّا لا بُدَّ أن يأتي تَمهيدًا لمجيءِ المَسيَّا. وإلى أن يأتي ذلكَ الشَّخصُ الَّذي يُشبِهُ إيليَّا للإعلانِ عن مَجيءِ المسيَّا، لا يُمكِنُ ليومِ الرَّبِّ أن يأتي. ثانيًا، في سِفْر يوئيل 3: 9، نَقرأُ أنَّهُ قبلَ مَجيءِ يومِ الرَّبِّ سوفَ تَجتمعُ الأُممُ في وادي القَضاء. فسوفَ يَتحرَّكُ العالَمُ باتِّجاهِ هُرْمَجَدُّون قبلَ أن يأتي يومُ الرَّبّ. لِذا، عندما يأتي ذلكَ الشَّخصُ الَّذي يُشبِهُ إيليَّا ويَبتدئُ في الإعلانِ عن عَودةِ المسيحِ بالدَّينونة، فإنَّ ذلكَ مُؤشِّرٌ على اقترابِه. وعندما تَبتدئُ أُمَمُ العالَمِ بالتَّجَمُّعِ في الشَّرقِ الأوسطِ في هَرْمَجَدُّون فإنَّ ذلكَ يُشيرُ إلى اقترابِه.
وفي الرِّسالة الثَّانية إلى أهلِ تسالونيكي والأصحاحِ الثَّاني، نَقرأُ أيضًا أنَّ الارتدادَ سيأتي. فسوفَ يَظهَرُ نِظامٌ دينيٌّ عَالميٌّ مُرْتَدٌّ ويَنمو. وسوفَ يَحدُثُ ذلكَ الشَّكلُ الأخيرُ مِن تَمرُّدِ العالَمِ على اللهِ الحَقيقيِّ والإنجيلِ الحَقيقيِّ والإيمانِ الحَقيقيِّ قبلَ مَجيءِ يومِ الرَّبّ. وقد قَرأنا أيضًا في رسالة تسالونيكي الثَّانية والأصحاحِ الثَّاني أنَّ يومَ الرَّبِّ لن يأتِ قبلَ أن يُستعلَنَ إنسانُ الخطيَّة [أي ضِدُّ المسيحِ]، وإلى أن يَدخُلَ إلى الهَيكلِ ويُدَنِّسَ الهَيكلَ مِن خِلالِ إرْغامِ الجَميعِ على عِبادَتِهِ في الهيكلِ في أورُشليم.
ثُمَّ إنَّ العَلامةَ الأخيرةَ الَّتي ذَكرناها تَبتدئُ مِنَ العهدِ القديمِ وتَستمرُّ في العهدِ الجديدِ وهي أنَّ النُّجومَ ستَنطفِئ، وأنَّ الشَّمسَ سَتُظلِم، وأنَّ القَمَرَ سيُظلِم، ثُمَّ إنَّ يَومَ الرَّبِّ يأتي – يَومَ الرَّبِّ العَظيم المَخوف. إذًا، هُناكَ تِلكَ العلاماتُ الأوليَّة الَّتي تَسبِقُ مَجيءَ يَومِ الرَّبّ.
لِذا فإنَّ الأشخاصَ الَّذينَ يَعيشونَ في الفترةِ الزَّمنيَّةِ الواقعةِ بينَ الاختطافِ ويومَ الرَّبِّ سيَحصُلونَ على تَحذيراتٍ كثيرةٍ وإنذاراتٍ كافية. ولكنِ انظروا إلى العددِ الثَّالث. فما الَّذي سيَقولونَهُ؟ هل سيَركُضونَ قائلينَ: "إنَّ يومَ الرَّبِّ آتٍ! إنَّ يومَ الرَّبِّ آتٍ! إنَّ يومَ الرَّبِّ آتٍ! إنَّ يومَ الرَّبِّ آتٍ!"؟ ما الَّذي سيَقولونَهُ؟ "سَلامٌ وأَمان!" كيفَ يَقولونَ ذلك؟ فهذا أمرٌ غيرُ مَعقول؛ ولكنَّهُ صَحيح! فغيرُ المُؤمِنينَ في تلكَ المَملكةِ الشَّيطانيَّةِ المُخادِعَةِ الَّتي يَترأسُها ضِدُّ المسيحِ لن تَتوقَّعَ يومَ الرَّبِّ بالرَّغمِ مِن كُلِّ العَلامات. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ أنِّي قُلتُ لكم في المرَّة السَّابقةِ إنَّ هذا النَّمَطَ هُوَ نَمَطٌ يُمكِنُكم أن تَرَوْهُ في العهدِ القديم. فعندما كانَ اللهُ يُعلِنُ دَينونَتَهُ، كانَ الأنبياءُ الكذبةُ يَقولونَ ماذا؟ سَلامٌ! سَلامٌ! سَلامٌ! وكانَ اللهُ يَقولُ إنَّهم يَقولونَ سَلامٌ في حين أنَّهُ لا يوجد سَلام. وعندما كانَ اللهُ يَقولُ: "سوفَ أَدينُ، وأجلِبُ الدَّينونةَ والنَّقمةَ والغضبَ"، كانَ الأنبياءُ الكذبةُ يَقولونَ: "سَلامٌ! هُناكَ سَلامٌ آتٍ! هُناكَ سَلامٌ آتٍ! لا تَخافوا، كُلُّ شيءٍ على ما يُرام، وكُلُّ شيءٍ يَسيرُ حَسَنًا. ولكن لا يوجد سَلام. وسوفَ يأتي أنبياءٌ مُشابهونَ لهؤلاءِ في إطاعَتِهم لإبليسَ في المُستقبل ويَفعلونَ نَفسَ ما فَعَلَهُ هؤلاءِ الأنبياءُ الكَذَبةُ في الماضي.
ومِنَ المُدهشِ أن نُفَكِّرَ في ذلك لأنَّهُ ستكونُ هناكَ مُؤشِّرات كثيرة جدًّا على مَجيءِ ذلكَ اليوم. واسمَحوا لي أن أُطلِعَكُم بعُمقٍ أكبر على هذهِ المؤشِّرات. افتَحوا كِتابَكُم المُقدَّس على إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. وأريدُ منكم أن تَتَنَقَّلوا معي بينَ إنجيل مَتَّى وسِفْر الرُّؤيا قليلاً إذْ أُريدُ أن أُريكُم الأحداثَ الكثيرةَ الَّتي ستَحدُثُ وتَكونُ مُؤشِّراتٍ لهُم بأنَّ يومَ الرَّبِّ قَريب. فمعَ أنَّهُم لن يَعرفوا اليومَ المُحَدَّدَ أوِ السَّاعةَ المُحدَّدةَ فإنَّهم سيَعرفونَ الوقتَ تَقريبًا. ففي إنجيل مَتَّى انظروا مِن فَضلِكُم إلى العددِ الثَّالث. فيسوعُ يَلتقي سِرًّا بتلاميذِهِ على جَبلِ الزَّيتونِ بعدَ مُواجَهَةٍ مُحْتَدِمَة معَ القادةِ الزَّائفينَ في الهيكل. وقد سألوهُ ذلكَ السُّؤالَ الَّذي يَطرَحُهُ النَّاسُ دائمًا: "قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْر؟" فقد أرادوا أن يَعرفوا الوقتَ. مَتى سيَحدُثُ ذلك؟ مَتى ستأتي وتأخُذُ المُلْكَ؟ مَتى ستأتي وتَدين غيرَ المُؤمِنين؟ مَتى ستَعود؟ هذا هو السُّؤال.
ويُقدِّمُ لهُمُ يسوعُ الإجابة. والإجابةُ لا تَأتي إلاَّ في العَددين 29 و 30. فقد أرادوا أن يَعرفوا ما هي العَلامة. وهو يَقولُ: عندما تُظلِمُ الشَّمسَ، والقَمرُ لا يُعطي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ العَلامة. فسوفَ يَظهَرُ ابنُ الإنسانِ في السَّماء ويكونُ مُستعدًّا للقَضاء. ولكن هُناكَ أمورٌ ستَحدُثُ قبلَ ذلك... قبلَ ذلك. فتلكَ هي العلامةُ الكُبرى الأخيرة؛ ولكن انظروا إلى كُلِّ ما سيَتمكَّن مِن رُؤيتِهِ الأشخاصُ الَّذينَ يَعيشونَ في ذلكَ الوقت.
انظروا إلى العددِ الثَّامن. فكُلُّ هذهِ الأشياء الَّتي يَتحدَّثُ عنها هذا القِسمُ في الآياتِ المُجاورةِ للعددِ الثامنِ هي مُبتدأُ الأوجاع. والآن، ما الَّذي قَصَدَهُ بذلك؟ إنَّ العِبارةَ "مُبتدأ الأوجاع"... استَمِعوا جيِّدًا جدًّا... هي تَشبيهٌ تَصويريٌّ جدًّا. فالمَخاضُ يأتي فجأةً وبَغتةً للمرأة. فهو يأتي في صُورةِ تَقَلُّصاتٍ مُتوالِيَة ومُتصاعِدة في الحِدَّة. وهذه هي الفِكرة. فسوفَ يُبتَلى العالَمُ بالأوجاعِ تِلوَ الأوجاعِ، تِلوَ الأوجاعِ، تِلوَ الأوجاعِ. وسوفَ تَزيدُ حِدَّةُ ذلكَ الألم، وتَزيدُ، وتَزيدُ إلى أن يَأتي ذلكَ اليومُ في النِّهاية. فآلامُ الولادة تأتي فجأةً وتكونُ مُؤلمةً ومُتكرِّرةً ومُتصاعِدَةً، وتَكونُ نَتيجَتُها حُدوثُ شَيءٍ عَظيم. لِذا فقدِ اختارَ هذا التَّشبيهَ. وهو يَقولُ إنَّهُ لا بُدَّ مِن حُدوثِ أشياءٍ في العالَمِ بِقُوَّةٍ كافية تَجعلُهم يَعلَمونَ أنَّ هذا الحَدثَ آتٍ. فعندما تَشعُرُ المرأةُ بالمَخاضِ فإنَّها تَعلمُ ما سيُؤدِّي إليه. ولكنَّ هَؤلاءِ النَّاسَ لن يَرَوْا ذلكَ لأنَّهُ سيكونُ هُناكَ أنبياءٌ كَذبةٌ يَجولونَ قائلينَ: "سَلامٌ وأمان! سَلامٌ وأمان!"
لاحِظوا جَوابَ يَسوعَ وكيفَ يُشيرُ إلى هذا الأمر. فأوَّلُ شيءٍ يَقولُهُ في العددِ الرَّابع، وأوَّلُ شَيءٍ يَقولُهُ رَدًّا على سُؤالِهم هو التَّالي: "انْظُرُوا! [ماذا؟] لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ". هذا هو ما قالَهُ. فالشَّيطانُ يُريدُ دائمًا أن يُضَلِّلَ النَّاسَ بخصوصِ حَقيقةِ الدَّينونةِ الأخيرة لأنَّها سَتَشمَلُهُ هو أيضًا. لا تَسمَحوا لأيِّ شخصٍ أن يُضِلَّكُم بهذا الشَّأن. فهذا تَحذيرٌ مَكتوبٌ للجيلِ الَّذي يَعيشُ في الوقتِ الَّذي سيَأتي فيهِ يومُ الرَّبّ.
ثُمَّ إنَّهُ يَتحدَّثُ عن آلامِ الولادة. وما هي العلامةُ الأولى للمَخاض؟ نَقرأُ في العددِ الخامسِ عن أوَّلِ عَلامةٍ للمَخاض: "فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ". فأوَّلُ علامةٍ للمَخاضِ هي الضَّلالُ الهائلُ الَّذي سيَنتشِرُ على يَدِ الدِّياناتِ الزَّائفةِ، والأنبياءِ الزَّائفينَ، والقادةِ الزَّائفين، والمُسَحاء الكَذبة. وسوفَ يَخرُجُ مِنهُم مَسيحٌ زائفٌ واحدٌ يقولُ: "أنا هوَ المسيحُ"؛ ولكنَّهُ سيكونُ ضِدَّ المسيح. وكما تَرَوْنَ، يجب عليهم أن يَكونوا مَوجودينَ عندما يَحدُثُ ذلك لكي يَتمكَّنوا مِن تَفسيرِها. فلا بُدَّ أن يَكونوا في المَشهَد. وهذا يُشيرُ إلى الانتشارِ الواسعِ النِّطاقِ للمُعلِّمينَ الكَذَبة، والقادةِ الكَذبَة، والمُتديّنِينَ الكَذبَة، والمُسحاء الكَذبة. وأريدُ أن أقولَ لكم، يا أحبَّائي، إنَّهُ يوجدُ الكثيرُ مِن هؤلاءِ اليوم. أليسَ كذلك؟ فأعتقدُ أنَّنا جَاهزونَ لاستقبالِ تلكَ الأحداث. فهناكَ الكثيرُ مِنَ الأنبياءِ الكذبة للقيامِ بتلكَ المُهمَّة. وسوفَ يَجُولُ هؤلاءِ ويُقدِّمونَ تَفسيراتِهم الشَّيطانيَّة لِئَلاَّ يَرى النَّاسُ أنَّ ما يَحدُثَ سيؤدِّي إلى مَجيءِ يومِ الرَّبّ.
وعندما تَزدادُ آلامُ الولادة وتَتصاعَد، كذلكَ سيتفاقَمُ الضَّلال. فأعدادُ المُضِلِّينَ والمُضَلِّينَ ستَزدادُ وتَزدادُ وتَزدادُ عندما يَبتدئُ النَّاسُ بالمجيءِ إليهم طَلَبًا لإجاباتٍ بخصوصِ مَجيءِ هذهِ المَصائبِ الكبيرة. وسوفَ تَكونُ ذُروةُ هؤلاءِ المُسحاءِ الكذبةِ هي ضِدُّ المسيحِ أوِ الوحشِ المَذكور في سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 13، أوِ القَرنِ الصَّغيرِ المَذكور في سفرِ دانيال، أوِ المَلِكِ المُتَعَظِّمُ المَذكور في سِفْر دانيال، أو إنسانُ الخَطيَّة المَذكور في الرِّسالة الثَّانية إلى أهلِ تسالونيكي ويَعرَفُ بكُلِّ هذهِ الأسماء. فهو حَاكِمُ العالَمِ الأخير الَّذي سيَعقِدُ مُعاهدةً معَ إسرائيل. ويُمكنُني أن أرى ذلكَ يَحدُث. فسوفَ يَكونُ قائدًا يَخرُجُ مِن أوروبَّا. فأعظمُ قُوَّةٍ في العالَمِ ستَظهرُ قَريبًا في أوروبا. ففي سنة 1992 صارت هُناكَ أوروبَّا المُوحَّدة. وهي تَسيرُ بسُرعة كبيرة بذلكَ الاتِّجاه. ومِن تلكَ القُوَّةِ المُتَّحِدة الَّتي تَتَّخِذُ أوروبَّا قاعدةً لها، والإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة الَّتي ستَظهَرُ مِن جَديد وتَعودُ إلى سَابِقِ عَهدِها، سيَظهَرُ هذا الحاكِمُ العَظيم. وإسرائيلُ هي بِكُلِّ تأكيدٍ بلدٌ ضَعيفٌ في مُواجهةِ جيرانِها الَّذينَ يَرغبونَ في تَدميرِها. وهي تَبحثُ عن حَلٍّ، وتَبحثُ عن نَوعٍ مِنَ الحِماية، وستَفعلُ تَمامًا ما فَعلَتْهُ في العهدِ القديمِ عندما تَحالفت معَ مِصر. فسوفَ يَتحالَفونَ معَ ضِدِّ المسيح. ونَقرأُ في الأصحاحِ التَّاسعِ مِن سِفْر دانيال أنَّ عَهْدًا سَيُبرَمُ ويُوفِّرُ لَهُم الحِمايةَ مُدَّةَ سَبْعَ سِنين. وسوفَ يَظُنُّونَ حينئذٍ أنَّهُم يَستنِدونَ إلى قُوَّةِ ضِدِّ المسيحِ العَظيمة وكُلِّ المَملكةِ الَّتي تَقِفُ وَراءَهُ لحمايتهم. وسوفَ يَتقدَّمُ هذا الحاكِمُ العالميُّ العظيمُ في المَكانة. وبعدَ ثلاثِ سنواتٍ ونِصف مِن تلكَ المُعاهدة معَ إسرائيل، سوفَ يَدخُلُ الأرضَ ويُدَنِّسُ هَيكلَهُم وعِبادتَهُم، ويُقيمُ نَفسَهُ إلهًا ينبغي أن يُعبَد. وسوفَ يأتي النَّبيُّ الكَذَّابُ ويكونُ مُرافقًا لَهُ، ويَدعو الجَميعَ إلى عِبادتِه. وسوفَ يَستولي على العالَم.
ولكن قبلَ حُدوثِ ذلك، لا بُدَّ مِن مَجيءِ أنبياء كَذبة ومُعَلِّمينَ كَذبة. ويُمكنُنا أن نَرى ذلكَ يَحدُثُ في وَقتِنا الحاضِرِ أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ مَضَى في التَّاريخِ البشريّ. وَهُم يَزدادون. هذا هو أوَّلُ مُبتدأ الأوجاع. فعندما يَرَوْنَ ازديادَ ذلك، وحَركةَ هؤلاءِ المُسَحاء الكَذبة، يَنبغي لهم أن يَعلَموا أنَّ آلامَ الولادةِ قدِ ابتدأت.
قَارِنوا ذلكَ بما جاءَ في سِفْر الرُّؤيا والأصحاحِ السَّادسِ حيثُ نَقرأُ عنِ الخُتوم. فهناكَ سِفْرٌ في يَدِ المسيحِ هُنا. وهذا السِّفْرُ هو صَكُّ مِلكيَّةِ الأرض. فقد حانَ الوقتُ كي يَسترِدَّ الرَّبُّ الأرضَ. وقد حانَ الوقتُ كي يأتي بالدَّينونة. وقد حانَ الوقتُ كي يُطلِقَ العِنانَ لِغَضَبِهِ ودَينونَتِه. وقبلَ أن يَبتدئَ يومُ الرَّبِّ العَظيمِ والمَخوفِ في الخَتْمِ السَّادسِ، هُناكَ خَمسةُ خُتومٍ تَمهيديَّة تَبتدئُ في الكَشْفِ عن غَضبِ اللهِ بطريقةٍ طَبيعيَّة. ثُمَّ إنَّنا نَرى في الخَتْمَيْنِ السَّادسِ والسَّابعِ مَذبحةً جَماعيَّةً خارقةً للطَّبيعة. ولكنَّ الأحداثَ تَبتدئُ بالتَّكَشُّفِ مِنَ الخَتْمِ الأوَّل.
والآن، في الأزمنةِ القديمة، عندما كانَ يوجدُ لديكَ صَكُّ مِلكيَّة أو وَصيَّة أو تَرِكَة لشخصٍ مَا، كانَتِ الحُكومةُ الرُّومانيَّةُ تُطالبُ بِخَتْمِ الصَّكِّ أوِ الوصيَّة سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى يَكونَ مِنَ الصَّعبِ على أيِّ شخصٍ أن يَكسِرَ الخَتْم. فقد كانَ ينبغي أن يُختَمَ الصَّكُّ أوِ الوصيَّة سبعَ مَرَّاتٍ لغاياتٍ أمنيَّة. وهُنا، يأخُذُ الرَّبُّ صَكَّ مِلكيَّةِ الأرضِ المَختوم سبعَ مَرَّاتٍ بالطَّريقةِ القانونيَّةِ الصَّحيحة، ويَكسِرُ الخُتومَ خَتْمًا خَتْمًا. وفي كُلِّ مَرَّةٍ يَكسِرُ فيها خَتْمًا، يُفْتَحُ السِّفْرُ أكثر قليلاً. وهو يُفْتَحُ قليلاً عندَ كَسْرِ الخَتْمِ الأوَّل، فما الَّذي يَكشِفُهُ؟ نَقرأُ في العددِ الثَّاني: "وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ [إشارةً إلى القوَّة]. فقد كانَ الفَرسُ الأبيضُ هوَ الفَرَسُ الفاتِح. "وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلاً، وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ". وسوفَ تُلاحِظونَ أنَّهُ لا تُوجَدُ حَربٌ هُنا. فهو يَحمِلُ قَوسًا؛ ولكنَّهُ لا يَحمِلُ سِهامًا. فهو فَتْحٌ ذُو طَبيعةٍ سِياسيَّة على الأرجَح، أو أيديولوجيَّة، أو فَلسفيَّة. فهو فَتْحٌ مِنْ نَوعِ الحَربِ البَارِدَة. وهو فَتْحٌ مِن خلالِ مُعاهدةٍ، وتَلاعُبٍ، وبَثِّ الرُّعب. فهُنا يأتي ضِدُّ المسيحِ ويَغزو مِن خِلالِ سَلامٍ زائف مِن دونِ حَربٍ. ويأتي النَّبيُّ الكَذَّابُ الأخير. وهذا يُوازي أوَّلَ ألَمٍ مِن آلامِ الوِلادة.
ارجِعوا إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. فالألمُ الثَّاني مَذكورٌ في العددِ السَّادس: "وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ". فالألمُ الثَّاني سيكونُ حَربًا. فالسَّلامُ الزَّائفُ لن يَدومَ طَويلاً. فلن يَمُرَّ وقتٌ طَويلٌ قبلَ اندِلاعِ الحَرب. وتَفاصيلُ تلكَ الحَربِ مُدَوَّنة لنا في سِفْر دانيال والأصحاح 11 إن أردتُم أن تَقرأوها، وأيضًا في سِفْر الرُّؤيا. والألمُ الثَّاني مِن آلامِ الولادةِ يُوازي الخَتْمَ الثَّاني. ارجِعوا إلى سِفْر الرُّؤيا مَرَّةً أخرى. ففي الخَتمِ الثَّاني نَقرأُ في العددِ الثالثِ أنَّ الحَيَوانَ الثَّاني يَقول: "هَلُمَّ"، ثُمَّ يَخرُجُ فَرَسٌ آخر، وهو فَرَسٌ أحمَر في هذه المَرَّة. "وَلِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أُعْطِيَ أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ". فَهُنا نَجِدُ الحَربَ تَمتَطي فَرَسًا. والنَّاسُ يَقتُلونَ بعضُهم بعضًا. "وَأُعْطِيَ سَيْفًا عَظِيمًا". فكما أنَّهُ ستكونُ هُناكَ حُروبٌ، وأخبارُ حُروبٍ، وتَقومُ أُمَّةٌ على أُمَّة، ومَملكةٌ على مَملكة في الألمِ الثَّاني مِن آلامِ الوِلادة، فإنَّ الخَتْمَ الثَّاني سيكونُ كذلكَ أيضًا: فسوفَ تَنشُبُ حَرْبٌ في الأرض. وسوفَ تَتصاعَدُ حِدَّةٌ هذهِ الحربِ وتَزدادُ عُنفًا خِلالَ فَترةِ الضِّيقةِ العَظيمة.
والحقيقةُ هي أنَّكُم إنْ تَتَبَّعتُم أحداثَ سِفْر الرُّؤيا ستَرَوْنَ مُؤشِّراتٍ واضحةً جدًّا على تَصاعُدِ هذهِ الحرب. والأصحاحُ التَّاسعُ مِن سِفْر الرُّؤيا يَتحدَّثُ عن جيشٍ قِوامِهُ مِئَتا مَليون جُنديّ يَتقدَّمونَ ويَصنعونَ مَذبحةً مُريعةً جدًّا جدًّا فيَقتُلونَ ثُلْثَ البشرِ في العدد 18. ثُمَّ إنَّكُم تَقرأونَ مَرَّةً أخرى في الأصحاح 16 مِن سِفْر الرُّؤيا والعدد 13 مُؤشِّرًا آخرَ على الشَّيءِ نَفسِه. فالأمرُ لن يَقتصِرَ فقط على زَحْفِ مُلوكٍ مِنَ الشَّرق، بل إنَّنا نَقرأُ: "وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ، فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ". لِذا، يُمكنكم أن تَرَوْا أنَّ الأمرَ يَنتهي في النِّهاية في هَرْمَجَدُّون. لِذا فإنَّ حَربًا ستَندلِع وتَتصاعَد إلى أن تَبلُغَ هَرْمَجَدُّون.
أمَّا ألمُ الولادةِ الَّذي يَلي ذلكَ فيُمكنكم أن تُلاحِظوهُ في إنجيل مَتَّى والعَددَيْن 7 و 8 إذْ نَقرأُ أنَّهُ ستَحدُثُ في أماكِن مُختلفة مَجاعاتٌ وزلازِل. وَهُوَ يَقولُ إنَّ كُلَّ تلكَ الأشياء هي مُبتدأُ الأوجاعِ فقط. لِذا، في الألمِ الثَّالثِ مِن آلامِ الولادةِ، ستَحدُثُ مَجاعاتٌ وزَلازِل. وسوفَ نُسَمِّي ذلكَ: "كَوارِث طَبيعيَّة". كَوارِث طَبيعيَّة. وقد رأى يوحنَّا الشَّيءَ نَفسَهُ. افتحوا على سِفْر الرُّؤيا والأصحاحِ السَّادس. فالخَتْمُ الثَّالثُ يُشبِهُ الألمَ الثَّالث. فهناكَ فَرَسٌ أسود، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِه. وتَقرأونَ في العددِ السَّادسِ: "ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا". فهذهِ هي أسعارُ الحَاجيَّاتِ في المَجاعة عندما يَصيرُ الطَّعامُ غَالي الثَّمن جدًّا حَتَّى إنَّ النَّاسَ لن يَتمكَّنوا مِن شِرائِهِ لأنَّهُ شَحيحٌ جدًّا. لِذا فإنَّ يوحنَّا يَرى في الخَتْمِ الثَّالثِ نَفسَ الشَّيءِ الَّذي تَحدَّثَ يَسوعُ عَنهُ في المَوجةِ الثَّالثةِ مِنَ الأوجاع. فسوفَ تَحدُثُ مَجاعاتٌ في جَميعِ أنحاءِ العالَم، وكوارِث طَبيعيَّة.
ارجِعوا إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. فالألمُ الرَّابعُ يَأتي في العدد 9: "حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي". فسوفَ يَحدُثُ اضطِهاد. فسوفَ يَحدُث هذا الأمرُ أيضًا. فسوفَ يكونُ هُناكَ مُؤمنونَ في ذلكَ الوقت تَجاوبوا معَ بِشارةِ الإنجيل مِن خلالِ الشَّاهِدَيْنِ المَذكورَيْن في سِفْر الرُّؤيا والأصحاحِ الحادي عشر، أو رُبَّما تَجاوبوا معَ بِشارةِ الإنجيلِ مِن خلالِ المَلاكِ، أيْ ذلكَ المَلاكِ الَّذي يَطيرُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ ومَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّة. أو رُبَّما يَستَمِعونَ إلى المُنادي الَّذي يُنادي بمَجيءِ يَومِ الرَّبِّ ويَكونُ هُناكَ أشخاصٌ يُؤمنون. ومِنَ المؤكَّدِ أنَّ إسرائيلَ ستَخلُص. وسوفَ يكونُ هُناكَ جَمْعٌ كبيرٌ مِنَ الأُممِ لا يَستطيعُ أحدٌ أن يَعُدَّه (كما هو مَذكور في سِفْر الرُّؤيا والأصحاحِ السَّابع). لِذا، سوفَ يكونُ هُناكَ أشخاصٌ يَخلُصونَ ويَنقلِبُ العالَمُ ضِدَّهُم، ويُبغِضُهُم، ويَضطهِدُهُم.
ونَجِدُ ما يُوازي ذلكَ في سِفْر الرُّؤيا والأصحاحِ السَّادس. أَلاَ نَظرتُم مِن فَضلِكُم إليه؟ ففي الخَتْمِ الرَّابعِ يَتحدَّثُ يوحنَّا أكثر عنِ الكَوارثِ الطَّبيعيَّة. وسوفَ يَموتُ رُبْعُ النَّاسِ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ؛ ولكنَّ الخَتْمَ الخامِسَ يُوازي الألمَ الرَّابع: "رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ". فيُمكنكم أن تَقرأوا هُناكَ عن أولئكَ القِدِّيسينَ الشُّهداء.
لِذا، أَلاَ رَكَّزتُم مَعي؟ ففي البداية، سيكونُ هُناكَ انتشارٌ واسعٌ للمُعلِّمينَ الكذبة الَّذينَ سيَخرُجُ مِنهُم ضِدُّ المسيحِ الَّذي سيُبرِمُ مُعاهدةً معَ إسرائيل مُدَّتُها سَبْعُ سَنوات. وسوفَ يَحدُثُ ذلكَ بعدَ أن يَبتدئَ ذلكَ الشُّعورُ الزَّائفُ بالسَّلامِ العالميِّ بالزَّوال. فأولاً، ستكونُ هُناكَ حُروبٌ وأخبارُ حُروب. ثُمَّ إنَّ أُمَّةً ستَقومُ ضِدَّ أُمَّة، ومَملكة ضِدَّ مَملكة. وسوفَ يَتحوَّلُ العالَمُ إلى حَمَّامِ دِماء. وسوفَ تَعقُبُ ذلكَ كَوارث طَبيعيَّة مُرَوِّعة تأتي على العالَمِ مِن خلالِ الزَّلازلِ، وانحلالِ السَّماءِ، وتَلَوُّثِ المياهِ العَذبةِ والمالحة، والدَّمارِ النَّاجِمِ عنِ الجَوائِحِ والأوبئةِ والأمراضِ كَالإيدز وغيرِ ذلك. ثُمَّ إنَّ الوُحوشَ المُفترسةَ ستَفترسُ البشر. وسوفَ يَعقُبُ ذلكَ استشهادُ المؤمنينَ الحقيقيِّين.
ثُمَّ يُمكنكم أن تُلاحظوا في إنجيل مَتَّى 24: 14 أنَّ هُناكَ ألمًا أخيرًا في مُبتدأ الأوجاعِ ذاك: "وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأتِي الْمُنْتَهَى". فسوفَ تَكونُ هُناكَ كِرازة بالإنجيل في كُلِّ العالَم، وإعلانٌ للحَقِّ في كُلِّ العالَم. وكما قُلتُ، سيحدثُ ذلكَ مِن خلالِ الشَّاهِدَيْن، ومِن خلالِ اليهودِ المِئة والأربعةِ والأربعينَ ألفًا المَذكورينَ في سِفْر الرُّؤيا والأصحاحِ السَّابعِ الَّذينَ سيُخَتمونَ وتَتِمُّ حِمايتُهم مِنَ اضطهادِ ضِدِّ المسيحِ لكي يُعلِنوا الحَقَّ، ومِن خلالِ المَلاكِ المَذكور في سِفْر الرُّؤيا 14: 6 و7 الَّذي سيَكرِزُ بالإنجيلِ بطريقةٍ خارقةٍ للطَّبيعة. بعدَ ذلكَ يأتي المُنتَهى. فأنتُم تَقتربونَ حَقًّا مِنَ النِّهاية.
ثُمَّ نَقرأُ في العدد 15 عن رِجْسَةِ الخَرابِ الَّتي تَنبَّأَ عنها دانيال حيثُ إنَّ ضِدَّ المسيحِ سيُظهِر نَواياه الحقيقيَّة، ويَدخُل إلى الهيكل، ويَهدِم العبادةَ اليهوديَّةَ هُناكَ، ويُدَنِّس الهَيكلَ اليهوديَّ، ويُقيمُ نَفسَهُ إلهًا. هذه هي رِجْسَةُ الخَراب. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ: إن كُنتُم هُناكَ، مِنَ الأفضل أن تَهربوا لأنَّهُ لن يكونَ لديكم وقتٌ طويل. فسوفَ تَحدُثُ كُلُّ هذهِ الأحداث. ونَقرأ في العدد 21: "لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ". ففي السَّنواتِ الثَّلاثِ والنِّصف الأخيرة، سيكونُ هُناكَ ضِيقٌ عَظيم. فسوفَ يَزدادُ الارتدادُ جدًّا. وسوفَ يَبتدئُ ضِدُّ المسيحِ في قَتلِ الأشخاصِ الَّذينَ يُؤمِنون. وستزدادُ الدَّينونةُ جدًّا. وأنتُم تَنتقلونَ مِن هذهِ الخُتومِ الخمسةِ الأولى إلى دَينوناتِ الأبواقِ الَّتي ستكونُ شَديدة جدًّا، وفي النِّهاية إلى جَاماتِ الدَّينونة السَّبعة الَّتي ستكونُ مُدمِّرة أكثر مِن غَيرِها إذْ إنَّ آلامَ الولادةِ تلكَ تَقترب وتَقترب وتَقترب، وتَزدادُ حِدَّةً أكثرَ فأكثر، وتَزدادُ ألمًا أكثر فأكثر.
وقد تَقول: "مَهلاً مِن فَضلِك! بالرَّغمِ مِن حُدوثِ هذا كُلِّه، أَلَنْ يُدركوا أنَّ النِّهايةَ اقتربت؟" الجوابُ هو ماذا؟ لا! لا! فَهُم لا يَرَوْنَ اقترابَ النِّهاية. لماذا؟ نَقرأُ في العددِ الخامِس: "بسببِ المُسَحاءِ الكَذبة الَّذينَ يُضِلُّونَهُم". وفي العدد 11: "بسببِ الأنبياءِ الكَذَبة الَّذينَ يُضِلُّونَ كَثيرين". وفي العدد 12: "بسببِ كَثْرةِ الإثْم". بعبارة أخرى، سوفَ يعيشونَ حياةَ الخطيَّة إلى أقصى حَدٍّ مُمكِن. فذاكَ الَّذي وَضَعَ الحاجِزَ قد رَفَعَهُ. وقد أَطلقَت الهاويةُ الشَّياطينَ الَّذينَ فيها. لِذا، سوفَ يَكونُ عَددٌ الشَّياطينِ في العالَمِ آنذاكَ أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ مَضى. وسوفَ تَزدادُ الخطيَّة جدًّا، وسوفَ يُحبُّونَها، ويَنغمسونَ فيها، ويُصدِّقونَ أكاذيبَ الأنبياءِ الكذبة الَّذينَ يقولون: "سَلامٌ وأمان! سَلامٌ وأمان!".
ونَقرأُ في العدد 24 أنَّ مُسَحاءَ كَذَبة وأنبياءَ كَذَبة يَقومون. وكيفَ يَفعلونَ ذلك؟ كيفَ يُضِلُّونَ النَّاس؟ "وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا". فهناكَ عَلاماتٌ شَيطانيَّة مُضِلَّة. فَهُمْ زائفونَ، ومُصطنَعونَ، ورُبَّما كانَ جُزءٌ مِن أعمالِهم شيطانيًّا. فجُزءٌ مِنهُ زائفٌ وكاذِب. وأنا أقولُ لكم إنِّي قَلِقٌ على التَّغلغُلِ المُعاصِرِ للآياتِ والعَجائب. فلا أظُنُّ أنَّها تَجعلُنا مُستعدِّينَ لما يُريدُ اللهُ أن يَصنعَهُ، بل أعتقدُ أنَّها تَجعلُنا مُستعدِّينَ لما يُريدُ ضِدُّ المسيحِ أن يَصنَعَهُ إذْ إنَّهُ يوجَدُ حَتَّى في الكنيسةِ اليومِ أشخاصٌ يُصَدِّقونَ آياتِ أيِّ شخصٍ وعَجائبَ أيِّ شخصٍ دُونَ حَتَّى أن يَفحَصوها في ضَوْءِ كلمةِ الله. وسوفَ يَكونُ هُناكَ أُناسٌ كثيرونَ يَقولونَ ليسوع: "لقد صَنَعنا عَجائبَ كثيرة باسمِك". ولكنَّهُ سيَرُدُّ عليهم قائلاً: "إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!"
ومِنَ المُدهشِ أنَّهُم سيُخدَعونَ بالآياتِ والعَجائب. فيبدو أنَّ كُلَّ العالَم سيكونُ لديهِ فُضولٌ بخصوصِ هذا الأمر. فالكُلُّ يُريدُ ذلك. لِذا فإنَّ الحَركةَ الكارزماتيَّة تَتغلغَل. ولِذا فإنَّ الصُّوفيَّةَ تَتغلغَل. ولِذا فإنَّ العَصرَ الجَديدَ يَتغلغَل. فهي تَعِدُ باختباراتٍ خارقة للطَّبيعة. وهي تَعِدُ بأنَّكَ ستَتلامَسُ مَعَ الشَّياطينِ، وأنَّكَ ستتمكَّنُ مِنَ التَّعمُّقِ والتَّواصُلِ معَ وَسيطٍ رُوحِيٍّ، ومِن رُؤيةِ مُعجزةٍ. فهذا الضَّلالُ مُنتشرٌ في كُلِّ مكان... في كُلِّ مكان. وهو لا يُهَيِّئُ النَّاسَ لمَلكوتِ المسيحِ، بل يُهيِّئُهم لهَيمنةِ ضِدِّ المسيح. وسوفَ يَنهمكونَ في عملِ الخطيَّة ويَلتجِئونَ إلى الأنبياءِ الكذبةِ بَحثًا عنِ إجابات.
وَهُم يَفعلونَ ذلكَ مُنذُ الآن. عندما أذهبُ لِحلاقةِ شَعري أسلُكُ نَفسَ الطَّريقِ إلى نَفسِ الحَلاَّقِ الَّذي أذهبُ إليهِ مُنذُ عشرينَ سنة. وهو صَديقٌ لي. وأنا أَمُرُّ مِن أمامِ بيتٍ يَعرِضُ لافِتَةً صغيرةً في الخارجِ تَقول: "وَسيطٌ رُوحيٌّ! قِراءة الطَّالِع، مَعرفة المُستقبل". وقد مَرَرْتُ مِن أمامِ ذلكَ البيتِ سنواتٍ طويلة. وكانَتِ الأعشابُ الضَّارَّةُ تَنمو هُناكَ، والمنزلُ يبدو مُتَصَدِّعًا وخَرِبًا. فيبدو أنَّ العملَ لم يَكُن جَيِّدًا كما هو واضح. والحقيقةُ هي أنَّني لم أَعُدْ أُبالي بوجودِ ذلكَ المنزل كثيرًا بعدَ ذلك. ولكنِّي ذَهبتُ قبلَ مُدَّة إلى الحَلاَّقِ ومَررتُ بجانبِ ذلكَ البيت فلاحَظتُ أنَّ أحدًا أعادَ تَرتيبَ المَكانِ مِنَ الخارِجِ، وقامَ بِطِلائِهِ، ووَضَعَ لافتةً جديدةً، وأنَّهُ تُوجَدُ سَيَّارتين مِن طِراز مِرسيدس أمامَهُ! وقد استنتجتُ أنَّ العملَ التِّجاريَّ مُزدهر. فهذا عالَمٌ مُشَوَّشٌ جدًّا، ومُضطرب يَبحثُ عن إجابات. وهناكَ مَبلغُ ينبغي أن يَدفعَهُ هؤلاءِ إلى العَرَّافينَ أو قارِئي البَختِ أوِ الوُسطاءِ أوِ قارِئي الطَّالِع. وأنتُم تَعلَمونَ ذلك. لِذا، سوفَ يَنشرونَ أكاذيبَهُم. وسوفَ يَكونُ الأمرُ سَهلاً جدًّا.
وما زِلتُ أَذكُرُ أنِّي قَرأتُ قبلَ سَنواتٍ طَويلة كِتابًا كَتَبَهُ وَسيطٌ رُوحِيٌّ. وقدِ ادَّعى الوسيطُ الرُّوحيُّ أنَّهُ استَوحي مَادَّةَ هذا الكِتابِ مِن رُوحٍ شَيطانيٍّ زَوَّدَهُ بمادَّةِ الكِتاب. وقد كانَ الكِتابُ مُدهشًا. وقد أَطلَعَني عليهِ شخصٌ خَلَّصَهُ اللهُ مِن أعمالِ الظُّلمة. وفي الكِتابِ، يُعطي هذا الشَّيطانُ رسالةً تُبَيِّنُ سَببَ حُدوثِ الاختطاف. فقد قالَ هذا الشَّيطانُ: "ذاتَ يومٍ، سنَتخلَّصُ مِن جَميعِ المسيحيِّينَ مِنَ الأرضِ كي يَتمكَّنَ العالَمُ مِنَ الانتقالِ إلى أعلى مُستوياتِ قُدرتِه". فإن ظَننتُم أنَّهُ بعدَ حُدوثِ الاختطافِ ومُغادرةِ المسيحيِّينَ فإنَّ جَميعَ النَّاسِ في العالَمِ سيَركضونَ إلى المسيحِ فإنَّكُم على خطأ. فالأنبياءُ الكَذبةُ سيَظهرونَ ويقولونَ إنَّ هؤلاءِ المسيحيِّينَ الَّذينَ عَطَّلوا تَقَدُّمَنا زَالوا مِن طَريقِنا. لِذا، يُمكنُنا أن نَنتقلَ إلى العصرِ الجديد. وعندما يَبتدئُ هذا العالَمُ بالانهيار فإنَّهُم سَيُفسِّرونَ ذلكَ بأنَّهُ زَوالُ القَديمِ مِن أجلِ حُلولِ الجَديد. لِذا فإنَّ النَّاسَ سيَنهمِكونَ في فِعلِ الخطيَّةِ ويَستمرُّونَ فيها كالمُعتاد.
انظُروا إلى العدد 37. فهذا مُدهش! مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 24: "وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ...". ما مَعنى ذلك؟ أنَّ الحياةَ تَسيرُ كَالمُعتاد. فَهُم يأكُلونَ ويَشربونَ ويَهتمُّونَ بالحاضرِ فقط. وَهُم يَتزوَّجونَ ويُزَوِّجونَ إشارةً إلى أنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّهُم سيَعيشونَ وقتًا طَويلاً. فَهُم يَعيشونَ كالمُعتاد. تَمامًا كما كانوا في أيَّامِ نُوح. فقد كَرَزَ نُوحٌ بالبِرِّ مِئةً وعشرينَ سنة؛ ولكنَّهُم استمرُّوا في العَيشِ كالمُعتاد. وبعدَ مِئةٍ وعشرينَ سنة مِن تَحذيرِهم بأنَّ ذلكَ الطُّوفانَ سيأتي، هَلَكوا جميعًا. فلم يُصَدِّق أحدٌ ذلك. فقد كانَ أنبياؤُهُم الكذبة يُخبرونَهُم بأكاذيبَهُم. لِذا فإنَّهُم سيَفعلونَ ليسَ هذا فقط، بل إنَّنا نَقرأُ في العدد 40 أنَّهم سيَكونونَ آنذاكَ يَعمَلونَ في الحَقلِ، وأنَّ بعضًا مِنهُم سيَكونونَ مُنهَمِكينَ في الطَّحنِ أو في العملِ في المَصنعِ حينَ يَحدُثُ ذلك. فَهُم لن يَتوقَّعوه.
ونَجِدُ في إنجيل لوقا 17: 26 نَصًّا مُوازِيًا. فَلُوقا يُدَوِّنُ كلماتِ رَبِّنا: "وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيع. كَذلِكَ أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ، وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ". فقد كانوا يَفعلونَ ما كانوا يَفعلونَهُ عادةً. "وَلكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ [واللهُ يُخَلِّصُ شَعبَهُ دائمًا قبلَ حُلولِ دَينونَتِه]، أَمْطَرَ نَارًا وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ". وقد تَمَّ تَحذيرُهم أيضًا. فكما أنَّهُ حَذَّرَ النَّاسَ في زمنِ نُوح فإنَّ النَّاسَ في المُستقبَل سيَتلَقَّوْنَ تَحذيرًا بقُربِ مَجيءِ يومِ الرَّبِّ؛ ولكنَّهُم سيَتجاهلونَهُ.
وقد تَقول: "كيفَ يُعقَلُ أن يُخدَعوا هكذا؟ كيفَ يُعقَلُ هذا؟" أوَّلاً، هُناكَ أنبياء كَذَبة لديهم. فقبلَ كُلِّ شيء، هُناكَ أنبياء كَذبة لديهم. واسمعوني: إنَّ النَّاسَ يُصَدِّقونَ ذلكَ عندما يُمكِنُكَ أن تُريهم آياتٍ وعَجائب. ولكن استمعوا قليلاً إلى ما جاءَ في سِفْر الرُّؤيا 13: 8: "فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْض"؛ أيْ أنَّهُم سيَسجُدونَ للوَحش أو ضِدِّ المسيح. فسوفَ يَسجُدونَ جَميعًا لَهُ. ثُمَّ نَقرأُ في العدد 11: "ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ". وهذا هو النَّبيُّ الكَذَّابُ الَّذي يأتي في المَرتبةِ الثَّانيةِ مِن جِهَةِ السُّلطَة. "وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ". فَهُوَ نائبُ الوَحش. ونُتابِعُ قِراءةَ العدد 12: "وَيَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّل". فسوفَ يُصَدِّقونَ ضِدَّ المسيحِ وكُلَّ أنبيائِهِ الكَذبة بِمَن فيهم هذا. ولكن كيفَ سيَفعل ذلك؟ نَقرأُ في العدد 13: "وَيَصْنَعُ [ماذا؟] آيَاتٍ عَظِيمَةً". اسمعوني يا أحبَّائي: احذروا مِن حَركةِ الآياتِ والعَجائب. "حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ، وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ الْوَحْش". فسوفَ يُصَدِّقونَهُ بسببِ ما يَستطيعُ أن يَفعلَهُ.
ولكن يوجد عُنصرٌ آخر. أجل، عُنصرٌ آخر. فنحنُ نَقرأُ في الرِّسالة الثانية إلى أهلِ تسالونيكي والأصحاحِ الثَّاني أنَّ هُناكَ عُنصرًا آخرَ في ضَلالِهم. وهذا صَاعِقٌ. فسوفَ يأتي ضِدُّ المسيحِ: "بِكُلِّ قُوَّةٍ [رسالة تسالونيكي الثانية 2: 9]، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا". فهُناكَ الشَّيطانُ، وضِدُّ المسيحِ، والنَّبيُّ الكَذَّابُ، والمُعلِّمونَ الكذبة يَصنعونَ كُلَّ تلكَ الآياتِ والعَجائبَ مِن حَولِهم. وكُلُّ الأشخاصِ المَخدوعينَ والعُميان الَّذينَ رَفضوا الخَلاصَ سيُخَدعونَ ويُصَدِّقونَ ذلكَ كُلَّهُ. أليسَ كذلك؟ وهُناكَ عُنصرٌ آخر إذْ نَقرأُ في العدد 11: "وَلأَجْلِ هذَا [أيْ لأنَّهُم رَفضوا الحَقَّ والخَلاصَ] سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ". أليسَت هذهِ الكلماتُ مُدهشة؟ فهذا يَخْتِمُ دَينونَتَهُم. لِكَيْ يُدَانُوا جَمِيعًا. لماذا؟ لأنَّهُم "لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ [فَعلوا العَكسَ تَمامًا إذْ إنَّهُم] سُرُّوا بِالإِثْم". لِذا، بالرَّغمِ مِن كُلِّ آلامِ الولادةِ فإنَّهُم يَقولونَ: "سَلامٌ وأمان! سَلامٌ وأمان!".
وهذا صَادِمٌ. أليسَ كذلك؟ وهذا نَمَطٌ سائدٌ في العهدِ القديم. فعندما يَقولُ اللهُ إنَّ يومَ الرَّبِّ آتٍ فإنَّ ذلكَ يَعني مَجيءَ الدَّينونةِ الأخيرةِ الشَّديدة. كذلكَ فإنَّ الآياتِ الَّتي تَتحدَّثُ عن يَومِ الرَّبِّ في العهدِ القديمِ وتَتطلَّعُ إلى اليومِ المُستقبليِّ الأخيرِ للرَّبِّ تَنظُرُ أيضًا إلى حَدثٍ تاريخيّ. بعبارة أخرى، كانَ يوجدُ يَومٌ تاريخيٌّ دَانَ اللهُ فيهِ غيرَ المُؤمنين. وإن رَجعتُم ونَظرتُم إلى عَددٍ مِن هذهِ الآياتِ ستَرَوْنَ أنَّهُ قبلَ أن يأتي يومُ الرَّبِّ التَّاريخيِّ ذاكَ، وَقَعَتْ أحداثٌ طَبيعيَّة، أو كَوارِث طَبيعيَّة، وحُروب، وهَجَمات سَبَقَت يومَ الرَّبِّ الأخيرِ ذاك. ويُمكنُكم أن تَرَوْا ذلكَ النَّمَطَ في ما قُلتُهُ لكُم اليوم.
لِذا فإنَّآلامَ الولادة والسِّفْرَ يَكشفانِ عن تلكَ الأشياءِ الَّتي تُشيرُ إلى أنَّ الدَّينونةَ قادِمَة. والآن، انظروا بسُرعة إلى رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاحِ الخامِس إذ سنتحدَّثُ عن سِمَةِ يَومِ الرَّبّ. فالأمرُ بَسيطٌ جدًّا إذْ نَقرأُ في العددِ الثالثِ عن سِمَتِهِ. فسوفَ يَجلِبُ [كما يَقولُ العددُ الثَّالثُ] دَمارًا... دَمارًا. وقد استُخدِمَت الكلمة "أوليثروس" (olethros) ومَعناها: "هَلاك" أو "دَمار" في التَّرجمةِ السَّبعينيَّةِ للإشارةِ إلى دَمارٍ مُستقبليّ. وهي لا تَعني: "فَناء"، بل تَعني هَلاك مِن وَجهِ الرَّبّ، أو دَمار كاملا لا رَجاءَ فيه، وفُقدانَ كُلِّ شيء. فهي لا تُشيرُ إلى الفَناءِ مِنَ الوُجود، بل إلى هَلاكِ الإنسان. وهي لا تُشيرُ إلى نِهايةِ الوُجودِ، بل إلى زَوالِ القَصدِ مِنَ الوُجود. فاللهُ سيُهلِكُهم ويُدمِّرُهم جسديًّا، ويَطرَحُهم في جَهنَّم. هَلاك.
لاحِظوا أنَّ الآيةَ تَقول: "حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاكٌ". ألستُم فَرِحينَ لأنَّها لا تَقولُ إنَّهُ سيُفاجِئُنا نحن؟ فهو سيُفاجِئُهم هُم، لا نَحن. ونَقرأُ في العددِ الرَّابع: "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ كَلِصٍّ". فنحنُ لن نَكونَ هُناكَ كي يُدرِكَنا يومُ الرَّبّ، بل سنكونُ قدِ اختُطِفنا. فقد غَادَرنا في الأصحاحِ الرَّابع. لِذا فإنَّنا لَسنا مَوجودينَ في الأصحاحِ الخامِس. فسوفَ يأتي ذلكَ اليومُ بَغتةً ومِن دُونِ إشعارٍ مُسبَق كالبَرق. وسيكونُ هُناكَ هَلاكٌ كما رأينا للتَّوّ. وسوفَ تُظلِمُ السَّماءُ ويَبتدئُ كُلُّ شيءٍ بالانحلال؛ أي كُلُّ شيءٍ في العَالَمِ الطَّبيعيِّ المُحيطِ بالبشر.
ونَجِدُ وَصفًا تَصويريًّا بَليغًا لهذا اليومِ في نِهايةِ الأصحاحِ السَّادسِ حَتَّى إنِّي أريدُ أن أقرأَهُ وَحَسْب على مَسامِعِكُم: "وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، [وكانت زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ قد حَدَثَتْ]، وَالْقَمَرُ صَارَ كَالدَّمِ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ التِّينِ سُقَاطَهَا إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ. وَالسَّمَاءُ انْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفّ، وَكُلُّ جَبَل وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا". وهذا مُدهشٌ جدًّا وخارقٌ للطَّبيعة. "وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرّ [أيْ: الجَميع]، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: «اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْخَرُوفِ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟»". وعندما يُفتَحُ الخَتْمُ السَّابعُ في الأصحاحِ الثَّامنِ والعددِ الأوَّل، نَقرأُ أنَّ هُناكَ سُكوت. سُكوت!
وإذا كُنتُم تَذكُرونَ ما جاءَ في سِفْر يُوئيل، وما جاءَ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والأصحاحِ الثَّاني، لعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ يومَ الرَّبِّ يَتَّسِم بوجودِ دَمٍ ونارٍ ودُخان. وعندما تَقرأونَ سِفرَ الرُّؤيا في وقتٍ ما، انظروا كيفَ أنَّهُ يَذكُرُ مِرارًا كثيرة الدَّمَ والنَّارَ والدُّخانَ الَّتي تُؤدِّي إلى مَجيءِ يومِ الرَّبّ. فهذه الدَّينونةُ ستكونُ دَمًا، ونارًا، ودُخانًا، وظُلمةً، وزَلزلةً، وأوبئةً، وبَرقًا، ورَعدًا، وبَرَدًا. وهي ستُهلِكُ الأشرار.
والحقيقةُ هي أنَّهُ قبلَ أن يَنتهي يومُ الرَّبِّ في مَرحلتِهِ الثَّانيةِ، فإنَّ بُطرسَ يَقولُ إنَّ السَّماواتِ ستَزولُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا حَتَّى إنَّ اللهَ سيَخلِقُ سماءً جَديدةً وأرضًا جَديدة. فهكذا سيكونُ الدَّمار. وهذا هو المَصيرُ الَّذي يَنتظِرُ التَّاريخَ يا أحبَّائي. هذا هو المَصيرُ الَّذي يَنتظرُ التَّاريخ. والأنبياءُ الكذبةُ [كما يَقولُ بُطرس] يَظُنُّونَ أنَّهُم أذكياء جدًّا إذْ إنَّهُم يَقولون: "أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَة". فهناكَ نَظرة عالميَّة إلحاديَّة تُؤمِنُ بنظريَّةِ النُّشوءِ والارتقاء. فكُلُّ شيءٍ باقٍ على حَالِهِ كما هيَ الحالُ دائمًا. أو رُبَّما هُناكَ نَظريَّة الدَّورات المُتكرِّرة الَّتي تقولُ إنَّ كُلَّ شيءٍ يَدورُ في نَفسِ الدَّوائرِ القديمةِ دُونَ تَغيير. حَقًّا؟ سوفَ تَتغيَّر بكُلِّ تأكيد. سوفَ تَتغيَّر في يومِ الرَّبّ.
لاحِظوا مِن فَضلِكُم العددَ الثَّالث؛ وهي مُلاحظة أخرى تَختصُّ بهذه النُّقطةِ الثَّانية. فسوفَ يأتي يومُ الرَّبِّ، وسوفَ يأتي بَغْتَةً، ثُمَّ انظروا إلى ما يَلي: سوفَ يأتي مِثلَ ماذا؟ مِثلَما تأتي آلامُ الولادةِ للمرأةِ الحُبلَى. ألم نَسمَع بالمخاضِ مِن قَبل؟ سوفَ يَبتدئُ يومُ الرَّبِّ في الحقيقة بماذا؟ بآلامٍ تُشبِهُ المَخاض. فهذا هو ما نَتوقَّعُهُ مِن هذا اليومِ العَظيمِ والمُريعِ والمَخوفِ الَّذي يَتَكَشَّفُ في الخَتمِ السَّادس. ولكنَّ كُلَّ الأشياءِ الَّتي ستَحدُثُ قَبلَهُ هي جُزءٌ مِن آلامِ الولادةِ الَّتي تَقودُ إلى تلك اللَّحظة. فهي آلامٌ مُفاجِئَة ومُتكرِّرة تَزدادُ حِدَّةً إلى أن يأتي يومُ الرَّبّ. فهو آتٍ. وهذهِ هي سِمَتُهُ.
ثالثًا، وبإيجاز: اكتِمالُهُ. فكم ستكونُ الدَّينونةُ شاملةً؟ لقد أخبرتُكم بأنَّها ستُهلِكُ في النِّهاية كُلَّ الكَون. فلن يَنجو أحدٌ، بل إنَّنا نَقرأُ في نِهايةِ العددِ الثَّالث أنَّهُم ماذا؟ "لا يَنْجُون". مَن هُم هؤلاء؟ نَفسُ الأشخاصِ الَّذينَ صَدَّقوا ضِدَّ المسيحِ وجَميعَ أنبيائِهِ الكَذَبة، وصَدَّقوا أكاذيبَهُم عنِ السَّلامِ والأمان. فَهُم نَفسُ الأشخاصِ الَّذينَ سيَهلِكون. والكلمة المُستخدمة هُنا هي "إكفيوغو" (ekpheugo)؛ وهي نفسُ الكلمة الَّتي اشتُقَّت مِنها الكلمة "هَارِب" مع إضافةِ "إيك" (ek) إليها. فَهُم لن يَتمكَّنوا مِنَ الهَربِ أوِ الفَرارِ تَمامًا، أوِ النَّجاة. فَهُم لن يَتمكَّنوا مِنَ الهرب. فعندما يأتي يومُ الرَّبِّ، لن يَتمكَّنَ أيُّ شخصٍ مِنَ النَّجاةِ البَتَّة – البَتَّة. ويا لَهُ مِن مَقطعٍ مُهمٍّ ينبغي تَذكيرُ النَّاسِ به.
وفي إنجيل مَتَّى 13: 41 قالَ يَسوع: "يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَان". وفي العدد 49: "هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ الْعَالَمِ: يَخْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَيُفْرِزُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّار". فلن يَنجو أحد. لا أحد. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ الجُملةَ الصَّارمةَ الَّتي كتَبَها كاتبُ الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّين: "فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ؟" وسوفَ يَصرُخُ كُلُّ المُلوكِ وَالعُظَمَاءِ والحُكَّامِ والأحرارِ والعَبيدِ وكُلِّ شخصٍ قَائِلينَ لِلجِبالِ أن تَسقُطَ عليهم؛ ولكنَّ أيًّا مِنهُم لن يَنجو – البتَّة!
في الخِتام، هُناكَ كَلماتٌ مُعَزِّية إذْ نَقرأُ في العَددِ الرَّابع: "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ كَلِصٍّ. جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْل وَلاَ ظُلْمَةٍ". أليسَت هذهِ الكلماتُ رائعةً؟ فنحنُ لن نَكونَ هُناكَ في الظَّلام، ولن نَكونَ هُناكَ لِنُباغَتَ بذلكَ اليوم؛ بل إنَّنا أبناءُ نَهار. والعَددُ التَّاسعُ يَقولُ ذلك: "لأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا [لِمَاذا؟] لِلْغَضَبِ، بَلْ لاقْتِنَاءِ الْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح". دَعونا نَحني رُؤوسَنا حتَّى نُصَلِّي:
يا أبانا، إذْ نُفَكِّرُ في هذهِ الكلماتِ نَجِدُ أنَّها حَقيقة رائعة ولا بُدَّ أن تَترُكَ تأثيرًا في كُلِّ ما نَفعلُهُ بحياتِنا. وحيثُ إنَّ هذا صَحيح، لا أريدُ أن أقضي حَياتي في القيامِ بأيِّ شيءٍ آخر سِوى ما أفعلُهُ وهو أن أُحَذِّرَ أكبرَ عَددٍ مُمكنٍ مِنَ النَّاسِ مِن هذهِ الدَّينونةِ القادِمَة. فحتَّى في هذا اليومِ وهذا المَكان، هناكَ أشخاصٌ سَمِعوا صَوتي ولن يَختبروا اختطافَ اللهِ لكنيستِهِ الغالية على قَلبِه؛ أيِ أنَّهُم لن يَشهَدوا اختطافِ المؤمنينَ لأنَّهم لم يُؤمِنوا بالحَقِّ، بل استمرُّوا في خَطاياهُم وشُرورِهم. لِذا فإنَّهم سيَختبرونَ دَينونتَك إمَّا في يومِ الرَّبِّ إن عَاشوا حَتَّى ذلكَ اليوم، أو في جَهنَّمَ الأبديَّةَ إن مَاتوا قبلَ ذلك. ولكن يا أبانا، نحنُ نُصَلِّي ألاَّ يَحدُث ذلك، وألاَّ يَسمعَ أحدٌ هذهِ الرسالةَ ويُديرَ ظَهرَهُ للخلاصِ الَّذي بالمسيح. نَشكُرُكَ على الرَّبِّ يَسوعَ الَّذي جاءَ إلى هذا العالَمِ لكي يَدفعَ أُجرةَ خَطايانا ويُقدِّمَ لنا الحياةَ الأبديَّةَ مِن خلالِ قِيامتِه. وليتَنا نَكرِز يا رَبُّ بأمانةٍ بإنجيلِ الخلاصِ للهالِكينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساء عَسَى أن يَعرفوا أنَّهُم إن تَابُوا عن خَطاياهُم وقَبِلوا عَطيَّةَ الخلاصِ الَّتي يُقدِّمُها الرَّبُّ يَسوعُ وتَبِعوه، فإنَّهم سيَنتقلونَ مِن مَلكوتِ الظُّلمةِ إلى مَلكوتِهِ، ويَنتقلونَ مِنَ الموتِ إلى الحياة. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.