
لِنَفتَح كُتُبَنا المُقَدَّسَةَ في هذا المَساء، فيما نَدرسُ كلمةَ اللهِ مَعًا، على رِسالةِ بُطرسَ الثَّانيةِ والأصحاحِ الثَّالث. فَنَحنُ نَعودُ إلى سِلسِلَتِناعن حَتميَّةِ المَجيءِ الثَّاني. وَبالمُناسَبَة، هَذا هُوَ الجُزءُ الثَّالثُ في هذهِ السِّلسلة. رِسالة بُطرس الثَّانية والأصحاح الثَّالث. بِصِفَتِنا مَسيحيِّينَ، مِنَ الواضِحِ لَنا جميعًا أنَّنا نَترقَّبُ، بِحَسَبِ إعلانِ الكتابِ المقدَّسِ، عَودةَ يَسوعَ المَسيح. ولكِنَّ هَذا المَوضوعَ لا يَنحَصِرُ في رَأيي في كَونِهِ جُزءًا مِن عَقيدَتِنا، بَل إنَّهُ أيضًا جُزءٌ مِن شَوقِ قُلوبِنا.
فنَحنُ المُؤمِنينَ نَتوقُ إلى اليومِ الَّذي سيَعودُ فيهِ الرَّبُّ يَسوعُ ويأخُذُ خَاصَّتَهُ لِيَكونوا مَعَهُ قبلَ أن يَدينَ خُطاةَ العَالَمِ ويُؤسِّسَ مَلكوتَهُ وبِرَّهُ الأبديّ. فبالنِّسبةِ إلى الأشخاصِ الَّذينَ يُسَمُّونَ حَقًّا اسمَ يسوعَ المسيحِ، هَذا الرَّجاءُ مَوجودٌ في صَميمِ إيمانِهم. أمَّا بالنِّسبةِ إلى المُستهزِئينَ والمُتَهَكِّمينَ الَّذينَ يُهاجِمونَ المَسيحيَّةَ، هُناكَ سُخريةٌ مُستمرَّةٌ مِن هذهِ العَقيدةِ وَهذا التَّرَقُّب.
وَنَجِدُ أنَّ هَذهِ السُّخريةَ هِيَ مَوْضوعُ نِقاشِ بُطرسَ هُنا في هذا الأصحاح. ولا شَكَّ في أنَّكُم تَذكرونَ مَا جَاءَ في العَددِ الثَّالثِ عنِ المُستهزِئينَ الَّذينَ جَاءوا بِسُخريتِهم وَقَالوا في العَددِ الرابع: "أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟" فإحدى الهَجَماتِ الَّتي وَجَّهَها المُعَلِّمونَ الكَذبةُ والمُستهزِئونَ والسَّاخِرونَ على مَرِّ العُصورِ تَخْتَصُّ بِعَقيدةِ عَودةِ يسوعَ المسيح. ولنفتَرِض وَهْلَةً أنَّهُم على صَواب. لِنَفترِض أنَّ يَسوعَ لن يَعودَ. ولنفترِض أنَّ يَسوعَ لم يَقُم في الحَقيقةِ مِنَ الأمواتِ وَأنَّهُ لن يَعودَ لأنَّهُ مَيِّت.
فَكِّرُوا في العَواقِب. فَالخَطأُ لَن يَصيرَ يَومًا صَوابًا. والظُّلْمُ في هَذا العالَمِ لَنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ الإنصافُ والعَدل. والألمُ لَن يُكافَأَ في هَذا العالَم. واللَّعنَةُ الَّتي حَلَّتْ على هذا العَالَمِ لَن تُرفَع. والفِرْدَوْسُ المَفقودُ لَنْ يُستَرَدَّ ثَانيةً. والرَّجاءُ المَوجودُ في قَلبِ الإنسانِ بأنَّهُ ستَكونُ هُناكَ حَياةٌ أفضل سيَكونُ مُجَرَّدَ حُلْم. والتَّوْقُ إلى عَالَمٍ أفضل سيَكونُ مُجَرَّدَ وَهْم.
فإنْ كَانَ هَذا هُوَ كُلُّ مَا سَيَحدُث، أيْ إنْ كانَ العَالَمُ الشِّرِّيرُ المُتَقَهْقِرُ سَيَسيرُ مِن سَيِّءٍ إلى أَسوأ، وإن لم يَكُن هُناكَ تَغييرٌ نَتَرَقَّبُهُ، وَلا تَعديلٌ، وَلا تَحويلٌ، وَلا عَالَمٌ أفضل، وَلا حَياةٌ أفضل، وَلا نِهاية للألم، وَلا نِهاية للمرض، وَلا نِهاية للمَوت، وَلا نِهاية لخيبةِ الأمل؛ إنْ كانَ هذا كُلُّهُ صَحيحًا فإنَّ الخَطيَّةَ سَتَسودُ، والشَّيطانُ سيَنتصرُ، والكَونُ سيَستمرُّ في السَّيرِ في طَريقِ هَلاكِه. وَما الغَايَةُ مِن ذلك؟ وَمَا الغَايَةُ الَّتي تُرْجَى مِنْ هَذهِ الحَياةِ وَهَذا العَالَم؟
والسُّؤالُ الحَقيقيُّ هُوَ: هَل يُمكِنُنا أن نَحْتَمِلَ مِثلَ هَذا الاعتقاد؟ وَهَل مِنْ الصَّوابِ أنْ نُقْدِمَ على الانتِحارِ مِنْ خِلالِ الاعتقادِ بأنَّهُ لا يُوجَدُ حَلٌّ حَقيقيٌّ، وَبأنَّ الأشياءَ المَغلوطَةَ لَن تُصَحَّح؟ وَهَل يُمكِنُنا حَقًّا أن نَقبَلَ وُجهَةَ نَظَرِ المُستهزِئينَ دُونَ أن نُحَطِّمَ كُلَّ أَمَلٍ لَدينا ودُونَ أن نَجعلَ الوُجودَ البشريَّ مُجَرَّدَ هُراء؟ فقد وَصَلَ المُعَلِّمونَ الكَذبةَ في زَمَنِ بُطرسَ إلى نُقطةٍ في هَرطَقَتِهم هَاجَمُوا فيها المَجيءَ الثَّاني. وَمِن بينِ كُلِّ البِدَعِ الَّتي عَلَّموها، يَبدو أنَّ ذِروةَ تَعليمِهم الزَّائِفِ كَانَتْ تَتَلَخَّصُ في إنكارِ عَودةِ يَسوعَ المَسيح.
وَرُبَّما كَانَ ذلكَ يَعني أيضًا أنَّهُم كَانُوا يُنكِرونَ قِيامَتَهُ المَادِّيَّةَ أوِ الحَرفيَّةَ في الجَسَد. ولكِنْ مِنَ المُؤكَّدِ أنَّهُم كَانُوا يُنكِرونَ أنَّهُ سيَعود. وَقد فَاقَ إنكارُهُم هَذا أيَّ إنكاراتٍ أُخرى كَانَتْ جُزءًا لا يَتجزَّأُ مِن هَرطَقتِهم. فَمِنَ الواضِحِ أنَّ إنكارَ المَجيءِ الثَّاني أدَّى في النِّهايةِ إلى تَشويهِ عَقيدتِهم وإنكارِ الكتابِ المقدَّس. لِذا، حيثُ إنَّ بُطرسَ كَانَ يَكتُبُ هذهِ الرِّسالةَ الثَّانيةَ للرَّدِّ على المُعَلِّمينَ الكَذَبَة، لا بُدَّ أن يُعالِجَ في الأصحاحِ الثالثِ هذهِ المَسألةَ لأنَّها كانَتْ ذِروةَ تَعليمِهِم المُضِلّ.
وَلَعَلَّكُم تَذكرونَ مَا جَاءَ في الأصحاحِ الأوَّلِ إذْ إنَّ بُطرسَ ذَكَرَ لَنا مَجموعَةً مِنَ التَّدابيرِ الاحتِرازِيَّةِ مِنَ المُعَلِّمينَ الكَذَبة. وَهِيَ تَدابيرٌ احتِرازِيَّةٌ مِثلَ أن تَعيشَ حَياةً مُقَدَّسَةً خَاضِعَةً لسُلطانِ كلمةِ اللهِ، وَأنْ تَتَيَقَّنَ مِن أنَّكَ مُخَلَّصٌ حَقًّا وتَعرِفَ حَالَتَكَ الرُّوحيَّة. ثُمَّ إنَّهُ يَصِفُ لَنا في الأصحاحِ الثَّاني المُعَلِّمينَ الكَذَبَةَ بتَفصيلٍ دَقيقٍ لكي يَصيرَ بِمَقدورِنا أن نَعرِفَهُم. والآن، في الأصحاحِ الثَّالثِ، يُدافِعُ بُطرسُ عَن الإيمانِ في وَجْهِ أكبرِ ضَلالَةٍ كَانُوا يُرَوِّجونَ لَها؛ أيْ في وَجْهِ الهُجومِ على عَودةِ يَسوعَ المَسيح.
وإذْ نَصِلُ إلى الأصحاحِ الثَّالثِ، نَقرأُ حَالاً عَن ذلك. وَلَعَلَّكُم تَذكرونَ الآنَ أنَّ بُطرسَ افتَتَحَ هَذا الأصحاحَ بالتَّركيزِ على الجَدَلِ في الأعدادِ مِن 1 إلى 9؛ وَهُوَ الجَدَلُ القَائِمُ بينَ المُستهزِئينَ وَالأشخاصِ الَّذينَ يُعَلِّمونَ الحَقَّ. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ جُملةً يُؤكِّدُ فيها عَودةَ المَسيح. ثُمَّ إنَّهُ يَختِمُ الأصحاحَ في الأعدادِ مِن 11 إلى 18 بالتَّحدُّثِ عَنِ التَّأثيراتِ العَمليَّةِ لِعَودةِ المَسيح. لِذا فإنَّ الأعدادَ التِسعةَ الأولى تُرينا الجَدَلَ بينَ المُستهزِئينَ والأشخاصَ الَّذينَ يَقولونَ الحَقَّ. والعَددُ العَاشِرُ يُؤكِّدُ الحَقَّ. ثُمَّ إنَّ الأعدادَ مِن 11 إلى 18 تَذكُرُ التَّطبيقاتِ العَمليَّةَ لذلك.
ففي العَددِ الأوَّلِ وَما يَليه، نَقرأُ عنْ حُجَجِ المُستهزِئينَ على المَجيءِ الثَّاني. وفي العَددِ الثَّالثِ، نَقرأُ أنَّ المُستهزِئينَ كَانُوا يَسخَرونَ مِنَ المُؤمِنين. وفي العَددِ الرَّابعِ نَقرأُ أنَّهُم يَقولونَ: "أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟" وَقد كَانَتْ لَديهِم بِضْعُ حُجَجٍ يَستخدِمونَها. الأولى هِيَ الحُجَّةُ القائِمَةُ على الاستِهزاء. فَهُم مُستهزِئونَ وَمُتَهَكِّمون. فَهُم يَسخَرونَ مِن كُلِّ شَخصٍ يُؤمِنُ بِهذهِ العَقيدةِ الَّتي يَظُنُّونَ أنَّها غَبِيَّة. وَهَذا هُوَ الهُجومُ النَّفسِيُّ. فَهُمْ يَستَغِلُّونَ مَشاعِرَ النَّاس. وَلَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّهُ كَانَتْ تُوجَدُ في ذلكَ الوقتِ مَجموعَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَتوقَّعونَ مِنْ يَسوعَ أنْ يَأتي. ولأنَّهُ لم يَأتِ، كَانُوا يَتساءَلونَ إنْ كانَ سَيَنكُثُ بِوعدِهِ.
وَنتيجَةَ شُكوكِهم، جَعَلُوا المُستهزِئينَ والمُتَهَكِّمينَ يُهاجِموهُم. ولأنَّهُم كَانُوا يُعانونَ وَيَقولونَ: "أينَ هُوَ يَسوعُ؟ لماذا لم يأتِ بَعد؟ فَهُناكَ أشخاصٌ مِنَّا مَاتُوا! مَا الَّذي سيَحدُث لَهُم؟ هَل يُفَوِّتُ المُؤمِنونَ الَّذينَ مَاتُوا الاختِطاف؟ أَلَنْ يَعودَ؟ أينَ هُوَ الرَّبُّ؟ لَقد كُنَّا نَظُنُّ أنَّهُ سَيأتي في فَترةِ حَياتِنا؟" لِذا فقد رَاحَ المُستهزِئونَ يَستَغِلُّونَ مَشاعِرَ هَؤلاءِ المَسيحيِّينَ ويَسخَرونَ مِن عَقيدتهِم الَّتي كَانُوا يَظُنُّونَ أنَّها سَخيفة.
ثَانيًا، الحُجَّةُ الأخلاقيَّة. وَقد قُلتُ لَكُم إنَّ السَّببَ الحَقيقيَّ الَّذي نَراهُ في العَددِ الثَّالثِ هُوَ أنَّهُم كانُوا يُنكرونَ عَودةَ المسيحِ لأنَّهُم يُريدونَ أن يَسْلُكُوا بِحَسَبِ شَهَواتِهم. بِعبارةٍ أخرى، كانَتْ عَقيدَتُهُم الَّتي يُنكِرونَ فيها المَجيءَ الثَّاني نَابِعَةً مِن حَقيقةِ أنَّهُم لا يُريدونَ أيَّةَ مُساءَلَة، وَلا يُريدونَ أنْ يُقَدِّمُوا حِسَابًا للهِ عَنِ الحَياةِ الَّتي يَعيشونَها. وحيثُ إنَّهُم يُريدونَ أن يَعيشُوا حَياةً لاأخلاقيَّةً، وَحياةً مُنغمسةً في الشَّهوةِ، فإنَّهُم لا يُريدونَ أيَّةَ مُساءَلَة. لِذا فقد كَانُوا يُنكِرونَ الدَّينونَةَ؛ وَقدِ اقتَضَى ذلكَ أن يُنكروا أيضًا المَجيءَ الثَّاني. هَذهِ هِيَ الحُجَّةُ الأخلاقيَّةُ. فَهُناكَ الحُجَّةُ العَاطِفِيَّةُ، والحُجَّةُ الأخلاقيَّة.
أمَّا حُجَّتُهُم الثَّالثةُ فَهِيَ الحُجَّةُ القائِمَةُ على الاتِّساق. فَفي نِهايةِ العَددِ الرَّابِعِ، يَقولونَ الجُملةَ الغَبِيَّةَ التَّالِيَة: "لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَة". فَهُم يَقولونَ إنَّ اللهَ لم يَتَدَخَّلْ مِن قَبل في الدَّينونة. لِذا، مَا الَّذي يَجعلُهُم يُؤمِنونَ بأنَّهُ سيَفعلُ ذلكَ في المُستقبل؟ فَهُوَ لم يَفعل ذلكَ مِن قَبل. وهذهِ هِيَ الحُجَّةُ العَقليَّة. فَقد نَظَروا إلى التَّاريخِ وَقَالوا بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ... بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ طَوْعًا: "لم تَكُن هُناكَ أيَّةُ دَينونَةٍ في المَاضي. لِذا، لَن تَكونَ هُناكَ أيَّةُ دَينونَةٍ في المُستقبَل". لِذا فقد استَخدَمُوا حُجَّتَهُم العَاطِفيَّةَ، وحُجَتَهُم الأخلاقيَّةَ، وحُجَّتَهُم التَّاريخيَّةَ في إنكارِ عَودةِ المَسيح.
وَنَحنُ نَتذكَّرُ أيضًا النُّقطةَ الثَّانيةَ وَهِيَ حُجَجُ القِدِّيسينَ الَّتي تُؤكِّدُ حَتميَّةَ المَجيءِ الثَّاني. فَمِنَ الجَانِبِ المُقابِل، كانتِ الحُجَّةُ الأولى للقِدِّيسينَ قَائِمَةً على الكتابِ المقدَّسِ في العَددينِ الأوَّلِ والثَّاني. فَهُوَ يَقولُ لَهُم: "لِتَذْكُرُوا [في العَددِ الثَّاني] الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ [أيْ في العهدِ القديم]، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ [أيْ في العهدِ الجديد]". أيْ: تَذَكَّرُوا أنَّ التَّعليمَ عَنِ المَجيءِ الثَّاني مَوجودٌ في العَهْدَيْنِ القَديمِ والجَديد. هذهِ هِيَ الحُجَّةُ القَائمةُ على الكتابِ المقدَّس. فَبِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا يَقولُهُ المُستهزِئونَ فإنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُعَلِّمُ عَنها.
ثَانيًا، الحُجَّةُ القَائِمَةُ على التَّاريخ (في العَددِ الخَامِس). فَهُوَ يَقولُ إنَّ المُستهزِئينَ نَسَوْا بإرادَتِهم أنَّ اللهَ دَانَ العَالَم. وَهُوَ يَتحدَّثُ في الأعداد مِن 5 إلى 7 عن دَينونةِ المَاءِ الَّتي حَلَّتْ على العَالَمِ؛ أيِ الدَّينونَة الَّتي حَلَّتْ في زَمَنٍ نُوح. فكيفَ يَقولونَ إنَّ اللهَ لم يَأتْ بِدَمارٍ مُهْلِك؟ فَهُمْ يَتَجاهَلُونَ عَمْدًا الطُّوفان. فَحُجَّةُ الاتِّساقِ حُجَّةٌ سَخيفة. وَهَذا رَفْضٌ مُتَعَمَّدٌ للحَقّ. فَهُم يَختارونَ تلكَ العَقيدةَ لأنَّهُم لا يُريدونَ أيَّةَ مُساءَلَةٍ عن خَطاياهُم؛ لا لأنَّ التَّاريخَ يُؤكِّدُ ذلك.
ثَالثًا، الحُجَّةُ القائِمَةُ على الأبديَّة (في العَددِ الثَّامن). فَحقيقةُ أنَّ الرَّبَّ لم يَأتِ بَعد، لا تَعني البَتَّة أنَّهُ لَنْ يَعود. وَهَذا لا يَعني أنَّ الرَّبَّ قَد تَأخَّرَ لأنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. فالرَّبُّ لا يَعمَلُ وَفْقًا لِجَدولٍ زَمَنِيٍّ يُشبِهُ جَدوَلَنا نَحن، بَل يَعمَلُ في ضَوْءِ الأبديَّةِ، أو على أساسِ الأبديَّة. فَلا يُمكِنُكَ أن تَحصُرَ اللهَ في جَدولٍ زَمنيٍّ بَشريٍّ. لِذا، هذهِ هِيَ الحُجَّةُ القائِمَةُ على الأبديَّة. فَقد يَبدو لَكُم أنَّ الرَّبَّ قَد تَأخَّرَ في مَجيئِهِ، ولكِنْ تَذَكَّروا أنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. لِذا فإنَّ الرَّبَّ لم يَتأخَّر البتَّة، ولم يَتَوانَى. فاللهُ السَّرمَدِيُّ ليسَ مَحصورًا بالوقت.
ثُمَّ رابِعًا، الحُجَّةُ القائِمَةُ على طَبيعةِ الله... الحُجَّةُ القائِمَةُ على طَبيعةِ الله. ونَجِدُ هذهِ الحُجَّةَ في العَددِ التَّاسِع. فَهُم يَقولونَ: "أينَ هُوَ؟ أينَ هُوَ؟ فقد وَعَدَ أن يَعود. أينَ هُوَ" وبُطرسُ يَقولُ مَا يَلي في ذِروةِ حُجَّتِهِ في العَددِ التَّاسِع: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَة".
لَقد قالَ بُطرسُ إنَّ التَّأخيرَ ليسَ تَأخيرًا نَاجِمًا عَنْ عَدَمِ المُبالاةِ، وَليسَ تَأخيرًا نَاجِمًا عن العَجْزِ، وَليسَ تَأخيرًا نَاجِمًا عَنِ انشِغالِهِ بأمورٍ أخرى، بَلْ هُوَ تَأخيرٌ نَاجِمٌ عنْ أَناتِهِ. فَإنْ كَانَ اللهُ يَتَأنَّى في مَجيئِهِ فإنَّما يَفعلُ ذلكَ لأنَّ طُوْلَ أَنَاتِهِ تَجعَلُهُ يَنتَظِرُ لأنَّهُ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَة. ويَنبغي أنْ نَسْمَحَ لهذهِ الآيةِ المُهِمَّةِ جدًّا جدًّا أنْ تَشْغَلَ فِكْرَنا حَتَّى نَفْهَمَ هذا الأمرَ فَهْمًا صَحيحًا. وأريدُ مِنكُم أن تُتابِعوني في كِتابِكُم المُقَدَّسِ بِعنايَةٍ فيما نَستخلِصُ الحَقَّ المَوجودَ في هذهِ الآيةِ الرَّائعةِ جدًّا.
الجُملةُ الأولى: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ". إنَّ هذهِ الجُملةَ مُهِمَّةٌ جدًّا. فَحقيقةُ أنَّ وَقتًا طَويلاً مَضَى على مَجيءِ يَسوعَ إلى الأرضِ تَستدعي هذا التَّفسير. فَحَتَّى في الوقتِ الَّذي كَتَبَ فيهِ بُطرسُ هذهِ الكلماتِ، كانَتْ بِضْعُ سَنَواتٍ قَد مَضَتْ على قَولِ يَسوعَ إنَّهُ سيَعود. وَقد كَانُوا يَتساءَلونَ لماذا لَم يَعُد. وَلا شَكَّ في أنَّهُم كَانُوا يُعَبِّرونَ عَن رَجائِهم بأنْ يَحدُثَ ذلكَ في فَترةِ حَياتِهم. وَحَتَّى إنَّ بُولُسَ يُشيرُ إلى ذلك.
وَقد كانَ بُطرسُ يَعلَمُ أنَّهُ سَيَموتُ قَبلَ أن يَأتي يَسوعُ لأنَّ يَسوعَ أخبَرَهُ أنَّهُ سيَموتُ في الأصحاحِ الحادي والعِشرين مِن إنجيل يوحنَّا. لِذا فقد كانَ يَعلَمُ أنَّهُ لَنْ يَعيشَ إلى أنْ يَأتي يَسوعُ ثانيةً. ولكِنْ كانَ يُوجَدُ مُؤمِنونَ كَثيرونَ يَفتَرِضونَ أنَّهُم سيَعيشونَ إلى وقتِ حُدوثِ ذلك. ولكِنَّ يَسوعَ لم يَعُد. لِذا فقد كانُوا يَتساءلونَ عن سَبَبِ عَدَمِ عَودَتِه. وَها نَحنُ بَعدَ ألفَي سَنَةٍ، وَما يَزالُ هَذا السُّؤالُ مَطروحًا حَتَّى الآن بإلحاحٍ أكبر. وَقد نَطرَحُه.
فَقد مَضَى وَقتٌ طَويلٌ جدًّا، لا فقط عَقْدٌ أو عَقْدَيْن، بَلْ لقد مَضَتْ أَلْفُ سَنَةٍ دُونَ أنْ يَعود! ثُمَّ مَضَتْ أَلْفُ سَنةٍ أخرى ولم يَعُد! فَقَدْ مَضَتْ ألفَي سَنَة! أينَ هُوَ؟ وَمَعَ ذلكَ فإنَّ الوَعدَ الكِتابِيَّ وَاضِح. فَثَلاثَةٌ وعَشرونَ سِفْرًا مِنْ أَصْلِ سَبعةٍ وعِشرينَ سِفْرًا في العهدِ الجديدِ تُخبرُنا أنَّهُ سيَعود. وهُناكَ 260 أصحاحًا في العهدِ الجديد و 300 شَاهِدٍ على عَودةِ المَسيح. لِذا فإنَّ الرِّسالةَ واضِحَةٌ. فَهُوَ آتٍ. إنَّهُ آتٍ.
ولكِنْ لماذا لم يَعُد بَعد؟ يُجيبُ بُطرسُ عَن هذا السُّؤالِ قَائِلاً: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ". وهذهِ الكلمةُ تَعني أنَّهُ لا يَتأخَّر. وَهيَ قَد تَعني أيضًا يَتَوانَى. فَهُوَ لا يَتَوانَى، وَلا يَتَلَكَّأ، وَلا يَتَسَكَّع، وَلا يُبطِئ، وَلا يَتأخَّر. فَهُوَ لا يَتَباطَأُ نَتيجَةَ عَجْزِهِ، وَلا يَتَباطَأُ نَتيجَةَ عَدَمِ مُبالاتِهِ، وَلا يَتَباطَأُ نَتيجَةَ انشِغالِهِ بأمورٍ أخرى، وَلا يَتَباطَأُ نَتيجَةَ فُتورِه. فَهُوَ لا يَتباطَأُ.
هَل تَذكُرونَ تِلكَ الآيةَ في رِسالةِ غَلاطِيَّة والأصحاحِ الرَّابعِ الَّتي تَقول: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوس"؟ فاللهُ يَفعلُ كُلَّ شَيءٍ في مِلْءِ الزَّمان. وَهُوَ يَفعلُ كُلَّ شَيءٍ بِحسبِ جَدوَلِهِ وفي الوَقتِ المُناسِب. فَهُوَ لا يَتباطَأ، وَلا يُسرِع، وَلا يَتَوانَى، وَلا يَتأخَّر؛ بَل يَفعلُ كُلَّ شَيءٍ في حِينِه.
ونَقرأُ في الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّين 10: 23: "الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ". ونَقرأُ في العَدد 37: "لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيل جِدًّا سَيَأتِي الآتِي". فَسوفَ يَأتي بِحَسَبِ الجَدوَل. فَهُوَ لاَ يُبْطِئُ، وَهُوَ لا يَتَوانَى، وَهُوَ لا يُضَيِّعُ الوَقت، بَل إنَّهُ سَيأتي. والحَقيقةُ هِيَ أنَّكُم رُبَّما تَذكرونَ ما جَاءَ في الرِّسالةِ إلى تِيطُس 1: 2 إذْ نَقرأ: "اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِب". ونَقرأُ في الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّين 6: 18: "لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِب". ونَقرأُ في رُؤيا 19: 11 أنَّ المَسيحَ يُدْعَى "أَمِينًا وَصَادِقًا". فاللهُ أَمينٌ. وَاللهُ يَحفَظُ وَعْدَهُ. وكذلكَ يَفعلُ المَسيح.
لِذا فإنَّ بُطرسَ يُنكِرُ تَمامًا أنَّ الرَّبَّ يُؤخِّرُ مَجيئَهُ بِسَببِ عَدَمِ مُبالاتِهِ، أو عَدَمِ اكتِراثِهِ أو عَجْزِهِ. وَهُوَ يُنكِرُ أنَّ الرَّبَّ مُتأخِّرٌ عَن تَحقيقِ وَعدِهِ. صَحيحٌ أنَّهُ قَد يَبدو مُتأخِّرًا في نَظرِ المُستهزِئينَ، وَأنَّهُ قَد يَبدو مُتأخِّرًا في نَظرِ عَددٍ مِنَ المُؤمِنينَ الخائفينَ أوِ القَلِقينَ؛ ولكِنَّهُ ليسَ مُتأخِّرًا. فَهُوَ مَا زالَ سَيَأتي بِحَسَبِ جَدوَلِهِ تَمامًا. فهذهِ الأفكارُ هِيَ أفكارٌ بَشريَّةٌ جدًّا. وَهُوَ يَقولُ ذلك: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ".
فَهُناكَ أشخاصٌ يُفَكِّرونَ تَفكيرًا بَشريًّا ويَنظرونَ إلى الأمرِ بهذهِ الطَّريقةِ (مِثلَ المُستهزِئينَ، والمُتَهَكِّمينَ، والمُؤمِنينَ السُّذَّجِ الَّذينَ يُصَدِّقونَ أكاذيبَ المُعَلِّمينَ الكَذَبَة). وَيَبدو أنَّ هُناكَ مُؤمِنينَ لم يَفهمُوا العَددَ الثَّامِنَ الَّذي يَقولُ فيهِ إنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. وَقَد وَقَعُوا ضَحِيَّةَ الاستِهزاءِ وَالتَّهَكُّمِ وَصَدَّقُوا أنَّ الرَّبَّ يَتَباطَأ. ولكِنَّ بُطرسَ يَقولُ إنَّهُ لا يَتباطَأُ كَما يَحسِبُ المُستهزِئونَ ومَجموعَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ السُّذَّجِ التَّباطُؤ.
فَمِنَ الواضحِ أنَّ تَأخُّرَ الرَّبِّ ليسَ نَاجِمًا عَن أيِّ تَقصيرٍ مِن جَانِبِه. وَبُطرسُ يُوَضِّحُ هذهِ النُّقطَةَ تَمامًا قَائِلاً: "لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا". وهذهِ هي الفِكرةُ الرَّئيسيَّةُ في هذا المَقطعِ بِمُجملِه. فالتَّأخيرُ الظَّاهِرِيُّ ليسَ نَاجِمًا عَن تَقصيرِه، بَلْ نَاجِمًا عَن طَبيعَةِ الله. وَهذِهِ هِيَ خُلاصَةُ بُطرسَ فيما يَختصُّ بهذهِ الحُجَّة. فَكما أنَّهُ يَستَنِدُ في حُجَّتِهِ إلى الكتابِ المقدَّسِ في العَددَيْنِ الأوَّلِ والثَّاني، ويَستَنِدُ في حُجَّتِهِ إلى التَّاريخِ في الأعداد مِن 5 إلى 7، ويَستَنِدُ في حُجَّتِهِ إلى أبديَّةِ اللهِ في العَددِ الثَّامِنِ، فإنَّهُ يَستَنِدُ الآنَ في حُجَّتِهِ إلى طَبيعَةِ الله. فَهُوَ طَويلُ الأناة. وَهُوَ يَتَأنَّى في مَجيئِهِ الثَّاني.
والآن، تَذَكَّرُوا مَا يَلي يا أحبَّائي: أنَّ المَجيءَ الثَّاني ليسوعَ المسيحِ هُوَ حَدَثٌ خَاصٌّ بالدَّينونَة. أعتقدُ أنَّكُم تَفهمونَ هَذا الأمر. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ حَدَثٌ خَاصٌّ بالدَّينونَة. صَحيحٌ أنَّنا نَنتظرُ عَودةَ المسيحِ لكي يَأخُذَ خَاصَّتَهُ لِيَكونوا مَعَهُ، ولكِنَّ ذلكَ الاختطافَ هُوَ حَدَثٌ خَاصٌّ يَسبِقُ يَومَ الرَّبِّ إذْ إنَّ يَسوعَ يَأخُذُ خَاصَّتَهُ إليه. فَهُوَ لا يَأتي في الحَقيقةِ إلى الأرضِ، بَلْ إنَّنا نُلاقيهِ في السَّماء. أليسَ كذلك؟
فَنَحنُ نُلاقيهِ في الهَواءِ أو في السَّماءِ الأولى. فَهُوَ لا يَأتي إلى الأرضِ إلاَّ حينَ يَعودُ بِقَصْدِ الدَّينونَة. لِذا فإنَّ السَّببَ في أنَّ مَجيئَهُ يَبدو مُتأخِّرًا هُوَ أنَّهُ يَتأنَّى على الخُطاة. فَهُوَ يَتَأنَّى ويَتَأنَّى ويَتَأنَّى في الدَّينونةِ لأنَّهُ خَطَّطَ مُسَبَّقًا للقيامِ بذلكَ لأنَّهُ طَويلُ الأنَاة.
وَهُناكَ آياتٌ كَثيرةٌ في الكتابِ المقدَّسِ تَقْتَضِي مِنَّا أنْ نَلتَفِتَ إليها. فَنحنُ نَقرأُ في رِسالةِ رُومية 2: 4: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟" يَقولُ بولُسُ هُنا إنَّ اللهَ وَضَعَ خُطَطَ دَينونَتِةِ في المُستقبلِ لكي يَتمكَّنَ في الزَّمانِ الحَاضِرِ مِن مُمارَسَةِ طُولِ أناتِهِ على الخُطاةِ كَيْ يَتوبوا. فَهُوَ يُعطي النَّاسَ وَقتًا للتَّوبة.
ونَقرأ في رِسالةِ رُومية 9: 22 شَيئًا آخرَ عَن طَبيعةِ الله. فالآيةُ تَقولُ إنَّ اللهَ: "احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَك". فَهُوَ طَويلُ الأناةِ جدًّا. ثُمَّ إنَّ الآيةَ 1بُطرس 3: 20 تُعيدُنا إلى زَمَنِ نُوح إذْ نَقرأُ إنَّ النَّاسَ في زَمَنِ نُوحٍ عَصَوْا اللهَ "حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوح". وكَمِ انتظرَ نُوح؟ وَكَمْ كَانَ صَبورًا؟ لَقَد قَضَى نُوحٌ مِئةً وعِشرينَ سَنَة في بِناءِ الفُلْكِ والكِرازَةِ بالتَّوبةِ إذْ كانَ يَقولُ للنَّاسِ إنَّ اللهَ يَتَأنَّى ويَتَأنَّى ويَتَأنَّى لكي يُتيحَ للنَّاسِ وَقتًا للتَّوبة.
والآن، في أصحاحِنا (أيْ في رِسالةِ بُطرسَ الثانية والأصحاحِ الثَّالث)، انظروا إلى العَدد 15 إذْ يَقولُ بُطرس: "وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا". فَلِغاياتِ الفِداءِ نَجِدُ أنَّ اللهَ يَتَأنَّى. وَلِغاياتِ التَّوبةِ والخَلاصِ نَجِدُ أنَّ اللهَ يَصبِر. لِذا فإنَّ المُستهزِئينَ يَرَوْنَ أنَّ التَّأخيرَ رَذيلَةٌ؛ ولكِنَّ بُطرسَ يُبَيِّنُ أنَّهُ فَضيلَة. والآن، لَعَلَّكُم تَذكُرونَ أنَّ المَجيءَ الثَّاني ليسوعَ المسيحِ هُوَ وَقتٌ للهَلاكِ الأخيرِ، والدَّينونَةِ الشَّامِلَةِ الوَاسِعَةِ النِّطاقِ، والدَّينونَةِ، وإرسالِ جَميعِ الأشرارِ إلى جَهَنَّمَ الأبديَّة.
ولكِنَّ اللهَ (كَما جَاءَ في سِفْر يُوئيل 2: 13): "بَطِيءُ الْغَضَبِ، وَكَثِيرُ الرَّأفَة". ونَقرأُ في إنجيل لوقا 15: 20 أنَّهُ يَتوقُ إلى إظهارِ رَحْمَتِه. وفي حينِ أنَّ اللهَ يَستطيعُ أنْ يُهْلِكَ النَّاسَ، وأنْ يُدَمِّرَهُم، وَأنْ يَطرَحَهُم في جَهنَّمَ الأبديَّةَ، وَأنَّهُ الوَحيدُ الَّذي يَستطيعُ أن يَفعلَ ذلك، وَأنَّهُ مِنَ السَّهلِ عَليهِ أن يُهْلِكَ البَشَرَ جَميعًا في لَحْظَةٍ، ولكِنَّهُ يَتَأنَّى قَبلَ أنْ يُهْلِك.
فَكِّرُوا في أَناتِه. فَهُوَ يَحْتَمِلُ بِصَبْرٍ شَديدٍ كُلَّ الزِّنَا الفَاحِش، والقَتل، والكَذِب، والفِسْق، والسَّرِقَة، والخِداع، والتَّعَدِّياتِ الَّتي لا نِهايَةَ لَها على شَريعَتِه. وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّجديفَ على اسمِهِ، والفُجورَ، والعِصيانَ، والتَّمرُّدَ على سِيادَتِهِ ومَشيئَتِه. وَهُوَ يَحتَمِلُ شِفاهَ الأشخاصِ الَّذينَ يَحْلِفونَ زُوْرًا، ويَحتَمِلُ كُلَّ ذلكَ بِأناةٍ تِلْوَ الأناةِ تِلْوَ الأناة. وَهُوَ يَمْلِكُ كُلَّ الحَقِّ في إهلاكِ الخَاطِئِ مُنذُ المَرَّةِ الأولى الَّتي يُخطِئُ فيها. ونَقرأُ في سِفْرِ الخُروج 34: 6 عَنِ الله: "الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاء". وَهَذهِ، بالمُناسَبَة، كَلِماتٌ تَتَرَدَّدُ كَثيرًا في العهدِ القديم.
وَمِنَ المُؤسِفِ أنْ نَقولَ إنَّهُ كُلَّما زَادَ تَحَنُّنُ اللهِ عَلينا وَزادَتْ رَحْمَتُهُ وَأناتُهُ عَلينا على الرَّغمِ مِن آثامِنا، زَادَ شَرُّ البَشَرِ واستِغلالِهم لأناتِه. لِذا، حَيْثُ إنَّ اللهَ يَرْغَبُ بِشِدَّةٍ وقُوَّةٍ في تَخليصِ الخَاطِئ، فإنَّهُ يَتَأنَّى ويُعطي الخَاطِئَ مَجالاً للتَّوبة. وفي حينِ أنَّهُ يَتَأنَّى إلى مَا لانِهاية على المُختارينَ فإنَّهُ يَتَأنَّى أيضًا على الجَميع.
لِنَأخُذ مِثالَ نُوح. فَهَل تَأنَّى اللهُ فَقط على نُوح؟ وَهَل تَأنَّى اللهُ فَقط على زَوجةِ نُوح؟ وهَل تَأنَّى اللهُ فَقط على أبناءِ نُوح الثَّلاثة وزَوجاتِهم الثَّلاث؟ وَهل تَأنَّى فقط على النُّفوسُ الثَّماني الَّتي افتَداها؟ قَطْعًا لا. فَقَدْ آمَنُوا وَنَالُوا الخَلاصَ بِكُلِّ تَأكيدٍ قَبلَ سَنَواتٍ مِنَ الطُّوفان. ولكِنَّ اللهَ أَظْهَرَ حَتَّى بَعدَ إيمانِهِم طُوْلَ أناةٍ عَظيمة على الخُطاةِ الَّذينَ كَانَ يَعْلَمُ أنَّهُ سَيُهْلِكُهُم في النِّهاية.
لِذا، كَما قَرأتُ لَكُم مَا جَاءَ في رِسالةِ بُطرسَ الأولى 3: 20: "كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاء". فبعدَ وَقتٍ طَويلٍ مِن خَلاصِ هؤلاءِ الثَّمانِيَة بِسَببِ إيمانِهم، كَانَ اللهُ مَا يَزالُ يَتَأنَّى على الخُطاةِ كَيْ يَتوبُوا. فاللهُ بِطبيعَتِهِ حَنَّان. واللهُ بِطبيعَتِهِ مُنْعِمٍ، ورَحيمٌ، ومُحِبٌّ، ولَطيفٌ، وغَفورٌ. واللهُ مُخَلِّصٌ.
ونَقرأُ في الأصحاحِ الثَّالث عَشَر مِن إنجيل لُوقا هذهِ الكَلماتِ المُدهشةَ في العَددِ الثَّالث: "أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُون". لَقد قالَ يَسوعُ هذهِ الكلمات. فَهُوَ يَقولُ إنَّ طَريقَ الهَلاكِ هُوَ طَريقُ القَلبِ غَيرِ التَّائِب. وطَريقُ الدَّينونَةِ هُوَ طَريقُ القَلبِ غَيرِ التَّائِبِ؛ أيِ الَّذي يَرفُضُ يَسوعَ المَسيحَ وَيُصِرُّ على اقترافِ الخَطِيَّة.
وهُناكَ أُناسٌ آخرونَ يَنظرونَ إلى هذهِ الآيةِ ويَقولون: "إنْ كَانَ اللهُ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ، لَنْ يَهْلِكَ أَحَدٌ، بَلْ إنَّ الجَميعَ سيُقبِلونَ إلى التَّوبة". وَنَحنُ نُسَمِّي هؤلاءِ الأشخاصَ "أصحابَ الخَلاصِ الشُّمولِيّ". فَهُم يَظُنُّونَ أنَّ جَميعَ النَّاسِ سَيَخلُصون. ولكِنْ إنْ كَانَ الجَميعُ سيَخلُصون فَإنَّ كُلَّ تَعليمٍ في الكتابِ المقدَّسِ عَنْ يَومِ الرَّبِّ هُوَ كِذْبَة لأنَّهُ يَقولُ إنَّهُ عندما يَأتي يَومُ الرَّبِّ فإنَّ الخُطاةَ سَيَهلِكون.
لِذا، أريدُ أن أقولَ لَكُم إنِّي أُوْمِنُ بِعَقيدةِ الاختيارِ الإلهِيِّ. وَأنا أُوْمِنُ بعَقيدةِ التَّعيينِ المُسبَقِ للمُؤمِنينَ للحَياةِ الأبديَّة. ولكِنِّي أُوْمِنُ أيضًا بأنَّ الأشخاصَ الَّذينَ سيَذهبونَ إلى جَهَنَّمَ سيَذهبونَ إليها لأنَّهُم اختارُوا ذلكَ، ولأنَّهُم مَسؤولونَ عَن رَفْضِهِم وَقَلبِهم غَيرِ التَّائِب. واللهُ هُوَ الَّذي يَقْدِرُ أنْ يُوَفِّقَ بينَ كُلِّ هذهِ الأمور. أمَّا أنا فَلا يُمكِنُني ذلك. ولكنِّي أعلَمُ أنَّ قَلبَ اللهِ يَحزَنُ عندما يَرفُضُ الخُطاةُ أن يَتُوبوا.
والآن، هُناكَ تَناقُضٌ ظَاهِرِيٌّ هُنا، كَما هُوَ وَاضِحٌ، لأنَّ اللهَ يَلْجَأُ في النِّهايَةِ إلى تَطبيقِ عَدالَتِهِ المُقَدَّسَة. فَهُناكَ نُقطةٌ تَتوقَّفُ عِندَها رَحمَتُهُ، ونِعمَتُهُ، وتَحَنُّنُهُ، وأناتُهُ، وصَبْرُهُ. وَهَذا يَصِحُّ على حَياةِ كُلِّ إنسان. فاللهُ قد يَتَأنَّى ويُعطي رَجُلاً مُهْلَةً تَمْتَدُّ إلى سِتِّينَ سَنَة. ولكِنَّ المُهلَةَ تَنْتَهي بانتهاءِ تِلكَ السَّنَواتِ السِّتِّين فيَموتُ ذلكَ الرَّجُلُ دُونَ أنْ يَتوبَ ودُونَ أن يُؤمِنَ بالمَسيح. وَقَد يُعطي اللهُ امرأةً مُهْلَةً تَمْتَدُّ إلى سَبعينَ سَنة؛ ولكِنَّ تِلكَ المُهلةَ تَنتَهي بانتهاءِ تلكَ السَّنواتِ السَّبعين. واللهُ قَد يُعطي حَضَارَةً سَنواتٍ مُحَدَّدَةً ثُمَّ يُهْلِكُ جُزءًا كَبيرًا مِن سُكَّانِها.
واللهُ أَعْطَى العَالَمَ وَقتًا مُحَدَّدًا، ولكِنَّنا نَقرأُ في سِفْرِ التَّكوين والأصحاحِ السَّادس: "لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَد". وبَعدَ مِئةً وعِشرينَ سَنة مِنَ الكِرازَةِ، جَاءَ الطُّوفانُ وَانتَهى الأمر. فأخيرًا، وفي النِّهاية، فإنَّ عَدْلَ اللهِ (أيْ عَدْلَهُ المُقَدَّسَ) سَيُرسِلُ الرِّجالَ والنِّساءَ الَّذينَ لم يُؤمِنوا إلى جَهَنَّم. وَهُوَ يُعلِنُ ذلكَ على الرَّغِمِ مِن أنَّهُ لا يُريدُ ذلكَ في قَلبِه. لِذا فإنَّهُ يَفعلُ ذلكَ لأنَّ النَّاسَ يَرفُضونَ مَا قَدَّمَهُ لَهُم.
والكِتابُ المُقَدَّسُ يَقولُ ذلك. فنحنُ نَقرأُ في رِسالةِ يَهوذا والعَددِ الرَّابع: "لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ". فَالفُجَّارُ الَّذينَ يَستَمِرُّونَ في فُجورِهم وعَدَمِ تَوبَتِهم كُتِبُوا مُنذُ القَديمِ للدَّينونَة. والتَّوبةُ هِيَ الطَّريقُ الوَحيدُ للخَلاصِ والإيمانِ بيسوعَ المسيح؛ أي الابتعادُ عَنِ الخَطيَّةِ وقَبولُ المَسيحِ رَبًّا ومُخَلِّصًا. وكَما قَرأتُ لَكُم مِن رِسالةِ رُومية 2: 4، فإنَّ اللهَ يَتَأنَّى لِكَيْ يَتوبَ الخُطاة. فاللهُ يَتَأنَّى لِكَيْ يَتوبَ الخُطاة. فَهذا هُوَ مَا يَقولُهُ بُطرس. إذًا، هُناكَ أربعُ حُجَجٍ... أربَعُ حُجَجٍ تُؤكِّدُ عَودةَ المَسيح.
فالحُجَّةُ القَائِمَةُ على الكتابِ المقدَّسِ تَقولُ إنَّهُ سيَعود. والحُجَّةُ القَائِمَةُ على التَّاريخِ تَقولُ إنَّهُ دَانَ العَالَمَ في المَاضي. فَهُناكَ حَادِثَةٌ سَابِقَة. والحُجَّةُ القَائِمَةُ على الأبديَّةِ تَقولُ إنَّهُ إنْ كَانَ الوقتُ يَبدو طَويلاً جدًّا، تَذَكَّرُوا أنَّهُ طَويلٌ في نَظَرِكُم، ولكِنْ ليسَ في نَظَرِ الله. والحُجَّةُ القَائِمَةُ على طَبيعةِ اللهِ تَقولُ إنَّهُ سَيَأتي. والسَّببُ في أنَّهُ يَنتَظِرُ كُلَّ هذا الوقتِ هُوَ أنَّهُ يَتَأنَّى كَثيرًا لِيُعطي الخُطاةَ وَقتًا للتَّوبة لأنَّهُ لا يَشاءُ أنْ يَهْلِكَ أُناسٌ على الرَّغمِ مِن أنَّهُ سَيُهلِكُ الخُطاةَ في النِّهاية.
واستِنادًا إلى هذهِ الحُجَجِ الأربَع، يُؤكِّدُ بُطرسُ عَودةَ المَسيح في العَددِ العَاشِر. انظُروا إلى العَددِ العَاشِر. فَهذهِ هِيَ النَّتيجَةُ الَّتي نَراهَا مِن خِلالِ هذهِ الحُجَج. إنَّها هذهِ الجُملةُ المُؤكَّدَة: "وَلكِنْ سَيَأتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا". يَا لَها مِن جُملة! فَيومُ الرَّبِّ سيَأتي.
وأرجو أن تَتذكَّرُوا أنَّ عِبارَةَ "يَومِ الرَّبِّ" هِيَ عِبارةٌ اصطِلاحِيَّةٌ تُشيرُ إلى نُقطةِ الذِّروةِ؛ أيْ إلى دَينونةِ اللهِ الَّتي سَتَحِلُّ لِتُنهي هذا الدَّهرَ وتُنهي هَذا العَالَمَ الَّذي نَعرِفُه. وقد رَأى أنبياءُ العهدِ القديمِ هذا اليَومَ كَيومٍ لا يُشبِهُ أيَّ يَومٍ آخرَ في ظُلمَتِهِ وَدَينونَتِه، وكَيومٍ سيَعملُ فيهِ الرَّبُّ شَيئًا كَارِثِيًّا لِتَزكيةِ اسمِهِ، وإهلاكِ أعدائِهِ، وَإعلانِ مَجدِهِ، وتَأسيسِ مَلكوتِه.
وسَواءَ نَظرتُم إلى سِفْرِ إشَعْياء والأصحاحِ الثَّاني أوِ الأصحاحِ الثَّالث عَشَر، وسَواءَ نَظرتُم إلى سِفْرِ حِزْقيال والأصحاحِ الثَّالث عَشَر أوِ الأصحاحِ الثَّلاثين، وسَواءَ نَظرتُم إلى سِفْرِ يُوئيل والأصحاحِ الأوَّلِ أوِ الأصحاحِ الثَّاني، أو سِفْرِ يُوئيل والأصحاحِ الخَامِسِ، وسَواءَ نَظرتُم إلى ذلكَ الأصحاحِ الوَحيدِ في سِفْرِ عُوبَدْيا والعَدد 15، أو إلى سِفْرِ صَفَنْيا والأصحاحِ الأوَّل، أو إلى سِفْرِ زَكَرِيَّا والأصحاحِ الرَّابع عَشَر، أو إلى سِفْرِ مَلاخي والأصحاحِ الرابعِ؛ في كُلِّ مَكانٍ تَنظُرونَ إليهِ وتَرَوْنَ مَجيءَ يَومِ الرَّبِّ، سَتَرَوْنَ أنَّهُ وَقتُ دَينونَة.
وَقد أشارَ عَددٌ مِنَ الأنبياءِ إلى أنَّهُ سيَأتي مَصحُوبًا بِعَدَدٍ مِنَ العَلاماتِ الأوليَّةِ وَكَتَبُوا عَنها. وَقد كَتَبَ عَدَدٌ مِنهُم عَمَّا سيَحدُثُ عندما يَأتي ذلكَ اليَوم، وكيفَ سيَستمِرّ. وَقد كَتَبَ عَددٌ مِنهُم عَمَّا سيَحدُث بعدَ أنْ يَنتهي. ولكِنَّ الأنبياءَ جَميعًا يَنظرونَ إليهِ على أنَّهُ يَومُ دَينونَةٍ وهَلاك. وَكذلكَ هِيَ حَالُ كُتَّابِ العهدِ الجديد. فَحينَ تَنظرونَ إلى كَيفيَّةِ استِخدامِ كُتَّابِ العهدِ الجديدِ لهذهِ العِبارةِ (أيْ: "يَومِ الرَّبِّ")، ستَجِدونَ أنَّها عِبارةٌ مُرعِبَة.
ونَقرأُ في الرِّسالةِ الأولى إلى أهلِ تَسالونيكي 5: 2: "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ. لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ»، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً". فَهُوَ وَقتُ هَلاكٍ وَدَمار. ونَقرأُ في الرِّسالةِ الثَّانيةِ إلى أهلِ تَسالونيكي 2: 2 أنَّ يَومَ الرَّبِّ سَيَأتي ويَكونُ أيضًا مَصحوبًا بالشَّرِّ لأَنَّهُ لاَ يَأتِي إِنْ لَمْ يَأتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ [أيْ: ضِدُّ المَسيح]، ابْنُ الْهَلاَكِ [أوِ الدَّمار]".
وفي مَقطعٍ سَابِقٍ مِن تِلكَ الرِّسالةِ نَفسِها، وتَحديدًا في الأصحاحِ الأوَّل، نَجِدُ وَصْفًا للحَدَثِ نَفسِهِ إذْ نَقرأ: "عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ [في العَددِ السَّابِعِ مِنَ الأصحاحِ الأوَّل] مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ". فَهُوَ دَائِمًا وَقتُ دَينونَة. وعندما تَحَدَّثَ يَسوعُ عَنهُ في إنجيل مَتَّى والأصحاحِ الرَّابع والعِشرين، كَانَ التَّركيزُ مُنْصَبًّا على الدَّمار، وَأيضًا عَلى جَمْعِ المُختارين.
لِذا فإنَّ بُطرسَ يَقولُ إنَّ ذلكَ اليَومَ سَيأتي. فَهذهِ العِبارةُ الاصطِلاحِيَّةُ تَصِفُ يَومَ الدَّينونَة. وَهُوَ يَقولُ إنَّ هَذا اليَومَ سَيَأتي كَلِصٍّ. وَما الَّذي يَقصِدُهُ بذلك؟ أيْ أنَّهُ سيَكونُ حَدَثًا مُباغِتًا، أو حَدَثًا مُفاجِئًا. فَهُوَ سيَكونُ مُفاجِئًا، وغَيرَ مُتوقَّعٍ، وكَارِثِيًّا لِغَيرِ المُتَأهِّبين. والفِعْلُ المُستخدَمُ هُنا [بالمُناسَبَةِ] يَدُلُّ أيضًا على الحَاضِرِ إذْ يُمْكِنُ أنْ تُقرأَ الآيَةُ هَكذا: "وَلكِنَّ يَوْمَ الرَّبِّ آتٍ كَلِصٍّ...".
فَنَحنُ لا نَعلَمُ مَتى سيَحدُثُ ذلك. وَلا أحدَ يَعرِفُ اليَومَ أوِ السَّاعَة. وليسَ لَنا أنْ نَعرِفَ ذلك، ولكِنَّ كُلَّ الأجيالِ تَعيشُ في حَالَةِ تَرَقُّبٍ مِن أنَّ ذلكَ سيَحدُثُ في أيِّ وَقت. لِذا فإنَّ بُطرسَ يَقولُ إنَّهُ آتٍ، وَإنَّهُ أمْرٌ مَحتوم. ثُمَّ إنَّهُ يَصِفُهُ. انظُروا إلى العَددِ العَاشِر: "الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ". وَهذهِ صُورَةٌ درامِيَّة. وَهِيَ تُذَكِّرُني، ورُبَّما تُذَكِّرُكم أنتُم أيضًا، بِتَعليمِ رَبِّنا في الأصحاحِ الرَّابعِ والعشرين مِن إنجيلِ مَتَّى. ولا أريدُ أن أدخُلَ في تَفاصيلِ ذلكَ لأنَّنا دَرَسناهُ عندما دَرَسْنا الأصحاحَ الرَّابع والعِشرين مِن إنجيلِ مَتَّى.
ولكِنَّهُ يَقولُ في العَدد 35: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَن". فَهَذِهِ هِيَ كَلماتُ يَسوع. "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَن". ونَقرأُ في إنجيل لُوقا 21: 33 الشَّيءَ نَفسَهُ. ونَقرأُ في إنجيل مَرقُس 13: 31 الشَّيءَ نَفسَهُ. ونَجِدُ في سِفْر الرُّؤيا مَزيدًا مِنَ التَّفاصيلِ عَن ذلك. فنحنُ نَقرأُ في سِفْر الرُّؤيا 6: 14: "وَالسَّمَاءُ انْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفّ، وَكُلُّ جَبَل وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا". فالأرضُ كُلُّها والسَّماءُ ستَكونانِ في حَالةٍ مُضطربة. "وَنُجُومُ السَّمَاءِ [في العَدد 13] سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ التِّينِ سُقَاطَهَا إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ... وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَالْقَمَرُ صَارَ كَالدَّمِ". فَسوفَ تَبدأُ السَّماواتُ بالزَّوالِ إلى أنْ تَزولَ تَمامًا.
وَما الَّذي يُشيرُ إليهِ في حَديثِهِ عَنِ السَّماوات؟ إنَّهُ يُشيرُ إلى الكَونِ المَادِّيِّ والمَنظورِ، أو إلى القُبَّةِ السَّماوِيَّةِ، أوْ إلى السَّماءِ بِكُلِّ الأشياءِ الَّتي فيها. فَفي اللُّغَةِ العِبريَّةِ القَديمةِ، يَبدو أنَّهُ لم تَكُنْ لَديهِم فِكرة أو كَلِمَة تُشيرُ إلى الكَون، بَلْ كَانُوا يَتحدَّثُونَ وَحَسْب عَنِ السَّماوات. أمَّا هُنا فإنَّ المَعنى المَقصودَ هُوَ أنَّ الكَونَ كُلَّهُ سيَزول.
وأرجو أن تُلاحِظُوا مَا يَلي: أنَّ هَذا لَن يَحدُثَ بِفِعْلِ إنسان، وَلا بِفِعْلِ كَارِثَةٍ طَبيعيَّة. فَهَذا لَن يَحدُثَ بِسَببِ مَذبحةٍ بَشريَّةٍ لأنَّ شَخصًا أَطلَقَ قُنبلةً ذَرِّيَّةً، ولَن يَحدُثَ بِسَببِ كَارثةٍ بِيئيَّةٍ لأنَّنا لَوَّثْنا طَبَقَةَ الأوزون بسببِ استِخدامِنا المُفْرِطِ لِمُثَبِّتاتِ الشَّعْرِ ومُزيلاتِ العَرَق. فَهُوَ لَن يَحدُثَ بِسَببِ ذلك، بَلْ سيَحدُثُ بِتَدَخُّلٍ إلَهِيٍّ. فاللهُ هُوَ مَنْ سَيُدَمِّرُ الكَون. فالكَونُ كُلُّهُ سيَزول.
وهُناكَ أشخاصٌ حَاوَلوا أن يَنْسِبُوا هَذا الحَدَثَ إلى نِهايةِ الضِّيقةِ العَظيمَةِ قَبلَ المُلْكِ الألفِيِّ. وَلكِنَّ هَذا غَيرُ مُمكِنٍ لأنَّنا نَقرَأُ هُنا عَن دَمارِ الكَونِ بأسْرِه. والحَقيقةُ هِيَ أنَّنا نَقرأُ في سِفْرِ إشَعْياء 34: 4: "وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَانْتِثَارِ الْوَرَقِ مِنَ الْكَرْمَةِ وَالسُّقَاطِ مِنَ التِّينَة".
هَل يُمكِنُكُم أن تَتخيَّلُوا أنْ تَفتَحُوا لِفافَةَ وَرَقٍ وَتَترُكوها. فَهِيَ سَتَعودُ لِفافَةً كَما كَانَت. والكَونُ كُلُّهُ سَيَلْتَفُّ كَلِفافَة. فَهُوَ سَيَزولُ بِضَجيج. وَهذهِ كلمة مُدهِشَة. والكلمة هِيَ "رويدزيدون" (rhoidzedon). وَهِيَ كَلِمَة تُحَاكِي الصَّوت؛ أيْ أنَّها واحِدَة مِن تِلكَ الكلماتِ الَّتي تُحاكي صَوتَ الشَّيءِ الَّذي تَصِفُهُ. وَهِيَ تَعني: "بِأزيزٍ"، أو "بِصَفيرٍ" أو بِصَوْتِ فَرْقَعَةٍ يُشبِهُ صَوتَ أشياءٍ تَحترِقُ بِنار. فَسَوفَ يَكونُ الضَّجيجُ عَالِيًا جِدًّا يَصِمُّ الآذان. وَسوفَ يَكونُ هُناكَ أَجيجُ نَارٍ أعلى مِن أيِّ شَيءٍ يُمكِنُكم أن تَتَخَيَّلوهُ عندما يَبتدئُ الكَونُ كُلُّهُ في الاحتراقِ وإصدارِ أصواتِ فَرْقَعَةٍ وَأزيزٍ مِن ذلكَ اللَّهيب.
وَنَحنُ نَعلَمُ ذلكَ يَقينًا بِسَببِ مَا أخبَرَنا بِهِ بُطرسُ هُنا. فَنحنُ نَقرأُ في العَددِ السَّابع: "وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ... فَهِيَ مَحْفُوظَةً لِلنَّار" في يَومِ الدَّينونَة. فسَوفَ يُنزِلُ اللهُ نَارًا تَحرِقُ حَرفيًّا الكَونَ كُلَّهُ. ثُمَّ إنَّهُ يَقول: "وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً". والكلمة "عَناصِر" هِيَ تَرجمة للكلمة اليونانيَّة "ستويكيا" (stoicheia) تَعني حَرفيًّا: أشياء مُصْطَفَّة كالحُروفِ في سَطْرٍ، أو كالأعدادِ المُرَتَّبَة في صَفٍّ، أوِ الأشياء الرَّئيسيَّة.
وَإذا استَخدمنا تلكَ الكلمة للإشارةِ إلى العَالَمِ المَادِّيِّ فإنَّها تُشيرُ إلى العَناصر؛ أيْ إلى العَناصِرِ الرَّئيسيَّةِ الَّتي تُشَكِّلُ المَادَّةَ الكِيمياوِيَّةَ للكَون، أوْ إلى المُكَوِّناتِ الَّتي تَتَألَّفُ مِنها المَادَّة، أو إلى البُنْيَةِ الذَّرِّيَّةِ، أو إلى العَناصِرِ الَّتي تُؤلِّفُ الكَونَ مِنْ ذَرَّاتٍ، ونيوترونات، وبروتونات، وإلكترونات. فَهِيَ سَتَنْحَلُّ، أو حَرفِيًّا: "لو" (luo)؛ أيْ سَتَفنَى.
كيف؟ بِحَرارةٍ شَديدةٍ، أو حَرارةٍ هَائلةٍ تَفوقُ أيَّ شَيءٍ يُمكِنُكم أن تَتخيَّلوه. وقد تَحَدَّثنا عَن ذلكَ في دِراسَتِنا السَّابقةِ للعَددِ السَّابعِ ورأينا كيفَ أنَّ جَوفَ الأرضِ الآن هُوَ كُرَةٌ نَاريَّة. وكذلكَ هِيَ حَالُ كُلِّ الكُراتِ النَّاريَّةِ المَوجودة في السَّماء (أيِ النُّجوم والشَّمس). ففي وَقتٍ مَضَى، هَلَكَ العَالَمُ كُلُّهُ في المَاء (إنْ جَازَ القَول). وَهُوَ سَيَهلِكُ في النَّارِ في المُستقبَل.
وَهُوَ يَقولُ في العَددِ العَاشِر: "وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا". فالسَّماواتُ سَتَحترِقُ، وكذلكَ الأرض. فَكُلُّ الأرضِ المَادِّيَّةِ والطَّبيعيَّةِ الَّتي نَعرِفُها بِكُلِّ نِظامِها البيئِيِّ ونِظامِها الاجتِماعِيِّ ستَحترِق. وَهذا شَيءٌ مُدهشٌ يَفوقُ الوَصف. فَبِطريقةٍ مَا، يَعْمَلُ الرَّبُّ على حِمايَةِ قَطيعِهِ مِنْ كُلِّ ذلكَ الدَّمار... مِنْ كُلِّ ذلكَ الدَّمار. فَهُوَ سَيَحمي خَاصَّتَهُ مِن ذلكَ الدَّمارِ النِّهائِيِّ، وتلكَ المَذبحَةِ النِّهائيَّةِ إذْ إنَّهُ سَيَأخُذُنا إلى السَّماواتِ الجَديدةِ والأرضِ الجَديدة.
والآن، قَد يَقولُ أشخاصٌ مِنكُم: "مَهلاً مِن فَضلِك! أَلاَ يَأتِ يَومُ الرَّبِّ في نِهايةِ الضِّيقةِ العَظيمَة؟" بَلى. "ولكِنْ أَلاَ تَصِفُ شَيئًا يَحدُثُ في نِهايةِ المُلْكِ الألفِيِّ قَبلَ السَّماواتِ الجَديدةِ والأرضِ الجَديدة؟" بَلى لأنَّنا نَقرأُ في العَدد 13 أنَّنا نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَة. وَقد تَقول: "مَهلاً مِن فَضلِك! أنا أعرِفُ شَيئًا عَنِ النُّبوءات. أَلَنْ يَكونَ هُناكَ ألفُ سَنَةٍ بينَ هَذينِ الحَدَثَيْن؟" بَلى. وَقد تَقول: "إذا، هَل يَدومُ يَومُ الرَّبِّ ألفَ سَنَة؟"
ليسَ تَمامًا. فَيَومُ الرَّبِّ يَحوي عُنصُرًا يَحدُثُ في نِهايةِ الضِّيقةِ العَظيمةِ عندما يَأتي يَسوعُ في نِهايةِ مَعركةِ هَرْمَجَدُّون ويُهلِكُ الأشرار. وَيَومُ الرَّبِّ يَحوي عُنصُرًا آخرَ في نِهايةِ المُلْكِ الألفِيِّ، ولكِنْ لا تَتَشَوَّشُوا بِسَببِ ذلكَ لأنَّ العَددَ الثَّامِنَ يَشرَحُ ذلك إذْ نَقرأ أَنَّ "يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ [كَماذا؟] كَأَلْفِ سَنَةٍ". وَيَومُ الرَّبِّ هُوَ مُجَرَّدُ يَومٍ عِندَهُ. فَمَعَ أنَّنا نَعرِفُ مِن وُجهَةِ النَّظرِ البَشريَّةِ عَن وُجودِ ألفِ سَنَةٍ تَفصِلُ بينَ المَرحلةِ الأولى والمُرحلةِ الثَّانية، فإنَّهُ يَومٌ وَاحِدٌ للربِّ... يَومٌ وَاحِدٌ للربِّ.
وَفي تِلكَ اللَّحظةِ الأخيرة، سَيَزولُ كُلُّ النِّظامِ الشَّمسِيِّ وتَزولُ كُلُّ المَجَرَّاتِ العَظيمَة. فَكُلُّ العَناصِرِ الَّتي تُكَوِّنُ العَالَمَ المَادِّيَّ سَتَنْحَلُّ بالحَرارةِ وتَذوبُ تَمامًا. وَهذهِ صُورةٌ مُدهشةٌ تُعَبِّرُ حَقًّا عَن دَينونَةِ اللهِ الأخيرةِ إذْ إنَّهُ سَيُهلِكُ بَقيَّةَ الأشرارِ الَّذينَ بَقَوْا أحياءَ في المُلْكِ الألفِيّ. فَهُوَ يُهْلِكُ أولئكَ الَّذينَ سيَكونونَ على الأرضِ عِندَ مَجيءِ المَسيحِ في نِهايةِ فَترةِ الضِّيقةِ، ثُمَّ في المُلْكِ الألفِيِّ.
فَسوفَ يُولَدُ أُناسٌ يَرفُضونَ المَسيح. وَسَوفَ يُحارِبُ أُناسٌ لا حَصْرَ لَهُم اللهَ. وَسَوفَ يَتِمُّ إطلاقُ الشَّيطانِ في نِهايةِ الألفِ سَنَة فَيَقودُ عِصْيانًا ضِدَّ الرَّبّ. وَسوفَ يَأتي اللهُ في دَينونَةٍ أخيرةٍ وآخِرَ مَرَّةٍ لِيُهلِكَ الكَونَ كُلَّهُ ويَصْنَعُ سَماواتٍ جَديدةً وأرضًا جَديدة. وَسوفَ نَقولُ المَزيدُ عَن ذلكَ في أثناءِ دِراسَتِنا. ولكِنَّ صَوتَ الغَضَبِ الإلهيِّ سَيَأتي في يَومِ الرَّبّ. فَهَذا أمرٌ مَحْتوم.
صَحيحٌ أنَّ المُستهزِئينَ قَد يَستَهزِئون؛ ولكِنَّهُم على خَطأ. وَصَحيحٌ أنَّهُم قَد يُجادِلون. فَقد يُجادِلونَ مِن زَاويةِ العَواطِفِ والمَشاعِرِ، وَقد يُجادِلونَ مِن زَاويةِ الأخلاقِ لأنَّهُم لا يُريدونَ أيَّةَ مُساءَلَة، بَل يُريدونَ أن يَعيشوا كَما يَحلُوا لَهُم دُونَ وَخْزِ ضَمير، وَدُونَ كَوابِح، وَدُونَ مُساءَلة. وَصَحيحٌ أنَّهُم قَد يُجادِلونَ بِحَماقَةٍ وَغَباوَةٍ وَطَوْعًا مُستَنِدينَ إلى تَاريخٍ مُحَرَّفٍ؛ ولكِنَّ بَراهينَهُم سَخيفَة.
فَيومُ الرَّبِّ آتٍ... إنَّهُ آتٍ. وعندما يَأتي، سَيأتي بَغْتَةً بِقوَّةٍ وَكَلِصٍّ. وَقبلَ أنْ يَنتهي يَومُ الرَّبِّ، سيَكونُ الكَونُ كُلُّهُ الَّذي نَعرِفُهُ قَد زَال، وستَكونُ هُناكَ سَماواتٌ جَديدةٌ وأرضٌ جَديدة يَسكُنُ فيها البِرَّ فقط. وسيَكونُ قَد حُكِمَ على البَشرِ الأشرارِ والشَّياطينِ بالعَذابِ في النَّارِ الأبديَّة. فَهُوَ آتٍ... إنَّهُ آتٍ في وَقتِهِ. وفي المَرَّةِ القَادِمَة سَنَرى تَطبيقاتِ ذلكَ في حَياتِنا.
يَا أبانا، نَشكُرُكَ على وَقتِنا الَّذي صَرَفْناهُ في دِراسةِ كَلِمَتِكَ في هذا المَساء. هُناكَ الكَثيرُ لِنَقولَهُ. وَهُناكَ الكَثيرُ مِنَ الحَقائقِ الغَنِيَّة. يَا رَبُّ، نَشكُرُكَ لأنَّكَ أعطيتَنا هذا التَّحذيرَ الوَاضِح. فَما أرْوَعَكَ مِنْ إلَه! فأنتَ لا تَتَأنَّى عَلينا فقط، بَلْ تُعطينا أيضًا إعلانًا وَاضِحًا جدًّا لكي نَفْهَمَ ونَعرِف. فَقَد جَعَلتَ كَلِمَتَكَ مُتاحَةً. كَما أنَّنا نَشكُرُكَ على عَطْفِكَ، وَتَحَنُّنِكَ، ونِعمَتِكَ، ورَحمَتِكَ، وإحسانِك.
وَنَشكُرُكَ أيضًا لأنَّكَ لا تَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ. فَقد بَرْهَنْتَ على أنَّكَ أَحْبَبْتَ البَشَرَ عِندَما بَذَلتَ ابنَكَ لِكَي تَفديهِم. ولكِنْ يا رَبّ، نَحنُ نَعلمُ في الوقتِ نَفسِهِ أنَّهُ على الرَّغْمِ مِن أَناتِكَ، هُناكَ يَومٌ تُطَبِّقُ فيهِ عَدالَتَكَ المُقَدَّسَةَ لأنَّ وَقتَ إسْباغِ نِعْمَتِكَ سيَكونُ قَدِ انتَهى. وَصَلاتُنا هِيَ أنْ يَتَجَنَّبَ جَميعُ الأشخاصِ الَّذينَ يَسمَعونَ هَذهِ الرِّسالةَ هَذِهِ الدَّينونَةَ وَعَذابَها الأبديَّ مِنْ خِلالِ المَجيءِ إلى المَسيحِ، وَتَرْكِ الخَطِيَّةِ، وَقَبولِهِ مُخَلِّصًا وَرَبًّا. نُصَلِّي هذا باسْمِهِ. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.