Grace to You Resources
Grace to You - Resource

نحنُ نَدرسُ مَوضوعًا عنِ الكنيسة بعُنوان: "تَشريح الكَنيسة". ونحنُ نَتحدَّثُ عنِ المواقفِ الرُّوحيَّةِ الَّتي تَندَرِجُ تحتَ تَشريحِ الكنيسة مِن جِهةِ أنظمتِها الدَّاخليَّة. وقد استَخدمنا استعارَةَ جَسَدِ المسيح ووَسَّعناها قليلاً، وتَعَمَّقنا قليلاً في الجُزءٍ المُختصِّ بنا، وتحدَّثنا عنِ الهَيكلِ العَظميِّ. فهناكَ أشياء في الكنيسة تُعَدُّ الإطارَ؛ وهي أمورٌ لا جِدالَ فيها لأنَّها جَوهريَّة وأساسيَّة تُعطي الكنيسةَ هَيئَتَها وشَكلَها. وهي أشياءٌ لا تَستطيعُ الكنيسةُ مِن دونِها أن تَقِفَ ولا أن تَتحرَّك. فهي أشياءٌ هَيكليَّة. وقد تَحدَّثنا عن تلكَ الأشياء.

ثُمَّ إنَّنا قُلنا إنَّهُ كما أنَّهُ توجدُ في الجسدِ البشريِّ أعضاءٌ ينبغي أن تَرتَبِطَ بذلكَ الهيكلِ لكي تَسري الحياةُ في الجسد، فإنَّ هُناكَ أنظمة داخليَّة في الكنيسة. وهي تَضُمُّ المواقفَ الرُّوحيَّةَ الَّتي تَسري في الكنيسةِ وَتُمُدُّها بالحياة. وقد تَحدَّثنا عن تلك المواقفِ المُختلفة. وهناكَ العديدُ منها في الكتابِ المقدَّس. ونحنُ نَتحدَّثُ عنها الواحدةَ تِلو الأخرى. وهي مواقفُ رُوحيَّة كالإيمانِ (الَّذي هو بِكُلِّ تأكيد نُقطة البداية)، والطَّاعة، وأمور أخرى كالتَّواضُع والمحبَّة والوَحدة والغُفران. وفي الأسبوعِ الماضي تَحدَّثنا عن مَوقفينِ رُوحيَّيْنِ مُهمَّيْنِ جدًّا هُما: الفَرَح والشُّكر. فَمِنَ المُهمِّ جدًّا جدًّا لحياةِ الكنيسةِ أن تَفيضَ رَعِيَّتُها بالفرحِ والشُّكر.

وفي هذا الصَّباح... إنَّ الوقتَ المُتاحَ لدينا مَحدودٌ في هذا الصَّباح. لِذا، لن يكونَ لديَّ مُتَّسَعٌ مِنَ الوقتِ للتحدُّثِ عن هذا الموضوعِ كما أتمنَّى. ولكن لا بأسَ في ذلك. فسوفَ نَتطرَّقُ إليهِ مِن زوايا أخرى مَرَّةً أخرى في الأيَّامِ القادِمَة. ولكنِّي أريدُ أن أتحدَّثَ عن عُنصرٍ آخرَ رئيسيٍّ جدًّا ينبغي أن يكونَ جُزءًا مِنَ الكنيسةِ لكي يَجعلَ الحَياةَ تَسري فيها، ولكي يَجعلَها ما يُريدُ اللهُ لها أن تكون. وهذا الموقفُ هو: الرَّأفَة... الرَّأفَة.

فعندما تكونُ الكنيسةُ مُكَرَّسَةً للعقيدةِ القويمة كما هي حَالُنا، وعندما تَكونُ مُكَرَّسةً للمسيحيَّةِ الكِتابيَّةِ كما هي حَالُنا، وعندما تَكونُ مُهتمَّة بالتَّدقيقِ لا مِن جِهةِ عقيدتِها فقط، بل بالتَّدقيقِ فيما يَختصُّ بتعليمِها، وبالتَّدقيقِ في حياتِها، وعندما تَكونُ الكنيسةُ مُهتمَّةً بالحِفاظِ على أعلى مِعيارٍ مُمكِنٍ مِنَ الفضيلةِ والقداسة، وعندما نَكونُ مُرهَفي الحِسِّ للخطيَّة بصفتِنا كنيسةً نَاضِجَة، مِنَ السَّهلِ علينا أن نُخطِئَ بأن نَدينَ الآخرينَ ونَدينَ النَّاسَ الَّذينَ لَديهم مَشاكِل. لِذا، مِنَ المُهمِّ أن نَفهمَ التَّوازُنَ الرَّائعَ للرَّأفةِ في حياةِ الكنيسةِ ومَدى أهميَّةِ ذلك.

والكنيسةُ [بالمُناسبة] هي ليست مَعْرِضًا للمسيحيِّينَ البارِزين، بل هي بالحَرِيِّ مُستشفى لِمُعالجةِ الأشخاصِ غيرِ الكَامِلين. ونحنُ نَفهمُ ذلك. فالكنيسةُ تَعِجُّ بالأشخاصِ الَّذينَ يَسقُطون. وهي تَعِجُّ بالخُطاة. وكما كَتَبَ "تشارلز موريسون" (Charles Morrison) ذاتَ مَرَّة: "الكنيسةُ المسيحيَّةُ هي مُجتمعٌ مِنَ الخُطاة. وهي المُجتمعُ الوحيدُ في العالَمِ الَّذي تُتاحُ فيهِ العُضويَّةُ للأشخاصِ غيرِ المُؤهَّلين". فنحنُ لسنا مُؤهَّلينَ للنُّطْقِ باسمِ يسوعَ المسيح. ونحنُ لسنا مُؤهَّلينَ لأن نكونَ جُزءًا مِن كَنيستِه. وهذا يُؤهِّلُنا لأن نَنضمَّ إليها، وأن نُقِرَّ بذلكَ ونَتَّكِلَ عليهِ في القيامِ بما نَعجَزُ نحنُ عنِ القيامِ به.

ولكنَّ الكنيسةَ لديها مَشاكِل. وكما كانَ يَقولُ أحدُ أصدقائي فإنَّ "النُّورَ يَجذِبُ الحَشَرات". وأظُنُّ أنَّ هذا القَولَ لا يَخلو مِنَ الحَقيقةِ في اعتقادي. فالحشراتُ هُمُ الخُطاةُ. والنُّورُ هو الكلمة. والكلمة تَجذِبُ الخُطاةَ. ونحنُ مُجتمعٌ مُؤلَّفٌ مِن هؤلاءِ الخُطاةِ ولدينا الكثيرَ مِنَ المَشاكِل. وهذا يُذَكِّرُني بِشَابٍّ كانَ يَتحدَّثُ إليَّ ذاتَ يَومٍ. وقد كانَ مُستعدًّا لمُغادرةِ هذا المكان فقال: "سوفَ أذهبُ لأرعَى كنيسةً. فأنا أريدُ أن أنخرطَ بخدمةٍ في كنيسةٍ مَحليَّة. أنا أريدُ أن أرعى كنيسةً؛ ولكنِّي لستُ مُستَعجِلاً لأنِّي أريدُ أن أعثُرَ على كنيسةٍ لا توجد فيها أيَّة مَشاكِل". يا لَها مِن فِكرة! لِذا فقد قُلتُ لَهُ: "انظُر! إذا عَثرتَ على كنيسةٍ كهذه لا تَذهب إليها لأنَّكَ سَتُسَبِّب لَهُم مَشاكِل".

فلا يوجد شيء اسمُهُ "كنيسة مِن دونِ مَشاكِل" إلاَّ إن كانت كنيسة خالية مِنَ النَّاس. فالنَّاسُ لديهم مَشاكل. والكنيسةُ لديها مَشاكل. ونحنُ نُواجِهُ كُلَّ أنواعِ المَشاكِلِ هُنا. ولا شَكَّ في أنَّنا لا نَدَّعي الكَمالَ على أيِّ مُستوى. وَمِنَ الواضحِ أنَّ اللهَ مُهتمٌّ بوُجْهَةِ حَياتِنا، لا بِكَمالِنا. ويجب علينا أن نَنتظرَ إلى وقتِ قِيامَتِنا، وإلى الوقتِ الَّذي نَمضي فيهِ إلى بَيتِنا الأبديِّ لنكونَ معَ الرَّبّ. وإلى ذلكَ الحِين، ستبقى لدينا مَشاكِل. والكنيسة تَضُمُّ أشخاصًا يُسَبِّبونَ المَشاكِل. وبصراحَة مُطلَقَة، نحنُ نَصرِفُ وَقتًا طويلاً في التَّعامُلِ معَ الأشخاصِ الَّذي يُحْدِثونَ المَشاكِل.

وَهُم قادِرونَ على استِنزافِ طاقةِ الرَّاعي، واستِنزافِ طَاقةِ المُوظَّفينَ الَّذينَ يُحاولونَ دائمًا أن يُساعِدوا هؤلاءِ الأشخاصِ الَّذينَ لديهم مَشاكِل. وهذا يُشبِهُ كثيرًا، في اعتقادي، العائلاتِ الَّتي لديها عَددٌ مِنَ الأبناءِ ولكن يوجد بينهم واحدٌ أوِ اثنان مُتطلِّبانِ أكثر مِنَ البقيَّة. فكما تَعلمونَ، إنَّهُم يَقولونَ إنَّ هُناكَ أطفالاً يَنتَمونَ إلى الشَّخصيَّة "أ" (Type A personality) ويُولدونَ بهذه الشخصيَّةِ بِحُكْمِ العَوامِلِ الوِراثَيَّةِ مُنذُ لَحظةِ مَجيئِهم إلى هذا العالَم. ومنذُ اللَّحظةِ الأولى يَفرِضونَ مَطالِبَ هَائِلَة على الأبَوَيْن. وهناكَ أولادٌ آخرونَ لا يَتطلَّبونَ كُلَّ هذا الوقتِ وهذهِ الطَّاقة. وهذا يَصِحُّ على أيَّة عَلاقات. فهذا جُزءٌ لا يَتجزَّأُ مِنَ الحياة. فهناكَ أشخاصٌ يَفرِضونَ مَطالِب هَائِلَة على القيادة، ومَطالِب هَائِلَة على شَعبِ اللهِ للتَّعامُل معهم لأنَّهُم يُعانونَ كثيرًا جدًّا.

وإن أردتُ أن أُقَسِّمَ هؤلاءِ النَّاسَ إلى خَمْسِ فِئاتٍ، ستكونُ هذهِ الفِئاتُ الخَمسُ كالتَّالي: أوَّلاً، المُشاكِسون... المُشاكِسون. وَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ تُحاوِلُ دائمًا أن تُبعِدَهُم عنِ الخَطَر. فَهُم يَجعلونَ أيَّ شيءٍ خَطِرًا. وَهُم يُريدونَ أن يَتسلَّقوا السِّياجَ، ويُريدونَ أن يَخرُجوا خارجَ الحُدود، ويُريدونَ أن يَتجاوَزوا الخَطَّ ويَكسِروا القانون.

وَهُم لن يَسيروا يَومًا في الاتِّجاهِ الَّذي تَسيرُ أنتَ فيه، بل يَمْشونَ دائمًا على الحَافَات، ولن يَسيروا وَفقَ البَرنامِج، ولن يَلتزموا يَومًا في القيامِ بواجِباتِهم، ولن يكونوا أُمناءَ يَومًا في الخِدمةِ أوِ العَطاء. وَهُم يَميلونَ أحيانًا إلى الخُمولِ، والكَسَلِ، والتَّسَكُّعِ، وتَعطيلِ التَّقَدُّمِ، والعَشوائيَّة.

وَهُم قد يَغيبونَ بلا عُذرٍ، وقد يكونونَ عَديمي المُبالاةِ وعَديمي الاكتِراث. وقد يكونونَ أحيانًا مُشاكِسينَ؛ وقد تَتراوحُ مُشاكَسَتُهُم بينَ عَدَمِ المُشاركةِ في أيِّ شيءٍ وبينَ التَّمرُّد. فَهُم يُوَسِّعونَ الحُدودَ دائمًا. وقد لا يَتَخَطَّى هؤلاءِ الحُدودَ ولا تُضطرُّ إلى تَأديبِهم؛ ولكنَّهم يَعيشونَ على الحَافَةِ طَوالَ الوقت. فَهُم على حَافَةِ الالتِزام، وعلى حَافَةِ الأمانة، وعلى حَافةِ الخِدمةِ واستِخدامِ مَواهِبِهم، وعلى حَافَةِ المُساهَمةِ إيجابيًّا في تَنميةِ الكنيسة. فَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَعيشونَ على الحُدودِ وعلى حَافَةِ كُلِّ شيءٍ، ولا يُبالونَ حَقًّا ولا يَلتزِمونَ بِقَلبِ الكَنيسةِ وَوُجهَتِها في الحَياة.

أمَّا الفئةُ الثانيةُ مِنَ النَّاسِ فيُمكنني أن أُسَمِّيها: "القَلِقُون". وهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ لا يُغامِرونَ البتَّة، بل يَفعلونَ كُلَّ شيءٍ بدافعِ الخَوف. فَهُم يَخافونَ مِن ألاَّ يَكونوا مَحبوبينَ مِنَ الآخرين، ويَخافونَ مِنَ الفَشَل، ويَخافونَ مِن المَشاكِلِ الَّتي قد تَظهَرُ وتَغمُرُهم. فإن كانتِ المَجموعةُ الأولى تَقترب كثيرًا مِنَ حَافَةِ كُلِّ شيء فإنَّ هذه المَجموعة تَقْبَعُ في الوَسَط. فَهُم لا يَقتربونَ البَتَّة مِنَ الحَافَة.

وَهُم يَتصرَّفونَ بدافعِ الخوف، ويَتصرَّفونَ بِدافِعِ نَقصِ الشَّجاعة. وَهُم قادِرونَ على التَّفكيرِ في عَشرةِ أسبابٍ لعدمِ نَجاحِ الأشياء. وَهُم لا يَملِكونَ حِسَّ المُغامَرة، ويَكرهونَ التَّغيير، ويَخافونَ مِنَ المَجهول، ويَقلقونَ بشأنِ عَواقبِ كُلِّ شيء. فكُلُّ قَضايا الحياةِ هي أكثر مِمَّا يُطيقون. لِذا فإنَّهُم يَعيشونَ عادةً مَذعُورينَ وأحيانًا مُكتَئِبين.

ثُمَّ ثالثًا، هُناكَ الضُّعفاء. ونحنُ لا نَتحدَّثُ هُنا عنِ المُنهَكينِ، أو بالأحرى: القَلِقينَ؛ بل عنِ الضُّعَفاء. وهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يُعانونَ مِن ضُعفٍ رُوحيّ. فقد استَسلموا للتَّجاربِ، وسَقطوا في الخطيَّة. وَهُم يُحاولونَ دائمًا أن يَقِفونَ على أَرجُلِهم مَرَّةً أخرى، ويَنفُضونَ الغُبارَ عن أنفسِهم، ويَعودونَ إلى العَيشِ بالطَّريقةِ المُعتادة. ولكن يبدو أنَّهُم ضُعفاء جدًّا بسببِ العاداتِ المُتأصِّلة فيهم، وبسببِ التَّأثيراتِ السَّلبيَّة، وبسببِ ضُعفِهم الرُّوحيِّ الشَّخصيّ.

وَهُم يَرغبونَ في القيامِ بالصَّواب، ويَرغبونَ في القيامِ بما هو صَحيح؛ ولكنَّهُم يَعيشونَ حَياتَهُم المسيحيَّة مُتعثِّرينَ، ثُمَّ إنَّهُم يَنهَضونَ؛ ولكنَّهُم يَتقدَّمونَ ثلاثَ خُطُواتٍ ويَرجِعونَ خُطوتين. وأحيانًا يَتقدَّمونَ خُطوتينِ ويَرجِعونَ ثلاثَ خُطُوات. وَهُم يُحرِجونَ أنفسَهُم، ويَحرِجونَ الكنيسة. وَهُم يُعَطِّلونَ شَهادَتَهُم وغالبًا ما يَجلِبونَ العَارَ على اسمِ الرَّبّ. فَهُم مُجرَّدُ أشخاصٍ ضُعفاء مِنَ السَّهلِ أن يَسقُطوا في التَّجربةِ والعاداتِ الخاطئة.

رابعًا، هُناكَ فِئةٌ أُسَمِّيها فِئَة الأشخاصِ المُتْعِبين. فَهُم يُحبِطونَكَ وَحَسْب. وَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ لا يَفهمونَ ما تَقول، ولا يَفْقَهونَ شَيئًا، ولا يُرَكِّزون، ولا يَنْتَبِهون. فَهُم يَجُرُّونَ أقدامَهُم، ويُسيئونَ فَهْمَ المَعنى المَقصود، أو يَنْسَوْنَ النُّقطة الجوهريَّة أو يَتجاهَلونَ النُّقطة الرئيسيَّة. وَهُم لا يُعَجِّلونَ، ولا يَلحَقونَ بالمَجموعةِ بالسُّرعةِ الَّتي يَسيرُ بها الآخرون. وَهُم يُرهِقونَكَ لأنَّهُم لا يَتغيَّرون. وأنتَ تُحاوِلُ هذهِ الطَّريقةَ وتلكَ الطَّريقة وَغيرَها؛ ولكنَّهُم لا يَتغيَّرون.

وَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ أتحدَّثُ إليهم غالبًا وأقول: "لِمَ لا تَفعلُ كَذا؟" فيقولونَ لي: "لقد فَعلتُ ذلكَ ولكنَّهُ لم يَنجَح". "إذًا، لِمَ لا تُحاول أن تَفعل كذا؟ خَصِّص وقتًا قصيرًا واقرأ خمسة مَزامير". "لقد حاولتُ ذلك، ولكنَّ هذه الطَّريقة لم تَنجَح". "إذًا، إليكَ هذه المَجموعة مِنَ العِظات المُسَجَّلَة. رُبَّما يُمكِنُكَ أن تَستمِعَ إليها". ولكنَّهُم يَعودونَ ويقولون: "لقد استَمَعتُ إليها ولكنَّها لم تُساعِدني". فَهُم يَستَنزِفوكَ وَحَسْب. وَهُم يَستَنزِفونَ كُلِّ الخِياراتِ الَّتي تُقدِّمُها لَهم. وأنتَ تَستمرُّ في المُحاولة والمُحاولة والمُحاولة دُونَ أن تَتمكَّنَ مِن مُساعَدَتِهم على الوُصولِ إلى المَكانِ الَّذي ينبغي أن يَكونوا فيه. هؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ المُتْعِبين.

وأخيرًا، هُناكَ الأشخاصُ الأشرار بِكُلِّ ما في الكلمة مِن مَعنى. وَهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَفعلونَ الشَّرَّ في الكنيسة. فَهُم يُؤذونَ المؤمنينَ الآخرينَ مِن خلالِ النَّميمةِ والتَّشهيرِ بِهم. وَهُم يَتَسَبَّبونَ في قَطْعِ العَلاقاتِ، ويؤذونَ وَحدةَ الرُّوح، ويَقطعونَ رِباطَ السَّلام. وَهُم غيرُ مُحِبِّين. وَهُم يُخَرِّبونَ العلاقاتِ الزَّوجيَّة، ويُطَلِّقونَ شَريكَ الحَياة. وَهُم لا يَتعاملونَ بِلُطفٍ مَعَ الأطفال، أو أنَّ أولادَهُم ليسوا مُطيعينَ لأبَوَيْهِم. وَهُم يُدَنِّسونَ بَناتَهُم وأولادَهُم. فَهُم يُخطِئونَ وَحَسْب.

ونحنُ في هذه الكنيسة نَتعامَلُ معَ كُلِّ هؤلاءِ الأشخاص. وما أعنيه هو أنَّ مِعيارَ الانضِمامِ إلينا هو أنَّهُ ينبغي لكَ أن تَكونَ خَاطئًا لكي تَنْضَمَّ إلينا، وينبغي لكَ أن تَكونَ خَاطِئًا غيرَ مُستحقٍّ لكي تَنضمَّ إلينا. وهذا هو في اعتقادي السَّببُ في أنَّنا نُواجِهُ هذه المُشكلة. فهُناكَ المُشاكِسونَ، والقَلِقونَ، والضُّعَفاء، والمُتْعِبينَ، والأشرار. ولا عَجَبَ في أنَّ رِعايةَ رَعيَّة مُعافاة هو تَحَدٍّ كَبير. أليسَ كذلك؟ فجميعُ هؤلاءِ النَّاس بحاجة إلى المُساعَدة.

وبالرَّغمِ مِن كُلِّ ما كُتِبَ اليوم عنِ الكنيسةِ، ونُمُوِّ الكنيسة، وكُلِّ الأمورِ المُعَقَّدة، وكُلِّ مَبادئِ التَّجانُس، والسِّماتِ الثِّقافيَّةِ، وكُلِّ الاستراتيجيَّاتِ الذكيَّة، وكُلِّ أساليبِ التَّرفيه، وكُلِّ أساليبِ الإعلانِ والتَّسويقِ لبناءِ الكنيسة، لا يوجد شَخصٌ تَحَدَّثَ عنِ الصِحَّةِ الرُّوحيَّةِ للرَّعيَّة، وكيفَ تُساعِدُ النَّاسَ على النُّموِّ والتَّمَثُّلِ بالمسيح. ولكنَّ هذا هو التَّحَدِّي الكبير.

فالحُصولُ على جَمْعٍ كَبيرٍ ليسَ صَعبًا بِقَدرِ تَلمذةِ أشخاصٍ لِيَصيروا مُماثِلينَ للمسيح. فهذا مَوقِفٌ يَنطوي على تَحَدٍّ كبير لأنَّهُ يوجدُ لديكَ أشخاصٌ مِن كُلِّ هذهِ الفِئاتِ في كُلِّ المراحلِ المُختلفة مِن حَياتِهم الشخصيَّة. وأنتَ تُحاولُ أن تَسيرَ بِهِم نَحوَ هَدَفٍ واحدٍ وهو: التَّمَثُّلُ بالمسيح. والكنائسُ تُنفِقُ أموالاً طَائلةً على أمورٍ خَارجيَّة وسَطحيَّة لا تُغَيِّرُ أيَّ شيءٍ مِنَ الدَّاخل. ولكِن عندما تَتغيَّرُ الكنيسةُ مِنَ الدَّاخل فإنَّها تَصيرُ حَقًّا قُوَّةً للكِرازةِ والبِرِّ في العالَم.

وقد فَعَلَ الرَّسولُ بولسُ شَيئًا يُمكنُكم أن تُلاحِظوهُ أثناءَ قِراءتِكُم للعهدِ الجديدِ وهو أنَّهُ استَخدَمَ كُلَّ طَاقَتِهِ وصَلواتِهِ للحُصولِ على رَعيَّة مُعافاة رُوحيًّا. وهذا هو العَملُ الحقيقيُّ للكنيسة. وهذا ليسَ عَملي أنا فقط، بل هو عَمَلُكم أنتُم أيضًا. انظُروا إلى رسالة كولوسي قَليلاً مِن فَضلِكُم. فهُناكَ مَوقِفٌ وَاسِعُ الانتشارِ سنتحدَّثُ عنهُ اليومَ، وَهُوَ مُهِمٌّ لهذا العَمل. وهو مَذكورٌ في رسالة كولوسي 3: 12.

وسوفَ تَرَوْنَ هُنا أنَّهُ يُشيرُ إلينا جميعًا لأنَّهُ يَقولُ في العدد 12: "فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ..." – فَهُوَ يُخاطِبُ جَميعَ المُؤمِنينَ. فنحنُ جَميعًا جَماعة المُختارين. وقد تَقَدَّسنا بِبِرِّ المسيح. ونحنُ الآنَ أحِبَّاءُ الله. فهو يُخاطِبُنا جَميعًا؛ أي جَميعَ مَن في الكنيسة: "فالبَسُوا... أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ". فيجب علينا أن نُعامِلَ بَعضُنا بَعضًا بِرِفْق، ولُطف (كما يَقولُ). ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في تلكَ الآية: "وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ". ثُمَّ في العَدد 13: "مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا".

بِعبارة أخرى، يَجب أن يكونَ هُناكَ رِفْقٌ لَطيفٌ ورَقيقٌ ووَديعٌ تُجاهَ الأشخاصِ الَّذينَ يُواجِهونَ تَحَدِّياتٍ في كُلِّ الأمورِ الَّتي تُضَعْضِعُهم سواءَ كانت مُشاكَسَةً، أو قَلَقًا، أو ضَعفًا، أو سواءَ كَانُوا مُتْعِبينَ، أو كانوا أشرارًا وَحَسْب. فَجميعُ الأشخاصِ الَّذينَ يَنتمونَ إلى الرَّبِّ، وجَميعُ الأشخاصِ المُختارينَ، والمُقَدَّسينَ في المسيح، ومَحبوبي اللهِ قد دُعينا إلى إظهارِ الرَّأفَة؛ لا فقط تُجاهَ الأشخاصِ الضَّالِّين. فأحيانًا تُظهِرُ الكَنائِسُ رأفَةً تُجاهَ غيرِ المؤمنينَ أكثرَ مِمَّا تُبدي رأفَةً تُجاهَ رَعاياها. ولكن يجب علينا أن نُحبَّ كُلَّ النَّاسِ، ولا سِيَّما لأهلِ الإيمان. لِذا، يجب علينا أن نَتَرَأَّف.

لِنَنظُر إلى هذه المسألة مِن خلالِ التَّأمُّلِ في ما كَتَبَهُ الرَّسولُ بولُس في رسالتِهِ الأولى إلى أهلِ تسالونيكي والأصحاحِ الخامِس. إنَّ الأصحاحَ الخامِسَ مِنَ الرِّسالةِ الأولى إلى أهلِ تسالونيكي [كما لاحَظتُم في الأسابيعِ القليلةِ الماضية] يَحوي مَقطعًا مُهمًّا جدًّا لأنَّهُ يُقَدِّمُ وَصايا تَختصُّ بحياةِ الكنيسة. فهو أصحاحٌ مُهمٌّ جدًّا جدًّا. وهو يَتحدَّثُ عن كيفيَّةِ تَصرُّفِ الرُّعاةِ معَ الرَّعيَّة في العَددَيْن 12 و 13 مِن رسالة تسالونيكي الأولى... عن كيفيَّةِ تَصرُّفِ الرُّعاةِ معَ الرَّعيَّة. وهو يَتحدَّثُ أيضًا عن كيفيَّةِ تَصرُّفِ الرَّعيَّةِ معَ الرُّعاة. لِذا فإنَّكُم تَقرأونَ في العَددَيْن 12 و 13 عن عَلاقةِ الرَّعيَّةِ بالرَّاعي، وعن عَلاقةِ الرَّاعي بالرَّعيَّة.

ولكن عندما تَصِلونَ إلى العدد 14، تَقرأونَ هُنا عن عَلاقةِ الرَّعيَّة بالرَّعيَّة؛ أي عن كيفَ ينبغي لنا أن نَتصرَّفَ بَعضُنا مَعَ بَعض. وهو يَقولُ في العدد 14: "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ". وَهُوَ يَتحدَّثُ هُنا عنِ العَلاقةِ بينَ أعضاءِ الرَّعيَّة. فنحنُ نَتحدَّثُ الآنَ عن كيفَ ينبغي أن تَسلُكوا في الكنيسة: "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ. انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيع".

والآن، في العددَيْن 14 و 15، يُعطي بولسُ تَعليماتٍ لفِئاتِ النَّاسِ الخَمسِ الَّتي ذَكرتُها لَكُم. فكُلُّ الفِئاتِ الخَمسِ مُخاطَبَة هُنا. لاحِظوا كيفَ يَبتدئُ العَدد 14: "وَنَطلُبُ". فهذهِ هي نَبْرَةُ الحَديثِ في كُلِّ هذا المَقطَع. فهناكَ صِيغةُ إلحاحٍ هُنا، وصِيغةُ أمرٍ هُنا، وحَضٌّ للرَّعيَّةِ بأن تَتصرَّفَ بطريقةٍ مُعيَّنة فيما بَينَها. وتلك الطَّريقة تُشيرُ إلى الرَّأفَة.

فيجب علينا أن نُعامِل بعضُنا بعضًا بلُطفٍ، ورأفَةٍ، وصَّبرٍ، وطُولِ أناةٍ الواحِدُ تُجاهَ الآخر في أثناءِ صِراعِنا معَ مَواطِنِ ضُعفِنا وَقَلَقِنا وخَوفِنا، وفي أثناءِ صِراعِنا معَ مُشاكَسَتِنا وشَرِّنا، وفي أثناءِ صِراعِنا معَ كُلِّ تلكَ الأشياءِ الَّتي ينبغي لنا أن نُعالِجَها بمحبَّة ورأفَة. وقد كنتُ أدرُسُ في العهدِ القديمِ فَدُهِشْتُ في أثناءِ تأمُّلي في العهدِ القديمِ مِن بِرِّ اللهِ وعَدالَتِهِ الدَّائِمَيْنِ، وفي الوقتِ نَفسِهِ مِن نِعمَتِهِ ورَحمَتِهِ الدَّائِمَتَيْنِ تُجاهَ مَن يُخطِئون.

فَمِن جِهَة، هُناكَ دائمًا المِعيارَ الكامِلَ والمُقَدَّس. ومِن جِهة أخرى فإنَّ اللهَ طَويلُ الأناةِ جدًّا، ورَقيقُ القلبِ جدًّا، ورَحيمٌ جدًّا في تَعامُلِهِ معَ النَّاسِ حينَ يُخطِئونَ، ولا يَدينُهم إلاَّ بعدَ أن يَستَنفِذَ كُلَّ عَطْفِهِ ومُحاولاتِهِ كي يَرجِعوا عن آثامِهم. فَبِقَدرِ مَا هوَ بَارٌّ وعادِلٌ، فإنَّهُ رَؤوفٌ أيضًا. وهكذا ينبغي لنا أن نَكون. فيجب علينا أن نُحافِظَ على المِعيارِ عَاليًا. وسوفَ نَفعلُ ذلك. ويُمكنُنا أن نَدعو النَّاسَ إلى حَياةِ القَداسَةِ والبِرّ. وسوفَ نَفعلُ ذلك. ولكن يجب علينا أن نُوازِنَ بينَ ذلكَ وبينَ القلبِ الرَّؤوفِ الَّذي يَتفهَّمُ الصِّراعَ الدَّائِرَ في حياتِنا جميعًا بسببِ جَسَدِنا.

أوَّلاً، لِنَتحدَّث عنِ المُشاكِسين؛ أي عنِ الأشخاصِ الَّذينَ يَقِفونَ على الحَافَةِ ويَختبِرونَ حَافَاتِ كُلِّ شيء. فَهُم يَعيشونَ على الحَافَة. وهو يُخاطِبُهم في العدد 14 ويقولُ ما يَلي: "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ". والعِبارة "بِلا تَرتيبٍ" هي تَرجمة للكلمة "أتاكتوس" (ataktos)؛ وهي تُستخدَمُ هُنا فقط معَ أنَّها تُستخدَمُ بِصِيَغٍ أُخرى في مَواضِع أخرى في رسالة تسالونيكي الثَّانية. وهي كلمة تُشيرُ في الأصلِ إلى الخُروجِ عَنِ الصَّفِّ في جَماعةٍ مِنَ الجُنود.

فعندما يَصْطَفُّ الجُنودُ في خَطٍّ واحدٍ كما يَفعلونَ في كُلِّ جَيشٍ، وعندما يَحينُ وَقتُ المَسيرِ فإنَّهُم يَصْطَفُّونَ في صَفٍّ واحِدٍ مُنَظَّمٍ ويَقِفونَ بترتيبٍ مُحْكَمٍ لأنَّ هذا هو التَّرتيبُ الصَّحيح. ولكن قد يَخرُجُ جُنديٌّ عنِ المَجموعَةِ، أو عنِ الصَّفِّ. وهذه هي الكلمةُ الَّتي تَصِفُهُ. فهو شخصٌ بِلا تَرتيب، أو يَسلُكُ سُلوكًا عَشوائيًّا، أو هو شخصٌ لا يَقِفُ في الصَّفِّ، أو لا يَجِدُ مَكانَهُ المُناسِبَ في المَجموعَةِ أوِ الصَّفّ. وقد يكونُ مُجرَّدَ شَخصٍ كَسولٍ جدًّا ولا يُريدُ أن يَفعلَ ذلك، أو خَامِلٍ، أو قد يكونُ شَخصًا مُتمرِّدًا في قَلبِه. فهو لا يُريدُ أن يَنصاعَ للأوامِر، ولا يُريدُ أن يَشتَرِك.

وبالمُناسبة، في رسالة تسالونيكي الثَّانية حيثُ تَجِدونَ صِيَغًا أُخرى لهذه الكلمة فإنَّها تَصِفُ شخصًا كَسولاً خامِلاً. فقد يَمنَعُ الكَسَلُ المَرءَ مِنَ الوُقوفِ في مَكانِهِ في الصَّفِّ، ومِنَ التَّحرُّكِ معَ المَجموعةِ حينَ تَتحرَّك. وقد تُشيرُ إلى الكَسَلِ، أو عَدَمِ المُبالاةِ، أو عدمِ الاكتراث. فأنتَ مُجرَّدُ شَخصٍ تَتَسَكَّعُ عندَ الحَافَةِ لأنَّكَ لا تُريدُ الانخراطَ. فهو نَوعٌ مِنَ عَدمِ المُبالاة. ولكنَّها كلمة قد تُشيرُ أيضًا إلى عَدَمِ الخُضوعِ عَامَّةً للقائِدِ، أو إلى عَدمِ الخُضوعِ عامَّةً لشخصٍ مَسؤول، أو إلى عَدَمِ الانسِجامِ معَ الآخرين.

ومِنَ المؤكَّدِ أنَّ هذا يَحدُثُ في الكنيسة. فهناكَ أشخاصٌ يَتَسَكَّعونَ عندَ الحَافَةِ طَوالَ الوقت. فَهُم مُجرَّدُ مُتَسَكِّعينَ يَسلُكونَ بِلا تَرتيب. فيبدو أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تَجعَلَهُم يَقِفونَ في الصَّفّ. ويبدو أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تَجعَلَهُم يَفعلونَ ما ينبغي فِعلُه. فَهُم قد يأتونَ أو لا يأتونَ إلى خدماتِ العبادةِ صَباحَ يومِ الأحد. وَهُم قد يَحضُرونَ أو لا يَحضُرونَ خِدمةَ مَساءِ الأحد. وَهُم لا يَشتركونَ في أيَّةِ مَجموعةِ شَرِكَة. وَهُم لا يَنخرِطونَ في أيَّةِ خِدمة.

وَهُم لا يُكَرِّسونَ أنفُسَهُم حَقًّا للحياةِ البارَّةِ والحياةِ المُقدَّسة؛ بل إنَّهُم يَتَسَكَّعونَ وَحَسْب عندَ الحَافَةِ بِقَدرٍ مِنَ عدمِ الاكتراثِ، وبِقَدرٍ مِنَ التَّمرُّدِ في قُلوبِهم. وقد يَكونونَ مُتمرِّدين. وَهُم لا يَدعمونَ الخِدمةَ عادةً لا في أنشِطَتِهِم ولا في عَطائِهم. فهذا هو المَوقِفُ الَّذي يُظهِرونَهُ. فَهُم مُجرَّدُ أشخاصٍ مُتَسَكِّعين. وَهُم لا يُظهِرونَ أيَّ تَكريسٍ قَلبيٍّ لما يَجري.

وأنا أُشَبِهُهُم باللاَّعِبينَ الاحتياطيِّينَ الَّذينَ لم يُشارِكوا يَومًا في أيَّة مُباراة. فَهُم لا يَستطيعونَ المُشاركةَ في المُبارياتِ لأنَّهُم ليسوا مُكَرَّسينَ للَّعِب، ولأنَّهُم لا يَصقِلونَ مَهاراتِهم للَّعِب. فَهُم ليسوا مُكَرَّسينَ لذلك، ولا يُبالونَ بذلك. وفي رأيي فإنَّ اللاَّعبينَ الاحتياطِيِّينَ يَصيرونَ عادةً نَاقِدينَ وسَلبيِّينَ. فَهُم يَميلونَ عادةً إلى انتقادِ الأشياءِ الَّتي تَفعلُها.

وَهُم في أفضلِ الأحوالِ يَمتلكونَ عَقليَّةَ المُشاهِدينَ ولا يَسيرونَ مَعَ الرَّكْب. وغالبًا فإنَّ هؤلاءِ الأشخاصَ يَجلسونَ في الخَلفِ ما لم يَكُنِ المَكانُ مُزدحمًا ولا توجد مَقاعد شاغِرة أخرى. فَهُم لا يُريدونَ أن يَتحمَّلوا المسؤوليَّة. لِذا فإنَّهُم لا يَجلسونَ في الصُّفوفِ الأماميَّةِ لأنَّهُم لا يُريدونَ أن يَفترِضَ الآخرونَ أنَّهُم مَسؤولونَ عَمَّا سَمِعوه. وَهُم يَجلسونَ في أقربِ مَكانٍ مُمكِن إلى البابِ عادَةً حَتَّى لا يَفترِضَ أيُّ شخصٍ أنَّهُم مَسؤولونَ عَن أيِّ شيءٍ سِمِعُوه. فَهُم يُريدونَ أن يُشاهِدوا ما يَحدُثَ، وعادةً ما يَرغبونَ في الانتقاد.

فكيفَ تَتعامَلُ معَ هؤلاءِ الأشخاص؟ نَقرأُ في العدد 14: "أَنْذِرُوهُم". وما مَعنى الإنذار؟ إنَّها تَرجمة للكلمة "نوثيتيئو" (noutheteo)، وهي الكلمة الَّتي اشتُقَّت مِنها الكلمة الإنجليزيَّة "نوثيتيك" (nouthetic) وما يُعرَفُ بالمشورة النوثيتيكيَّة (nouthetic counseling). وهي كلمة مُدهشة تُشيرُ إلى تَقديمِ المَشورةِ في ضَوْءِ العَواقِبِ المُستقبليَّة. وهي تَعني أن تُحَذِّرَ في ضَوءِ ما سيَحدُث لاحقًا. وبهذا المَعنى فإنَّها تَعليم. ويُعَبِّرُ "أ. ت. روبرتسون" عنها بطريقةٍ رائعة فيقولُ إنَّها تَعني أن تُضفي الحِسَّ إلى شيءٍ مَا، وأن تُساعِدَ شَخصًا على الإحساسِ بما يَفعلُهُ وإلى أينَ سيَقودُهُ ذلك.

وهذا يَتطلَّبُ قُرْبًا مُعيَّنًا مِن ذلكَ الشَّخصِ وعَلاقةً وَطيدةً بِهِ إلى حَدٍّ مُعيَّن لكي تَتمكَّنَ مِنَ الاقترابِ مِنهُ إلى الحَدِّ الَّذي تَستطيعُ فيهِ أن تَجعَلَهُ يُفَكِرُ بعقلانيَّة في سُلوكِهِ. وهذا إقرارٌ بأنَّ سُلوكَ أحدِ الأشخاصِ بحاجة إلى التَّغيير؛ لا عن طريقِ العِقابِ، بل عن طريقِ التَّأثيرِ فيه. فهي كلمة إيجابيَّة. وما ينبغي أن تَفعلَهُ (حَسَبَ تَعريفِ "كريمر" – "Kramer") هو أن تُؤثِّرَ في أفكارِ الآخرين.

فيجب عليكَ أن تُعَلِّمَهُم أنَّ الطَّريقَ الَّذي يَسلُكونَ فيهِ هو طَريقٌ يُؤدِّي إلى التَّأديبِ أوِ العِقابِ، وأنَّهُ بِكُلِّ تأكيدٍ طَريقٌ يَحرِمُهُم مِنَ البَرَكَة. وهذا الإنذارُ لا يَنطوي على أيِّ إدانَة، ولا يَنطوي على أيِّ نَاموسيَّة، ولا يَنطوي على أيِّ فَوقيَّة أو إدانَة؛ بل يَعني أن تَدنو مِنَ الآخرينَ كي تُنذِرهُم... كي تُنذِرهُم.

وإن أردنا أن نُعبِّرَ عن ذلكَ بطريقةٍ تَفهمونَها فإنَّ بولسَ يَستخدِمُ صُورةً أَبويَّةً في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاحِ الرَّابع حيثُ يَستخدِمُ الكلمةَ نَفسَها. وهو يَقولُ لأهلِ كورِنثوس في العدد 14: "لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا". بعبارة أخرى، إنَّ هَدفي هو ليسَ أن أُحرِجَكُم، ولا أن أجعَلَكُم تَشعرونَ بالخِزي، "...بَلْ أُنْذِرُكُمْ [نوثيتيئو - noutheteo] كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاء". لِذا فإنَّ النَّموذَجَ هو الأب.

وهو نَوعُ الإنذارِ ونَوعُ التَّحذيرِ الَّذي تُقَدِّمُهُ لابنِكَ الَّذي تُحِبُّهُ حُبًّا جَمًّا. وأحيانًا قد لا يَفهَمُ الابنُ أنَّكَ تَقولُ لَهُ: "لن أَسمَحَ لكَ بأن تَفعلَ ذلك"، أو: "لن أسمَحَ لكَ بالسَّيرِ في ذلكَ الدَّرْب"، أو: "لن أسمَحَ لكَ بالاستمرارِ في ذلكَ الموقف أو ذلكَ السُّلوك أو تلكَ العلاقة لأنِّي أُحبُّكَ كثيرًا ولا يُمكنُ أن أسمحَ بتَعريضِكَ لعواقِبِ ذلك". فالأبُ يَفعلُ ذلك. ونحنُ نَفعلُ ذلكَ طَوالَ الوقت.

فهُناكَ عَواقب لطُرُق مُعيَّنة. وعندما تَعلمُ ذلك فإنَّكَ تُحَذِّرُ الآخرينَ. وأنتَ تُحَذِّرُهُم بدافعِ المحبَّة. وأحيانًا قد لا يُقَدِّرُ الشَّخصُ الَّذي تُحَذِّرُهُ ذلك. وأحيانًا قد لا يُقَدِّرُ الأبناءُ ذلك. وأحيانًا قد لا يَفهمُ المؤمنونَ المُتَسَكِّعونَ الذين يَلعبونَ على الحَافَاتِ طَوالَ الوقتِ عَواقبَ ذلكَ النَّوعِ مِنَ الحياة. فقد تُحَذِّرُهم بدافعِ المحبَّةِ فَيَنظرونَ إلى ذلكَ على أنَّهُ إدانَة. وقد يُحاولونَ أن يُعَرِّفوا ذلكَ على أنَّهُ انتقادٌ لهم؛ ولكنَّهُ ليسَ كذلك.

ولكنَّ الطَّريقةَ الَّتي تَقومُ بها بذلكَ مُهمَّة جدًّا. والطَّريقةُ الَّتي تَقومُ بها بذلكَ أساسيَّة. ولكي تُدركوا تلكَ الطَّريقة، انظروا إلى سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 20: 31 حيثُ تُستخدَمُ نفسُ الكلمة. وهذه نُقطة مُهمَّة جدًّا. ففي سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 20: 31، يَستخدِمُ بولسُ هذه الكلمة فيقول: "مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ..." [وهي نَفسُ الكلمة] "... عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ". وهذا ليسَ مَوقِفُ إدانَة، بل هو مَوقفٌ مُتعاطِفٌ. وهو قَلبُ رَقيقٌ ولُطفٌ. فهذا قَلبٌ مَكسورٌ يقولُ: "أنا حَزينٌ على العَواقِبِ الَّتي سيَجلِبُها هذا الأمرُ عَليكُم".

فهكذا يَنبغي أن تُعامِلوا معَ المُتَسَكِّعين. فلا يَجوزُ أن تُهاجِموهُم وتَدينوهُم، ولا يَجوزُ أن تَنتقِدوهُم بقسوة، ولا يَجوزُ أن تُحدِثوا اضطِرابًا في حَياتِهم مِن خِلالِ إساءةِ مُعامَلَتِهم وإبعادِهم عَنكُم وعَزلِهم؛ بل يجب عليكم أن تَقتربوا مِنهُم كما يَقتربُ الأبُ المُحِبُّ مِنِ ابنِهِ ويَفهَمُ الطَّريقَ الَّذي يَسلُكُ فيهِ ابنُه، ويَدعوهُ إلى الرُّجوع. ويجب أن تَفعلَ ذلكَ بدُموعِ الرَّأفَة... الرَّأفة. ويا لَهُ مِن مَوقفٍ رائعٍ وبَديعٍ يُظهِرُهُ اللهُ مِن نَحوِ الخُطاةِ، ويُظهِرُهُ المسيحُ مِن نَحوِنا.

ثانيًا، لنتحدَّث عنِ الأشخاصِ القَلِقين. فهؤلاءِ ليسوا الأشخاصَ الَّذينَ يَقتربونَ مِنَ الحَافَات، بل هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَقْبَعونَ في الوَسَط. وَهُمُ مَجموعةُ الأشخاصِ ضَعيفي الإيمان. والآيةُ تَقول: "شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ". والعِبارةُ "صِغار النُّفوس" تَصِفُ الأشخاصَ القَلِقين. وهذه تَرجمة دَقيقة للكلمة اليونانيَّة. وهي تَرجمة جَيِّدة لأنَّها تَصِفُ المَعنى الصَّحيحَ إذْ إنَّ الكلمة اليونانيَّة تَعني: "صِغار النُّفوس". فالكلمة "نَفْس" هي تَرجمة للكلمة "سوكوس" (psuchos)؛ وهي الكلمة الَّتي تُشتَقُّ مِنها الكلمة "سايكي" (psyche)، و "سايكولوجي" (psychology)، و "سايكاياتري" (psychiatry). فهي كلمة يونانيَّة تَعني: "نَفْس". والكلمة "أوليغوبسوكوس" (oligopsuchos) تَعني: "صَغير النَّفس"... صَغير النَّفس. وهي عَكسُ "ميغالوبسوكوس" (megalopsuchos وتَعني شَخصًا كَبيرَ النَّفس. وقد وَصَفَ أرسطو الإنسانَ المِثاليَّ بأنَّهُ شخصٌ كَبيرُ النَّفس.

بعبارة أخرى، إنَّهُ شخصٌ يَستطيعُ أن يَحتَمِلَ كُلَّ الأشياء. فهو مُغامِرٌ، وشُجاعٌ، وجَريءٌ، وقَلبُهُ يَتَّسِعُ لأمورِ كثيرة، ويَستطيعُ أن يَحتَمِلَ الكثير. والمُرادِفُ في اللُّغةِ السَّنسكريتيَّة مُدهشٌ. فالمُرادِفُ في اللُّغةِ الهِنديَّةِ القديمةِ هو "مَهاتما" (mahatma). فهذه هي الكلمة السَّنسكريتيَّة القديمة. وقد أخذَ "غاندي" (Gandhi)، الزَّعيمُ الهِنديُّ، تلكَ الكلمة (مَهاتما) واستَخدمَها لَقَبًا لَهُ لأنَّهُ أرادَ أن يَصِفَ نَفسَهُ بأنَّهُ رَجُلٌ كَبيرُ النَّفس، ولديهِ قَضيَّة كبيرة وقُدرة كبيرة على استيعابِ أُمَّةٍ كبيرة بجَميعِ احتياجاتِها.

لِذا فإنَّ هذا الشَّخصَ هو شَخصٌ يَمتلِكُ شجاعةً كبيرةً، وجُرأةً، واستعدادًا للمُخاطرةِ مِن أجلِ قَضيَّةٍ نَبيلة، ولديهِ رُوحُ المُغامرة، ومُستعدٌّ للتَّضحيةِ بحياتِهِ، والوقوفِ في وَجهِ التَّحدِّيات، ولا يَخافُ مِن مُواجَهِةِ الصُّعوبات، ولا يَخافُ مِنَ الاضطِهاد، ولديهِ رُؤية عظيمة، ويَستطيعُ أن يَحْفِزَ النَّاسَ لاعتِناقِ قَضيَّةٍ عظيمةٍ وأن يُلْهِبَ قُلوبَهُم للدِّفاعِ عن تلكَ القضيَّة. هذا هو الشَّخصُ الكَبيرُ النَّفس.

ولكِن في الكنيسة، هُناكَ أشخاصٌ صِغارُ النُّفوسِ يَكرهونَ التَّغييرَ، ويَخافونَ مِنَ المَجهولِ، ويَقلقونَ على كُلِّ شيءٍ. فَهُم أشخاصٌ سَلبيُّون. وَهُم يَرَوْنَ الجانبَ السَّلبيَّ في كُلِّ شيء ويَقولونَ: "وَيْلٌ ليَ". وَهُم يَفتَقِرونَ إلى الشَّجاعة، ولا يُريدونَ أن يُجَرِّبوا أيَّ شيء. وإن غَيَّرتَ رُوتينَ حَياتِهم فإنَّهُم يُصابونَ بالذُّعر. إنَّهُم الأشخاصُ التَّقليديُّون.

وَهُم يُريدونَ الأشياءَ المَضمونَة، ويُريدونَ الأشياءَ الخاليةَ مِنَ المُغامَرة. وَهُم ليسوا واثِقينَ مِن أنَّهُم يُريدونَ أن يَرتبطوا بغيرِ المؤمنينَ لِئلاَّ يَفسَدُوا. لِذا فإنَّ كِرازَتَهُم مَحدودة جدًّا أو حتَّى مَعدومة. وَهُم يَقْبَعونَ في المَنطقةِ الوُسطَى ويَعيشونَ في حالةِ تَأمُّل دائمة معًا، ويَشعرونَ بالأمانِ والطُّمأنينة في مَجموعتِهم الصَّغيرة.

فَهُم يُحبَطونَ بسهولة، ويُهزَمونَ بسهولة، ويَفتقرونَ إلى القوَّةِ للخُروجِ خارجًا، ويَفتقرونَ إلى القوَّةِ للقيادة، ويَفتقرونَ حتَّى إلى القوَّةِ لاتِّباعِ القادَة، ويَخافونَ ويَعيشونَ حَسَبَ مَبدأ "ميرفي" (Murphy's law) القائِل: "إن كانَت هُناكَ مُشكلة ستَحدُثُ، لا سَبيلَ إلى مَنْعِها مِنَ الحُدوث". وكُلُّ أَزْماتِ الحياةِ تَفوقُ قُدرتَهُم على الاحتِمال. وَهُم يَستطيعونَ العُثورَ على سَبَبٍ لِعَدَمِ القيامِ بأيِّ تَغييرٍ البتَّة.

وهؤلاءِ أشخاصٌ يَصعُبُ التَّعامُلُ مَعَهُم. فَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَأتونَ إلى الكنيسةِ وَهُم يَحمِلونَ راياتٍ حَمراء. وعندما يَكونُ الجميعُ مُستعدٌّ للمضِيِّ قُدُمًا فإنَّهُم جاهِزونَ لإيقافِهم. فَهُم يَفتقرونَ إلى الرُّؤية، ويَخافونَ مِنَ الفَشَل، ويَفتقرونَ إلى الجُرأةِ لِيَشهَدوا. وفي السِّرِّ، رُبَّما كانَ بَطَلُهم إمَّا إنديانا جونز (Indiana Jones) أو "رامبو" (Rambo)؛ ولكنَّهم لا يَستطيعونَ عَيْشَ ذلكَ الدَّوْر بأنفسِهم كما تَعلمون.

والآن، كيفَ ينبغي أن تَتصرَّفَ معَ هؤلاءِ النَّاس؟ كيفَ ينبغي أن تَتصرَّفَ معَ هؤلاءِ النَّاس؟ نَقرأُ في العدد 14: "شَجِّعوهُم". شَجِّعوهُم. ويا لَهُ مِن أسلوبٍ إيجابيّ! والمَعنى الرَّئيسيِّ لهذا الفِعلِ هو أن تُكَلِّمَ شخصًا وتَقِفَ إلى جانبِه. فيجبُ عليكم أن تَقِفوا إلى جَانبِ هؤلاءِ الأشخاصِ وتُكَلِّموهُم. ومَرَّةً أخرى، هُناكَ مَسؤوليَّة تَعليميَّة مُلقاة على عَاتِقِكُم بِحُكْمِ الصَّداقة. لِذا، يجب أن تَبنُوا عَلاقةً بهم وأن تُصادِقوهُم. فيجب أن تَتَقَرَّبوا مِنهُم وأن تُطَمئِنوهُم، وتُعَزُّوهُم، وتُقَوُّوهُم وتُسَكِّنُوا نُفوسَهُم، وتُفَرِّحوا قُلوبَهُم، وتُنعِشوهُم، وتُجَدِّدوهُم، وتُنهِضوهُم. فيجبُ عليكُم أن تَقِفوا بجانبهم وتَبُثُّوا فيهم القوَّة، وتُشَجِّعوهُم، وتَبنوهُم.

ويا لَها مِن خِدمةِ تَشجيعٍ رائعةٍ وبَديعَة! ويجب على الكنيسةِ أن تَنهَمِكَ في القيامِ بهذا الأمرِ طَوالَ الوقت. لا تَحتقروا هؤلاءِ الأشخاص. فرُبَّما كانَت هُناكَ أسبابٌ جَعَلَتهُم هكذا. فرُبَّما توجدُ أسبابٌ في مَاضيهِم، أو إخفاقاتٌ، أو شُعورٌ بِعَدَمِ الأمانِ لديهم، أو مَشاكِلُ في طُفولتِهم، والأهَمُّ مِن ذلكَ هو الفَهْمُ غيرُ النَّاضِجِ لِصَلاحِ إلهِنا وعَظَمَتِه. فهذه هي الأشياءُ الَّتي قد تَجْعَلُهُم يَشعرونَ بذلكَ الضُّعف.

ولكنَّهُم بحاجة إلى التَّشجيعِ بِرِفْق. وَهُم بحاجة إلى أن تَقِفوا بجانِبِهم وَتَمُدُّوهُم بالقوَّة، وَهُم بحاجة إلى أن تُعَزُّوهُم في شَرِكَتِكُم، وأن تُشَجِّعوهُم مِن خلالِ الصَّلاة. أخبروهُم أنَّكُم تُصَلُّونَ مِن أجلِ حُصولِهم على القُوَّة لكي يَصيروا جَريئينَ ويَخرُجوا خارجًا. قَدِّموا لَهُم تَعزيةَ الرَّجاءِ ووَضِّحوا لَهُم خُطَّةَ اللهِ لأجلِهم في المُستقبل، وأخبروهُم أنَّ الرَّبَّ يَبني كَنيستَهُ وأنَّهُم جُزءٌ مِنها، وشَجِّعوهُم بيَقينِ الخلاصِ الَّذي لا يُمكِنُ البتَّةَ أن يَتغيَّر.

وَشَجِّعوهُم مِن خِلالِ تَوضيحِ قَصْدِ اللهِ وعِنايَتِهِ الإلهيَّةِ إذْ إنَّهُ يَجعلُ كُلَّ الأشياءِ تَعملُ معًا لِمَجدِهِ ولِخَيرِهم. وشَجِّعوهُم مِن خِلالِ تأكيدِ مَحبَّةِ المسيحِ الَّتي لا تَزول ولا تَضْمَحِلّ. وشَجِّعوهُم مِن خِلالِ إخبارِهم عنِ القيامةِ المجيدةِ الأخيرة، وشَجِّعوهُم مِن خلالِ إخبارِهم عنِ امتيازِ الاشتراكِ في آلامِ المسيح، وشَجِّعوهُم على السُّلوكِ بالإيمانِ ورُؤيةِ اللهِ يُظهِرُ قُدرَتَهُ عندما تُغامِرُ بكُلِّ شيءٍ مِن أجلِ القيامِ بما تَعلمُ أنَّ كلمَتَهُ تُوصيكَ بالقيامِ به. فيجب عليكُم أن تَقِفوا إلى جانِبِهم وأن تُظهِروا لَهُم كُلَّ تَعاطُفٍ ولُطْفٍ ورأفَة مِن أجلِ إمدادِ هؤلاءِ الأشخاصِ بالقوَّة.

ثالثًا: الضُّعَفاء... الضُّعفاء. وأعتقدُ أنَّ كُلَّ هذهِ الفِئاتِ هي أشكالٌ للضَّعف؛ ولكنَّ الآيةَ تَذكُرُ تَحديدًا "الضُّعَفاء". فهو يَقولُ في مُنتصفِ الآية: "أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ". وهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يَفتقرونَ إلى القُوَّةِ الأدبيَّةِ، وعَليهِ فإنَّهُم يَفتقرونَ إلى القُوَّةِ الرُّوحيَّة. وهؤلاءِ ليسوا أشخاصًا قَلِقين، بل إنَّهُم أشخاصٌ يَسقُطونَ دائمًا في التَّجربة. فَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يأتونَ غالبًا إليَّ باستمرار على مَرِّ السِّنين ويَقولونَ لي: "أنا... أنا لا أدري إن كُنتُ حَقًّا مَسيحيًّا. أنا ما زِلتُ أتساءَلُ إن كُنتُ مُؤمِنًا!"

وفيما يَخُصُّ مَجموعةً مِنَ النَّاسِ في كنيستِنا، هل تُصَدِّقونَ أنِّي ما زِلتُ أخوضُ ذلكَ النِّقاشَ مَعَهُم مُنذُ نحوِ سَبعِ أو ثماني سنوات؟ لماذا؟ لأنَّهُم يَذهبونَ ويَسلُكونَ حَسًنا إلى حِين، ثُمَّ يَسقُطونَ في الخَطيَّةِ والتَّجربةِ ويَنحَدِرونَ إلى أسفَل. وعندما تَسلُكُ في الجسد، وتُهزَم، وتَسقُطُ في الخطيَّة، فإنَّ واحدًا مِنَ الأشياءِ الَّتي تَفقِدُها هو: ثِقَتُكَ أو يَقينُك.

ثُمَّ يَحدُثُ ذلكَ الصِّراع. فالأشخاصُ الرُّوحيُّونَ... وهُناكَ أسبابٌ كثيرة لحدوثِ ذلك. والتَّجرِبَةُ هي، بِكُلِّ تأكيد، سَبَبٌ مِنَ الأسبابِ الواضحة. فَهُم يَسقُطونَ حَرفيًّا في أنماطِ السُّلوكِ غيرِ البَارِّ؛ وعليهِ فإنَّهُم (كما يَقولُ بُطرس) قد نَسَوْا أنَّ خَطاياهُم قد غُفِرَت. وَهُم لا يَستطيعونَ التَّمَسُّكَ بأيِّ شيءٍ لأنَّهُم تَخَلَّوْا بسببِ عِصيانِهم عنِ الثِّقةِ واليَقينِ الَّذي يُعطيهِ رُوحُ اللهِ للمُؤمِنِ المُطيع.

وقد يَشعُرُ بَعضٌ مِنهُم بالضَّعفِ لأنَّهُم يَستمرُّونَ في الاستِسلامِ لنفسِ التَّجربة. فهي تَأتي مَرَّةً أخرى فيَسقُطونَ بِسَببِها. وهي تَعودُ فيَسقطونَ مَرَّةً أخرى. وهي تَعودُ فيَسقُطونَ مَرَّةً أخرى. وَهُم مُتعَبونَ وَمُنهَكونَ بسببِ تلكَ المَعركة المُستمرَّة. وَيبدو أنَّهُم غيرُ قادِرينَ على الانتصار. ورُبَّما يكونونَ غيرَ ناضِجينَ رُوحيًّا، ورُبَّما اكتَسَبوا عاداتٍ منذُ وقتٍ طويلٍ يَصعُبُ التَّغلُّبُ عليها، أو رُبَّما كانَ هُناكَ سَببٌ آخر. فرُبَّما كانوا في مَوقِعٍ يَجعلُهم يَتأثَّرونَ بالأشياءِ الشِّرِّيرة ولا يَستطيعونَ الوقوفَ في وَجهِها جيِّدًا جدًّا.

وهُناكَ أشخاصٌ آخرونَ حَديثو الإيمانِ ورُبَّما يُشبهونَ هَؤلاءِ الإخوة الضُّعَفاء المَذكورينَ في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحَيْن 8 و 9، وفي رسالة رُومية والأصحاح 14. فَرُبَّما جاءوا مِن خَلفيَّة مُنغَمِسَة جدًّا في الإثم، ومُنغمسَة جدًّا في الخطيَّة. ففي حالةِ الأُمَم على سبيلِ المِثال، في رسالة رُومية... بل في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحِ الثَّامن، يَقولُ بولسُ إنَّ هُناكَ أشخاصًا مِنَ الأُمَمِ جاءوا مِن خَلفيَّة وَثنيَّة وكانوا مُنخَرِطينَ في كُلِّ رَجاساتِها وشَرِّها وخَطيَّتِها وزِناها، وفي كُلِّ دَنَسِ الأنظمةِ الوثنيَّة.

والآن، لقد جاءَ أولئكَ إلى المسيح. ويجب أن تكونَ حَذِرًا جدًّا وألاَّ تُطْعِمَهُم لَحْمًا يُباعُ في سُوقِ اللُّحومِ الوَثنيِّ لأنَّهُم لا يَقدرونَ أن يأكُلوا ذلكَ اللَّحْمَ لأنَّهُم يُعيدُ إلى ذاكِرَتِهم كُلَّ الدَّنَسِ القَديمِ الَّذي خَلَصُوا مِنهُ، ويُحزِنُ ضَمائِرَهُم الَّتي تَتجاوَبُ معَ تلكَ الأشياء. فَهُم ما زالوا ضَعيفي الإيمان، ولا يَفهمونَ أنَّ الوَثَنَ هو لا شَيء، ولا يَفهمونَ أنَّهُم يَستطيعونَ أن يأكُلوا ذلكَ اللَّحمَ لأنَّ ذلكَ غيرَ مُهِمّ. ولكنَّ ضَميرَهُم لا يَسمَحُ لهُم بذلك بسببِ الطَّريقةِ الَّتي كانوا يَعيشونَ بها.

وما زِلتُ أَذكُرُ حَديثًا جَرى بيني وبينَ شابٍّ قالَ إنَّهُ لن يَستمِعَ يَومًا إلى مُوسيقا الرُّوك لأنَّهُ كانَ مُتورِّطًا في المُخَدِّراتِ والجِنسِ ومُتورِّطًا جدًّا في كُلِّ تلكَ الأمور. وكانت تلك المُوسيقا تُمَثِّلُ كُلَّ ما هو قَذِرٌ وشِرِّيرٌ ودَنِس. وعندما جاءَ إلى المسيح واغتَسَلَ وتَطَهَّرَ وتَغَيَّرَ تَمامًا، في كُلِّ مَرَّةً كانَ يَسمَعُ فيها تلكَ المُوسيقا كانت تُعيدُ إلى ذِهنِهِ كُلَّ القَذارةِ الَّتي غَسَلها الرَّبُّ. فقد كانت تلكَ الموسيقا قريبة جدًّا مِن ماضيه. وهو بحاجة إلى وَقتٍ طَويلٍ قبلَ أن يَتمكَّنَ مِنَ التَّعامُلِ معَ تلكَ المُوسيقا بمُستوىً مِن عَدمِ المُبالاةِ الَّتي يَتَعامَلُ كثيرونَ مِنَّا مَعَها.

وهناكَ تلكَ القِصَّة عن يَهوديٍّ آمَنَ بالمسيحِ ولم يَكُن يَستطيعُ أن يأكُلَ لَحْمَ الخِنزير. فبالرَّغمِ مِن زَوالِ النَّاموسِ الطَّقسيِّ فإنَّ ضَميرَهُ بحاجة إلى بَعضِ الوقتِ لقَبولِ تلكَ الحُريَّة لأنَّهُ عاشَ تَحتَ نَاموسِ مُوسَى وقتًا طويلاً جدًّا. لِذا، هُناكَ أشخاصٌ ضُعفاء لأنَّهُم حَديثو الإيمانِ ولا يَفهمونَ حُريَّاتِهم. وهناكَ أشخاصٌ ضُعفاء لأنَّهُم لا يَستطيعونَ التَّغَلُّب على التَّجربة. فَهُم ليسوا أُمناءَ وليسوا مُلتَزِمينَ بالوسائطِ الروحيَّةِ كقراءةِ الكلمة والصَّلاة، ولا بالتَّلمذةِ والعبادةِ وكُلِّ تلكَ الأمور. لِذا فإنَّهُم يُعانون.

فما الَّذي يَنبغي أن نَفعلَهُ بهؤلاءِ النَّاس؟ إنَّ الجَوابَ بَسيطٌ إذ نَقرأُ في العدد 14: "ساعِدوهُم". ساعِدوهُم. والمَعنى الحَرفيُّ لهذا الفِعلِ هو: أَسْنِدوهُم، أو ضَعُوا أَذرُعَكُم حَولَهُم وأَسنِدوهُم. فَهُم ضُعفاء جدًّا. ويجب عليكم أن تَقبلوهُم لأنَّهُم بحاجة إلى قُوَّتِكُم. وهذا وقتٌ يَستدعي الأمرُ فيه وُجودَ عَلاقاتٍ وَطيدة. ويجب أن تَكونَ هُناكَ رَأفَة على الصَّعيدِ الشَّخصيّ... على الصَّعيدِ الشَّخصيّ.

وهُناكَ مَثَلٌ إيضاحِيٌّ على ذلك أعتقد أنَّهُ مُفيدٌ في رسالة يَعقوب والأصحاح الخامِس. وأنا لا أريدُ أن أُطيلَ الحَديثَ عن هذه النُّقطة لأنَّ وَقتَنا قد مَضَى؛ ولكنِّي أريدُ أن أَصرِفَ دَقائقَ قليلة في تَوضيحِها لَكُم. ففي رسالة يَعقوب والأصحاحِ الخامِس، هُناكَ مَقطعٌ مُدهشٌ جدًّا في كلمةِ الله. وإن أردتُم المَقطعَ كامِلاً فإنِّي قد وَعَظْتُ عنهُ في وَقْتٍ سَابِق. والمُؤمنونَ الَّذينَ يَكتِبُ إليهم يَعقوبُ كانوا قد تَعرَّضوا للاضطِهاد. فقد اضطُهِدوا بقسوةٍ مِنَ الأغنياء. والأغنياءُ يُدانونَ ابتداءً مِنَ الأصحاحِ الخامِس: "هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَة".

وَهُوَ يَقولُ: "غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا". والسَّببُ في ذلكَ هو الطَّريقة الَّتي عَامَلوا بها الأبرار. ثُمَّ نَقرأُ في العددِ السَّادِس: "حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ. لاَ يُقَاوِمُكُمْ!" فما كانوا يَفعلونَهُ هو أنَّهُم كانوا يَضطَهِدونَ المؤمنينَ حتَّى المَوت. لِذا فإنَّ يَعقوبَ يَكتُبُ إلى هؤلاءِ المُؤمِنينَ الَّذينَ يُعانونَ مِن هذا الاضطِهادِ المُريع.

وَهُوَ يَقولُ لهم في العدد 7: "فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ"؛ أيِ اصبِروا، وتَشَبَّثوا، واقبلوا الاضطهاد. "وفي العَدد 8: "فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ". وهذا ليسَ بالأمرَ السَّهل. فَمِنَ السَّهلِ أن تَضعُفَ تحتَ الوَطأةِ المُريعةِ للاضطهاد. وهذا يَصيرُ تَجربةً لزَعزعةِ ثِقَتِكَ بالله. ثُمَّ إنَّكَ تَصيرُ غاضبًا مِنَ الله، وتَفقِدُ ثِقَتَكَ، وتَفقِدُ إيمانَكَ، وتَفقِدُ فَرَحَك.

وَهُوَ يُذَكِّرُهم في العددِ العاشِرِ بأن يَقْتَدوا في احْتِمَالِ المَشَقَّاتِ وَطُولِ الأَنَاةِ بالأنبيَاء. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ لَهُم في العددِ الحادي عَشَر أن يَنظروا إلى صَبْرِ أيُّوب وإلى عَاقِبَةِ تَعامُلاتِ الرَّبِّ مَعَهُ وكيفَ أنَّ الرَّبَّ "كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ". فاللهُ يَفهمُ أنَّكَ تَتألَّم. فقد فَهِمَ مُعاناةَ أيُّوب وجَميعَ الأنبياء (كما حَدَثَ معَ إشعياء الَّذي نُشِرَ إلى نِصْفَيْن، وإرْميا الَّذي طُرِحَ في حُفرة). فيجب عليكم أن تَصبِروا وألاَّ تَغضَبوا.

وَهُوَ يَقولُ في العدد 13: "أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ". ثُمَّ في العدد 14: "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟" وأعتقدُ أنَّ التَّرجمةَ الأدَقَّ، في اعتقادي، هي: "ضَعيف". فهذه هي التَّرجمة الرَّئيسيَّة الَّتي أعثُرُ عليها في العديدِ مِنَ المَعاجِم.

فهو يَتحدَّثُ عن شخصٍ انهارَ حَرفيًّا تحتَ وطأةِ هذا الهُجوم، وهذه الضِّيقة، وهذه التَّجرِبة، وهذا الألم، وهذا الاضطهاد، وهذا الشَّيء. وإن كُنتَ أنتَ مَن تُعاني، إليكَ ما ينبغي أن تَفعلَهُ: "ادْعُ شُيوخَ الكَنيسة". فنحنُ هُنا أمامَ شخصٍ ضَعيف، أو شخصٍ اقترفَ خَطيَّةً في لَحظةِ ضَعف. "فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ".

والآن، ما مَعنى ذلك؟ هُناكَ كَلمِتانِ بِمَعنى المَسْح في اللُّغة اليونانيَّة. وهذه الكلمة تَعني دَهْنُ شَخصٍ بالزَّيت؛ لا المَسْح الطَّقسِيّ. فهو لا يَتحدَّثُ عن طَقْسٍ مَا هُنا، بل يَقولُ: اذهب إلى شُيوخِ الكَنيسةِ ودَعِ الشُّيوخَ يَدهَنونَهُ بزيت. وقد يَكونُ المَعنى مَجازيًّا وَحَسْب بأن تَدهَنَ جِراحَهُ وتُدَلِّكَ الأماكِنَ المُصابةَ والضَّعيفة لديه. فقد يكونُ قد تَعرَّضَ للجَلدِ والضَّربِ والإهانةِ مِن قِبَلِ الأغنياء. وقد يكونُ بحاجة حقًّا إلى مَسْحِ جِراحِهِ بالزَّيتِ لِمُعالجةِ جِراجِه.

ولكنَّ الفِكرةَ هي أن يَصيرَ الشُّيوخُ بالنِّسبةِ إليهِ مَصدرَ قُوَّة وتَشجيع. والصَّلاةُ الَّتي يُصَلِّيها هؤلاء [في العدد 15] بالإيمان مِن قِبَلِ هؤلاءِ الأشخاصِ الأصِحَّاء رُوحيًّا ستَشفي ذلكَ الشَّخص الضَّعيف وتُنعِشُهُ، والربُّ سيُقيمُهُ. "وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ". وأعتقدُ أنَّ هذا النَّصَّ يَتحدَّثُ لا عنِ الشِّفاء، بل عن شخصٍ ضَعيفٍ رُوحيًّا يَلتجِئ إلى أشخاصٍ أقوياء رُوحيًّا عَسى أن يُساعِدوهُ على النُّهوض، وعَسى أن يَدهَنوهُ، ويُدَلِّكوهَ، ويُسهِموا في مُداواةِ جُروحِهِ وتَشجيعِهِ وتَعزيتِهِ، والصَّلاةِ لأجلِه. فهو يَستَنِدُ إلى قُوَّتِهم الرُّوحيَّة.

وما أكثرَ ما أخبرتُ التَّلاميذَ في الجامعة بأنَّهُ إن كانَ بابُ مَكتبي مَفتوحًا، يُمكنكم أن تَدخُلوا وتُصَلُّوا معي إن كنتُ هُناك. وذاتَ يوم، كنتُ في مَكتب فجاءَ شابٌّ كانَ طَالِبًا في السَّنةِ الأخيرة، وهو شابٌّ رائعٌ يَنتمي إلى عائلة مُؤمنة رائعة كَرَّسَ نَفسَهُ لخِدمةِ الرَّبِّ في المُستقبَل.

فقد دَخَلَ إلى مَكتبي وقال: "أريدُ وَحَسْب أن أُصَلِّي معك". قلتُ: "حسنًا، ولكِن لماذا يا ستيف (Steve)؟" قال: "الحقيقة هي أنَّني أشعُرُ بالضَّعف. أنا ضَعيفُ حَقًّا. لقد فَقدتُ اهتمامي بالصَّلاةِ، ولم أَعُد أدرُسُ كلمةَ اللهِ، وأشعرُ بالضَّعفِ تِجاهَ التَّجارِب. إنَّها نَفسُ التَّجربة، ولكنِّي أستمرُّ في السُّقوطِ فيها. وأنا بحاجة... أنا بحاجة إلى شخصٍ يُمكنُني أن أَستَنِدَ إليه. ألاَ صَلَّيتَ لأجلي؟" قلتُ: "بِكُلِّ تأكيد".

ولا يُمكنُني أن أنسى ذلكَ اليوم. فقد أحضرتُ كُرْسِيَّيْنِ وقلتُ: "لِنَجثو معًا". فقد كانَ يُريدُ أن يَستَنِد إلى شخصٍ يَرى أنَّهُ قَويٌّ رُوحيًّا في وَقتِ ضَعفِه. وقد جَثَوْتُ، وَرَكَعْتُ، ووَضعتُ يَديَّ ورأسي على الكُرسِيّ، ووضعتُ الكُرسيَّ الآخرَ بجانبي كي يَستخدِمَهُ. ولكنَّهُ لم يَستخدمهُ، بل جَثَا وَسَنَدَ كُلَّ جَسَدِهِ على ظَهري. وكانَت وَضعيَّةُ جَسَدِهِ تُعَبِّرُ عَمَّا يَقولُهُ قَلبُه: "أنا ضَعيفُ وبحاجة إلى الاستِنادِ إلى شخصٍ قَويّ".

وقد كانتِ الدُّموعُ تَملأُ عَينيهِ وبقيِ في تلكَ الوَضعيَّة فيما كُنتُ أُصلِّي أن يَغفِرَ اللهُ أيَّة خَطيَّة اقترَفَهَا في تلكَ الفترة، وأن يَمنَحُهُ اللهُ القُوَّة، وأن يُجَدِّدَهُ ويُنعِشَهُ ويُنهِضَهُ. وقد صَلَّينا وقتًا طَويلاً... أنا وَهُوَ.

وعندما انتَهينا، أذكُرُ أنَّنا وَقَفنا وأنَّهُ ضَمَّني إليه. وهذا يُذكِّرُني بالفِعلِ المُستخدَم هُنا والذي يَعني: "التَّشَبُّث بقوَّة". وقد ضَمَّني إليهِ وقتًا طَويلاً. وأخيرًا تَرَكَني وغادَرَ مَكتبي، ثُمَّ عادَ بعدَ يَومين وقالَ لي إنَّ قَلبَهُ قد تَشَجَّعَ وتَجَدَّدَ، وإنَّ اللهَ استجابَ لصلواتِنا، وإنَّهُ عادَ إلى الطَّريقِ القَويم. وقد أكمَلَ سَنَتَهُ الدِّراسيَّة الأخيرة وذهبَ ليَخدِمَ الرَّبَّ.

وأعتقدُ أنَّ هذا هو المَعنى المَقصود. فعندما تَجِدُونَ أشخاصًا يَشعُرونَ بالضُّعفِ في هذا الوقتِ مِن حَياتِهم، مِنَ المُهمِّ جدًّا أن يُمارِسَ الأشخاصُ الأقوياءُ رُوحيًّا هذهِ الخِدمةَ الشَّخصيَّةَ وأن يَرفعوهُم. والأصحاحُ السَّادسُ مِن رسالة غَلاطيَّة يَقولُ الشَّيءَ نَفسَهُ: "فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَة". فعندما يَسقُطُ شخصٌ مَا، أو يَقعُ في الخَطيَّة، يجب على الأشخاصِ الأقوياء رُوحيًّا أن يُحَوِّطوهُ بأيديهم ويَرفَعوه.

رابعًا، هُناكَ الأشخاصُ المُتْعِبين... المُتْعِبين. وسوفَ نَتحدَّثُ عنهم بإيجاز. فالأشخاصُ المُتعِبونَ يُذكَرونَ في نِهايةِ العدد 14 إذْ نَقرأُ: "تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ". فسوفَ تَجِدُ أشخاصًا كَثيرينَ يَختبرونَ صَبرَك. هذا هو ما تَقولُهُ هذه الآية. فالأشخاصُ المُتْعِبينَ قد يَقودوكَ إلى الجُنون. وَقَد يَستَنزِفوكَ. فأنتَ تَتعامَلُ مَعَهُم، وتَتعامَلُ مَعَهُم، وتَتعامَلُ مَعَهُم، وتَتعامَلُ مَعَهُم المَرَّة تِلوَ المَرَّة، تِلو المَرَّة، تِلو المَرَّة. وَهُم قد يَتجاوبونَ قليلاً، أو قد لا يَتجاوَبونَ إلاَّ قَليلاً، أو قد يَتجاوبونَ ثُمَّ يَسقُطونَ مَرَّةً أخرى ويَستمرُّونَ في إغاظَتِكَ، وإحباطِكَ، وتَخييبِ أمَلِك، وإثارَةِ سُخْطِكَ، وحتَّى إغضابِكَ لأنَّهُم لا يتجاوبون. فَهُم لا يَتجاوبونَ البتَّة، بل يُقاومونَ كُلَّ مُحاولةٍ لتَعليمِهم، أو تَدريبِهم، أو تأديبِهم، أو حَضِّهِم، أو تَقويتِهم، أو إلهامِهِم، أو حَفْزِهِم، أو تَشجيعِهم. فَهُم يَستَنزِفوكَ وَحَسْب، ولا يَتجاوبون، ولا يَتحرَّكونَ بالسُّرعة المَطلوبة؛ بل يَركضونَ دائمًا السِّباقَ وَهُم يَحمِلونَ أثقالاً، ويَنهَمِكونَ دائمًا بأمورٍ جانبيَّة، ولا يَستطيعونَ التَّركيزَ، ولا يُظهرونَ أيَّ انضِباطٍ في الحياةِ؛ ولا سِيَّما في الأمورِ الرُّوحيَّة. فهولاءِ... هؤلاءِ الأشخاصُ الأعِزَّاء يَختَبِرونَ صَبْرَ الجَميع.

وكيفَ ينبغي لنا أن نَتعامَلَ مَعَهُم؟ يَقولُ بولُس: "اصبِروا عليهم". والكلمة الَّتي يَستخدِمُها هي: "تأنَّوْا". استَعِدُّوا لِعَمليَّةِ صَبْرِ طَويلة. فلا يُمكِنُكُم أن تَصلِحوا هؤلاء بسُرعة، بل إنَّهُم يَحتاجونَ إلى الكثيرِ مِنَ العَمل. واللهُ طَويلُ الأناةِ. أليسَ كذلك؟ فهذه صِفَة نَتَشَبَّهُ بها باللهِ حينَ نَصبِرُ على الآخرينَ. وهذا يَختَبِرُ صَبرَنا. وأعتقدُ أحيانًا أنَّ هَؤلاءِ الأشخاصَ يأتونَ... أعتقد أحيانًا أنَّ الرَّبَّ يَقولُ إنَّ الشَّخصَ الفُلانِيَّ هو امتِحانٌ لكَ حَتَّى تَعرِفَ إن كُنتَ صَبورًا على غِرارِ المَسيح.

وأنا أُفَّكِّرُ في ذلكَ أحيانًا عندما أَميلُ إلى اليأسِ فأقول: "لا! لا أريدُ أن أتعامَلَ معَ هذا الرَّجُل مَرَّةً أخرى! أو معَ هذه المرأة مَرَّةً أخرى. رجاءً! فماذا عَسايَ أن أقول؟ وماذا عَسايَ أن أفعل؟" ولكنَّكَ تُذكِّرُ نَفسَكَ بأنَّ ما يَحدُثُ هو امتحانٌ لِتَمَثُّلِكَ بِصَبْرِ المسيح، وتَتذكَّرُ طُولَ أناتِهِ على تَلاميذِه الَّذينَ بَدا أنَّهُم لم يَفهموا ما يَقول حتَّى اللَّحظةِ الأخيرة. فماذا نَفعلُ بهؤلاء؟ يجب عليكَ أن تَكونَ صَبورًا وطَويلَ الأناةِ؛ تَمامًا كما صَبَرَ الرَّبُّ عليك.

وأخيرًا، هُناكَ الأشرار. وَهُم مَوضوعُ الآية 15: "انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيع". وَهُنا تَقرأونَ عنِ الأشرار ("كاكوس" – "kakos")؛ أيِ الأشخاصُ الَّذينَ يَفعلونَ أمورًا شِرِّيرة وَحَسْب. وهذهِ أصعبُ وأقسَى مُشكلة على الإطلاق لأنَّ هؤلاءِ الأشخاصَ يَفعلونَ الشَّرَّ.

فَهُم يُؤذونَ بطريقة مُباشِرَةً بكلِماتِهمِ الَّتي يُهاجِمونَ بها الكنيسة والنَّاس. وَهُم يُؤذونَ بطريقة غير مُباشِرَة مِن خلالِ النَّميمةِ والافتراءِ والكَلامِ الشرِّير. وَهُم يُؤذونَ مِن خِلالِ التَّسَبُّبِ في تَرْكِ الآخرينَ للشَّرِكَة، ومِن خلالِ غَيرَتِهم، وكَراهِيَّتِهم، ومَرارَتِهم، وحَسَدِهم، وغَضَبِهم. وَهُم يَقولونَ أمورًا غير صَحيحة، ويَزرعونَ الخُصومَة، ويَسلِبونَ الفَضيلة، ويَقودونَ الآخرينَ إلى الخطيَّة.

وَهُم يَقترفونَ الآثامَ الَّتي تُدَنِّسُ الكنيسة. وَهُم يُحدِثونَ أضرارًا جَسيمة. فماذا تَفعلُ بهم؟ تَقولُ الآية: "انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا [ماذا؟] الْخَيْر". تَمَنَّى الخيرَ لَهُم، ولا تَلجأ إلى الانتقامِ؛ أي إلى الانتقامِ الشَّخصيِّ، أوِ إلى الثَّأر. فهذا غير مَطلوب وغير مَسموحٌ به. إذًا، ماذا ينبغي لكُم أن تَفعلوا؟ اتَّبِعوا الخَيرَ.

وما هو الخَير؟ أن تَقودوهُم إلى ماذا؟ التَّوبة. لِذا، يجب عليكم أن تُساعِدوهُم على التَّوبة. فالشَّخصُ الوحيدُ الَّذي يَمْلِكُ الحَقَّ في الانتقامِ هو الله. أمَّا أنتُم فينبغي أن تَسْعَوْا إلى رَدِّهِم إليه. ويجب عليكُم أن تَسْعُوْا إلى الطَّهارة. "بَلْ كُلَّ حِيْن..." - انظروا إلى ما تَقولُهُ الآية: "بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ". إنَّهُ الفِعلُ: "اتَّبِعُوا". اتَّبِعوا دائمًا كُلَّ ما هو صَالِحٌ، ونَبيل، وجَميل. ويجب عليكُم أن تُبادِلوهُم بالمحبَّةِ بالرَّغمِ مِن عَداوتِهم.

فيجب عليكم أن تَسلُكوا في طَريقِ الخَيرِ، لا في طَريقِ الانتقام. ويجب عليكم أن تَتعلَّموا أن تَفعلوا هذا الأمرَ لأنَّهُ مُهمٌّ جدًّا جدًّا. فحينَ يُسيءُ إليكَ أحدُ الأشخاصِ أو يُسَبِّبُ لكَ المَتاعِب، أو يَكونُ شِرِّيرًا، يجب عليكَ أن تَفعلَ الخير. والآن، إنِ استمرَّ ذلكَ الشَّخص في تلكَ الخطيَّة، هُناكَ... هُناكَ طَريقة في العهدِ الجديدِ للتَّأديبِ مُبَيَّنة لنا. ولكِن احرِص في أثناءِ ذلكَ على القيامِ بكُلِّ ما في وُسعِكَ لاقتيادِهم إلى التَّوبةِ لكي يَتمتَّعوا بصَلاحِ اللهِ في طَاعَتِهم.

هذا هو ما أردتُ أن أقولَهُ. فالرَّعيَّةُ النَّامِيَة بحاجة إلى الكثيرِ مِنَ الرِّعاية لأنَّ الكنيسة تَعِجُّ بالأشخاصِ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَتاعِب. ويجب علينا أن نَتعامَلَ مَعَهُم برأفة، ورِقَّة، ولُطف. وليتَ اللهَ يُعطينا هذهِ القُدرةَ لكي نَتمتَّعَ ببَرَكَتِهِ كَرعيَّة. دَعونا نُصَلِّي:

يا أبانا، لقد تَحدَّثنا عن أمور كثيرة بسُرعة كبيرة؛ ولكنَّها كُلُّها تَتحدَّثُ عن حَقيقةٍ واحدةٍ عَظيمة وهي أنَّهُ يجب علينا أن نَتعامَلَ معَ النَّاسِ بِرأفة؛ أيْ بِذاتِ الطَّريقةِ الَّتي تُعامِلُنا أنتَ بها بالرَّغمِ مِن إخفاقِنا الدَّائمِ وتَعَدِّينا على مِعيارِكَ الكامِل بينَ الحينِ والآخر. فأنتَ تَترأَّف علينا كثيرًا. ورأفَتُكَ لا تُستقصَى، ولا تَنتهي، ولا تَتوقَّف؛ بل هي عَظيمة. ونحنُ نَشكُرُكَ عليها. وليتَنا نَتَرَأَّفُ هكذا على الأشخاصِ مِن حَولِنا سواءَ كانوا مُتَسَكِّعينَ، أو قَلِقينَ، أو ضُعفاءَ، أو مُتْعِبينَ، أو أشرارًا. وليتَ كَنيستَنا تُعْرَفُ لا فقط بأنَّها كنيسة تُعَلِّمُ العقيدةَ القويمة، بل أيضًا بأنَّها كنيسة تَتَرَأَّفُ كثيرًا إذْ نُقاوِمُ جَميعُنا الجَسَدَ مِن أجلِ اختبارِ النُّصرةِ الَّتي ستَجعلُنا مُشابهينَ أكثرَ فأكثرَ للمسيحِ الَّذي نُصَلِّي باسمِه. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize