
كما قُلتُ في الأسبوعِ الماضي، فقد أخذنا استراحةً قصيرةً مِن دراسة إنجيل لوقا. وقد قُلتُ لكم قبلَ بِضعة أسابيع إنَّ هُناكَ أشخاصًا دَعوني إلى كِتابةِ كِتابٍ عن موضوعِ الإنقاذ لأنَّ لاهوتَ الإنقاذ (الَّذي هو لاهوتٌ كِتابيٌّ مَحْض) مُهمَلٌ جِدًّا في وقتنا الحاضر. وفي أثناءِ سَفَري بِضعة أسابيع إلى إيطاليا، ابتدأتُ أشعرُ أنَّ ذِهْني يَحْفِزُني جِدًّا على التحدُّثِ عن هذا الموضوع. لِذا فقد صارَ ذلكَ الشُّعورُ (كما قالَ إرْميا): "كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي". وهذا يعني أنَّني لن أتمكَّنَ مِنَ العودة إلى إنجيل لوقا إلَّا بعدَ أنْ أتحدَّثَ عن موضوعِ الإنقاذ.
وكما قلتُ في الأسبوعِ الماضي ... وإنْ لم تكونوا حاضرِينَ مَعَنا في الأسبوعِ الماضي، أَوَدُّ أنْ أشجعكم على الحصولِ على العظَة المُسَجَّلة والاستماعِ إليها لأنَّ ما قُلناهُ في الأسبوعِ الماضي أساسيٌّ ومُهِمٌّ لِفَهْمِ هذا الموضوع. فهي ليستَ واحدة مِن تلكَ العِظاتِ الاختياريَّة، بل يَلْزَمُنا جميعًا أنْ نَفهمَها. لِذا، إنْ لم تَسمَع تلكَ العِظة، يمكنكَ بِكُلِّ تأكيد أنْ تَحصُلَ على عِظَة مُسَجَّلة مِنْ مَركَزِ التَّسجيلات اليوم.
لقد قُلتُ في الأسبوعِ الماضي إنَّ واحدةً مِنَ الكلماتِ العظيمةِ في الكتابِ المقدَّس هي الكلمة "إنقاذ"، مَعَ أنَّها ليست شائعةَ الاستخدامِ في المُفرداتِ المسيحيَّة. ومِنَ المُؤسِفِ أنْ نقولَ إنَّهُ نادرًا ما نَسمَعُ اللَّاهوتِيِّينَ يَتحدَّثونَ عنها، ونادرًا ما نَقرأُ كُتُبًا لعُلماءِ اللَّاهوتِ تَتَحَّدثُ عنْ حَقِّ الإنقاذ. وبالرَّغمِ مِن ذلك، فإنَّها كلمة مُهِمَّة جِدًّا لفهمِ عَمَلِ اللهِ الفِدائيّ. فاللهُ عَاكِفٌ على عَمَلِ الإنقاذ. ورُبما كانتَ الكلمة "إنقاذ" أفضلَ كلمة، وأوضحَ كلمة، وأشملَ كلمة تُفَسِّرُ عَمَلَ اللهِ المُنْعِمِ والقويِّ في حَياتِنا. وما يُشَجِّعُنا على الحديثِ عن هذا الموضوعِ هو حقيقةُ أنَّ يسوعَ جاءَ ليقومَ بِخدمةِ إنقاذ. وعندما ابتدأنا في رؤيةِ ذلكَ في حالَةِ يَسوع، فإنَّ ذلكَ قادَنا إلى إدراكِ فِكرةٍ أعظم عنِ الإنقاذ تَشْمَلُ حَقًّا كُلَّ قَصْدِ اللهِ الفِدائيّ.
والآن، إنَّ لاهوتَ الإنقاذِ هو ليسَ مُجَرَّدَ دراسة أكاديميَّة بَحْتَة. وَهُوَ ليسَ مُجَرَّدَ نِقاشٍ لاهوتيٍّ مَحْض. فلاهوتُ الإنقاذِ هو لاهوتٌ عَمَلِيّ. بل هو عَمَلِيٌّ جِدًّا. ومِنَ المُهِمَّ جِدًّا أنْ يَفهمَ كُلُّ المُؤمِنينَ ذلك لأنَّ لاهوتَ الإنقاذِ هو الَّذي يُحَدِّد ما يَفعلهُ الخلاصُ حَقًّا في المُؤمِن. فالمسيحيُّ الحقيقيُّ هو شخصٌ أُنْقِذَ مِنْ أمورٍ مُحَدَّدة. ويُمكنُنا أنْ نَقولَ إنَّ الخلاصَ الحَقيقيَّ هو إنقاذ. فهو إنقاذٌ دراميٌّ للخاطئِ مِنْ كُلِّ عَناصِرِ الحياةِ الَّتي تُهَدِّد بإهلاكِهِ وإدانَتِه. والحقيقة هي أنَّ الإنقاذَ يُحَدِّد مَعنى أنْ تكونَ مَسيحيًّا. فهناكَ أُناسٌ لم يَتِمَّ إنقاذُهم. وهناكَ أُناسٌ تَمَّ إنقاذُهم. ونحنُ أُناسٌ تَمَّ إنقاذُنا.
وفي رسالة رُومية 11: 26، يَكْتُبُ بولُسُ أنَّ الْمُنْقِذَ سيَأتي وَيَرُدُّ الفُجُورَ ويَنْزِعُ الخطيَّة. والمسيَّا (أيِ الرَّبُّ يسوعُ المسيحُ) هو ذلكَ المُنْقِذ. والحقيقةُ هي أنَّهُ في كُلِّ مَرَّة نَقرأُ فيها الكتابَ المقدَّسَ ونَرى الكلمة "يُخَلِّص" أو "مُخَلَّص" أو "خَلاص" أو "مُخَلِّص"، يُمْكِنُنا أنْ نَجِدَ لها مُرادِفًا آخَرَ بِمَعنى "يُنْقِذ". فهي تَعني، بصورة أساسيَّة، الشَّيءَ نَفسَهُ. ولكِنَّ الكلمة "يُنْقِذ" مَفهومة جَيِّدًا بالنِّسبةِ إلينا لأنَّنا نَفْهَمُ مَعنى الكلمة "إنقاذ".
وكما قُلتُ في المَرَّة السَّابقة، وأنا أُخاطِبُ الأشخاصَ الَّذينَ كانوا هُنا في المَرَّة الماضية وأرجو أنْ يكونَ صَدى كَلامي ما زَالَ يَتَرَدَّدُ في أذهانِكُم لأنَّ لاهوتَ الإنقاذِ، وَفَهْمَ الإنقاذِ، هُوَ جُزءٌ مُهِمٌّ جِدًّا مِنَ الحَقِّ. وَهُوَ يَزدادُ أهميَّةً عندَما نأتي إلى نُقطةِ تَحديدِ هُوِيَّةِ المَسيحيّ الحقيقيّ. وهذا، كَما قُلْتُ سابقًا، مُهِمٌّ جِدًّا لِصِحَّةِ الكنيسةِ، وعافِيَتِها، وفاعِلِيَّتِها. فإنْ مَحَتِ الكنيسةُ الخَطَّ الفاصِلَ بينَ المؤمِنينَ وغيرِ المُؤمِنين، فإنَّها تَدعو العَدُوَّ إلى نَصْبِ خِيامِهِ في وَسْطِها، وتُشَوِّهُ هُوِيَّتَها، وتَسمَحُ للشَّيطانِ أنْ يَحْصُلَ على مَوْطِئِ قَدَم. وهذا يعني أنْ نَرضَى، أوْ حَتَّى أنْ نَسْمَحَ بِزَرْعِ الزَّوانِ بينَ الحِنْطَة. وللأسف، فإنَّ هذا هو تمامًا ما يَحدُثُ في الكنيسة الإنجيليَّة اليوم.
فالكنيسة الإنجيليَّة تَدعو غيرَ المؤمِنينَ إليها، ثُمَّ تُعيدُ تَعريفَهُم بأنَّهم مُؤمِنون. وقد أخبرتُكم في الأسبوعِ الماضي أنَّ أكبرَ إخْفاقٍ للمسيحيَّة المُعْتَرِفَة في هذا اليوم وفي هذا القَرْن هو الإخفاقُ في التَّمييزِ بينَ المسيحيِّينَ الحقيقيِّينَ والزَّائفين. والحالُ اليومَ أسوأُ مِنْ أيِّ وقتٍ مَضى. فقد مَضَى قَرْنٌ على حُدوثِ ذلك، ولكِنَّهُ الآنَ أسوأُ مِنْ أيِّ وقتٍ مَضى. إنَّ الكنيسةَ الحقيقيَّةَ هي مُجْتَمَعُ المُخَلَّصين. ويجب علينا أنْ نُحافِظَ على هذا الفَرْقِ واضِحًا جِدًّا لأنَّ الرَّبَّ يُريدُ كنيسةً طاهرة. وَهُوَ يُريدُ عَذراءَ عَفيفة. ويُريدُ عَروسًا لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْن. فيجب أنْ تتألَّفَ الكنيسةُ مِنْ مُؤمِنينَ حقيقيِّين. ويجب أنْ يكونَ واضحًا مَنْ هو المَسيحيُّ الحقيقيُّ وَمَنْ هو ليسَ كذلك كَيْ نَحمي الكنيسةَ مِنْ تَسَلُّلِ الشَّيطانِ إليها، وأيضًا كَيْ نَحمي الهالِكينَ مِنَ الخِداع. فعندما نَسْمَحُ لغيرِ المَسيحيِّينَ أنْ يُسَمُّوا "مَسيحيِّينَ" فإنَّنا نُلَوِّثُ الكنيسة. ونحنُ أيضًا نُساعِدُ وَنُسْهِمُ في نَشْرِ ضَلالِ الشَّيطان. وحينئذٍ فإنَّ النَّاسَ سيعيشونَ كما لو كانوا مَسيحيِّينَ، مَعَ أنَّهُم، في الحقيقة، ليسوا كذلك.
وقد أخبرتُكم في الأسبوعِ الماضي أنَّهُ عندما يَسألُني النَّاسُ: "ما هي أكبرُ مُشكلة في الكنيسة؟" فإنَّني أقولُ إنَّها: "عَدَمُ القُدرة على التَّمييز". وعندما نَتحدَّثُ عنِ الأشياءِ الَّتي لا تُمَيّزُها الكنيسة، فإنَّ الشَّيءَ الَّذي يَتَصَدَّر تلكَ اللَّائحة هو عَدَمُ قُدرتها على التَّمييزِ بينَ المُؤمِنينَ وغيرِ المُؤمِنين. وهذا خَطَأٌ مُهْلِك.
وفي خِتامِ عِظَتِنا في الأسبوعِ الماضي، قُلتُ لكم إنَّ هناكَ العديدَ مِنَ الأمورِ الَّتي ينبغي أنْ نَفهَمَ مِنْ خلالِها طَبيعَةَ الإنقاذ. فَمَعْنى أنْ تَكونَ مَسيحيًّا حقيقيًّا هو أنَّهُ قد تَمَّ إنقاذُكَ. فقد تَمَّ إنقاذُكَ مِنَ العديدِ مِنَ الأمورِ المُهِمَّة جِدًّا. والشَّيءُ الأوَّلُ هو ما أريدُ أنْ أُحَدِّثَكُمْ عنهُ في هذا الصَّباح. فالمسيحيُّونَ الحقيقيُّونَ أُنْقِذوا مِنَ الضَّلالِ إلى الحَقِّ. مِنَ الضَّلالِ إلى الحَقِّ. وليسَ مِنَ السَّهْلِ أنْ أَعِظَ هذِهِ العِظَة على مَسامِعِكُم لأسبابٍ عديدة. أوَّلاً، هناكَ مادَّة كبيرة جِدًّا في ذِهْني. وهي مُتَشَعِّبة جِدًّا حَتَّى إنَّ غَرْبَلَتَها تَتطلَّبُ جُهدًا ذِهنيًّا هائلاً وَثِقَةً كبيرةً في أنَّ رُوحَ اللهِ سيقومُ بتلكَ الغَرْبَلَة.
ثانيًا، يجب عليكم أنْ تُفَكِّروا معي لأنَّ هناكَ أمورًا دقيقةً (وأمورًا غير دقيقة) ينبغي أنْ تَستوعبوها في أثناءِ دِراسَتِنا. ولكِنَّ هذا الأمرَ مُهِمٌّ جدًّا جدًّا. فلا يوجد شيءٌ أسوأ مِنْ أنْ يَظُنَّ المَرءُ أنَّهُ مَسيحيٌّ في حينِ أنَّهُ ليسَ كذلك. ولا يوجد خَطَرٌ دَاهِمٌ يَخْتَصُّ بتأثيرِ الكنيسة أكبر مِنْ قَبولِ غيرِ المُؤمِنين كما لو كانوا مُؤمِنين. لِذا فإنَّنا نَتعامَلُ معَ مسألة مِحوريَّة جِدًّا تَختصُّ بِهُوِيَّةِ الكنيسة الحقيقيَّة. وهذا يُؤثِّرُ في حَياةِ كُلِّ الأشخاصِ الَّذينَ تَرْبُطُهُم بالكنيسة أيُّ صِلَة.
لِذا فإنَّ أوَّلَ شيءٍ نُريدُ أنْ نَعرِفَهُ عن عقيدةِ الإنقاذ أو لاهوتِ الإنقاذ هو أنَّ المسيحيِّينَ الحقيقيِّينَ قد أُنْقِذوا مِنَ الضَّلالِ إلى الحَقِّ. افتحوا معي كِتابَكُم المُقدَّسَ على رسالة كولوسي والأصحاح الأوَّل. ولنبتدئ مِن هُناك. وسوفَ نُحاولُ أنْ نَسيرَ بأقصى سُرعة مُمْكِنَة. وسوفَ أُضْطَرُّ إلى تَجاوُزِ بعضِ النِّقاط. ولكِنْ أعتقد أنَّهُ يُمْكِنُنا أنْ نَبتدئ بِدايةً جَيِّدة في رسالة كولوسي والأصحاح الأوَّل. فنحنُ هُنا أمامَ مَقطَعٍ يُعَبِّرُ عن مُعْجِزَةِ الإنقاذِ العظيمة. والعدد 13 هو العَدَدُ البارِز. العدد 13. رسالة كولوسي 1: 13: "الَّذِي [أيِ الآبُ المَذكور في العدد 12 والَّذي يَسْتَحِقُّ شُكْرَ قُلوبِنا] "[الآبُ] الَّذي أَنْقَذَنَا [أيْ: حَرَّرَنا] مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ".
ففي العدد 12، يَقولُ بولُس: "شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَــنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّور". وتَجِدونَ هُنا مُفارقةً كِتابيَّةً مألوفةً بينَ الظُّلمة والنُّور. فقد تَمَّ إنقاذُنا مِنْ سُلْطانِ الظُّلمة. وقد تَمَّ إنقاذُنا إلى مَلكوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ" (كَما يَقولُ النَّصُّ اليُونانيُّ حَرفيًّا)؛ وَهُوَ مَلَكوتٌ مُؤلَّفٌ مِنْ قِدِّيسينَ يَعيشونَ في النُّور. فالظُّلمة مُرادِفة للجَهْل. والظُّلمة مُرادِفة للضَّلال. أمَّا النُّورُ فَمُرادِفٌ للحَقّ. وقد تَمَّ إنقاذُنا مِنَ الضَّلالِ، وَمِنَ الظُّلمةِ، وتَمَّ نَقْلُنا إلى مَملكةِ نُوْرٍ يَحْكُمُها ابْنُ اللهِ المَحبوب، يَسوعُ المسيح. وهذا هو أوَّلُ نَوْعٍ مِنَ الإنقاذ.
فالمسيحيُّونُ الحقيقيُّونَ يَفهمونَ الحَقّ. فقد خَرَجوا مِنَ الظُّلمةِ إلى النُّور. وقد خَرَجوا مِنَ الضَّلالِ إلى الحَقّ. ونحنُ نَقرأُ في المزمور 119: 130: "فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ". ونَقرأُ في المزمور 119: 105: "سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي". وهذا هو النِّطاقُ العظيمُ الأوَّلُ للإنقاذ إذْ تَمَّ إنقاذُنا مِنْ ظُلمةِ الجَهلِ إلى نُوْرِ الحَقِّ السَّاطِع.
وعندما دَعا اللهُ الرَّسولَ بولسَ إلى الكِرازة (كما جاءَ في سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل 26: 18) أَرْسَلَهُ إلى الخُطاةِ كَيْ يَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُور. لِذا فإنَّ الظُّلمةَ والنُّورَ هُنا هُما مُرادِفانِ أوِ اسْتِعارَتانِ للضَّلالِ والحَقّ. وأرجو أنْ تُلاحظوا في العدد 13 أنَّ الحَقَّ مُرادِفٌ ليسوعَ المسيح. فقد تَمَّ إنقاذُنا مِنْ سُلطانِ الظُّلمة (الَّذي هو مُملكةُ الشَّيطان) إلى مَلَكوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ. وَهُوَ نُوْرُ العالَم. فقد قالَ يسوع: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَة". والنُّورُ مُرادِفٌ ليسوعَ المسيح. وَهُوَ مُرادِفٌ للدُّخولِ إلى مَلكوتِ يسوعَ المسيح.
لِذا فإنَّ أوَّلَ صِفَةٍ مِنْ صِفاتِ الأشخاصِ الَّذينَ تَمَّ إنقاذُهُمْ حَقًّا، أيِ المُؤمِنينَ الحقيقيِّينَ، هي أنَّهُم لا يُؤمِنونَ بالضَّلالاتِ لأنَّهُمْ قد أَقْبَلوا إلى النُّور، وأَقْبَلوا إلى الحَقّ. وإنْ أردنا أنْ نَستعيرَ الكَلِماتِ الَّتي جاءَتْ في رسالة أفسُس والأصحاح 6، فإنَّهم أشخاصٌ يُحاربونَ قُوى الظُّلمة الرُوحيَّة؛ وَلَكِنَّهُم مُنتصرِونَ لأنَّهم يَحْمِلونَ سِلاحَ اللهِ الكامِل. والقِطعةُ الأولى في السِّلاح هي مَنْطَقَة (أوْ حِزام) الحَقّ.
لِذا فإنَّ المُؤمِنَ شخصٌ يَفهمُ الحَقَّ، وشخصٌ تَمَّ إنقاذُهُ مِنْ أكاذيبِ الشَّيطانِ فَصارَ يَعْرِفُ الحَقَّ الإلهيّ. وأنْ تَكونَ مُخَلَّصًا (بحسب ما جاءَ في رسالة تيموثاوس الأولى 2: 4) أنْ تَكونَ مُخَلَّصًا يَعني أنْ تَعْرِفَ الحَقَّ. وهذهِ آية مُهِمَّة جدًّا. اكْتُبوها. رسالة تيموثاوس الأولى 2: 4. "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ [وهذهِ هي الكلمة المُستخدَمَة في تَرْجَمَتِها]، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ". وهذا يَعني أنَّ الخَلاصَ وَمَعرفةَ الحَقِّ يُعنيان الشَّيءَ نَفسَهُ. فالخلاصُ ليسَ شيئًا صُوفيًّا خَفِيَّا، وليسَ مُجَرَّدَ شُعورٍ يَصْعُبُ وَصْفُه. بل إنَّ الخَلاصَ يَعني أنْ تَعْرِفَ الحَقَّ. ولوقا يَقولُ لنا في سِفْر أعمالِ الرُّسُل إنَّهُ عندما كُرِزَ بالإنجيلِ في يومِ الخمسين، فإنَّ ثلاثةَ آلافِ شخصٍ نَالوا الخَلاصَ، وإنَّهُمْ وَاظَبوا على تَعليمِ الرُّسُل. فقد ابتدأوا مِنْ هُناكَ واستمرُّوا في القيامِ بذلك.
فالمسيحيُّ الحقيقيُّ شخصٌ أُنْقِذَ مِنْ نِطاقِ الجَهْلِ وَنُقِلَ إلى نِطاقِ الحَقِّ. فالمُؤمِنونَ يُقْبِلونَ إلى نِطاقِ الحَقِّ ويَستمرُّونَ في نِطاقِ الحَقِّ. فأنْ تَكونَ مُخَلَّصًا يَعني أنْ تُقْبِلَ إلى مَعرفةِ الحَقِّ. والمسيحيُّ هو شخصٌ يَفهمُ الحَقَّ، ويُؤمِنُ بالحَقِّ، ويَقْبَلُ الحَقَّ، ويُحِبُّ الحَقَّ، ويَخْضَعُ للحَقّ.
وإنَّهُ لَيُدهِشُني أنْ أرى أُناسًا كثيرينَ جدًّا في الكنيسةِ الإنجيليَّةِ اليوم، مِنْ قادةِ الكنيسةِ الإنجيليَّة، والرُّعاةِ والكُتَّابِ، يُؤمِنونَ أنَّ الشَّخصَ يُمكنُ أنْ يكونَ مَسيحيًّا مِنْ دونِ أنْ يَتِمَّ إنْقاذُهُ مِنَ الضَّلالِ إلى الحَقّ. وأنا أقرأُ اليومَ أنَّ هناكَ أشخاصًا يقولونَ إنَّ هُناكَ شُعوبًا في بِلادٍ نائية، وقبائلَ في مَناطِقَ نائية في العالم، لم يَقرأوا يومًا الكِتابَ المُقدَّسَ، ولم يَسمعوا يومًا الحَقَّ المُختصَّ بيسوعَ المسيح، ولكنَّهُم بالرَّغمِ مِن ذلكَ سيَخلُصون لأنَّ اللهَ سيكونُ مُنْعِمًا ولَطيفًا مَعَهُم. وَهُمْ سيَخلُصونَ بالرَّغمِ مِنْ أنَّهم لم يَسمعوا الحَقَّ يومًا. ولكِنَّ هذهِ كِذْبَة. فبحسبِ ما جاءَ في رسالة رُومية والأصحاحِ الأوَّل، إنْ عاشَ هؤلاءِ بحسبِ النُّورِ المُعْطى لهم، وإنْ رَأَوْا الخالِقَ مِنْ خِلالِ الخَليقةِ والمَنْطِقِ، وإنْ فَعَلوا ما جاءَ في رسالة رُومية والأصحاحِ الثَّاني؛ أيْ إنْ سَلَكوا بحسبِ ضَميرِهم الَّذي أَعْطاهُ اللهُ لَهُم، وإنْ عَاشوا بحسبِ النُّورِ المُعطى لهم، فإنَّ المسيحَ الَّذي هُوَ "النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ" (كما جاءَ في إنجيل يوحنَّا 1: 9) سَيُعطيهم مَزيدًا مِنَ النُّور. وسوفَ يأتي هؤلاءِ إلى نُوْرٍ أعظَم لأنَّ اللهَ سيُعطيهم نُورًا أعظم. ولكِنْ لَنْ يَخْلَصَ أيُّ شخصٍ لا يُقْبِلُ إلى مَعْرِفَةِ الحَقّ.
وَهُناكَ مَنْ يقولُ اليومَ إنَّهُ لا يَنبغي لكَ أنْ تُقْبِلَ إلى مَعرفةِ الحَقِّ. وإنْ كانَ هذا صحيحًا، قُولوا لجميعُ المُرْسَلينَ أنْ يَعودوا إلى دِيارِهم، وتوقَّفوا عنِ الكِرازةِ بالإنجيلِ لِكُلِّ الخليقة؛ بالرَّغمِ مِنْ أنَّ يسوعَ أَوْصانا بأنْ نَفعلَ ذلك. ولكِنَّ الكتابَ المقدَّسَ يقولُ لنا إنَّهُ حينَ يَتِمُّ إنقاذُكَ، فإنَّكَ تَنْجو مِنَ الضَّلالِ وَتأتي إلى الحَقّ. وأنتَ تأتي حَرفيًّا إلى عَقيدةٍ، وعَالَمٍ، وَنِطاقٍ، وَمَمْلَكَةٍ كُلُّها نُوْر. وبحسبِ ما جاءَ في إنجيل يوحنَّا 6: 45: "وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ". فَهُمْ يَحصلونَ على استِنارَةٍ. وَمِنْ شَأنِ هذا أنْ يَفْرِزَ تَعليمَ اللهِ عَنْ كُلِّ تَعليمِ البَشَر. فالمؤمنونَ الحقيقيُّونَ يَفهمونَ الحَقَّ ويُمَيِّزونَهُ عنِ الضَّلال. فقد حَصَلوا مِنْ خلالِ التَّجديدِ على طبيعةٍ جديدة. وتلكَ الطَّبيعةُ الجديدة تَجْعَلُهُم يَعرفونَ الحَقَّ. وتلكَ الطَّبيعةُ الجديدةُ تَجْعَلُهُمْ يَنْجَذِبونَ إلى الحَقّ. وتلكَ الطَّبيعةُ الجديدة تَجْعَلُهُم يُكَرِّسونَ أنفُسَهُم للحَقِّ. وتَجعَلُهُم يُحِبُّونَ الحَقَّ. فنحنُ لدينا مَسْحَة (كما جاءَ في رسالة يوحنَّا الأولى 2: 27) مِنَ اللهِ، وَهِيَ ثَابِتَة فِينا، وَلاَ حَاجَةَ بِنا إِلَى أَنْ يُعَلِّمَنا أَحَد. فنحنُ لسنا بحاجة إلى مُعَلِّمٍ بَشَرِيٍّ يَشْرَحُ العَالَمَ لنا. ونحنُ لسنا بحاجة إلى نَهْجٍ بَشريٍّ للحياةِ قائمٌ على الفلسفة. ونحنُ لسنا بحاجة إلى دِيْنٍ مِنْ صُنْعِ البَشَرِ أوِ الشَّياطين لأنَّهُ تَمَّ إنقاذُنا مِنَ الظُّلمةِ إلى النُّور. ونحنُ نَعيشُ في الحَقّ.
اسمعوني: لقد أُعْطينا (بحسب إنجيل يوحنَّا 14: 17): "رُوح الْحَقّ" الَّذِي يَسْكُنُ فينا. ونحنُ نَفهمُ الحَقَّ. وهذا الحَقُّ هو الَّذي يُخَلِّص. لِذا فإنَّ الآية تيموثاوس الأولى 2: 4 تُلَخِّصُ الأمرَ كُلَّهُ. فقد نِلْتُم الخلاص؛ أيْ أنَّكُمْ أَقْبَلْتُمْ إلى مَعرفةِ الحَقِّ. فقد آمَنْتُم بالحَقِّ، وأَقَرَّيْتُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُموه، وأَحْبَبْتُموه، وخَضَعْتُمْ لَهُ. وفي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 8، قالَ يَسوع: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ [ماذا؟] يُحَرِّرُكُمْ". فالبحثُ قدِ انْتَهى. وقد أُنْقِذْتُمْ مِنَ الظُّلمة. وأنتُم لم تَعودوا تَمشونَ كالعُمْيانِ في الظَّلامِ لأنَّكم تَحَرَّرتُم. فقد أُعْتِقْتُم. فالحَقُّ حَرَّرَكُم. واسمحوا لي أنْ أقولَ لكم شيئًا، يا أحبَّائي: الشيءُ الوحيدُ الَّذي يَقْدِرُ أنْ يُحَرِّرَ الخاطئَ هو الحَقّ. فما لم يأتِ الخاطئُ إلى الحَقِّ، فإنَّهُ سيبقى يَعيشُ في الظُّلمة. وفي رسالة أفسُس 5: 8، فَسَّرَ بولسُ ذلكَ كما يَلي (وأنا أُحِبُّ ذلك): "لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ". ألا تُعَبِّرُ هذهِ الكلماتُ عن ذلك؟ "لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ". إنَّهُ يُعَبِّرُ عن ذلكَ ببساطة. فالخَلاصُ يَتَطَلَّبُ الإيمانَ بِكُلِّ القلبِ بالحَقِّ الَّذي يُخَلِّص. وإنْ لم تُؤمِن بالحَقِّ الَّذي يُخَلِّص، لا يُمكِن أنْ تَخلص. فيجب عليكَ أنْ تُؤمِن بالحَقِّ المُحَرِّر لكي تَتحرَّر.
وقد كَتَبَتْ سَيِّدة رِسالةً إليَّ تقولُ فيها إنَّها كانت تَظُنُّ أنَّ المسيحيَّة لا بأسَ فيها، ولكنَّها اعْتَنَقَتْ مَذْهَبَ الزِّنّ (Zen) البُوذِيّ، وإنَّها كانت تُحِبُّ الاستماعَ إلى البرامجِ الإذاعيَّة المسيحيَّة لأنَّ المُوسيقا المسيحيَّة [بحسبِ قولِها] تُسَكِّنُ الكَارْما “karma” لديها. ولكِنَّها قالت إنَّني كُنْتُ السَّبَبَ في قَطْعِ تلكَ الكَارْما لأنَّني ضَيِّقُ الأُفُق ولا أَتَقَبَّلُ الدِّياناتِ الأخرى. لِذا فقد كَتَبَتْ إليَّ كَيْ تُشَجِّعَني على أنْ أكونَ أكثرَ انْفِتاحًا، وقالت (وأنا أَقْتَبِسُ كَلامَها): "إنَّ اللهَ لا يُبالي بما تُؤمِن بِهِ طَالَما أنَّكَ تُؤمِنُ وَحَسْب. فاللهُ لا يُبالي بما تُؤمِنُ بِهِ [بِحَسَبِ قولِها] طالَما أنَّكَ مُخْلِصٌ". وقد مَضَتْ تقول: "إنَّ جَميعَ الدِّياناتِ تَقودُ في النِّهاية إلى الحقيقةِ نَفسِها. لِذا، لا يَهُمُّ أيَّ طَريقٍ تَسْلُك".
وهذا يَعْكِسُ حَالَ جِيْلِنا. أليسَ كذلك؟ فهذهِ كِذبة شائعة ومُنتشِرة تقولُ إنَّ ما تُؤمِنُ بِهِ ليسَ مُهِمًّا طَالَما أنَّكَ تُؤمِنُ بشيءٍ ما، وطالما أنَّكَ مُخْلِصٌ لأنَّ الجَميعَ سيَسلُكونَ الطَّريقَ نَفسَهُ في النِّهاية. ولكِنَّ هذا لا يَتَّفِقُ مَعَ ما جاءَ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 7 إذْ إنَّ يَسوعَ قال: "لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ" [أيْ طَريقُ التَّدَيُّنِ الَّذي يَسْلُكُهُ أغلبيَّةُ النَّاسِ]. وَهُوَ "يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَك". ونَقرأُ في سِفْر الأمثال 14: 12: "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ".
أنا أَعلمُ أنَّ اللَّباقةَ الاجتماعيَّةَ تَقتضي مِنَّا أنْ نَتَبَنَّى موقفًا كهذا. وأنا أَعلمُ أنَّ الكِياسَةَ الاجتماعيَّةَ تَقتضي مِنَّا ألَّا نَقولَ إنَّ دِيانَتَنا صحيحة، أو إنَّ إيمانَنا صحيحٌ، أو إنَّ ما نُؤمِن بِهِ هُوَ الصَّوابُ وإنَّ كُلَّ الآخرينَ على خطأ. فهذا السُّلوكُ غير مَقبولٍ اليوم في عَالَمِنا المُعاصِرِ الَّذي لا يُبالي بالحَقّ. فالهدفُ الأسمى للعَصْرَنَة هو أنْ يَكونَ الجَميعُ مَقبولينَ بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا يُؤمِنونَ بِهِ، وإنَّهُ يَحِقُّ لهؤلاءِ أنْ يُؤمِنوا بذلك. وَمَنْ تكونُ أنتَ لكي تأتي وتقول إنَّكَ تَمْلِكُ الحَقَّ؟ فنحنُ جميعًا نَعرِفُ أنَّهُ لا يوجد حَقٌّ بالمعنى الحقيقيّ. فالأمرُ يَتوقَّف على ما يُفَضِّلُهُ كُلُّ إنسان. فلا بأسَ في أنْ تُؤمِنَ بأيِّ شيءٍ يَجْعَلُكَ تَشعُر بمشاعر طَيِّبة. ولكِنَّ المُهِمَّ هو ألَّا تَقولَ إنَّكَ تُؤمِنُ بالحَقِّ وإنَّ كُلَّ شيءٍ آخر خطأ. فهذا ليسَ موقِفًا يَحظى بالشَّعبيَّة.
لقد بَاتَتْ هذهِ النَّظرة العاجِزَة عن تَمييزِ الحَقِّ، أو هذهِ النَّظرة إلى الأشياءِ البعيدة عنِ الحَقِّ، باتَتْ شائعة جدًّا حَتَّى إنَّها تَجْتاحُ حَرفيًّا الكنيسة الإنجيليَّة. والنَّاسُ يَقولونَ الآنَ (كما ذَكَرْتُ قبلَ قَليل) إنَّ هُناكَ أشخاصًا في جميع أنحاءِ العالَم، وفي الأماكِنِ النَّائيةِ، لن يَعرِفوا الحَقَّ يومًا، وإنَّ اللهَ سيأخذُهم إلى السَّماءِ بأيِّ حَال. وهناكَ كِتابٌ أَشَرْتُ إليهِ عندما كُنْتُ أُعَلِّمُ في إيطاليا قبلَ أُسبوعَيْن، وهو بعُنوان: "الجِهادُ المَسْكونِيّ" (Ecumenical War). والجِهادُ هو الحَرْبُ المُقَدَّسة. ومُؤلِّفُ الكِتابِ هو "بيتر كريفت" (Peter Kreeft)، وهُوَ مُدافِعٌ كاثوليكيّ. وَهُوَ يَقولُ: "إن أردنا أنْ نَنتصرَ في الحَرْبِ المُقَدَّسة الَّتي هي حَرْبٌ ثقافيَّة، وإنْ أردنا أنْ نَجعلَ العالَمَ أفضلَ أخلاقيًّا، وأنْ نَجعلَ العالَمَ يَتصرَّفُ على نَحوٍ أفضل، وإنْ أردنا أنْ نُنْهي الحَرْبَ والجريمةَ وكُلَّ شيءٍ مُشابِهٍ، وأنْ يَصيرَ العَالَمُ مَكانًا أفضلَ أخلاقيًّا، يجب علينا أنْ نَخوضَ الحَربَ المُقدَّسَةً معًا. لِذا يجب علينا أنْ نَصيرَ مَسْكونِيِّين. لِذا، يجب علينا أنْ نَتَّحِدَ مَعًا. فلا يمكننا أنْ نَفعلَ ذلكَ بِمُفْرَدِنا.
لِذا فإنَّهُ يقولُ في الكِتاب: "يجب علينا أنْ نُدركَ أنَّنا جميعًا أولادُ اللهِ حَقًّا. فنحنُ نَسيرُ معًا في الطَّريقِ نَفسِهِ إلى نَفسِ السَّماء. وَقد كَتَبَ الكِتابَ بطريقة ذكيَّة جدًّا. فهو يَبتدئُ الكِتابِ بالحَديثِ عَنْ أنَّهُ كانَ يُمارِسُ رِياضَةَ الرَّكْمَجَة (أوْ رُكوبِ الأمواجِ) في كاليفورنيا (على ما أَظُنّ)، وأنَّ مَوْجَةً قَلَبَتْهُ فَفَقَدَ وَعْيَهُ واخْتَبَرَ شيئًا خَارِجَ نِطاقِ جَسَدِه. فقد ذَهَبَ إلى السَّماء. وعندما ذهبَ إلى السَّماءِ دُهِشَ جِدًّا لأنَّهُ اكتشفَ عندَ وُصولِهِ إلى هُناك أنَّ "بُوْذا" موجودٌ هُناكَ. وَهُوَ شخصٌ أعتقد أنَّهُ بمقدورِ أيِّ شخصٍ أنْ يُمَيِّزَهُ. فَهُوَ شخصيَّة فَريدة مِنْ حيثِ الشَّكل. ولا عَجَبَ أنَّهُ لم يَستغرِق وقتًا طويلاً في مَعْرِفَةِ هُوِيَّةِ ذلكَ الكائِن. وقدِ التقى بوذا وقالَ لَهُ: "ما الَّذي تَفْعَلُهُ هُنا في السَّماء؟" فبوذا ليسَ مسيحيًّا! "ما الَّذي تَفْعَلُهُ هُنا؟" فقال: "كما تَعلَمُ، لقد كُنْتُ أَسْتَغْرِقُ في التَّأمُّل. وكنتُ أعيشُ في سَلام. وأعيشُ في سَكينة. وقد اْكَتَشْفُت أنَّ كُلَّ ما كُنْتُ أَجْهَلُهُ عن يسوعَ قد ذَخَرَهُ اللهُ لي إلى حِيْنُ وُصولي إلى السَّماء".
ثُمَّ إنَّهُ تَقَدَّمَ أكثر فرأى مُحَمَّدًا فقالَ لَهُ: "ماذا تَفعلُ هنا؟ فقد كُنتَ تُؤمِنُ أنَّ يسوعَ مُجَرَّدَ نَبِيٍّ مِنَ الأنبياءِ مِثْلَ مُحَمَّد!" "ماذا تَفعلُ هُنا؟ وكيفَ وَصَلْتَ إلى هُنا؟" فقال: "لقد كُنَّا نُرَكِّزُ على الأخلاقيَّات". والحقيقةُ هي أنَّ "كريفت" يقولُ في كِتابِهِ إنَّ المُسلِمينَ هُمْ مُسيحيُّونَ أفضل مِنَ المَسيحيِّينَ لأنَّهم لا يُمارِسونَ الفُجورَ، وَلا يَزْنونَ، ولا يَقترفونَ الخطايا الجنسيَّة وخطايا أخرى. فَهذا يُخالِفُ قِيَمَهُم. لِذا فإنَّها يَفعلونَ ذلكَ أقَلَّ مِمَّا يَفعلُ أولئكَ الَّذينَ يَزْعُمونَ أنَّهم مَسيحيُّون. لِذا فإنَّهُم مُسيحيُّونَ أفضل مِنَ المَسيحيِّينَ أنفُسِهم. وقد قالَ لَهُ مُحَمَّد: "ما كُنْتُ أَجْهَلُهُ عن يَسوعَ صَحَّحَهُ اللهُ لي عندما جئْتُ إلى هُنا".
وَقد تَقَدَّمَ أكثر قليلاً فرأى بعضَ اليهودِ الَّذينَ لم يكونوا يؤمِنونَ بيسوعَ أيضًا، بل كانوا يَعبُدونَ اللهَ الحَيَّ، إلَهَ العهدِ القديم. وقد كانَ هذا مَقبولاً لدى اللهِ لأنَّهم كانوا يَعبُدونَهُ بوصفِهِ الإلَهَ الحقيقيَّ. وما لم يَكونوا يَعرِفونَهُ عن يسوعَ عَرَفوهُ حينَ ذهبوا إلى السَّماء. ثُمَّ إنَّهُ التقى مَجموعَةً مِنَ المُلْحِدينَ. وكانَ المُلحِدونَ يَبحثونَ عنِ الحَقّ. وحيثُ إنَّ اللهَ حَقّ، فقد كانوا يَبحثونَ عنِ اللهِ. وكانَ هذا يَكفي في نَظَرِ الله. لِذا، فقد ذهبوا إلى هُناكَ أيضًا.
والنُّقطةُ الَّتي يُريدُ "بيتر كريفت" أنْ يُوَصِّلَها هي أنَّهُ عندما نَذهبُ إلى السماء، سنَجِدُ أشخاصًا آخرينَ هُناكَ بأيِّ حال. لِذا، لِمَ نَتَخاصَم هُنا؟ لِنَتَّحِد معًا ونَنتصِر في هذهِ الحرب. وفي نهايةِ الكِتاب (وأنا أَمُرُّ عليهِ مُرورًا سريعًا) فإنَّهُ يقول: "نحنُ بحاجة إلى قائدٍ. فنحنُ بحاجة إلى قائدٍ عظيمٍ يَقودُنا إنْ أردَنا أنْ نَخوضَ هذهِ الحرب وأنْ نَجْمَعَ كُلَّ المُسلِمينَ، وكُلَّ البُوذِيِّينَ، وكُلَّ اليهودِ، وكُلَّ المُلْحِدينَ، وكُلَّ الآخرينَ معًا. وهُناكَ أشخاصٌ آخرونَ أيضًا. فيجب علينا جميعًا أنْ نَتَّحِد. ويجب أنْ يكونَ لَنا قائد". وهو يقول: "وهناكَ قائدٌ عظيمٌ واحدٌ قادِرٌ على تَحقيقِ النَّصْرِ في الحُروبِ الصَّعْبَة". وَهُوَ يُسَمِّيهِ: "البابا". فهو سيكونُ قائِدًا لنا. ويجب علينا أنْ نَتَحَلَّى بِقوَّة داخليَّة. لِذا، يجب علينا أنْ نُكَرِّسَ أنفُسَنا لِمَريَم. فمريَم هي القوَّة الرُّوحيَّة العظيمة، والمَصْدَرُ الرُّوحِيُّ العظيم. لِذا، يجب علينا جميعًا أنْ نَتَّحِدَ معًا. ويجب علينا جميعًا أنْ نَعْبُدَ مَريَم. وسوفَ يكونُ البابا قائِدًا لنا. فسوفَ نَتَّحِدُ جميعًا ونَنتصِرُ في الجِهاد".
وقد تقول: "حسنًا! وما الغَريبُ في الأمر؟" المُدهِشُ أكثرَ مِن ذلك هو أنَّ هُناكَ مَنْ يُنَاصِرُ هذا الرَّأيَ على الغِلافِ الخَلفيِّ لذلكَ الكِتاب. وذلكَ التَّأييدُ صادِرٌ عن "شَكْ كولسون" (Chuck Colson). وإليكُم ما يَقولُهُ ذلكَ التَّأييدُ المكتوبُ على الغِلافِ الخَلفيِّ للكِتاب: "إنَّ الكاتِبَ ’بيتر كريفت‘ هو واحدٌ مِنَ المُدافِعينَ البارِزينَ عن المسيحيَّةِ في أمريكا اليوم، وواحدٌ مِنَ المُحارِبينَ الجَسورينَ والمُثَقَّفين" [نِهايةُ الاقتباس].
ولكِنَّ "بيتر كريفت" مُخادِعٌ وكاذِب. فهو ليسَ واحدًا مِنَ المُدافِعينَ البارِزينَ عنِ المسيحيَّة. والشَّيءُ الصَّادِمُ أكثر مِن ذلك هو أنَّنا نَقرأُ اقتباسًا لـِ "جيه.آي. باكر" (J.I. Packer) الَّذي يَتَحَدَّثُ عنِ الكِتابِ ويَطْرَحُ في نِهايةِ رَأيِهِ القَصيرِ سُؤالاً: "ماذا لو كانَ الكِاتِبُ مُحِقًّا؟" فهل نَطْرَحُ هذا السُّؤال؟ وهل هو مُحِقٌّ؟ وهل كُلّ شخصٍ سيَذهبُ إلى السَّماء بِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا يُؤمِنُ به؟ وقد تقول: "أنا أَتَفَهَّمُ أنْ تُبْدي تِلْكَ السَّيِّدة الَّتي اعْتَنَقَتْ مَذْهَبِ "زِن" البوذِيّ بعضَ التَّساهُل؛ ولكِنْ ماذا عنِ القادةِ الإنجيليِّين؟ وكيفَ تَعْقِدونَ مُؤتَمَر أمستردام؛ ذلكَ المُؤتمر الإنجيليُّ الضَّخْم بِرعاية مُؤسَّسة بيلي غراهام؟ فقد صَلَّى الصَّلاةَ الافتتاحيَّةَ شخصٌ مِنَ الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة. وقَدَّمَ إحْدى العِظات أُسقُف كانتربيري (Canterbury) الَّذي يُنْكِرُ أنَّ يَسوعَ قامَ مِنَ الموت. كيفَ تَقبلونَ كُلَّ ذلك وتَدْعُونَها مَسيحيَّة؟ وأينَ سَيَؤولُ كُلُّ هذا؟
إنَّها طبيعةُ الإنسانِ السَّاقِطِ وَطبيعةُ الشَّخصِ غيرِ المُخَلَّصِ أنْ يُؤمِنَ بالأكاذيب. ولكِنَّها ليست طَبيعة المُخَلَّصين. فقد خَلُصْنا مِنَ الأكاذيبِ وَعَرَفْنا ماذا؟ الحَقَّ. فقد تَمَّ إنقاذُنا مِنْ ذلك.
افتحوا على رسالة كورِنثوس الثانية والأصحاح 10. فلا بُدَّ أنْ أُريكُم هذا المَقطع. وقد أَشَرْتُ إليهِ مِنْ قَبل. فهو وَثيقُ الصِّلَة بهذا النِّقاش. رسالة كورِنثوس الثانية والأصحاح 10. ويجب عليَّ أنْ أُعَجِّلَ هُنا. ففي رسالة كورِنثوس الثانية 10: 4، يَقولُ بولُس [أوْ بالحَرِيِّ في العدد 3]: "لأَنَّنَا وَإِنْ كنَّا نَسْلُكُ فِي الْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ الْجَسَدِ نُحَارِبُ"؛ أيْ ليسَ بأسلحة بشريَّة، أو بَراعة بَشريَّة، أوْ ذَكاءٍ بَشريّ، أو آراءٍ بشريَّة، أو نَظريَّاتٍ بَشريَّة، أو أفكارٍ بشريَّة، أو أساليبَ بشريَّة، أو تَسويقٍ بَشَرِيٍّ، أو أيِّ شَيءٍ مِنْ هذا القَبيل. فلا يُمكِنُنا أنْ نَخوضَ هذهِ المَعركة بأسلحة بشريَّة. وفي العدد 4: "إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً". وَهُوَ يَقْصِدُ أنَّها ليست بَشريَّة. "بَلْ قَادِرَةٌ بِــاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ".
فهو يَقول: "انظروا! نحنُ نَخوضُ حَرْبًا رُوحيَّة. والحربُ الروحيَّةُ الَّتي نَخوضُها هي شيءٌ مُرْعِب. ونحنُ نُهاجِمُ هذهِ التَّحصيناتِ القويَّة جِدًّا. ونحنُ نُهاجِمُ هذِهِ القِلاع الحَصينة. والصُّورة هُنا هي صُورةُ قَلعة حَجريَّة ضَخمة. وهو يَقولُ: "يجب علينا أنْ نُهاجِمَها وَأنْ نُدَمِّرَها. ويجب علينا أنْ نَمْتَلِكَ أسلحة قويَّة جدًّا. فلا يمكننا أنْ نَذهبَ إلى هُناك بِكُلِّ الأفكارِ الصَّغيرةِ الذَّكيَّة، بل يجب علينا أنْ نُدَمِّرَ تلكَ الحُصون". وما هي تلكَ الحُصون؟ نَقرأُ في العدد 5 ما هي تلكَ الحُصون. فالعدد 4 يَنتهي بالكلماتِ التَّالية: "قادرة عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ". والعدد 5 يَبتدئُ بالكلمات: "هَادِمِينَ ظُنُونًا" (كما تَقولُ التَّرجمة الأمريكيَّة القياسيَّة الجديدة)، أوْ "أوْهامًا" (بِحَسَبِ تَرْجماتٍ أُخرى). وهذا وَصْفٌ لتلكَ الحُصون. فهذهِ الحُصونُ القويَّة، وهذهِ السُّجونُ المَنيعة هي مُجَرَّد ظُنون. فَهِيَ "لوغيزموس" (logismos) في اللُّغة اليونانيَّة. وهي تَعني: "أفكارًا" أو "أيديولوجيَّات". أيديولوجيَّات! أيُّ نَوْعٍ مِنَ الأيديولوجيَّات؟ تَابِعوا قِراءةَ العدد 5: "وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ". أيْ كُلَّ فِكرة غير كِتابيَّة، وأيَّ شيءٍ يُناقِضُ الحَقَّ الإلهيَّ. فيجب علينا أنْ نَهْدِمَ ذلك. لماذا؟ نَقرأُ في العدد 5: "مُسْتَأسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيح". بعبارة أخرى، فإنَّ العالَمَ مُمتلئٌ بأُناسٍ مُسْتَعْبَدينَ للأنظمة الأيديولوجيَّة، والأكاذيب، والضَّلالات، والظَّلام، والعَمى. ومسؤوليَّتُنا هي أنْ نَذهبَ ونَهْدِمَ تلكَ الأيديولوجيَّات لكي نُحَرِّرَ هؤلاءِ الأسرى لأنَّ تِلْكَ الحُصون تَصيرُ سُجونًا لهم، ثُمَّ في النِّهاية: قُبورًا لهم.
وهذهِ مَسؤوليَّة هائلة. والعِبارة "كُلَّ عُلْوٍ" تُشيرُ إلى أيِّ فِكرة مُتَكَبِّرة، أو أيِّ نِظامٍ مُعَقَّد، أو أيِّ شَيءٍ مِن هذا القَبيل. أيْ أيَّ فِكرة ... فِكرة فَلسفيَّة، أو أيّ دِيانة، أو لاهوت، أو عِلْم نَفس، أو أيَّ شيءٍ آخر ... فَأيُّ فِكرة تُناقِضُ مَعرفةَ اللهِ ينبغي أنْ تُهْدَم. وإلَّا فإنَّ هؤلاءِ النَّاسَ سيَهْلِكونَ وَهُمْ أَسْرى لتلكَ الكِذْبَة. وما ينبغي أنْ نَفعلَهُ هو أنْ نَهْدِمَ تلكَ الأيديولوجيَّات، وأنْ نَسْتَأسِرَ فِكْرَ كُلِّ شخصٍ إلى طَاعَةِ المسيح. فنحنُ نُريدُ مِنهم أنْ يُفَكِّروا بذاتِ الطريقةِ الَّتي يُفَكِّرُ فيها الله، وأنْ يَمتلكوا فِكْرَ المسيح حَتَّى يَرَوْا الحَقَّ، ويَعرفوا الحَقَّ، ويُحِبُّوا الحَقَّ.
والآن، كيفَ نَهْدِمُ ذلك؟ حسنًا! إنَّهُ أَمْرُ سَهْلٌ جِدًّا. فما هو الشَّيءُ الوحيدُ الَّذي يَهْدِمُ الضَّلال؟ الحَقّ. لِذا، يجب أنْ تَكْرِزوا بالحَقّ. فالنَّاسُ يَقولون: "أتَعْلَمُ أنَّ وَعْظَكَ يُرَكِّزُ كثيرًا على العَقيدة؟" أنا أُحاوِلُ وحَسْب أنْ أَعِظَ الحَقَّ. فهو الشيءُ الوحيدُ الَّذي يَهْدِمُ الضَّلال. وإنْ لم نَكْرِز بالحَقّ، فإنَّهم لن يَخرُجوا مِنَ الظُّلمةِ إلى النُّور. وَهُمْ لن يَخْرُجوا مِنَ الضَّلالِ إلى الحقِّ. وَهُمْ لن يَخْلُصوا، بل سيَموتونَ في خَطاياهُم ويَهْلِكون.
إنَّ الصِّفَةَ الأولى الَّتي تَصِحُّ على المُؤمِنِ هي أنَّ المُؤمِنَ، أيِ المُؤمِنَ الحقيقيَّ، هو ليسَ الشَّخصَ الَّذي يَدَّعي أنَّهُ مَسيحيّ، بل إنَّ المُؤمِنَ الحقيقيَّ هو شخصٌ تَرَكَ الضَّلالَ وَأَقْبَلَ إلى الحَقِّ. فالشَّيطانُ لا يُبالي بِما يُؤمِنُ بِهِ النَّاسُ، ولا يُبالي بِصِدْقِ إيمانِهِمْ طَالَما أنَّ ما يُؤمِنونَ بِهِ خَطأ. هل فَهِمتُم ذلك؟ وهذا مُهِمٌّ. فهو لا يُبالي بِما يُؤمِنونَ بِهِ. فهو يَدْعَمُ كُلَّ أنواعِ الدِّيانات. وَهُوَ يَدْعَمُ كُلِّ الأديانِ على سَطْحِ الأرضِ طَالَما أنَّها غير صحيحة. فهو يَدعَمُها جميعًا. وهو يُرَوِّجُ لِتَنّوعٍ يُلائِمُ الجَميع. فقد وَفَّرَ مَائِدَةً مِنَ الأطعمةِ المُتَنَوِّعَةِ التي تَصْعُبُ مُقاوَمَتُها. وهُناكَ مَكانٌ يُلائِمُ كُلَّ شخص. فهو لا يُبالي بما يُؤمِنونَ به. وبصراحة، إنَّهُ يُشَجِعُ على الإخلاص. فَهُوَ يُبْدي إعْجابَهُ بالأشخاصِ البُلَهاء وَغَريبي الأطوارِ في الهند الذَّينَ يُعَلِّقونَ الخَطاطيف في أجسادِهم. وَهُوَ يُبْدي إعْجابَهُ بالأشخاصِ الَّذين يُعَذِّبونَ أنفُسَهم ويَصْلِبونَ أنفُسَهم. وَهُوَ يُبْدي إعْجابَهُ بالأشخاصِ المُخْلِصينَ جِدًّا الَّذينَ يَضَعونَ إِبَرًا في أحْزِمَتِهِم لكي يُمَزِّقوا بِها أجسادَهُم عندما يَمْشونَ كُلَّ يومٍ؛ كَطريقة للتَّكفيرِ عن خطاياهم.
فهو يَدْعَمُ كُلَّ هذا. وهو يُشَجِّعُ جِدًّا على الإخلاص. وهو لا يُبالي بما تُؤمِنُ بِهِ أو بِمَدى صِدْقِ إيمانِك طَالَما أنَّ ما تُؤمِنُ بِهِ هو خَطأ لأنَّ الخَطأَ يَدين. أمَّا الحَقُّ فيُخَلِّص. لِذا فقد قالَ يَسوع: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ [بِماذا؟] بِي". فلا خَلاصَ بِغَيرِهِ. وأيُّ شخصٍ لا يَتَمَسَّكُ بالحَقِّ هُوَ تَحْتَ الدَّينونة. انظروا إلى رسالة غلاطيَّة 1: 6. فهو يَتحدَّثُ هُنا عنْ إنْجيلٍ آخر. فقد جاءَ أُناسٌ وراحوا يَكْرِزونَ بإنْجيلٍ آخر.
والآنْ، اسمعوني: لا يوجدُ إنْجيلٌ آخر. فالكلمة "إنجيل" تَعني: "الخَبَر السَّارّ". وهناكَ خَبَرٌ سَارٌّ واحِد. أمَّا بقيَّةُ الأخبارِ فهي سَيِّئة. فقد يَقولونَ إنَّها سَارَّة، ولكنَّها سَيِّئة. لِذا فإنَّهُ يقولُ إنَّهُ "إنْجيلٌ آخر" (في العدد 7)، ولكِنَّهُ لَيْسَ آخَر. فلا يوجد أيُّ خَبَرٍ سَارٍّ آخر غيرَ الإنجيلِ الصَّحيحِ الَّذي بيسوعَ المسيح. فلا يوجد إنجيلٌ آخر. لِذا فإنَّهُ يَقولُ في العدد 8: "وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ..." [وَهُوَ يَستخدِمُ هُنا أُسلوبَ المُبالَغَة] "...إنْ بَشَّرْناكُمْ...بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»!" أيْ: لِيَكُنْ مَلعونًا. فهو لا يَقول: "أتَعلمونَ شيئًا؟ يجب أنْ تكونُوا وَاسِعي الأُفُقِ، وَمُنْفَتِحينَ قليلاً. فكما تَعلمون، يجب عليكم حَقًّا أنْ تكونوا لُطَفاءَ هُنا. وَمَنْ أنتُم لتقولوا مَنْ على صَواب وَمَنْ على خطأ!" بل إنَّهُ يقول: "لِيَكُنْ مَلْعونًا كُلُّ مَنْ بَشَّرَ بأيِّ شيءٍ آخر".
ولِعِلْمِكُم، هُناكَ شيءٌ جديد يَجري في وَسْطِ نُخْبَةِ أهْلِ العِلْمِ اللِّيبرالِيِّينَ الَّذينَ يُهينونَ الكتابَ المقدَّسَ بِعُقولِهم المُظْلِمَة إذْ إنَّهُمُ ابْتَدَعوا عِلْمَ تَفسيرٍ جديد. وَهُمْ يُطْلِقونَ عليهِ اسْمًا جَذَّابًا وجَميلاً إذْ يُسَمُّونَهُ: "التَّفسير المُتواضِع". فالكلمة "هيرمينوتيكس" (hermeneutics) هي كلمة إنجليزيَّة. وهي مُشتقَّة مِنَ الكلمة اليونانيَّة "هيرمينيئو" (hermeneuo) وَمَعْناها: "يُفَسِّر" أو "يَشْرَح". وَعِلْمُ التَّفسيرِ هُوَ أداةٌ. وهي، في الأساسِ، كلمة تُشيرُ إلى تَفسيرِ الكتابِ المقدَّس. وهُناكَ مَبادئ تَفسيريَّة مُعَيَّنة، ومبادئ مُحَدَّدة تُساعِدُنا في فَهْمِ الكتابِ المقدَّس مِنْ خِلالِ تَحْليلِ اللُّغَةِ، والنَّحْوِ، وما إلى ذلك، والخَلفيَّة التَّاريخيَّة، والسِّياقِ أوِ القَرينة. لِذا فإنَّنا نَستخدِمُ كُلَّ هذهِ المبادئِ التَّفسيريَّة لِتَفسيرِ الكتابِ المقدَّس. وهُناكَ عِلْمُ تَفسيرٍ جديد يُسَمَّى "التَّفسيرُ المُتواضِع". وإليكُم مَعنى ذلك: "أنا مُتواضِعٌ جِدًّا حَتَّى إنَّني لا أَجْرُؤ على التَّفكيرِ في أنَّ تَفسيرِي للكِتابِ المُقَدَّسِ صَحيح. وأنا مُتواضِعٌ جِدًّا حَتَّى إنَّني لا أَجرؤُ على التَّفكيرِ في أنَّ تَفسيرَكَ قد يكونُ خاطئًا".
أليسَ هَذا نُبْلٌ؟ ولكِنَّهُ أُسلوبٌ خَبيثٌ جِدًّا. فَهُناكَ تَفسيرٌ صحيحٌ وتَفسيرٌ خاطئ للكتابِ المقدَّس. ولكِنْ هذا هو مُناخُ عِلْمِ التَّفسيرِ المُتواضِع. وهو، في الحقيقة، عِلْمُ تَفسيرٍ مُظْلِمٍ. والمسيحيَّة هي الصَّواب، بل هي الصَّوابُ الوحيد. وأيُّ شيءٍ يُخالِفُها زائف. ومُحتوى ما نُؤمِنُ بِهِ هو المسألة الرَّئيسيَّة. وأنا أَعلمُ أنَّ هذا لا يَحْظى بالقَبولِ في نِطاقِ الثَّقافةِ المُعاصِرَةِ الَّتي تَقولُ إنَّ كُلَّ القِيَمِ نِسْبِيَّة. وأنا أَعلمُ ذلك. فأنا أَعلمُ أنَّ التَّعَدُّديَّة هي الشَّيءُ السَّائد، وأنَّ التَّنَوُّع هو المُوْضَة الدَّارِجَة اليوم. وقد رَفَعْنا مِنْ شأنِ التَّعَدُّديَّة والتَّساهُل إلى أنْ صَارا يَتَبَوَّآنِ مَكانَةً أعلى مِنَ الحَقِّ نَفسِه. أليسَ كذلك؟ ونحُن لا نُبالي حَتَّى إنْ كانَ المُرَشَّحونَ الَّذينَ يَتنافَسونَ على مَنْصِبٍ سِياسِيٍّ يَكْذِبون. فَلَمْ يَعُدْ هذا الأمرُ يَعني شَيئًا بالنِّسبةِ إلى هذا المُجتمَع. فهذا ليسَ مُهِمًّا. فقدِ اعْتَدْنا كثيرًا على القادة الكَذَبة. وقد نَشعُرُ بعدمِ الارتياح إنْ قالوا لنا الحقيقة. وقد لا نُصَدِّقُهُم بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوال. لِذا، هناكَ أشخاصٌ يَعتقدونَ أنَّ ما نُؤمِن بِهِ ليسَ مُهِمًّا طَالَما أنَّنا نُسَمِّي ذلكَ "مَسيحيَّة". فَقَطْ سَمُّوا ذلكَ "مَسيحيَّة" لأنَّ هذا هو المَطلوبُ وَحَسْب.
وهذا أمرٌ يَصِحُّ على كُلِّ شيءٍ – مِنَ الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة الَّتي تُنْكِرُ أنَّ الخُطاةَ يَخْلُصونَ بالنِّعمة فقط، بالإيمانِ فقط، بالمسيحِ فقط؛ إلى الحَركة الكارِزماتيَّة المُتَطَرِّفة الَّتي تُفْسِدُ عَقيدةَ طَبيعةِ المسيحِ، وتُفْسِدُ عَقيدةِ مَوتِ المسيحِ، وتُفْسِدُ عقيدةَ المسيح، وتَجعلُ الخلاصَ تَذْكَرَةً للحصُولِ على الثَّروةِ والصِّحَّة. وهُناكَ اللِّيبراليُّونَ الَّذينَ يُشَكِّكونَ في صِحَّةِ الكتابِ المقدَّس، والذين يُؤمِنونَ بالخلاصِ مِنْ خلالِ الأعمال، يُريدونَ أنْ يَقبلوا هؤلاء وأنْ يَجْمَعوهُمْ مَعًا في اجْتِماعاتٍ إنجيليَّة. اجْلِبوا الجَميعَ: اللِّيبرالِيِّينَ، والكاثوليك، والكارِزماتِيِّينَ المُتَطَرِّفين، وَكُلَّ شخصٍ آخر لأنَّ العَقيدةَ ليست مُهِمَّة حَقًّا.
وبالمُناسبة، إنَّ ما يَحْدُثُ ليسَ جديدًا. فالكنيسةُ جَاهَدَتْ مِنْ أجْلِ طَهارَتِها وقتًا طويلاً. ولكِنَّ هذا الأمرَ جَديدٌ بالنِّسبةِ إلى الإنجيليِّين. فالإنجيليُّونَ المُعاصِرونَ يَتوقونَ إلى المُساومةِ على العقيدة. فَهُمْ يَقولونَ إنَّ العَقيدَةَ تُفَرِّق. وَهُمْ يُريدونَ أنْ يَتساهَلوا في كُلِّ شيء. وَما يُدهِشُني هو أنَّهم يُريدونَ أنْ يَقبلوا عَلَنًا أنظمةً عقائديَّةً مُتناقِضة. لِذا فإنَّهُم يُقيمونَ تحالُفاتٍ، تَحالُفاتٍ رُوحيَّة، مَعَ الكاثوليك، والأرثوذكسيَّة الشَّرقيَّة، والكارِزماتِيِّينَ المُتَطَرِّفين، واللِّيبرالِيِّين. ولِعِلْمِكُم، فإنَّ الأمرَ واضِحٌ تمامًا في رسالة كورنثوس الثانية والأصحاح 6 إذْ نَقرأ: "أَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وكيفَ يُعْقَلُ أنْ يَسِيرَ اثْنَانِ مَعًا مَا لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ لِذا، اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا. وَلاَ تَقترِبوا مِنْ تلكَ الأكاذيبِ النَّجِسَة".
فالأشخاصُ المُخَلَّصونُ، أيِ المُؤمِنونَ الحقيقيُّونَ، يَتَّفقونَ على أنَّ هُناكَ عقيدةً لا جِدالَ فيها. أليسَ كذلك؟ صحيحٌ أنَّنا قد لا نَتَّفِقُ على طريقةِ المَعموديَّة. وقد لا نَتَّفِقُ على موعدِ المجيءِ الثَّاني ليسوعَ المسيح، أو على وقتِ اختطافِ الكنيسة. وقد لا نَتَّفِقُ على كُلِّ الطُّرُقِ الَّتي يَعمَلُ بها اللهُ في التَّاريخ في ما يَختصُّ بالكنيسة وإسرائيل. ولكِنْ سأُخبرُكم شيئًا واحدًا: هناكَ عقيدة لا جِدالَ فيها تُشَكِّلُ الإيمانَ اللَّازِمَ للخلاص. وَهُوَ الإيمانُ الَّذي سُلِّمَ مَرَّةً للقِدِّيسين. فهناكُ أُسُسٌ حقيقيَّة للإيمان ينبغي أنْ نُؤمِنَ بها. وعندما لا يُؤمِنُ أُناسٌ بها، يجب علينا أنْ نَقْطَعَ الشَّرِكَة مَعَهُم لأنَّ النُّورَ والظُّلمة لا يَتَّحِدان، ولا يُمْكِن أنْ يَخْدِما مَعًا في خِدمةٍ عامَّة. فلا يوجد في الكتابِ المقدَّس ما هو أخطَر مِن أنْ يكونَ هُناكَ خَطٌّ فاصِلٌ بينَ الحَقِّ والكَذِب، وأنْ يأتي الشَّيطانُ ويحاولُ أنْ يُشَوِّشَنا بخصوصِ ذلكَ الخَطّ. لِهذا السَّبب، فإنَّ الشَّيطانَ وأعوانَهُ يَظْهَرونَ كملائكةِ ماذا؟ نُوْر. فَهثمْ ظُلْمَة. فَهُمْ كُلُّهُم ظُلمة. وَلا يوجد فيهم سوى الظُّلمة. فَهُمْ يُوْجَدونَ في سُلْطانِ الظُّلمة. وَهُمْ يُريدونَ أنْ يَظهروا كَملائكةِ نُوْر لكي يُشَوِّشوا هذا الخَطَّ. فعندما نَتَشَوَّش بخصوصِ هذا الخَطّ، فإنَّ الشَّيطانَ يَزْرَعُ أُناسَهُ في الكنيسة، ويُجَرِّدُ الكنيسةَ مِنْ قُوَّتِها، ويُجَرِّدُ الكنيسةَ مِنَ اتِّساقِ شَهادَتِها لأنَّ العالَمَ سينظرُ بعدَ ذلك إلى النَّاسِ الموجودينَ في الكنيسة ويَرى بوضوح أنَّ المسيحَ لم يُغَيِّرْهُم. فَحَتَّى إنَّ العَالَمَ قادِرٌ أحيانًا على رُؤيةِ أُمورٍ تَعْجَزُ الكنيسة عن رُؤيَتِها. وهذا يُزَعْزِعُ شَهادَتَنا.
وقد كَتَبَ يُوحنَّا الرَّسول في رسالتِهِ الأولى 4: 1: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَم". فَهُمْ موجودونَ في كُلِّ مكان. وَهُمْ وَاسِعو الانتشار. وَهُمْ كالنَّمْل. فَهُمْ في كُلِّ مَكان. وهذهِ هي استراتيجيَّة الشَّيطان: أنْ يَأتي ويَبني حُصونَ الظُّنونِ الكاذِبة، والأيدلوجيَّاتِ الكاذبة، والأنظمة العقيديَّة الزَّائفة، وأنْ يَجعلَ النَّاسَ سُجناءَ في هذهِ الحُصون، وأنْ يُبقيهم هناكَ إلى أنْ يَموتوا كَيْ يَذهبوا إلى جَهَنَّم ويَمْلأوا جَهَنَّمَ المُعَدَّة للشَّيطان.
لِذا، لا يُمكنُكم أنْ تَقبلوا كُلَّ شيءٍ وحَسْب لأنَّ هذه هي استراتيجيَّة الشَّيطان؛ بل يجب أنْ تُمَيِّزوا. وهذا هو ما جاءَ في رسالة يوحنَّا الثَّانية. فنحنُ نَقرأ في رسالة يوحنَّا الثَّانية والأعداد 9 و 10 و 11: "كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ [أيْ في عقيدة المسيح الصَّحيحة، وتَعليم المسيح الصَّحيح المُدَوَّن في الإنجيل] فَلَيْسَ لَهُ اللهُ". فإنْ لم يَسْلُكْ شخصٌ في الحَقِّ، فليسَ لَهُ الله. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأتِيكُمْ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ". لا تُرَحِّبوا بِهِ. ولا تَجْعَلوهُ جُزءًا مِنَ اجتماعِكُم، أو مُؤتَمَرِكُم، أو حَمْلَتِكُم الكِرازيَّة، أو أيَّ شيءٍ آخر. ولا تَسْمَحوا لَهُ بالظُّهورِ على بَرنامَجِكُم التِّلفزيونيّ. ولا تَستقبلوهُ في بَيْتِكُم. ولا تُحَيُّوه تَحِيَّةً حَارَّة. "لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ الشِّرِّيرَة".
ولا أدري كيفَ يمكنكم أنْ تقولوا ذلكَ بصورة أوضَح مِن هذِه: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأتِيكَ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ الصَّحيحِ عن يسوعَ المسيح، لاَ تَقْبَلْهُ في بَيْتِك، ولا تُجامِلْهُ، ولا تُحَيِّيه. فإنْ فَعَلْتَ، تكونُ مُتواطِئًا مَعَهُ. فهذهِ الآياتُ تُوصينا بالانفصالِ رُوحيًّا عن أولئكَ الَّذينَ يُفْسِدونَ الحقائقَ الجوهريَّة للإنجيل. وهذه لُغَة صَارِمة جدًّا (في رسالة يوحنَّا الثَّانية). صارمة جدًّا. فهناكَ لعنة قويَّة تَنتظرُ الأشخاصَ الَّذينَ يُبَشِّرونَ بإنجيلٍ فاسِد، والأشخاصَ الَّذينَ يُؤمنون بالظُّلمة ويُرَوِّجونَ لها كما لو كانت نُورًا. ولكِن هناكَ أيضًا تحذير قويّ وصارِم لهؤلاءِ الَّذي يَسمحونَ [بِفَرَحٍ] لهؤلاءِ أنْ يَتَسَلَّلوا إلى الكنيسة. فالمسيحيَّة الزَّائفة المقبولة مِنَ المسيحيِّينَ الحقيقيِّينَ هي واحدة مِنْ أَشْنَعِ الخطايا الَّتي يُمْكِنُ للعقلِ أنْ يَتخيَّلَها (بحسبِ ذلكَ النَّصّ). فلا يُمكنكَ أنْ تُبَرِّرَ أيَّ اتِّحادٍ رُوحيٍّ معَ أيِّ شخصٍ تَعْلَمُ أنَّ نِظامَهُ العَقيديِّ والتَّعليميِّ يُفْسِد إنجيلَ العهد الجديد.
والآن، هذا يَقودُنا إلى السُّؤالِ الأخير: ما هو الحَقُّ الَّذي يُخَلِّص؟ ما هو الحَقُّ الَّذي ينبغي للمرءِ أنْ يُؤمِنَ به؟ فهل يُبَيِّنُ الكتابُ المقدَّسُ بوضوح حقائقَ مُحَدَّدة بوصفِها جوهريَّة؟ إنَّ الإجابة هي: أجل. وأقولُ ثانيةً بإلحاح: أجل. وقد حُفِظَتْ أقوى كلماتِ الدَّينونة لهؤلاءِ الَّذينَ يُفسِدونَ هذهِ الحقائقَ الجوهريَّة. فهناكَ حقائق في الكتابِ المقدَّس إنْ لم تُؤمِن بها ستذهبُ إلى جَهَنَّم. فإنجيلُ الخلاصِ ينبغي أنْ يُقابَلَ بالإيمانِ، والقَبول، والمحبَّة. لِذا، يجب علينا [أوَّلاً] أنْ نَفهَمَهُ. فما هي الأمورُ الجوهريَّة؟ ما هي الأمورُ الأساسيَّة والجوهريَّة؟ سوفَ أَذْكُرُ لكم بِضْعَةَ أشياء. فيجب عليكم أنْ تُؤمِنوا أنَّ كُلَّ الحَقِّ الإلهيِّ مُتَأصِّلٌ في الكتابِ المقدَّس. لِذا فإنَّ المُورمون خَارِجَ هذا النِّطاق. فَهُمْ يُؤمِنونَ أنَّ اللهَ تَكَلَّمَ إليهم مِن خلالِ كِتابِ المُورمون "اللُّؤلؤة كَثيرة الثَّمن" (The Pearl of Great Price)، وكِتابِهم: "العقيدة والعُهود" (The Doctrine and Covenants). أيْ مِنْ خلالِ أمورٍ غير الكتاب المقدَّس.
فالأشخاصُ المُخَلَّصونَ يُؤمِنونَ بأنَّ إعلانَ اللهِ موجودٌ في الكتابِ المقدَّس؛ لا في التَّقليد، ولا في المَراسيم البابويَّة، ولا في الرُّؤى المُعاصِرة، ولا في النُّبوءات، ولا في الحَدْس، ولا في أيِّ مَصْدَرٍ آخر للسُّلطان. فالأشخاصُ الَّذينَ نالوا الخلاصَ يُؤمِنونَ بأنَّ الكتابَ المقدَّسَ قادرٌ أنْ يُحَكِّمَكَ للخلاص، وأنَّ الكتابَ المقدَّسَ قادرٌ أنْ يَجْعَلَكَ إِنْسَانًا كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِح. فنحنُ نُؤمِنُ أنَّ كلمةَ اللهِ تَحوي كُلَّ ما هو أساسيّ، وكُلَّ ما هو لازِمٌ للخلاص. فالأمرُ يَبتدئُ مِنْ هُنا. لِذا، يجب عليكَ أنْ تَبتدئ بالاقتناعِ بالكتابِ المقدَّس، وبأنَّ رُوحَ اللهِ يَعمَلُ في قلبِ الإنسان. وهذا واحدٌ مِنَ الأعمالِ العجيبةِ والرَّائعةِ الَّتي يَقومُ بها الرُّوحُ القُدُس.
والحقيقة هي أنَّني أعتقد أنَّ المِحَكَّ الأساسيَّ الَّذي يُتيحُ لنا أنْ نَعْرِفَ مَنْ هُمُ المُؤمِنونَ الحقيقيِّونَ هو: كيفَ يَتجاوبون معَ الكتاب المقدَّس. فهل يَرْغَبُونَ فيهِ (كما قَالَ المُرَنِّمُ)؟ وهل يُحِبُّونَهُ؟ وهل يَجوعونَ إليه؟ فالأشخاصُ الَّذينَ لم يَختبروا التَّجديدَ ولم يَخْلُصوا لا يَتجاوبونَ هكذا معَ الكتاب المقدَّس. وَهُمْ لا يَمْلِكونَ أيَّ قُدرة أدبيَّة على التَّجاوبِ معَ الكتاب المقدَّس. وَهُمْ لا يَمْلِكونَ أيَّ مَلَكاتٍ عَقليَّة لكي يُحِبُّوه. وَهُمْ لا يَقْدِرونَ أنْ يُطيعوه. والحقيقة هي أنَّهُم لا يَهتمُّونَ بِهِ البَتَّة: "الإِنْسَانُ الطَّبِيعِيُّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ" (رسالة كورِنثوس الأولى 2: 14).
وكما تَرَوْن، فإنَّ الأشخاصَ غيرَ المُخَلَّصِين لا يَتجاوبونَ معَ الكتابِ المقدَّس. وقد قالَ يسوع في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 8: "وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي". أليست هذهِ جُملة مُدهشة؟ فإنْ كَذَبْتُ عليكم، ستُصَدِّقونَ ذلك لأنَّكُم مُبَرْمَجونَ على تَصديقِ الأكاذيب. فأنتُم تَعيشونَ في مملكةِ الظُّلمة. وأنتُم تَفهمونَ لُغَةَ الكَذِبِ والخِداع. ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الحَقَّ. وأحيانًا، يَقولُ النَّاسُ لي: "أتَدري؟ أَوَدُّ حَقًّا أنْ أدْخُلَ النِّظامَ الجامعيَّ وأنْ أُعَلِّمَ الحَقَّ". لا يُمكنكَ أنْ تَفعلَ ذلك. فأنا أعتقد أنَّهُ رُبَّما تتوافَر فُرصة هُنا وفُرصة هُناك لِقَوْلِ الحَقّ، ولكِنْ إنْ ذَهبتَ إلى تلكَ البيئة وَرُحْتَ تُعَلِّمُ الحَقَّ، لن يَسْمَعُكَ أحد، ولن يَفْهَمُكَ أحد. بل إنَّهُم سَيَمْتَعِضونَ مِنْ ذلكَ، ويُقاوِمونَهُ، ويُبغِضونَهُ. "لأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي". ثُمَّ إنَّهُ يُتابِعُ حَديثَهُ قائلاً: "اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الله". وإنْ لم تَكُونوا مِنَ اللهِ فإنَّكُم تَعيشونَ في ظُلمة، وفي ضَلال، ولا يُمكنكم حَتَّى أنْ تَفهموا الحَقَّ.
مِن جهة أخرى، فإنَّ هذا هو ما دَفَعَ بولسَ إلى القولِ في رسالة تسالونيكي الأولى 2: 13 مُخاطِبًا المؤمِنينَ في تسالونيكي: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ". أَتَرَوْن؟ فعندما تَحدُثُ الولادةُ الجديدة، وعندما تتغيَّرُ الحياةُ، يَحْدُثُ أمرٌ عَجيب! فالكلمةُ يُنادى بها، وأنتَ تَسْمَعُها، وتَفهمُها، وتَقبلُها، وتُحِبُّها، وتَتوقُ إلى إطاعَتِها. فنحنُ نقرأ في رسالة يوحنَّا الأولى 4: 5 و 6: "هُمْ مِنَ الْعَالَمِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يَتَكَلَّمُونَ مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَسْمَعُ لَهُمْ. نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا". ثُمَّ إنَّهُ يَقول: "مِنْ هذَا نَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلاَل".
هل تَعلمونَ كيفَ أَعْرِفُ إنْ كانَ الأشخاصُ مُؤمِنينَ حقيقيّين؟ إنَّهم يَسمعونَ الكلمة، ويَفهمونَ الكلمة، ويَتَمَسَّكونَ بالكلمة، ويَقبلونَها، ويُحِبُّونَها، ويُطيعونَها. فالمؤمِنُ الحقيقيُّ يَتجاوبُ معَ الكلمة.
فهناكَ أشخاصٌ يَكتبونَ إليَّ رسائلَ ويُشَوِّهونَ الكَلامَ الَّذي قُلتُهُ. ثُمَّ إنَّني أقول: "لماذا أتوقَّعُ مِنْ شخصٍ يَعيشُ في الظُّلمة أنْ يَفهمَ النُّور؟" فتلكَ السَيِّدة الَّتي كَتَبَتْ إليَّ، والتي تَنْتَمي إلى مَجموعةِ "زِنْ" البُوذيَّة، تُريدُ أنْ تُسَكِّنَ الكارما خاصَّتَها. ومِنَ المؤكَّد أنَّها لا تقدِرُ أنْ تَفهمني. فأنا أتكلَّمُ كلماتِ الله. وهي لا تَفهم هذهِ الكلمات. ولكِنَّ ما يُدهشُني هو أنَّ هناكَ مسيحيَّة أو إنجيليَّة تَقْبَل هؤلاءِ النَّاسَ الَّذينَ لم يُكَرِّسوا أنفُسَهُم للحَقِّ، ولا يَفهمونَ الحَقَّ، ولا يَعرفونَ الحَقّ. وهناكَ أشخاصٌ كثيرونَ يُوْضَعونَ في مَناصِب قياديَّة ويُسْمَحُ لهم أنْ يُعَلِّموا ضَلالاتٍ أُعيدتْ تَسْمِيَتُها بأنَّها "مسيحيَّة".
لِذا فإنَّ الأمرَ يَبتدئُ بالإيمانِ بالكِتابِ المُقَدَّس. فلكي تكونُ مُؤمِنًا حقيقيًّا، يجب عليكَ أنْ تُؤمِن بأنَّ كلمةَ اللهِ ذات سُلطان، وأنَّها تَقولُ الحَقَّ الإلهيّ: "سولا سكريبتورا" (Sola Scriptura). وكما تَعلمون، فإنَّ الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة ليست كذلك. فالكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة تُهَدِّدُ عادَةً بِلَعْنِ أيِّ شخصٍ يُشَكِّكُ في صِحَّةِ المراسيمِ البابويَّة أو في عقيدةِ مَجلسِ الكنيسة. فمثلاً، إنَّ القانونَ الأوَّل في الجلسة السَّابعة مِنْ مَجْلِس ترينت (Trent) يُعْلِنُ الأناثيما (أيِ اللَّعنة) على أيِّ شخصٍ يَقولُ إنَّ هناكَ أسرارًا أكثر أو أقَلّ مِنَ الأسرارِ المُقَدَّسة السَّبعة الَّتي وَضَعَها المجلِس. فسوفَ تَذهبُ إلى جَهَنَّم إنْ أنكرتَ أنَّ هُناكَ سبعة أسرار مُقَدَّسة؛ أيْ إنْ قُلْتَ إنَّ هُناكَ سِتَّة أو ثمانية.
وهذا يعني أنَّهُ إنْ قامَ أيُّ شخصٍ كاثوليكيّ بالتَّشكيكِ في صِحَّةِ سِرِّ التَّثبيت، أوِ التَّوبة، أوِ المَسْحَة ... مَعَ العِلْمِ أنَّ البروتستنت يُشَكِّكونَ فيها جميعًا لأنَّها كُلها غير مذكورة في الكتاب المقدَّس، ولا واحدة منها. فَلا التَّثبيت، ولا التَّوبة، ولا المَسْحَة مَذكورة في الكتابِ المقدَّس. وإنْ شَكَّكْنا في هذهِ الأشياء فإنَّنا نَتَعَرَّض للحِرْمانِ الكَنَسِيِّ، ونَصيرُ في نَظَرِ الكنيسة مُستحقِّين للدَّينونة الأبديَّة. وبالمُناسبة، فإنَّ قوانين ومراسيم مَجْلِس ترنت (Trent) تَحوي العَشَرات والعَشَرات، بلِ المِئاتِ مِنْ هذهِ اللَّعْنات. وَهُمْ وَقِحونَ جِدًّا (كما يَقولُ أحدُ الكُتَّابِ) حَتّى إنَّهُم يُعلِنونَ أنَّ عقائِدَهُم هذهِ جوهريَّة معَ أنَّها مُجَرَّد خَشَبٍ وعُشْبٍ وقَشّ. ولكِنْ بحسبِ الكتابِ المقدَّسِ، لا توجد سُلطة رُوحيَّة خارجَ الكتابِ المُقدَّس تَستطيعُ أنْ تُقَدِّمَ لنا أيَّ حِكْمَة تَقودُ إلى الخلاص. أليسَ كذلك؟
فلكي تكونَ مُؤمِنًا حقيقيًّا، يجب عليكَ أنْ تُؤمِن بأنَّ كُلَّ ما يَختصُّ بالخلاصِ يأتي مِنَ الكتابِ المقدَّس. فأنتَ لستَ في حاجة إلى كِتاباتِ "ماري بيكر إيدي باترسون غلوفر فراي" (Mary Baker Patterson Glover Frye)، أو "إيلين جي. وايت" (Ellen G. White)، أو "مدام بلافاتسكي" (Madame Blavatsky)، أو القاضي "رَذرفورد" (Judge Rutherford)، أو "جوزيف سميث" (Joseph Smith)، أو إلى أيِّ شخصٍ آخر، أو إلى البابا، أو إلى مَجْلِسٍ ما، أو إلى تَقليدٍ شَفَهيٍّ، أو إلى نُبوءةٍ مِنْ نُبوءاتِ قِدِّيسي الأيَّامِ الأخيرة.
ثانيًا، نحنُ لا نؤمِن فقط بأنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو مَصْدَرُ هذهِ الحقائقِ، بل نُؤمِنُ [ثانيًا] بأنَّ الحقائقَ الجوهريَّة للخلاص مُبَيَّنة بوضوح في الكتاب المقدَّس. فنحنُ لا نَتحدَّثُ عن أمورٍ سِرِّيَّة أو خَفِيَّة، أوْ عن أمورٍ غامضة، أو عن رسائلَ مُشَفَّرة أو مكتوبة بطريقة معكوسة، أو مَقلوبة، أو قُطْرِيَّة. فقد قالَ يسوعُ إنَّهُ لم يُعْلِنْ هذهِ الأمور للحُكماء وَالفُهَمَاء. بل إنَّهُ أَخْفاها عنِ الحُكماءِ والفُهماء (كما جاءَ في إنجيلِ مَتَّى) وَأَعْلَنَهَا لِلأَطْفَال. فهي ليست أَحاجِي، وهي ليست رسائلَ مُشَفَّرة، وهي ليست مكتوبة بِرُموز سِرِّيَّة، ولا بطريقة معكوسة. وهي ليست شيئًا يَصْعُبُ فَهْمُه. فشهاداتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ، تُصَيِّرُ الجَاهِلَ حَكِيمًا.
لِذا، فإنَّها حقائق مُبَيَّنة بوضوح في الكتاب المقدَّس. والبعضُ مِنها مُدَعَّمٌ بِنُصوصٍ أُخرى. والبعضُ مِنها هي مُجَرَّدُ آيات. وهي مُبَيَّنة بوضوح. فَكُلُّ ما يَختصُّ بالخلاص واضحٌ كُلَّ الوضوح في الكتاب المقدَّس. صحيحٌ أنَّنا قد لا نَفهمُ مَعنى العِبارة "الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ" في رسالة كورِنثوس الأولى. فهذا شيءٌ غامِض. وقد لا نَفهمُ كُلَّ التَّفاصيلِ الدَّقيقة في مَقاطِعِ العهدِ القديم لأنَّنا لا نَستطيعُ أنْ نُعيدَ بِناء كُلِّ الخَلفيَّاتِ التاريخيَّة. أمَّا كُلُّ ما يَختصُّ بالخلاص فهو واضحٌ تمامًا في الكتاب المقدَّس.
إذًا، أوَّلاً، نحنُ نُؤمِنُ بأنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو مَصْدَرُ الحَقِّ المُختصِّ بالخلاص. ثانيًا، نحنُ نُؤمِنُ بأنَّهُ واضح. ثالثًا، العقائدُ الَّتي ينبغي الإيمانُ بها هي العقائدُ الَّتي تتوقَّفُ عليها الحياةُ الأبديَّة. لِذا فإنَّنا نَذهبُ إلى الكتابِ المقدَّس. فنحنُ نَذهبُ إلى الكتاب المقدَّس ونَجِدُ ما هو واضحٌ وما هُوَ للحياةِ الأبديَّة. وما هو؟ أنَّهُ يجب عليكَ أنْ تُؤمِن (بحسب ما جاءَ في الرِّسالة إلى العِبرانيِّين والأصحاح 11): "لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُود". وما مَعنى ذلك؟ يجب علينا أنْ نُؤمِنَ باللهُ الحَقيقيّ. فلا يمكنكَ أنْ تُؤمِنَ بأيِّ إلَهٍ تَشاء. ولا يُمْكِنُكَ أنْ تَخْتَرِعَ إلهًا مِنْ بَناتِ أفكارِك. وقد قالَ لي أحدُ الأشخاصِ ذاتَ يوم: "أتَدري أنَّني أعتقد أنَّهُ سيكونُ هناكَ أُناسٌ مِنَ المُورمون في السَّماء أكثر مِمَّا نَتَخَيَّل!" وقد كانَ رَدِّي هو: "كيفَ يُعْقَلُ أنْ يكونَ هُناكَ أيُّ شخصٍ مِنَ المُورمون في السَّماء؟ فَهُمْ لا يُؤمِنونَ بأنَّ اللهَ مُثَلَّثُ الأقانيم. وَهُمْ لا يُؤمنونَ بأنَّ يَسوعَ هوَ الله. وَهُمْ لا يُؤمِنونَ بأنَّ الإنسانَ يَخْلُصُ بالنِّعمة. فكيفَ سَيَذهبونَ إلى هُناك؟ ما الَّذي تَعنيه؟"
فإنْ كُنْتَ تُؤمِنُ باللهِ، ينبغي أنْ تُؤمِنَ باللهِ الحَقيقيّ، لا بأيِّ إلهٍ تَشاء. فلا يُمْكِنُكَ أنْ تُؤمِنَ بإلَهِ الإسلامِ، ولا بإلَهِ البُوذيَّة. ولا يُمْكِنُكَ أنْ تُؤمِنَ فقط بإلهِ العهدِ القديمِ كما يَفعلُ اليهود. بل يجب عليكَ أنْ تُؤمِنَ باللهِ المُعْلَنِ في شَخْصِ الرَّبَّ يسوعَ المسيح. فلا يُمكِنُكَ أنْ تُؤمِنَ بِـ "القُدُّوسِ الآخر" (the holy other) كما دَعاهُ أحدُ اللَّاهُوتِيِّين. بل يجب أن تُؤمِنَ باللهِ الحقيقيّ. وهذا يعني أنَّهُ يجبُ عليكَ أنْ تُؤمِنَ بالثَّالوث. ويجبُ عليكَ أنْ تُؤمنَ باللهِ الَّذي صارَ جَسَدًا في شخصٍ يسوعَ المسيح؛ أيْ باللهِ المُتَجَسِّد. لِذا، يجب عليكَ أنْ تُؤمِنَ أنَّ يسوعَ هُوَ اللهُ الَّذي جاءَ في هيئة بَشريَّة بوصفِهِ إنسانًا كامِلاً وإلهًا كامِلاً، وأنَّهُ عاشَ حَياةً خَالِيَةً مِنَ الخطيَّة، وأنَّهُ ماتَ على الصَّليبِ مَوْتًا بَدَلِيًّا عنِ الخُطاة، وأنَّهُ قامَ ثانيةً قيامةً حقيقيَّة وجَسديَّة في اليومِ الثَّالِث، وَصَعِدَ إلى السَّماءِ، وأَرْسَلَ الرُّوحَ القُدُسَ، وأنَّهُ يَشْفَعُ الآنَ فينا، وأنَّهُ سيأتي ثانيةً بِمَجْد. فهذا هو حَقُّ الخَلاصِ القائمِ على أنَّ يسوعَ هوَ اللهُ الحَقيقيُّ الَّذي أُعْلِنَ وَتَجَسَّدَ في هيئة بشريَّة، وأنَّهُ اللهُ الحَيُّ الحقيقيُّ، وأنَّهُ أُقنومٌ في الثَّالوث، وأنَّهُ ينبغي أنْ يُعْبَدَ ويُكْرَمَ ويُحِبَّ ويُبَجَّلَ بالمساواةِ معَ اللهِ الآبِ واللهِ الرُّوح.
فيجب عليكَ أنْ تُؤمِنَ في موتِهِ البَدَلِيِّ على الصَّليب بوصفِهِ ذبيحةً كاملةً مِنْ دُونِ وُجودِ أيَّة خطيَّة في حياتِه. فهو لم يكن خاطئًا، ولم يَذهب إلى جَهَنَّمَ لكي يتألَّمَ عن خطاياه (كما تَقولُ حَرَكَة الإيمان بالكلمة “Word Faith Movement”). فقد كانَ حَمَلاً كامِلاً بِلا عَيْبٍ. وقد ماتَ هُناكَ مَعَ أنَّهُ لم يَكُن يَستحقُّ أنْ يموتَ بَدَلاً عَنَّا كَبَديلٍ كامِلٍ. فقد كَفَّرَ عن خطايانا الَّتي وُضِعَتْ عليهِ حَتَّى تُحْسَبَ حَياتُهُ البارَّةُ لنا. وقد قامَ مِنَ الأمواتِ لكي يَغْلِبَ الموتَ لأجلِنا. فإنْ كنتَ تُؤمِنُ في قلبِكَ أنَّ يسوعَ كذلك: "لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ [رُومية 10: 9]، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ [ماذا سيَحدُثُ لكَ؟]، خَلَصْتَ". إذًا، يجب عليكَ أنْ تُؤمِنَ بأنَّهُ الله، وبأنَّهُ أُقنومٌ في الثَّالوثِ تَجَسَّدَ وَوُلِدَ مِنْ عَذراء. فهذه هي الطريقةُ الوحيدةُ الَّتي جاءَ اللهُ فيها إلى هذا العالَم. وقد عاشَ حياةً كاملةً، وماتَ مَوْتًا بَديلاً، وقامَ مِنَ الأموات. فإنْ كُنتَ تُؤمِنُ بذلك، فإنَّكَ مُخَلَّص. أيْ إنْ آمَنْتَ بذلكَ إلى النُّقْطَةِ الَّتي تُقِرُّ فيها بذلك، وتَقْبَلُ ذلك، وتُحِبُّ فيها الرَّبَّ يسوعَ المسيح. فنحنُ نقرأُ في رسالة كورنثوس الأولى 16: 22: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ [مَلْعونًا] أَنَاثِيمَا!".
ويجب عليكَ أيضًا أنْ تُؤمِنَ بأنَّ الخلاصَ هوَ بالإيمانِ وَحْدَهُ، وبأنَّ التَّبريرَ هو بالإيمان. فنحنُ نَقرأُ في رسالة رُومية 4: 4 و 5: "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا". ويا لها مِنْ كلماتٍ رائعة! فأنتَ لا تَخْلُص بالأعمال: "لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ". بل أنتَ تَخْلُص بالنِّعمةِ مِنْ خلالِ الإيمان. وما يَحْدُثُ، بِحَسَبِ هذهِ الكلماتِ الرَّائعةِ، هو أنَّكَ تُؤمِنُ بِذاكَ الَّذي يُبَرِّرُ الفَاجِر. فهو لا يُبَرِّرُ الأبرارَ ولا يُبَرِّرُ الأتقياءَ الَّذينَ يقومونَ بأعمالٍ صالحة، بل يُبَرِّرُ الفُجَّار. فَهُوَ يُبَرِّرُ الأشرارَ والشِّرِّيرينَ والخُطاةَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِهِ، والذين يأتونَ ويقولون: "أنا ليسَ فِيَّ شيءٌ صَالِحٌ في ذاتي، ولا يوجدُ فِيَّ صَلاحٌ في ذاتي"، ويُلقي نَفسَهُ على رَحمةِ اللهِ الَّذي يُبَرِّرُ الفُجَّار. وهذه واحدة مِن أعظمِ العِباراتِ في كُلِّ العهد الجديد إذْ نَقرأُ في رسالة رُومية 4: 5 أنَّهُ "يُبَرِّرُ الفَاجِر". وهذا لا يُفْسِحُ أيَّ مَجالٍ للأعمال. فلا يَنبغي أنْ تكونَ صالِحًا لكي تَتَبَرَّر. بل ينبغي أنْ تُدركَ أنَّكَ خاطئٌ، وأنْ تَصْرُخَ إلى الله.
ولكِنَّ الكنيسةَ الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة لا تُؤمِنُ بذلك. فَهُم يُؤمنونَ بأنَّهُ يُبَرِّرُ الصَّالِحين؛ أيِ الأشخاصَ الَّذينَ يَحصلونَ على النِّعمة مِنْ خلالِ مَعموديَّتِهم والاشتراكِ في القُدَّاسِ والأسرارِ المُقَدَّسةِ الأخرى. وَهُمْ يَخلِطونَ ذلكَ بالأعمالِ الصَّالحة. لِذا فإنَّهم يَعملونَ أعمالاً صالحةً، والمزيدَ مِنَ الأعمالِ الصَّالحة، والمزيدَ مِنَ الأعمالِ الصَّالحة لأنَّهُم يُؤمِنونَ بأنَّ اللهَ يُبَرِّرُ الصَّالِحين. وهذا هو ما يُؤمِنُ بِهِ اللَّاهوتُ اللِّيبرالِيّ. ولكنَّهُ ليسَ ما يُعَلِّمُهُ الكتابُ المقدَّس. والخطأُ في فَهْمِ التَّبريرِ هو نَفسُ السَّببِ الَّذي جَعَلَ اللهَ يَضَعُ بَنِي إسرائيلَ جانِبًا. وهذا هو نفسُ السَّببِ الَّذي جَعَلَ بني إسرائيلَ يَرتدُّونَ بسببِ عَدَمِ مَعرفتهم عن بِرِّ الله. فقد حاولوا أنْ يُبَرِّروا أنفُسَهم بأنفسهم ولم يَخْضَعُوا لِبِرِّ اللهِ (كما جاءَ في رسالة رُومية 10: 3). وهذا هو تمامًا خَطَأُ الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة. وهو نفسُ ما يُنادي بِهِ نِظامُ الأعمالِ، والأنظمة الدينيَّة، وأيُّ مِنَ البِدَعِ والهرطقاتِ الَّتي تُحاولُ أنْ تَظْهَرَ بأنَّها مَسيحيَّة معَ أنَّها بعيدة عنِ الحَقّ.
ويجب أنْ تُؤمِنَ بعقيدةِ الخطيَّة. فيجب أنْ تُؤمِنَ أنَّ الإنسانَ خاطئ. "إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلُ اللهَ [ماذا؟] كَاذِبًا". "وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا". وإنْ قلتُ إنَّكَ لستَ خاطئًا، فإنَّكَ لستَ مُؤمِنًا لأنَّكَ إنْ كنتَ تقولُ إنَّكَ لستَ خاطئًا، فإنَّ كلمةَ اللهِ ليست فيك (رسالة يوحنَّا الأولى 1: 8). ونقرأ في العدد 10 أيضًا: "إنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا". ونقرأ في العدد 8: "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا".
لِذا فإنَّنا نُؤكِّدُ أنَّنا خُطاة، ونُؤكِّدُ أنَّنا آثِمون، ونُؤكِّدُ أنَّنا لا نستطيعُ أنْ نَفعلَ أيَّ شيءٍ كي نَخْلَص. ونحنُ نُؤكِّد أنَّ يسوعَ المسيحَ دَفَعَ أُجرةَ خَلاصِنا وأنَّنا نَصْرُخُ بِشِدَّة، بوصفِنا خُطاةً، أنْ يَحْسِبَ اللهُ بِرَّ المسيحِ لَنا. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ هذا هو الحَقُّ الَّذي يجب أنْ نُؤمِنَ به. والآن، إذا كُنْتَ مُسلِمًا، فإنَّكَ لا تُؤمنُ بذلك. وإنْ كُنتَ بوذيًّا، فإنَّكَ لا تُؤمنُ بذلك. وإنْ كنتَ يهوديَّا لا يَقْبَلُ المسيحَ، فإنَّكَ لا تُؤمنُ بذلك. وإنْ كُنتَ مُلْحِدًا، فإنَّكَ لا تُؤمنُ بذلك. وإنْ كُنتَ مِنْ جماعةِ المُورمون، فإنَّكَ لا تُؤمنُ بذلك. إلخ، إلخ، إلخ، إلخ. وأنتَ ما تَزالُ في الظُّلمة.
وإنْ كنتَ تُؤمِنُ أنَّ كُلَّ ما ينبغي لكَ أنْ تَفعلَهُ هو أنْ تقولَ: "أنا أُوْمِنُ بيسوع"، وأنَّكَ ستذهبُ إلى السماء، ولكِنَّكَ لا تَعْرِفُ يسوعَ الَّذي تَتحدَّثُ عنه، ولا مَنْ يكون، ولا ما فَعَلَهُ، ولا على أيِّ أساسٍ على الصَّليبِ اشترى خَلاصَكَ، وإنْ لم تَقبل ذلكَ كما هو مُعلنٌ في الكتاب المقدَّس؛ وهذا لا يَعني أنَّهُ ينبغي لكَ أنْ تَفهمَ كُلَّ شيء، ولكِنْ يجب أنْ تَفهمَ الجوانبَ الواضحَةَ في ذلك. فقد لا تَفهمُ كُلَّ ما يَتَرَتَّب على عقيدةِ التَّبرير، ولكِن يجب عليكَ أنْ تَفهمَ ما يلي: أنَّكَ خاطئٌ، وأنَّكَ غيرُ مُسْتَحِقٍّ، وإنَّكَ عاجِزٌ عن فِعْلِ أيِّ شيء، وأنَّهُ فَعَلَ كُلَّ شيء.
"كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ". فإنْ كُنتَ مُخطئًا بخصوصِ مَنْ هُوَ يَسوع ولماذا جاءَ، فإنَّكَ رُوْحُ ضِدِّ المسيح.
وكما تَرَوْنَ، فإنَّ كُلَّ شيءٍ ينبغي أنْ نُؤمِنَ بِهِ حَتَّى نَخْلُص موجودٌ في المسيح. أليسَ كذلك؟ فنحنُ نَرى فيهِ الثَّالوثَ لأنَّهُ أُقنومٌ في الثَّالوثِ تَجَسَّدَ في جَسَدٍ بَشريّ. ونحنُ نَرى فيه نَموذَجًا حَيًّا على مِعْيارِ البِرِّ الإلهيِّ الكامِل. ونحنُ نَرى فيهِ الموتَ البَدَلِيَّ على الصَّليبِ، وقُوَّةَ القيامةِ الَّتي غَلَبَتِ الموتَ. فَكُلُّ شيءٍ موجودٌ في المسيح. لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 3: "فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ".
لِذا فإننا نُؤمِنُ بالكِتابِ المُقدَّس. فالمسيحيُّونَ الحقيقيُّونَ يُؤمِنونَ بكلمةِ الله. وهل تَعلمُ ما الَّذي يَحدُثُ حينَ تَخْلُص؟ إنَّ اللهَ يَزرَعُ فيكَ مَحَبَّةً لِحَقِّهِ. فنحنُ نُؤمِنُ أيضًا بالعقيدةِ العظيمةِ للتَّبريرِ بالنِّعمةِ بالإيمانِ وَحدَهُ. ونحنُ نُؤمِنُ بِما يُسَمَّى "يَهْوَه-تسيدكينو" (Jehovah-Tsidkenu) في اللُّغة العِبريَّة؛ أيْ: "الرَّبُّ بِرُّنا" لأنَّهُ لا يوجدُ فينا أيُّ بِرّ في ذواتِنا. ونحنُ نُؤمِنُ بالولادةِ العذراويَّة ليسوعَ المسيح. ونحنُ نُؤمِنُ بلاهوتِهِ الكامِل. ونحنُ نُؤمِنُ بطبيعَتِهِ البشريَّة الخالية مِنَ الخطيَّة. ونحنُ نُؤمِنُ بموتِهِ الكَفَّاريّ. ونحنُ نُؤمنُ بقيامَتِه. ونحنُ نُؤمِنُ بالحَقِّ الكامِنِ في كُلِّ كلمة قالَها وبحقيقةِ كُلِّ مُعجزِةٍ قامَ بها. ثُمَّ افتحوا على رسالة يوحنَّا الثَّانية والعدد 9: "كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَهذَا لَهُ الآبُ وَالابْنُ جَمِيعًا". أليسَ هذا رائعًا؟
حسنًا! لِنُلَخِّص ما قُلناه. فهناكَ حقائق لا جِدالَ فيها: السُّلطان المُطلَق للكِتابِ المُقدَّس ("سولا سكريبتورا"–“Sola Scriptura”)، والتَّبريرُ بالإيمانِ وَحْدِهِ ("سولا فيدي"–“Sola Fide”)، وبالمسيحِ وَحْدِهِ، الإنسانِ الكاملِ واللهِ الكامِل ("سولا كريستوس"–“Sola Christus”). فقد فَهِمَ المُصْلِحونَ الأمرَ كَما يَجِب. فهذه هي المسائلُ الجوهريَّة. والمؤمنونَ الحقيقيُّونَ، يا أحبَّائي، تَحَرّرَوا مِنَ الضَّلالِ وَأَقْبَلوا إلى هذا الحَقِّ. وكُلُّ مَنْ يُؤمِن بِضَلالةٍ فَهُوَ ليسَ مِنَ الله. ولكِنَّ الكنيسةَ (وهذا يُعيدُنا إلى حيثُ ابتدأنا) تَخْلِطُ بينَ المؤمِنَ الحقيقيِّ وغيرِ المُؤمِن. لِذا فإنَّنا لا نُريدُ أنْ نَقْبَلَ في مائدةِ الكنيسة، أو في شَرِكَةِ الكنيسة، علاقات روحيَّة زائفة معَ أشخاصٍ يعيشونَ في الظُّلمة. فإنْ فَعَلنا ذلكَ فإنَّنا نَصيرُ مُذِنبينَ بأبشعِ خطيَّة! ونحنُ نَصيرُ شُركاء لهم في أعمالِهم الشِّرِّيرة. وهذا يُشْبِهُ أهلَ كورِنثوس المُتَعَجْرِفين الَّذينَ قَبِلوا شخصًا يعيشُ في أبشعِ خطيَّةٍ يَتَخَيَّلُها عَقْلٌ إذْ إنَّهُ كانَ يُقيمُ علاقةً جِنسيَّةً مَعَ زَوْجَةِ أبيه. وقد قالَ بولُس: "سوفَ أُسَلِّمُ ذلكَ الرَّجُلَ لِلشَّيْطَان".
فإنْ كانَ يُلَوِّثُ الكنيسةَ أنْ يكونَ هناكَ شخصٌ يُقيمُ علاقةً جِنسيَّةً داخلَ الكنيسة، فما الَّذي سيَحدُثُ للكنيسة إنْ قَبِلَتْ أولئكَ الَّذينَ يأتونَ بهذهِ الضَّلالات؟ فالمُعَلِّمونَ الكذبة لا يَرْتَدونَ شَيئًا يُشيرُ إلى أنَّهُم مُعَلِّمونَ كذبة. بل إنَّهُم يأتونَ دائمًا (كما جاءَ في رسالة كورِنثوس الثانية 11: 13) كملائكةِ ماذا؟ أجل، فَهُمْ يَقولونَ لكم دائمًا إنَّهُم يَعْرِفونَ الحَقَّ. ولكِن يجب علينا أنْ نُبقي كنيستَنا طاهرة، وأنْ نَجْعَلَ النَّاسَ يُدركونَ المَعنى الحقيقيِّ لأنْ تكونَ مسيحيًّا حقيقيًّا. فلا توجد حاجة مُلِحَّة في الكنيسة في وقتِنا الحاضِرِ أكثرَ مِنَ استعادةِ التَّمييزِ الكِتابيّ، بلِ استعادتِهِ بالمُستوى الَّذي ابتدأَ فيهِ؛ أيْ أنْ نُمَيِّزَ بينَ المُؤمِنِ الحقيقيِّ وغيرِ المُؤمِن. إذًا، النِّطاقُ الأوَّلُ للإنقاذِ هو أنْ يَتِمَّ إنقاذُنا مِنَ الضَّلالِ إلى الحَقّ. دَعونا نُصَلِّي:
يا رَبّ، كلامُكَ سِراجٌ. وقد أَشَعَّ علينا بِقوَّة في هذا الصَّباح. ونحنُ نَتذكَّرُ الكلماتِ الَّتي جاءت في سِفْرِ إرْميا إذْ نَقرأُ: "لَمْ أُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ بَلْ هُمْ تَنَبَّأُوا". ويا رَبّ، إنَّ العالَمَ مُمتلئٌ جدًّا بأشخاصٍ لم تُرسِلهُم، وبأشخاصٍ لم تُعْطِهِم يومًا رسالة. وَهُمْ يَتَنَكَّرونَ في هيئةِ ملائكةِ نُورٍ. والكنيسةُ تَنْخَدِعُ بسهولة شديدة بهم. لِذا فإنَّنا نُصَلِّي، يا أبانا، أنْ تَحمي شَعبَكَ، وأنْ تُعطيهم شَغَفًا للنُّورِ والحَقّ. ساعِدنا على أنْ نَعرِفَ المُؤمِنينَ الحقيقيِّينَ لأنَّهم الأشخاصُ الَّذينَ خَرَجوا مِنَ الضَّلالِ، وَمِنَ الخِداعِ، وَمِنَ الظُّلمة إلى نُورِ الحَقِّ الواضِح، والسَّاِطع، والمُشرِق، والمُبين. نَشكُرُكَ على ذلكَ الخلاصَ الَّذي قُمْتَ بِهِ وَحْدَك. فنحن لم يَكُن بمقدورِنا أنْ نَفعلَ ذلكَ لأنَّنا كُنَّا نَعيشُ في ظُلمة، وكُنَّا أمواتًا بالذُّنوبِ والخطايا، ولأنَّهُ لم يَكُن بمقدورِنا أنْ نَرى النُّورَ ولا أنْ نَقْبَلَ النُّور. فقد كُنَّا عُمْيانًا عَنْهُ، وَلم نَكُنْ نَسْمَعُهُ، بل كُنَّا أمواتًا عَنْهُ. ولكِنَّكَ أعطيتَنا حياةً ونُورًا. نَشكُرُكَ على ذلكَ الإنقاذ. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.