
لقد كُنَّا نَتحدَّثُ عن إنجيلِ بولُس (أوْ بالحَرِيِّ: الإنْجيلِ الَّذي نَادى بِهِ بولُس). وقدِ اعترفتُ لكم أنَّني أمامَ تَحَدٍّ هائلٍ في أنْ أحاولَ تَلخيصَ ذلكَ في مواضيعَ قليلة. ولكنِّي، بأمانةٍ شديدةٍ، في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْري قليلًا، ورُبَّما أُغَيِّرُ رَأيي بينَ الحِيْنِ والآخَر. لذلكَ أرجو أن تَحتملوني قليلًا. وفي هذا المساءِ، أرْجو أن تَفتحوا كُتُبَكُم المقدسة على رِسالةِ كورِنثوسَ الثانية والأصحاحِ الخامِس. فقد تحدثنا عنْ مجدِ الإنجيلِ. وَالحقيقةُ هِيَ أنَّنا تَحَدَّثْنا عنْ طبيعةِ الإنجيلِ في عِظَتَيْ هذا الصَّباحِ إذْ تَعَمَّقنا في عقيدةِ التَّبريرِ وقُلنا إنَّ بِرَّ اللهِ كانَ يَنبغي أنْ يأتي مِنْ فَوْق إلى أسْفَل، وأنَّنا نَتَبَرَّرُ بالإيمانِ، وَأنَّهُ عَطِيَّةُ نِعْمَةٍ. فالخلاصُ يَتِمُّ هكذا. وقد تحدَّثنا عن ذلكَ كُلِّه.
إنَّهُ إنجيلٌ مَجيدٌ حقًّا. وَهُوَ إنْجيلٌ يُعَلِّمُ عنْ موتِ يَسوعَ البَدَلِيِّ – كَما رَأينا في هذا الصَّباح. وسوفَ نَتَعَلَّمُ المزيدَ عنْ ذلكَ في هذا المساء. ولكنِّي أُريدُكُمْ أن تَفهموا فِكْرةَ المُصالحَةِ هذه. فَهُوَ إنْجيلُ المُصالَحَة. فالإنجيلُ يُصالِحُ الخاطِئَ مَعَ الله. وهناكَ مَقطعٌ هُنا في نهايةِ الأصحاحِ الخامسِ، وهوُ مَقطعٌ مُهِمٌّ جدًّا في فهمِ إنجيلِ بولُس ... إنجيلِ يَسوعَ المسيحِ ... إنجيلِ اللهِ المُبارَكِ ... إنجيلِ السَّلامِ والنِّعمةِ والخلاصِ الَّذي يَدْعوهُ بولسُ: "إنْجيلي" وَ "إنجيلُنا".
وأوَدُّ أنْ نَبتدئَ بالنَّظرِ معًا إلى العدد 18: "وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ". وتَرِدُ الكَلِمَة "مُصالَحَة" خمسَ مَرَّاتٍ في هذا المَقطعِ. وقد رَأيْتُم ذلك. فاللهُ (في العَدَد 18): "صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ ... وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ". واللهُ (في العدد 19): "كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، ... وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ". وفي العدد 20: "تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ". فالحَديثُ هُنا هُوَ عنِ المُصالَحَة.
والمُصالِحَةُ تَفْتَرِضُ وُجودَ انفصالٍ. أليسَ كذلك؟ وَهِيَ تَفْتَرِضُ وجودَ عَداوَةٍ وَخُصومَةٍ. وهي تَفترضُ أنَّ النَّاسَ أَعْداءٌ، بلْ أسْوَأُ مِنْ ذلكَ. فَهُمْ أَعْداءٌ شَدِيدُو الخُصومَةِ. لذلك فإنَّ الحاجةَ تَدعو إلى المُصالحة. والآن، ستُلاحظونَ أنَّ بولسَ يَقولُ إنَّنا أُعْطينا خِدمةَ المُصالحة، وأنَّ اللهَ وَضَعَ فينا كَلِمَةَ المُصالَحَة مِنْ أجْلِ القيامِ بتلكَ الخِدمة. فرِسالَتُنا هي رِسالةُ مُصالَحة ... رِسالةُ مُصالَحَة. ولكِنْ كيفَ يَنبغي لنا أنْ نَفهمَ هذهِ المُصالحَة؟ حسنًا، في هذا المَقطعِ، وليسَ فقط في الأعداد مِن 18 إلى 21، بل قبلَ ذلكَ بقليل، نَجِدُ (في رَأيي) أساسَ فَهْمِنا لِرِسالةِ الإنجيلِ مِنْ جِهَةِ المُصالَحَة. فنحنُ أُعْطينا خِدمةَ المُصالحَة. وقد تَلَقَّيْنا الرِّسالةَ المُختصَّةَ بالمُصالحة. ووفقًا لما جاءَ في العدد 20، فإنَّ هذهِ هِيَ طبيعةُ خِدْمَتِنا كَسُفَراء. وقد كانَ السَّفيرُ مَنْدوبًا عَنِ الملكِ وَيُمَثِّلُ المَلِكَ في بلدٍ أجنبيٍّ وثَقافَةٍ أجنبيَّة. وهذا يَصحُّ علينا نحنُ أيضًا. فنحنُ نُمَثِّلُ مَلِكَ المُلوكِ ونَعيشُ في ثَقافَةٍ أجنبيَّةٍ أو غَريبَة. وَمسؤوليَّتُنا هي أنْ نُخبرَ النَّاسَ في هذهِ الثَّقافةِ الأجنبيَّةِ (بِصِفَتِهِمْ أعْداءَ للهِ بِطَبيعَتِهِم)، أنَّهُ بإمكانِهِمْ أنْ يَتصالحُوا معَ اللهِ. فهذهِ هي رِسالتُنا. هذهِ هي رِسالتُنا.
في بعضِ المَرَّاتِ الَّتي سافَرْتُ فيها بالطَّائرةِ، كانَ الأشخاصُ الَّذينَ يَجلسونَ بِجانبي يَسألوني عَنْ عَمَلي. وَأذْكُرُ أنِّي جَاوبتُ شَخْصًا عنْ هذا السُّؤالِ في رِحْلَةٍ مُتَّجِهَةٍ مِنْ نيويورك إلى لوس أنْجليس فقلتُ: "أنا أَعِظُ بالإنجيل". وقدِ صُدِمَ الشَّخصُ الَّذي كانَ يَجلسُ بجانبي بطريقةٍ عَجيبةٍ، وَيَبدو أنَّهُ ارْتَعَبَ جِدًّا لأنَّهُ نَهَضَ مِنْ مَكانِهِ ولم يَعُد ثانيةً! وقد كانتْ تلكَ رِحلةٌ مُدَّتُها خَمْسُ سَاعاتٍ. لذلكَ فقد تَعلَّمتُ ألَّا أكونَ صَريحًا جِدًّا هكذا. لذلكَ فإنِّي أقولُ أحيانًا لِمَنْ يَسْألنُي: "أنا أعْمَلُ عَمَلًا رائعًا. فأنا أُخْبِرُ الخُطاةَ أنَّهُ بإمكانهِم أنْ يَتصالَحُوا معَ اللهِ. فهل أنْتَ مُهْتَمٌّ؟" وهذا هُوَ ما يُسَمُّونَهُ "الدُّخولُ إلى صُلْبِ الموضوع". ولكنَّ هَذا يُعَبِّرُ تَعبيرًا دقيقًا عن طبيعةِ عملي. وهذا هو ما نَفعلُهُ. فرسالتُنا هي أنَّهُ بإمكانِ الخُطاةِ أنْ يَتصالحُوا معَ اللهِ، وأنَّ اللهَ هُوَ إلهُ مُصالحةٍ، وأنَّهُ وَفَّرَ وسيلةَ المُصالحةِ. فرسالةُ المُصالحةِ هي مسؤوليَّةُ كُلِّ سَفيرٍ للمسيح. والمُصالحةُ تَفْتَرِضُ وُجودَ عَلاقَةٍ تَتَّسِمُ بالانفصالِ والعَداوةِ والخُصومَةِ، ولكنَّها تَفترِضُ أيضًا إمكانيَّةَ إعادة المِياهِ إلى مَجاريها وتَحقيقِ المُصالحةِ الكاملة.
وأثناءَ تَأمُّلِنا في هذا المَقطعِ، أوَدُّ أنْ أُوَجِّهَ أنْظارَكُم إلى عَدَدٍ مِنَ النِّقاطِ المُختصَّةِ بخدمةِ المُصالحةِ، أو إلى مَجموعةٍ مِنَ النِّقاطِ المُختصَّةِ بحقيقةِ المُصالحةِ. وللقيامِ بذلك، ينبغي لنا أنْ نَرْجِعَ إلى العدد 14 وأنْ نَتأمَّلَ في بعضِ النِّقاطِ الَّتي وَرَدَت فيه. بالعَوْدَة إلى العدد 14، أوَدُّ أن أذْكُرَ العُنْصُرَ الأوَّلَ للمُصالحةِ وَهُوَ أنَّها نابعةٌ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ. ... إنَّها نابعةٌ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ. ولا حاجةَ للتَّعليقِ كثيرًا على هذهِ النُّقطةِ لأنَّكمْ تَعلمونَ جيِّدًا أنَّهُ "هكذا أحَبَّ اللهُ العالمَ". أليسَ كذلك؟ ... "حَتَّى أنَّهُ بَذَلَ ...". "فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا". و "نَحْنُ أعْداءٌ" (كَما يَقولُ بولُسُ)، فإنَّ اللهَ أَحَبَّنا. ويَقولُ بولسُ في العَدَد 14: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا". والكلمة "تَحْصُرُنا" هِيَ فِعْلٌ يُشيرُ إلى الضَّغْطِ الَّذي يُحْدِثُ تَحَرُّكًا فِعليًّا. لذلكَ يُمكنُنا أنْ نُتَرْجِمَ هذهِ الآيَةَ هَكذا: "لأنَّ مَحَبَّةَ المَسيحِ تُهَيْمِنُ عَلينا". وكَمْ أُحِبُّ العِبارَة "تُسَيْطِرُ علينا" في التَّرْجَمَة الأمريكيَّة القياسيَّة الحديثة! فبولسُ لا يَتحدَّثُ هُنا عن محبَّتِهِ للمسيح، بل يَتحدَّثُ عن محبَّةِ المسيحِ لهُ. وما يُحَرِّكُهُ هُوَ فَهْمُهُ لِمَجْدِ الإنجيل. أليسَ كذلك؟ وقد تَحَدَّثنا عن ذلك مِن رسالةِ كورِنثوس الثَّانية. وقد فَهِمْنا مَجْدَ الإنجيلِ الفائقِ وتأثَّرنا بِجلالِهِ الَّذي لا مَثيلَ لَهُ ولا يُضَاهَى. كذلكَ، فقدِ اخْتَبَرَ بولسُ محبَّةَ المسيح. فالمسيحُ هُوَ الَّذي خَلَّصَ حَياةَ بولسُ وجَعَلَهُ يَتأثَّرُ أيَّما تَأثُّرٍ بهذه المحبَّةِ المُخَلِّصةِ حَتَّى إنَّهُ لم يَجِدْ أيَّ مَغزىً لحياتِهِ بمَعْزِلٍ عنِ المُناداةِ بالإنْجيلِ الَّذي يُقَدِّمُ تلكَ المحبَّةَ المُخَلِّصَة.
إنَّ محبَّةَ المسيحِ المُخلِّصةَ لبولسَ تُسَيطرُ عليهِ، وَتُهَيْمِنُ عليهِ، وتَدْفَعُهُ، وتَحْصُرُهُ. وهُوَ لم يَكُنْ يَنْظُرُ إلى تلكَ المحبَّةِ نَظرةً شخصيَّةً. وَلم يَكُنْ يَنظرُ إليها نَظرةً أنانيَّةً. ولم يَكُنْ يَنظرُ إليها نَظرةً مُنْفَرِدَةً لأنَّهُ يَقولُ في العدد 15 إنَّهُ "مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ". فما فَعَلَهُ اللهُ لأجلي مِن خلالِ محبَّتِهِ، وما فَعَلَهُ المسيحُ لأجلي مِن خلالِ محبَّتِهِ المُخلِّصَةِ الفائقةِ، وغُفرانِهِ، ونِعمَتِهِ لم يَكُنْ لأجلي أنا وحدي. بل إنَّهُ ماتَ لأجْلِ الجَميعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَام.
إذًا، ما الَّذي كانَ يُحَرِّكُهُ؟ وما الَّذي كانَ يَحْصُرُهُ؟ وما الَّذي كانَ يَدْفَعُهُ؟ إنَّهُ ليسَ مَجْدَ الإنجيلِ بالمَعنى الواسِعِ فحسب، بل هُوَ مَجْدُ الإنْجيلِ المُتَمَثِّل في حَقيقَةِ أنَّ الإنجيلَ يُعَبِّرُ تَعبيرًا عجيبًا عنْ محبَّةِ اللهِ الفائقةِ لِخَاطِئٍ غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ مِثْلِهِ - لا سِيَّما أنَّهُ أَقَرَّ أنَّهُ كانَ مُجَدِّفًا. فقد أدركَ أنَّ هذه المحبَّةَ الَّتي أَحَبَّهُ اللهُ بِها في المسيحِ، والتي غَيَّرَتْ حياتَهُ تَغييرًا جذريًّا، لم تَكُنْ لأجْلِهِ فقط، بل إنَّ المسيحَ ماتَ لأجْلِ الجَميعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَام. فقد ماتَ لأجْلِ الجميع.
ولكِنْ ما المقصودُ بأنَّهُ ماتَ لأجْلِ الجميع؟ المقصودُ هُوَ أنَّهُ ماتَ لأجْلِ جَميعِ الذينَ يُؤمِنونَ بِهِ ... لأجْلِ جميعِ الذينَ يُؤمِنونَ بِهِ. فقدْ ماتَ وقامَ ثانيةً لأجْلِهِم. فنحنُ نَقرأُ في نِهايةِ العَدَد 14: "إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا". ولا أريدُ هُنا أنْ أَدْخُلَ في التَّفاصيلِ الدَّقيقةِ جِدًّا. ولكنَّهُ ماتَ لأجْلِ جَميعِ الذينَ ماتُوا فيهِ. لقد ماتَ لأجْلِ جَميعِ الذينَ ماتُوا فيهِ. وهذا لا يَعني أنَّهُ ماتَ لأجْلِ العالمِ كُلِّهِ. فلو أنَّ المسيحَ ماتَ لأجْلِ العالمِ كُلِّهِ، لَخَلَصَ العالمُ كُلُّهُ. هل تَفهمونَ ذلك؟ فلو أنَّ المسيحَ دَفَعَ حَقًّا أُجْرَةَ الخطيَّةِ بالكامِلِ عَنْ كُلِّ العالمِ، لَخَلَصَ العالَمُ كُلُّهُ لأنَّ أُجْرَةَ الخطيَّةِ قد دُفِعَتْ. وهناكَ أُناسٌ يُعَلِّمونَ أنَّهُ ماتَ عَنِ العالمِ كُلِّهِ. ولكِنْ إذا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ أنَّهُ ماتَ عَنِ العالمِ كُلِّهِ، أيْ عَنْ جَميعِ الأشخاصِ الذينَ عَاشُوا على مَرِّ العُصورِ، فإنَّ هذا الموتَ هُوَ مَوْتٌ افْتِراضِيٌّ وليسَ مَوْتًا حقيقيًّا. وَهِيَ كَفَّارةٌ افْتِراضِيَّةٌ وليسَتْ كَفَّارةً حقيقيَّةً. وَإنْ كُنْتُم تَقولونَ إنَّهُ ماتَ لأجْلِ النَّاسِ عَامَّةً، فإنَّهُ لم يَمُتْ لأجْلِ أشْخاصٍ مُحَدَّدِيْن. وهذه مُعْضِلَة!
ولكنَّهُ ماتَ لأجْلِ الذينَ ماتُوا فيهِ. فقد ماتَ وقامَ نِيابَةً عَنْ جَميعِ الذينَ ماتُوا فيهِ، والذينَ تَبَرَّروا بالإيمان. فهذهِ كَفَّارةٌ حقيقيَّة. فالمسيحُ حَمَلَ فِعْليًّا خَطايانا في جَسَدِهِ على الصَّليب، ودَفَعَ فعليًّا أُجرةَ خطايانا بالكاملِ. فموتُهُ ليسَ افتراضِيًّا، بل هوَ موتٌ فِعليٌّ. وَهُوَ لا يَجْعَلُ الخَلاصَ مُمْكِنًا، بل يَجْعَلُ الخَلاصَ أمْرًا لا مَفَرَّ مِنْهُ. فموتُ المسيحِ كانَ مَوْتًا عَنْ شَعْبِهِ، وَعَنْ خَاصَّتِهِ الذينَ يُؤمِنونَ بِهِ والذينَ دَفَعَ أُجْرَةَ خَطاياهُمْ.
وقد يَقولُ قائِلٌ: "إنَّ هَذا يُشْبِهُ عَقيدةَ التَّعيينِ السَّابِقِ!" وَهَذا صَحيحٌ تَمامًا! وبالمُناسبة، أنا أَعْلَمُ أنَّكُم تَرْغَبونَ في طَرْحِ هذا السُّؤال. فَكُلُّ شَخْصٍ يَرغبُ في طَرْحِ هذا السؤال. لذلكَ، سوفَ أتحدَّثُ يومَ غَدٍ عنْ كَيْفَ أنَّ نَظرةَ بولسَ إلى عَقيدِةِ التَّعيينِ السَّابِقِ تَنْسَجِمُ مَعَ شَغَفِهِ بالإنْجيل. حَسَنًا؟ هَلْ نَفعلُ ذلكَ في الصَّباح؟ حَسَنًا!
لقد كانَ بولسُ يُدركُ أنَّ هِبَةَ المحبَّةِ المُتَمَثِّلَةَ في الخلاصِ الَّذي وُهِبَ لَهُ، والذي سَيْطَرَ على حَياتِهِ، هِيَ هِبَةٌ لا يُمْكِنُهُ أنْ يَحْتَفِظَ بها لنفسِه لأنَّ المسيحَ ماتَ عَنْ جَميعِ الذينَ ماتُوا فيهِ، والذينَ ما زَالُوا سَيُوْلَدونَ في حَالاتٍ مُعَيَّنَةٍ، والذينَ ما زَالُوا سَيَسْمَعونَ رِسالةَ الإنجيلِ – ولكنَّهُمْ سَيَسمعونَها في المستقبلِ، ويُؤمِنونَ بها، وَيَخْلُصون. فالشَّيءُ الَّذي كانَ يُسيطِرُ على حَياتِهِ هُوَ المحبَّةُ الَّتي أَظْهَرَها لَهُ اللهُ في المَسيحِ وَالتي أَنْقَذَتْهُ مِنْ شَقائِهِ وَمِنَ الهَلاكِ الأبديِّ. وقد سَيْطَرَتْ تلكَ المحبَّةُ على حَياتِهِ لأنّهُ كانَ يَعلمُ أنَّهُ سيكونُ أداةً لِتوصيلِ الرِّسالةِ المُختصَّةِ بتلكَ المحبَّةِ إلى كُلِّ شخصٍ يُمكنهُ الوُصولُ إليهِ.
لذلكَ فقد تَغَيَّرتْ حَياتُهُ بِأَسْرِها. ولنقرأ ما قالَهُ في العَدَد 16: "إِذًا نَحْنُ مِنَ الآنَ لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا حَسَبَ الْجَسَدِ". هل تَفهمونَ ذلك؟ فما الَّذي حَدَثَ في حياتِهِ؟ لقد تَغَيَّرَ فَجْأة ولم يَعُدْ يَنْظُرُ إلى النَّاسِ نَظْرَةً خارِجِيَّةً. وَهُوَ لم يَعُدْ يَنظرُ إلى النَّاسِ كَبَشَرٍ مَادِيِّينَ. وَهُوَ لم يَعُدْ يَرى المَظْهَرَ الخارِجِيَّ فقط. وَهُوَ لم يَعدْ مُهتمًّا على وَجْهِ الخُصوصِ بِشَكْلِهِمِ الخارِجِيِّ. وَهُوَ لم يَعُدْ يُعْنَى تَحْديدًا بسُلوكيَّاتهمِ الخارجيَّةِ. فَهُوَ لم يَعُدْ يَنظُرُ إلى النَّاسِ هَكَذا. بل هُوَ يَقولُ في العَدَد 16: "إِذًا نَحْنُ مِنَ الآنَ [أيْ مِنْ لَحْظَةِ خَلاصِهِ فَصاعِدًا] لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا حَسَبَ الْجَسَد". فنحنُ لا نَحْكُمُ على النَّاسِ بِالمَظْهَرِ الَّذي يُمْكِنُنا أنْ نَراهُ وَنَخْتَبِرَهُ مِنْ خِلالِ حَياتِهِمْ المادِّيَّة. ثُمَّ يَقولُ: "لقد فَعَلْتُ ذلكَ مَرَّةً. لقد فَعَلْتُ ذلكَ بالمَسيح" ... فقد "عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ". فقد جاءَ وَقْتٌ عَرَفْتُ فيهِ المسيحَ حَسَبَ الجَسَدِ فَقَطْ. وَهَلْ تَعلمونَ ما القَرارُ الَّذي اتَّخَذْتُهُ؟ فقد كانَ في نَظَري مُجَدِّفًا. وَكانَ في نَظَري مُحْتالًا. وَكانَ في نَظَري مَسِيّا زَائِفًا. وَكانَ في نَظَري يُسَبِّبُ مُشكلةً لليهوديَّة. وكانَ في نَظري يَستحقُّ الصَّلْبَ وَرُسُلُهُ يَستحقُّونَ الموتَ. وهل تَذكرونَ في حادِثَةِ رَجْمِ اسْتِفانُوس مَنْ كانَ واقِفًا عِنْدَ ثِيابِ الأشخاصِ الَّتي خَلَعوها اسْتعدادًا لرَجْمِ استِفانوس؟ إنَّهُ بولُس. فقد قَيَّمَ المسيحَ تَقييمًا خارجيًّا وكانَ تَقييمُهُ خاطئًا تمامًا. ولكنَّنا لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ بهذهِ الطَّريقة. فرأيي كُلُّهُ عَنِ المسيحِ قَدْ تَغَيَّرَ مُنذُ ما حَدَثَ لي في الطَّريقِ إلى دِمَشْق. وأنا لم أَعُدْ أَنْظُرُ إلى النَّاسِ نَظرةً خارجيَّةً. وَأسْوَأُ شَيءٍ نَجَمَ عَنْ قيامي بذلكَ (وَهُوَ الشَّيءُ الَّذي فَعَلَهُ الفَرِّيسيُّونَ، وجَميعُ المُتَدَيِّنينَ الزَّائفينَ، وَجميعُ الأشخاصِ الضَّالِّينَ) إنَّ أسْوأَ شَيءٍ نَجَمَ عَنْ هذا النَّوْعِ مِنَ الحُكْمِ هُوَ أنِّي أَسَأتُ الحُكْمَ على المَسيح. وَكَمْ كُنْتُ مُخْطئًا! ولكنِّي أَنْظُرُ إلى جَميعِ الأشخاصِ نَظْرَةً روحيَّةً الآن. أليسَتْ هَذِهِ هِيَ حالُكُمْ أنْتُم أيضًا؟ هَلْ تَفهمونَ ذلك؟
فَكما تَعلمونَ، قد يَكونُ لديكُم أبناءٌ لا يَعرفونَ الرَّبِّ. فقد يَرتدونَ أفْضَلَ الثِّيابِ وَيَظْهَرونَ بِمَظهرٍ رائعٍ وَهُمْ خَارِجونَ مِنَ المَنزلِ. ولكنَّ قَلْبَكُمْ يَتَقَطَّعُ عليهم. وقد يَبدو الشَّعْرُ مُصَفَّفًا وَرائعًا. ولكنَّ ما تَهتمُّونَ لأجْلِهِ هُوَ حَالُ قُلوبِهِمْ. أليسَ كذلك؟ ومَعَ أنَّ شَريكَ الحَياةِ قد يَكونُ جَميلًا وجَذَّابًا، ولكنَّ قَلبَ شَريكِهِ يَنْفَطِرُ عليهِ إنْ كانَ لا يَعْرِفُ المسيح. فنحنُ لم نَعُدْ نَنْظُرُ إلى العالَمِ بِذاتِ الطَّريقةِ الَّتي يَنْظُرُ فيها العالَمُ إلى نَفْسِهِ.
لقد ذهبتُ إلى البيتِ الأبيضِ قَبلَ سنواتٍ للتحدُّثِ إلى مُوَظَّفي البيتِ الأبيضِ. وقد قُلتُ: "أتَعلمونَ، يا رِفاق، أنَّ لديكم مُشكلة هُنا. هي ليستْ مُشكلةً تَتَوقَّعونَ وُجودَها. إنَّكُم تَميلونَ كَثيرًا ..." (وقد كانَ ذلكَ في عَهْدِ الرَّئيسِ "بوش) "... إنَّكُم تَميلونَ كثيرًا إلى مُهاجمةِ الدِّيمقراطِيِّين، وإلى مُهاجَمَةِ خُصومِكُم، حَتَّى إنَّكُمْ جَعَلْتُمْ حَقْلَ الخِدمةِ عَدُوًّا لَكُم. ولكِن لا يمكنكم أن تَفعلوا ذلك. فقد لا تُحِبُّوا سياسَتَهُم، ولكن لا يَجوزُ لكم أنْ تَنظروا إليهم حَسَبَ الجسد. فهذا حَقْلُ خِدْمَة". وقد كانَ بولسُ يَنظرُ إلى العالمِ هكذا. ويجبُ أن تكونَ هذهِ هي نَظرةُ كُلِّ مؤمنٍ إلى العالم. وهذا هو ما يقولُهُ بولسُ بكلماتٍ مألوفةٍ لدينا في العدد 17: "إِذًا [وَكَمْ أُحِبُّ هذهِ الآيَة!] إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ ..." ماذا؟ "... خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا". والكلمةُ "أَحَد" هِيَ الكلمة العامِلَة هُنا ... "أيُّ شَخْصٍ". فلا أدري مَنْ هُمْ جميعُ الأشخاصِ الذينَ ماتُوا في المسيحِ، والذينَ دَفَعَ المسيحُ فِعليًّا أُجرةَ خطاياهُم بالكاملِ. لا أدري مِنْ يَكونون. ولكنِّي أعلمُ أنَّ كُلَّ شخصٍ يُؤمِنُ يَنْطَبِقُ عليهِ هذا الكلامُ، وَأنَّ كُلَّ شخصٍ في المسيحِ هُوَ خَليقةٌ جديدة.
لذلكَ فإنَّ بولسَ مُندفعٌ إلى خدمةِ المُصالحةِ بسببِ خِبرتِهِ الشَّخصيَّةِ عن محبَّةِ اللهِ لَهُ في المسيحِ، وهي محبَّةٌ أَحْدَثَتْ تَغييرًا روحيًّا جَذريًّا في حياتهِ الشَّخصيَّةِ، وغَيَّرتْ مَصيرَهُ الأبديَّ، واحْتَسَبَتْ لَهُ ذاتَ بِرِّ اللهِ بَدَلًا مِنَ البِرِّ البَشَرِيِّ الَّذي لا يَقودُ إلَّا إلى الدَّينونة. وقد صارَ هذا هُوَ شَغَفُ حَياتِهِ. فمحبَّةُ المسيحَ تلكَ هي الَّتي كانَتْ تُسيطرُ عليهِ وعلى كُلِّ شخصٍ مَعَهُ، أي عَلينا. أتَرَوْنَ الضَّميرَ في العدد 14؟ فنحنُ جَميعُنا مَحصورونَ بحقيقةِ أنَّنا صِرْنا خَليقةً جديدةً بواسطةِ محبَّةِ اللهِ في المسيح. وهي محبَّةٌ لا يُمكننا أنْ نَحتفظَ بها لأنفسنا لأنَّ كُلَّ مَنْ هو في المسيحِ هُوَ خليقةٌ جديدة. فنحنُ لم نَعُدْ نَرى النَّاسَ بالطَّريقِةِ نَفْسِها. وإنْ سَألتُمْ بولسَ عن ذلكَ لأجابَكُمْ قائلًا: "في المسيحِ "لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى. وليسَ عَبْدٌ ولا حُرٌّ، وليسَ يَهوديٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ". لا فَرْقَ. فقد صارَ يَرى كُلَّ إنْسانٍ بِصِفَتِهِ رُوْحًا أبديًّا.
وأنا على يَقينٍ أنَّكُمُ اختَبَرْتُم ذلك. وأنا اختَبَرْتُ ذلك. فأنا أَجِدُ نَفسي أنْظُرُ إلى داخِلِ الأشخاصِ أيًّا كانُوا، سَواءٌ كُنْتُ أعرفُهُم أَم لا أعرفُهُم. وعندما أَلتقي أُناسًا فإنَّ رُوْحَهُمْ هُوَ الَّذي يَأسُرُ تَفكيري. إنَّهُ رُوحُهُم. فنحنُ لَمْ نَعُدْ نَعرفُ النَّاسَ حَسَبَ الشَّكلِ الخارجِيِّ فقط. فنحنُ نَعيشُ في عالمٍ مُمتلئ بالنُّفوسِ الضَّالَّة. وَهُمْ يُحيطونَ بِنا مِنْ كُلِّ جِهَة. وقد لا تُحِبُّونَ مَواقِفَهُمُ السِّياسيَّةَ، أو رُبَّما لا تُحِبُّونَ سُلوكيَّاتِهِمْ، أو رُبَّما لا تُحِبُّونَ حَالَتَهُمُ الاجتماعيَّةَ، أو رُبَّما لا تُحِبُّونَ شخصيَّاتِهِم، ولكِنْ يجب عليكم أنْ تَرَوْا ما هُوَ أبْعَدُ مِن ذلك لأنَّهُ بالنِّسبةِ إلى بعضِ هَؤلاء، فإنَّ المسيحَ ماتَ عَنْهُم ودَفَعَ أُجْرَةَ خطاياهُم بالكاملِ. ورُبَّما تكونُونَ أنْتُم الأداةَ الَّتي يَستخدمُها اللهُ لجلبِ هؤلاءِ إلى نُقْطةِ خُطَّةِ الخَلاصِ الَّتي أُعِدَّتْ لهم مُنذُ تأسيسِ العالم. فقد أُعْطينا خِدمةَ المُصالحَة. وهذا هُوَ أساسُ وَجَوْهَرُ مَسؤوليَّتِنا بوصفِنا مؤمنينَ. وقد كانتْ هذهِ هي نَظرةُ بولسَ إلى الحياة. فخدمَتُنا هي أنْ نُصالِحَ الرِّجالَ معَ اللهِ، وأنْ نُصالِحَ النِّساءَ مَعَ اللهِ، وأنْ نَعِظَ بالخَبَرِ السَّارِّ ونُخبرهم أنَّ علاقةَ العَداوَةِ والخُصومَةِ، وَالكَراهِيَةِ، والبُعْدِ بينَ اللهِ والإنسانِ يُمْكِنُ أن تَتَغيَّرَ تَغييرًا جَذريًّا. ولا شَكَّ أنَّ جُزءًا مِن ذلكَ يَختصُّ بمعرفةِ حقيقةِ أنَّ هُناكَ انفصالًا بينَ البشرِ والله. وهذا هوَ الخبرُ السَّارُّ: أنَّهُ بإمْكانِ الخُطاةِ أنْ يَتصالَحُوا مَعَ اللهِ القَدير.
وأنا أُفَكِّرُ دائمًا في هذهِ الحادِثَة. ورُبَّما سَمِعْتُموني أَذْكُرُها في إحدى العِظاتِ المُسَجَّلَةِ أو في مَكانٍ آخَر. فقد كنتُ مُسافِرًا على مَتْنِ طائرةٍ تابِعَةٍ لشركةِ الطَّيران "ساوثويست إيرلاينز" (Southwest Airlines) في رِحلةٍ مُتَّجهةٍ إلى "إيل باسو" (El Paso). وكنتُ أجلسُ في المَقْعَدِ المُتوسِّطِ الَّذي يُبْغِضُهُ كَثيرون. وكنتُ مُحشورًا هُناكَ بينَ شَخصينِ فيما كنتُ أُحَضِّرُ لمؤتمرِ الرِّجالِ في "مركزِ إيل باسو المَدَنِيّ" (El Paso Civic Center). وكنتُ أَفْتَحُ العهدَ الجديدَ وَأُدَوِّنُ بعضَ المُلاحظاتِ عَنِ الموضوعِ الَّذي سأتحدَّثُ عنهُ. وكانَ يَجلسِ بجواري رَجُلٌ عَرَبِيٌّ. فقد كانَ ذلكَ واضِحًا وَجَلِيًّا. وكنتُ أنظُرُ إلى العهدِ الجديدِ بعدَ وقتٍ قصيرٍ مِن إقلاعِ الطَّائرةِ. وبعدَ مُرورِ بِضْعِ دقائقَ، نَظَرَ إليَّ وقال: "عفوًا سَيِّدي! هل هذا كِتابٌ مُقَدَّسٌ؟" قلتُ: "أجَل، إنَّهُ كِتابٌ مُقدَّسٌ". قال: "هل يُمكنني أن أَطْرَحَ عليكَ سُؤالًا؟" قلتُ: "بكُلِّ تأكيد. يمكنكَ أنْ تَطرحَ عليَّ سُؤالًا". قال: حسنًا، أنا مِن إيران. وأنا جَديدٌ في أمريكا. فقد قَدَّمتُ مُعاملةَ هِجْرَة، ولكنِّي لا أَفْهَمُ الدِّيانَةَ الأمريكيَّة. لا أفهم. فالنَّاسُ جَميعًا في بلدي مُسلمون ... الجميع. ولكنِّي لا أَفهمُ الدِّيانةَ الأمريكيَّة". ثُمَّ قال حَرْفِيًّا: "هل يُمكنُكَ، يا سَيِّدي، أن تُخبرني مِن فَضْلِكَ عنِ الفَرْقِ بينَ الكاثوليكيِّ، والبروتستنتِيِّ، والمَعمدانيِّ؟" الكاثوليكيّ، والبروتستنتيّ، والمَعمدانيّ! إذًا فقد سَمِعَ عنْ هذهِ الفئاتِ الثَّلاثِ على الأقل. لذلكَ فقد قُلتُ لهُ: "أجل، يُمكنني أن أُخبركَ عَنِ الفَرْقِ بينهم". وقد قَدَّمْتُ له طريقةً سَهلةً لفهمِ الكاثوليكيَّةِ بِصِفَتِها تَقومُ على الطُّقوسِ الكَنَسِيَّةِ، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَهَلُمَّ جَرَّا. وقد قُلتُ لهُ إنَّ البروتستنتيَّة تَحْتَجُّ على ذلك وَتَتمسَّكُ بالعلاقةِ الشَّخصيَّةِ مَعَ اللهِ مِن خلالِ المسيحِ. ثُمَّ استمرَّيْتُ في تَوضيحِ ذلك. وقد وَضَعْتُ المَعمدانِيِّينَ في فِئَةِ البروتستنت – في المَكانِ الَّذي يَنْتَمونَ إليهِ.
فقال: "شُكرًا لك. شُكرًا جزيلًا لك. شُكرًا جزيلًا". قلتُ: "هل يُمكنني أنْ أَطرحَ عليكَ سُؤالًا، سَيِّدي؟" قال: "بكُلِّ تأكيد! بكُلِّ تأكيد!" وقد كنتُ أَعرفُ الجوابَ، ولكنِّي أَحْبَبْتُ أنْ أَسْمَعَهُ مِنهُ. لذلكَ قُلتُ: "هل تُوجدُ لدى المُسلمِ خَطايا؟" وقد كنتُ أَعرفُ الإجابةَ، ولكنِّي أردتُ أنْ أَسْمَعَ الجَوابَ منهُ. قال: "آه! هل لَدينا خَطايا؟ أجل، لدينا خَطايا كثيرة جدًّا حتَّى إنِّي لا أعْرِفُها جَميعًا". قلتُ: "حسنًا! هل تَقترفونَ الخَطايا؟" "كُلَّ الوقتِ". ثُمَّ قال: "أنا ذاهبٌ في هذه الرِّحلةِ إلى إيل باسو لاقترافِ بعضِ الخَطايا". "حَقًّا؟" إنَّهُ شَخصٌ صَادقٌ جدًّا! أنتَ ذاهبٌ إلى إيل باسو؟ قالَ: "أجل، لقد التقيتُ فَتاةً في أثناءِ إجراءاتِ الهِجرةِ، في نُقطةٍ مَا مِن إجراءاتِ الهِجرة. ونحنُ سنَلتقي ونَقْتَرِفُ بعضَ الخَطايا". يا للهول! إنَّها مَعلوماتٌ أكثَرُ مِمَّا كنتُ أتوقَّع! قلتُ: "حسنًا! هل يُمكنني أن أَطرحَ عليكَ سؤالًا آخر؟" ... "بكُلِّ تأكيد". قلتُ: "كيفَ يَشعُرُ اللهُ بخصوصِ خَطاياك؟" ... "آه! إنَّهُ مُستاءٌ جِدًّا. بل جِدًّا جِدَّا. وقد أذهبُ إلى جَهَنَّم". قلتُ: "حسنًا! لِمَ لا تَتَوَقَّفُ عَنْ فِعْلِ ذلك؟" ... "لا أستطيع! لا أستطيع!" قلتُ: "إذًا أنتَ تَستمرُّ في فِعلِ الخطايا الَّتي مِن شَأنها أنْ تُرسلكَ إلى جَهَنَّم، إلى جَهَنَّمَ الأبديَّة؟" ثُمَّ قالَ هذا: "أرْجو أنْ يَغْفِرَ اللهُ لي. أرْجو مِنَ اللهِ أنْ يُسامِحَني". ثُمَّ قُلتُ شيئًا أَدْرَكْتُ لاحقًا أنِّي لم أُفَكِّرْ فيهِ مَلِيًّا. فقد قُلتُ: "حسنًا. أنا أعرِفُهُ شَخصيًّا. ويُمكنني أن أُخبِرَكَ أنَّهُ لَنْ يَغْفِرَ لَك".
نَظَرَ إليَّ الرَّجُل ... نَظَرَ إليَّ وقال، أوْ بالحَرِيِّ أظُنُّ أنَّهُ قالَ في عَقلِهِ: "كيفَ لَكَ أنْ تَعرفَ اللهَ شَخصيًّا وَأنْ تَكونَ مَحشورًا في المَقْعَدِ المُتوسِّطِ على مَتْنِ خُطوطِ ساوثويست الجَوِّيَّة؟" فهذا غيرُ مَعقول! قلتُ: "أنا أعرِفُهُ شَخصيًّا. وَهُوَ لَنْ يَغْفِرَ لَك". فقال: "آمَلُ أنْ يَفْعَل!" قلتُ: "لديَّ خَبَرٌ سَارٌّ لكَ. فأنا أعرِفُ كيفَ يُمكنُ أنْ تَتصالحَ مَعَ اللهِ تَمامًا، وكيفَ يُمكنُ أنْ تَنالَ الغُفرانَ الكامِلَ وَأنْ تَصيرَ قَريبًا مِنَ اللهِ وَابْنِ اللهِ، وَأنْ تَحْصُلَ على كُلِّ بَرَكاتِ اللهِ عَطِيَّةً مِنْهُ لَك". وَهُوَ لَمْ يَسمع شيئًا كهذا طَوالَ حَياتِهِ. فلا يُوْجَدُ فِداءٌ في الإسلام. وقد تَابَعْتُ كَلامي وقَدَّمْتُ لهُ رِسالةَ الإنجيل. ولكنَّهُ لم يَتَجاوَب، بل رُبَّما أَفْسَدْتُ عليهِ عُطْلَتَهُ الأسبوعيَّة. وقد كانتْ هُناكَ فَتاةٌ ارْتَبَكَتْ جِدًّا مِمَّا يَجري. وأنا عَلى يَقينٍ أنَّها لم تَفهَم ما يَحْدُث. وقد أَعْطَيْتُهُ بَعْضَ المَطبوعاتِ، وَأرْسَلْتُ إليهِ مَطبوعاتٍ أُخرى، وَأخْبَرْتُهُ عَنْ كَنيسَةٍ يُمْكِنُهُ أنْ يَذهبَ إليها بالقُربِ مِنْ مَكانِ سَكَنِهِ. ولكنِّي لم أَتَلَقَّ جوابًا مِنهُ. ولكنَّ هذا هُوَ الحَقُّ. أليسَ كذلك؟ أليسَ هذا هُوَ ما نَفْعَلُهُ؟ ألَسْنا نُخْبِرُ النَّاسَ أنَّهُ بإمكانِهِمْ أنْ يَتصالَحُوا مَعَ اللهِ؟
ارْجِعُوا إلى الأصحاحِ الخامِسِ هُنا. فَهُوَ وَضَعَ فينا كَلِمَةَ المُصَالَحَةِ، أوْ حَرْفِيًّا: وَضَعَ فينا "اللُّوغُوس" (logos) على النَّقيضِ مِنَ "المِيثوس" (mythos). فاللُّوغُوس هِيَ كَلِمَةُ الحَقِّ. أمَّا الميثوس فَهِيَ كَلِمَةُ البَاطِلِ. وقد وَضَعَ اللهُ فينا "لُوغوس" المُصالَحَة. ثُمَّ دُعِيْنا إلى القيامِ بخِدمةِ المُصالحةِ – أيْ أنْ نُخْبِرَ الخطاةَ أنَّهُ بإمكانِهمْ أن يَتصالحوا معَ اللهِ. وهذا يَقتضي بالضَّرورةِ أنْ نُساعِدَهُمْ على فَهْمِ حَقيقَة انفصالِهِمْ عَنِ اللهِ. بعبارةٍ أخرى، لا يُمكنُكُم أن تُخبروا النَّاسَ أنَّهُ يُمكنهم أن يَتصالحوا مَعَ اللهِ قَبْلَ أنْ تُبَيِّنَ لهم أنَّهُمْ بحاجةٍ إلى المُصالحة لئَلَّا يَكُونوا أَعداءَ اللهِ القُدُّوس.
وإذْ نَتَأمَّلُ في خدمةِ المُصالحةِ هذهِ، أوَدُّ أنْ أَذْكُرَ لَكُم مَجموعةً مِنَ النِّقاطِ الَّتي ستُساعِدُكم على فَهْمِ طبيعةِ هذا الحَقِّ العَظيم. حسنًا؟ أوَّلًا (وَهِيَ نُقطةُ مُهِمَّةٌ جِدًّا)، المُصالَحَةُ تَتِمُّ بِمَشيئةِ اللهِ. المُصالَحَةُ تَتِمُّ بِمَشيئةِ اللهِ. أرجو أن تَرجِعُوا إلى العدد 18. لِنَرجِع إلى نَصِّنا الأصليِّ: "وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ". ولكِنْ ما المَقصودُ بالكُلِّ؟ المَقصودُ هُوَ كُلُّ الأشياءِ الَّتي كانَ يَتَحَدَّثُ عنها ابتداءً مِنَ العَدَد 14 كَالخَلاصِ، والتَّدبيرِ الَّذي قامَ بِهِ مِنْ خلالِ موتِ المسيح، وجَعْلِنا خَليقَةً جديدةً، وَزوالِ الأشياءِ العَتيقَةِ وَحُلولِ الأشياءِ الجَديدِةِ بَدَلًا مِنْها. وهذا لا يُشيرُ إلى التَّبريرِ، بل إلى التَّجديد. وقد حَدَثَ ذلكَ بمشيئةِ اللهِ. فجميعُ هذهِ الأشياءِ هِيَ مِنَ اللهِ. ثُمَّ في العدد 19: "أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ". العَدَد 20: "كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا". فالمُصالَحَةُ تَتِمُّ بمشيئةِ اللهِ. وهذهِ حقيقةٌ جوهريَّةٌ. فلا يمكننا أنْ نُقَرِّرَ أنْ نَتصالحَ مَعَ اللهِ. ونحنُ لا نَملِكُ القُدرةَ على تَسْكينِ غَضَبِ اللهِ. ونحنُ لا نملكُ القُدرةَ الكافيةَ لتحقيقِ عَدالَتِهِ أوْ لِتَحقيقِ بِرِّهِ. فَنحنُ المُذْنِبون. ونحنُ المُعاقَبونَ بالانفصالِ عَنْ حَضْرَتِهِ إلى الأبَد. لذلكَ فإنَّ أيَّ تَغييرٍ في علاقَتِنا باللهِ يَنبغي أنْ يَأتي مِنْهُ. وأيُّ مُصالحةٍ يَنبغي أنْ تَكونَ بِتَرتيبٍ مِنْهُ. وهذا التَّعليمُ هُوَ في صَميمِ الإنجيل.
فاللهُ يُحِبُّ الخُطاةَ ويُريدُ مِنهم أنْ يَتصالحوا مَعَهُ. وقد دَبَّرَ الوسيلةَ للتَّصالُحِ معَ الخُطاةِ، ولِجَعْلِ الخُطاةِ أولادًا لَهُ. فاللهُ هو الَّذي صَالَحَنا لنفسه. واللهُ هو المُصالِح. وهذهِ نُقطةٌ عميقةٌ جدًا. فإنْ دَرَسْتُمْ دِياناتِ العالمِ لنْ تَجِدوا (كما ذَكَرنا في عِظَةٍ سَابقةٍ) ... لنْ تَجِدوا إلهًا مُصالِحًا في تاريخِ الأديان. لنْ تَجِدوا إلهًا مُصالِحًا بطبيعتِه. ولكننا نقرأُ في رسالةِ تيموثاوسَ الأولى 4: 10 إنَّ اللهَ: "هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ". ولكِنْ ما مَعنى ذلك؟ ما مَعنى أنَّهُ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ سِيَّمَا الْمُؤْمِنِينَ؟
حسنًا! بِمَعنى مِنَ المعاني فإنَّهُ مُخلِّصُ جميعِ البَشَر. فبالمعنى العامِّ جِدًّا، وبالمَعنى الشُّمولِيِّ، وبالمَعنى الواسِعِ جِدًّا، فإنَّهُ مُخَلِّصُ جَميعِ البَشَر. ولكِنْ ما المَقصودُ بذلك؟ أي بالمَعنى الجَسَدِيِّ والدُّنيويِّ ... بالمَعنى الجسديِّ والدُّنيويِّ. فالكتابُ المقدسُ يقولُ: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ" ماذا؟ "مَوْتٌ". والكتابُ المقدسُ يقولُ: "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ". والكتابُ المقدسُ يقولُ: "لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ". والكتابُ المقدسُ يقولُ: "هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي". ولكِنْ لماذا أنا حَيٌّ؟ ولماذا أنا موجودٌ هُنا؟ لأنَّ اللهَ مُخَلِّصٌ بطبيعتِهِ. وكُلُّ خَاطئٍ يَأخُذُ نَفَسًا آخَرَ هوَ دَليلٌ حَيٌّ على أنَّ اللهَ بطبيعَتِهِ: مُخَلِّص. وكما نَقرأُ في رُومية 2، فإنَّ لُطْفَ اللهِ على الخُطاةِ وَإِمْهَالِهِ لَهُمْ يَرْمِيانِ إلى إظْهارِ أنَّهُ المُخَلِّصُ، وَإلى اقْتيادِهم إلى التَّوْبَة.
وفي ضَوْءِ حَقيقةِ أنَّنا (نَحْنُ الخُطاة) نَأتي إلى اللهِ بالنِّعمةِ، ونَشُمُّ رائِحَةَ القهوةِ، ونُقَبِّلُ مَنْ نُحِبَّ، ونُنْجِبُ أبناءً، ونَتمتَّعُ بِغُروبِ الشَّمْسِ، ونَستمتعُ بالطَّعامِ اللَّذيذِ، والإجازاتِ الرَّائعةِ، والنَّجاحِ، والموسيقى. فالخُطاةُ يَفعلونَ ذلك. وكُلُّ شخصٍ قامَ بهذهِ الأمورِ في حياتِهِ، وَأَخَذَ نَفَسًا آخَرَ إنَّما يَشْهَدُ عن حقيقةِ أنَّ اللهَ مُخَلِّصٌ بطبيعَتِه. فلو لم يَكُن كذلكَ لَأهْلَكَ الخُطاةَ قَبْلَ أنْ يَأخُذوا نَفَسًا آخَر.
لذلكَ فإنَّ الخَبَرَ السَّارَّ هوَ أنَّكَ لستَ في حاجةٍ إلى إقناعِ اللهِ بأنْ يُخَلِّص، بل أنْتَ في حاجةٍ إلى إقناعِ الخَاطئَ بأنْ يَقْبَل. وهذا هُوَ أحدُ الأمورِ الَّتي تُزْعِجُني في الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة. والحقيقةُ هي أنَّ أمورًا كثيرةً تُزعِجُني، ولكنَّ واحدًا مِنْ أكثرِ الأمورِ الَّتي تُزعجني، وواحدًا مِن أكْثَرِ الأشياءِ الَّتي تُسيءُ إلى اللهِ، وواحدًا مِنَ الأمورِ التَّجديفيَّةِ في الكاثوليكيَّةِ الرُّومانيَّةِ هي التَّالي: انْظُر، إذا أرَدْتَ مِنَ اللهِ أنْ يأتي وَيُنْقِذَكَ مِنْ بَلْواكَ، وإذا أرَدْتَ مِنَ اللهِ أنْ يُخَلِّصَكَ، وإذا أرَدْتَ مِنَ اللهِ أنْ يَلتفتَ إليكَ، لا تَلْتَجِئ إلى اللهِ. فَهُوَ مَشغولٌ جِدًّا. وَهُوَ قُدُّوسٌ جِدًّا. إنَّهُ قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوس. وَهُوَ ليسَ لديهِ وقتٌ لَكَ. وَهُوَ قَاسٍ وَصَارِم. لذلكَ، أنتَ لستَ في حاجةٍ إلى اللُّجوءِ إلى اللهِ. وأنتَ لستَ في حاجةٍ إلى الصُّراخِ إلى الله.
صحيحٌ أنَّهُ بإمكانِكَ أنْ تَلتجئَ إلى المسيح. يُمكنكَ أنْ تَلتجئَ إلى المسيحِ لأنَّهُ لِكَوْنِهِ إنسانًا، ولِكَوْنِهِ اخْتَبَرَ كُلَّ الأشياءِ الَّتي يَختبِرُها البَشَرُ، وَلِكَوْنِهِ جُرِّبُ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا، فإنَّهُ قد يَكونُ أكْثَرَ تَعَاطُفًا. ولكِنْ احْذَر! فَهُوَ قَاسٍ جِدًّا أيضًا. إنَّهُ صَارِمٌ جِدًّا. لذلكَ، إذا كانَتْ لديكَ مُشكلةٌ حقًّا، أو كانتْ لديكَ حاجةٌ حقًّا، التجئ إلى مَرْيَم ... التجئ إلى مَريم. ولماذا تَلتجئ إلى مَريم؟ لأنَّ يسوعَ لا يَرْفُضُ طَلَبًا لِمَريم. فَهُوَ قَدْ يَرفضُ طلبًا لكَ، ولكنَّهُ لا يَرفُضُ طلبًا لأُمِّهِ. التجئ إلى مَريَم. وهذا تَجديفٌ ضِدَّ طَبيعةِ اللهِ الَّذي هُوَ إلَهٌ مُصالِحٌ ومُحِبٌّ ويَنتظِرُ مِنَ الخاطئِ أنْ يَأتي إلى حَضْرَتِهِ وَأنْ يَطْلُبَ مِنهُ الغُفران. لذلكَ فأنْتَ لستَ في حاجةٍ إلى الالتِجاءِ إلى مَريَم. فمَريمُ لَمْ تَتمكَّنْ يومًا مِنْ سَماعِ صَلاةِ أيِّ إنسانٍ مُنذُ أنْ وَصَلَتْ إلى السَّماءِ. وَهَذا يَنْطَبِقُ على كُلِّ شخصٍ آخَرَ في السَّماءِ باستِثناءِ اللهِ المُثَلَّثِ الأقانيم. فاللهُ بطبيعَتِهِ إلَهٌ مُصالِحٌ. وقد يَقولُ قائلٌ: "إنْ كانَ هذا صَحيحًا فما قَوْلُكَ في ما جاءَ في العهدِ القديم؟ وكيفَ تَقولُ إنَّ اللهَ ... كيفَ يُمْكِنُكَ أنْ تَقولَ إنَّ اللهَ إلَهٌ مُحِبٌّ ومُصالِحٌ في حينِ أنَّنا نَقرأُ أنَّ بَعضَ الأولادِ قالُوا لأحدِ الأنبياءِ "يا أَقْرَع، يا أَقْرَع، يا أَقْرَع"، فأَخْرَجَ اللهُ دُبَّتَيْنِ مِنَ الغابَةِ فَمَزَّقَتاهُمْ أَشْلاءً؟ فَما هَذا الإلَه؟ مَا هذا الإلَهُ الَّذي يُخْرِجُ دُبَّتَيْنِ مِنَ الغابَةِ لافْتِراسِ مَجموعةٍ مِنَ الأطفالِ الَّذينَ قالُوا لأحدِ الأنبياءِ: "يا أصْلَع، يا أصْلَع"؟
إنَّ السُّؤالَ الجَوْهَرِيَّ هُوَ ليسَ هذا. وقد يَقولُ قائلٌ: "ما هذا الإلهُ الَّذي يَفْتَحُ الأرْضَ وَيَجْعَلُها تَبْتَلِعُ أُناسًا؟" ولكِنَّ هذا ليسَ السُّؤالَ الجوهريَّ. "وما هذا الإلَهُ الَّذي يَهْدِمُ البيتَ على رُؤوسِ الفِلِسطينيِّين؟ ما هذا الإلَهُ الَّذي يَفعلُ ذلك؟ وما هذا الإلهُ الَّذي يُوصي بَني إسرائيلَ بِقَتْلِ الكَنعانِيِّين؟ ما هذا الإلَهُ؟ ولكنَّ السُّؤالَ الجوهريَّ هوَ ليسَ هذا. فالسُّؤالُ الجَوهريُّ هوَ ليسَ: لِماذا كانَ اللهُ يَأخُذُ حَياةَ الخُطاةَ في العهدِ القديمِ بتلكَ الطُّرُقِ المُرَوِّعة؟ بل إنَّ السُّؤالَ الجوهريَّ هو لماذا يَسمحُ اللهُ لأغلبيَّةِ الخُطاةِ أنْ يَعيشوا؟ فهذا هو السُّؤالُ المُهِمُّ. فأُجرةُ الخطيِّةِ هي موتٌ. لذلكَ فإنَّ هؤلاءِ لا يَستحقُّونَ ألَّا الموت. وكما تَعلمونَ فإنَّنا نَقرأُ في إنجيل لوقا 13 أنَّهُم جاءُوا إلى يسوعَ وقالوا: "أتَدْري أنَّنا لا نَفهمُ ما يَجري ولا نَسْتَوْعِبُ ما حَدَث! فقد جاءَ بَعْضٌ مِنَ الجَليلِيِّينَ إلى الهَيْكَلِ للعبادةِ، ولكنَّ جُنودَ بيلاطُس ذَبَحوهُمْ وَقَتلوهُم جميعًا. لماذا حَدَثَ ذلك؟"
وكما تَعلمونَ فإنَّ اعتراضَهُمْ هُوَ أنَّ أولئكَ جاءُوا للعِبادة. فقد جاءوا إلى ذلكَ المكانِ للقيامِ بما يَنبغي لهم القيامُ به. فكيفَ يَسْمَحُ اللهُ بحدوثِ ذلك؟ وقد أجابَ يَسوعُ قائلًا: "جَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ". ثُمَّ سَألوهُ سؤالًا آخَر. فقد قرأوا في "صَحيفَةِ أورُشَليم" أنَّ بُرْجًا وَقَعَ على قَوْمٍ فَسَحَقَهُمْ وَقَتَلَهُم. وكانَ سُؤالُهُمْ هُوَ: "ما هذا الإلَهُ الَّذي يَسْمَحُ بِحُدوثِ شَيءٍ كهذا؟" ولكنَّ السُّؤالَ الجوهريَّ هُوَ ليسَ هذا. فبينَ الحينِ والآخَر طَوالَ التَّاريخِ البشريِّ تَحْدُثُ فَواجِعٌ وَأُمورٌ مَأساويَّةٌ كهذه. واللهُ يَشْهَدُ عَنْ ما يَستحقُّهُ جَميعُ الخُطاةِ لِكَي يَكونَ جَميعُ الخُطاةِ الذينَ ما زَالُوا على قَيْدِ الحياةِ ويَتمتَّعونَ بجميعِ خَيْراتِهِ وَنِعْمَتِهِ دَليلًا سَاطِعًا على حقيقةِ أنَّ اللهَ بِطَبيعَتِهِ إلَهٌ مُخَلِّصٌ. فَهُوَ يَعْرِضُ جَميعَ أَلْطافِهِ وَمَراحِمِهِ تُجاهَ الخُطاةِ، وَيُظْهِرُ لَهُمْ نِعْمَتَهُ كَتَحذيرٍ لَهُمْ لِيَتوبوا. وَهُوَ بهذا المَعنى مُخَلِّصُ جَميعِ النَّاسِ، ولكنَّهُ يُخَلِّصُ، بِصورةٍ خاصَّةٍ، أولئكَ الذينَ يُؤمِنونَ لأنَّهُ يُخَلِّصُهُمْ لا جَسَدِيًّا وَلا مُؤقَّتًا فحسب، بل يُخَلِّصُهُمْ رُوحيًّا وَأبديًّا. فاللهُ هُوَ مَصْدَرُ المُصالَحَة. وأنا سَعيدٌ جِدًّا لأنِّي لَسْتُ مُضْطَرًّا لإقناعِ اللهِ بإظْهارِ الاستعدادِ لِقَبولِ الخاطِئ.
وكَما تَعلمونَ فإنَّهُ عندما ماتَ يسوعُ على الصليبِ، كانَ هُناكَ حِجابٌ في الهيكلِ يَفْصِلُ اللهَ عِنْ جَميعِ النَّاسِ وَيَرْمِزُ إلى حُضورِ اللهِ. ولكنَّ اللهَ شَقَّ الحِجابَ مِنْ فَوْق إلى أسْفَل وَفَتَحَ البابَ عَلى مِصْراعَيْهِ لكي يَصيرَ بِمَقدورِ جَميعِ الخُطاةِ أنْ يَدْخُلوا إلى حَضْرَةِ اللهِ الَّذي هُوَ بِطَبيعَتِهِ إلَهٌ مُصَالِحٌ. وَلْنَعُدْ إلى النَّصِّ. فاللهُ هُوَ الَّذي صَالَحَنا لِنَفسِهِ. واللهُ هُوَ الَّذي صَالَحَ العَالَمَ لِنَفْسِهِ في المَسيح. واللهُ هُوَ المُبادِرُ بالمَجيءِ إلى الخُطاةِ. فلا يوجدُ وَقْتٌ تَكونونَ فيهِ في صُلْبِ مَشيئةِ اللهِ أكْثَرَ مِنَ الوقتِ الَّذي تَكْرِزونَ فيهِ بكلمةِ المُصالَحَة.
لذلكَ فإنَّ المُصالَحَةَ تَتِمُّ (في المَقامِ الأوَّلِ) بمشيئةِ اللهِ. ثانيًا، إنَّها تَتِمُّ مِنْ خِلالِ الغُفرانِ. فَهِيَ تَتَحَقَّقُ مِنْ خلالِ الغُفرانِ. ولكِنْ كَيفَ يَفعلُ اللهُ ذلك؟ حَسَنًا! هذا هُوَ ما نَقرأُ عَنْهُ في العدد 19. فالطَّريقةُ الوحيدةُ الَّتي يَستطيعُ اللهُ مِنْ خلالِها أنْ يَتَصالَحَ معَ الخُطاةِ (كَما جَاءَ في العدَد 19) هِيَ بأنْ لا يَحْسِبَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ. فهذهِ هي الطريقةُ الوحيدة. إذًا، كيفَ تَتَحَقَّقُ المُصالحةُ؟ وكيفَ يُمْكِنُهُ أنْ يُصالِحَ العالَمَ؟ وهذا يَعني جَميعَ البَشَرِ مِنْ جميعِ الأُمَمِ الذينَ سَيَتصالَحونَ مَعَهُ. كيفَ يُمكنُهُ أنْ يُصالِحَهُم؟ بأنْ لا يَحْسِبَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ. فهذا هُوَ الأساسُ. فيجبُ أنْ يَطْرَحَ خَطاياهُمْ جَانِبًا.
والآنْ، نَحْنُ نَعلمُ ذلكَ، أليسَ كذلك؟ فقد تَحَدَّثنا عن هذا الموضوع. فنحنُ نَقرأُ في مِيْخا 7: "مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ؟" ونحنُ نَقرأُ في سِفْرِ الخُروج 33: "الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ". والعهدُ القَديمُ يَزْخُرُ بآياتٍ تُؤكِّدُ ذلك. والعهدُ الجديدُ يَزْخُرُ بآياتٍ تُؤكِّدُ ذلك. فاللهُ يَتوقُ إلى تَقديمِ الغُفرانِ للخُطاةِ التَّائبينَ "غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ". وهذا هو ما يَنبغي أن نقولَهُ للخُطاة. والسؤالُ المُهِمُّ هُوَ التَّالي: "يمكنكَ أن تَتصالحَ معَ الله. والله سيغفرُ لكَ كُلَّ خطاياكَ إلى الأبد. فهلْ أنتَ مُهتمٌّ؟" فهذهِ هي المسألةُ المُهمَّة. فعندما يُنادي الناسُ بالإنجيلِ فإنهم يقولونَ غالبًا: "هل تريدُ أن يكونَ لحياتِكَ قَصْدٌ؟" أو: "هل تريدُ الحصولَ على حياةٍ زوجيَّةٍ أفضَل؟" أو: "هل تُريدُ أنْ تُعَدِّلَ مَسارَ حَياتِكَ؟" أو: "هل تُريدُ أنْ تُحَقِّقَ مَزيدًا مِنَ النَّجاحِ؟" أو: "ما الَّذي تَبْحَثُ عنهُ في الحياة؟ السَّعادة؟ الرِّضا؟ الشُعورُ بوفرةِ الخَيْر؟" ولكنَّ القضيَّةَ ليسَتْ هذهِ. فالقضيَّةُ هِيَ: هل تُريدُ أنْ تَموتَ في خَطاياكَ وَأنْ تَذهبَ إلى جَهَنَّمَ إلى الأبد؟ أو هل أنْتَ مُهتمٌّ بالغُفرانِ الكُلِّيِّ وَالكامِلِ والأبديِّ؟ فهذهِ هيَ الرِّسالةُ المهمَّة.
ونحنُ نَقرأُ في المزمور 32: 2: "طُوبَى لِرَجُل لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً". وهذهِ هِيَ الرِّسالةُ المُتَضَمَّنَةُ في هذهِ الآيَةِ. ورُبَّما كانَ بولسُ يُفَكِّرُ في هذهِ الآيةِ هُنا لأنَّهُ يَقولُ ما تَقولُهُ في حقيقةِ الأمرِ (في رُومية 4: 8): "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً". فهَذهِ الآيةُ هِيَ إعادَةُ صِياغَةٍ للمزمور 32. واللهُ مُستعدٌّ لِمَحْوَ الخطيَّةِ. والحقيقةُ هي أنَّ العهدَ القديمَ يَقولُ إنَّهُ سَيُبعِدُها كَبُعْدِ المَشْرِقَ عَنِ المَغْرِبِ. وَهُوَ سَيَدْفِنُها في أعماقِ أعماقِ البَحْرِ ولا يَعودُ يَذْكُرُها بَعْد. ونحنُ نَقرأُ في كولوسي 2: 13 أنَّ اللهَ هُوَ الَّذي سَاَمَحَنا بجميعِ خَطايانا. وَإنْ أرَدْنا، يا أحبَّائي، أنْ نكونَ أُمَناءَ للإنجيلِ، وأُمَناءَ للإنجيلِ الَّذي نَادى بِهِ بولسُ، يجبُ علينا أنْ نُخْبِرَ الخُطاةَ عَنْ غُفرانِ خَطاياهُم كأفرادٍ. فهذا هوَ الخَبَرُ السَّارُّ: أنَّ اللهَ سيَغفرُ كُلَّ خَطاياك. وهذهِ هي رِسالةُ المُصالحةِ. لذلكَ، لِنَبتعِد عَنْ كُلِّ السَّطحيَّةِ، ولنَتْرُك كُلَّ الكلامِ الفارغِ عَنْ إنْجيلِ الرَّفاهِيَةِ الَّذي يُنادي أَتْباعُهُ بأنَّ غَاَيَةَ يَسوعَ الأسْمَى هِيَ أنْ تَكونَ في قِمَّةِ الصِّحَّةِ، وَالرَّفاهِيَةِ، وَالغِنى، والنَّجاحِ. فالغايةُ الأسْمَى ليسوعَ هي ليسَتْ هذهِ. فقد تَمْرَضُ بعدَ خَلاصِكَ مَرَضًا أَشَدَّ مِنْ أيِّ وَقْتٍ مَضى. وقد تَفْتَقِرُ بعدَ خَلاصِكَ أكْثَرَ مِنْ أيِّ وَقتٍ سابقٍ. ولكنَّكَ ستَكونُ في عِنايَةِ اللهِ صَاحِبِ السِّيادَةِ الذي يَرى أنَّ ذلكَ لِخَيْرِكَ وَلِمَجْدِهِ. ولكِنَّ الشَّيءَ الَّذي يُمكنُكَ أنْ تَعتمِدَ عليهِ هُوَ أنَّكَ في طَريقِكَ إلى السَّماءِ لأنَّهُ لا يَعودُ يَحْسِبُ خَطاياكَ لَكَ.
والحقيقةُ هي أنِّي أُحِبُّ مَا تَقولُهُ رِسالةُ كولوسي إذْ نَقرأُ أنَّهُ يَمْحُو الخَطايا الَّتي دُوِّنَتْ ضِدَّنا، وَأنَّهُ يَطْرَحُها بَعيدًا، وَأنَّهُ يُزيلُها. وَهِيَ مُصالَحَةٌ يَعْرِفُها بولسُ لأنَّهُ اخْتَبَرَها شخصيًّا. وَهِيَ تَتِمُّ بِمَشيئَةِ اللهِ، وَمِنْ خِلالِ الغُفرانِ. ثالثًا، إنَّها تَتِمُّ مِنْ خِلالِ طَاعَةِ الإيمان. وَقد تَحَدَّثنا عن ذلك. لذلكَ، لا أُريدُ أنْ أَصْرِفَ وَقتًا طويلًا على هذهِ النُّقطة. فَهِيَ تَتِمُّ مِنْ خِلالِ طَاعَةِ الإيمان. وهذا مُتَضَمَّنٌ في العدد 20. فمِنْ أجْلِ تَحقيقِ ذلك، يجبُ على الخاطئِ أنْ يَتَجاوَبَ. لذلكَ فإنَّنا نَذْهَبُ. فنحنُ سُفَراء عَنِ المسيح. ونحنُ مُمَثِّلو المَلِكِ العَظيمِ الَّذي يُريدُ أنْ يَتصالَحَ مَعَ رَعاياه المُنْفَصِلينَ عنهُ. ونحنُ نَكْرِزُ بالخَبَرِ السَّارِّ لهُم. فاللهُ يُريدُ أنْ يَتَصالَحَ مَعَكُم. واللهُ لَنْ يَحْسِبَ خَطاياكُمْ لكُم، بل سَيَغْفِرُ لكم. لذلكَ، نَرْجو أنْ تَقبَلوا عَطِيَّتَهُ. فهذا هُوَ ما يَقولُهُ العدد 20. وَكَأنَّ اللهَ يَدْعو الخُطاةَ إلى ذَلِكَ مِنْ خِلالِنا. فنحنُ نَطْلُبُ هَذا مِنْكُمْ نِيابَةً عَنِ المَسيح: تَصالَحُوا مَعَ اللهِ.
وَالآنْ، هذا لا يَبدو مُتوافِقًا كَثيرًا مَعَ المَذهبِ الكَالفينيّ. أليسَ كذلك؟ فأنتُم لا تَعتقدونَ أنَّنا نَذْهَبُ إلى النَّاسِ وَنَلْتَمِسُ مِنْهُم أنْ يَتصالَحوا مَعَ اللهِ، وَأنْ يَتوبوا، وأنْ يُؤمِنوا، وَأنْ يَعْتَرِفوا بخطاياهُم، وأنْ يَرْجِعُوا عَنْ خَطاياهُم، وَأنْ يَقْبَلوا المَسيح؟ آه! يَنبغي أنْ تَعلموا أنَّنا كَالفِينيُّونَ (Calvinists). ونحنُ نُؤمِنُ أنَّ ما هُوَ مُقَدَّرٌ سَيَحْدُث. حَقًّا؟ استَمِعُوا مَلِيًّا: نحنُ لَسنا مُطالبينَ فقط بالتَّوَسُّلِ إلى الخُطاةِ لكي يَتصالحوا مَعَ اللهِ مِنْ خلالِ الإيمانِ، بَلِ اسْتَمِعُوا جَيِّدًا: إنَّ اللهَ هُوَ الَّذي يَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْ خِلالِنا. وقد نَخشى أنْ يَستَنتِجَ ذلكَ الخاطِئُ أنَّ اللهَ ليسَ كَالفينيًّا أصيلًا. ماذا؟ اللهُ يَلْتَمِسُ مِنَ الخُطاةِ أنْ يَتَصالَحُوا مَعَهُ؟ إنَّ هَذا يَبدو مُتوافقُا تَمامًا مَعَ المَذهبِ الأرْمينِيِّ. ما الَّذي تَعنيه؟ هذا هُوَ ما تَقولُهُ الآيَة. سوفَ نَتطرَّقُ إلى هذهِ المُعْضِلَةِ يومَ غَدٍ.
ليسَ هُناكَ خَلاصٌ بِمَعْزِلٍ عَنِ الإيمان. ولا يُوْجَدُ خَلاصٌ بِمَعْزِلٍ عَنْ تَجاوُبِ الخُطاةِ. فما الَّذي نَقرأهُ في إنجيل يوحنَّا 1: 12؟ "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ". وبالرَّغمِ مِنْ ذلك: "اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ". فنحنُ نَعلمُ أنَّ الخَلاصَ هُوَ عَمَلُ اللهِ، ولكنَّهُ لا يَتِمُّ بِمَعْزِلٍ عَنْ تَجاوُبِ الخاطِئ. فَهُوَ يَتِمُّ مِنْ خِلالِ تَعبيرِ الخَاطِئِ عَنْ إرادَتِهِ. فاللهُ يَطْلُبُ مِنَ الخُطاةِ أنْ يَتَصالَحُوا مَعَهُ.
ولنستمِع إلى ما قالَهُ يَسوع: "وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ. ... يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! ... كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! ... هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! ... وَبَكى يَسوع!" أتَذكرونَ ذلك؟ لَقَدْ بَكى. وقد بَكَى إرْميا بِدُموعِ اللهِ في نُبوءَتِهِ: "لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ دُمُوعًا" لأنَّكُمْ لن تُؤمِنوا. فاللهُ نَفْسُهُ يَطْلُبُ ذَلِكَ مِنَ الخُطاةِ مِنْ خِلالِكُم. ونحنُ مَندوبونَ عَنِ اللهِ الَّذي يَطْلُبُ ذلك، والذي يَصْرُخُ إلى الخُطاةِ، والذي يَقولُ لَهُمْ أنْ يُؤمِنوا، وأنْ يَخْلُصوا، وَأنْ يَتَصالَحُوا مَعَهُ.
لذلكَ فإنَّ خِدمةَ المُصالحةِ وعَمَلَ المُصالحةِ يَتَحَقَّقانِ بمشيئةِ اللهِ مِنْ خلالِ الغُفرانِ بواسِطَةِ الإيمان. وهذا يَقودنا إلى النقطةِ الرابعةِ والأخيرةِ، وهِيَ تُلَخِّصُ كُلَّ ما قُلْناهُ طَوالَ اليومِ. فَالمُصالحةُ تَتِمُّ مِنْ خلالِ الكَفَّارة البَدَلِيَّة. ... مِن خلالِ الكَفَّارة البَدَلِيَّة. لأنَّ السُّؤالَ الَّذي يُطْرَحُ حالًا حينئذٍ هُوَ: كيفَ يُمكنُ للهِ أنْ يُقَرِّرَ ألَّا يَحْسِبَ خَطايانا لَنا؟
وإذا أرَدْنا أنْ نَقتبِسَ ما جاءَ في رُومية 4: 5: كيفَ يُبَرِّرُ اللهُ الفَاجِرَ؟ وهذهِ بِصراحَة ... إنَّ هذهِ الجُملةُ القائلةُ إنَّ اللهَ يُبَرِّرُ الفاجِرَ هي أكْثَرُ جُملةٍ مَرفوضةٍ يُمكنُ لبولسُ أنْ يَتَفَوَّهُ بها في تلكَ البيئةِ اليهوديَّة. فاللهُ يُقَرِّرُ أنَّ الفُجَّارَ أبْرارٌ؟ واللهُ يُبَرِّرُ الفُجَّار؟ إنَّ هذا الأمْرَ انْتِهاكٌ فاضِحٌ للنَّاموس. فكيفَ يَفْعَلُ أمرًا كهذا؟ وكما قُلنا اليوم، كَما تَعلمون، إذا كانَ هُناكَ قاضٍ يَجلسُ على كُرسيِّ القَضاءِ وجاءَ مُجْرِمٌ مُتَّهَمٌ بجرائمِ قَتْلٍ عَديدةٍ، وقالَ: "أنا ارْتَكَبْتُ كُلَّ هذه الجَرائم. وقد قَتلتُ جميعَ هؤلاءِ الأشخاصِ. أجل، لقد قَتلتُهُم، ثُمَّ قَطَّعْتُ أَوْصَالَهُمْ، وَدَفَنْتُ جُثَثَهُمْ جَميعًا في جَميعِ أرْجاءِ المَكان. أجل، لقد فَعلتُ هذا كُلَّهُ. وأنا أشعُرُ بالنَّدَمِ على ذلك. وأنا آسِفٌ لأجل العائلاتِ. وأوَدُّ أن أقولَ لك سَيِّدي القاضي إنِّي آسفٌ جِدًّا. أنا آسفٌ حَقًّا. لذلكَ أرجو أن تُسامِحَني وَأنْ تُطْلِقَ سَراحي". فإنْ قالَ القاضي: "أتَدري! لأنَّكَ طَلَبْتَ ذلكَ، سأُسامِحُكَ. أنْتَ حُرٌّ طَليق!" إنْ فَعَلَ القاضي ذلكَ فإنَّهُ لن يَبقى قاضِيًا لأنَّهُ لم يُطَبِّقِ القانون. فهذا انْتِهاكٌ لِحُرْمَةِ القانون. وهل هذا هُوَ ما فَعَلَهُ اللهُ؟ هل قالَ اللهُ: "آه، حَسَنًا. يُمكنُكُم الانْصِراف"؟
لا، إنَّهُ لم يَفعل ذلك. فقد كانَ يَنبغي تَحقيقُ عَدالَتِهِ. وهذا هُوَ ما يَقولهُ العَدد 21. وهذهِ هِيَ الكَفَّارة البَدَلِيَّة. وهذهِ سَيُلَخِّصُ كُلَّ ما سَمِعْناهُ طَوالَ هذا اليوم. وقد قالَ "ب.ب. وورفيلد" (BB Warfield): "البَدَلِيَّة هِيَ قَلْبُ قَلْبِ الإنجيل". واسمحوا لي أنْ أُساعِدَكُم في فَهْمِ العدد 21. إنَّهُ يَحوي خَمْسَ عَشَرَةَ كَلِمَة يونانيَّة. وَهِيَ الجُملةُ الأكثر تَركيزًا، ووضوحًا، وشمولًا لمعنى الكَفَّارة البدليَّة في كُلِّ صفحاتِ العهدِ الجديد. العدد 21: "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ". فلو أنَّهُ لم يَحْسِبْ خَطايانا لنا، بل حَسَبَ البِرَّ لَنا، كيفَ يُمكنهُ أنْ يَفعلَ ذلكَ وَأنْ يَبقى بارًّا؟ إليكُم الجَواب: "لأنَّهُ" (أيِ الله) "جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً ..." وَمَنْ يَكونُ هَذا؟ إنَّ اللَّائحةَ الَّتي لدينا قَصيرةٌ جِدًّا. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ الشَّخصُ الوحيدُ الَّذي بِلا خطيَّة. "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّة". يا للعَجَب! ما الَّذي قَصَدَهُ بذلك؟ وما مَعنى أنَّهُ جَعَلَ الَّذي لم يَعْرِف خَطِيَّةً، خَطِيَّة؟ حسنًا، إنَّ "كينيث كوبلاند" (Kenneth Copeland) و "كينيث هاجين" (Kenneth Hagen)، وجماعةُ "كَلِمَة الإيمان" (the Word of Faith) يَقولونَ لنا (وَهُوَ أمْرٌ سَمِعْتُهُمْ يَقولونَهُ مِرارًا بأفواهِهِم) أنَّ يَسوعَ صَارَ خَاطِئًا على الصَّليب. لقد صَارَ خاطئًا، وأنَّهُ تَعَيَّنَ عليهِ أنْ يَذْهَبَ إلى الجَحيمِ وَأنْ يَتألَّمَ لأجْلِ خَطاياه ثلاثَةَ أيَّام. ثُمَّ إنَّ الرَّبَّ سَمَحَ لهُ بأنْ يَقومَ مِنَ الأمواتِ لأنَّهُ دَفَعَ أُجْرَةَ خَطاياه.
إنَّ هذا تَجْديفٌ. فهُوَ الحَمَلُ الَّذي بلا عَيْبٍ وَلا دَنَس. وقد كانَ مُعَلَّقًا على الصَّليبِ بِلا خَطِيَّة كما كانَ دائمًا مُنْذُ الأزَل. لذلكَ فقد قال: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" فلو كانَ خاطئًا، لما قالَ "لِماذا؟" فيسوعُ لم يَصِرْ خاطئًا على الصَّليب. إذًا، بأيِّ مَعنى صَارَ خاطِئًا؟ بهذا المَعنى فقط دونَ سِواه. فاللهُ عَامَلَهُ كما لو كانَ خاطئًا مَعَ أنَّهُ لم يَكُنْ خاطئًا.
والآنْ، رَكِّزوا مَعي. على الصَّليب، عَامَلَ اللهُ المَسيحَ كما لو أنَّهُ اقْتَرَفَ شَخصيًّا كُلَّ خَطِيَّةٍ اقتَرَفَها كُلُّ إنْسانٍ عاشَ على سَطْحِ الأرْضِ – مَعَ أنَّهُ (أيْ: يَسوعَ) لم يَقترِف، في الواقعِ، أيًّا مِنها. هل فَهِمْتُهم ذلك؟ على الصَّليب، عَامَلَ اللهُ المَسيحَ كما لو أنَّهُ اقْتَرَفَ شَخصيًّا كُلَّ خَطِيَّةٍ اقتَرَفَها كُلُّ مُؤمِنٍ عاشَ على سَطْحِ الأرْضِ – مَعَ أنَّهُ (أيْ: يَسوعَ) لم يَقترِف، في الواقِعِ، أيًّا مِنها. واسمحوا لي أن أقول ذلكَ بطريقة شخصيَّة أكثر. على الصَّليبِ، قامَ اللهُ بمُعاملةِ يَسوعَ كما لو أنَّهُ عاشَ حَياتَكَ أنْتَ. فَمَعَ أنَّهُ لم يَعِشْها، فإنَّ اللهَ عامَلَهُ كما لو أنَّهُ عَاشَها. فقد عامَلَ المَسيحَ كَما لو أنَّهُ عاشَ حَياتي. وقد سَكَبَ جَامَ غَضَبِهِ على المسيحِ بسببِ خطايانا كما لو أنَّهُ كانَ هُوَ المُذْنِبُ. أليسَتْ هذِهِ هي الصُّورةُ الَّتي يُصَوِّرُها لَنا نِظامُ الذَّبائحِ في سِفْرِ اللَّاوِيِّين 1: 1-9؟
لذلكَ فإنَّنا نَقولُ ذلكَ بهذهِ الطَّريقة: على الصَّليبِ، قامَ اللهُ بمُعاملةِ يسوعَ كما لو كانَ خاطئًا، مَعَ أنَّهُ لم يَكُن خاطئًا. ولكِنْ لماذا فَعَلَ ذلك؟ نيابَةً عَنَّا، ولأجْلِنا. لأنَّ عَدالَتَهُ كانَ يَنبغي أنْ تَتَحَقَّقَ. وقد أخبَرْتُكُم في هذا الصَّباحِ أنَّهُ في ثلاثِ ساعاتٍ حالِكَةٍ الظَّلامِ، تَمَكَّنَ يَسوعُ مِنْ حَمْلِ عِقابٍ غيرِ مَحْدودٍ، العِقابَ الأبديَّ الَّذي يَسْتَحِقُّهُ جَميعُ النَّاسِ الذينَ آمَنُوا (أوْ يُؤمِنونَ أوْ سِيُؤمِنون) لأنَّهُ شخصٌ غيرُ مَحدودٍ، ولديهِ قُدرة غير مَحدودة، ولأنَّ قُدرَتَهُ على حَمْلِ العِقابِ لا تَحُدُّها حُدود.
وهذا هوَ فقط الجانِبُ الأوَّلُ للموضوع. فاللهُ عامَلَهُ كما لو كانَ هُوَ الَّذي اقتَرَفَ كُلَّ خطيَّةٍ ارتَكَبَها يومًا كُلّ شخصٍ سيُؤمِنُ بهِ. ثُمَّ نَجِدُ الجانِبَ الآخَرَ لعقيدةِ الكفَّارةِ البدليَّةِ في نهايةِ العدد 21: "لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" ... "لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ". والآن، استَمِعُوا جيِّدًا: فيجب أن تَفهموا ذلكَ وإلَّا فإنَّكم لن تَفهموا الصُّورةَ الكاملةَ لهذه الآيةِ الرَّائعةِ. هل أنْتُم أبرار؟ أنْتُم تَقِفونَ أمامَ اللهِ أبرارًا. ولكِنْ هل أنتُم أبرار؟ إذا كانَ لديكَ أيُّ سُؤالٍ بخصوصِ هذا الأمْرِ، اسأل الشَّخصَ الَّذي يَجلسُ بجانِبِكَ فتَحصُلُ على جَوابٍ صَريح. هل أنْتَ بارٌّ؟ لا! فبولسُ قالَ في ذُرْوةِ نُضْجِهِ الرُّوحِيِّ: "أنا أوَّلُ" ماذا؟ "الأبرار"؟ لا! لا! "أنا أوَّلُ الخُطاة". فأنتُم لستُم أبرارًا. وما مَعنى هذا؟ هذا يَعني أنَّ اللهَ يُعامِلُكُمْ كما لو كُنْتُم أبرارًا. واسمَحوا لي أنْ أَخْطُو خُطوةً أُخرى. فعلى الصَّليبِ، قامَ اللهُ بمُعاملةِ ابنِهِ كما لو أنَّهُ عاشَ حَياتَكُمْ لكي يَتمكَّنَ مِنْ مُعامَلَتِكُمْ كما لو أنَّكُمْ عِشْتُمْ حَياةَ ابْنِهِ. فهذهِ هيَ نَظْرَةُ اللهِ لَكَ. فَهُوَ يَنْظُرُ إلى الصَّليبِ ويَراكَ. وَهُوَ يَنْظُرُ إليكَ وَيَرى ابْنَهُ. لذلكَ فإنَّهُ ليسَتْ هُناكَ دَيْنونَة.
والآن، كَما تَعلمونَ، قَدْ يَقولُ قائلٌ: آه! حَسَنًا! لو كُنْتُ مَكانَ اللهِ، أعْتَقِدُ أنِّي كُنْتُ سَأُعالِجُ الأمْرَ بطريقةٍ مُختلفة. فلماذا كانَ يَنبغي ليسوعَ أنْ يَعيشَ على الأرْضِ ثَلاثًا وثلاثينَ سَنَةً وَأنْ يَخْتَبِرَ كُلَّ ذلك؟ وما أَعنيهِ هُوَ: لماذا لم يَذْهَبِ الآبُ إليهِ وَيَقُل لَهُ: "هل يُمكنني أن أستخدِمَكَ في عُطلةِ نِهايةِ الأسبوعِ على الأرض؟ فعليكَ الذَّهاب إلى الأرضِ يومَ الجُمعة ليَقتلوك. ثُمَّ تَقومُ مِنَ الأمواتِ يومَ الأحَدِ وتَعودُ مَساءَ يومِ الأحَد بعدَ مَجموعَةٍ مِنَ الظُّهورات. وبذلكَ يَتحقَّقُ الفِداء. فأنا أحتاجُ إليكَ في عُطلةِ نهاية الأسبوعِ فقط". فما الحاجَةُ إلى العيشِ ثلاثينَ سَنَة؟ ما الحاجَةُ إلى ذلك؟ ولكنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُخْبِرُنا عَنْ سَبَبِ ذلك. فقد كانَ في كُلِّ الأوقاتِ يُجَرَّبُ مِثْلَنا، ولكِنْ بِلا ماذا؟ بِلا خَطِيَّة. وما أعنيهِ بذلكَ هُوَ منْ حِيْث التَّسَلْسُلِ الزَّمَنِيِّ مُنذُ وِلادَتِه. فقد كانَ في كُلِّ الأوقاتِ بلا خَطِيَّة. فقد عاشَ حَياةً كاملةً بلا خَطِيَّة: عندما كانَ طفلًا، وصَبِيًّا، ومُراهقًا، وشابًّا ناضجًا، ورَجُلًا رَاشِدًا – لقد عاشَ حياةً كاملةً، وَأَكْمَلَ كُلَّ بِرٍّ. لماذا؟ لأنَّ حياتَهُ تلكَ سَتُحْسَبُ لِحِسابِكَ. وهذا هُوَ بِرُّ المَسيحِ الفَاعِلِ الَّذي تَحَدَّثْنا عنهُ.
لذلكَ، على الصَّليبِ، قامَ اللهُ بمُعاملةِ يَسوعَ كما لو أنَّهُ عاشَ حَياتَكَ أنْتَ. وَهُوَ يُعامِلُكَ الآنَ كما لو أنَّكَ عِشْتَ حَياتَهُ. وهذا سَخاءٌ شَديدٌ مِنْهُ. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ يَنظُرُ إلى الصليبِ ويَراكَ. وهُوَ يَنظُرُ إليكَ ويَرى ابْنَهُ. وهذا خَبَرٌ سَارٌّ للخاطِئِ. وبولسُ يَقولُ: "لا يُمكنني أنْ أَنْظُرَ إلى أيِّ شخصٍ بأيِّ طَريقةٍ أُخرى سِوى أنَّهُ كِيانٌ رُوْحِيٌّ، وأنَّهُ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى رِسالةِ المُصالَحَة. وقد أُعْطينا هذهِ الخِدمة، وأُعْطينا هذهِ الرِّسالة. ونحنُ هُنا سُفَراءَ في عَالَمٍ أجْنَبِيٍّ. ولكِنْ لا يُمكننا أنْ نَنْظُرَ إلى النَّاسِ وَفْقًا لأشكالِهِم وَمَظاهِرِهِم، بل يَجِبُ علينا أنْ نَنْظُرَ إليهمْ وَفْقًا لِما هُمْ عليهِ حَقًّا، أيْ بِوَصْفِهِمْ أرواحًا أبديَّةً سَتَقضي الأبديَّةَ إمَّا في السَّماءِ أو في جَهَنَّم. لذلكَ فإنَّ الرِّسالةَ الَّتي ينبغي أنْ نُشارِكَها مَعَهُم هي رِسالةُ مُصالَحَةٍ تَقولُ إنَّ اللهَ يُحِبُّهُمْ حُبًّا جَمًّا، وَإنَّهُ يَتوقُ إلى تَقديمِ الغُفرانِ لهُم، وَإنَّهُ مُستعدٌّ لِمَحْوِ خَطاياهُم عَنْهُم واستبدالِها بِبِرِّهِ الذَّاتِيِّ كَما أُظْهِرَ مِنْ خِلالِ حَياةِ ابْنِهِ الكامِلَة. فقد عَاقَبَ ابْنَهُ كَما لو أنَّهُ عاشَ حَياتَكَ أنْتَ لِكَيْ يُكافِئَكَ كما لو أنَّكَ عِشْتَ حَياتَهُ. وَهَذا هُوَ مَجْدُ الإنْجيل.
نَشكُرُكُ، يا أبانا، على حَقِّكَ. فهذهِ الأعمالُ العَجيبَةُ تَفوقُ استيعابَنا. فنحنُ عَديمو الأهميَّةِ. ونحنُ خُطاةٌ تَمامًا. ونحنُ المُزْدَرى وغيرُ المَوجود. وبالرَّغمِ مِن ذلكَ فقد مَنَحْتَنا هذا الخلاصَ العظيم. ونحنُ نُصَلِّي أنْ نَكونَ مِثْلَ بولُس، أيْ أنْ نَكونَ مَحْصُورِينَ بهذهِ المحبَّة، وأنْ نُدرِكَ أنَّكَ لم تَفعل ذلكَ لأجلِنا نحنُ فقط، بل إنَّكَ مُتَّ لأجْلِ الجَميع. وليتَنا نقَدِّمُ حَياتَنا بِحَماسٍ وَدونَ تَرَدُّدٍ لخِدمةِ المُصالَحَةِ لكي نُخْبِرَ الخُطاةَ أنَّهُ بإمْكانِهِمْ أنْ يَتصالَحُوا مَعَ اللهِ المُحِبِّ والغَفورِ الَّذي سَيُعامِلُهُمْ كما لو كانُوا أبرارًا مِثْلَ ابْنِهِ الكامِلِ. وهذا مُتاحٌ مِنْ خِلالِ الإيمانِ باسْمِ المسيح. نَشكُرُكَ على هذا المَساءِ الرَّائِعِ الَّذي صَرَفْناهُ في الشَّرِكَة. ونَشكُرُكَ على هذا الامتيازِ في أنْ نَعْبُدَكَ. ونحنُ نَعلمُ أنَّكَ تُريدُ مِنَّا أنْ نَعْبُدَكَ بالرُّوح. وقد فَعَلْنا ذلكَ أثناءَ التَّرنيمِ إذْ رَنَّمْنا بالرُّوحِ والحَقِّ أيضًا. والآن، بعدَ أنِ ازْدَدْنا غِنَى بالحَقِّ، امْلأ قُلوبَنا بالفَرَحِ فيما نُواصِلُ عِبادَتَكَ باسْمِ ابْنِكَ. آمين.

This article is also available and sold as a booklet.